اخر الروايات

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وتسعون 190 بقلم اسماء حميدة

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وتسعون 190 بقلم اسماء حميدة 


  

الفصل 190

قال كارم بصوت هادئ لكنه مشبع بالثقة التي تخفي تحتها بحورا من التردد 

لا تقلق... سأكون مسؤولا عن كل شيء. 

كانت كلماته تنساب كقطرات ماء على صخرة تعرف أنها لن تغير شكلها لكنها تستمر رغم ذلك.

حدق به يامن للحظة ثم ابتسم بسخرية خاڤتة كمن اعتاد أن يرى القناع لا الوجه خلفه... هو يعرف كارم منذ الطفولة... يعرف متى يتظاهر بالصلابة ومتى يتكور خوفا داخل كبريائه.

فقال بنبرة خفيفة لكنها تحمل سما لطيفا 

أتود سماع شيء من النميمة حبيبة ظافر تأذت مؤخرا. 

ثم أضاف وهو يعبث بكلمات مشبعة بالتلميح 

رجل كظافر بارع في إدارة المال والرجال كيف له أن يفشل في قراءة القلوب كيف اختار امرأتين إلى هذا الحد معطوبتين من الداخل 

كانت كلماته كالشوك الناعم تنغرس في الذاكرة قبل أن تستقر في الأذن.

لكن كارم كالعادة اختار أن يكون جمادا... رد بصوت بارد كحد السکين جامد كالجليد 

لست مهتما. 

صمت مفاجئ تسرب إلى داخل السيارة كأن الهواء انكفأ مرة واحدة.

أدرك يامن أنه تجاوز الخط... وخطوته تلك مست قلبا ما زال ېنزف في صمت.

فهو يعلم جيدا أن دينا لم تكن مجرد خيار خاطئ لظافر بل كانت جزءا من المأساة التي اجتاحت قلب سيرين... وبالتبعية قلب كارم حين اختار ظافر أيضا المرأة التي أحبها كارم... لتكون زوجته.

سارع يامن إلى تبديل الموجة كما يغير الربان وجهة السفينة حين تهب الريح 

ومتى ستعود إلى أثينا يا صديقي 

ظل كارم صامتا للحظة يحدق عبر نافذة السيارة في ليل بدا كحبر سكبه الله فوق المدينة.

كانت عيناه غائرتين كأنهما تنظران إلى ما وراء الزجاج إلى مكان لا يراه أحد سواه... ثم قال بصوت خفيض يحمل في طياته ألف حكاية غير مروية 

سأبقى قليلا. 

وكأن تلك القليل قد تمتد لعمر بأكمله... لم يستطع يامن أن يمنع القلق من التسرب إلى نبرته كأنما الغياب الطويل قد صنع فجوة في قلب عائلة كارم لن تسد بسهولة.

كان يدرك أن الورثة يتكاثرون في الظلال وأن الزمن حين يغيب سيده يشجع الأيادي الطامعة على رفع رؤوسها.

فإن لم يعد كارم قريبا... فقد لا يكون هناك ما يعود إليه أصلا. 

على أسرة إحدى المستشفيات الفاخرة 

كانت دينا مستلقية كزهرة ذابلة انكمشت أوراقها تحت صقيع الألم... لفائف الضمادات تحاصر عنقها كأفعى بيضاء تخنق ما تبقى من كبرياءها وتذكرها كل ثانية بأنها اقتربت من المۏت حد التلامس وهذا بسبب حماقاتها السابقة وها هي تجني ثمار أخطائها ولكن هل سترتجع

قالت دينا بصوت مرتجف تختلط فيه دموعها الزائفة بالكلمات 

ظافر... أنا خائڤة ظننت أن هذه هي النهاية... وأنني سأودع الحياة في تلك اللحظة. 

لكن ظافر لم يتحرك. لم تلمع عيناه حزنا ولا امتدت

يده لاحتوائها كما كانت تتمنى بل ظل واقفا كتمثال من حجر عيناه ثابتتان وصوته خرج حادا يوجه سؤاله للحارس الواقف بجواره دون أن يلقي لها نظرة 

هل اطلعت على ما حدث 

أجابه الحارس بصوت حيادي كأنه يرتل تقريرا أمنيا لا علاقة له بالبشر 

نعم سيدي... في البداية دخل أحد معجبي السيدة دينا غرفتها ثم تبعته مجموعة من الرجال يرتدون السواد... تبين لنا لاحقا أنهم من رجال كارم. 

لم يدرك الحارس أن ذلك المعجب نفسه هو ذات الشخص المتورط في حاډث سيرين... لذا لم ير ظافر أيضا سببا للربط بين الأمرين.

أما دينا التي كانت تراقب الحديث عبست فجأة... وشيء ما في كلمات الحارس بعثر ترتيب أفكارها فتمتمت وصوتها بالكاد يسمع 

رجال كارم هل يعقل أن تكون سيرين... 

لكنها توقفت وكأن خوفا خفيا شد على لسانها لكن ما قالته لم يكن سوى كرة ألقتها في ملعب ظافر ومن ثم هزت رأسها بسرعة لتتقن مخططها كما لو أنها تطرد فكرة شيطانية تجرأت واقټحمت عقلها 

مستحيل... لم قد تفعل سيرين ذلك أنا لم أؤذها قط لا يمكن أن ترغب في قتلي! 

لكن الحقيقة كانت تنبض أسفل كلماتها تزمجر في صمت قاټل... فهي لم تتوقع يوما أن يكون كارم هو من أرسل من اختطف أنس ولم تتخيل أن الأمور قد بلغت هذا العمق... وهذا الخطړ.

شعرت بقلبها ينكمش كقطة مذعورة... لو لم تتصرف بسرعة لكانت الآن في عداد الأموات لا من أنس ولا من كارم... يكفيها فقط غدر ظافر.

أما ظافر فكان كمن يقرأ سطورا لا علاقة له بها. لم تلمس كلماتها شكا لديه ولا ظهر عليه ڠضب... ففي أعماقه كان يفرق تماما بين كارم وسيرين ولم يكن ليتورط في مطاردة سراب رسمته امرأة تتقن التمثيل أكثر مما تتقن البكاء.

قال ببرود قاطع وهو يهم بالمغادرة 

ينبغي أن ترتاحي جيدا. 

لكن دينا التي شعرت بالفراغ يداهمها كهاوية نادته باستعجال وكأنها تمسك بذراع الوقت قبل أن ينفلت من بين أصابعها 

ظافر سمعت أنك لم تذهب إلى المكتب مؤخرا... هل يمكنك البقاء فقط... كن هنا لا أريد أن أبقى وحدي. 

لم تكن تلك سوى نصف الحقيقة فما سمعته لم يقتصر على غيابه عن العمل... بل علمت أيضا أنه كان بصحبة سيرين في الآونة الأخيرة لذا كانت ضغينتها ضد غريمتها تشتعل كجمر تحت الرماد لكن ظافر دون أن يظهر أي انفعال رد بنبرة جامدة كالمعدن 

حتى لو بقيت فلن أسهم في شفائك سأضمن أن يشرف على حالتك أمهر الأطباء. 

ابتلعت دينا خيبتها وتراجعت عن استجدائها فهي تعرفه... وتعرف أن محاولة دفعه لفعل شيء لا يرغب فيه تعني فقط دفعه بعيدا أكثر فتنهدت وأبدلت توسلها

بتبرير فارغ 

هناك أمر عليك معرفته... لم أتواصل مع كارم قط لذا لا سبب يجعله يرغب في قتلي أليس كذلك 

لم يرد ظافر... لم ينبس بكلمة مجرد نظرة عابرة كانت آخر ما منحه لها ثم استدار وغادر الغرفة بخطوات صامتة كأنها ظلال.

وما إن خرج من جناح المستشفى واستقل سيارته حتى أمسك هاتفه واتصل بماهر...

قطع صوت الهاتف سكون الليل حين سأل ظافر في آخر المكالمة 

هل عادت سيرين إلى القصر 

وجاءه الرد كنسمة باردة تعبر صدرا متوترا 

نعم سيدي... لقد عادت. 

أغلق الهاتف ثم مال للأمام وقال للسائق بنبرة تحمل استعجالا غير معلن 

خذني إلى القصر الآن. 

انطلقت السيارة تسابق الوقت والقلق معا بينما جلس ظافر في المقعد الخلفي صامتا كجدار لكن داخله كان يغلي كغيمة محملة بالرعد إذ ظل صدى كلمات دينا يتردد في رأسه كترنيمة مشوشة يرفضها قلبه حتى وإن قبلها العقل.

كان يعلم أن سيرين بريئة من كل ما نسب إليها لأنها ببساطة لم تكن هناك كانت معه... أقرب إلى أنفاسه من الهواء ومع ذلك لم يستطع نزع الغصة التي زرعها اسم كارم في صدره... لم يكن الأمر متعلقا بشك بل بفكرة.

رجل آخر... يطمع في زوجتي. 

تلك العبارة وحدها كانت كافية لتهدم جبلا من الثقة... فالرجل لا يطيق أن يرى معشوقته في عيون سواه ولو كان العالم كله يعلم أنها له وقبل أن يغرق في مزيد من الهواجس كانت السيارة قد توقفت أمام بوابة القصر.

ترجل منها بسرعة تشي برجل تطارده نبوءة ما قلبه يخفق كما لو كان ينبه جسده من مصېبة لم تقع بعد.

ركض نحو الباب يفتحه بلهفة لكن الداخل استقبله بظلام دامس كأن المكان اختنق بالحزن وقرر أن يغلق عينيه.

تسللت البرودة إلى أطرافه وارتجف قلبه لا من البرد بل من الهاجس... وفجأة كما لو سحبت الستائر عن ذاكرته إذ ترددت كلماتها في رأسه 

فكر في هذا جيدا ظافر... إن رحلت إليها الآن فلن أفي بوعدي بعد ذلك. 

كأن صوتها خرج من بين الجدران لا من ذاكرته القريبة فأصابه الذهول وشعر بشيء يشبه السكتة يخنق نبضه وإذا به يركض نحو غرفتها... يفتح الأنوار واحدة تلو الأخرى كمن ينقب عن الروح وسط العتمة وحين فتح باب غرفتها أصابه الصمت كضړبة خنجر إذ وجد الغرفة خالية وفراشها مرتب بعناية لكن عبيرها غائب كأنها رحلت دون أن تترك وراءها حتى ظلا يدل على حضورها.

تجمد في مكانه لا يتحرك عيناه فقط تسبحان في الفراغ كأن الزمن قد علق اللحظة ليعذبه.

أحقا رحلت 

كان جسده هناك لكن روحه كانت تبحث عنها في كل زاوية في كل ظل في كل احتمال.

كم من الوقت ستغيب هذه المرة

وإلى أين ذهبت

لكن السؤال

الأكبر...

هل ستعود



المئة وواحد وتسعون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close