رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة واربعة وستون 164 بقلم اسماء حميدة
الفصل 164
ترى هل كانت سيرين تتصرف على هذا النحو
أتخشى نظرته أتألمها خيبة توقعاته
أيعني لها كارم كل هذا القدر
هذا كان حديث العقل الباطن وجاء صوت ظافر حين نطق كان كطعڼة بطيئة نصلها ليس من حديد بل من مرارة.
أتهتمين لأمره إلى هذه الدرجة
لم تجبه... لم يكن لديها ما تقوله أو ربما كان في قلبها أكثر مما تحتمله الكلمات.
ظلت صامتة والدموع تنحت على وجهها خطوطا من الألم بينما كان هو عاجزا كمن يتأمل لوحة لا يفهمها لكنه يعرف أنها تحزنه.
في الماضي لم يكن بكاؤها يحركه قيد أنملة كان يرى فيه ضعفا لا يعنيه أما الآن فدموعها كانت كالخناجر وكل دمعة تنزلق على وجنتيها كانت تسقط ثقيلة على صدره.
اقترب منها ببطء صوته كان خاڤتا كأنه ينبثق من أعماق چرح لم يشفى
توقفي عن البكاء...
ثم انحنى وقبل جبينها كما لو كان يحاول بلثمه أن يمحو حزنها من جذوره.
اهتزت نظرات سيرين وحاولت التراجع لكنه كان أقرب من الظل وأكثر دفئا من الضوء... رفعت يدها في محاولة لإبعاده لكن يدها تراجعت... لم تستطع.
وفي اللحظة التالية قاطع الصمت صوت طرق خفيف كضړبة على الزجاج في ليلة خريفية
سيدة تهامي.
كان صوت النادلة من خلف الباب... ابتعد ظافر فجأة كما لو أن الهواء انقطع عنه وانحنى بالقرب من أذنها فاختلطت أنفاسه الساخنة بأنفاسها المرتجفة يهمس بصوت متحشرج من فرط اللهفة
افتحي الباب سيرين
نظرت إليه دون أن تجيب ومسحت دموعها بارتباك متعجل كأنها تحاول محو أثر ضعفها قبل أن تراه النادلة ثم فتحت الباب وهي تحاول أن تلم شتات روحها.
أغلقت الباب وراء الخادمة وقالت بصوت منخفض لكنه حاسم
سيد ظافر... أرجوك انصرف الآن... أحتاج إلى تغيير ملابسي.
أحس بالخۏف.. خوفا عليها وخوف منها... من بكاء قد يعود من كلمة قد تقولها فتوجعه أكثر مما يحتمله لذا خرج من الحمام وأغلق الباب خلفه.
وقف في الممر كمن أقصي من جنة لم يدخلها يوما يشعل سېجارة ومن ثم نفث دخانا رماديا حمل كل اضطرابه... يتسائل بينه وبين نفسه
لماذا تأثر إلى هذا الحد
ما الذي فعله بها ليرى دموعها تنهمر بهذا الۏجع
ولم يشعر بالذنب... فهي لا تزال زوجته حتى وإن عاندت.
في الداخل كانت سيرين تحاول أن تستجمع ذاتها وارتدت البلوزة الصيفية البسيطة التي أحضرتها لها النادلة لاعنة حظها العسر
وقفت سيرين أمام المرآة لوقت بدا أطول من اللازم تحدق في انعكاس لم تعترف به لامرأة تحمل ۏجعا لم تعد تعرف من أي طريق دخل.
وأخيرا... خرجت فوجدت ظافر لا يزال هناك يقف كتمثال تحت سماء رمادية وحين رأى وجهها
إلى أين أنت ذاهبة سأل بصوت خفيض لكنه يحمل ما لم يقال.
رفعت سيرين بصرها إليه وفيهما خليط من الحزن والتحدي وقالت
ألا تعرف بالفعل... سأذهب لتناول الغداء مع كارم.
كانت كلماتها كحبل قطعت به
خر ما بقي من رابط سحري كان بينهما منذ قليل خلف ذلك الباب الذي تقف أمامه توا.
لم يجب... بل لم تكن لديه الطاقة ليرى دموعها مرة أخرى لكن لو لم يكن يراقبها لما سمح لها بالمغادرة... لكنه سمح...
ربما بدافع الذنب وربما لأنه كان يعرف في داخله أن هناك أشياء لا يمكن إيقافها حتى وإن حړقت قلبه.
أما عنها فحين خفتت العاصفة في صدرها وعاد نبضها إلى إيقاعه المتردد عادت سيرين إلى قاعة الطعام.
كانت خطواتها هادئة لكن داخلها كان صاخبا كضوضاء الموانئ في العتمة.
وقعت عينيها عليه... كارم الذي بقى مرابطا في مكانه كجدار أمان كأنه الحياد الذي تمنته الروح بعد ارتطامها بعاصفة
ظافر... وقد وضع سترته الرمادية على ظهر مقعدها بخفة من يعرف ما ما تحتاج إليه دون أن تنطق شفاهها.
قال بنبرة حانية تخفي خلفها ارتباكا غير مألوف
أنت تشعرين بالبرد سريعا... طلبت من النادلة أن تجلب لك سترتي.
نظرت إليه سيرين بعينين لا تزالان عالقتين في مشهد آخر ثم همست
شكرا لك.
ارتدت السترة كما لو كانت تلوذ بدفء رجل لا تطاله النيران التي ټحرقها من الداخل.
طوال العشاء لم ينبس كارم بكلمة واحدة عن العلامات التي كانت شاهدة على ما لم يقال ولا على ما لم يفترض أن يرى بل اكتفى بالصمت النبيل الصمت الذي يعرف أن وقته ليس الآن... وظل يقدم لها الطعام كما لو كان يطعم ذاكرة فقدت شهيتها وهي تتلقاه بشرود وكأن الذوق قد اختفى من فمها بعد طعم الخيبة.
قال كارم بصوت منخفض يشبه لمسة يد على قلب منهك
سيرين إن كان هناك ما يزعجك... فقط أخبريني... لا تخفي عني الألم.
رفعت عينيها وابتسمت ابتسامة من تحاول إغلاق الباب دون أن يغلق
تمام.
كان يعلم أنها لم تكن تعني ما قالت... فقط تجيد التملص كما يجيد هو الصبر... فهي لن تطلب مساعدته ولن تمنحه كما كل مرة أكثر من صمتها الجميل.
بعد العشاء أوصلها كارم بنفسه إلى مجموعة آل نصران وانتظر حتى اختفى ظلها في الداخل ثم عاد إلى سيارته.
جلس كارم يتنفس ببطء لكن قلبه لم يطاوعه في التباطؤ وإذا بهاتفه يرن
وكان المتصل يامن صديقه ورفيق حماقاته القديمة الذي تسائل بحماس
كيف سارت الأمور هل صارحتها بمشاعرك
ظل كارم صامتا للحظة ثم أجاب وهو يحدق من خلال الزجاج الأمامي كمن يبحث عن شيء لا يرى
لا.
جاءه صوت يامن مشحونا بدهشة غاضبة
لماذا! تخاذلك هذا لا يشبهك أبدا!كارم... الحاسم دوما الجرئ الذي لا يهاب المجهول صار يتردد
أشعر... أنها لا تراني كما أراها... لذا أخاف أن أخسر صداقتها إن كشفت لها عما في قلبي.
ضحك يامن ضحكة قصيرة أشبه بالتهكم يقول بصدق لا مجاملة فيه
وهل هناك من تستطيع مقاومة سحرك!
لكن كارم لم يبتسم بل شد قبضته على المقود دون وعي قال بهدوء جليدي
المشكلة... أنها تحب
رجلا آخر.
توقفت ضحكة يامن فجأة وتحولت نبرته إلى حذر
ومن هو
لم يكن يعلم أن المرأة التي تشعل هذا الحديث هي سيرين تلك التي من أجلها عاد كارم إلى المدينة غير مبال بالخطړ.
رد كارم كمن يطلق رصاصة داخل غرفة مغلقة
ظافر.
لم تكن هناك حاجة للشرح... يامن يعرف ظافر... يعرفه كما يعرف نكهة المر.
ثم اڼفجر صوته بلعڼة مفاجئة
هل تحاول أخذ امرأته!
لم يكن في ذهن يامن سوى امرأة واحدة... دينا... امرأة تتنقل بين الرجال كما تتنقل العواصف بين المدن.
شد كارم على الهاتف وكأنه يريد أن يضغط على صدر من يحدثه
ولم لا ألا أستحق
ساد صمت ثقيل ثم قال يامن بصوت اتشح بالقلق
دينا ليست بتلك البراءة التي تدعيها. بإمكانك أن ترى في عينيها أن وراءها عاصفة... صدقني لا يستحق الأمر أن تضع نفسك في مواجهة مع ظافر بسببها.
لكن كارم لم يجبه لأن ما لم يعرفه يامن... أن المرأة التي يدور حولها كل هذا ليست دينا...
بل هي سيرين... المرأة التي أحبها ظافر وترك عليها آثارا لا تمحى... والمرأة التي أحبها كارم....
رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة واربعة وستون 164 بقلم اسماء حميدة
تعليقات

