رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم نورهان العشري
الإثم التاسع و العشرون ❤️🩹 بعنوان " صراع من أجل البقاء"
+
أعتقد بأنني إمرأة صُنِعت من الألم، خُلِقت من أجل المُعاناة
لم ترحم الحياة ضعفها يومًا بل زجت بها في معركة داميه لا هُدنة فيها ولا نهاية لها، و كلما قاومت أغرقتها أكثر في صدامات لا تنتهي لتقضي على كل ذرة مقاومة لديها، والمؤسف في الأمر أنها لم تكُن تملك خيارات. بل تقاتل بصمت لا تجرؤ حتى على البُكاء، فهي لا تملِك كتف يُمكنه مواساة عبراتها، ولا احتواء ضعفها. صنعت الحياة بقلبها جراح تأبى الالتئام، و ندبات لن تُشفى بل ستَظل تُذكرها بالماضي الذي يأبى تركها تحيا المستقبل بسلام، و لكن المُثير في الشفقة أنه حين لاحت بوادر الأمل من بين سُحُب الظلام المُحيط بها هب أعصار غاشم قطع آخر خيط كان يربطها بالحياة، فهل تستطيع التجاوز أم ستُعلِن هزيمتها هذه المرة و يرفع قلبها راية الإستسلام؟
6
نورهان العشري ✍️
1
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
+
ـ طمنيني يا غنى. حصل حاجه امبارح؟
+
ابتسامة ساخرة أوشكت بالظهور على شفتيها قبل أن تقمعها وهي تقول بتحذير
ـ ماما. بلاش أسألتك دي.
+
صابرين بحدة
ـ يا بت طب ريحي قلبي. قوليلي. قولتيله ولا لسه؟
غنى بصرامة
ـ اقفلي على الموضوع دا يا ماما.
2
صابرين بغضب
ـ ماهو لو مقولتيش انا هقول. حرام عليكي نفسك وحرام عليكي هو. انا عارفة أن دي الحاجة الوحيدة اللي هتقف بينكوا..
+
غنى بنبرة يشوبها القهر
ـ لو بيحبني مفيش حاجه هتقف بينا. اسكتي بقى.
+
صابرين بعناد
ـ دا جوزك و من حقه يعرفي يا بنتي.
+
افزعهم ذلك الصوت القادم من الخلف
ـ هو ايه اللي من حقي اعرفه؟
+
شعرت بالدماء تنسحب من أوردتها حين سمعت صوته من خلفهم، ولكنها سُرعان ما تداركت الأمر و حدجت والدتها بنظرة تحذير لم تُخطيء في فهمها لتزفر الأخيرة بغضب قبل أن تلتفت إلى ياسر قائلة بنفاذ صبر
ـ كنت عيزاها تعرفك هي عانت قد ايه مع المخفي أجله. عشان عارفه أن الموضوع دا هيفضل بينكوا و مش هترتاحوا.
4
غضب كثيرًا من ذكرها لهذا الأمر، فلا أحد يترك له المجال للنسيان أو التناسي ليهتف بصرامة اجفلتهم
ـ الماضي راح، و مش عايز اسمع حاجه عنه، و ياريت أنتِ كمان تقفلي عليه، و إيًا كان اللي حصل مش عايز اعرفه.
7
صُدِمت صابرين من حدته و تفرقت عينيها ما بين غنى التي تدعي اللامُبالاة باحترافيه و بين ياسر الذي يحترق من فرط الغضب ليقترب من غنى يحتضن كتفها بذراعه وهو يقول بجمود
ـ و بعدين احنا كويسين و مفيش حاجه واقفة بينا. كدا يا غنى ولا لا؟
+
ودت لو تُطلِق ضحكة ساخرة رنانه حين وقعت كلماته على أذنيها، ولكنها احجمت عن ذلك لتُمرر الأمر على خير حتى ترتاح من زن والدتها فتحدثت بنبرة لم تخلو من السخرية
ـ كويسين جدًا. هي دي محتاجة كلام!
3
لم تفُت عليه رنة السخرية في نبرتها، ولكنه لم يُعلِق انما غير دفة الأمر حين قال بجمود
ـ يالا عشان منتأخرش على الناس اللي جوا.
+
لم ترتح صابرين لما يحدُث ولكنها كان مكتوفة الأيدي أمام عناد ابنتها و حماقة زوجها لذا تبعتهم إلى الداخل بصمت، و هكذا استمرت الجلسة قرابة الساعه كان التحفُظ هو سمة الحديث إلى أن ودعت والديها، وهي تتوجه إلى الداخل مع الجميع على مضض ليأتيها صوت يزيد المرِح حين قال
ـ نورتي الدار يا شابه.
1
حاولت رسم ابتسامة باهتة على ملامحها وهي تقول
ـ منور بيك.
+
حاول كسر الجمود الذي يحيط بها إذ قال بسخرية
ـ طبعًا منور بيا. يا بنتي انا بجاملك أصلًا.
3
ابتسمت بهدوء، و لم تخفى عليها نظرات روضة التي كان الذنب يقرضها من الداخل، ولهذا فقد استأذنت للصعود إلى غرفتها، فالتفتت هيام ناظرة إلى غنى وهي تقول باهتمام
ـ عاملة ايه يا غنى؟ نمتي كويس؟
+
غنى باختصار
ـ الحمد لله.
+
لم تُعجبها اجابتها المُختصرة فلوت فمها وهي تنظر إلى الجهة الأخرى، فلم تُبالي لها بل نهضت من مقعدها وهي تقول بجمود
ـ طب عن اذنكوا هطلع اريح انا شويه.
1
اوقفتها جملة جابر الذي تحدث بنبرة يشوبها التعاطف
ـ لما تبقي قادرة يا بنتي خلينا نبقى نتكلم مع بعض شويه.
2
غنى باحترام
ـ حاضر. عن اذنك.
+
استحوذ طلبه على انتباه هيام التي ناظرته باستفهام، ولكنه لم يُعطيها أي اهتمام لتلتفت إلى ياسر الذي كان يتوقع السبب، فقد خاض جدالًا عنيفًا معه صباح اليوم و لازال يتذكر جملة جابر الذي للآن تتردد في أذنه
ـ اسمع يا ياسر. انت لما جيت وقولتلي تعالي اطلبلي غنى عشان أنا مش هطلبها من مرزوق. وافقتك علشان عارف أنه جه عليك زمان، ماضيها و عارفه موضوع جوازها و حافظه. تيجي دلوقتي عايز تدفع البنية ذنب اللي فات كله اعرف اني مش هسمحلك. مبقاش أنا بقعد في قعدات حق عشان ارد للمظلوم حقه، وييجي حد يتظلم تحت سقف بيتي. واجه شيطانك و صالح مراتك انت بتحبها وهي كمان. متسبش الدنيا تضحك عليك تاني.
13
زفر بقوة قبل أن يتوجه إلى سطح المنزل ليجلس بهدوء يُفكر فيما يحدث معهم. قرر المواجهة أخيرًا و الخروج من هذه الدائرة المفرغة التي ستهلكه لا محاله ليبدأ الصراع المرير ككل مرة، ولكن هذه المرة كان هناك طرف أشد عنادًا و قسوة و هو الضمير الذي أخبره بأن هناك قلبًا يرتجف من فرط الوجع الذي تسبب لها به.
عادت ذاكرته وهو يرى هذا الفستان الذي وقعت بحبه من اللحظة الأولى و هتفت بسعادة عارمة
ـ الله يا ياسر . الفستان دا حلو اوي. هو دا فستان أحلامي.
3
لم يستطِع نسيان فرحتها به و لن يستطِع نسيان مشهدها وهي تنظر إليه وهو يحترق شتان ما بين المشهدين. أي وجع الذي تسبب لها به لتفعل ذلك بجزء من أحلامها كما أخبرته؟ هل فعلًا أحرقت مشاعرها تجاهه مع هذا الفستان كما قالت؟ أم أنها تقول هذا لتُزيد من عذابه؟
تعددت الاستفهامات ولكن النتيجة واحدة هي تتألم بسببه وهو يموت لأجلها. يحترق من فرط الحزن عليها وعلى نفسه. لا يعلم كيف السبيل لتفادي كل هذا الألم أو حتى الهرب منه؟
و هُنا يتدخل صوت العقل لأول مرة ليُنصفه، فقد أصبح عذابه لا يُحتمل، فإذا به يُطالب بهدنة من هذا الألم و البُعد الذي ارهقه حتى لو أبى كبريائه، فلن يستمع له سيتحدث معها سيضع لعذابهم نقطه فاصلة لذا هب من مقعده وهو يترجل إلى غرفتهم ليضع يده فوق مقبض الباب يُديره، و إذا به يُصدم حتى وجده موصد من الداخل!
لقد صدقت حين أخبرته بأنه لن يجمعهما مكان أبدًا. اهتاجت جيوش غضبه دفعة واحدة، و كان قاب قوسين أو أدنى من تحطيم هذا الباب، ولكنه تراجع في آخر لحظة ليتوجه إلى القاعة الكبيرة و منها إلى الخزانه اللي تتوسطها ليجلب مفاتيح الغرف جميعها و هو يصعد الدرج إلى الأعلى و بداخله يتوعد لها سرًا، وهو لا يعلم أن دقات قلبها تخطت المليون دقة في الدقيقة الواحدة وهي تتخيل رد فعلها على فعلتها التي لم تندم عليها، فهو لابد من أن يدفع ثمن كلماته التي أحدثت جراح عظيمة داخلها تخشى انها لن تلتئم أبدًا، وفجأة حين كانت غارقة في التفكير وجدت باب الغرفة يُفتح و هو يطل عليها بجسده الضخم و أنفاسه الغاضبة و على الرغم أن الإضاءة كانت خافتة إلا أن ضوء المصباح بجانب مخدعها أظهر ملامحه المُتجهمة لتحاول هي التمثيل بأنها نائمة، ولكن لم تنجح حيلتها على هذا النمر الغاضب، فقد قام بغلق الباب خلف بقوة جعلتها تهب من نومتها وهي تناظره بصدمة، و من خلال نظراته الحارقة أدركت بأنها ستخوض معركة قوية معه الآن لتتفاجىء به يدلف إلى المرحاض دون أن يتفوه بحرف، و كأن اقتحامه للغرفة بهذه الطريقة كفيلة لإنذارها بألا تُكرر فعلتها مرة أخرى.
زفرت حانقة من هذا المغرور الوقح لتمضغ أسنانها غضبًا تجلى في نبرتها حين قال
ـ شوف البجح. ماشي يا ياسر أما وريتك.
6
هبت من مكانها وارتدت روب من الستان فوق هذه الغلالة السوداء التي ترتديها وأخذت تدور في الغرفة ذهابًا و إيابًا تنتظر خروجه من المرحاض و ما أن خرج حتى هتفت بانفعال
ـ انت مين أذنلك تدخل اوضتي؟
+
تجاهلها وهو يتوجه إلى الخزانة ليجلب تيشيرت يرتديه وهو يقوم بجفاء
ـ أنا هنا اللي بدي الأذن مش اللي باخده.
5
من شدة انفعالها لم تلحظ بأنه كان عاري الصدر، ولكن حين التفت يناظرها زحف الخجل إلى وجنتيها و سرعان ما استدارت إلى الحائط خلفها لتهتف بحدة
ـ انا قيلالك الصبح مش هتجمعنا أوضة واحدة، وقولتلك طول مانا هنا شوفلك اوضة تانيه لحد ما امشي.
+
لم تكد تّنهي جملتها حتى تفاجئت بيده التي ربتت على كتفها لتُنحيها من طريقه وهو يقول بنبرة جافة
ـ اوعي من قدام السرير، وروحي كلمي الحيط الناحية التانية اجري.
9
توسعت حدقتيها حين رأت بردوه وطريقته الجافة، و وقاحته وهو يتمدد فوق السرير براحة وكأنه لم يستمع إلى حديثها لتهتف بحنق
ـ استنى عندك. انت رايح تنام فين؟ انا اللي هنام على السرير.
+
وضع ذراعه فوق رأسه و بالآخر ضرب بقوة على الجهة الثانية من السرير قائلًا ببرود
ـ السرير واسع اهو ياخد خمسه. تعالي نامي.
1
تعاظم الغضب بصدرها حتى أعمى عينيها من وقاحته و بروده لتضرب بقدميها فوق أرضية الغرفة وهي تهتف بانفعال
ـ ياربي عالبرود. اروح انام فين انا دلوقتي ؟
1
ياسر بنبرة صارمة
ـ اعملي حسابك أن آخر حدودك باب الأوضة دي.
4
ناظرته بحنق وهي تسبه في سرها، فقد كانت تريد تعذيبه و وضع ألاف الحواجز بينهم، ولكنه وقح لم يُمهلها الفرصة لذلك، ولكنها ستفعل ما تُريده بطريقتها لذا توجهت لتجلب أحد الوسائد، فابتهج قلبه ظنًا منه أنها رضخت و ستتسطح بجانبه ليتفاجأ بها تتوجه إلى الأريكة التي تتوسط الغرفة و تنام فوقها. حاول كبت غضبه قدر الإمكان، فهي عازمة و بقوة على وضع الحواجز بينهم في الوقت الذي اختار هو ومليء إرادته هدمهم جميعًا، ولكنه أعطاها الحق، فهي قد تأذت منه، ولهذه فسيمنحها الوقت الكافي للنسيان.
مر بعض الوقت وقد ظنت بأنها لن تستطِع أن تغفو وهو معها في نفس الغرفة، ولكن من فرط انهاكها الجسدي و النفسي سقطت غارقة في نومًا عميق، بينما هو لا، فحضورها الطاغي و رائحتها العذبة أكثر من كافيان لسلب راحته، فروعة مظهرها وهي بهذا الروب القصير اشعل حمية العشق بصدره، و أيقظ نيران رغبة حارقة بجوفه ظن بأنها لن تتقد أبدًا ولكن يبقى لفتنتها سحرًا خاص جعله يعتدل جالساً على السرير يناظرها من بعيد جميلته ذات الشعر الغجري الذي يفترش الوسادة أسفل رأسها، فلم يقاوم رغبته من الإقتراب منها وهي نائمة بهذا السلام الذي يشتهيه بقربها ليجلس فوق ركبته يناظرها بنظرات تهيم بها عشقًا و إفتتانًا ليُقرب أنفاسه من مقدمة رأسها و يطبع قبلة دافئة فوق جبهتها لتأسره أنفاسها و يقترب واضعًا رأسه على الوسادة في مواجهة رأسها بعدما عدل جلسته على الأرض لتظل انظاره معلقة على ملامحها و هو يتنفس الهواء ذاته معها والذي اختلط بعبيرها الذي أسكره ليخلد إلى نوم هادئ بجانبها وهو يتذكر هذه القبلة الوحيدة التي جمعتهم.
4
داعبت أشعة الشمس ملامحها التي توهجت بفعل النوم المُريح التي خضعت له الليلة الماضية لتبدأ بفتح عينيها التي سرعان ما توسعت حين اصطدمت بملامحه الرائعة ذات الطابع الخشن لتهتاج دقات قلبها وهي تناظر رأسه الذي يرتاح فوق خصلات شعرها، و يديه التي تعانق يديها يضمهم إلى صدره بقوة و كأنه يخشى أن تهرُب منه. ليجف حلقها من فرط المشاعر التي عصفت بها، وهذا الخضوع الذي غزا أوردتها، فلم تستطِع الحركة حتى لا تُفسد نومه الهانيء و تخشى أن يستيقظ فتقع في فخ المشاعر التي يهيم بها قلبها الآن. ليقرر هو بدلًا عنها و يفتح عينيه ليصطدم بعينيها الجميلة التي كانت متسعة من فرط الترقب ليظل خيط النظرات موصول بينهم إلى أن بدأت يديه بالتحرك حتى وصلت إلى خصلات شعرها ليقوم بجذب إحداهما و يقوم بتقريبها من أنفه يشتم رائحتها بعُمق قبل أن يُعيدها خلف اذنها مرة أخرى لتتوجه أنظاره إلى حبتي التوت الشهي خاصتها، فتغيب عقله لثوان ود لو يقتطف ثمار ثغرها الشهي، ولكنها لم تُعطيه الفرصة، فقد استطاعت انتزاع نفسها من بين براثن عشقه لتنهض بقوة غير واعية لخصلاتها التي مازالت أسفل رأسه مما جعلها تشعر بألم شديد لتطلق صرخة قوية انتفض على إثرها وهو يهتف بلهفة
ـ ايه في ايه؟
2
نشب الغيظ كالحريق بداخل صدرها لتهتف بانفعال
ـ ايه اللي منيمك على شعري؟ ممكن اعرف؟
+
كانت تمسد فروة رأسها التي آلمتها لتمتد يده لتقوم عن المهمة بدلًا عنها وهو يقول ببرود
ـ وريني اتعورتي ولا ايه؟
+
لم تسمح له بأن يمس خصلاتها بل هبت من مكانها وهي تقول بجفاء
ـ سبتلك السرير و جيت نمت على الكنبة جاي ورايا ليه؟
6
نصب عوده وهو يناظر تمردها بأعيُن تلتمع من فرط الشغف ليُجيبها بنبرة مبحوحة من أثر النوم
ـ انا حر أنام في المكان اللي يريحني.
1
قربه منها لهذا الحد كان انذار بالخطر مما جعلها تهتف بانفعال
ـ يعني اروح انام تحت السرير مثلًا!
+
ياسر بنبرة ساخرة و أعيُن يتبلور بها العشق
ـ مش هينفع للأسف عشان تحت السرير في فران.
2
غنى بجفاء
ـ مبخفش منهم.
+
عاندها قائلًا
ـ كذابة.
+
هتفت بحدة
ـ مش كذابة.
2
تحديها وعنادها أضفوا بريق خاص على جمالها المُشِع ليقوم بمد ذراعه ليعتقل خصرها يقربها منه بقوة حتى تعانقت أضلعهم وهو يقول بنبرة خشنة ضد شفاهها
ـ أنتِ عايزة تعانديني وخلاص.
4
قربه بهذه الطريقة بالرغم من كونه مُثير إلا أنه ذكرها بهذا الصباح ليبزُغ انين جرحها من جديد، فسرعان ما أدارت رأسها إلى الجهة الأخرى وهي تقول بحدة
ـ ياسر.
+
يعلم مقدار ألمها الذي تسبب هو به لذا لم يمنع الكلمات من المرور عبر شفتيه حين قال
ـ أنا أسف. حقك عليا.
8
تجمع الدمع بمقلتيها، و اهتزت جفونها به وهي تناظره بألم طغى على ملامحها، فبهتت، وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي تستمع إلى اعتذاره ولكنه لم يشفع في مداواة آلامها الدامية لتقول بتحسُر
ـ اصرفها فين دي؟ ولا اداوي بيها ايه ولا ايه؟
+
انتقلت يديه لتحتضن وجهها وهو يقول بنبرة متألمة
ـ انا عارف أننا هنتعب اوي مع بعض . بس هنتعب اكتر من غير بعض، فخلينا نحاول نهدى، و اعذريني و افهمي اني مش قادر اتغلب على وجعي.
6
ترى الوجع بوضوح في عينيه مما جعل هذا السؤال اللعين يدور بعقلها كالطواحين لتهتف بأسى
ـ ولما هو كدا اتجوزتني ليه؟
+
صارحها بما يعتمل بداخله من قهر
ـ انا اهون عليا الموت ولا انك تكوني لحد تاني غيري.
1
كان الألم متبادل بينهم مما جعلها تقول بتحسُر
ـ هيام عندها حق. احنا كده هنموت بعض.
+
فاجأها حين قال بنبرة عاشقة
ـ انا راضي. لو نهايتي معاكي وعلى ايدك مش هعترض أبدًا
+
هتفت باستنكار
ـ يعني المفروض نفضل نجرح في بعض لحد ما نوصل للنهاية دي؟
+
احتوى كتفها بيديه وهو يقول بنبرة خشنة
ـ اكيد لا. خلينا نحاول نداوي بعض، واكيد هنلاقي طريق نمشي فيه مرتاحين.
2
بعد أن افرغ كُلًا منهما ما بجعبته و تعرت جميع الحقائق للعيان تحدثت بجدية نافضة عنها ما يعتريها من حزن و ألم
ـ تمام. بس عشان نبدأ في اللي انت بتقوله دا. لازم يكون عندنا رغبة له في الأساس.
+
انكمشت ملامحه بحيرة قبل أن يقول بجفاء
ـ هنا أنتِ بتتكلمي عن نفسك. بدل دا اقتراحي يبقى انا موافق. عرفيني بقى ليه معندكيش رغبة؟
+
أفصحت عينيها عن وجعها العظيم ليتناثر بغزارة فوق وجنتيها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ عشان مش قادرة اتأقلم لسه على كل اللي حصل، ولا حتى الوجع اللي هنا. طول مانا شيفاك انا هتعب.
كانت تتحدث وهي تضع يدها فوق قلبها ليتأثر قلبه بحزنها و يرتعد خوفًا من مغزى حديثها فاستفهم قائلًا
ـ يعني؟
+
غنى بجمود رغمًا عن تأثرها
ـ متضغطش عليا، ومتخنقنيش. خلاص انا بقيت مراتك يعني مفيش حد هيقدر يقرب مني. حجتك بطلت.
9
بدأ الغضب في الظهور على السطح ليقول من بين أسنانه
ـ ايوا يعني عايزة ايه من دا كله ؟
+
تحدثت بجدية و نبرة جامدة
ـ عايزة ارجع اشتغل في الحضانة من تاني.
16
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال♥️
5
★★★★★★★★★★
+
دق جرس الباب فتوجهت لتفتح و إذا بها تتفاجيء حين شاهدت أمين يسد الباب بجسده و عينيه تقدحان الشرر لتشعر رضا بالرهبة من قدومه إليهم بهذا المظهر لكنها لم تظهر ما يعتمل بداخلها بل قالت بهدوء
ـ تعالى يا أمين اتفضل.
+
أمين بنبرة جافة
ـ الست هانم عندك ولا ما صدقت تخلص مني عشان يخلالها الجو مع حبيب القلب.
7
شهقت رضا بصدمة سرعان ما تحولت لغضب تجلى في نبرتها حين قالت
ـ أخرس قطع لسانك ليك عين تتكلم على بنتي بعد عمايلك السودا فيها!
+
دلف أمين الى الداخل و توجه ليجلس على أحد المقاعد وهو يتحدث بنبرة سمجة
ـ معذورة يا حماتي. طول عمرك طيبة و على نياتك. متعرفيش البلاوي اللي بتحصل من ورا ضهرك.
+
زحف القلق إلى صدرها من حديثه ولكنها استنكرته قائلة بغضب
ـ هو في ايه؟ أنت جاي ترمي بلاك علينا ولا ايه؟ احنا خلاص خلصنا خلينا نخرج بالمعروف و كفاية اوي اللي حصل.
1
أمين بحدة
ـ معروف ايه و أنا مطعون في ضهري من بنتك!
+
نصب عوده ليقترب منها وهو يقول بنبرة تقترب من البكاء
ـ بنتك خانتني. عارفة يعني ايه خانتني! خلت البيه بتاعها يحبسني عشان يخلالها الجو معاه، و مش بس دا دي خلته يوصي عليا في السجن عشان اتبهدل و اضرب هناك، و يوم ما وافقت تطلعني ساومتني أطلقها و تخرجني من السجن. كل دا و جاية تقوليلي نخرج بالمعروف ! أي معروف دا يا حماتي!
2
تيبست أطرافها من حديثه الذي انطبعت أثاره فوق ملامحها، فبدت مشدوهة و كأنها عاجزة عن استيعاب كلماته ليواصل لعبته الدنيئة قائلًا بنبرة مُنكسرة
ـ الباشا بيستخدم نفوذه و يظلم الناس علشان مرافق بنت الخدامة.
صرخة غاضبة خرجت من جوفها حين قالت
ـ أخرس. متقولش كدا على بنتي. انا بنتي أشرف من الشرف.
+
أمين بخسة
ـ و الشريفة دي تسيبه يضرب جوزها مرتين، و تروح تشتغل في شركته من غير ما جوزها يعرف ولو مش شكيت فيها ومشيت وراها كان زماني لسه متقرطس.
+
جف حلقها ولم تعُد تعرف لماذا تُجيبه ليُضيف بنبرة مسمومة
ـ لا و من بجاحتها البيه جه وراها لحد بيتي و خدها معاه عالمستشفى. تقدري تقوليلي لما هو مفيش حاجه بينهم ايه اللي دخله بيتي؟ و ايه اللي خلاه يضربني عند الشركة؟ للأسف بنتك خدعتكوا و قرطستكوا انتوا كمان.
1
ـ أخرس يا حقير.
+
هكذا هتف عزام و من خلفه أشجان المصدومة فقد استمعوا الى حديثه المسموم ليلتفت أمين ناظرًا إلى عزام ببغض و هو يُجيبه بنبرة شامتة
ـ أنا مش حقير. الحقيرة هي اللي باعت نفسها و شرفها و جوزها و بيتها عشان الفلوس. اهي واقفة اهي أسألها و حلفها عالمصحف إذا كان في حاجة بينه و بينها ولا لا؟
+
كانت تقف كالمشلولة أمام إعصار اتهاماته، فلم تكُن تتخيل أن يصل إلى هذه الدرجة من الحقارة، ولكنه لم يكتفي بل واصل هجومه الجائر حين قال بشماته
ـ كدا الروس اتساوت يا زوجتي العزيزة، و لو انا قذر فأنتِ أقذر.
2
إن كان الكبت يولد الإنفجار فالظلم قد يخلق من الضعف جبروت، وقد شعرت في هذه اللحظة بأنها قادرة على القتل لتقوم برفع يدها و تهوى فوق صدغه بصفعة قوية تركت بصماتها فوق خده، فقد كانت هذه الأمنية تلازمها طويلًا و اليوم تحققت و لكنها لم تحسب حساب لحقارة خصمها الذي اسودت معالمه و اندفع كالثور الهائج يريد القصاص منها، ولكن اوقفه تدخل عزام الذي حال بينه وبين ابنته التي صرخت بنبرة تحترق كمدًا
ـ حرام عليك بقى. انت ايه ؟حيوان! هتبعد عني امتى ؟ هخلص منك امتى؟
2
أمين بصياح
ـ عايزة تخلصي مني عشان تروحي لعشيقك يا زبا....
2
عزام بحدة وهو يدفعه إلى الخلف
ـ أخرس و غور امشي من هنا. أنت فاكر بنتي زيك!
+
خرج الأطفال على أصوات صياحهم لتقترب رضا تحتضنهم وهي تقول بحدة
ـ اخرج بقى . كفاياك فضايح. هتخلي حتى عيالك تكرهك.
+
رغمًا عنه و عن نوازع الشر بداخله توجه إلى الخارج ولكن قبل أن يغادر القى قنبلته التي تفجر بارودها في صدر أشجان
ـ اشبعي من ولادك يا حلوة عشان لما أثبت انك خاينة هاخدهم منك و مش هتشوفيهم تاني.
6
لم تعُد قدميها تستطيعان حملها، فجلست على الأرض تحتضن طفليها الباكيان لتقترب منها رضا وتقوم بتهدئه الأطفال لتأخذهم إلى الداخل فقام عزام بإسناد ابنته لتجلس على المقعد وهي تبكي بحرقة لامست قلبه الضعيف ليربت بحنو فوق ظهرها وهو يقول
ـ معلش يا بنتي. دا المتوقع من واحد حقير زيه. بس متخافيش انا عمري ما هسمحله يقرب من الولاد طول مانا عايش.
1
لم تفلح كل كلمات المواساة في لملمة ذلك الشق في روحها، فقد كانت تخشى من حدوث شيء يُفسد فرحتها، والآن طُمِست إلى الأبد
ـ قوليلي يا ست أشجان. ايه الكلام اللي سمعناه دا؟ ماهو مفيش دخان من غير نار، و أمين مهما أن كان زبالة مش هيتكلم بحرقة كدا اللي لما يكون شاف عليكِ حاجه.
3
هكذا هتفت رضا بانفعال لتبرق عينيها من حديث والدتها التي وكأنها انتزعت قلبها من مكانه لتغمسه بأخدود مليء بالجمرات، فإن كانت ظنت سابقاً أنها تعرضت للخذلان منها، فقد أدركت اليوم الموت على يديها.
ـ أنتِ اتجننتي يا وليه أنتِ بتقولي ايه؟ بقى مصدقة كلام الحقير دا على بنتك!
4
شعرت رضا ببعض الذنب من حديث عزام ومظهر أشجان التي كانت الخيبة تلون نظراتها لتحاول تصحيح الأمر قليلًا حين قالت بتلعثُم
ـ انا مقصدش. بس لازم نفهم. في شويه حاجات هو عنده حق فيها، وكمان عشان نعرف نرد عليه لو اتكلم تاني.
+
سابقاً وضعها ضعفها أسفل حذاء هذا الحقير لتقضي عمراً بأكمله في البكاء والنحيب و الآن فلو توقف قلبها سيحدُث ذلك وهي تدافع عن نفسها ولن ترضى بالمذلة مرة ثانية لذا هبت من مكانها تناظر والدتها بأعيُن تجمد بهم الدمع و ملامح شوها الخذلان وبنبرة جافة تحدثت
ـ عايزة تعرفي ايه؟ انا ليه روحت اشتغلت من وراه في الشركة ليه؟ عشان امه كانت مشعلاني في مكتب سياحة سكرتيره مطلوب منها تكنس و تنضف و تمسح و تقابل العملا الصبح و ترضي المديرين اللي فيه بالليل. طبعًا فهماني؟
1
بللت حلقها الجاف قبل أن تستكمل سرد معاناتها و لكن بنبرة قاسية تشبه ما تعرضت له
ـ و روحت اشتغلت في الشركة من غير ما أقوله ليه؟ عشان مرتبها أكتر بكتير من المرتب بتاع مكتب السياحة و كنت عايزة احوش الفرق عشان اعمل لنفسي اي حاجه اتسند عليها لما أطلق من أمين. عشان عارفه انك مش هتفتحيلي باب بيتك.
2
برقت عيني رضا من جملتها الأخيرة لتستطرد أشجان قائلة بسخرية
ـ طبعًا أنتِ ليك عذرك ما أنتِ كنتِ بتحافظي على بيت أمين بيه لا يتخرب أو كنتِ بتوهمي نفسك بكدا بس اقولك حاجه؟
+
اقتربت منها خطوة و ظلل الوجع عينيها ونبرتها وهي تقول
ـ ملعون أبو البيت اللي يقوم على دموع و وجع الست اللي فيه. ملعون ابو الجواز لما تكون الست عبارة عن خدامة بالنهار و أداة متعة بالليل. ملعون أبو البيت اللي الست تتهان فيه اكتر ما تتنفس.
12
محت عبراتها بعُنف تجلى في نبرتها وهي تقول بنبرة يفوح منها رائحة القهر
ـ ملعون أبو الراجل اللي يفكر انه لما يقتل شخصية الست اللي معاه ويموت الحياة جواها هو كدا بيكسبها العمر كله. الله ينتقم من كل واحد دي عقيدته و دا تفكيره.
8
توقف كلا الأبوين غير قادرين على الحديث لتُتابع هي جلد الجميع بسوط وجعها و تقترب من المصحف لتجذبه وهي تضعه فوق صدرها و كفها يحتضنه لتقول بنبرة احترقت من فرط اللوعة
ـ بحق من انزل هذا الكتاب انا عمري ما خنته ولا عملت اي حاجه غلط. انا في عز ضعفي و كسرته ليا كنت محافظة على نفسي، و عمري ما ضعفت قدام اي حد، وربنا واحده عالم اللي شفته و اللي عشته معاه.
1
أنهت جملتها و هرولت إلى الخارج، فقد كانت تتجهز للخروج قبل مجيئه، و دون وعي اخذتها قدماها إلى المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالألفة و الراحة لتتفاجئ حين وجدته يترجل من سيارته في هذه اللحظة لينتفض قلبه بين ضلوعه حين رآى حالتها ليهرول إليها وهو يقول بلهفة
ـ أشجان.
3
ناظرته بأعيُن باكية و قلب محترق و جسد ينتفض من فرط القهر الذي تقع تحت سطوته لتخرج حروف اسمه متقطعه من بين شفاهها
ـ خالد.
+
خالد بذُعر
ـ حصل ايه؟
+
كان الدمع ينهمر كالمطر من بين مآقيها و الوجع يكاد يشطر قلبها إلى نصفين وهي تقول بنبرة تتضور وجعًا
ـ قال. عني خا. خاينة يا خالد. قا. قال إني. خنته معاك، و ما. ماما. صدقته.
1
مظهرها المُدمر و حديثها المُعذب أضرموا نيران هوجاء بداخله، و الذي لسوء حظه كان عاجزًا عن اخمادها و إخماد وجعها بعناق يرمم شقاق روحها، و يطمئنها بأنه إلى جانبها، ولكن فعلته سوزان بدلًا عنه، فقد كانت ترافقه في السيارة و حين رأت حالة أشجان ترجلت منها بلهفة على قدر استطاعتها لترتمي الأخيرة بين ذراعيها وهي تشهق بقوة وتنوح بألم
ـ ظلمتني المرة دي كمان. صدقته المرة دي كمان. كسرتني زي كل مرة. كسرتني يا سوزي كسرتني.
5
لم يستطِع احتمال وجعها أبدًا، فقد بلغ الألم مبلغه منه للحد الذي جعل أنفاسه تتسارع بقوة وعينيه تحد و كأنه عزم على ارتكاب جريمة قتل ليهتف بكلتاهمَ
ـ ادخلوا اتكلموا جوا. الناس بتتفرج عليكوا.
+
رفعت رأسها تناظره ليلتفت إلى سوزان قائلًا
ـ أشجان أمانة عندك. لحد ما اجي بنفس واخدها.
2
دقت طبول الذُعر بقلبها حين رأت مظهره الذي لا يوحي بالخير لتهتف بلهفة
ـ انت هتعمل ايه؟
+
قاطعها بنبرة حادة
ـ أنتِ متسأليش. أنتِ بس تقعدي و تتفرجي على حقك وهو بيجيلك.
7
اخترقت جملته أعماق قلبها ولكنه كانت تخشى من حدوث كارثة أخرى لذا هتفت بلهفة
ـ أرجوك متتهورش.
+
عانقتها نظراته الحانية و نبرته التي تُشبهها حين قال
ـ اوعي تخافي وانا موجود. عمري ما هعمل حاجة تأذيكي أبدًا.
3
كان وعدًا بالأمان الذي كان أقصى أمنياتها في هذه اللحظة لتوميء برأسها وهي تتوجه إلى الداخل برفقة أشجان تحت أنظاره التي تبدلت من الحنو إلى شيء آخر يشبه الجحيم الذي اقسم ان سيجعله هذا الحقير يحيا به الباقي من حياته.
3
اللهم ارزقني رزقاً واسعاً حلالاً طيباً من غير كدٍّ واستجب دعائي من غير رد، وأعوذ بك من الفضيحتين الفقر والدين♥️
11
★★★★★★★★★
+
ـ چهزتي حالك يا بت الناس؟
+
هكذا تحدث رحيم بنبرته الرخيمة لتوميء نجاة برأسها وهي تقول بخفوت
ـ چهزتها.
+
ـ عال. عال. يوبجى يالا بينا العربية مستنيانا تحت. هندلى عالبلد. المشوار طويل حبتين. بس العربية مريحة مش هتتعبي.
+
اومأت برأسها بهدوء جعله يقول بصوت جهوري
ـ ما تسمعيني حسك. اني مابحبش الإشارات دي. خُرس احنا ولا اي؟
+
نجاة بحدة
ـ لاه مش خُرس تحب أغنيلك اياك.
+
رحيم بمرح
ـ صوتك حلو على اكده؟
+
نجاة باقتضاب
ـ لاه عفش.
7
رحيم بسخرية
ـ يوبجى خليهولك، و نجطيني بسكاتك.
9
لا يعلم لما كان يود دائمًا مشاكستها يعلم بأنها ليست هادئة كما تدعي، فهو رأى جرأتها في السابق، و شراستها أيضًا، ولكنه لجأ للصمت طوال الطريق الى البلد لتشعُر هي بالملل و يأخذها النُعاس في غفوة طويلة مكنته من التمعُن في ملامحها على راحته دون تحفُظ، فقد كانت جميلة بحق. تضج ملامحها بإغواء قوي يجعل نبضاته تتعثر بداخل صدره رغمًا عنه، فبكل مرة ينظر إليها يستشعر حلاوة احساس ما يستوطن قلبه تجاهها، و ينتهي به الأمر وهو يُعنف نفسه و يُذكرها بمصابه، و هكذا أصبح يُعنف نفسه كثيرًا بسببها لذا قرر بأن يحد من هذا الشعور الذي ينمو و يترعرع دون اعتبار لأي شيء و هذا بتجاهلها.
أخيرًا وصلوا إلى البيت الكبير الذي يتوسط أرضهم الشاسعة ليقوم بهزها برفق و تحفُظ وهو يقول بجفاء
ـ يا بت الناس. اصحي. وصلنا.
1
لم تُجيبه في البداية ليضطر للاقتراب منها أكثر وهو يقول بنبرة أهدأ و أعيُن يلتمع بهم الإعجاب
ـ نچاة. اصحي.
+
حروف اسمها كانت مميزة من بين شفتيه مما جعلها ترسل ذبذبات حسية إلى سائر جسدها الذي لم يستنكر لمساته انما استجابت لها وهي تفتح عينيها لتقع على واحته الخضراء التي أسرتها لثوان كما أسرته ملامحها الرائعة لتظل النظرات دائرة بينهم إلى أن قطعها أصوات تهليل قادم من الخارج ليعتدل في جلسته وهي أيضًا، فتحمحم بخشونة قبل أن يقول
ـ يالا عشان اعرفك على أهل الدار اللي هتعيشي فيه، و اوعاكي تنسي حديتنا. عايزك تنفذيه بالحرف.
1
اومأت برأسها و ترجلت من السيارة برفقته وهي تضم وشاحها فوق رأسها وسط نظرات اعجاب و استنكار و ذهول من حولهم، فقد أرسل إليهم صباحاً يخبرهم بأنه تزوج و سيجلب زوجته معه اليوم.
لم تؤثر بها جميع النظرات بقدر ما فعلت نظرات هذه المرأة التي تشبه الشيطان في بشاعتها لتشتد يدها المُمسكة بيد رحيم الذي ضغط عليها و كأنه يطمأنها ليقف في وسط الدرج و يلتفت إلى الجميع وهو يقول
ـ سمعوني صوت سلاحكوا يا رچالة خلوا البلد كلاتها تعرِف أن العمدة رچع و معاه مرته .
4
اندفعت أصوات الأعيرة النارية من كل حدب وصوب و أصوات التهليلات التي خرجت من أفواه جميع مُحبيه ماعدا صوت هذه المرأة المسموم حين قالت
ـ بقى دي اللي هتحل محل ست الستات اللي راحت؟
+
ناظرها رحيم بقسوة قبل أن يقول بنبرة مُحذرة
ـ ست الستات جدامك اهي. ملي عنيكي منها. بس ابجي جولي ما شاء الله يا مرت عمي. اصل العين علينا حج.
1
برقت عينيها حتى أصبح مظهرها مُرعِب، ولكنها حاولت إدعاء القوة وهي تناظرها لتنتظر الأخرى دلوف رحيم إلى الداخل وتقول بجفاء
ـ بجى الخدامة دي ست الستات!
3
اغضبتها إهانة هذه الشمطاء لتقرر الثأر لكرامتها قائلة بسخرية
ـ الخدامة موچوده اهي، و چتلها ستها.
11
أنهت جملتها و توجهت خلف رحيم وهي تتمنى ألا تقتلها هذا المرأة من الخلف، ولكنها توقفت حين سمعت صوت مطاوع الغاضب وهو يقول إلى رحيم
ـ مبروك ياخوي. لساتك فاكر تجولنا انك أتچوزت!
+
ضيق رحيم عينيه قبل أن يقول بنبرة قاسية
ـ جولت افرحكوا يا مطاوع، ولا انتوا مفرحتوش يا واد عمي.
+
مطاوع بعتب
ـ لساتك فاكر اني واد عمك!
+
رحيم بغموض
ـ اومال! هي دي حاچة تتنسي؟ دي هي دي الشوكة اللي في ضهري.
+
مطاوع بصدمة
ـ تجصد اي؟
+
لمح ضي التي كانت تقف على مقربة منهم ليمد رحيم يده إليها وهو يقول بصوته الجهوري
ـ مش فاضيلك عاد يا مطاوع. اني عريس يا أخي حس على دمك.
3
أنهى جملته وهو يقوم بجذب ضي بقوة واضعًا يد خلف ظهرها والأخرى أسفل ركبتيها لتجد نفسها تطير في للهواء لتشهق بعُنف غطى عليه صوته الجهوري وهو يصيح بالخدم
ـ چهزوا الوكل و طلعوه على أوضتي فوج بعد ساعتين، ومحدش يزعچني اني عريس
هتفت ضي بصدمة
- يا مُري
13
لم يبالي لجملتها بل توجه إلى الدرج ليصعد بخفة و كأنه يحمل ريشة بين يديه، وقد كان يكبح ضحكته بصعوبة على هذه التي تخشبت بين يديه من فعلته الجريئة.
+
اللهم يا رازق السائلين، يا راحم المساكين، يا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غياث المستغيثين، إياك نعبد وإياك نستعين♥️
6
★★★★★★★★★
+
ـ يخربيتك وأنتِ قولتيله كدا في وشه!
+
هكذا استفهمت آسيا التي كانت تتمشى مع شروق في الحديقة بعد أن استطاعت الأخيرة التخلص من هذه الجبيرة فهتفت بحنق
ـ سيادته فاكر اني واحدة من إياهم. عايز يتسلى معايا يومين. قال ايه نعيش حياتنا زي اي زوج و زوجة!
+
آسيا بتفكير
ـ بصي هو أنتِ زنقتيه زنقة سودا بس هو ابن حلال و يستاهل.
+
شروق بحدة
ـ و من بجاحته يقولي انا معنديش مانع، وبعدها يهرب زي العيل الصغير.
+
حاولت أسيا تهدئتها قائلة
ـ عمر مش وحش. بس هو نتاج طبيعي لعيله زي دي. هيحتاج منك مجهود عشان يعترف أنه بيحبك، فلو عايزة نصيحتي استمري لحد ما يقول حقي برقبتي.
+
ما أن أوشكت على اجابتها حتى جذب اسماعهم صوت الخادمة التي اخبرت شروق بأن جدتها في انتظارها لتقول الأخيرة بلهفة
ـ جدتي صحيت من النوم هروح اقولها ان رجلي بقت كويسة و اجيلك، ولا تيجي معايا.
+
كانت آسيا مشغولة بالنظر إلى مكان آخر لذا قالت بتلعثُم
ـ هاه. لا. روحي وأنا هستناكي هنا.
+
غادرت شروق لتتوجه بخطٍ سُلحفية إلى منطقة محظورة دفنت بها قلبها ذات ليلة. تجردت بها من كرامتها و كبريائها و الآن هي تقف وجهًا لوجه مع هذه الشجرة التي كانت احن عليها من بعض البشر و سندتها حتى لا تسقط بعد أن جردوها من كل شيء و اتقنوا إهانتها، فأخذت تقترب منها و عينيها و كأنهم لوحة حية عن الحزن و الألم الذي عايشته تلك الليلة التي انحفرت كل دقيقة بها في صدرها لتمتد يدها و تضعها فوق هذا الجزع الذي اتكأت عليه ذلك اليوم و حين أوشكت عبراتها بالإنهمار تفاجئت بكف ضخم يغمر كفها فوق هذا الجزع ليستشعر جسدها حرارة قوية غمرتها من الخلف، فارتجف بدنها وهي تلتفت إلى الوراء لتصطدم بعينين اجتمع بهم العشق والشوق معًا، فظلت نظراتها عالقة بنظراته وهي تتذكر حديثه ذلك اليوم، وهو يتذكر ملامحها حين أخبرها بحبه ليُقرر قطع هذا الصمت قائلًا بنبرة خشنة
ـ دانا لو امي دعيالي قبل ما تموت مش هشوفك هنا.
+
لم تلتفت إلى مزحته بل هتفت بنبرة مُلتاعة
ـ كمال.
لمس حزنها فهتف بنبرة عذبة
ـ عيون كمال.
+
كلماته أعادتها من بئر ذكرياتها المريرة لتتراجع الى الخلف، و كفها لازال عالقًا بين اناملة
ـ انا. هو . انت مش مفروض في الشركة!
+
هكذا تحدثت بتلعثُم قابله بنبرته الواثقة
ـ الشركة مبقالهاش طعم من غيرك.
5
استشعرت الخطر في قربه و نظراته و حديثه لتحاول نزع يدها من بين يديه وهي تقول بخفوت
ـ سيب ايدي.
+
ـ لما تردي عليا.
+
ـ عايز ايه؟
+
كانت نبرتها يشوبها القلق ليقول باستفهام
ـ هربتي مني ليه؟
+
لم يكُن هناك مفر للهرب هذه المرة لتقول بنبرة خافتة
ـ معنديش إجابة لكلامك.
+
عاندها وهو يتعمق في عينيها الجميلة
ـ بطلي تكذبي عليا.
+
ضاقت ذرعًا من حصاره لها وضعفها أمامه الجديد كليًا عليها لذا قالت باستفهام
ـ كمال أنت عايز مني ايه؟
+
كمال بسلاسة ادهشتها
ـ انا بحبك. هكون عايز ايه؟
+
استفهمت بنبرة خافته
ـ طب و آخرة الحب دا ايه؟
+
اقترب منها وهو ينظر إلى الأعلى قائلًا
+
ـ شايفه البلكونه اللي فوق دي؟
1
رفعت رأسها إلى حيث أشار لتقول باستفهام
ـ مالها ؟
+
مازحها قائلًا
ـ كنت هنط منها لما شوفتك هنا..
1
لم تفلح في قمع ضحكتها الجميلة ليقول بجدية هذه المرة
ـ لا بجد ايه رأيك فيها؟
آسيا بعدم فهم وهي تجدد النظر الى الشرفة لتصل إلى مغزى حديثه
ـ مالها يعني؟ بلكونة عادية
+
كمال بنبرة تحمل من العشق و العبث ما جعلها خاضعة كلياً تحت سطوته
ـ لا طبعا مش بلكونة عادية. دي بلكونه واحد عازب و وحيد يتيم الأب والأم و نفسه في بنت حلال تكمل نص دينه و تعيش معاه فيها.
1
اقترب اكثر منها حتى احتضنتها عينيه و نبرته حين قال بعبث
ـ يعني تسقيله الورد اللي دبل دا. تجهزله لبسه. تنور حياته بضحكتها الحلوة. تحضرله فطاره ، تديله بوسة الصبح و عشرين بالليل. كدا يعني
13
لكزته في كتفه وهي تدير رأسها إلى الجهة الأخرى من فرط الخجل الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ بطل قلة ادب هو انت بتقول ايه؟
+
قلص الفارق بينهم وهو يقول بنبرة شغوفة
ـ بقولك تتجوزيني!
+
آسيا بنبرة تهيم من فرط المشاعر
ـ هاه.
+
كمال بوقاحة
ـ كلمة كمان و هطلبها منك فعليًا وأنتِ عرفاني في قلة الأدب مبتوصاش.
3
كانت تود الهرب منه من فرط الخجل و المشاعر التي غمرتها لتتجمد نظراتها فوق هذه الشجرة و تُعاد أصواتهم المُريعة إلى رأسها و كذلك مظهرها المُذري و القطع المُمزقة من فستانها التي لازالت تحتفظ بها إلى الآن لتُغمض عينيها بقوة تحاول الهرب لتجد يديه تمتد لتلامس خاصتها من الخلف وهو يستند بجبهته فوق كتفها قائلًا بنبرة محرورة من فرط العشق
ـ آسيا. وافقي. أنتِ بتحبيني زي ما بحبك.
+
دوامة من الأفكار والمشاعر جرفتها لتحاول الهرب منها و الإفلات من بين براثنها لتلتفت بلهفة وتقول بنبرة متهدجة
ـ انا فعلًا بحبك و موافقة اتجوزك.
17
اللهم إنّي أسألك أن توسع لي في رزقي، اللهم اكفني بحلالك وعطائك، وأغنني عن خلقك، اللهم إنّك كريم قدير فقدر لي الرزق الكثير وأكرمني بعطائك يا رب العالمين. اللهم إنك قلت ادعوني استجب لكم؛ اللهم إني أدعوك وأرجوك أن ترزقني من خيرك بخيرك الذي لا يملكه غيرك، اللهم ارزقني وبارك لي فيما رزقتني يا رزاق يا كريم". ♥️
6
★★★★★★★★★
+
كانت تُعِد طعام الغداء في المطبخ ليدلف ياسر إلى الداخل وهو يقول بصوت خشن
ـ هيام.
+
التفتت تناظره بحنو تجلى في نبرتها وهي تقول
ـ يا عيون هيام. شكلك جوعت انا خلاص خلصت الأكل.
1
أوقفها ياسر من الاسترسال في الحديث ليقول بنبرة جافة
ـ لا مش جعان. عايز اسألك على حاجه مهمة.
+
ـ وماله يا قلب أختك أسأل.
+
احتدت ملامحه ونبرته حين قال
ـ مها قبل ما تتجوز كانت حامل من مين؟
25
يتبع.....
4
