رواية غريبة في عالمك الفصل التاسع 9 بقلم رحاب حلمي
الفصل التاسع
*أنا ملاذك*
كان عبدالرءوف الكامل يجلس أمام مكتب يوسف الذي جلس خلف مكتبه ويستمع الى عبدالرءوف وهو يشكره: اللي عملته دة يابني يبين أد ايه انت انسان أصيل ويخليني متأكد أكتر ان اختياري كان في محله
فرد يوسف مبتسما: الموضوع ما يستاهلش كل دة يا عمي.
كان عبدالرءوف قد بدأ يعتاد على لقب عمي من يوسف بعد كتب كتابه على مريم فكان هذا هو اللقب الوحيد الذي يتناسب مع الوضع الجديد, فقال عبد الرءوف بنبرة بها بعض الحزن: لا يا بني يستاهل . انت ما تعرفش مدى ارتباط مريم بصاحبتها حياة . هي تقريبا أول واحدة تتعرف عليها من أول ما جات مصر وخصوصا بعد ما فشلت محاولاتي في التقريب بينها وبين عمتها. معرفتها بحياة فرقت معاها كتير أوي وخصوصا ان البنت فعلا كويسة ومحترمة وكان غيابها يوم الفرح ممكن يأثر كتير على مريم.
قال يوسف محاولا تغيير دفة الحديث: المهم. هما خلاص سافروا؟
عبدالرءوف: أه وزمانهم قربوا يوصلوا . انا طلبت من مريم انها تكلمني أول ما توصل.
يوسف: طب وحضرتك؟ هتسافر امتى؟
عبدالرءوف: انا هخرج من عندك وأطلع ع المستشفى هقابل الدكتور جمال وبعدين هسافر على طول.
يوسف بقلق: انت نويت خلاص؟
عبدالرءوف: بعد الفرح على طول ان شاء الله وأول ما اطمن على مريم. أرجوك يا يوسف خلي بالك منها.
فوضع يوسف يده على كف عبدالرءوف ليطمئنه وهو يقول: ما تقلقش . بس انت لسة مصر ع الموضوع دة؟
فهم عبدالرءوف ما يرمي اليه يوسف فقال: دة الحل الوحيد اللي أدامي عشان أبقا مطمن على مريم وكمان على وردة عمتها. انت عارف اني لو سبت الامور زي ما هية عايمة كدة مش بعيد أرجع والاقي كل حاجة خربت . وكمال بقا يعمل ما بداله.
يوسف: اللي تشوفه.
في تلك اللحظة سمع الاثنان طرقا على الباب فقال يوسف: ادخل
دخل وليد وقد ابتسم فور رؤيته لعبدالرءوف: أنا أسف كنت فاكرك لوحدك. ازيك يا عبد الرءوف بيه.هبقا أجيلك بعدين بقا يا يوسف.
وقبل أن يتوجه مرة أخرى ناحية الباب أوقفه صوت يوسف: استنى يا وليد. مفيش حد غريب . تقدر تقول اللي عندك.
فقال عبد الرءوف لوليد باسما: جرى ايه يا باشمهندس؟ مش عاوز تقعد معايا ولا ايه؟
فقال وليد محرجا: يا خبر. ودي معقولة بردو؟ انا قلت انكم ممكن تكونوا بتتكلموا في موضوع مهم ولا حاجة.
عبدالرءوف: لا يا سيدي, أنا خلاص كنت ماشي.
وليد ضاحكا: ليه بس؟ هو زي ما بيقولوا ولا ايه. اذا حضرت الشياطين يعني؟
عبدالرءوف وهو ينهض من كرسيه: ما تقولش كدة يابني. ربنا يبارك فيكم. انا فعلا كنت ماشي دلوقت عشان عندي شوية مشاوير وبعديها سفر للبلد. أستأذن أنا بقا دلوقت واسيبكم تكملوا شغلكم.
ونهض عبدالرءوف من كرسيه وكذلك فعل يوسف الذي كان يستعد لمصافحته وتوديعه وهو يقول: أوك, بس ما تنساش تبقا تتصل بيا وتطمني.
فأوميء عبدالرءوف برأسه موافقا ثم غادر المكان . وعندما اطمأن يوسف أنه أصبح هو وأخوه وليد وحدهما بالمكتب, جلس يوسف على كرسيه ونظر الى أخيه مستفسرا: خير ياسي وليد؟
وليد: انا سمعت انك اديت أجازة اسبوع لاستاذ محمود البدري مدير الحسابات.مع انك عارف كويس احنا اد ايه محتاجينه في الفترة دي.
يوسف: معلش يا وليد خلي مدحت يحل محله الاسبوع دة.
وليد بقلق: ماشي. بس ممكن اعرف ايه السبب؟ يعني هو عنده ظروف للدرجادي تستدعي الاجازة دي؟
يوسف: لا يا سيدي. انا عطيته الاجازة عشان خاطر بنته.
وليد بلهفة: حياة! مالها.
لاحظ يوسف مدى اهتمام أخيه ولهفته وقرر أن يسجل ذلك في ذاكرته, ثم أجاب وليد متعمدا ان يبدي عدم اهتمامه: ملهاش يا سيدي, كل ما في الأمر ان مريم كانت عاوزة حياة تحضر معاها الفرح ولان ابوها عمره ما كان هيرافق انه يسيب بنته تسافر لوحدها فاديتله هو كمان اجازة اسبوع ,ويا سيدي اهي مرة من نفسه.مانت عارف ان اديله كتير مش بياخد اجازات.
وليد بابتسامة ودون ان يدري فلت منه السؤال: يعني حياة دلوقت في البلد؟
فقال يوسف وهو يحاول أن يكتم ضحكته: اه يا سيدي. ليه كنت عاوزها في حاجة؟
أفاق وليد من شروده وعلم مدى الخطأ الذي أوقع نفسه فيه: هه,لالالا. أنا بس كنت بسأل احنا امتى هنسافر؟
يوسف متصنعا جهله بالامر: هنسافر فين وليه؟
وليد: جرى ايه يا عم يوسف؟ البلد طبعا. هو انت مش عندك فرح هتجهزله ولا ايه؟
يوسف: انا مش هروح غير يوم الحنة . واعمامك هيقوموا بالواجب. وانت كمان لو شايف ان مش وراك شغل مهم ممكن تسافر من النهاردة ع الاقل تكون متابع معاهم وانا اكون مطمن.
فهب وليد واقفا: طب عن اذنك بقا.
يوسف: على فين؟
وليد: ع البلد طبعا.هو انت غيرت رأيك ولا ايه؟
يوسف: لا يا كبير. بس يبقا طمني لما توصل وبلغني بالجديد.
وليد وهو يغادر: اوك يا boss سلام
يوسف: سلام.
وبعد مغادرة وليد قال يوسف محدثا نفسه بصوت عال نسبيا وهويبتسم: ربنا يسعدك يا صاحبي.
****************************
في فيلا عبدالرءوف الكامل بالصعيد كانت مريم تقف مع صديقتها حياة في الصالون لاستقبال ضيوفها وهن هادية وزوجتي أخويها وابنتها هدى فقالت مريم وهي تمد يدها لمصافحة هادية : أهلا وسهلا. ازي حضرتك
صافحتهاهادية وهي تدقق النظر اليها من قمة رأسها الى أخمص قدميها وهي تقول لها من بين أسنانها : اهلا بيكي يا بنيتي. نورتي البلد. انا هادية عمة يوسف ودي سعاد مراة أخوي حسين والتانية جميلة مراة أخوي سليمان
صافحت مريم الامرأتان ولم تغادر الابتسامة وجهها ,وعندما وصلت الى هدى بدأت هادية في تقديم ابنتها وهي تقول بتفاخر: ودي بجا بنتي هدى واللي ان شاء الله هتبجا سلفتك.
صافحت مريم الفتاة وقد لمست منها نفس موقف والدتها العدائي وهي تقول بعدم فهم: سلفتي؟!
هادية موضحة: ايوة, اصلها من زمان وهية مكتوبة على اسم ولد خالها وليد, وبعد ما تخلص علامها هنزفهم طوالي.
مريم: اااه. الف مبروك وربنا يتمم بخير.
حاولت جميلة تهدئة الأمور بين الاثنتين فسألت مريم بعد أن عادت من الخارج حيث ذهبت لتطلب لهم بعض المشروبات: الا جوليلي يا بنيتي .هية فين عمتك؟ مش المفروض انها تكون جنبك دلوجيت؟
فردت مريم بتوتر: هية هتوصل ان شاء الله بعد يومين. اصلها مشغولة شوية. وكمان انا معايا حياة مش بتسيبني خالص تقريبا,غير ساعة او اتنين بس عشان تروح تشوف باباها ومامتها.وعمتي بقا ربنا يكون في عونها. أكيد اول ما هتفضي هتيجي.
هادية: صحيح, ع الاجل عمتك مفيش لوم عليها. اللوم كله على الام اللي سايبة بتها اكدة لوحدها يوم فرحها.
ترقرقت الدموع في عيون مريم ولم تستطع الرد,وكالعادة تولت جميلة مهمة تغيير وجهة الحديث فقالت وهي تنظر ناحية حياة: الا جوليلي يا بنيتي ,مش انتي برديك بنت الاستاذ محمود البدري؟
حياة بابتسامة رقيقة: ايوة يا طنط
جميلة: بسم الله ما شاء الله.تبارك الله فيما خلج. والله كبرتي يا حياة وبجيتي عروسة زي الجمر.
حياة باستحياء: متشكرة يا طنط.
لم يعجب هادية طريقة جميلة في تغيير الحديث فأعادت الكرة مرة أخرى في مضايقة مريم وسألتها: وياترى بجا يا مريم انتي طالعة حلوة اكدة لامك.
مريم باحراج: فعلا يا طنط انا فيا شبه كبير أوي من ماما.
هادية بشماتة واضحة: ع العموم يا بنيتي ماهي مش بالحلاوة برديك. انا عرفت ان ابوكي طلج امك بعد جوازهم بتلات سنين. يعني الموضوع ما كنش يستاهل انه يعادي أهله لاجل خاطرها .
مريم بصوت هادىء في محاولة مستميتة لتجنب الشجار معها: ع العموم,دة كان قسمة ونصيب يا طنط, واللي حصل حصل. وما حدش يقدر يغيره.
وقبل ان تبدأ هادية من جديد في محاولة استفزاز مريم قالت سعاد وهي تهم بالوقوف: طب يا بنيتي , نستأذن احنا بجا , ولو احتجتي اي شيء احنا موجودين, انتي خلاص بجيتي مننا وأمرك يهمنا.
هادية بغيظ وهي تنهض بدورها: معلوم, مش هتتجوز زينة شباب عيلة سليم؟
شكرت مريم سعاد وصافحت الجميع وقامت بتوصيلهم حتى البوابة الرئيسية للفيلا, وعندما عادت كانت تغلي من الغضب فلاحظت حياة ذلك ,فحاولت التخفيف عن صديقتها: معلش يا مريم, ما تنسيش بردو ان باباكي الله يرحمه رفض انه يتجوزها وفضل مامتك عليها. فعادي انها تعمل كدة واكتر.
مريم وقد هدأت قليلا: عندك حق. والحمد لله اصلا اني مش هقعد هنا في البلد لاني كل ما بتيجي عيني في عين أي حد هنا بحس فيها بلوم وعتاب صحيح مش ليا بس حتى لو لبابا فأنا مش هقدر أستحملها.
فربتت حياة على كتفها مواسية: ولا يهمك يا قمر . الزمن أكيد هينسي , وخلاص انتي بجوازك من يوسف هتمحي كل اللي فات والناس مش هتفتكر غير انك مراة يوسف جلال اللي صيته في البلد هنا ولا العمدة نفسه.. وبعدين بقولك ايه بقا؟ انا زهقت خلاص من الحبسة دي, واديلي كتير ما شفتش البلد ,فايه رأيك لو نخرج ونتمشى شوية ,صدقيني البلد هتعجبك أوي.
مريم: اوك, وانا موافقة, بس ثواني هستأذن من جدو الاول.
ذهبت مريم الى حجرة المكتب حيث كان جدها يجلس ويقرأ في أحد الكتب سلمت مريم عليه فسألها بقلق: طمنيني يا حبيبتي,عملوا ايه الضيوف معاكي, وبالذات هادية كان ايه رد فعلها لما شافتك, معلش بقا سيبتك تقابليهم لوحدك لان دي عادات وتقاليد احنا مش هنقدر نكسرها.ولو عمتك كانت هنا كانت بقت معاكي في موقف زي دة.
فقالت مريم وقد قررت اخفاء الحقيقة عن جدها حتى لا تزيد من قلقه: ولا يهمك يا جدو, حفيدتك قدها وقدود. والناس بصراحة كانوا كويسين اوي معايا وأنا كمان حبيتهم أوي.
فتنهد عبدالرءوف بارتياح: طب الحمد لله. طمنتيني.
مريم: طب بقا يا سي جدو,أنا كنت جاية عشان استأذنك نخرج أنا وحياة شوية,اهو مننا نغير جو وكمان أتعرف على البلد ,قلت ايه؟
عبدالرءوف بقلق: هتخرجوا لوحدكم؟
مريم: وفيها ايه يا جدو؟ماهي حياة عارفة البلد حتة حتة يعني مش هنتوه.
عبدالرءوف: اوك يا حبيبتي,بس ما تتأخروش.
مريم بسعادة: حاضر يا جدو
وقبلت خد جدها ثم رحلت, وبالفعل خرجت الاثنتان وأخذتا تتجولان في القرية ,وهناك بعض الناس ممن كانوا يتذكرون حياة يحيونهما وبالطبع يبدون مدى اعجابهم بجمال مريم ويندهشون فور علمهم بحقيقتها, ظلتا هكذا لوقت طويل حتى حل المساء وكانتا تتمشيان بمحازاة ترعة محاطة بالاشجار فقالت مريم بتعب: خلااااص يا حياة,انا بجد تعبت وجعت اوي
فقالت حياة موافقة صديقتها: وانا كمان, ياللا بينا نروح.
وهما في طريقهما عائدتين سمعتا صوت منبه سيارة من بجوارهما, فتوجهت أنظار الفتاتين نحوها لتجدا انها سيارة وليد الذي قد أوقفها ونزل منها وبعد ان سلم عليهما, سأل: انتوا رايحين فين؟
فأجابت مريم: حياة كانت بتفرجني ع البلد
توجه نظره الى حياة التي كانت تتجنب نظراته بخجل: بجد؟! وياترى عجبتك؟
مريم بفرحة: اه طبعا,عجبتني جدا, انا اصلا اول مرة ازور الريف وبصراحة عجبتني شكل الخضرة والهدوء وكمان اكتر حاجة عجبتني اد ايه هنا الستات متعاونة جدا مع الرجالة تحس ان فيه نوع خاص من التفاهم بينهم مش موجود في المدينة.
حياة مؤكدة: دة حقيقي يا مريم. اصلا هنا هتلاقي المعنى الحقيقي للتعاون والمساواة بين الرجل والمرأة, كل واحد فيهم عارف واجباته قبل حقوقه وبيقوم بيها على أكمل وجه.
وعندما اختلست النظر الى وليد وجدت عينيه ممتلأة بنظرات الاعجاب مما جعل خداها يحمران خجلا ,في الحقيقة كانت تلك هي المرة الاولى التي يتجاهل فيها أحدهم مريم بجمالها الطاغي لينظر الى فتاة اخرى حتى وان كانت في جمال حياة الشرقي الأخاذ, مما جعل حياة تقول لمريم بضيق: مريم! احنا مش هنمشي بقا؟
فوجهت مريم اعتذارها لوليد: طب معلش بقا يا باشمهندس. عن اذنك عشان مش عاوزين نتأخر.
وليد: طب مانا ممكن أوصلكم بالعربية بدل ما تمشوا كل دة.
فأسرعت حياة بالرفض: لالالالا. مفيش داعي اننا نتعب حضرتك ,وكمان الطريق مش طويل.
وليد: اولا مفيش تعب ولا حاجة. ثانيا ذوقيا انا مش ممكن اسيبكم ترجعوا لوحدكم في الوقت دة. ثالثا بقا ودة الأهم ان مريم هتكون معانا دة لو كنتي يا ستي خايفة مني يعني.
حياة: ارجوك ما تفهمنيش غلط. انا ما كنش قصدي.
وليد: ولا يهمك , حصل خير. ياللا بقا يا ستي عشا ما تتأخروش فعلا.
ركبت الفتاتان في الكرسي الخلفي بالسيارة وتولى وليد بالطبع القيادة ,ظلوا هكذا في صمت الى ان قال وليد ليفتح مجالا للحديث: على فكرة يا مريم. يوسف قالي انه مش هييجي غير يوم الحنة بس انا هنا مكانه, يعني اي حاجة تحتاجيها هتلاقيني في الخدمة.
مريم: متشكرة اوي يا وليد.اكيد طبعا, انت زي اخوية الكبير.
وليد موافقا:طبعا دة شيء يشرفني.وربنا يتمملكم بخير.
مريم: ثانكس. وعقبالك.
نظر وليد الى المرآة أمامه التي كان قد وجهها ناحية حياة منذ ركوبهم السيارة ولكن حياة لم تكن قد لاحظت ذلك ,فقال وليد بسعادة ظاهرة: يارب يا مريم, ادعيلي ترضا عليا.
وقد فهمت مريم ما يرمي اليه ولكنها حاولت الا تبدي ذلك فسألته بابتسامة واسعة بمداعبة: هي مين دي يا عم العاشق؟
وليد بشرود وهو لا يرفع نظره عن المرآة: اللي بالي فيها.
فغمزت مريم لحياة وهي تقول لوليد: طب ما تقولها يا عم مجنون ليلى انت.
بدا على وجه حياة الضيق الشديد حيث بدأت تفهم الحوار بين الاثنين فقال وليد باسلوب جاد بعض الشيء: اكيد هيحصل يا مريم. وفي اسرع وقت ان شاء الله. بس ادعيلي انها توافق.
مريم: ومين المجنونة دي اللي ترفض واحد بيحبها بالشكل دة؟!
وفجأة قالت حياة مقاطعة الحوار في نفاذ صبر وانزعاج: خلاص احنا وصلنا, شكرا يا باشمهندس.
وشكرته مريم هي الاخرى ودعته الى الدخول معهما لمقابلة جدها ولكنه اعتذر وأجل الزيارة لوقت آخر,ثم نزلت هي اولا وخلفها اسرعت حياة الا ان اوقفهما صوت وليد الذي اسرع خلفهما وهو ينادي: آنسة حياة
توقفت الاثنتان وادارتا وجهيهما اليه فقال وليد مترددا وهو ينظر ناحية حياة: ممكن لو سمحتي كلمتين لوحدنا؟
ترددت حياة ولكن مريم أسرعت بالرد نيابة عنها منعا للاحراج: طب , انا هسبقك يا حياة.
ودخلت مريم الفيلا , فبادرت حياة بسؤال وليد وقد بدا الغضب في لهجتها واضحا: نعم؟! ايه الموضوع اللي حضرتك عاوز تكلمني فيه ولوحدنا؟ ومن امتى اصلا وانا بيني وبينك أسرار؟
وليد: طب ممكن تهدي شوية! انا اسف لو كنت سببتلك اي ازعاج بس الحقيقة احنا من اول ما اتقابلنا وانا حاسس انك مش طايقاني ومش عارف ايه السبب. هو انا عملت حاجة تضايقك؟
حياة: حضرتك ما عملتش اي حاجة وانا بتعامل معاك طبيعي جدا , ولو حضرتك شايف غير كدة فيبقا دي مشكلتك انت. وعن اذنك بقا عشان وقفتنا دي ما تنفعش.
ولم تنتظر رده بل أسرعت الى الداخل فقال وليد بتمني: ياريت يا حياة تكون دي الحقيقة فعلا.
********************************
جاءت ليلة الزفاف وسط الاغاني والزغاريد وكعادة الصعايدة كان الفرح منفصل العروسة تجلس وحدها مع النساء يصفقن ويرقصن بسعادة وكانت مريم ترتدي فستانا أبيضا طويلا يمتاز بالبساطة والرقة وتزين رأسها طرحة بيضاء اللون ايضا , ولا تضع على وجهها سوى بعض ادوات الزينة البسيطة زادتها جمالا ورونقا جعلت كل العيون مأخوذة بذلك الجمال الذي لم يروا له مثيلا من قبل, وفي الناحية الاخرى وقف يوسف ببدلته السوداء الأنيقة وبجانبه وليد بالخارج مع الرجال وقد كان يحيي الحفل فرقة المزمار والطبل البلدي وهناك من يرقص على الحصان والجميع يهنىء العريس ويدعو له بالسعادة والذرية الصالحة.
أما عبد الرءوف الكهل كان يجلس مع حسين وسليمان وكبار العائلتين في حجرة الضيوف وقد بدا عليهم الانسجام حيث بدأوا يتناسون الخلاف القديم. وبعد مرور وقت طويل همس وليد في أذن أخيه: جرى ايه يا عريس انت ناوي تقضي الليلة معانا ولا ايه؟ مش هتطلع لعروستك؟
فنظر يوسف في ساعته ثم قال لوليد: معاك حق.
وحيا يوسف الجميع بيديه وسط الهتاف وطلقات النيران,ثم صعد الى حجرته ,فطرق الباب وفتحه قبل أن يتلقى أي رد,وعندما دخل وأغلق الباب خلفه أسرعت مريم اليه وارتمت في حضنه وهي ترتعش وقد أصابها الذعر الشديد وهي تلهث من البكاء: يوسف! الحقني يا يوسف, ابعدهم عني.
نظر يوسف الى الاتجاه الذي تشير اليه ليجد عمته هادية وعمتها وردة وكذلك جميلة وسعاد فسألهم بشك وهو يضم مريم اليه بيده اليمنى مهدئا اياها: هوة ايه اللي بيحصل بالظبط؟
فاقتربت منه هادية مما جعل مريم تختبىء خلفه: ولا حاجة يا ولد أخوي, سلامتك.
يوسف: طب بعد اذنكم ممكن تسيبونا لوحدنا؟
هادية بغضب: كيف دة؟! والناس اللي مستنيين تحت عشان يفرحوا وجدها اللي مستني يطمن على شرف بته هنجله ايه عاد؟
فهم يوسف ما تقصده عمته وما جعل مريم تنتفض رعبا بهذا الشكل, ففكر قليلا في كيفيه التصرف في تلك المشكلة ثم قال بهدوء لعمته: طب معلش يا عمتي, اللي انتم عاوزينه دة مش ممكن يحصل.
هادية: انت بتجول ايه يا ولدي؟ انت نسيت عوايدنا ولا ايه؟ولا تكون مش واثج في عروستك.
وهنا تكلمت وردة لأول مرة فصاحت غاضبة بلهجتها الصعيدية التي تحاول تجاهلها عندما تكون في القاهرة: انتي بتجولي ايه يا هادية؟ احنا بتنا أشرف من الشرف.
هادية: ولما هية أشرف من الشرف خايفين ليه عاد؟
يوسف:عمتي! كفاية لحد كدة. انا مش هقبل أي كلمة تاني عن مراتي اللي سمعتها بقت من سمعتي.
هادية بسخرية: مرتك ! اللي اتولدت وعاشت عمرها كله في بلاد الخواجات واطبعت بطبعهم؟
وردة: وبعدين وياكي يا هادية ؟وايه أخرة كلامك الماسخ دة؟
هادية: ولا جبلين يا خيتي.انتم احرار. بس شوفوا بجا هتجولوا للناس ايه عاد.
يوسف: طب لو سمحتوا تنزلوا معايا دلوقت؟
وقبل ان يتحرك يوسف وجد ان مريم متشبثة به ترفض ان تتركه وهي تنظر برعب الى عيني هادية المخيفة فمسح يوسف بحنان على رأسها وهو لا يدري أيغضب من عمته التي تسببت لها بكل ذلك القلق والخوف؟ أم يشكرها لان بسببها وللمرة الاولى ترتمي مريم في حضنه وبارادتها؟ همس يوسف لمريم وهو يحتضن وجهها بكفيه: مريم. ما تخافيش , خمس دقايق مش أكتر وهتلاقيني عندك.
مريم وقد غسلت الدموع وجهها: لا , أرجوك ما تسبنيش لوحدي.
يوسف: مريم . انا لازم انزل عشان احل المشكلة دي, واقولك على حاجة؟ انا هقفل الباب من برة بالمفتاح وهاخد المفتاح في جيبي ,وبكدة محدش هيقدر يدخلك وانا مش موجود. اوك؟
أومأت مريم موافقة ,فقبل يوسف رأسها ,ثم خرج بعد خروج الجميع من الحجرة وكما وعد مريم أغلق الباب بالمفتاح ووضعه بجيبه, نزل يوسف وتوجه الى المضيفة فتعجب الرجال من رؤيته ,ولكنه لم يبال بنظراتهم فنادى لعبدالرءوف و حسين عمه الكبير , خرج الاثنان فبدأ يوسف الحديث موجها كلامه لعبدالرءوف: يا عمي ,بعد اذنك انا شايف ان مفيش داعي للي هيحصل دة طالما انا وحضرتك واثقين في مريم دة غير ان دي اصلا حاجة ما تهمش حد غيرنا.ولا انت ايه رأيك.
عبدالرءوف: والله معاك حق يابني, انا موافق على اي حاجة هتعملها.
حسين: كيف دة؟ دي عوايدنا وتجاليدنا ولا انتم عيشتكوا في مصر خليتكم تنسوا اللي اتربينا عليه؟
يوسف: لا يا عمي احنا ما نسيناش. لكن مش اي حاجة اتعودنا عليها تبقا صح, فيه حاجات غلط ومحتاجة لتصحيح ودي اولهم.
فقال حسين بغضب: انتم احرار . اعملوا اللي على هواكم.
ثم تركهم وذهب فقال عبدالرءوف بامتنان ليوسف: انا متشكر اوي يابني. انت مش عارف انت اد ايه عليت في نظري. بس هنقول ايه للناس دي كلها؟
يوسف: ما تقلقش يا عمي, انا ووليد هنتصرف
وبعد فترة استطاع وليد ويوسف ان يصرفا معظم المدعوين حيث لم يتبقا الى الاقارب فقط الى ان قال وليد ليوسف: خلاص بقا يا بطل. سيبلي انا الباقي وروح انت لعروستك.
يوسف وقد بدا عليه الارهاق: تسلم يا وليد.نتعبلك في فرحك ان شاء الله.
وليد: ماشي يا عمنا, طب اتفضل بقا من غير مطرود احسن اقول انك بتتهرب من العروسة ولا حاجة.
يوسف: ما تحترم نفسك ياد.
وليد: ماشي يا كبير
يوسف: طب تصبح على خير
وليد: وانت من أهله يا صاحبي. وصباحية مباركة مقدما ان شاء الله.
يوسف: الله يبارك فيك.
وفعلا دخل يوسف المنزل وترك وليد ليتصرف بنفسه , فنظر ذلك الاخير من بعيد ليلمح حياة تقف وحدها , فتخيل انه يحلم ولكنها كانت هي بالفعل,فتوجه اليها,وعندما رأته حياة رسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول: ألف مبروك يا باشمهندس وعقبالك.
وقبل ان ينتبه لكلامه وجد نفسه يقول: انا وانتي في ليلة واحدة ان شاء الله, وعندما وجد التغير في ملامحها حيث عاد مرة اخرى اليها الضيق والحزن,فقرر ان يغير الموضوع فسألها: انتي واقفة كدة ليه؟
حياة: مستنية بابا اصل بعت كريم اخوية عشان يناديله ومش عارفة اتأخروا ليه؟ خلاص دول جايين هناك اهو.
انتظرهما وليد مع حياة وكان بصحبتهما شخصا اخر يرتدي قميصا وبنطلونا وعندما اقترب الثلاثة منهما قال محمود لوليد وهو يمد يده لمصافحة وليد: الف مبروك يا باشمهندس. وعقبالك.
وليد وهو يصافحه: الله يبارك فيك يا استاذ محمود. وعقبال الانسة حياة.
ثم استطرد كلامه وكأنه تذكر شيئا اخر: وطبعا كريم.
ثم تولى محمود مهمة التعريف بذلك الغريب: دة بقا يا باشمهندس علاء ابن اخويا خريج السنادي هو باشمهندس بردو بس تخصص هندسة ماكينات.الحقيقة انا كنت عاوز اتوسطله عند الباشمهندس يوسف عشان يشغله في الشركة.
فسلم وليد على علاء وهو يقول: انت شايف ان يوسف مش هيكون فاضي اليومين دول يبقا قدملي انا الورق وان شاء الله خير.
وهنا نظر علاء الى حياة ومد لها يده وهو يقول مبتسما: مش معقول! حياة! ازيك .وحشاني يابنت عمي.
فمدت له حياة يدها وقد شعرت بنظرات وليد مسلطة عليهما كادت ان تحرقهما معا.
****************************
فتح يوسف الباب بالمفتاح ليجد مريم مختبئة خلف أحد الكراسي كالطفلة التي تهرب من شرب اللبن ,وعندما اطمئنت بدخول يوسف خرجت من مخبئها وكان القلق يعلو ملامحها وهي تنظر ناحية باب الحجرة المغلق فطمئنها يوسف قائلا: ما تخافيش. خلاص الموضوع انتهى.
بدأ الارتياح يتسلل الى ملامحها فقالت له: متشكرة. متشكرة اوي ليك يا يوسف.
فاقترب منها يوسف بخطى ثابتة وهو يقول: متشكرة على ايه؟ انتي خلاص بقيتي مراتي. وحمايتك بقت مسئوليتي. ومفيش حد في الدنيا كلها دي هيقدر يمس شعرة منك طالما انا لسة عى قيد الحياة
*أنا ملاذك*
كان عبدالرءوف الكامل يجلس أمام مكتب يوسف الذي جلس خلف مكتبه ويستمع الى عبدالرءوف وهو يشكره: اللي عملته دة يابني يبين أد ايه انت انسان أصيل ويخليني متأكد أكتر ان اختياري كان في محله
فرد يوسف مبتسما: الموضوع ما يستاهلش كل دة يا عمي.
كان عبدالرءوف قد بدأ يعتاد على لقب عمي من يوسف بعد كتب كتابه على مريم فكان هذا هو اللقب الوحيد الذي يتناسب مع الوضع الجديد, فقال عبد الرءوف بنبرة بها بعض الحزن: لا يا بني يستاهل . انت ما تعرفش مدى ارتباط مريم بصاحبتها حياة . هي تقريبا أول واحدة تتعرف عليها من أول ما جات مصر وخصوصا بعد ما فشلت محاولاتي في التقريب بينها وبين عمتها. معرفتها بحياة فرقت معاها كتير أوي وخصوصا ان البنت فعلا كويسة ومحترمة وكان غيابها يوم الفرح ممكن يأثر كتير على مريم.
قال يوسف محاولا تغيير دفة الحديث: المهم. هما خلاص سافروا؟
عبدالرءوف: أه وزمانهم قربوا يوصلوا . انا طلبت من مريم انها تكلمني أول ما توصل.
يوسف: طب وحضرتك؟ هتسافر امتى؟
عبدالرءوف: انا هخرج من عندك وأطلع ع المستشفى هقابل الدكتور جمال وبعدين هسافر على طول.
يوسف بقلق: انت نويت خلاص؟
عبدالرءوف: بعد الفرح على طول ان شاء الله وأول ما اطمن على مريم. أرجوك يا يوسف خلي بالك منها.
فوضع يوسف يده على كف عبدالرءوف ليطمئنه وهو يقول: ما تقلقش . بس انت لسة مصر ع الموضوع دة؟
فهم عبدالرءوف ما يرمي اليه يوسف فقال: دة الحل الوحيد اللي أدامي عشان أبقا مطمن على مريم وكمان على وردة عمتها. انت عارف اني لو سبت الامور زي ما هية عايمة كدة مش بعيد أرجع والاقي كل حاجة خربت . وكمال بقا يعمل ما بداله.
يوسف: اللي تشوفه.
في تلك اللحظة سمع الاثنان طرقا على الباب فقال يوسف: ادخل
دخل وليد وقد ابتسم فور رؤيته لعبدالرءوف: أنا أسف كنت فاكرك لوحدك. ازيك يا عبد الرءوف بيه.هبقا أجيلك بعدين بقا يا يوسف.
وقبل أن يتوجه مرة أخرى ناحية الباب أوقفه صوت يوسف: استنى يا وليد. مفيش حد غريب . تقدر تقول اللي عندك.
فقال عبد الرءوف لوليد باسما: جرى ايه يا باشمهندس؟ مش عاوز تقعد معايا ولا ايه؟
فقال وليد محرجا: يا خبر. ودي معقولة بردو؟ انا قلت انكم ممكن تكونوا بتتكلموا في موضوع مهم ولا حاجة.
عبدالرءوف: لا يا سيدي, أنا خلاص كنت ماشي.
وليد ضاحكا: ليه بس؟ هو زي ما بيقولوا ولا ايه. اذا حضرت الشياطين يعني؟
عبدالرءوف وهو ينهض من كرسيه: ما تقولش كدة يابني. ربنا يبارك فيكم. انا فعلا كنت ماشي دلوقت عشان عندي شوية مشاوير وبعديها سفر للبلد. أستأذن أنا بقا دلوقت واسيبكم تكملوا شغلكم.
ونهض عبدالرءوف من كرسيه وكذلك فعل يوسف الذي كان يستعد لمصافحته وتوديعه وهو يقول: أوك, بس ما تنساش تبقا تتصل بيا وتطمني.
فأوميء عبدالرءوف برأسه موافقا ثم غادر المكان . وعندما اطمأن يوسف أنه أصبح هو وأخوه وليد وحدهما بالمكتب, جلس يوسف على كرسيه ونظر الى أخيه مستفسرا: خير ياسي وليد؟
وليد: انا سمعت انك اديت أجازة اسبوع لاستاذ محمود البدري مدير الحسابات.مع انك عارف كويس احنا اد ايه محتاجينه في الفترة دي.
يوسف: معلش يا وليد خلي مدحت يحل محله الاسبوع دة.
وليد بقلق: ماشي. بس ممكن اعرف ايه السبب؟ يعني هو عنده ظروف للدرجادي تستدعي الاجازة دي؟
يوسف: لا يا سيدي. انا عطيته الاجازة عشان خاطر بنته.
وليد بلهفة: حياة! مالها.
لاحظ يوسف مدى اهتمام أخيه ولهفته وقرر أن يسجل ذلك في ذاكرته, ثم أجاب وليد متعمدا ان يبدي عدم اهتمامه: ملهاش يا سيدي, كل ما في الأمر ان مريم كانت عاوزة حياة تحضر معاها الفرح ولان ابوها عمره ما كان هيرافق انه يسيب بنته تسافر لوحدها فاديتله هو كمان اجازة اسبوع ,ويا سيدي اهي مرة من نفسه.مانت عارف ان اديله كتير مش بياخد اجازات.
وليد بابتسامة ودون ان يدري فلت منه السؤال: يعني حياة دلوقت في البلد؟
فقال يوسف وهو يحاول أن يكتم ضحكته: اه يا سيدي. ليه كنت عاوزها في حاجة؟
أفاق وليد من شروده وعلم مدى الخطأ الذي أوقع نفسه فيه: هه,لالالا. أنا بس كنت بسأل احنا امتى هنسافر؟
يوسف متصنعا جهله بالامر: هنسافر فين وليه؟
وليد: جرى ايه يا عم يوسف؟ البلد طبعا. هو انت مش عندك فرح هتجهزله ولا ايه؟
يوسف: انا مش هروح غير يوم الحنة . واعمامك هيقوموا بالواجب. وانت كمان لو شايف ان مش وراك شغل مهم ممكن تسافر من النهاردة ع الاقل تكون متابع معاهم وانا اكون مطمن.
فهب وليد واقفا: طب عن اذنك بقا.
يوسف: على فين؟
وليد: ع البلد طبعا.هو انت غيرت رأيك ولا ايه؟
يوسف: لا يا كبير. بس يبقا طمني لما توصل وبلغني بالجديد.
وليد وهو يغادر: اوك يا boss سلام
يوسف: سلام.
وبعد مغادرة وليد قال يوسف محدثا نفسه بصوت عال نسبيا وهويبتسم: ربنا يسعدك يا صاحبي.
****************************
في فيلا عبدالرءوف الكامل بالصعيد كانت مريم تقف مع صديقتها حياة في الصالون لاستقبال ضيوفها وهن هادية وزوجتي أخويها وابنتها هدى فقالت مريم وهي تمد يدها لمصافحة هادية : أهلا وسهلا. ازي حضرتك
صافحتهاهادية وهي تدقق النظر اليها من قمة رأسها الى أخمص قدميها وهي تقول لها من بين أسنانها : اهلا بيكي يا بنيتي. نورتي البلد. انا هادية عمة يوسف ودي سعاد مراة أخوي حسين والتانية جميلة مراة أخوي سليمان
صافحت مريم الامرأتان ولم تغادر الابتسامة وجهها ,وعندما وصلت الى هدى بدأت هادية في تقديم ابنتها وهي تقول بتفاخر: ودي بجا بنتي هدى واللي ان شاء الله هتبجا سلفتك.
صافحت مريم الفتاة وقد لمست منها نفس موقف والدتها العدائي وهي تقول بعدم فهم: سلفتي؟!
هادية موضحة: ايوة, اصلها من زمان وهية مكتوبة على اسم ولد خالها وليد, وبعد ما تخلص علامها هنزفهم طوالي.
مريم: اااه. الف مبروك وربنا يتمم بخير.
حاولت جميلة تهدئة الأمور بين الاثنتين فسألت مريم بعد أن عادت من الخارج حيث ذهبت لتطلب لهم بعض المشروبات: الا جوليلي يا بنيتي .هية فين عمتك؟ مش المفروض انها تكون جنبك دلوجيت؟
فردت مريم بتوتر: هية هتوصل ان شاء الله بعد يومين. اصلها مشغولة شوية. وكمان انا معايا حياة مش بتسيبني خالص تقريبا,غير ساعة او اتنين بس عشان تروح تشوف باباها ومامتها.وعمتي بقا ربنا يكون في عونها. أكيد اول ما هتفضي هتيجي.
هادية: صحيح, ع الاجل عمتك مفيش لوم عليها. اللوم كله على الام اللي سايبة بتها اكدة لوحدها يوم فرحها.
ترقرقت الدموع في عيون مريم ولم تستطع الرد,وكالعادة تولت جميلة مهمة تغيير وجهة الحديث فقالت وهي تنظر ناحية حياة: الا جوليلي يا بنيتي ,مش انتي برديك بنت الاستاذ محمود البدري؟
حياة بابتسامة رقيقة: ايوة يا طنط
جميلة: بسم الله ما شاء الله.تبارك الله فيما خلج. والله كبرتي يا حياة وبجيتي عروسة زي الجمر.
حياة باستحياء: متشكرة يا طنط.
لم يعجب هادية طريقة جميلة في تغيير الحديث فأعادت الكرة مرة أخرى في مضايقة مريم وسألتها: وياترى بجا يا مريم انتي طالعة حلوة اكدة لامك.
مريم باحراج: فعلا يا طنط انا فيا شبه كبير أوي من ماما.
هادية بشماتة واضحة: ع العموم يا بنيتي ماهي مش بالحلاوة برديك. انا عرفت ان ابوكي طلج امك بعد جوازهم بتلات سنين. يعني الموضوع ما كنش يستاهل انه يعادي أهله لاجل خاطرها .
مريم بصوت هادىء في محاولة مستميتة لتجنب الشجار معها: ع العموم,دة كان قسمة ونصيب يا طنط, واللي حصل حصل. وما حدش يقدر يغيره.
وقبل ان تبدأ هادية من جديد في محاولة استفزاز مريم قالت سعاد وهي تهم بالوقوف: طب يا بنيتي , نستأذن احنا بجا , ولو احتجتي اي شيء احنا موجودين, انتي خلاص بجيتي مننا وأمرك يهمنا.
هادية بغيظ وهي تنهض بدورها: معلوم, مش هتتجوز زينة شباب عيلة سليم؟
شكرت مريم سعاد وصافحت الجميع وقامت بتوصيلهم حتى البوابة الرئيسية للفيلا, وعندما عادت كانت تغلي من الغضب فلاحظت حياة ذلك ,فحاولت التخفيف عن صديقتها: معلش يا مريم, ما تنسيش بردو ان باباكي الله يرحمه رفض انه يتجوزها وفضل مامتك عليها. فعادي انها تعمل كدة واكتر.
مريم وقد هدأت قليلا: عندك حق. والحمد لله اصلا اني مش هقعد هنا في البلد لاني كل ما بتيجي عيني في عين أي حد هنا بحس فيها بلوم وعتاب صحيح مش ليا بس حتى لو لبابا فأنا مش هقدر أستحملها.
فربتت حياة على كتفها مواسية: ولا يهمك يا قمر . الزمن أكيد هينسي , وخلاص انتي بجوازك من يوسف هتمحي كل اللي فات والناس مش هتفتكر غير انك مراة يوسف جلال اللي صيته في البلد هنا ولا العمدة نفسه.. وبعدين بقولك ايه بقا؟ انا زهقت خلاص من الحبسة دي, واديلي كتير ما شفتش البلد ,فايه رأيك لو نخرج ونتمشى شوية ,صدقيني البلد هتعجبك أوي.
مريم: اوك, وانا موافقة, بس ثواني هستأذن من جدو الاول.
ذهبت مريم الى حجرة المكتب حيث كان جدها يجلس ويقرأ في أحد الكتب سلمت مريم عليه فسألها بقلق: طمنيني يا حبيبتي,عملوا ايه الضيوف معاكي, وبالذات هادية كان ايه رد فعلها لما شافتك, معلش بقا سيبتك تقابليهم لوحدك لان دي عادات وتقاليد احنا مش هنقدر نكسرها.ولو عمتك كانت هنا كانت بقت معاكي في موقف زي دة.
فقالت مريم وقد قررت اخفاء الحقيقة عن جدها حتى لا تزيد من قلقه: ولا يهمك يا جدو, حفيدتك قدها وقدود. والناس بصراحة كانوا كويسين اوي معايا وأنا كمان حبيتهم أوي.
فتنهد عبدالرءوف بارتياح: طب الحمد لله. طمنتيني.
مريم: طب بقا يا سي جدو,أنا كنت جاية عشان استأذنك نخرج أنا وحياة شوية,اهو مننا نغير جو وكمان أتعرف على البلد ,قلت ايه؟
عبدالرءوف بقلق: هتخرجوا لوحدكم؟
مريم: وفيها ايه يا جدو؟ماهي حياة عارفة البلد حتة حتة يعني مش هنتوه.
عبدالرءوف: اوك يا حبيبتي,بس ما تتأخروش.
مريم بسعادة: حاضر يا جدو
وقبلت خد جدها ثم رحلت, وبالفعل خرجت الاثنتان وأخذتا تتجولان في القرية ,وهناك بعض الناس ممن كانوا يتذكرون حياة يحيونهما وبالطبع يبدون مدى اعجابهم بجمال مريم ويندهشون فور علمهم بحقيقتها, ظلتا هكذا لوقت طويل حتى حل المساء وكانتا تتمشيان بمحازاة ترعة محاطة بالاشجار فقالت مريم بتعب: خلااااص يا حياة,انا بجد تعبت وجعت اوي
فقالت حياة موافقة صديقتها: وانا كمان, ياللا بينا نروح.
وهما في طريقهما عائدتين سمعتا صوت منبه سيارة من بجوارهما, فتوجهت أنظار الفتاتين نحوها لتجدا انها سيارة وليد الذي قد أوقفها ونزل منها وبعد ان سلم عليهما, سأل: انتوا رايحين فين؟
فأجابت مريم: حياة كانت بتفرجني ع البلد
توجه نظره الى حياة التي كانت تتجنب نظراته بخجل: بجد؟! وياترى عجبتك؟
مريم بفرحة: اه طبعا,عجبتني جدا, انا اصلا اول مرة ازور الريف وبصراحة عجبتني شكل الخضرة والهدوء وكمان اكتر حاجة عجبتني اد ايه هنا الستات متعاونة جدا مع الرجالة تحس ان فيه نوع خاص من التفاهم بينهم مش موجود في المدينة.
حياة مؤكدة: دة حقيقي يا مريم. اصلا هنا هتلاقي المعنى الحقيقي للتعاون والمساواة بين الرجل والمرأة, كل واحد فيهم عارف واجباته قبل حقوقه وبيقوم بيها على أكمل وجه.
وعندما اختلست النظر الى وليد وجدت عينيه ممتلأة بنظرات الاعجاب مما جعل خداها يحمران خجلا ,في الحقيقة كانت تلك هي المرة الاولى التي يتجاهل فيها أحدهم مريم بجمالها الطاغي لينظر الى فتاة اخرى حتى وان كانت في جمال حياة الشرقي الأخاذ, مما جعل حياة تقول لمريم بضيق: مريم! احنا مش هنمشي بقا؟
فوجهت مريم اعتذارها لوليد: طب معلش بقا يا باشمهندس. عن اذنك عشان مش عاوزين نتأخر.
وليد: طب مانا ممكن أوصلكم بالعربية بدل ما تمشوا كل دة.
فأسرعت حياة بالرفض: لالالالا. مفيش داعي اننا نتعب حضرتك ,وكمان الطريق مش طويل.
وليد: اولا مفيش تعب ولا حاجة. ثانيا ذوقيا انا مش ممكن اسيبكم ترجعوا لوحدكم في الوقت دة. ثالثا بقا ودة الأهم ان مريم هتكون معانا دة لو كنتي يا ستي خايفة مني يعني.
حياة: ارجوك ما تفهمنيش غلط. انا ما كنش قصدي.
وليد: ولا يهمك , حصل خير. ياللا بقا يا ستي عشا ما تتأخروش فعلا.
ركبت الفتاتان في الكرسي الخلفي بالسيارة وتولى وليد بالطبع القيادة ,ظلوا هكذا في صمت الى ان قال وليد ليفتح مجالا للحديث: على فكرة يا مريم. يوسف قالي انه مش هييجي غير يوم الحنة بس انا هنا مكانه, يعني اي حاجة تحتاجيها هتلاقيني في الخدمة.
مريم: متشكرة اوي يا وليد.اكيد طبعا, انت زي اخوية الكبير.
وليد موافقا:طبعا دة شيء يشرفني.وربنا يتمملكم بخير.
مريم: ثانكس. وعقبالك.
نظر وليد الى المرآة أمامه التي كان قد وجهها ناحية حياة منذ ركوبهم السيارة ولكن حياة لم تكن قد لاحظت ذلك ,فقال وليد بسعادة ظاهرة: يارب يا مريم, ادعيلي ترضا عليا.
وقد فهمت مريم ما يرمي اليه ولكنها حاولت الا تبدي ذلك فسألته بابتسامة واسعة بمداعبة: هي مين دي يا عم العاشق؟
وليد بشرود وهو لا يرفع نظره عن المرآة: اللي بالي فيها.
فغمزت مريم لحياة وهي تقول لوليد: طب ما تقولها يا عم مجنون ليلى انت.
بدا على وجه حياة الضيق الشديد حيث بدأت تفهم الحوار بين الاثنين فقال وليد باسلوب جاد بعض الشيء: اكيد هيحصل يا مريم. وفي اسرع وقت ان شاء الله. بس ادعيلي انها توافق.
مريم: ومين المجنونة دي اللي ترفض واحد بيحبها بالشكل دة؟!
وفجأة قالت حياة مقاطعة الحوار في نفاذ صبر وانزعاج: خلاص احنا وصلنا, شكرا يا باشمهندس.
وشكرته مريم هي الاخرى ودعته الى الدخول معهما لمقابلة جدها ولكنه اعتذر وأجل الزيارة لوقت آخر,ثم نزلت هي اولا وخلفها اسرعت حياة الا ان اوقفهما صوت وليد الذي اسرع خلفهما وهو ينادي: آنسة حياة
توقفت الاثنتان وادارتا وجهيهما اليه فقال وليد مترددا وهو ينظر ناحية حياة: ممكن لو سمحتي كلمتين لوحدنا؟
ترددت حياة ولكن مريم أسرعت بالرد نيابة عنها منعا للاحراج: طب , انا هسبقك يا حياة.
ودخلت مريم الفيلا , فبادرت حياة بسؤال وليد وقد بدا الغضب في لهجتها واضحا: نعم؟! ايه الموضوع اللي حضرتك عاوز تكلمني فيه ولوحدنا؟ ومن امتى اصلا وانا بيني وبينك أسرار؟
وليد: طب ممكن تهدي شوية! انا اسف لو كنت سببتلك اي ازعاج بس الحقيقة احنا من اول ما اتقابلنا وانا حاسس انك مش طايقاني ومش عارف ايه السبب. هو انا عملت حاجة تضايقك؟
حياة: حضرتك ما عملتش اي حاجة وانا بتعامل معاك طبيعي جدا , ولو حضرتك شايف غير كدة فيبقا دي مشكلتك انت. وعن اذنك بقا عشان وقفتنا دي ما تنفعش.
ولم تنتظر رده بل أسرعت الى الداخل فقال وليد بتمني: ياريت يا حياة تكون دي الحقيقة فعلا.
********************************
جاءت ليلة الزفاف وسط الاغاني والزغاريد وكعادة الصعايدة كان الفرح منفصل العروسة تجلس وحدها مع النساء يصفقن ويرقصن بسعادة وكانت مريم ترتدي فستانا أبيضا طويلا يمتاز بالبساطة والرقة وتزين رأسها طرحة بيضاء اللون ايضا , ولا تضع على وجهها سوى بعض ادوات الزينة البسيطة زادتها جمالا ورونقا جعلت كل العيون مأخوذة بذلك الجمال الذي لم يروا له مثيلا من قبل, وفي الناحية الاخرى وقف يوسف ببدلته السوداء الأنيقة وبجانبه وليد بالخارج مع الرجال وقد كان يحيي الحفل فرقة المزمار والطبل البلدي وهناك من يرقص على الحصان والجميع يهنىء العريس ويدعو له بالسعادة والذرية الصالحة.
أما عبد الرءوف الكهل كان يجلس مع حسين وسليمان وكبار العائلتين في حجرة الضيوف وقد بدا عليهم الانسجام حيث بدأوا يتناسون الخلاف القديم. وبعد مرور وقت طويل همس وليد في أذن أخيه: جرى ايه يا عريس انت ناوي تقضي الليلة معانا ولا ايه؟ مش هتطلع لعروستك؟
فنظر يوسف في ساعته ثم قال لوليد: معاك حق.
وحيا يوسف الجميع بيديه وسط الهتاف وطلقات النيران,ثم صعد الى حجرته ,فطرق الباب وفتحه قبل أن يتلقى أي رد,وعندما دخل وأغلق الباب خلفه أسرعت مريم اليه وارتمت في حضنه وهي ترتعش وقد أصابها الذعر الشديد وهي تلهث من البكاء: يوسف! الحقني يا يوسف, ابعدهم عني.
نظر يوسف الى الاتجاه الذي تشير اليه ليجد عمته هادية وعمتها وردة وكذلك جميلة وسعاد فسألهم بشك وهو يضم مريم اليه بيده اليمنى مهدئا اياها: هوة ايه اللي بيحصل بالظبط؟
فاقتربت منه هادية مما جعل مريم تختبىء خلفه: ولا حاجة يا ولد أخوي, سلامتك.
يوسف: طب بعد اذنكم ممكن تسيبونا لوحدنا؟
هادية بغضب: كيف دة؟! والناس اللي مستنيين تحت عشان يفرحوا وجدها اللي مستني يطمن على شرف بته هنجله ايه عاد؟
فهم يوسف ما تقصده عمته وما جعل مريم تنتفض رعبا بهذا الشكل, ففكر قليلا في كيفيه التصرف في تلك المشكلة ثم قال بهدوء لعمته: طب معلش يا عمتي, اللي انتم عاوزينه دة مش ممكن يحصل.
هادية: انت بتجول ايه يا ولدي؟ انت نسيت عوايدنا ولا ايه؟ولا تكون مش واثج في عروستك.
وهنا تكلمت وردة لأول مرة فصاحت غاضبة بلهجتها الصعيدية التي تحاول تجاهلها عندما تكون في القاهرة: انتي بتجولي ايه يا هادية؟ احنا بتنا أشرف من الشرف.
هادية: ولما هية أشرف من الشرف خايفين ليه عاد؟
يوسف:عمتي! كفاية لحد كدة. انا مش هقبل أي كلمة تاني عن مراتي اللي سمعتها بقت من سمعتي.
هادية بسخرية: مرتك ! اللي اتولدت وعاشت عمرها كله في بلاد الخواجات واطبعت بطبعهم؟
وردة: وبعدين وياكي يا هادية ؟وايه أخرة كلامك الماسخ دة؟
هادية: ولا جبلين يا خيتي.انتم احرار. بس شوفوا بجا هتجولوا للناس ايه عاد.
يوسف: طب لو سمحتوا تنزلوا معايا دلوقت؟
وقبل ان يتحرك يوسف وجد ان مريم متشبثة به ترفض ان تتركه وهي تنظر برعب الى عيني هادية المخيفة فمسح يوسف بحنان على رأسها وهو لا يدري أيغضب من عمته التي تسببت لها بكل ذلك القلق والخوف؟ أم يشكرها لان بسببها وللمرة الاولى ترتمي مريم في حضنه وبارادتها؟ همس يوسف لمريم وهو يحتضن وجهها بكفيه: مريم. ما تخافيش , خمس دقايق مش أكتر وهتلاقيني عندك.
مريم وقد غسلت الدموع وجهها: لا , أرجوك ما تسبنيش لوحدي.
يوسف: مريم . انا لازم انزل عشان احل المشكلة دي, واقولك على حاجة؟ انا هقفل الباب من برة بالمفتاح وهاخد المفتاح في جيبي ,وبكدة محدش هيقدر يدخلك وانا مش موجود. اوك؟
أومأت مريم موافقة ,فقبل يوسف رأسها ,ثم خرج بعد خروج الجميع من الحجرة وكما وعد مريم أغلق الباب بالمفتاح ووضعه بجيبه, نزل يوسف وتوجه الى المضيفة فتعجب الرجال من رؤيته ,ولكنه لم يبال بنظراتهم فنادى لعبدالرءوف و حسين عمه الكبير , خرج الاثنان فبدأ يوسف الحديث موجها كلامه لعبدالرءوف: يا عمي ,بعد اذنك انا شايف ان مفيش داعي للي هيحصل دة طالما انا وحضرتك واثقين في مريم دة غير ان دي اصلا حاجة ما تهمش حد غيرنا.ولا انت ايه رأيك.
عبدالرءوف: والله معاك حق يابني, انا موافق على اي حاجة هتعملها.
حسين: كيف دة؟ دي عوايدنا وتجاليدنا ولا انتم عيشتكوا في مصر خليتكم تنسوا اللي اتربينا عليه؟
يوسف: لا يا عمي احنا ما نسيناش. لكن مش اي حاجة اتعودنا عليها تبقا صح, فيه حاجات غلط ومحتاجة لتصحيح ودي اولهم.
فقال حسين بغضب: انتم احرار . اعملوا اللي على هواكم.
ثم تركهم وذهب فقال عبدالرءوف بامتنان ليوسف: انا متشكر اوي يابني. انت مش عارف انت اد ايه عليت في نظري. بس هنقول ايه للناس دي كلها؟
يوسف: ما تقلقش يا عمي, انا ووليد هنتصرف
وبعد فترة استطاع وليد ويوسف ان يصرفا معظم المدعوين حيث لم يتبقا الى الاقارب فقط الى ان قال وليد ليوسف: خلاص بقا يا بطل. سيبلي انا الباقي وروح انت لعروستك.
يوسف وقد بدا عليه الارهاق: تسلم يا وليد.نتعبلك في فرحك ان شاء الله.
وليد: ماشي يا عمنا, طب اتفضل بقا من غير مطرود احسن اقول انك بتتهرب من العروسة ولا حاجة.
يوسف: ما تحترم نفسك ياد.
وليد: ماشي يا كبير
يوسف: طب تصبح على خير
وليد: وانت من أهله يا صاحبي. وصباحية مباركة مقدما ان شاء الله.
يوسف: الله يبارك فيك.
وفعلا دخل يوسف المنزل وترك وليد ليتصرف بنفسه , فنظر ذلك الاخير من بعيد ليلمح حياة تقف وحدها , فتخيل انه يحلم ولكنها كانت هي بالفعل,فتوجه اليها,وعندما رأته حياة رسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول: ألف مبروك يا باشمهندس وعقبالك.
وقبل ان ينتبه لكلامه وجد نفسه يقول: انا وانتي في ليلة واحدة ان شاء الله, وعندما وجد التغير في ملامحها حيث عاد مرة اخرى اليها الضيق والحزن,فقرر ان يغير الموضوع فسألها: انتي واقفة كدة ليه؟
حياة: مستنية بابا اصل بعت كريم اخوية عشان يناديله ومش عارفة اتأخروا ليه؟ خلاص دول جايين هناك اهو.
انتظرهما وليد مع حياة وكان بصحبتهما شخصا اخر يرتدي قميصا وبنطلونا وعندما اقترب الثلاثة منهما قال محمود لوليد وهو يمد يده لمصافحة وليد: الف مبروك يا باشمهندس. وعقبالك.
وليد وهو يصافحه: الله يبارك فيك يا استاذ محمود. وعقبال الانسة حياة.
ثم استطرد كلامه وكأنه تذكر شيئا اخر: وطبعا كريم.
ثم تولى محمود مهمة التعريف بذلك الغريب: دة بقا يا باشمهندس علاء ابن اخويا خريج السنادي هو باشمهندس بردو بس تخصص هندسة ماكينات.الحقيقة انا كنت عاوز اتوسطله عند الباشمهندس يوسف عشان يشغله في الشركة.
فسلم وليد على علاء وهو يقول: انت شايف ان يوسف مش هيكون فاضي اليومين دول يبقا قدملي انا الورق وان شاء الله خير.
وهنا نظر علاء الى حياة ومد لها يده وهو يقول مبتسما: مش معقول! حياة! ازيك .وحشاني يابنت عمي.
فمدت له حياة يدها وقد شعرت بنظرات وليد مسلطة عليهما كادت ان تحرقهما معا.
****************************
فتح يوسف الباب بالمفتاح ليجد مريم مختبئة خلف أحد الكراسي كالطفلة التي تهرب من شرب اللبن ,وعندما اطمئنت بدخول يوسف خرجت من مخبئها وكان القلق يعلو ملامحها وهي تنظر ناحية باب الحجرة المغلق فطمئنها يوسف قائلا: ما تخافيش. خلاص الموضوع انتهى.
بدأ الارتياح يتسلل الى ملامحها فقالت له: متشكرة. متشكرة اوي ليك يا يوسف.
فاقترب منها يوسف بخطى ثابتة وهو يقول: متشكرة على ايه؟ انتي خلاص بقيتي مراتي. وحمايتك بقت مسئوليتي. ومفيش حد في الدنيا كلها دي هيقدر يمس شعرة منك طالما انا لسة عى قيد الحياة