رواية العنود والغول الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم رباب عبدالصمد
البارت الرابع والعشرون
عند وليد وعنود
صفعها وامسكها من كتفيها واخذ يهزها ويقول : اهداى . اهداى ولكنها تسمرت مكانها للحظة دون النطق وفجاة ارتمت فى صدره تبكى وهذا كان ما اراده فقد اراد ان تبكى او حتى تهدا حتى تبتعد عن تلك الثورة
ما ان بكت فى صدره الا ربت على ظهرها وهو يشد على حضنها
صمت قليلا ثم اخذ نفس عميق ومال على اذنها وقال : لا تبكى فهذا اخر ما اريده ولكنى اردت ان اعيدك الى عقلك فقد سيطر عليكى عنادك حتى اصم اذنيكى ولم تعدى تسمعين احد
بكت اكثر وقالت وهى لازالت على نفس وضعها ولكنها ازدادت تشبثا به : لقد تذكرته ( تقصد ابيها ) وتذكرت طفولتى البائسة وتذكرت عاهتى واعتداءات ابن عمى ونظرت فلم اجد الا دموع اختى هى الاخرى ثم انى نظرت اليك نفسك وتذكرت رسالة ولاء اليك فلم اجد الا الخيانة تحاصرنى فى كل مكان
ضمها اكثر حتى كاد يعتصرها فقد حزن على حالها وقال لها : حبيبتى هونى على نفسك فقد اتعبتيها وانا لم اقصد ابدا ان ادافع عن الرجال او الخيانة بل اردت فقط ان تسمعينى بهدوء فربما تريثتى فى حكمك
هنا ابتعدت عنه قليلا لكنها لازالت فى حضنه ثم سالته : كيف اتريث وقد رايت الخيانة بام عينى
قال مواسيا لها وقد مد كفيه واحتضن وجهها وكفكف بهدوء دموعها وقال : اعلم كل ما تعانيه يا حب عمرى وانا كنت فقط اناقش اسباب الخيانة وليست طرق الخيانة او حتى مشاهدها فهذا لا جدال على حرمانيته ولكنى كنت اود فقط ان اوضح انه ربما عدم معرفة تفهم الحبيبان لبعضهما يؤدى الى الخيانة
ساد الصمت بينهم للحظة ثم اجلسها على طرف الفراش وجلس امامها وقال : اسمعى يا عنود انا لم ارى اباكى ولم افهم ما سبب خيانته ولم اعاشر والدتك الا ايام قليلة ولم افهم منها اسلوب تعاملها معه ولكنى كرهت اسلوب استسلامها وتقمصها دور المغلوب على امره او بالاصح المقهورة فهذا ما لا احبه ابدا ولا يحبه اى رجل وحتى اختك سما وجدتها تتعمد ان تعيش نفس الدور فتحدثت معها ونهرتها عن ذلك لعلها تستقوى بنفسها
شعرت عنود شعور غريب لاول مرة تشعر به وهو انه شعرت بالغيرة لذكره سما فهى وان كانت تعشق اختها الا انها لا تنكر عن نفسها صفة انها انثى فازدادت رعدة يديها وزيغة عينيها ولم يخفى عليه هذا فابتسم وقال : اتعجب على حالى وانا اراكى فى كل حرف انطقه فحتى وانا احدث كنت ارى الاختلاف بينكما جلى فابتسم فاخجل من نفسى ثم صمت وهو ينظر فى عينيه ويبتسم وهمس لها وهو يشد على كفيها هل تغارين ؟
شهقت مفزوعه لانه قراها وعرف ما الم بها فقالت بتلعثم ناكرة : لا ابدا لا اغار ثم قالت فى نفس اللخظة نعم اغار وهل لى غيرك لاغار عليه وهل لمن تصان فى قلبك الا تغار على مثلك ؟
وسالتها وشوقى اليها يقتلنى لكنى رطبت بالنظرالى عينيها أتغارين ؟
قالت : مثلى لا يغار فما هو الا قليل جمرا تشتعل فيه القليل من النار
هو بركان داخلى يتبعه الف اعصارولكنى احاكيك صدقا انى لا اغار
فما بداخلى ما هو الا احساس بالموت قربك بل هو رغبة فى الانتحار
ويكسونى لهيب من راسى حتى قدمى فلك عشقى مع نبض قلبى
الم اقل لك انى لا اغار ؟
هدات ارتعاداتها فقد رطب صدرها بكلماته قام من مكانه واقامها معه وسحبها نحو الحمام ومد يده وغسل لها وجهها بنفسه واخذ المنشفه واخذ يجففه لها بينما هى كانت فى قمة خجلها من فعلته
بدا يعدل لها من وضعيه حجابها فقد تراجع قليلا مما سمح لبعض من خصلات شعرها ان تبتل
الا ان الوضع بينهما كان ساخنا فرفع وجهها وقال : دعينى اشبع من نظرات عينيكى قبل ان نعود اليهم فقد افتقدتها لبضع دقائق
ابتسمت له فاقترب منها وضمها وكاد ان يقبلها الا ان قطع الموقف صوت طرقات خفيفة على الباب فتحرك وليد ليفتح الباب فصدم عندما وجده العجوز ومعه كاس من الليمون
العجوز وهو يمد يده ويرفع من صوته : لقد اعددت بنفسى كأس الليمون هذا لعنود لعله يهدىء من حالها
نظر له وليد وقال بهمس : به موتيفال ؟
هز العجوز راسه بالايجاب وقال : لقد وضعت للجميع بالاسفل لانى وجدت ان الجميع فى حاجة اليه ليهداوا
اوما وليد براسه بالايجاب على ما فعله العجوز ثم قال له هامسا : اقسم لك ايها العجوز انى ما اردت من جمعهم فى تلك الحفلة الا لان امورهم جميعا تهمنى وقد شعرت ان جميع بيوتهم هى بيتى انا ثم انى شعرت انهم بالفعل فاقدين لطعم الحياة بتصرفاتهم الخاطئة فاردت ان يقف كلا منهم على حقيقة تفهمه للحياة لعله يجلب السعادة الى شقيق عمره ثم وجدت انى سعادة بيتى انا ايضا مع زوجتى متوقفة على سعادتهم فان فلحوا فى ان يجلبوا السعادة الى انفسهم لتغيرت نظرة عنود الى الحياة ولربما لم تجد الخيانة فى كل وجه تراه وهذا ما همنى
ابتسم له العجوز ابتسامة اب حانية وربت على كتفه وقال : افهمك تلميذى النجيب وابنى الاكبر ولا تخشى شيئا ستهدا عنود وسيهداون هم وساساعدك انا لتصل الى مقصدك
اخذ وليد نفس رضا انه اخيرا وجد من يفهمه ومن يستطيع ان يشاطره رايه ثم نادى بصوت لعنود واخبرها باعداد كاس ليمون لها من يد العجوز فجاءت حيته على الباب وهى تمسح دموعهاوقالت : حسنا ساتناوله معكما فى الاسفل
عاد الثلاثة الى الحديقة مرة اخرى فاقبل عمر الصغير يركض نحو عنود ويتشبث بها فقد افتقدها خلال تلك الدقائق
ضحكت له وامسكت بيديه
تجمع الكل مرة اخرى ونادوا على عبير التى كانت لاتزال فى الداخل مع الفتاه
......
فى غرفة عبير
كانت الفتاه قد ذهلت من جدران الغرفة وقد شعرت انها حقا كانها معبد اخذت تقف امام كل ورقة ملصقة على الجدار وتقراها وتقرا مناسبتها وتتعجب بينما كانت عبير تقف بجوارها وتمسك بيدها شمعة صغيرة فقد كذبت على الفتاه بان جميع المصابيح فى الغرفة قد تلفت لاجل الا ترى الغرفة كاملة وترى بعض صور او اسم سليم
كانت ولاء تقف صامته خلف الفتاه ولكنها ىكانت تشعر ان لهب الشمعة انما يحرق قلبها هى فكانت مع كل حرف تقراه التاه تتذكر هى الموقف برمته حتى جاءت الفتاه على ورقة بها بعض الابيات الشعرية حتى كادت تقرا اسم الموقع ادناه فاطفات عبير الشمعه وقالت لها : هيا بنا فاخى ينادى علينا
الفتاه بتعجب : كيف لمثل هذا العشق الا يكتمل وهل يوجد عاشقان على الحقيقة كما رايت فى تلك الغرفة فكل كلمة هنا على الجدار تعبر عن عمر باكمله فكيف انتهى كل هذا ببساطة هكذا ؟
عبير : لقد انتهى لانه لم يكن الا مشاعر مزيفة تجملت ببعض ابيات شعريه باردة
ما ان راى سليم الفتاه وهى عائدة مع عبير وبدا متوترا فقد اراد ان يعرف ماذا قالت عبير لها ولكنه اخذ نفس عميق مع اول كلمة من الفتاه له فاسلوبها جعله يفهم ان عبير لم تقل لها شىء عن علاقاتهما
اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التاسف
ففى الناس ابدال وفى الترك راحة وفى القلب صبرا للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
.......
بدا الجميع هادىء بعد الليمون بالموتيفال الذى هو عبارة عن اقراص مهداة ومسببة للاسترخاء البدنى والنفسى
قال العجوز : ما رايكم ان نلعب لعبة مع الاطفال وسنتعلم منها الكثير
ابتسم الجميع ولم يفهموا قصد العجوز
قام العجوز من مكانه واستدعى الاطفال ثم رص مجموعه من الكراسى بحسب عدد الاطفال ناقصا كرسيا ثم قال لهم وهو يعطى كل طفل فى يده قطعة حلوى ستدورون حول تلك الكراسى وعندما انهى الموسيقى يجلس كل طفل على كرسى ومعه صديقه الذى يحبه ليعطيه الحلوى التى فى يده
ابتسمت الاطفال وقد اتخذوه هذا لعب من العجوز معهم
بالفعل دار الاطفال وعندما انتهت الموسيقى وجدوا ان الاطفال كلها تجمعت حول كرسى واحد وكل واحد فيه قد فتح ذراعيه ليضم اكثرعدد من الاطفال لانه يحبهم فصار كلهم محتضنين بعض
ابتسم الكبار على رد فعلهم بينما اشار اليهم العجوز وقال : هكذا خلقنا الله وهذه هى فطرتنا ان الانسان مسالم ويحب كل الناس ولكن نحن من نكسب انفسنا الكره والحقد
كل فرد من الكبار نظر لمن يحبه وتحدث معه بعينه حتى سليم نظر الى عبير الا ان عبير تجاهلته ولكن فى هذه المرة قد لاحظته الفتاه وبدا الشك يساورها ان سليم هو صاحب تلك الكلمات التى كانت تزين المعبد
قد كنت نبضى والاضالع مرتعك والروح كم اشتاقت ان تمضى معك
ضيعتنى عمدا ورسمت متاهتى واهدتنى حزن يقيم بخافقى ما اوجعك
عاد وليد يكمل ما بداه العجوز وقال : ما رايكم فى لعبة اخرى ؟ هنا صاح الجميع كبارا وصغارا بالموافقة
ضحك وليد وهو يمسك بكف عنود وقال الان ساعطى كل فردا منكم بالونه فارغة وعلى كل منكم نفخ بالونته وساوريكم اللعبة بعد النفخ
بالفعل ملا كلا منهم بالونته بالهواء وسلموها لوليد فقام وليد بجمع البالونات فى مكان واحد وقال لهم امامكم خمس دقائق وارد ان ياتى كل منكم ببالونته
هنا حصل بعض الهرج قليلا مصاحبا بالضحك
فى النهاية انهى وليد الدقائق ثم قال : ماذا استفادتم من تلك اللعبة
كانوا لا يزالون يضحكون ومنهم من اخذ يلتقط انفاسه بسرعه بسبب ما بذله من مجهود للحصول على بالوناته ومنهم من لم يستطع ان يحصل على بالونته اما لانه صعب عليه اللحاق بها ومنهم من فرقعت بالونته
عاد الجميع وجلس على الكرسى الخاص به وانصتوا لوليد الذى قال : لن اقول لكم النتيجة الا بعد المرحلة القادمة وفى هذه المرة اعطاهم بالونات اخرى وطلب من كلا منهم ان يكتب ورقة صغيرة باسم من يحب ويضعها داخل البالونه ثم اطلع الاطفال على الوان البالونات
قال له بعدما انتهوا من فعل ما طلبه وقد وضع البالونات كما السابق كلها فى مكان واحد ثم قال : الان على كلا منكم ان ياتى ببالونه من يحب واعطاهم مهلة دقيقة واحدة
اشترك الاطفال معهم وانتهت الدقيقة
هنا قال وليد وهم لا زالوا يضحكون : هل فهمتم الفارق فى الحالتين
صمت الجميع لانهم لم يفهموا شيئا
قال : لو افترضنا ان تلك البالونات ما هى الا السعادة فى الدنيا وفى المرة الاولى بحث كلا منكم عن نفسه فقط واراد ان ياتى بالسعادة لنفسه دون غيره فكان انانى وفى المقابل دهس بقدمه بالونة غيره دون شفقة منه ومنكم واشار الى عنود لم تحاول حتى ان تذهب وتاتى ببالونتها وكانما هى لا تبالى من الاساس بالسعادة ومن الحياة وهذا قمة الياس فالحياة والسعادة تستحقان ان نبذل مجهودنا لنعيشها
اما فى الحالة الثانية فكان اول شىء فعلتوه ان التقط كلا منكم بالونه من يحبه اولا وكانت النتيجة انه ولا بالونه تم دهسها وعادت كل بالونه لصاحبها وكان اسبقكم الاطفال فقد حصلوا على بالونات والديهم واهدوها لهم
والان اذا قلنا كلا منكم يفتح بالونته ويستخرج الورقة ويعطيها لمن كتبها فما النتيجة وان لم يستطع احدا منكم ان يعطى الورقة لمن كتبها فعليه اذن ان يراجع نفسه فى حبه فمن عجز عن التعبير عن حبه عجز عن الاستمرار فيه واعلموا ان الحب حب وليس له مسمى اخر او تعريف اخر فعيشوا الحب كما خلق ولا تلوثوه بما يخرجه عن ماهيته
ويجب ان تعلموا ان كل شىء يقل ان شطرناه الى قسمين الا السعادة تزداد ان شطرناها وشاركنا فيها غيرنا فاسعدوا من حولكم تسعدوا اكثر منهم
والكره كذلك كره مجرد من اى مشاعر حب ولكن يمكن ان يتحول الكره الى حب بسهولة عندما نحب غيرنا كما نحب انفسنا
ولهذا وصل كلا منكما الى بالونته بسهولة على الرغم من قلة الوقت عن المرة الاولى
ثم ان الخيانة هى الاخرى وصف لا يحتاج الى تفسير ولكننا نحتاج الى تفسير الاسباب التى ادت اليها
وبالفعل كل منهم اعطى ما فى بالونته لمن احب فوجدت هبة ان احمد كان قد تذكرها قال لها احبك بينما وجد هو انها قد اهدته ورقة مكتوب فيها احب احمد واولادى ففرح كلاهما وانشرح صدره
بينما عند راجية كانت ورقتها مكتوب فيها احب اولادى بينما زوجها كان كاتب لها احب راجية فخجلت راجية من ان اكرم كان هو الاسبق فى التعبير عن شعوره بينما تناسته هى
اما عند وليد فقد اهدى بالونته وبالونه عنود التى كانت للمرة الثانية عكفت عن محاولة التقاطها اليها وفتح الورقتين فوجد انها قد كتبت له احبك وهو مثلها
اقترب منها ومال على اذنيها وقال مناغشا لها نسيت ان اكتب انكى انتى سرالحياة لى بل سر البقاء وسر الوجود
نظرت له وقد احمرت وجنتيها وقالت : نحن امام الناس بل ومراقبين كذلك
فضحك لها واكمل هامسا : مادمتى اصبحتى تسمعين همساتى فساسر قلبك بما احتبسته فى قلبى فللهمسات تعبيرات واحاسيس مختلفة ومد يده وحاوطها من ظهرها وقربها اليه
ارتعدت وكادت تبتعد الا انه كان الاقوى
بينما اعطت عبير بلوناتها لامها فى حين عجز سليم ان يهدى ما كتبه اليها
هنا قال العجوز والان امامكم دقيقتين وعلى كلا منكم ان يحتضن من احب ثم مد يده واغلق مصباح الحديقة فاقبل كل اثنين واحتضنا بعضهما البعض وهمس كل زوجين بكلمات عشق مكتومة داخله وصار الحضن بينهما دافئا مما ازال معه اى شحنات كره
وما ان احتضنت عبير والدتها الا وتلاقت نظراتها بنظرات سليم التى لم تغفل عنها لحظة فدار بينهما حديث صامت فقالت عيون عبير : كنت لى كل شىء ولكنى لم انل منك الا كل خيانه ولقسوة قلبك اتيت بمعشوقتك الى لتخبرنى بنفسها عن حبكما والامر انك ايضا اخبرتنى بلوعاتك معها بلمساتك اليها فاى قلب الذى تحمله بين اضلاعك هذا اما عرف الرحمة يوما وكانى لم اعرف مثل هذا القلب قبل ذاك وكانى لم يكن هو من عشقته
بينما كان سليم نفسه يعتذر لها اشد الاعتذار ولكن بنظراته دون ان يجروء على الكلام
جاء مبتسما مشرقا ينادينى لقد وقعت فى حب ومشتاق
قالها ببسمة وتناسى انينى تصنع بوجهه الجميل البسمات
وقلبى مخترق ومبتلى من الخيبات وصراخ صدى قلبى يخترق السكات
كيف لقلبك الا يحس اشتياقى ومرارة الكلمات
فاصيح من وجع ومن الم وقلبى مغشيا عليه مات
واصارع اجفان عينى واترجاها ان تحبس الدمعات
اما وليد فقد احتضن عنود بكل قوته وقد احاطها بكامل ذراعيه حتى كاد يعتصرها وقبلها قبلة تاها فيها معا حتى انهما اضطرا العجوز ان يغلق المصباح مرة اخرى بعدما كان قد اضاءه بعد الدقيقة المسموح بها وقد كان هناك حديث هامس بينهما مفاده ( قالت اتذكر يوم التقينا ؟
فتغابيت وقلت ماذا تقصدين
قالت : اقصد لقاءنا الاول
فتذاكيت وقلت لا
تمتمت فى اذنى متاسفة على حالها
فبادرتها قائلا : انا ما نسته لاذكره وكيف انسى يوما ولدت فيه
فتبسمت فرايت جمال ثغرها وكان الدنيا لتوها مرت من هنا
فقالت : ان غبت عنى فغبت انا
فقلت : لكى السماح منى
قالت : اشتقت اليك وانا بين اضلاعك
فبادرتها : انما الاشتياق للغائب وانتى الانا فكيف تغيبى فلا شوقا يكفى ولا حنينا يشفى
فتنهدت مبتسمة فى صدرى تنهيدة قتلتنى من دفئها
فقلت لها انا اكتب لكى يا انا لاحيا فرايت انى اكتب للانا لانكى منى انا )
ولم ينتبها الا مع صفير الجميع وتصفيقهم فى الظلام
وفى تلك اللحظات هربت الفتاه لانها شعرت من نظرات سليم انه عاشق لعبير بينما نعمت عبير بحضن امها الدافىء فى حين ان سليم تيبس فى مكانه الا انه انتبه على ذراع ابيه التى تحيطه لعله يشعر انه هو الوحيد الذى سانده
كاد العجوز ان ينهى الليلة الا ان وليد بادره قائلا : قبل ان ننهى لقاءنا على وعد اللقاء التالى فانا قد تعودت الا افارق احد الا وقد جعلته مشغولا بى ومتشوق للقائى
ضحك الجميع له وعلت الهمهمات ولم يفهمه احدا الا ولاء فقد كان يفعل معها ذلك كل ليلة حتى تبيت ليلتها مشغولة به وفى الحقيقة فقد اعتلت ملامحها ابتسامة حزينه لانها حقا قد تشوقت الى مثل تلك الاحاديث بينهم فقد شرد خيالها الى الماضى عندما كانت تبيت ليلها لا تكف عن الاتصال به بين الدقيقة والاخرى لاجل السؤال عن اى مقرنات للسؤال اللاصلى حتى يسهل عليها ايجاد الاجابة ولكن لم تنتهى المكالمة على مجرد السؤال بل كانت تقترن بكثير من الاحاسيس والكلمات العاشقة حتى تصير الدقيقة ساعة وتلغق وما هى الا دقيقة فقط وتعاود الاتصال به فيتحدثون ساعتين
اخذت تستنشق نفسا عميقا لعلها تهدا وقد نظرت الى عنود وتخيلت انها هى التى تنعم من الان بتلك الاحاسيس وتلك الكلمات
بينما اسكتهم هو قائلا : لم اقصد ان يتشوق الغير للقائى بالمعنى الرومانسى كما فهمتوه وانما يتشوق للقائى ليعطينى اجابة لاى سؤال تركته له
انتبه الجميع وبدوا منصتين اليه الا ان شغفهم هذا قد راق له فابتسم وقال : هذه طريقة اخرى للعشاق يمكن ان يتبعوها فعلى كل عشيق ان يجعل معشوقه مطوق دائما الى لقاءه وهذا ما يسمى بذكاء بعد المسافات ويحاكى هذا المعنى انه لا تقترب كثيرا فتلغى اللهفة ولا تبتعد كثيرا فتنسى وعليك الا تعطى حبيبك كل ما يتمناه بسهوله بل اعطيه كل ما يتمناه مع بعض ما يبغضه فى وقت يكون محتاج اليك فهنا يتقبل منك كل ما قدمت
ايده احمد والعجوز بصوت عالى بينما قاطعهم هو وقال اما عن ما قصدته على نفسى فانا لن اترككم الا بعد ان القى عليكم سؤالا او مجموعه اسئلة على ان تاتونى باجابتها فى اللقاء القادم بشرط الا تستعينوا بالمؤلفات الاليكترونية بل اريد منكم الاطلاع على المؤلفات الورقية ومن يجيبنى عليها له منى هديه
هنا ايضا تذكرت ولاء كم الهدايا التى كان يهديها اليها فى كل صباح فهى فى الحقيقة كانت تقضى ليلها بين الحديث معه وبين البحث عن اجابة السؤال وبين التفكير فى ماهية الهدية
اغمضت عينيها لتمنع دمعة ساخنة من النزول
بينما قالت هبة واحمد مازحين معه : لا تقل لنا سؤالك قبل ان تخبرنا بماهية الهدية
ضحك الجميع وبالطبع وليد لذى قال : من يجيب من الرجال له عندى معطف من الجوخ ومن تجيبه من الاناث لها عندى هدية فستان اختاره لها على ذوقى
صفق الجميع ثم سكتوا لينصتوا الى سؤاله بينما قال هو لقد قابل ذات مرة الحجاج ابن يوسف طفلا صغيرا ولكنه كان شجاعا فلم يهب من بطش الحجاج وقد كان الحجاج جبارا على الرغم من اسلامه وجلده مما جعل الحجاج ينظر اليه بتامل فاردا ان يعرف من اين اتى هذا الغلام بكل تلك السكينة والشجاعة الا انه اجاب نفسه وقال لا بد انه حفظ القران فسال الطفل بصوت عالى قل لى يا ايها الغلام هل حفظت القران فرد عليه الغلام ردا احجم سؤاله فقال له وهل القران هارب منى لاحفظه
حقا احتقن الحجاج من محاكاه الطفل له مما جعله يعيد كلامه بصيغة اخرى وقال هل جمعت القران ايها الغلام ؟ فرد الغلام حانقا له اكثر من المرة الاولى وقال وهل القران متفرق لاجمعه هنا كان الحجاج وصل الى قمه توتره امام الغلام الصغير
ومحاكاه للحجاج اسالكم انا من هو الذى خلق من الهواء ؟ ومن الذى هلك من الهواء
ومن هو الذى خلق من الخشب ومن الذى حفظ بالخشب ومن ذاك الذى هلك بالخشب
ثم اخبرونى من الذى خلق من الماء ومن الذى نجا من الماء وذاك الذى خلق بالماء
ثم اخبرونى عمن خلق من النار ومن حفظ من النار
واخبرونى عن العقل والايمان والحياء والسخاء والشجاعة والكرم
اما عن ولاء فقد هربت هى الاخرى الى غرفتها وهى تردد لنفسها ما قاله وليد : من عجز ان يعبر عن حبه عجز ان يكمل فيه واخذت تعيد مشهد تقبيله لها بحرارة عندما اضاء العجوز المصباح وانهما لم ينتبها الا وبكت بكاءا حارا
......
انتهى اليوم وقد تعلم كل فرد من الحاضرين درسا مفاده ان السعادة هى عندما تهب السعادة لغيرك وان الحب يتجلى فى كيفيه التعبير عنه وقبل ان يغادر الجميع البيت قل اكرم : عجزت عن شكرك يا وليد ولكنى اطمع ان تكرر لنا كما طلبت انفا ان تجمعنا كلما سمح وقتا فقد راق لى سعادتنا ونحن معا
قال العجوز قبل وليد قائلا : ما رايكم ان كان اللقاء القادم لدينا فى المركز لعل كل المرضى يشتركون معنا ؟
وافق الجميع ورحلوا على وعد باللقاء الاسبوع القادم
.......
صعد الجميع الى غرفهم وعلى الرغم ان الجميع فعلوا نفس الشىء وان الليل الحالك كان ليلا واحدا على الجميع الا ان الجدار كان خلفها مشاعر مختلفة
فعند راجية واكرم
صعدت راجية مع اولادها الى غرفتهم ونيمتهم ودفنت راسها فى وسادتها تبكى وفى الحقيقة هى كانت تبكى خيانه زوجها وتبكى تفريطها فى حقه فهى الاخرى قد شعرت انها اخطات فى حقه كثيرا لانها لم تعطيه الفرصة ليشفى من الخيانة ومن علاقاته المتعدد بل تركته لعشيقاته بسهولة وتخلت عن تمسكها به ثم تذكرت كيف تناسته هى حتى فى مجرد كلمة تكتبها له وهى لم تعلم انه سيراها ولكن هذا كان اكبر اعتراف منها انها تحب اطفالها اكثر منه وربما هذا ما ضيعه منها
بينما عند اكرم كان هو الاخر مستلقى على فر اشه فى غرفته ولم يهنا له نوما بل ظل محدقا فى سقف الغرفة والاف الافكار تملا راسه ولكن اهمها هو ذاك الحنين الى حضن راجية فقد افقتقدها حقا وكم ود ان طال عناقة لها وقت ان طلب منهم وليد ذلك ولكن الوقت كان لا يكفى بل ربما ان العمر كله لا يكفى حتى ليعتذر لها عما فعله بها وتذكر كلمة قالها وليد ضمن كلماته ( المراة هى اعظم ما فى الوجود فقد خلقت فقط لتحبك وهى ان احبت الرجل انسته متاعب الحياة وربما نست هى حياتها لاجله ) هنا تذكر ان راجية ايضا حاولت ان تقرب منه وتجعل حياتها بين يديه ولكنه لم يقابلها الا بالخيانة بل والادهى انه لم يشعرها يوما انها سيدة بيتها بل كان افضل ما يفعله ان ياخذ براى امه ومن بعدها شقيقاته
بينما كانت راجية نفس الوضع تؤنب نفسها انها اهملته
انتظر اكرم حتى شعر بسكن صوت الاطفال ثم قام بهدوء وتحرك على اطراف اصابعه حتى لا تسمعه امه وطرق الباب بخفة وقال برجاء : اعلم انكى لا زلتى مستيقظة ولكن هل لى ان اتنعم ببعض اللحظات معكى ؟
انهمرت دموعها بصمت وقد تعثرت الكلمات فى حلقها ولم تعرف بما تجيبه هل تؤنبه وتعنفه على ما فعله بها ام ترتمى فى صدره باكية فهى ايضا مشتاقة اليه وتمنت ان تبكى فى صدره ولكنه ابدا ما اعطاها اى براح ولم تشعر ان لها من الاساس مكان عنده
دار بينهما حديث صامت وفى الحقيقة ان كلا منهما كان يحادث نفسه ايضا فراجية كانت تريد ان ترى السعادةوما اتعس المراة تلك التى لم تعش السعادة كما تمنتها وهل يبقى حرمان يفوق حرمان اى امراة صغرت ام كبرت من السعادة
الا ان اكرم هو الاخر كان يحادث نفسه فهو وان كان يهوى الخيانه الا انه ايضا لم يكن سعيدا ولم يجد السعادة لا فى الخيانة ولا مع راجية فهى وان كانت تشتكى انه حرمها السعادة فهو ايضا يعترف بانها هى الاخرى حرمته السعادة
عندما لم ترد عاد وقال لها : وددت ان اخذ رايك فى انى اريد التردد على وليد فى مركزه الطبى لاستشيره فما رايك فهو يهمنى ولقد شعرت بمصداقية كلام وليد ان كلانا لم يعرف كيف يسعد الاخر ولعله يساعدنا فى الوصول الى نقطة تلاقى بيننا
انتحبت اكثر فهم لم يشركها فى اى امر يخصه من قبل ولكنها عادت وابتسمت وهى تمسح دموعها فقد شعرت انها تهمه ولهذا اراد ان يحسن من حاله فقامت على الفور وفتحت الباب وهى لا تزال تمسح دموعها وقالت له وانا ايضا كنت انوى ان افعل مثلك
مد يده وكفكف دموعها وربت على صدغها وقال اتمنى دعواتك ان اشفى مما انا فيه
وعاد كلا منهما الى مضجعه وقد طابت نفسه اكثرمن قبل ولكنهما فى حقيقة الامر كانوا لا هما هانئان بوئام من تلك الاتفاقية بينهما ولا هما قادران فى ذات الوقت على الخصام او اتخاذ قرار الافتراق
......
تفتكروا الحال هيوصل بين راجية واكرم لايه هل هيقرروا الفراق ام هيقرروا أنهم يكملوا حياتهم من جديد ؟
ايه رايكم لما يكون فعلا الليل واحد لكن المشاعر خلف الجدران تختلف ؟
اية رايكم فى فلسفة وليد انك لا تعطى كل حبك فى كل وقت بل استخدم دوما ذكاء المسافة ليصحبه دوما اللهفة والاشتياق ؟
عند وليد وعنود
صفعها وامسكها من كتفيها واخذ يهزها ويقول : اهداى . اهداى ولكنها تسمرت مكانها للحظة دون النطق وفجاة ارتمت فى صدره تبكى وهذا كان ما اراده فقد اراد ان تبكى او حتى تهدا حتى تبتعد عن تلك الثورة
ما ان بكت فى صدره الا ربت على ظهرها وهو يشد على حضنها
صمت قليلا ثم اخذ نفس عميق ومال على اذنها وقال : لا تبكى فهذا اخر ما اريده ولكنى اردت ان اعيدك الى عقلك فقد سيطر عليكى عنادك حتى اصم اذنيكى ولم تعدى تسمعين احد
بكت اكثر وقالت وهى لازالت على نفس وضعها ولكنها ازدادت تشبثا به : لقد تذكرته ( تقصد ابيها ) وتذكرت طفولتى البائسة وتذكرت عاهتى واعتداءات ابن عمى ونظرت فلم اجد الا دموع اختى هى الاخرى ثم انى نظرت اليك نفسك وتذكرت رسالة ولاء اليك فلم اجد الا الخيانة تحاصرنى فى كل مكان
ضمها اكثر حتى كاد يعتصرها فقد حزن على حالها وقال لها : حبيبتى هونى على نفسك فقد اتعبتيها وانا لم اقصد ابدا ان ادافع عن الرجال او الخيانة بل اردت فقط ان تسمعينى بهدوء فربما تريثتى فى حكمك
هنا ابتعدت عنه قليلا لكنها لازالت فى حضنه ثم سالته : كيف اتريث وقد رايت الخيانة بام عينى
قال مواسيا لها وقد مد كفيه واحتضن وجهها وكفكف بهدوء دموعها وقال : اعلم كل ما تعانيه يا حب عمرى وانا كنت فقط اناقش اسباب الخيانة وليست طرق الخيانة او حتى مشاهدها فهذا لا جدال على حرمانيته ولكنى كنت اود فقط ان اوضح انه ربما عدم معرفة تفهم الحبيبان لبعضهما يؤدى الى الخيانة
ساد الصمت بينهم للحظة ثم اجلسها على طرف الفراش وجلس امامها وقال : اسمعى يا عنود انا لم ارى اباكى ولم افهم ما سبب خيانته ولم اعاشر والدتك الا ايام قليلة ولم افهم منها اسلوب تعاملها معه ولكنى كرهت اسلوب استسلامها وتقمصها دور المغلوب على امره او بالاصح المقهورة فهذا ما لا احبه ابدا ولا يحبه اى رجل وحتى اختك سما وجدتها تتعمد ان تعيش نفس الدور فتحدثت معها ونهرتها عن ذلك لعلها تستقوى بنفسها
شعرت عنود شعور غريب لاول مرة تشعر به وهو انه شعرت بالغيرة لذكره سما فهى وان كانت تعشق اختها الا انها لا تنكر عن نفسها صفة انها انثى فازدادت رعدة يديها وزيغة عينيها ولم يخفى عليه هذا فابتسم وقال : اتعجب على حالى وانا اراكى فى كل حرف انطقه فحتى وانا احدث كنت ارى الاختلاف بينكما جلى فابتسم فاخجل من نفسى ثم صمت وهو ينظر فى عينيه ويبتسم وهمس لها وهو يشد على كفيها هل تغارين ؟
شهقت مفزوعه لانه قراها وعرف ما الم بها فقالت بتلعثم ناكرة : لا ابدا لا اغار ثم قالت فى نفس اللخظة نعم اغار وهل لى غيرك لاغار عليه وهل لمن تصان فى قلبك الا تغار على مثلك ؟
وسالتها وشوقى اليها يقتلنى لكنى رطبت بالنظرالى عينيها أتغارين ؟
قالت : مثلى لا يغار فما هو الا قليل جمرا تشتعل فيه القليل من النار
هو بركان داخلى يتبعه الف اعصارولكنى احاكيك صدقا انى لا اغار
فما بداخلى ما هو الا احساس بالموت قربك بل هو رغبة فى الانتحار
ويكسونى لهيب من راسى حتى قدمى فلك عشقى مع نبض قلبى
الم اقل لك انى لا اغار ؟
هدات ارتعاداتها فقد رطب صدرها بكلماته قام من مكانه واقامها معه وسحبها نحو الحمام ومد يده وغسل لها وجهها بنفسه واخذ المنشفه واخذ يجففه لها بينما هى كانت فى قمة خجلها من فعلته
بدا يعدل لها من وضعيه حجابها فقد تراجع قليلا مما سمح لبعض من خصلات شعرها ان تبتل
الا ان الوضع بينهما كان ساخنا فرفع وجهها وقال : دعينى اشبع من نظرات عينيكى قبل ان نعود اليهم فقد افتقدتها لبضع دقائق
ابتسمت له فاقترب منها وضمها وكاد ان يقبلها الا ان قطع الموقف صوت طرقات خفيفة على الباب فتحرك وليد ليفتح الباب فصدم عندما وجده العجوز ومعه كاس من الليمون
العجوز وهو يمد يده ويرفع من صوته : لقد اعددت بنفسى كأس الليمون هذا لعنود لعله يهدىء من حالها
نظر له وليد وقال بهمس : به موتيفال ؟
هز العجوز راسه بالايجاب وقال : لقد وضعت للجميع بالاسفل لانى وجدت ان الجميع فى حاجة اليه ليهداوا
اوما وليد براسه بالايجاب على ما فعله العجوز ثم قال له هامسا : اقسم لك ايها العجوز انى ما اردت من جمعهم فى تلك الحفلة الا لان امورهم جميعا تهمنى وقد شعرت ان جميع بيوتهم هى بيتى انا ثم انى شعرت انهم بالفعل فاقدين لطعم الحياة بتصرفاتهم الخاطئة فاردت ان يقف كلا منهم على حقيقة تفهمه للحياة لعله يجلب السعادة الى شقيق عمره ثم وجدت انى سعادة بيتى انا ايضا مع زوجتى متوقفة على سعادتهم فان فلحوا فى ان يجلبوا السعادة الى انفسهم لتغيرت نظرة عنود الى الحياة ولربما لم تجد الخيانة فى كل وجه تراه وهذا ما همنى
ابتسم له العجوز ابتسامة اب حانية وربت على كتفه وقال : افهمك تلميذى النجيب وابنى الاكبر ولا تخشى شيئا ستهدا عنود وسيهداون هم وساساعدك انا لتصل الى مقصدك
اخذ وليد نفس رضا انه اخيرا وجد من يفهمه ومن يستطيع ان يشاطره رايه ثم نادى بصوت لعنود واخبرها باعداد كاس ليمون لها من يد العجوز فجاءت حيته على الباب وهى تمسح دموعهاوقالت : حسنا ساتناوله معكما فى الاسفل
عاد الثلاثة الى الحديقة مرة اخرى فاقبل عمر الصغير يركض نحو عنود ويتشبث بها فقد افتقدها خلال تلك الدقائق
ضحكت له وامسكت بيديه
تجمع الكل مرة اخرى ونادوا على عبير التى كانت لاتزال فى الداخل مع الفتاه
......
فى غرفة عبير
كانت الفتاه قد ذهلت من جدران الغرفة وقد شعرت انها حقا كانها معبد اخذت تقف امام كل ورقة ملصقة على الجدار وتقراها وتقرا مناسبتها وتتعجب بينما كانت عبير تقف بجوارها وتمسك بيدها شمعة صغيرة فقد كذبت على الفتاه بان جميع المصابيح فى الغرفة قد تلفت لاجل الا ترى الغرفة كاملة وترى بعض صور او اسم سليم
كانت ولاء تقف صامته خلف الفتاه ولكنها ىكانت تشعر ان لهب الشمعة انما يحرق قلبها هى فكانت مع كل حرف تقراه التاه تتذكر هى الموقف برمته حتى جاءت الفتاه على ورقة بها بعض الابيات الشعرية حتى كادت تقرا اسم الموقع ادناه فاطفات عبير الشمعه وقالت لها : هيا بنا فاخى ينادى علينا
الفتاه بتعجب : كيف لمثل هذا العشق الا يكتمل وهل يوجد عاشقان على الحقيقة كما رايت فى تلك الغرفة فكل كلمة هنا على الجدار تعبر عن عمر باكمله فكيف انتهى كل هذا ببساطة هكذا ؟
عبير : لقد انتهى لانه لم يكن الا مشاعر مزيفة تجملت ببعض ابيات شعريه باردة
ما ان راى سليم الفتاه وهى عائدة مع عبير وبدا متوترا فقد اراد ان يعرف ماذا قالت عبير لها ولكنه اخذ نفس عميق مع اول كلمة من الفتاه له فاسلوبها جعله يفهم ان عبير لم تقل لها شىء عن علاقاتهما
اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التاسف
ففى الناس ابدال وفى الترك راحة وفى القلب صبرا للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
.......
بدا الجميع هادىء بعد الليمون بالموتيفال الذى هو عبارة عن اقراص مهداة ومسببة للاسترخاء البدنى والنفسى
قال العجوز : ما رايكم ان نلعب لعبة مع الاطفال وسنتعلم منها الكثير
ابتسم الجميع ولم يفهموا قصد العجوز
قام العجوز من مكانه واستدعى الاطفال ثم رص مجموعه من الكراسى بحسب عدد الاطفال ناقصا كرسيا ثم قال لهم وهو يعطى كل طفل فى يده قطعة حلوى ستدورون حول تلك الكراسى وعندما انهى الموسيقى يجلس كل طفل على كرسى ومعه صديقه الذى يحبه ليعطيه الحلوى التى فى يده
ابتسمت الاطفال وقد اتخذوه هذا لعب من العجوز معهم
بالفعل دار الاطفال وعندما انتهت الموسيقى وجدوا ان الاطفال كلها تجمعت حول كرسى واحد وكل واحد فيه قد فتح ذراعيه ليضم اكثرعدد من الاطفال لانه يحبهم فصار كلهم محتضنين بعض
ابتسم الكبار على رد فعلهم بينما اشار اليهم العجوز وقال : هكذا خلقنا الله وهذه هى فطرتنا ان الانسان مسالم ويحب كل الناس ولكن نحن من نكسب انفسنا الكره والحقد
كل فرد من الكبار نظر لمن يحبه وتحدث معه بعينه حتى سليم نظر الى عبير الا ان عبير تجاهلته ولكن فى هذه المرة قد لاحظته الفتاه وبدا الشك يساورها ان سليم هو صاحب تلك الكلمات التى كانت تزين المعبد
قد كنت نبضى والاضالع مرتعك والروح كم اشتاقت ان تمضى معك
ضيعتنى عمدا ورسمت متاهتى واهدتنى حزن يقيم بخافقى ما اوجعك
عاد وليد يكمل ما بداه العجوز وقال : ما رايكم فى لعبة اخرى ؟ هنا صاح الجميع كبارا وصغارا بالموافقة
ضحك وليد وهو يمسك بكف عنود وقال الان ساعطى كل فردا منكم بالونه فارغة وعلى كل منكم نفخ بالونته وساوريكم اللعبة بعد النفخ
بالفعل ملا كلا منهم بالونته بالهواء وسلموها لوليد فقام وليد بجمع البالونات فى مكان واحد وقال لهم امامكم خمس دقائق وارد ان ياتى كل منكم ببالونته
هنا حصل بعض الهرج قليلا مصاحبا بالضحك
فى النهاية انهى وليد الدقائق ثم قال : ماذا استفادتم من تلك اللعبة
كانوا لا يزالون يضحكون ومنهم من اخذ يلتقط انفاسه بسرعه بسبب ما بذله من مجهود للحصول على بالوناته ومنهم من لم يستطع ان يحصل على بالونته اما لانه صعب عليه اللحاق بها ومنهم من فرقعت بالونته
عاد الجميع وجلس على الكرسى الخاص به وانصتوا لوليد الذى قال : لن اقول لكم النتيجة الا بعد المرحلة القادمة وفى هذه المرة اعطاهم بالونات اخرى وطلب من كلا منهم ان يكتب ورقة صغيرة باسم من يحب ويضعها داخل البالونه ثم اطلع الاطفال على الوان البالونات
قال له بعدما انتهوا من فعل ما طلبه وقد وضع البالونات كما السابق كلها فى مكان واحد ثم قال : الان على كلا منكم ان ياتى ببالونه من يحب واعطاهم مهلة دقيقة واحدة
اشترك الاطفال معهم وانتهت الدقيقة
هنا قال وليد وهم لا زالوا يضحكون : هل فهمتم الفارق فى الحالتين
صمت الجميع لانهم لم يفهموا شيئا
قال : لو افترضنا ان تلك البالونات ما هى الا السعادة فى الدنيا وفى المرة الاولى بحث كلا منكم عن نفسه فقط واراد ان ياتى بالسعادة لنفسه دون غيره فكان انانى وفى المقابل دهس بقدمه بالونة غيره دون شفقة منه ومنكم واشار الى عنود لم تحاول حتى ان تذهب وتاتى ببالونتها وكانما هى لا تبالى من الاساس بالسعادة ومن الحياة وهذا قمة الياس فالحياة والسعادة تستحقان ان نبذل مجهودنا لنعيشها
اما فى الحالة الثانية فكان اول شىء فعلتوه ان التقط كلا منكم بالونه من يحبه اولا وكانت النتيجة انه ولا بالونه تم دهسها وعادت كل بالونه لصاحبها وكان اسبقكم الاطفال فقد حصلوا على بالونات والديهم واهدوها لهم
والان اذا قلنا كلا منكم يفتح بالونته ويستخرج الورقة ويعطيها لمن كتبها فما النتيجة وان لم يستطع احدا منكم ان يعطى الورقة لمن كتبها فعليه اذن ان يراجع نفسه فى حبه فمن عجز عن التعبير عن حبه عجز عن الاستمرار فيه واعلموا ان الحب حب وليس له مسمى اخر او تعريف اخر فعيشوا الحب كما خلق ولا تلوثوه بما يخرجه عن ماهيته
ويجب ان تعلموا ان كل شىء يقل ان شطرناه الى قسمين الا السعادة تزداد ان شطرناها وشاركنا فيها غيرنا فاسعدوا من حولكم تسعدوا اكثر منهم
والكره كذلك كره مجرد من اى مشاعر حب ولكن يمكن ان يتحول الكره الى حب بسهولة عندما نحب غيرنا كما نحب انفسنا
ولهذا وصل كلا منكما الى بالونته بسهولة على الرغم من قلة الوقت عن المرة الاولى
ثم ان الخيانة هى الاخرى وصف لا يحتاج الى تفسير ولكننا نحتاج الى تفسير الاسباب التى ادت اليها
وبالفعل كل منهم اعطى ما فى بالونته لمن احب فوجدت هبة ان احمد كان قد تذكرها قال لها احبك بينما وجد هو انها قد اهدته ورقة مكتوب فيها احب احمد واولادى ففرح كلاهما وانشرح صدره
بينما عند راجية كانت ورقتها مكتوب فيها احب اولادى بينما زوجها كان كاتب لها احب راجية فخجلت راجية من ان اكرم كان هو الاسبق فى التعبير عن شعوره بينما تناسته هى
اما عند وليد فقد اهدى بالونته وبالونه عنود التى كانت للمرة الثانية عكفت عن محاولة التقاطها اليها وفتح الورقتين فوجد انها قد كتبت له احبك وهو مثلها
اقترب منها ومال على اذنيها وقال مناغشا لها نسيت ان اكتب انكى انتى سرالحياة لى بل سر البقاء وسر الوجود
نظرت له وقد احمرت وجنتيها وقالت : نحن امام الناس بل ومراقبين كذلك
فضحك لها واكمل هامسا : مادمتى اصبحتى تسمعين همساتى فساسر قلبك بما احتبسته فى قلبى فللهمسات تعبيرات واحاسيس مختلفة ومد يده وحاوطها من ظهرها وقربها اليه
ارتعدت وكادت تبتعد الا انه كان الاقوى
بينما اعطت عبير بلوناتها لامها فى حين عجز سليم ان يهدى ما كتبه اليها
هنا قال العجوز والان امامكم دقيقتين وعلى كلا منكم ان يحتضن من احب ثم مد يده واغلق مصباح الحديقة فاقبل كل اثنين واحتضنا بعضهما البعض وهمس كل زوجين بكلمات عشق مكتومة داخله وصار الحضن بينهما دافئا مما ازال معه اى شحنات كره
وما ان احتضنت عبير والدتها الا وتلاقت نظراتها بنظرات سليم التى لم تغفل عنها لحظة فدار بينهما حديث صامت فقالت عيون عبير : كنت لى كل شىء ولكنى لم انل منك الا كل خيانه ولقسوة قلبك اتيت بمعشوقتك الى لتخبرنى بنفسها عن حبكما والامر انك ايضا اخبرتنى بلوعاتك معها بلمساتك اليها فاى قلب الذى تحمله بين اضلاعك هذا اما عرف الرحمة يوما وكانى لم اعرف مثل هذا القلب قبل ذاك وكانى لم يكن هو من عشقته
بينما كان سليم نفسه يعتذر لها اشد الاعتذار ولكن بنظراته دون ان يجروء على الكلام
جاء مبتسما مشرقا ينادينى لقد وقعت فى حب ومشتاق
قالها ببسمة وتناسى انينى تصنع بوجهه الجميل البسمات
وقلبى مخترق ومبتلى من الخيبات وصراخ صدى قلبى يخترق السكات
كيف لقلبك الا يحس اشتياقى ومرارة الكلمات
فاصيح من وجع ومن الم وقلبى مغشيا عليه مات
واصارع اجفان عينى واترجاها ان تحبس الدمعات
اما وليد فقد احتضن عنود بكل قوته وقد احاطها بكامل ذراعيه حتى كاد يعتصرها وقبلها قبلة تاها فيها معا حتى انهما اضطرا العجوز ان يغلق المصباح مرة اخرى بعدما كان قد اضاءه بعد الدقيقة المسموح بها وقد كان هناك حديث هامس بينهما مفاده ( قالت اتذكر يوم التقينا ؟
فتغابيت وقلت ماذا تقصدين
قالت : اقصد لقاءنا الاول
فتذاكيت وقلت لا
تمتمت فى اذنى متاسفة على حالها
فبادرتها قائلا : انا ما نسته لاذكره وكيف انسى يوما ولدت فيه
فتبسمت فرايت جمال ثغرها وكان الدنيا لتوها مرت من هنا
فقالت : ان غبت عنى فغبت انا
فقلت : لكى السماح منى
قالت : اشتقت اليك وانا بين اضلاعك
فبادرتها : انما الاشتياق للغائب وانتى الانا فكيف تغيبى فلا شوقا يكفى ولا حنينا يشفى
فتنهدت مبتسمة فى صدرى تنهيدة قتلتنى من دفئها
فقلت لها انا اكتب لكى يا انا لاحيا فرايت انى اكتب للانا لانكى منى انا )
ولم ينتبها الا مع صفير الجميع وتصفيقهم فى الظلام
وفى تلك اللحظات هربت الفتاه لانها شعرت من نظرات سليم انه عاشق لعبير بينما نعمت عبير بحضن امها الدافىء فى حين ان سليم تيبس فى مكانه الا انه انتبه على ذراع ابيه التى تحيطه لعله يشعر انه هو الوحيد الذى سانده
كاد العجوز ان ينهى الليلة الا ان وليد بادره قائلا : قبل ان ننهى لقاءنا على وعد اللقاء التالى فانا قد تعودت الا افارق احد الا وقد جعلته مشغولا بى ومتشوق للقائى
ضحك الجميع له وعلت الهمهمات ولم يفهمه احدا الا ولاء فقد كان يفعل معها ذلك كل ليلة حتى تبيت ليلتها مشغولة به وفى الحقيقة فقد اعتلت ملامحها ابتسامة حزينه لانها حقا قد تشوقت الى مثل تلك الاحاديث بينهم فقد شرد خيالها الى الماضى عندما كانت تبيت ليلها لا تكف عن الاتصال به بين الدقيقة والاخرى لاجل السؤال عن اى مقرنات للسؤال اللاصلى حتى يسهل عليها ايجاد الاجابة ولكن لم تنتهى المكالمة على مجرد السؤال بل كانت تقترن بكثير من الاحاسيس والكلمات العاشقة حتى تصير الدقيقة ساعة وتلغق وما هى الا دقيقة فقط وتعاود الاتصال به فيتحدثون ساعتين
اخذت تستنشق نفسا عميقا لعلها تهدا وقد نظرت الى عنود وتخيلت انها هى التى تنعم من الان بتلك الاحاسيس وتلك الكلمات
بينما اسكتهم هو قائلا : لم اقصد ان يتشوق الغير للقائى بالمعنى الرومانسى كما فهمتوه وانما يتشوق للقائى ليعطينى اجابة لاى سؤال تركته له
انتبه الجميع وبدوا منصتين اليه الا ان شغفهم هذا قد راق له فابتسم وقال : هذه طريقة اخرى للعشاق يمكن ان يتبعوها فعلى كل عشيق ان يجعل معشوقه مطوق دائما الى لقاءه وهذا ما يسمى بذكاء بعد المسافات ويحاكى هذا المعنى انه لا تقترب كثيرا فتلغى اللهفة ولا تبتعد كثيرا فتنسى وعليك الا تعطى حبيبك كل ما يتمناه بسهوله بل اعطيه كل ما يتمناه مع بعض ما يبغضه فى وقت يكون محتاج اليك فهنا يتقبل منك كل ما قدمت
ايده احمد والعجوز بصوت عالى بينما قاطعهم هو وقال اما عن ما قصدته على نفسى فانا لن اترككم الا بعد ان القى عليكم سؤالا او مجموعه اسئلة على ان تاتونى باجابتها فى اللقاء القادم بشرط الا تستعينوا بالمؤلفات الاليكترونية بل اريد منكم الاطلاع على المؤلفات الورقية ومن يجيبنى عليها له منى هديه
هنا ايضا تذكرت ولاء كم الهدايا التى كان يهديها اليها فى كل صباح فهى فى الحقيقة كانت تقضى ليلها بين الحديث معه وبين البحث عن اجابة السؤال وبين التفكير فى ماهية الهدية
اغمضت عينيها لتمنع دمعة ساخنة من النزول
بينما قالت هبة واحمد مازحين معه : لا تقل لنا سؤالك قبل ان تخبرنا بماهية الهدية
ضحك الجميع وبالطبع وليد لذى قال : من يجيب من الرجال له عندى معطف من الجوخ ومن تجيبه من الاناث لها عندى هدية فستان اختاره لها على ذوقى
صفق الجميع ثم سكتوا لينصتوا الى سؤاله بينما قال هو لقد قابل ذات مرة الحجاج ابن يوسف طفلا صغيرا ولكنه كان شجاعا فلم يهب من بطش الحجاج وقد كان الحجاج جبارا على الرغم من اسلامه وجلده مما جعل الحجاج ينظر اليه بتامل فاردا ان يعرف من اين اتى هذا الغلام بكل تلك السكينة والشجاعة الا انه اجاب نفسه وقال لا بد انه حفظ القران فسال الطفل بصوت عالى قل لى يا ايها الغلام هل حفظت القران فرد عليه الغلام ردا احجم سؤاله فقال له وهل القران هارب منى لاحفظه
حقا احتقن الحجاج من محاكاه الطفل له مما جعله يعيد كلامه بصيغة اخرى وقال هل جمعت القران ايها الغلام ؟ فرد الغلام حانقا له اكثر من المرة الاولى وقال وهل القران متفرق لاجمعه هنا كان الحجاج وصل الى قمه توتره امام الغلام الصغير
ومحاكاه للحجاج اسالكم انا من هو الذى خلق من الهواء ؟ ومن الذى هلك من الهواء
ومن هو الذى خلق من الخشب ومن الذى حفظ بالخشب ومن ذاك الذى هلك بالخشب
ثم اخبرونى من الذى خلق من الماء ومن الذى نجا من الماء وذاك الذى خلق بالماء
ثم اخبرونى عمن خلق من النار ومن حفظ من النار
واخبرونى عن العقل والايمان والحياء والسخاء والشجاعة والكرم
اما عن ولاء فقد هربت هى الاخرى الى غرفتها وهى تردد لنفسها ما قاله وليد : من عجز ان يعبر عن حبه عجز ان يكمل فيه واخذت تعيد مشهد تقبيله لها بحرارة عندما اضاء العجوز المصباح وانهما لم ينتبها الا وبكت بكاءا حارا
......
انتهى اليوم وقد تعلم كل فرد من الحاضرين درسا مفاده ان السعادة هى عندما تهب السعادة لغيرك وان الحب يتجلى فى كيفيه التعبير عنه وقبل ان يغادر الجميع البيت قل اكرم : عجزت عن شكرك يا وليد ولكنى اطمع ان تكرر لنا كما طلبت انفا ان تجمعنا كلما سمح وقتا فقد راق لى سعادتنا ونحن معا
قال العجوز قبل وليد قائلا : ما رايكم ان كان اللقاء القادم لدينا فى المركز لعل كل المرضى يشتركون معنا ؟
وافق الجميع ورحلوا على وعد باللقاء الاسبوع القادم
.......
صعد الجميع الى غرفهم وعلى الرغم ان الجميع فعلوا نفس الشىء وان الليل الحالك كان ليلا واحدا على الجميع الا ان الجدار كان خلفها مشاعر مختلفة
فعند راجية واكرم
صعدت راجية مع اولادها الى غرفتهم ونيمتهم ودفنت راسها فى وسادتها تبكى وفى الحقيقة هى كانت تبكى خيانه زوجها وتبكى تفريطها فى حقه فهى الاخرى قد شعرت انها اخطات فى حقه كثيرا لانها لم تعطيه الفرصة ليشفى من الخيانة ومن علاقاته المتعدد بل تركته لعشيقاته بسهولة وتخلت عن تمسكها به ثم تذكرت كيف تناسته هى حتى فى مجرد كلمة تكتبها له وهى لم تعلم انه سيراها ولكن هذا كان اكبر اعتراف منها انها تحب اطفالها اكثر منه وربما هذا ما ضيعه منها
بينما عند اكرم كان هو الاخر مستلقى على فر اشه فى غرفته ولم يهنا له نوما بل ظل محدقا فى سقف الغرفة والاف الافكار تملا راسه ولكن اهمها هو ذاك الحنين الى حضن راجية فقد افقتقدها حقا وكم ود ان طال عناقة لها وقت ان طلب منهم وليد ذلك ولكن الوقت كان لا يكفى بل ربما ان العمر كله لا يكفى حتى ليعتذر لها عما فعله بها وتذكر كلمة قالها وليد ضمن كلماته ( المراة هى اعظم ما فى الوجود فقد خلقت فقط لتحبك وهى ان احبت الرجل انسته متاعب الحياة وربما نست هى حياتها لاجله ) هنا تذكر ان راجية ايضا حاولت ان تقرب منه وتجعل حياتها بين يديه ولكنه لم يقابلها الا بالخيانة بل والادهى انه لم يشعرها يوما انها سيدة بيتها بل كان افضل ما يفعله ان ياخذ براى امه ومن بعدها شقيقاته
بينما كانت راجية نفس الوضع تؤنب نفسها انها اهملته
انتظر اكرم حتى شعر بسكن صوت الاطفال ثم قام بهدوء وتحرك على اطراف اصابعه حتى لا تسمعه امه وطرق الباب بخفة وقال برجاء : اعلم انكى لا زلتى مستيقظة ولكن هل لى ان اتنعم ببعض اللحظات معكى ؟
انهمرت دموعها بصمت وقد تعثرت الكلمات فى حلقها ولم تعرف بما تجيبه هل تؤنبه وتعنفه على ما فعله بها ام ترتمى فى صدره باكية فهى ايضا مشتاقة اليه وتمنت ان تبكى فى صدره ولكنه ابدا ما اعطاها اى براح ولم تشعر ان لها من الاساس مكان عنده
دار بينهما حديث صامت وفى الحقيقة ان كلا منهما كان يحادث نفسه ايضا فراجية كانت تريد ان ترى السعادةوما اتعس المراة تلك التى لم تعش السعادة كما تمنتها وهل يبقى حرمان يفوق حرمان اى امراة صغرت ام كبرت من السعادة
الا ان اكرم هو الاخر كان يحادث نفسه فهو وان كان يهوى الخيانه الا انه ايضا لم يكن سعيدا ولم يجد السعادة لا فى الخيانة ولا مع راجية فهى وان كانت تشتكى انه حرمها السعادة فهو ايضا يعترف بانها هى الاخرى حرمته السعادة
عندما لم ترد عاد وقال لها : وددت ان اخذ رايك فى انى اريد التردد على وليد فى مركزه الطبى لاستشيره فما رايك فهو يهمنى ولقد شعرت بمصداقية كلام وليد ان كلانا لم يعرف كيف يسعد الاخر ولعله يساعدنا فى الوصول الى نقطة تلاقى بيننا
انتحبت اكثر فهم لم يشركها فى اى امر يخصه من قبل ولكنها عادت وابتسمت وهى تمسح دموعها فقد شعرت انها تهمه ولهذا اراد ان يحسن من حاله فقامت على الفور وفتحت الباب وهى لا تزال تمسح دموعها وقالت له وانا ايضا كنت انوى ان افعل مثلك
مد يده وكفكف دموعها وربت على صدغها وقال اتمنى دعواتك ان اشفى مما انا فيه
وعاد كلا منهما الى مضجعه وقد طابت نفسه اكثرمن قبل ولكنهما فى حقيقة الامر كانوا لا هما هانئان بوئام من تلك الاتفاقية بينهما ولا هما قادران فى ذات الوقت على الخصام او اتخاذ قرار الافتراق
......
تفتكروا الحال هيوصل بين راجية واكرم لايه هل هيقرروا الفراق ام هيقرروا أنهم يكملوا حياتهم من جديد ؟
ايه رايكم لما يكون فعلا الليل واحد لكن المشاعر خلف الجدران تختلف ؟
اية رايكم فى فلسفة وليد انك لا تعطى كل حبك فى كل وقت بل استخدم دوما ذكاء المسافة ليصحبه دوما اللهفة والاشتياق ؟
