اخر الروايات

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وثلاثة 103 بقلم اسماء حميدة

رواية عشق لا يضاهي الفصل المئة وثلاثة 103 بقلم اسماء حميدة 


  الفصل 103

لم تعد سيرين تقوى على احتماله ضاق صدرها بصوته بكلماته التي باتت تتسلل إليها كإبر صامتة تخدش كرامتها 

وفجأة ارتفعت يدها بضړبة حاسمة حتى سمع صوت ارتطام أدوات المائدة على الطاولة كصړخة ڠضب مكتومة ومن ثم قالت بنبرة تحمل من البرود ما يكفي لتجميد الحجرة 

شبعت 

نهضت كأنما تفر من چحيم داخلي وخطت خطواتها الأولى نحو الرحيل بينما ظل ظافر للحظة حائرا كطفل لم يفهم لماذا أغلق الباب في وجهه 

لكن حين ارتفعت خطواتها وغابت عنها ملامح التردد استيقظ داخله شيء ما فنهض على الفور كأنما التقطته موجة ندم مباغتة ومد يده ليقبض على معصمها قبضته لم تكن قاسېة لكنها كانت ملحة كأنها تقول لا ترحلي بعد 

ما الذي أغضبك سأل وصوته يحمل مزيجا من الدهشة والقلق 

سحبت يدها من بين أنامله كما تسحب ورقة من بين شفرتين وقالت بنبرة جارحة مغمورة لهيب السخرية 

غاضبة لست غاضبة سيد نصران أنت محق تماما كما عهدتك أنا وصديقتي كما قلت مجرد هواة ولهذا فقط استطاع رجالك أن يلقوا بها خلف القضبان ليوم كامل 

كانت الڠضبة تتوهج في عينيها كجمر لم يطفأ بعد تتحدث وكأنها تتقيأ خيبة أملها دفعة واحدة تتكلم لا لتشرح بل لټجرح 

أدرك ظافر حينها أن عليه أن ينزل كبرياءه عن عرشه أن يتخلى عن درعه الحديدي ليتكلم بلغة البشر لا بلغة الصفحات القانونية 

لم أكن أعلم أن المحامي الذي ذكرته دينا هو صديقتك قالها بصوت أشبه بهمسة خجولة كأنها اعتراف متأخر على بوابة الندم 

استمعت له بصمت يشبه السكون الذي يسبق العاصفة لم تقاطعه لكنها لم تظهر شيئا يوحي بالغفران 

شيء في عينيها أوقعه في حيرة لم يعرف لها مخرجا لم يكن يعرف أي كلمات ترقع هذا الشرخ لكنه حاول 

أخبريني فقط كيف أعوضها هل ترغبين أن أطلب من أحدهم الاعتذار لها 

كان في صوته رجاء لا يليق برجل مثله رجل اعتاد أن يأمر فيطاع لكن هذه المرأة وحدها استطاعت أن تدمر قواعده 

تملكت الدهشة وجه سيرين إذ لم تكن تتوقع في أبعد أحلامها أن يتراجع ظافر حتى هذا الحد لكن قبل أن تتشكل الإجابة على شفتيها انتابته نوبة سعال مكتوم تزامنا مع صوت مألوف شق أجواء الغرفة جاء من جهة الباب 

كان ماهر واقفا هناك وملامح وجهه تختصر الدهشة والارتباك كمن دخل مشهدا لا يفترض به أن يكون جزءا منه 

في اللحظة نفسها شد التوتر خيوطه حول ظافر كعنكبوت غاضب واستدار إليه بسؤال ڼاري 

لماذا لا تزال هنا 

أجاب ماهر محاولا الحفاظ على ما تبقى من وقار 

سيد نصران جئت فقط لأتأكد إن كنت تحتاج إلى شيء آخر 

كان يقف

هناك وكأن الأرض ضاقت به وكأن الهواء أثقل من أن يستنشق 

في الماضي كانت سيرين هي من تدير كل شؤونه الخاصة كل التفاصيل الصغيرة التي لم ينتبه لها أحد سواها كانت تتم على النحو المطلول 

أما الآن وقد اختارت الرحيل ألقي بكل تلك المهام على عاتق ماهر الذي بدا في تلك اللحظة كمن يتمنى لو تبتلعه الأرض بدلا من أن يظل واقفا شاهدا على هذه المواجهة 

في تلك اللحظة تفتح وعي ماهر على حقيقة لم يكن يدرك أبعادها كاملة وهي أن البقاء وجها لوجه مع ظافر دون وساطة أو حجاب يشبه الوقوف تحت شمس عمودية في صحراء لا ظل فيها 

كل التفاصيل الصغيرة معه كانت حقول ألغام حتى موعد تقديم الإفطار إن تأخر لدقيقة كان كفيلا بإشعال نيران الاستياء في عينيه 

ولم يكن الطعام وحده ما يثير ثوراته بل حتى موضع زر القميص وانحناءة ياقة المعطف ونسبة الدفء في كوب الحليب نعم كوب الحليب ذاته الذي ثار لأجله يوما وطرد طاقم العمل الخاص بالخدمة كاملا لأن درجة حرارته لم تكن مثالية كما يجب 

كان ظافر رجلا لا يرضى بالمتاح بل يطلب المستحيل ثم يسأل ببرود أين التأخير 

وتحت وطأة هذا الضغط المتواصل انسحب كثيرون موظفون بدوام جزئي لم تغرهم الرواتب العالية بقدر ما أرعبتهم نظرات ظافر المتجهمة التي لا تعرف الرضا فاختاروا السلامة وغادروا بصمت كمن يهرب من حقل معركة خاسر 

أما ماهر فبصفته المساعد الشخصي لم يكن يملك ترف الهروب 

كان عليه أن يتولى كل شيء بنفسه أن يكون الظل الذي يتحرك قبل أن يأمره سيده والصوت الذي لا يسمع والخطأ الذي لا يغتفر 

ومع مرور الوقت ومع كل تكليف جديد بدأ ماهر يرى في صبر سيرين شيئا خارقا شيئا يشبه التصوف في حضرة الطغيان 

كيف كانت تحتمل كل هذا الجنون الهادئ كيف كانت تطوع تفاصيل ظافر الجامحة دون أن تنكسر 

طوال سنوات خدمته لم يسمع ظافر يوما يشكو من إدارتها لشؤونه كانت تسير بجانبه كضوء خاڤت لا يطفأ حتى رحلت 

واليوم للمرة الأولى يرى ماهر ما لم يتخيله من قبل للمرة الأولى يرى ظافر يحاول أن يرضي أحدا أن يلين صوته أن ينزل جبروته عن عرشه 

ثم فجأة قطع ظافر الصمت كمن يسدل الستار على مشهد 

لا داعي لأن تأتي إلى هنا بعد الآن 

وكأنما ضړب ماهر بسهم بارد في صدره هل انتهى كل شيء هل جرد من مكانته بهذه البساطة 

تمتم ماهر مرتبكا 

سيد ظافر سأبذل جهدا أكبر أعدك سأتحسن 

كان ماهر قد قضى معه عقدا كاملا عشر سنوات من الأوامر الصارمة والليالي المتأخرة والمهام التي لا تنتهي 

فهل ينسف كل ذلك لأجل لحظة غيظ

عابرة 

لكن ظافر رفع يده كمن يشير إلى أن لا حاجة لهذا الدفاع 

أقصد يجب أن تركز على واجباتك الرئيسية في الشركة لا أريدك أن تتكبد عناء المجيء إلى القصر كل يوم 

صمت قصير تلاه تنهيدة من ماهر خرج منها ثقل علق في صدره منذ لحظات 

نعم سيدي قالها وهو يبتلع خوفا لم يهدأ بعد وكأنه نجا للتو من عاصفة دون أن يعرف إن كانت ستعود أم لا 

وبينما كان ماهر يهم بمغادرة القصر وقد أثقل خطواته بشيء من الحذر جاءه صوت ظافر من خلفه يحمل رنة مغايرة كما لو كان خارجا من تجويف صدر أرهقه الحنين 

كيف حال الطفل 

توقف ماهر وأدار رأسه نحوه ببطء كمن لم يتوقع هذا السؤال ثم أجاب بعد لحظة 

هادئ منذ الليلة الماضية يا سيدي مدبرة المنزل تقول إنه طفل مستقل يغتسل وحده ويرتدي ملابسه دون مساعدة حتى إنه سألني متى ستأتي لزيارته سيدي 

ساد الصمت بينهما كخيط شفاف غير مرئي لكنه مشدود على حافة الندم 

انكمشت ملامح ظافر قليلا كأنما التصقت روحه بجدار داخلي يرفض السقوط لكن عينيه أفصحتا عن اضطراب يعجز اللسان عن صياغته ومن ثم قال وهو يدفع بجملته نحو الهروب 

عد إلى المكتب الآن 

ثم سعل كأن صدره ېنزف 

رمقه ماهر بعين خبرت التعب ولاحظ الاصفرار الخاڤت الذي تسلل إلى ملامحه والذبول الذي استقر تحت عينيه فقال بتردد 

سيدي هل ترغب في أن أستدعي طبيبك أنت تسعل كثيرا هذه الأيام ويبدو عليك التعب 

لكن ظافر اكتفى بإشارة من يده كأنما يبعد عنه الهواء لا الفكرة ذاتها فهو يكره الطب والأطباء 

لا حاجة لذلك أنا بخير 

كان ينطق الجملة وهو يطالع من خلف الزجاج صورة سيرين التي كانت تقف وحدها خارجا لا تلتفت إليه وكأنها استعصت عليه بعد أن كان موطنها 

لم يستطع ماهر أن يقاوم الرغبة في قول ما اعتبره واجبا إنسانيا حتى لو تخطى المسموح وذلك بعد أن رأى شرود سيده بها فقال بصوت خفيض وكأنما يسر بندم لا يخصه 

سيد ظافر إن كنت تحب الآنسة تهامي فعليك أن تخبرها بعض القلوب لا تلتقط الإشارات وبعض النساء لا يفهمن الصمت حتى لو كان ېصرخ 

تجمدت ملامح ظافر للحظة ثم ارتفعت نظرته نحوه كأنما التصقت به نظرة نمر أزعج في كهفه وقال ببرودة تحمل في طياتها خنجرا 

شؤوني الشخصية لا تعنيك 

في تلك اللحظة خفت ضوء عيني ماهر خلف نظارته ذات الإطار الذهبي كأنما انطفأ فيه شيء ما وأدرك دون حاجة لتفسير أنه تجاوز الخط وأن الاقتراب من قلب ظافر مهما بدا هشا يظل منطقة محرمة يمنع فيها الاقتراب أو التصوير




المئة واربعه من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close