رواية ارواح هائمة الفصل الثالث 3 بقلم آثر توفيق
الحلقة 3
بعد العزاء جلس صلاح فى صالون منزل الشيخ حليم يحكى لهم احداث المعارك وبطولات محمود
صلاح :: انا حافضل طول عمرى فخور انى عرفت واحد زى محمود احنا كنا فخورين بيه ومذهولين من شجاعته وبطولته ايام الاستنزاف لكن فى الحرب اكتشفنا ان اللى عمله فى الاستنزاف كان هزار
غالب دموعه وهو يستعيد ذكرياته ويقول
صلاح :: اسد الصحرا ؟ احنا ظلمناه لما قلنا عليه اسد الصحرا الاسد ما يجيش جنبه حاجه ده كان فوق اى وصف مش كفايه اقول اننا كنت بنستمد منه الشجاعة والعزيمة مش كفاية اقول انه كان بطل فوق العادة مش كفاية اى كلام يتقال فى حقه ولا حتى كتب تتكلم عن سيرته تصوروا ان محمود قضى اخر خمس ايام فى القتال وهو مصاب بطلق فى دراعه وحمى السكينه وخلانى كويت الجرح علشان ما يسيبش الحرب رغم انه نزف كتير والاكثر ان المراسله بتاعه اتصاب بدانه ورجله طارت ومحمود فضل شايله على كتفه تلات ايام لحد ما سلمناه للسريه الطبيه مع باقى الجرحى اللى معانا . محمود لو كان ربنا مد فى عمره كان زمانه وصل تل ابيب وحرر فلسطين مش سيناء بس
كوثر :: طيب هو مات ازاى
صلاح :: بالنابالم الطيران ضرب علينا نابالم وما كانش واحد زى محمود ممكن يموت غير كده بيتهيالى الرصاص مش ممكن يموته
حليم :: وجثته جابوها واللا لسه
صلاح :: احنا دلوقت فى وقف اطلاق النار والسرايا الطبيه بتجمع الجثث واكيد كلها ايام ويبعتوا لكم علشان تتعرفوا على المرحوم وانا نازل علشان الجرح اللى فى بطنى وحارجع تانى وحادور بنفسى لحد ما .....
غلبته دموعه فدفن وجهه بين كفيه وربت حليم على كتفه
حليم :: المفروض تفرح له انه مات شهيد وفى الجنه احنا فرحانين علشانه وبندعى ربنا يجمعنا بيه فى الاخره وانه يكون شفيع لينا يوم الحساب
استجمع صلاح قواه وكفكف دموعه وهو يستغفر ويحوقل قبل ان يقول
صلاح :: احنا فى الكتيبه كنا بنعمل حاجه كده مع بعض زى الدويتو
كوثر :: حاجه ايه مش فاهمه
صلاح :: يعنى كل واحد فينا يكون ليه واحد هو الدويتو بتاعه وكل واحد يكتب جوابات لاهله ويسلمها لزميله انا ومحمود كنا مع بعض دويتو انا كتبت جوابات لاهلى واديتها لمحمود وهو كتب لكم جوابات واداهالى علشان ... يعنى ......
غلبته دموعه مرة اخرى وتوقف عن اكمال عبارته ومد يده فى جيبه ليخرج رزمة من الخطابات وضعها على حافة الطاولة فى صمت فنظرت كوثر الى الخطابات فى وجل ومدت يدها بتردد ثم تناولتها واخذت تقبلها وتبكى حتى قال حليم
حليم :: وحدى الله اومال يا كوثر انتى كنتى لسه بتقولى انك فرحانه ان جوزك فى الجنه
كوثر :: ايوه فرحانه ومن كل قلبى فرحانه وبادعى ربنا يجمعنى بيه بس الفراق صعب واللى فارقنا مش اى حد ده احن اب واغلى حبيب واطيب زوج واجمل ابن واللى قاطع فيا اكتر من كل ده انه مات من غير ما يشوف بنته
_________________
لم تنم كوثر فى تلك الليلة ظلت تقرا الخطاب وتعيد قراءته مرات ومرات حتى انها لا تستطيع ان تحصى كم مرة قراته .
قراته سرا وهمسا وبصوت عالى قراته بعينيها ولسانها وقلبها قراته بسرعة وتمهل وامعنت فى كل كلمة بكت فى فقرات منه وضحكت مع فقرات اخرى واتسعت ابتسامتها فى فقرات عديدة وهى تتخيل وجهه القسيم على صفحات الخطاب وبين السطور تسطع ابتسامته التى لم تغب عن ثغره منذ عرفته وقبل الفجر وضعت الخطاب على الطاولة بجوارها وخرجت للصالة فسمعت خطوات الشيخ حليم على الدرج فعرفت انه ذاهب لصلاة الفجر فتوضات وصلت ركعتين وبقيت راكعة على السجادة حتى سمعت صوت اذان الفجر فصلت فرضها ثم اخذت تبتهل ( يا حنان يا منان يا رحمن يا رحيم اجمعنى واياه فى الجنة . يا حى يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اجمعنى واياه فى الجنة الهم ان قضيت على بالنار وكتبت له الجنة فانى ارضى بقضائك ولكنى اسالك بعفوك وكرمك ورحمتك ان تجمعنى به فى الجنة الهم انى قد زهدت الدنيا بعده ولن اسالك شيئا الا ان تجمعنى به فى الجنة اسالك يا الله باسمائك الحسنى وصفاتك واسمك الاعظم الذى اخفيته فى علم الغيب عندك ان تجمعنى به فى الجنة )
ثم سجدت واخذت تبكى حتى اغرقت دموعها المصلاة وهى تدعو بصوت عالى
كوثر :: يارب يا رحمن يا رحيم مش طالبه صحه ولا مال ولا طالبه حاجه من الدنيا كل اللى طالباه يارب تجمعنى بيه فى الجنه
بقيت هكذا تبكى وتدعو تارة سرا وتارة جهرا حتى سمعت صوت طفلتها تقرقر فى الفراش فقامت اليها تداعبها
كوثر :: صباح الخير انتى صحيتى ايه اللى صحاكى ؟ انتى جعانه شكلك مش جعانه اومال صحيتى ليه ؟ احنا لسه الفجر عاوزه تصلى الفجر ؟ واللا عاوزه اقرالك جواب بابا ؟ مش بابا كتبلى جواب ؟ اه والله بابا كتبلى جواب وكتبلك انتى كمان جواب عاوزه اقرا اى جواب الاول بصى كده .
امسكت بخطابها وقربته من الطفلة التى امسكت به باناملها فسحبته كوثر من يدها برفق قائلة
كوثر :: لا ده جوابى انا انتى جوابك اهه خدى
مدت يدها الثانية بالخطاب الذى كتبه محمود لطفلته فمدت الرضيعة يدها تمسك بالخطاب فقالت كوثر
كوثر :: استنى بقى هاتيه لحد ما اقرا الجواب ده الاول وبعدين ده
ولكن الصغيرة تشبثت بالخطاب بكلتا يديها فقربت كوثر يدها قليلا فوجدت طفلتها التى لم تتم شهرها الاول وقد جذبت الخطاب لتضعه فوق قلبها وهى تبتسم بسعادة فتركته لها وفتحت خطابها تقراه على مسامعها فلما اتمت قراءة الخطاب وجدتها تنظر لها باسمة وتحتضن خطاب ابيها وتغمض عينيها
#ارواح_هائمة
ذهبت ثريا صباحا لتطمئن على اختها
ثريا :: صباح الخير يا كوثر نمتى كويس ؟
ابتسمت قائله وهى تتمطى
كوثر :: ما نمتش ولا دقيقه ولا عاوزه انام انا طول الليل سهرانه مع حبيبى قاعده اقرا جوابه واعيده قريته ييجى خمسين مره
ثريا :: خمسين مره ليه حتمتحنى فيه ؟
كوثر :: اسكتى يا ثريا البنت صحيت الفجر لقيتها بتضحك قلتلها ابوكى كتبلك جواب خدى البنت حطت الجواب على قلبها وحضنته ونامت ما اتقلبتش لحد دلوقت تعالى
دخلتا الى الغرفة لتجدا الرضيعة لا زالت نائمة وهى تضع الخطاب فوق قلبها فتعجبت ثريا
ثريا :: سبحان الله زى ما تكون حاسسه ان الجواب ده من ابوها
كوثر :: وانتوا قريتوا الجواب بتاعكم ؟
ثريا :: حليم ما قراش الجواب غير بعد الفجر ده فضل من بعد العشا فى المكتب يقرا قران ويصلى ويدعى لمحمود لحد الفجر نزل صلى ورجع قعد يقرا الجواب ويعيط لما صحيت على صوته وقعدنا نقراه تانى مع بعض
كوثر :: اومال فين حليم؟ انا عاوزاه ضرورى
ثريا :: نزل بدرى على الجامع انتى عارفه النهارده الجمعه وهو عاوز يخطب خطبه على الشهداء . اسمعى انا حاجيب داليا واجى نسمع الخطبه من البلكونه عندك حتبقى احسن
اخرجت كوثر ابنتها الى الصالة فى سرير الاطفال الواسع ذى العجلات وعادت ثريا تحمل ابنتها ليضعوها مع نرمين فى السرير وخرجتا الى البلكون لسماع الخطبة التى ابدع فيها الشيخ عبد الحليم وبعدها جلستا فى صالة منزل كوثر حتى عاد من المسجد ودخل عليهما مسلما وفى يده مسبحته
كوثر :: الخطبه النهارده كانت هايله يا شيخ حليم كانت طالعه من قلبك
حليم :: حتصدقونى لو قلتلكم انى وانا على المنبر كنت شايف محمود قاعد فى الصف الاول قدامى ؟
ثريا :: حنصدقك طبعا احنا عارفين انت بتحبه قد ايه كلنا بنحبه والله
حليم :: مش لوحدنا كل اهل الشارع وزمايله والعساكر اللى معاه
كوثر :: من حق فكرتنى محمود كتبلى عن عسكرى مراسلة معاه ورجله اتقطعت وكان عاوزنا نساعده استنى اجيب الجواب
دخلت لتحضر خطاب محمود وعادت لتناوله لحليم الذى قراه وفى نهايته وجد فيه الاتى
( لقد نسيت امرا هاما كنت اود ابلاغ حليم به ولم يعد بامكانى ان اضيف لخطابه شيئا فقد سلمته لصلاح وقد نام الان ولن يصحو الا صباحا ووقتها ساكون قد نسيت مجددا
منذ خمسة ايام اصيب جندى المراسلة الخاص بى فى انفجار دانة كانت ستنفجر فى انا لولاه وقد فقد ساقه مع الاسف وقد حملته فوق كتفى ليومين قبل تسليمه للسرايا الطبية .
هذا المجند فقير الحال وهو متزوج وليس له عمل ثابت وبعد اصابته ربما كان صعبا ان يجد عملا وكنت قد وعدته اننا اذا انتصرنا سوف اصحبه معى حال خروجنا سالمين الى الاسكندرية ليعمل حارسا للعقار لذلك ارجو ان تخبرى حليم بامره وللعلم المجند اسمه حسين عبد الفتاح مبروك وهو شاب حسن الخلق من محافظة سوهاج وارجو ان تتكفلى لوجه الله وابتغاء الاجر والثواب بتكاليف تركيب ساق صناعية لهذا المسكين وانا واثق انه سوف يكون امينا عليكم مثلما كان معى وانقذنى من الموت اكثر من مرة خلال الحرب وقبلها فى الاستنزاف .
حبيبتى زوجتى ابنتى وامى احبك حبا كثيرا جدا احبك منذ رايتك اول مرة وسوف ابقى على حبك الى ان يجمع الله بيننا فى جنة الخلد ان شاء الله قبلى طفلتى الجميلة نرمين نيابة عنى وقولى لها ان اباك قد احبك منذ اللحظة التى انبانا فيها الطبيب بالحمل واشكرك ان اسميتها نرمين كما طلبت فهذا عهدى بك دوما زوجة مخلصة وفية مطيعة لزوجها على الدوام
زوجك الذى لم يحب سواكى
محمود حبيبك
انتهى حليم من قراءة الخطاب فقبله وقال
حليم :: وصيته امر واجب النفاذ الله يرحمه عمره ما اتاخر عن الخير ابدا نروح نعمل اللى نقدر عليه مع العسكرى ده لحد ما يخرج من المستشفى ونجيبه هنا
ثريا :: انت عارف هو فى اى مستشفى ؟
حليم :: المرحوم سلمه للسرية الطبية طبعا مايعرفش لكن اكيد كل حاجه متسجله واكيد فى مستشفى عسكرى الموضوع سهل انما الصعب موضوع الساق الصناعيه
كوثر :: هو مش صعب لكن تكلفته عاليه انما احنا الحمد لله ميسورين ونقدر نركبله الطرف ده وبعدين الاوضه اللى جنب السلم نقدر نجيبه فيها ونشغله هنا بواب
ثريا :: تفتكروا حيقدر يشتغل وينضف السطح والسلم وكده
كوثر :: لالالا مش مهم ابدا الست ام السيد اللى بتيجى تنضف تيجى زى ما هى اما ده يقعد قدام البيت حارس انما مسح وتنضيف وكده لا
حليم :: اصل الفكره يا ثريا اننا نساعده من غير ما نجرحه يعنى نعمل له شهريه يعيش منها على اساس انه بواب
ثريا :: اه فهمت بس صحيح لو عملنا كده محمود ياخد ثواب
حليم :: طبعا لو عملنا كده محمود ياخد ثواب واحنا ناخد ثواب ولو عاملناه بالحسنى ناخد ثواب كمان ده كرم ربنا بقى واحد يعمل خير تلاته اربعه معاه يكسبوا حسنات يعنى ممكن اقول اعملى اكل لواحد غلبان تقومى تعملى الاكل وكوثر اختك تنزله للراجل الغلبان احنا التلاته ناخد ثواب وتخيلى لو عندك ضيفه قامت بس توطى النار عليه علشان يستوى هى تاخد ثواب من غير ما ثوابك يقل ( الدال على الخير كفاعله )
كوثر :: سبحان الله ياما انت كريم يارب خلاص يا حليم انت بكره من بدرى تروح تسال فى الشئون المعنويه على مكان العسكرى ده وانا جاهزه بفلوس العلاج
ثريا :: وانا حانزل بكره انضف الاوضه ونحاول نفرشها علشان لما يخرج من المستشفى يقعد فيها وانتى بكره تقعدى بالبنتين
حليم :: انا مش حاستنى بكره انا حاتصل بقريبنا اللى فى الشئون المعنويه واديله اسم العسكرى وهو حيعرف مكانه
_________________
عاد الشيخ حليم فى اليوم التالى بعد صلاة الظهر مستبشرا
حليم :: العسكرى فى مستشفى الدقى
كوثر :: عظيم انا فكرت اكلم الدكتور هشام ابن عمى يحاول ينقله هنا ده رئيس قسم العظام فى مستشفى العسكرى هنا
ثريا :: ده على فكره يا حليم من اكبر اطباء العظام فى مصر
حليم :: عارفه طبعا ده كان موجود فى فرحنا وطول عمره صاحب محمود قوى اصلهم من زمان كانوا بيبدلوا الكتب مع بعض
حليم :: طيب انا حاروح احجز القطر علشان نسافر بكره ان شاء الله واروح اسحب فلوس علشان العلاج
كوثر :: لا الفلوس دى عندى انا دى وصية محمود الله يرحمه
حليم :: بس احنا عاوزين نشارك معاكى فى الثواب
كوثر :: معلش انت عارف انى ما اقدرش اخالف كلامه حتى لو ......
حليم :: طيب طيب يا كوثر براحتك اعملى حسابك نسافر سته الصبح وثريا حتقعد بالبنتين هى فين صحيح ؟
كوثر :: انت ما شفتهاش وانت طالع ؟ دى بتنضف الاوضه تحت من بدرى ما رضيتش تجيب حد قالت انا اولى بالثواب
نزل حليم للطابق الارضى وكانت زوجته قد انتهت من التنظيف فصعد معها للسطح وانتقيا من غرفة باعلى ما يصلح لفرشه ثم اخذ يسجل ما يحتاجه وقام بشرائه من محل قريب للاثاث المستعمل واصبحت الغرفة جاهزة
