رواية طوفان الدرة الفصل السادس والعشرين 26 بقلم سعاد محمد سلامة
منذ أن عادوا من المشفى،اتخذت جود
من النوم سبيلًا للهروب من قسوة ما تشعر به من خسائر متلاحقة انتهت كُل طاقتها على التحمُل، أنهكت روحها وهي تُجاهد للتماسك كي لا تصرخ… صارت تغفو ساعات طويلة بلا وعي، لا راحة فيها ولا أحلام، فقط ظلامٌ كثيف يُغلف عقلها وقلبها
حتى وجنتاها، اللتان كانت تحملان يومًا بقايا ابتسامة، خفت لونهما وتيبّس الشعور فيهما،تشعر كأن الحياة انسحبت منهما … لا تود أن تجيب على أسئلة من حولها حتي عن صحتها، كل ما تريده أن يتوقف الزمن، أو على الأقل يتوقف ذلك الألم الذي ينهش وجدانها،خسارتها ليست هينة
خسرت جنينها الذي لم تنبت به الروح بعد…ربما أخذ روحها هي معه… شعور مرير، قلبها نبض للمرة الأولى… إحساس لشخص خاطئ… هى دُمرت ليس فقط معنويًا فقدت الإحساس لا تشعر ولا تود أن تشعر.
غص قلب وجدان من حالة جود… كأن الحظ يتكرر مرة أخري معها
زواج فاشل
لا فرق بين
حاتم ونوح
الإثنين لا يُقدران مشاعر من معهم، يتعاملان بقسوة، وإن كان حاتم أسوء من نوح
نوح لم يكُن
مخادعً ولا مُنتقم مثل حاتم…
تنهدت بأسي صغيرتها الرقيقة كانت أسوء حظً منها… فقدت جنينها …تقبلت ذلك بـ ربما ذلك رحمة من الله عليها لا يكون بقايا رابط بينها وبين حاتم ويخرج من حياتها ومعه الألم.
تركت وجدان جود نائمة وخرجت من الغرفة، تقابلت مع كوثر التي مثلت الحزن قائلة بنهجان من أثر صعودها السلم:
فين جود.
أجتبتها وجدان:
نايمة.
تنهدت كوثر بأسي مُصطنع:
هو إيه اللى حصل لها، وبعدين فين جوزها.
ردت وجدان:
معرفش، عدم وجوده أفضل.
زفرت كوثر بحقد:
بدل ما يحمد ربنا إنه ناسب نسب مكنش يحلم بيه، يسيبها كده وميسألش عنها هو…
قاطعتها وجدان بحسم:
بلاش السيرة دي، وجود مش لوحدها، أنا وطوفان جنبها.
بحقد تفوهت كوثر بتحريض:
طوفان المفروض كان يعمل زي حاتم ما عمل فى جود، دُرة مش بنت خال حاتم.
زفرت وجدان بغضب قائلة بحسم:
“ولا تزر وازرة وزر أخرى”
ربنا قال إكده وبعدين قولت بلاه الحديت ده كفاية.
ارادت كوثر نفخ النار لكن حكمة وجدان كانت الفائزة.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
دلف إلى المنزل بخطوات هادئة، مزاجه هادئ بل صافٍ ، حتى أنع يُدندن إحد الأغنيات الفلكلورية الشهيرة بنغمة خفيفة على لسانه…
لكن سرعان ما خفتت ابتسامته، وتأفف في صمت حين وقعت عيناه على سامية، بوجهها المتجهم كعادته. تمتم باستنكار وهو يمر بجانبها:
ـ بومة… متعرفش تضحك ولو مرة فوشي.
بينما سامية، رمقته من طرف عينها، ورفعت حاجبًا في سخرية وغضب كان مكبوت وأعطت له الصراح قائلة بإستهجان:
داخل الدار رايق وبتغني ومتغرفش المصيبة اللى احنا فيها.
إستغفر بين نفسه ثم نظر لها باستفسار سائلًا بنزق:
يا ساتر يارب، خير، إيه هي المصيبة.
بغضب يزداد أجابته:
طبعًا قافل موبايلك ومروق دماغك والدنيا تضرب تقلب ولا فى دماغك، أنا اللى شايلة هم الدار ده.
نظر لها بحنق مُتهكمً سائلًا ببرود عكسها:
طول عمرك سدادة… إيه هي المصيبة اللى حصلت.
بغضب عارم أجابته:
إبنك وليد الشرطة جت وخدته من الدار.
رغم بروده لكن إدعي اللهفه سائلًا:
وخدته ليه، عمل إيه تاني.
نظرت لها بإستهجان قائلة:
معملش حاجه، إنت ليه مفكر إن إبنك الإجرام فى دمه،اللى خدته هي شرطة الجيش…إتصلت عليك وعلى اخويا أنتم الاتنين موبايلاتكم خارج الخدمة … خدوه مقدرتش أمنعه لو شوفته وهمت بياخدوه قلبك هيتقطع عليه… مش قادرة انسي منظره وهو بيستنجد أنه ميروحش معاهم، إنت لازم تتصرف وتشوف حل للمصيبه دي أنا عاوزه إبني يرجعلي.
نظر لها بإزدراء لكن تفوه عكس إرادته:
تمام انا هتصل أشوف إيه حصل، يمكن فى غلط فى الموضوع.
بغضب تفوهت:
تتصل على مين، إنت تروح تشوف خدوه فين وتجيبه أنا عاوزه إبني مش كفايه قبل إكده إتحبس شت شهور مع المجرمين.
تهكم لكن أظهر عكس ذلك، ثم غادر فقط ليبتعد عن وجهها.
بالاعلى بغرفة والديه
تسحب ريان للغرفة يترقب حوله يمين ويسار، حتى دلف الى الغرفة وارب الباب ثم ذهب نحو تلك الخزنه الصغيرة، حاول فتحها لكن فشل… وقف يزفر نفسه بغضب، بنفس الوقت دلفت سامية وجدته إندهشت من وقوفه سألته باستفسار:
واقف كده ليه يا ريان.
تعرق وجهه وإرتبك قائلًا بتعلثُم:
انا… أنا… كنت… كنت…
رغم الارتباك الواضح عليه وتعلثمه لكن لم تهتم بذلك ظنت أنه يريد شيء ويتردد فى طلبه… إقتربت منه ربتت على كتفه قائلة:
قول عاوز إيه انا دماغي هطير مني… بسبب أخوك.
توتر قائلًا:
كنت محتاج مبلغ مالي…
توقف للحظات ثم برر طلبه:
عاوز أحجز كُتب الجامعة.شراء الكتب الأكثر مبيعًا على الإنترنت
جلست على الفراش تشعر بإنهاك قائلة:
والمبلغ ده قد إيه.
أجابها بقيمة المبلغ المُبالغ فيه، لم تعترض ونهضت نحو تلك الخزنة، لاحظ تلك الأرقام التى فتحتها بها وسحبت له قيمة ما طلبه… ثم اعادت إغلاق الخزنه… ظل ريان يُحملق بالمال الكثير الموضوع بالخزنه كذالك بعض المصوغات الخاصة، بها عقله حفظ تلك الارقام، وعاود يتذكرها حتى يحفظها…لم ينتبه الا حين مدت يدها له بالمال قائلة:
الفلوس ايه يا ريان انا عاوزاك تتجتهد فى الجامعه متبقاش زي الثانوية وتاخد السنة فى اتنين.
أخذ المال منها قائلًا بمهاودة:
حاضر متقلقيش.
بمجرد أن لمس المال توجه نحو باب الغرفة مغادرًا… بينما عادت سامية تجلس تشعر بانهاك وغضب تنتظر إتصال من عزمي.
بينما خرج ريان من الغرفة متوجهًا الى مغادرة المنزل، لكن قبل ذلك جلس فى سيارته يضرب رقم هاتفي قائلًا:
جبت مبلغ محترم عاوز حاجه محترمة اتكيف بها.
****
وعلى الناحية الاخرى كانت ضحكة ظفر تدوي وهو يقول:
قولتلك هيرجع مدمن وأهو.
ولخباثة الآخر ضحك هو أيضًا قائلًا:
برافوا عليك، عاوزك تطمعه، فترة بس وبعد كده مهما دفع ممنوع تطاوعه، عاوزه ينتهي عالبطئ.
❈-❈-❈
مساءً
عاد طوفان الى المنزل
تلاقي مع شكرية التى تبسمت له، سألها:
الحجة وجدان فين.
أجابته:
شوفتها من شويه كانت داخلة أوضة جود، تحب أحضر العشا.
أومأ راسه بـ لا … صعد السلم توجه نحو غرفته أولًا… توقع وجود دُرة لكن كانت الغرفة خالية… تنهد بغيظ جذب هاتفه قام بإتصال سمع جواب الآخر زفر نفسه بجمود اغلق الهاتف… توجه نحو الحمام أخذ حمامً باردًا ربما يزيل عن كاهله بعضًا من التوتر والضغط النفسي الذي ينهش صدره… خرج بعد دقائق، يلف المنشفة حول خصره، وقطرات الماء تنحدر على جسده، مرر يده في شعره المبلل وهو يتجه نحو الخزانة ليبدل ملابسه…ثم خرج من الغرفة توجه نحو غرفة جود، دخل بعدما طرق على باب الغرفة… إبتسم حين وجد وجدان تضع صنية صغيرة جانبًا بعدما إنتهت جود من الطعام… إقترب من جود وجلس جوارها على الفراش يُقبل رأسها سائلًا:
أزيك دلوقتي.
أجابتته ببسمة طفيفة رغم ذاك الشعور القاسي الذي ينتهك روحها:
الحمد لله بخير.
غص قلبه فالحقيقة تعكسها ملامحها الواهنة المسؤمة…
نظرت لهما وجدان بغصة قوية، الإثنين يتحملان أكثر من طاقتهما، بالأخص طوفان
قدره دائمًا عكس ما يتمني، ربما الشئ الوحيد الذي تمناه وناله هو “درة” رغم عنادها الا أنها على يقين أنها مثل طوفان تعشقه وهذا ما غفر لها وتقبلت زواجه منها بحذر فى البداية حتى تاكدت من ذلك… لو ظلت معهما بالغرفة قد تبكي، تحججت قائلة:
أنا مخدتش العلاج هروح أخده وأرجع لكم هاخد معايا الصنية مش هغيب.
اومأ لها الإثنين… خرجت وجدان توقفت على جانب الغرفة تمسح دموعها، مازالت تشعر بألم صدمتها حين علمت بمرض جود وإجهاضها وكيف أخفي طوفان الامر عليها الى أن إستعادت جود وعيها حتي لا تراها بمنظر أسوء مما كانت عليه… الا يكفي أنها عاشت القسوة… جود كانت بعيدة عن قسوة نوح لكونها فتاة، عاشت الدلال بكنف طوفان لا بكنف أبيها… لكن كانت القسوة فى إنتظارها مع أحمق.
****
بداخل الغرفة… إقترب طوفان أكثر من جود التي نظرت له ثم لم تعد تحتمل ما تكبته بصدرها… إنفجرت باكية،
شعر طوفان بهزة أعصار قوي توغل من قلبه يكاد يجعله يُقدم على إقتلاع قلب حاتم من صدره لو طلبت جود ذلك.. ضمها لصدره سريعًا وهي تبكي، وبكاءها يزداد وهي تضم طوفان،تركها تبكي رغم قسوة ما يشعر به،ربما البكاء يكون تنفيس عن مكنون صدرها… حتى شعرت بهدوء وخفت صوت بكائها… ضمها قائلًا:
إحكي لي بالراحة إيه اللى حصل.
رغم وجع قلبها من سردها لما حدث كأنها تعيشه مره ثانية، سردت لـ طوفان ما حدث.
ضمها طوفان بقوة يشعر بغضب قائلًا:
من يوم الصباحية وأنا كنت ملاحظ أفعاله وكنت ساكت مش عاوز أفرض السوء، لكن أنا صبرت عليه كتير وإنتهي صبري، دلوقتي عاوز منك قرار يا جود.
بلا تفكير كان ردها:
الطلاق.
لم ينصدم، جود قدمت تنازلات كثيرة مع حاتم وإن أختارت شيء غير ذلك لن تكون جود الذي رباها أن كبريائها أولًا…
لكن لن يكون ذلك سهلًا ولا بدون ثمن
لكن لـ جود أيضًا مشاعر أخويه، ضمت طوفان قائلة:
مش عاوزه غير أني أطلق يا طوفان، أنا مش مسامحة حاتم بس مش عاوزاك تبقي زيه جاحد متأكدة إن ربنا هيخلص حقي منه، بس مش عاوزه تبقي إنت سبب فى أذية حد حتى لو كان أكتر شخص أذاني، بس إنت لك مكانة تانية عنه، إنت مش هتبقي زيه وتختار الإنتقام… أنا عارفة قلبك أبيض، واللي جواك أنقى من إنك تلوثه بالغضب والانتقام…
إنت سندي، ولما بشوفك بحس بالأمان… بس كمان بخاف عليك من نفسك…
خليني أنا اللي أتحمل الوجع، خليني أختار الطريق اللي يخليني أخرج من الليلة دي بكرامتي، مش بدموع وندم.
نظر لها بعين ممزوجة بالحنان والغضب، لكن كلمتها الأخيرة كانت كأنها برد على جمرة قلبه…
هزّ راسه، قائلًا بصوت مخنوق:
خلاص يا جود، الطلاق هيكون…
بس أوعديني، أوعديني إنك مش هتسبي نفسك لكسرة قلبك… ولا هتخلي أي وجع يحني ضهرك…
أنا معاكي، في وش الدنيا دي كلها.
شدت جود على إيده، قائلة بضعف:
أنا عايزه أبدأ من جديد… بس أكيد أنا مش لوحدي.
مد إيده على وجهها يمسح دموعها، وضمها قائلًا ببث ثقة فيها:
عمرك ما كنتِ لوحدك… من أول ما اتعلمتي الكلام ونطقتي قولتي إسمي ” يا طوفان”، بقيت نَفسك التانية…
وحقك، لو ما جاش على إيدي… هييجي من ربنا اللي عمره ما بيخذل المكسورين.
وساد بينهما صمت دافيء، خالي من الخوف…
صمت طمأنينة إن اللي جاي، مهما كان صعب، في ليست وحيدة.
******
بعد وقت
خرج من غرفة جود سمع صوت سيارة نظر من ذلك الشباك الذي بالممر زفر نفسه بغضب حين رأي دُرة تترجل من السيارة، ظل واقفًا تلاقت عيناه مع عيني درة التي رفعت رأسها رغم ان الضوء خافت لكن رأت تغضُن ملامحه لوهلة إرتجف قلبها لكن أكملت سير وتوجهت الى داخل المنزل، بينما توجه طوفان نحو الغرفة الخاصة بهما… ينتظر دُرة التي دلفت الى الغرفة نظر لتلك الساعة بيده ثم لها قائلًا بإستهجان:
كنتِ فين لحد دلوقتي؟.
لاحظت على ملامحه الغضب، إزدردت ريقها قائلة بهدوء بارد:
كنت عند ماما.
عاد ينظر للساعة بيده قائلًا:
كنتِ عند مامتك للساعة حداشر ونص مش ملاحظة إن الوقت إتأخر ولا كنتِ ناوية تكملي وتباتي هناك.
عادت تبتلع ريقها، هي فعلًا أرادت المبيت بمنزل والدها لكن لم تود إثارة سؤال والدتها فعادت رغمً عنها، ظلت صامته.
زفر طوفان نفسه بغضب قائلًا:
ساكته ليه مش بتردي.
ظلت دُرة واقفة أمامه تنظر له بثبات رغم ارتجاف داخلها، لم ترد، فاقترب منها خطوة وتحدث بنبرة منخفضة مشحونة بالغيظ:
بتتصرفي من دماغك وترجعي وقت ما تحبي… كل ده ليه عشان…
قاطعته بغضب تلمع الدموع بعينيها قائلة:
عشان طردتني من المكتب الضهر ومكنتش ناوية أرجع هنا، بس…
صُدم طوفان من ردها ولم ينتظر بقية حديثها قاطعها بغضب:
بس إيه يا دُرة….
لم يُكمل حديثه حين هطلت دموع دُرة وبمفاجأة بدأت تسعُل بشدة.
هلع قلب طوفان وتبدلت عصبيته الى قلق سريعًا توجه نحو تلك الطاولة وبحث عن البخاخ… توجه نحوها جذبها لأحد المقاعد جلست…:
وسريعًا أمسك بوجهها بين يديه وهو يهمس بقلق:
دُرة، خدي نفس… اهدي شوية، أنا معاكِ.
أخرج البخاخ ورفعه نحو فمها المرتجف، وضعه بحذر وهو يثبت يدها المرتعشة علي البخاخ، ضغط هو بخفه
أطاعته رغم اضطرابها، وحاولت الضغط على البخاخ لكن تركت له ذلك… أخذت شهيقًا متقطعًا وهي تميل برأسها على كتفه دون وعي…. ضمها طوفان إليه بحنان وهو يمسد على ظهرها برفق…
شعرت بنبضه يتسارع مثلها، كأن قلبه يسعل معاها، كأن وجعه أكبر من وجعها…
بضعف حاولت دفعه عنها تبكي تتحدث من بين سُعالها بصوت متقطع تلومه:
إنت طردتني من المستشفى وكمان طردتني من مصنعك… ناقص تطردني من البيت هنا.
ضمها بندم قائلًا:
مستحيل يا درة.
زفر نفسه يتحمل كثيرًا
همس مرة أخرى، لكن هذه المرة نبرة صوته حملت رجاءً:
خليني أساعدك تاخدي شاور.
هدأت قليلًا،هزت رأسها بنفي قائلة بحشرحة صوت:
لاء مش محتاجة شاور، بس هغير هدومي وأنام.
لم يعترض ساعدها على النهوض وتبديل ثيابها، حتى تمددت على الفراش، ظل واقفً جوار الفراش لحظات حتى تحدثت له:
مش هتنام.
أجابها ببساطة هنام.
رسمت بسمه وهو يتوجه للناحية الاخري وتمدد على الفراش نظرت له تود أن يقترب منها ويضمها،لكن منعها كبريائها مازالت تشعر بالإنزعاج منه…بينما طوفان تنازل وإقترب منها يضمها لصدره يشعر بضياع وتشتُتت.
غفت دُرة بينما هو ظل مُستيقظً حتي سطوع شعاع الشمس…تسلل من جوار دُرة و نهض من فوق الفراش،ذهب نحو زجاج الشُرفة،أزاح الستائر قليلًا ونظر للخارج…وذكرى تطوف أمام عيناه
«قبل بضع شهور قبل مقتل حسام بحوالي أسبوعين تقريبًا…
صدفة،أم قدر قاسي يُزيد من جرح قلبه
بأحد مطاعم القاهرة الفخمة
كان يجلس مع روزان وأحد العملاء غداء عمل
أثناء ذلك نظر عبر واجهة زجاج المطعم الى الخارج…لوهلة ثم عاد بنظره،لكن شيئًا ما جذبه ليتلفت مرة أخرى، لم يكن يعلم ما الذي دفعه لذلك، حتى وقعت عيناه عليها…
لكن سُحق قلبه وهو يرا حسام يمد يده لها كي يدخلا سويًا الى داخل المطعم، لم ترفع درة يدها وتجاهلت يده ودخلا معًا
تجمد في مكانه، ولم ينتبه لـلـ الحديث الدائر بين روزان والعميل ، لم يعد يسمع شيئًا سوى دقات قلبه التي خذلته فجأة، دقات متسارعة تندفع من بين ضلوعه … ظن أن الوقت كفيل أن يجعله حتي يتناسي غصبً، لكن رؤيتها أحيت لهيب الجرح… شعر بحرارة تغزو كيانه، تحجج ونهض، ذهبً الى الحمام، وقف لحظات ثم توجه يغسل وجهه ربما تمحو المياة صورة دُرة، لكن عبثً حين فتح عيناه ورفع رأسه تصنم للحظات حين رأي إنعكاس حاتم بالمرآة…تمسك بالهدوء وإستدار
تلاقت عيناهم….كاد طوفان أن يتجاهله لكن حسام كان خبيثً وتعمد الحديث:
مفيش حتى بينا سلام…حتى السلام لله…يا طوفان.
نظر له طوفان صامتً ثم كاد يتحاشي ويغادر لكن وقف متصنمً حين سمع حسام يقول بنبرة
نصر:
على فكرة أنا ودرة حددنا ميعاد زفافنا خلاص خلال شهر بالكتير.
كلمات قليلة لكنها كانت كصرير رياح تكاد تقتلع قلبه… لكن إستقوى طوفان وعاد تلك الخطوات أصبح أمام حسام، تمركزت عيناه بعيناه وتفوه بنبرة ثقة:
متأكد إن الزفاف ده مستحيل هيتم، ومتأكد إن درة هي اللى هتنهي القصة دي كلها.
نظر له حسام بنظرة نصر وثقة قائلًا:
متنساش إن أنا ودُرة مكتوب كتابنا يعني متجوزين رسمي الزفاف مجرد تحصيل حاصل… درة… مراتي.شراء الكتب الأكثر مبيعًا على الإنترنت
إبتسم طوفان بسخرية مريرة، لكن ملامحه لم تهتز، رد بنبرة باردة كأنها صفعة:
كتب الكتاب مش حبل غليظ، دي ورقة ممكن تتبدل بسهولة.. ومتأكد درة هتفوق وتعرف حقيقتك… وساعتها… إنت اللى هتفتكر الكلام ده وتتحسر عليه.
اقترب منه خطوة، حتى صار الفارق بينهم شبه منعدم، ثم أكمل بصوت منخفض لكنه يحمل في طياته تهديد خفي:
متأكدة دُرة مشوشة، ومتأكد إن إنت اللى وصلت لها الڤيديو… بس صدقني دُرة فى لحظة هتتراجع وتفهمك على حقيقيتك الإنتهازية يا حسام.
تحدث طوفان بذلك ثم تركه ، ومضى بخطى ثابتة، لكن بقلبه نسمات حامية تحرق داخل صدره.
ظل حسام واقفًا مكانه، يلاحق طوفان بعينيه المشتعلتين… الشرر يتطاير منهما…
قبض على قبضته بقوة، يحاول كبت الغضب، لكنه نطق بين أسنانه بغيظ:
بتحلم يا طوفان مستحيل يحصل اللى بتقوله…
ثم أكمل بتصميم:
درة من نصيبي.
لم ينتظر وعاد مرة أخرى الى تلك الطاولة التي تجلس دُرة خلفها… تبسم قائلًا:
طلبتِ الأكل… معليشي إتأخرت تعرفي شوفت مين هنا فى المطعم.
رفعت رأسها عن ذلك الكُتيب الصغير قائلة بإستفسار:
فعلًا إتأخرت وقولت للجرسون يستني رجوعك، ومين اللى شوفته هنا فى المطعم.
تمركزت عيناه على وجهها ثم تفوه بخباثة:
طوفان… “طوفان مهران”
هنا فى المطعم شوفته قاعد مع بنت واضح بينهم إنسجام.
شعرت دُرة بخفقان فى قلبها كأن الهواء إنسحب من رأتيها… تجمدت ملامحها لثوانٍ، ثم سرعان ما تمالكت نفسها وأغلقت الكُتيب ببطء.شراء الكتب الأكثر مبيعًا على الإنترنتشراء الكتب الأكثر مبيعًا على الإنترنت
نظرت لحسام نظرة غامضة، لا هي صدمة ولا غضب… نڟرة بلا معني قائلة باندفاع:
يمكن عميلة، وبعدين هو حُر، خلينا نتغدا أو الأفضل نمشي حاسة بصداع.
شعر حسام بالغيظ وندم على إخبار دُرة… لكن حاول تصليح ما أفسده بالخطأ… قائلًا:
أكيد الصداع من الجوع خلينا نتغدا وبعدها هتحسي إنك بقيتي أفضل.
لم تقتاط سوا القليل وطلبت منه المُغادرة… غصبً امتثل حسام يشعر بإنسحاق، لكن لن ينهزم ويترك دُرة، فلقد إقترب الوصول الى هدفه… ربما أخطأ بذكر طوفان، لكن أصاب حين قال أنه يجلس مع امرأة بإنسجام.
نهضت درة وحسام وخرجا من المطعم، توقفت دُرة لحظات أمام باب السيارة، رفعت رأسها لأعلى حقًا، رأت طوفان يجلس مع امرأة لم ترا الشخص الثالث، وهو لم يراها كان يحاول التركيز فى هدف اللقاء وهو العمل، رغم لان روزان زوجته لكن ليس هذا هو سبب اللقاء بل لقاء عمل بحت… زاد من غصة درة هو رؤيتها أخذ طوفان كوب المياة من يد تلك المرأة… صعدت للسيارة تشعر بوخزات تخترق قلبها مثل الإبر الساخنة، تشعل وجعًا لم تعرفه بهذا الشكل من قبل…
بلعت غصتها بصعوبة، ويداها ترتجفان وهي تُغلق باب السيارة، نظرت من الزجاج الجانبي نظرة أخيرة، علها تُكذب عينيها… لكن لا، ما رأته كان واضحًا كالشمس، وضوح ألمه شديد
بداخلها تشعر بشيء انكسر…
صوت داخلي ينهرها:
مش من حقك تزعلِي، كُل واحد بقي فى طريق بعيد… فوقي يا دُرة إنتِ لسه مشاعرك إتجاه طوفان بتتحكم فيكِ، كفاية لازم تاخدي قرار حاسم.
بينما طوفان هو الآخر لن يستطع رؤية دُرة وهي تُغادر مع ذلك الأفاق، نهض مُعتذرًا وغادر ظنًا أنهما مازالا بالمطعم،غادر من إتجاة آخر»
عاد طوفان من تلك الذكرى المريرة يلوم نفسه…
هل كان أعمى لدرجة أنه ظن أن أخلاق حاتم لا تُشبه أخلاق حسام..
هل خدعته ملامح الرجولة الهادئة أم الكلمات المزيفة التي كان حاتم يتقن حبكها، وصمت جود .
نظر أمامه كان هنالك سكون نهاية الليل… رغم ذلك لم يمنحه طمأنينة، بل أشعل في صدره نارًا لم تهدأ….
أطلق زفيرًا طويلًا، وكأنه يطرد شيئًا ثقيلًا يجثم على صدره، لكنه لم ينزاح…
يشعر أنه مع الجميع ينساق نحو إعصار،
يبدوا أن القدر قرر أن يُلقيه دومًا في قلب العاصفة… كي يتذوق مرارة مذاق الخذلان مرة أخرى.
❈-❈-❈
فتحت عينيها ببطئ تشعر ببعض التقلُصات تعتصر ببطنها، نظرت جوارها وتجولت عينيها بالغرفة طوفان غير موجود.، شعرت بغصة قوية فى قلبها بالتأكيد غادر الغرفة بمجرد أن نعست،كادت أن تبكي… لكن تلك التقلُصات جعلتها تتغاضي عن ذلك ونهضت من فوق الفراش متوجهه الى الحمام…
بمجرد أن فتحت باب الحمام سُرعان ما شهقت بخضة حين وجدت طوفان أمامها، شبه عاري فقط منشفه حول خصره ومنشفة أخري صغيرة يضعها حول عًنقه… نظرت له نظرة خاطفة ثم حادت النظر إليه بخجل حين لاحظ نظرها لجسده تبسم رغم مزاجه السيء من ما يمُر به…. نظر لملامح وجهها كانت باهته،أو بالأصح واهنه…خفق قلبه،قائلًا:
صباح الخير، إيه صحاكِ بدري كده.
حايدته ومرت من جواره قائله:
صباح النور،عادي صحيت زي ما إنت صحيت بدري،ممكن لو سمحت تخرج وتسيني لوحدي.
لو بمزاج آخر لكان شاغبها وما خرج من الحمام لكن مزاجه بالكاد يود الحديث المُختصر فقط،لم يُجادلها وخرج من الحمام ، يشعر أنها ليست بخير، إنتهي من إرتداء ثيابه عيناه مُسلطة نحو باب الحمام، إستغيب عدم خروج دُرة، شعر بالقلق، ذهب نحو باب الحمام قام بالطرق عليه أكثر من مرة حتى إزداد القلق من عدم رد دُرة… طرق بقوة قائلًا:
دُرة إنتِ بخير… ردي عليا…أو هكسر الباب.
بداخل الحمام،شعرت دُرة بغثيان وقئ لم تتحمل ذلك بسبب عدم وجود طعام ببطنها منذ ظهيرة الامس لم تقتات سوا القليل،حين ارغمتها والدتها على تناول العشاء معهم، أكلت الطفيف وتحججت انها لم تكُن جائعة… لامت نفسها وهي تشعر بوهن ودوخة، عليها أن تنتبه لم تبقي كالسابق حين كانت تغضب ولا تتناول الطعام كرد فعل، هي الآن تحمل روح أخري بداخلها وعليها الإنتباة من أجل تلك الروح أولًا لا ذنب لها فيما تمر به، جلست على طرف حوض الإستحمام، ربما تعود قوتها، لكن سالت دموع عينيها وهي تشعر بضعفٍ غريب يتسلل إلى أوصالها… كأن جسدها قرر أن يُعلن التمرد، يطالبها بأن تتوقف عن المجادلة والتجاهل، أن تعترف أنها لم تعد كما كانت… دموعها لم تكن فقط من ألم الغثيان أو الدوخة، بل من اختلاط المشاعر، من إحساسها بالعجز، من إدراكها أن الحياة لم تعد تخصها وحدها… هنالك كائن صغير، هش، ينمو بداخلها، يطلب منها الحماية، الأمان، والرعاية، بينما هي بالكاد تستطيع حماية نفسها من قسوة الظروف….
مررت راحة يدها المرتجفة على وجهها، تمسح الدموع دون فائدة، وعيناها تتعلقان ببقعةٍ ما على الأرضية وكأنها تبحث عن شيء يُعيد لها توازنها… سمعت طرق طوفان
تجاهلت الرد عليه، لكن حين إحتد الطرق وكاد بالفعل يكسر الباب…
نهضت بتثاقل، أمسكت حافة المغسلة تحاول الاتكاء عليها، نظرت إلى وجهها في المرآة… كان شاحبًا، لكنها لمحت بريقًا ضعيفًا بعينيها، كأنه الأمل… أو ربما التحدي…. سارت بتثاقل حتى وصلت الى الباب فتحته، كانت واهنه بوضوح… نظر لها بلهفة وقلق قائلًا:
دُرة مالك…
صمتت درة لحظات قبل أن تقول:
انا بخير… دايخة بس يمكن من الجوع أو بسبب القئ.
زفر نفسه بغضب قائلًا:
من الجوع أكيد…. طبعًا مكبرة الزعل ومكلتيش ناسيه إنك حامل وإن عدم أكلك يضرك قبل الجنين.
أنهي حديثه الغاضب وإنحني يحملها ، لم تُجادل معه، حتى وضعها فوق الفراش، ثم جذب خصلات شعره للخلف بغضب قائلًا:
زمان شكرية صحيت هنزل أخليها تجيب لسيادتك فطار ومش هسمح بعنادك ولا بدماغك اللى زي الأطفال.
كادت درة أن تعترض بإستهجان لكن أشار لها بالصمت متوجهًا نحو باب الغرفة، يصفع الباب خلفه… شعرت دُرة بالندم فمهما كان غضبها كان لابد أن تترك عادة الغضب على الأكل.
زفرت نفسها وتمددت على الفراش تضع يديها تحركهما على بطنها، زالت التقلصات لكن الجوع له تأثير…
لامت نفسها حقًا الأمس كانت غاضبة
لكن اليوم اقل غضبً وهي تزم نفسها على ما حدث بالامس
«بالعودة للامس
بمكتب طوفان
حين دخلت الى المكتب دون إستئذان وقفت مُتصنمة لدقيقة تقريبًا وهي ترا
خلود تقف جوار طوفان خلف تلك الطاوله يتحدثان رغم وجود مسافة قليلة بينهما لكن يبدوان منسجمان،أو هكذا ظهر لها…رغم عدم وجود ما يجعلها تشعر بالغِيرة لكن زاد ذلك برأسها حين سمعت مديح طوفان لـ خلود كأنه يتعمد إثارة غيرتها والحقيقة عكس ذاك فمديحه لـ خلود دعم وتقدير على عملها:
بصراحة
مكنتش متوقع إنك بالنشاط..، شغلك هايل،رغم غيابي،لكن اهتمامك بالتفاصيل الأيام اللى فاتت فرق بشكل واضح فى زيادة التوزيع.
قالها طوفان بنبرة جادة وهادئة، وعيناه تتابعان حركة خلود وهي تشكره وتعطي بعض الملفات … بينما درة ما زالت واقفة مكانها، كأن قدميها تجمدت.. قلبها لم يخفق بغِيرة فقط، بل بشيء أشبه الإعصار… رغم محاولاتها المستميتة لإقناع نفسها أن الأمر مهني بحت.
لكن قرأ طوفان عينيها حين تحركت أخيرًا بخطوات بطيئة، نبرتها جاءت باردة تحمل بين طياتها مزيجًا من الغِيرة والغضب:
آسفه هعطلكم… واضح إن الشغل كتير.
نظر لها طوفان مُبتسمً مُرحبً:
أهلًا يا درة.
كذالك رحبت بها خلود ثم نظرت نحو طوفان قائله:
دي ملفات سير العمل الايام اللى فاتت.
أخذ طوفان منها مُبتسمً تلك البسمة رغم أنها مجاملة لا أكثر لكن أثرت على فهم درة…
نظرت نحو خلود بغضب….تنحنحت درة..شعرت خلود بالحرج….تركت الملف له انسحبت بهدوء بعد أن شعرت بالحرج.
التفت طوفان إليها، نظر بعبس خفيف على ملامحه، كأنه يحاول استيعاب سبب نبرتها المتحفزة، فقال:
درة أيه اللى جابك هنا المصنع.
رفعت عينيها أخيرًا ونظرت له بثبات سائلة:
من إمتى خلود بتشتغل معاك هنا فى المصنع.
زفر طوفان نفسه قائلًا:
إيه اللى جابك يا درة.
شعرت ببعض الترقب والغِيرة حاولت تمالك نفسها قائلة:
-مردتش على سؤالي.
أجابها بجمود:
من فترة قريبة.
-وليه مقولتليش قبل كده.
هكذا كان سؤالها الثاني الذي أجابه طوفان بتوضيح بسيط:
وأقولك ليه دي شغل إنتِ مالكيش فيه، ودلوقتي قوليلي إيه اللى جابك المصنع أكيد حاجه مهمه.
تلألأت الدموع بعيني درة من طريقة حديث طوفان معها الجامدة، بل القاسية، وكادت تغادر بلا إجاية…لكن جذبها طوفان من يدها قائلًا:
رايحة فين،إيه سبب مجيك لهنا يا درة.
نفضت يده بغصب قائله:
كنت جاية أسألك عن أرض بابا اللى سبق وساومتني عليها النهاردة أكتشفت انها مثبوته بأسمي،يبقي ليه ساومتني قبل شهور إني أتجوزك،كمان سؤال،إزاي بابا رجع يثق فيه أساسًا،بس دلوقتي فهمت بابا دايمًا كان فى صفك رغم إنك آفاق وملاوع و….
-درة
قالها طوفان بغضب ساحق وهو يضغط على رسغ يدها،تألمت درة قائله:
إيه زعلت لما واجهتك بالحقيقة، طوفان قولى ليه ساومتني وإنت عارف إن الأرض دي أرضي، دلوقتي إتأكدت إن رأي حسام فيك كان صحيح لما قال إنك إنتهازي.
“إنتهازي”
ذلك الوصف أبعد ما يكون عنه ليته كذالك لكن حاول تمالك نفسه وغضبه قائلًا بتكرار:
أنا إنتهازي…تمام يا درة ….أنا لو كنت إنتهازي،مكنتش وافقت ورجعت الأرض تاني وكان ببساطة أخلى والدك يكمل إجراءات نقلها بإسمي، لكن لو شغلتي دماغك قبل ما تتهميني كعادتك، كنت عرفتي إن فى عقد ابتدائي بيني وبين والدك على بيع الأرض، وبعدها تنازل مني عن الأرض لجنابك…
عايزة تعرفي ليه ساومتك،لان مكنش قدامي طريق تاني،طبعًا كنتِ راجعة لهنا فى دماغك هدف وقرار إنك تاخدي بتار والدك،وتارك كان جزء كبير منه معايا،مش أنا اللى ضيعت الحق،مش ده إتهامك اللى لسه لغاية دلوقتي معشش فى دماغك من ناحيتي، التلات رصاصات اللى ضربتيهم فى صدري… هقولك ليه ساومتك… لأن ده كان آخر طلب لوالدك مني قبل ما يتوفي… قالي إنك عنيدة والأرض دي هي اللى هتجبرك توافقي تتجوزيني، رغم ذلك أنا مضغطش عليكِ بها ولو مش فاكره هفكرك، أنا عرضت عليكِ الجواز ورفضتي، وحاولت أكتر من مرة، وطبعًا كان الصد من ناحيتك، تعرفي ليه شاهر ساعدني وغير صيغة التوكيل بتاع بيع الشقة لصيغة توكيل لعقد قران.
إلتقط طوفان نفسه ثم نظر لها قائلًا:
لأن ده كان وصية لوالدك قبل ما يتوفي إني أتجوزك وأحميكِ، وعشان تتأكدي باباكِ قالي إنك لمحتي له أكتر من مرة إنك مش مرتاحة من كتب كتابك إنتِ و حسام وإنك إتسرعتي كان لازم يبقي فى فترة خطوبة الأول.شراء الكتب الأكثر مبيعًا على الإنترنت
إتسعت عيني دُرة، بالفعل حدث ذلك، لكن هل كان والدها يثق بـ طوفان لهذا الحد…
صمتت درة مذهولة بينما عاود طوفان الحديث:
أنا ماكنتش ملاك، واعترفت اني غلطت، لكن عمري ما خنت ثقة أبوكِ ولا حاولت أستغلك… كل اللي عملته كان علشان أحافظ على آخر حاجة طلبها مني، يمكن كنت غبي في الطريقة، يمكن ماحاولتش أفهمك كفاية، بس اللي أكيد إني ما كنتش انتهازي ولا آفاق زي ما بتقولي… ولو إنتِ شايفاني كده، فده معناه إنك ماعرفتنيش يوم، وإن المسافة اللي بيننا عمرها ما كانت في الأرض… كانت دايمًا في قلوبنا… دايمًا بتسمعي وتصدقي بدون ما تفكري، عارفه سبب ده إيه هو إنعدام الثقة يا درة، زي ما حصل قبل كده وروحتي وافقتي على حسام، وإنتِ عارفة إن مفيش عندك أي مشاعر ناحيته، بس لازم أطعن طوفان فى قلبه.
توقف طوفان وهو يرا إتساع عيني درة بذهول يصحبه دموع عينيها، لم يتحمل ذلك، كذالك لا يتحمل رؤيتها أمامه الآن وذكريات خذلانه منها تتراقص أمام عينيه، إبتعد عنها رغم شوقه لضمها، تنفس بقوة، ثم نظر لها بإحتداد وتوجه ناحية باب المكتب فتحه بإشارة من يده قائلًا:
كفاية أمشي يا درة ، إرجعي البيت ولما أرجع نبقي نكمل كلامنا…وإن كان عالأرض فهي بتاعتك مساومتي كانت غلطة مني،وخلود مش أكتر من موظفة وقريبة صديق ليا،واللى يهمني شغلها مش أكتر.
لم تتحمل دُرة طرده لها بهذا الوقت وترجمهُ عقلها أنه خذلان آخر منه لثاني مرة يقوم بطردها خلال أيام،غادرت وهي تبكي لا تعلم لما لم تتخذ قرار وتقول له طالما أنا هكذا لما تتحمل،لكن خذلها لسانها عن النُطق… سارت بسيارتها بلا وِجهة، فقط دموعها تسبق أنفاسها، وكلما تذكرت نبرته الحادة وكلماته الجافة، زاد اختناقها أكثر، كأن قلبها يُسحب من صدرها ببطء… الشوارع تمر من حولها كأنها أشباح، لا ترا منها سوى ومضات، عقلها مشوش، قلبها مُنهك… راودتها فكرة أن تُوقف السيارة وتعود، أن تواجهه، أن تصرخ بوجهه:
ليه بتصدني دايمًا… ليه لما أحتاجك تكون أول واحد بيقفل الباب في وشي.
لكنها لم تفعل، مثل كل مرة… كانت دائمًا تصمت، تبلع وجعها وتكمل وحدها… ضغطت بيدها على المقود بقوة تزم ضعفها:
أنا مش ضعيفة… أنا مش لعبة يقرر يبعدها وقت ما يحب.
جذبت أحد المحارم الورقية ومسحت دموعها همست لنفسها بصوت مُرتعش: المرة الجاية هيطردك من بيته زي ما سبق وعمل باباه قبل كده… ورفض إنه يتجوزك وهو إستسلم لرغبته وقعد يراوغ سنين، يوهمك بحبه.
حتى فى همساتها تلك كان قلبها يرتجف تمامًا.
بينما بالمصنع شعر طوفان بالغضب من طريقة إحتداده على درة، لثاني مرة يُخرج عصبيته بها، رغم كان سهلًا إستيعاب الأمر بهدوء، لكن يبدوا أنهما بدائرة تضيق عليهما، أشعل سيجارة يُنفث عن مكنون الغضب فى قلبه، شعر بندم، كذالك خوف على دُرة، جذب هاتفه، وقام بإتصال قائلًا:
تكون وراها خطوة بخطوة وتبلغني هي فين.
أغلق الهاتف زفر نفسه بعصبية، لائمًا نفسه، فكر أن ينهض ويذهب خلفها، لكن منعه إتصال هاتفي، نظر الى الشاشة، زفر نفسه وقام بالرد سمع مزح الآخر قائلًا:
قولي أخبار خلود معاك إيه، مديرة ممتازة.
زفر طوفان نفسه متهكمً يقول:
أه هي ممتازة بس بسببها ممكن بيتِ يتخرب.
ضحك جلال قائلًا:
لا متقولش كده، متأكد إن درة عقلها أكبر من كده إنت بتبالغ، وبعدين أنت عارف إن لو بمزاجي مش عاوزها تشتغل، بس تقول إيه عامله فيها ثورجية وبتوع حق المرأة فى العمل، وأمي مسنداها تقولش بنتها هي، وأنا لو إعترضت ممكن تقولى يا عدو نجاح المرأة…منه لله “قاسم أمين”.
غصبً ضحك طوفان قائلًا:
طب ما تشوف لها مكان تاني تشتغل فيه بعيد عني،أنا فى دوامة ومش ناقص..كفاية عليا مأساة جود أختي.
تفهم جلال ذلك قائلًا:
مأساة ليه، يمكن ربنا بيحبها، أنا شوفت جوزها جلنف أساسًا مرتاحتش له،خليها تطلق منه وألف من يتمناها،كفاية رقتها،مش زي خلود بتاع حقوق المرأة.
غص قلب طوفان قائلًا:
الطلاق مش سهل،بس للآسف هو الحل الوحيد،بس مستني قرار جود مقدرش أغصبها ولا أتصرف بدالها.
تفهم جلال قائلًا:
فعلًا الطلاق مش سهل بس ممكن يكون لها طوق نجاة من شخص ميستهلهاش،ومتقلقش فى النهاية هي أخت طوفان مهران ألف من يتمني منها نظرة رضا.
زفر طوفان بغضب واستهزاء فماذا فعل لها ذلك…جعل ذلك الأحمق حاتم عاملها بنوايا قلبها،بل خذلها وحطم قلبها،كذالك تسبب فى إضاعة جنينها».
على صوت فتح باب الغرفة نفضت درة ذكري الأمس عن رأسها ونظرت نحو الباب، رسمت بسمة حين رأت طوفان يتجنب لتدخل شكرية مُبتسمة وهي تحمل صنية على بعض الأطعمة،
وضعتها على طاولة بالغرفة وإبتسمت لـ درة قائله:
صباح الخير يا درة،عملت لك فطار يشهي،لازم تتغذي عشان إنتِ حِبلة،ربنا يقومك بالسلامه وحجرك مليان.
إبتسمت لها درة شاكرة:
تسلمي يارب.
غادرت شكرية أغلق طوفان خلفها الباب،ثم نظر لـ درة قائلًا:
تحبي أجيبلك الصنية عالسرير.
نفت درة ذلك وأزاحت الدثار قائله بعناد:
لاء أنا مش عيانه،هما شوية دوخه وغثيان،أعراض طبيعية للحمل.
ابتسم طوفان،وذهب نحو الفراش أمسك يد درة،التي لم تعترض ليس لضعفها،بل لرغبتها بالإحساس ببعض الدلال المفقود.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمنزل مرعي
وضعت زوجته أمامه صنية طعام الفطور ثم إستقامت واقفة، بنفس الوقت جاءت زينة نظرت نحو تلك الصنية عليها بعض الأطعمة ربما تشتهي منها قطعة واحدة لكن لا تستطيع مد يدها… إبتلعت ريقها، بينما نظر لها مرعي لاحظ زيها رغم أنه قديم لكن بحاله مقبولة لا ترتديه الا حين تخرج من المنزل…وضع قطعة طعام بفمه ونظر نحوها سائلّا بنبرة استهجان:
رايحة فين عالصبح إكده.
إرتبكت زينة ووالدتها وصمتن للحظات، عصب ذلك مرعي، لكن أجابته زوجته بتبرير:
زينة لقت شُغل فى مشغل، اهو تشتغل حتي تجهز نفسها… زي بقية البنات.
نظر لها وكاد يرفض ويقول انها لا تحتاج الى العمل فهنالك من سيتحمل كل ذلك، لكن خرجت ابنته الاخري من المطبخ ونظرت لوالدتها قائله:
سمعتوا اللى حصل إمبارح فى دار عزمي مهران، وانا راجعه من المدرسة كان هناك قدام الدار عربية زي بتاع البوليس،وشوفتهم وهما واخدين ابنه الكبير وركبوه العربيه بتاع البوكس… وكان فى حديد فى إيده… عمل إيه تاني المره دي، شكله كده خد عالاجرام.
صححت حديثها والدتها قائله:
مش عربية بوليس،دي قوة من الجيش،قال كان متهرب من الخدمة وجم خدوه.
بداخلها شعرت زينه بسعادة وهمست قائله:
يارب ما يرجع تاني.
بينما شعر مرعي بالغضب فيبدوا ان فرصة إستنزاف أموال من وليد قد إبتعدت…تعصب عليهن قائلًا بغضب:
غوروا من وشي كل واحدة تشوف طريقها رايحة فين.
فرت زينة من أمامه بداخلها تشعر بانشراح فربما إبتعاد ذلك المجرم وليد يُعطيها حرية عدم مطاردته لها بالطُرقات…
بسمة تُزين وجهها وهي تسير بالشارع تشعر بالحرية التى عادت لها،فلن يعترض طريقها ذلك الوغد…لم تنتبه أثناء خروجها على رأس الشارع كادت تلك السيارة تدهسها لكن توقف بأخر لحظة جعل السيارة تطلق صوت زمجرة عالي إنتبه له المارة بالشارع، بينما هي من الرهبة شعرت بتيبُس جسدها وظلت واقفه مكانها حتى ترجل الآخر من سيارته وذهب نحوها بقلق سائلًا:
إنتِ بخير.
رفعت وجهها تنظر له تومئ برأسها… بنفس الوقت تجمع بعض المارة بالطريق، تحدث أحدهم بذم لها:
مش تاخدي بالك وإنتِ ماشية… معليشي يا باسل بيه هي…
قاطعه باسل قائلًا:
هي مش غلطانه أنا كان لازم أنتبه.
نظرت له بعينين متسعتين، تتفحص ملامحه التي لم تكن مألوفة لكنها حملت شيئًا مريحًا في تلك اللحظة المربكة… شيء أشعرها أنها بخير.
قالت بصوت خافت أقرب للهمس:
أنا آسفة… مكنتش واخدة بالي فعلًا.
ابتسم بلطف قائلًا:
ـ ولا يهمك… المهم إنك سليمة.
ثم نظر للمارة الذين بدأوا يتفرقون قائلًا:
خلاص يا جماعة، الموضوع بسيط.
سحب أنفاسه ونظر لها من جديد، وكأنه لاحظ شيئًا في عينيها، ذلك اللمعان الذي يشبه دموع الخوف ، ثم سألها:
تحبي أوصلك مكانك.. شكلك لسه مش متوازنة.
ترددت لثوانٍ، تائهة بين عقلها الذي يأمرها بالرفض وقلبها الذي شعر لأول مرة منذ زمن بارتياح لحضوره.
فقالت دون تفكير تشعر بحياء:
شكرًا لذوقك مشواري مش بعيد.
تفهم رفضها، وما كان عليه عرض ذلك عليها، فالبيئة الذي يعيشان بها ليست بهذا التحضُر،
غادر نحو سيارته وهي سارت طريقها، قلبها ينبض، وعقلها يُخبرها أنه مجرد لقاء عابر لن يتكرر.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفة
بمجرد أن دلف الى الغرفة ورأي ذلك الجالس جوار الشيخ عرفة… شعر بغضب ورغبة كبيرة تُلح عليه لما لا يصفع ذلك الوضيع
بوجهه…ربما يهدأ قليلًا، لكن تغاضي عن ذلك فقط إحترامً لذلك الشيخ صاحب الفضل عليه…
القي السلام، رد الإثنان، نظر نحو الشيخ عرفة، نظرة يُبطنها اللوم، رغم فهم عرفة تلك النظرة لكن ابتسم بود قائلًا:
تعالى يا طوفان إجلس جواري على الكنبة فهي متينه وتتحمل من الحبايب الكثير.
رغم عنه تبسم طوفان وبالفعل ذهب وجلس على الطرف الآخر للآريكة جوار الشيخ عرفة…
تنهد “عرفه” قائلًا:
إتصلت عليك وطلبتك تجي لهنا لأمر هام، كما توقعت لم تغيب.
تنهد طوفان قائلًا:
إنت عارف مكانتك عندي يا شيخ عرفة كبيرة إنت مش بس الشيخ اللى حفظني القرآن كمان علمتني إزاي أتعامل مع الناس الطيبة أمثالك لكن…..
ابتسم عرفه مُقاطعًا:
بص يا طوفان أنا مجرد وسيط، حاتم طلب مني ادبر لقاء بينكم،
…وعشان كده طلبت منك تيجي من غير ما أوضحلك التفاصيل، لأنك لو كنت عرفت إن حاتم هنا، ماكنتش جيت.
ضغط طوفان على أسنانه يكبت غضبه…وصمت قليلًا قبل أن يُقلي نظره ساحقة لـ حاتم، الصامت هو الآخر،تلاقت عيناهم نظرة حاتم تبدوا نظرة ندم، أو هكذا بدا…
زفر طوفان قائلًا ببرود ظاهر:
سبق وبعت لك مرسال ننهي اللى بينا بالمعروف.
إزدرد حاتم ريقه، يشعر بندم لا يعرف من أين يبدأ الحديث،نظر للشيخ عرفة كأنه بيستنجد بيه، لكن عرفه أشار له بعينه أن يتحدث
تنحنح حاتم قائلًا بصوت منخفض يظهر الندم بوضوح :
أنا عاوز أقابل جود.
لم يُصدم طوفان من طلب حاتم لكن ضحك بسخرية موجعع قائلًا بنبرة قسوة:
تقابل مين… واضح إنك مش بس غبي ومبتفهمش…. كمان بجح.
توسط الشيخ عرفة يحتوي الموقف قائلًا:
بلاش تسرُع يا طوفان خلينا نسمع للآخر، ربما يجعل الله فى ذلك نفع لجميع الأطراف.
تهكم طوفان بإستهزاء غاضب قائلًا:
أسمع إيه… بعد ما كسر ضهر واحدة بريئة كانت شايلة اسمه.
رفع الشيخ عرفة إيده بهدوء قائلًا برجاء:
ـطوفان… خلينا نسمع، يمكن الكلمة تداوي لو ما كانتش تغفر…
رفه طوفان رأسه بشموخ، قائلًا بنبرة أقل حدة: أتكلم يا حاتم… بس متزوّقش الكلام، أنا مش ناقص لف ولا دوران.
تفوه حاتم بندم:
أنا… أنا عارف إني غلطت… كتير، وإن اللي حصل ميتغفرش بسهولة، بس أنا عاوز أقابل جود وده من حقي.
-كسر حُقك.
قالها طوفان بغضب بينما عاود الشيخ عرفة تلطيف اللقاء وبصعوبة أقنع طوفان أن يسمح بذلك… غصبً فقط لاحترامه لـ الشيخ عرفة وافق، ونهض يقوم بإتصال هاتفي، سمع رد شكرية فتحدث قائلًا:
ماما عندك.
أجابته:
لاء راحت دار عزمي بيه.
تنهد قائلًا:
تمام أنا اتصلت عالسواق، هاتي جود وتعالوا لـ دار الشيخ عرفة.
لم تسأله السبب فقط نفذت ما قاله.
بعد وقت قليل.
ظل طوفان واقف بين الحين والآخر ينظر الى حاتم نظرات نارية…
حتى سمعوا صوت طرق على باب الغرفة الداخلي… نهض عرفة وذهب نحوه، سُرعان ما تبسم حين رأي جود رغم غصة قلبه على وهنها الواضح كذالك ذاك الضماد الموضوع على جزء صغير من جبهتها… كذالك لتلك الأخري التى تقف خلفها، فربما مجيئها يكون سبب لتهدئة طوفان…
تنحي جانبًا يُشير لهن بدخول الغرفة…
دخلت جود أولًا إبتسم لها طوفان ثم سُرعان ما حدث عكس توقع الشيخ عرفة، عبست ملامحه وشعر بعصبيه وهو يقترب منهن هامسً بغيظ:
درة.
بينما حاتم نظر لـ جود التى إستقوت رغم وهنها الواضح لكن أمام حاتم تبدل ذلك وإقتربت من طوفان الذي ساندها حتى جلست، ثم وقف ينظر الى تلك الحمقاء…
تفوه عرفة قائلًا:
خلونا نسيبهم لوحدهم يتفاهموا.
تفوه طوفان بعصبيه قائلًا:
يتفاهموا على إيه.
نظر له عرفة بلوم قائلًا بأمر:
طوفان خُد درة وإطلعوا الجنينة.
غصب وافق طوفان وجذب درة من عضدها نظر لها بغضب سائلًا:
إيه اللى جابك.
أجابته:
جيت مع جود، هي محتاجة اللى يسندها وشكرية عندها شغل كتير فى البيت.
إستهزأ طوفان قائلًا:
محتاجة اااى يسندها على إعتبار إن حالك أفضل منها مش كنت مش قادرة توقفي على رجليكِ الصبح.
أجابته بحماقة:
ايوه كنت كده عشان كنت جعانة ولما كلت بقيت كويسة.
بداخل الغرفة نظرات حاتم تفيض بالندم… بينما جود حادت النظر له لدقائق ثم رفعت رأسها بشموخ وزفرت نفسها قائلة:
خير طلبت نتقابل ليه، أنا قولت لـ طوفان قراري وأكيد وصل لك… إيه غرضك من إننا نتقابل لو منتظر تشوف جود الضعيفة تبقي غلطان، انا قدامك أهو منهزمتش،ولا هنهزم.. بفضلك بقيت… هيئة صورة خاوية.
السابع والعشرين من هنا