اخر الروايات

رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وثمانية عشر 218 بقلم اسماء حميدة

رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وثمانية عشر 218 بقلم اسماء حميدة 


    

الفصل 218

خمس سنوات كاملة تراكمت فوق ملامحهما كغبار ناعم لكنه لزج لا يزول بسهولة 

وقفت مارلين قبالة سيرين تحدق في ملامحها تحاول قراءة سطور رواية مألوفة لكن نهايتها كتبت بخط غريب مدت يدها في محاولة ماكرة لخرق المسافة لكنها فوجئت بالبرود في استقبالها فسيرين لم ترفع حاجبا لم تبد انفعالا بل اكتفت بابتسامة هادئة ذات حافة حادة تخفي أكثر مما تظهر وهمست

أهلا 

تجمدت يد مارلين في الهواء لحظة ثم انسحبت كأنها لم تكن ثم تراجعت خطوة وعينيها تبرقان بدهشة لم تستطع إخفاءها قبل أن تقول بصوت حاول أن يتقمص العفوية

هل تمانعين في أن نمشي معا 

كانت حكاية مارلين مع عائلة نصران أقدم من حكاية سيرين معهم ومع ذلك بدا دوما أن مارلين تبحث عن الضوء الذي تلقيه سيرين أينما حلت 

حين خطبت سيرين لظافر التصقت بها مارلين كظل وديع تؤدي دور الأخت الحانية لكن الأدوار لا تبقى أبدية فبعد أن تزوجت سيرين ووارى التراب والدها وانحدرت عائلة تهامي نحو هاوية لا قاع لها انكشفت الأقنعة يومها فقط رأت سيرين الوجه الحقيقي لمارلين وأدركت أن الممثلة لم تولد على خشبة مسرح بل خرجت إلى الدنيا وهي تحفظ أدوارها عن ظهر قلب 

في الممر الضيق خارج القاعة كان الليل يمد أصابعه على الجدران يرسم ظلالا مرتعشة من أثر خطواتهما حاولت مارلين أن تلقي بحبال واهية من الود فقالت بصوت ألبس نعومة مصطنعة

أتدرين لم أنم ليلتها حين سمعت بخبر وفاتك قبل خمس سنوات كنت حينها حاملا بمالك وكدت أن أفقده من شدة الصدمة 

رفعت سيرين حاجبها قليلا لم تندهش لم تصدق لكنها لم تكشف كذبها كانت قد تعلمت أن النضج يعني أحيانا أن تترك الآخرين يغرقون في مسرحياتهم فقالت بنبرة باردة تنحت كلماتها بسخرية لاذعة

هل كان ذلك خوفا 

ثم مالت ابتسامتها نحو العبث وأردفت تداعب چرحا قديما

أم كنت تخشين أن يطل عليك شبحي في الليل يطالبك بحساب 

ذلك المزاح لم يكن سوى خنجر فابتسمت مارلين كأنها لم تفهم لكن سيرين كانت تعرف

بعد زواجها من ظافر لم تترك لها مارلين بابا إلا وطرقته ولا فخا إلا وزرعته لتصنع لها متاعب تكفي لإغراق مدينة بأكملها 

ذات زمن ضاع بين شقوق الخۏف والرجاء اختفى ظافر كأن الأرض ابتلعته أو كأن الغياب قرر أن يصطفيه قرينا سافر إلى بلاد بعيدة لاهثا خلف مشروع غامض كسراب يتراقص على مشارف الأفق ثم انقطع خبره فجأة تاركا وراءه قلبا يتخبط بين الظنون قلب سيرين 

لم تكتف بالبكاء في صمت ولا بالتوسل في الظل بل صعدت كطفلة تائهة إلى أعلى سلم الخۏف مستغيثة بأهله راكعة على أعتاب أصحاب النفوذ تستجديهم ألا تمتد يد نصران وأتباعه لتبطش

من تحب كأنها ترجو نجاة من عاصفة لا ترى حدودها 

ظن الجميع أن ظافر ماټ ربما التهمته المنافي أو دفنته أسرار الدول التي لا تنام لكن سيرين لم تؤمن بالمۏت بل آمنت بأن قلبها لن يضلها فقررت أن تمضي وحدها تهرب من ظل الوطن إلى شوارع لا تعرف أسماءها مدفوعة بأمل هش يئن تحت وطأة الخۏف 

في أرض غريبة لا تعرف فيها اللغة ولا الإشارات كانت كزهرة سقطت على رصيف صاخب إلا أن القدر برغم عبثه ابتسم لها ذات نهار حين التقت بشريك ظافر التجاري مصادفة رجل غامض تكسو ملامحه غبار الصفحات المغلقة لكنه رأى في عينيها شيئا يشبه الحقيقة فساعدها لا فقط في إتمام الصفقة بل في إعادة نبض كادت تفقده 

ولم يكن ذلك كل شيء فعدنان والد ظافر رأى ما حدث من بعيد أعجبه شغفها وربما وجد فيها امتدادا خفيا لابنه فأدخلها دون أن يدري إلى متاهات عائلة نصران تلك العائلة التي تأكل أولادها إن أخطأوا وتغرس فيهم الخۏف قبل المحبة 

لكن الأحلام لا تعيش طويلا في قصر تملؤه العيون المترصدة كانت هناك مارلين سم يتجسد في هيئة امرأة تبتسم وتطعن ثم تبتسم مجددا نشرت الأكاذيب كالدخان زاعمة أن سيرين أغوت شخصية نافذة في المهجر وأنها باعت شرفها لتصل الكلمات التهبت كالڼار وسرعان ما وصلت أذني عدنان 

وحين سمعها انطفأت في عينيه آخر شمعة رحمة 

اركعي قالها بصوت خاڤت لكنه قاطع كسيف مسنون فأطاعته سيرين لا خنوعا بل لأن كرامتها كانت في صمتها 

ركعت ليوم كامل كأن الأرض تبتلع كبرياءها ببطء عضت على صبرها تبللت جبهتها بعرق الذل وعيناها زجاجيتان لا تدمعان كأن الحزن جف من فرط ما ارتوى منها 

ولم تكن تلك إلا صفحة من كتاب يفيض بالألم لم تعد تملك عدا لتلك اللحظات التي انكسرت فيها فكل يوم كانت تنمو في داخله ندبة جديدة وكل ندبة تروي حكاية لا صوت لها 

صدمت مارلين وقد لمعت عيناها للحظة لكنها سرعان ما استعادت قناعها المعتاد وارتسمت على شفتيها ابتسامة مصطنعة باردة كجدار زجاجي ومن ثم قالت بنبرة مصقولة بالسخرية

لقد أصبحت ظريفة على غير عادتك يبدو أن الغياب قد صقل حسك الفكاهي سنفتقدك 

مضت اثنتيهما بخطى متثاقلة كأن الأرض تحتهمة تخبئ شيئا لم يقل كانا ينسلان من ضوء القصر الذهبي إلى ظلال الفناء الخارجي حيث الأشجار تنصت والريح تهمس ذلك المكان ما إن وطأت سيرين تخومه حتى أطبق عليها شعور غريب ذاكرة قديمة فتحت صندوقها المغلق فجأة 

هل كانت هناك من قبل

نعم لكنها كانت فتاة تحمل اسمها فقط دون عبء الزواج دون ثقل الاسرار 

فمنذ أن أصبحت زوجة ظافر توقفت قدماها عن السير في ذلك الاتجاه كأنه


محرم عليها 

سألت سابقا مدبرات المنزل عن استخدامات هذا الجناح المنعزل لكنهن أجابن بهزات رأس باهتة وكأن الظل نفسه قد نسي حكايته 

توقفت مارلين عند عتبة الفناء حيث يختلط الحجر بالعشب والتاريخ بالخيبة وقالت بنبرة مسمۏمة بحلاوة مصطنعة

سيرين أتذكرين أنك أخبرتني ذات يوم أن ظافر خرج للبحث عنك بسبب المطر الذي هطل بغزارة فجأة 

تسمرت عينا سيرين في وجهها تحاول اقتفاء أثر النوايا بين الحروف 

نعم وما شأنك بذلك 

رفعت مارلين حاجبها الأيسر بتلك الطريقة التي كانت دوما تسبق سقوط القناع

لقد قلت أيضا إنه كان لطيفا حينها أليس كذلك 

تسللت قشعريرة إلى أعماق سيرين إحساس مباغت بالضيق وقد ثقل الهواء فجأة 

تابعت مارلين بنغمة خاڤتة تكاد تكون همسا مشوبا بالشماتة

أعتقد أن هناك شيئا يجدر بك رؤيته هناك في عمق هذا الفناء 

نظرت سيرين إلى المكان وكأن الأرض هناك تحبس أنفاسها تنتظر من يوقظها من سباتها 

قالت بحدة خاڤتة

ولماذا علي أن أستمع إليك كم مرة أوقعتني في فخاخك لا أثق بك يا مارلين 

هزت مارلين كتفيها بلا مبالاة متعمدة وابتعدت خطوة إلى الوراء ثم أردفت

الأمر عائد إليك لكن اسمحي لي بتحذير بسيط إن تجاهلت هذا فستندمين عاجلا أو آجلا 

وقبل أن تدير ظهرها تماما كما تفعل الساحرات في نهايات الحكايات الملعۏنة التفتت فجأة وكأن خاطرا مر بها كوميض

آه شيء أخير مجرد حدس مهما رأيت هناك أرجوك لا تذكري لأحد أنني من أرشدك اعتبريها مصادفة لا أكثر 

ثم ابتلعتها الظلال وظلت سيرين وحدها واقفة عند حافة السؤال الكبير هدوء خانق وكأن القصر بأكمله توقف عن التنفس الجميع منشغلون في المأدبة والأصوات من بعيد تصل هامسة بلا ملامح 

كانت وحدها هي والمكان وشيء غامض في الهواء شيء ينتظر أن يكتشف



المائتان وتسعة عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close