اخر الروايات

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وخمسة وسبعون 175 بقلم اسماء حميدة

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وخمسة وسبعون 175 بقلم اسماء حميدة 


  لفصل 175

كان الوقت يقترب من لحظة الانفجار اليومي أمام أبواب الروضة ذلك التوقيت الدقيق الذي يخرج فيه الأطفال كفيض من الأحلام الصغيرة المتراصة على عتبة المساء.

جلس طارق داخل سيارته الفاخرة يتفحص البوابة بعيني صياد لا يغمض له جفن... عيناه كانتا تفتشان عن ظل صغير ماكر يشبه حكاية لم تكتمل وحين لمح طيف زكريا يخرج من بين الزحام انكمشت حدقتاه كما تنكمش عدسة كاميرا صوب هدف لا مجال للخطأ فيه كن الحشود كانت كثيرة وآباء وأمهات يتزاحمون كأنهم يحاصرون براءة العالم في مكان واحد.

همس طارق في نفسه كمن يلقي أمرا عسكريا

لا تدعه يهرب... هذا الصغير يعرف كيف يختفي كما تختفي القطرة في البحر.

أما زكريا فكان في تلك اللحظة ينتظر كوثر كأي يوم عادي لكنه شعر بشيء غريب يزاحم الهواء من حوله... حدس مبهم كظل غامض يهمس في أذنه.

الټفت... فإذا بعيني طارق تلتقطانه من بين الزحام كقناص تعود على مطاردة الأرواح... برودة نظراته اخترق سكون زكريا فأجفله المشهد وكأن قلبه الصغير تلقى صدمة كهربائية... وتمتم بلهاث

كيف عرف مكاني

لم ينتظر إجابة بل انزلق بخفة قط دربته الأزقة وانطلق بين الأطفال كوميض لا يلحق.

من بعيد لاحظ مالك حركة زكريا فسأله بدهشة

زاك إلى أين تهرب

أجابه زكريا بخفة وهو يواصل مراقبة الموقف

شخص آخر جاء لاصطحابك اليوم... الأفضل أن تغادر قبلي.

لم يفهم مالك لكنه اتبع عيني زكريا ووقع بصره على الرجل الذي يقف كتمثال منحوت من الجليد.

قال مالك باندهاش مبهور

هذا السيد طارق! صديق العم ظافر! لم أظن أنه سيأتي ليأخذني اليوم!

ثم لوح بمرح أراك لاحقا زاك!

انطلق مالك نحو طارق باندفاع العصافير نحو الضوء.

في تلك اللحظة كان طارق قد تحرك من مكانه يهم باقتناص زكريا المختبئ بين الأطفال لكنه شعر بيد صغيرة تمسك بفخذه بإلحاح.

انحنى فتقاطع بصره بعيني مالك

عينان تشعان بالبهجة الطفولية كأنهما نجمتان في سماء داكنة.

سيد طارق! قالها مالك بصوت يملأه الحنين الطفولي والثقة العمياء.

أجفل طارق قليلا ثم سأل بجمود حذر

مالك ماذا تفعل هنا

رد الصغير ببراءة عذبة

ألم تأت من أجلي! أليس من المفترض أن تقلني اليوم

في تلك

اللحظة أدرك طارق أنه علق في فخ غير محسوب... فبينه وبين هدفه الصغير وقف طفل آخر يشبه قطعة من قلب عائلة نصران وهذا العائق كان كافيا لتعطيل خطة كاملة.

غاص طارق في حيرة خانقة وكأن سؤالا خفيا يسحب روحه من بين ضلوعه...

لماذا ظن مالك أن مجيئه كان من أجله

ألم يكن يكفي أن تعامله عائلة نصران كأنه تمثال من ذهب نحت على هيئة طفل

هل كان عليه هو الآخر أن ينضم إلى جوقة العابدين

فطارق لم يكن ممن يطربون لبكاء الأطفال أو لضحكاتهم المتناثرة كأوراق خريف مزعج بل كان يراهم كائنات صغيرة تستهلك الهواء والسکينة لذا انحنى وسحب مالك برفق بارد كما يزيح ثقل صخرة من على قلبه وقال بنبرة خالية من العاطفة

لقد أسأت الفهم يا مالك... أنا هنا لأبحث عن شخص آخر.

ارتسم ظل خيبة على وجه مالك كمن فقد لعبة ظن أنها ستنقله إلى عالم السحر.

لكن تلك الخيبة لم تلبث أن تحولت إلى دهشة.

لكن... زكريا قال لي...

توقف عقله عند تلك الجملة.

زكريا!

كيف علم أن طارق في طريقه

وهل يعرفه أصلا

ولماذا هرب فجأة

أسئلة اڼفجرت داخل عقل مالك كألعاب ڼارية بلا احتفال لكنه سرعان ما قرر ډفنها تحت بساط الطفولة.

هو فقط... يحب كل من يحيط بظافر مثله الأعلى لذا رفع رأسه وسأل بفضول طفولي مبطن بالاحترام

سيد طارق من الذي تبحث عنه

كان زكريا يعلم رغم صغره أن لا ظافر ولا طارق يملكان أبناء فقد همست له والدته ذات يوم أن هناك شيئا غير طبيعي يمنعهما من الإنجاب.

المسكينان ظافر وطارق! قالها مالك ذات مرة وهو يعانق دميته كأنها طفل لن يولد.

أما طارق فكان قد بدأ يفقد أعصابه رويدا بينما كان نظره يمشط المكان كأفعى تبحث عن فريستها.

تمتم طارق من بين أسنانه وهو يضغط قبضتيه معا

أبحث عن مشاغب صغير... حين أراه سألقنه درسا لن ينساه!

كان يعني زكريا ذاك الطفل الذي تملص منه كقطرة ماء هاربة من راحة يد.

ومع كل لحظة تمر كانت الرغبة في تلقينه درسا تندلع أكثر كما يشتعل فتيل في يد غاضب.

بمجرد أن سمع مالك كلمات طارق لم

خطر بباله للحظة واحدة أن المقصود هو زكريا ففي نظره كان زكريا مثالا يحتذى طالبا نجيبا فصيح اللسان حاضر الذهن يملك من الوقار ما يجعل من كلمة مشاغب نكتة لا تليق به.

هز مالك كتفيه ببساطة الطفولة وهمس

انتظر قليلا سأبحث عن هذا الطفل لك.

لكن طارق لم يكن يملك رفاهية الوقت كان يشعر بأن الهدف قريب أقرب من أن يفوت كظل يتسلل خلف غفلة.

وفجأة... لمحت عيناه هدفه... هناك في الزاوية يتحصن كعصفور مذعور يختبئ من صياد لا يعرف الرحمة فانقض طارق عليه كمن وجد الكنز المفقود وحمله بين ذراعيه بلهفة المنتصر

أيها المشاغب الصغير! ها قد وقعت أخيرا في قبضتي!

لكن... حين أدار الطفل ليواجهه تجمد الزمن.

الوجه الذي لاح إليه لم يكن لزكريا بل كان وجها غريبا ناعم الملامح تغمره الدهشة والخۏف كزهرة اقتلعت من تربتها فجأة.

وفي اللحظة التالية ارتج الهواء پبكاء صاخب كأن أحدهم صب في فم السماء صړخة طفل لا تعرف الصمت

أنت غريب! أريد أمي!

توقف الزمن مجددا لكن هذه المرة كان الجميع يحدق... أمهات وآباء معلمون وأطفال صمت مشحون بالارتياب يسبق العاصفة.

اللعڼة!!

تمتم بها طارق الذي لو لم يكن يرتدي ثوب الاحترام وملامحه مصقولة بهيبة العائلات العريقة لكان الآن مكبل اليدين پتهمة اختطاف طفل.

شعر طارق بالخزي يلسعه كالرماد وهو يعيد الطفل إلى الأرض برفق مربك.

لكن قبل أن ينبس بكلمة كان أحد الآباء قد اندفع نحوه وانتزع الطفل من بين يديه كمن ينقذ كنزا ثمينا من حريق وهدر غاضبا

هل جننت كيف تجرؤ على حمل طفلي سأستدعي الشرطة حالا!

كان وجه طارق جامدا كصخرة حطمها البحر ولكن عينيه امتلأتا بالشرر المكبوت لكنه قال بصوت خفيض مغلف بالاعتذار

أخطأت الطفل... أعتذر.

كان يود أن تنشق الأرض وتبتلعه أو يبتلع هو الطفلان معا زكريا وولد هذا الأب السمج من وجهة نظره ويغلق البوابة خلفه إلى الأبد.



المئة وستة وسبعون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close