رواية وجه في القلب الفصل السابع عشر 17 بقلم جويرية احمد
الحلقة السابعة عشر
تدقيق املائى ولغوى الكاتبة و الاديبة فاير فلاى
مرت شهور الشتاء وحل الربيع في ثوبه البديع ودكتور يوسف يأتي فى نفس الموعد والمكان كل يوم أثنين ليشرح لهدى وصفاء, تشعر هدى وكأن الورود تتفتح لها والعصافير تغرد لتغنى لها والأرض تتبدل وتتزين من أجل أن تفرح وتكتمل سعادتها, تخفى فرحتها بقدومه وتفضحها عيونها تكتم مشاعرها فمازال الخوف من الفراق يسيطر على عقلها لا تريد أن تخسره للأبد أو أن يتألم بسببها وتفضل الاحتفاظ به في قلبها ووجوده ساعات قليلة في حياتها كأستاذ وتلميذة, تراه وتسمع صوته لا تصارح أحد بحقيقة مشاعرها حتى نفسها فهي تخشى حتى إبداء مشاعرها لنفسها, اعتادت أن ترى صورته أمامها تزين كل صفحات كتبها, تتغير انفعالات الوجه ولكن الملامح واحدة تظهر طيبته ورقته وحزن يملأ عينيه الجميلة تنتهي من الرسم فترى صورته فتبتسم وتعيد كلماته في ذهنها تكتفي بوعد اللقاء وابتسامة و لا أكثر, في كثير من الأحيان تظن أنه يبادلها نفس الشعور وفى أحيان أخرى تشعر أنها لا تزيد عن أي طالبة في الدفعة يشرح لها ولكي تطرد الأفكار المزعجة تغرق في شعورها بالسعادة حين تراه, ودقات قلبها حين يبتسم وأملها حين الفراق بأمل في اللقاء, تتمنى أن تنتهي سنوات الدراسة سريعا لتتحرر من شرط والدها وتبذل جهدها لتعوض ما فاتها
هدى ( بقلق ) : ياه أنت شكلك تعبان أوى ؟ حساسس بأيه
يوسف : لا أبداً, شوية إرهاق, مطبق 48 ساعة في المستشفى وجيت من النبطشية على هنا
هدى : طب ليه جيت ؟ المفروض تستريح في البيت وتنام
يوسف : عادى أنا متعود على كده؟ ما تقلقيش أوى
صفاء : مش هينفع تجهد نفسك أكتر من كده ؟ نأجل الشرح للأسبوع الجاي
يوسف : أنا خايف عليكم
صفاء : إحنا مش عايزين نتعبك
يوسف : زى ما أنتم عايزين, طب ممكن نفطر لأنى من امبارح ما أكلت وهروح أنام ومش هاكل
صفاء : طيب أنا أستأذن علشان أدخل المحاضرة هتيجى يا هدى ؟
هدى : أنت عارفة انا محرومة من محاضرة دكتور سعيد لاخر السنة .
صفاء : طيب سلام و سلامتك يا دكتور
هدى : مش كتير 48 ساعة شغل متواصل
يوسف : من ساعة ما تم تعييني نائب في الجامعة وأنا تقريباً مقيم في المستشفى ببات فيها باليومين والتلاتة أحياناً, مش بروح البيت, الشغل كتير جداً وقسم العظام بالأخص حالاته كتير جداً ولازم اشتغل علشان آخد خبرة والدكتور يخلص لى الرسالة, حتى أهلى مش بلاقى وقت أسافر لهم في اسكندرية
هدى : أنت إسكندرانى؟ دا أنا بحب اسكندرية جداً وبنسافر تقريباً كل اسبوع نقضى خميس وجمعة
يوسف : ياه أنت بتسافرى أكتر منى, أنا عايش في القاهرة من 10 سنين وبسافر كل فترة طويلة
هدى : ليه كده؟
يوسف : يا دوب 6 سنين جامعة وسنة امتياز و الجيش والتكليف واتعينت من سنة في الجامعة وطول الفترة دي وأنا مشغول جداً
هدى : والجيش بتاعك كان فين؟
يوسف : في البحر الأحمر قرب الغردقة
هدى (ببراءة ): يا سلام دى بلد حلوة أوى يعنى الجيش كان فسحة
يوسف ( بسخرية ) : أكيد لازم تقولي كده, ما أنت ما شوفتيش الجيش غير في أفلام إسماعين يس, دنا كنت نازل في قرية سياحية 4 أيام و 3 ليالي
هدى ( صمتت ووجها احمر) : إهدى شوية هو أنا كنت دخلت الجيش؟
يوسف "شعر إنه أحرجها" : المناظر الطبيعية البحر والجبال جميلة جداً بس إحنا بنعيش في معسكرات في الصحرا والبحر الأحمر على نفس خط سوهاج يعنى نار بالنهار الرمل والشمس بتحرق وأغلب التدريبات بالنهار وبليل برد جداً لدرجة إن المية بتتجمد يعنى الحياة مش سهلة, بس اتعلمت فيها حاجات كتير وقابلت رجالة في منتهى الشهامة والطيبة والرجولة وكنا من محافظات كتيرة وبرغم الجو القاسي والتدريبات والحياة الصعبة كان فيه أوقات سمر جميلة مع زمايلي في الكتيبة وحصلت لنا مواقف صعبة كتير ومواقف ظريفة وعمري ما هنسي الأيام دي وطلعنا أكتر من مرة نصطاد, مرة اصطدنا قرش وعملنا ليلتها وليمة
هدى تراقبه وقد عادت له حيويته وابتسامته, تراقب انفعالاته عندما يذكر موقف لطيف وجديته وهو يحكى عن موقف صعب صادفه, له أسلوب أخاذ في الكلام يجعلها تتخيل الصحراء والشمس والجبال والحر والبرد وسمكة القرش العملاقة
وأخذ يحكى يوسف عن الطبيعة واختلاف ألوان الجبال وتكوينات السحاب وتغير ألوانه على مدار اليوم ومنظر الشروق والغروب الرائع ولون البحر وهو صافى وهادئ وأخرى ثائر وهائج وهدى مندمجة مع الألوان والأشكال والصوت والانفعال
هدى : ياه وصفك رائع نفسى أشوف المناظر اللي بتحكي عنها
يوسف (يفتح حقيبته ويبحث في الأوراق ): ممكن أوريكي صورة في الورق اللى معايا في الشنطة
هدى : أنت بتحب التصوير
يوسف (يخرج صورة مرسومة من الحقيبة ) : اتفضلى
هدى ( بذهول ) : دى مرسومة انت بترسم ؟
يوسف : يعنى في وقت فراغى بس عمري ما فكرت احترف زيك
هدى : جميلة أوى الألوان والظلال, صورة روعة للغروب . كنت حاسة انك رسام
يوسف : مش أوى كده لتغر بنفسي وأسيب الطب واشتغل طاووس, بس أنت عرفت منين؟
هدى (تشعر بسعادة غامرة لحبه للرسم مثلها ): من خطك والرسومات التوضحية اللى بترسمها
وتقاطع الحوار كريمة (زميلة يوسف في القسم ) بابتسامة: إزيك يا يوسف عامل إيه ؟ إيه اللى جابك هنا مش كنت هتروح؟
يوسف : إزيك يا دكتورة كريمة, كنت بفطر, وأنت إيه اللى جابك ؟
كريمة : كنت عايزة أسأل عن المكافأة سمعت أنها نزلت
يوسف (يقف ليذهب مع كريمة ): عن أذنك يا هدى أشوفك الأسبوع الجاى إن شاء الله
شعرت هدى بوخز الغيرة في قلبها ولكن طردته سريعا فهي زميلة مجرد زميلة وظلت تفكر في حواره معها عرفت عنه الكثير وكشفت بعض الغموض عن شخصيته تتذكر كل كلمة وتبتسم وتكتم سعادتها داخل قلبها حتى لا يظن من يراها أنها فقدت عقلها ولكن لما الظن فانه عندما يغادر تفقد قلبها وعقلها وروحها معه
