رواية غريبة في عالمك الفصل الخامس عشر 15 بقلم رحاب حلمي
الفصل الخامس عشر
*بوادر الغيرة*
في قاعة المسرح بالجامعة, قد اجتمع أعضاء أسرة" ملكة بأخلاقي" وقد كان عددهم يقرب العشرين طالبة. كانوا يعدون للمسرحية التي سيقومون بتأديتها في حفل الاستقبال للعام الدراسي الجديد. قامت سلمى بدور المخرج وكانت رغم مرحها و دعاباتها التي لا تنتهي الا انها تمتاز بالجدية والصرامة في وقت العمل, وبعد أن انتهت من توزيع الادوار بدأت تقول بصوت منهك: بسسسس كدة بقا مش فاضل غير دور البطل والبطة, وانا شايفة ان أحسن واحدة ممكن تقوم بدور البطلة هي حياة.
تفاجأت حياة من ذلك الاختيار الغير مستحب بالنسبة لها وبدأت بالاعتراض:انا؟! لالالا, شوفولكم حد غيري , انا منفعش.
أيدت هالة رأي سلمى وهي تقول محاولة اقناع حياة بالعدول عن رفضها: بالعكس يا حياة, انا مع سلمى في رأيها , وبصراحة الدور دة لايق عليكي جدا, دة غير انك ممثلة موهوبة فعلا, فاكرة أول سنة لما مثلتي في المسرحية اللي عملها فريق الجوالة؟ كنتي فعلا ممتازة بالرغم من ان الدور كان صغير.
قالت حياة في اصرار واضح على رأيها: لا يا جماعة. دة كان زمان, اما دلوقت فانا مش هقدر أقول كلمتين على بعضهم وانا ع ال stage.
وهنا استخدمت سلمى سلطتها وهي تقول بصرامة: مفيش حاجة اسمها زمان ودلوقت.دي موهبة عندك وبتفضل معاكي في أي وقت.وبصراحة بقا أنا مش شايفة أي حد غيرك ينفع للدور دة.
أشارت حياة فجأة ناحية مريم وهي تقول: مريم عندكم أهي. هي اللي تنفع.
أجابت مريم نافية بشكل قاطع: لا يا ستي, انا كفاية عليا الديكور . ومش هعرف أوفق بين الاتنين.
وهنا كانت الكلمة الأخيرة لسلمى التي قالت بحزم: يبقا خلاص يا حياة. انتي اللي هتقومي بدور البطلة, ومفيش كلام تاني.
حياة باستسلام: خلاص بقا أمري لله.
فتنهدت سلمى بارتياح, ثم قالت: ايوة كدة خلينا نفكر بقا في المشكلة الأساسية.
هالة: هي ايه المشكلة دي؟
سلمى: مين اللي هيبقا البطل؟
فقالت حياة بلهجة طفولية: مليش دعوة, انا عاوزة حسين فهمي.
فأشارت لها نورا بغيظ: ياختي اتلهي, دة انتي أخرك سليمان عيد وهنديله فلوس كمان عشان يرضى يقف قصادك.
فقالت مريم بجدية: اسكتوا بقا شوية يا بنات, احنا فعلا في مشكلة حقيقية. احنا ما نعرفش حد من الشباب بيعرف يمثل ويقبل يكون معانا.
وهنا نظرت سلمى الى نورا مؤنبة بتهكم: مش كان المفروض بردو يا عم نجيب محفوظ انك تتم جميلك معانا وتخلي المسرحية كلها بنات بدل الورطة اللي احنا فيها دي؟
فقالت نورا وهي تحاول ان تغيظ سلمى: عليا انا بردو الكلام دة, دة انا أقطع دراعي من لغاليغو ان ما كنتي عاوزة المسرحية كلها شباب.
فضربتها سلمى بخفة على ذراعها وهي تقول متوعدة: بقا كدة؟ طب اصبري عليا يا ست نورا. بكرة أطلع كل دة على عنيكي في البروفات.
وهنا تحدثت زميلة لهم لائمة الجميع: يا جماعة انتو بتهزروا؟ احنا فعلا في مشكلة. لازم نفكر كويس هنجيب البطل دة منين؟
فاقترحت حياة: طب وهو لازم يكون شاب يعني؟ ماحنا ممكن نلبس بنت لبس رجالة وهي اللي تقوم بالدور.
لم تعجب الفكرة سلمى التي قالت: مش هينفع. لانها هتتكشف اوي, والبنت دي هتبقا محل سخرية للجميع وتتقلب مسرحية هزلية.
وهنا هتفت نورا فجأة بانتصار وكأنها عثرت على كنز ثمين: وجدتها.
فوضعت سلمى يدها على أذنيها بهدف الحماية من صوت نورا العال والذي كان يمتاز بحدته: يا بنتي حرام عليكي, هتضيعي طبلة ودني.
فابتسمت حياة رغما عنها وهي تتطلع الى نورا لتسألها: هي ايه اللي وجدتيها دي بقا يا ست نورا؟
فصاحت نورا مرة أخرى متناسية تحذير سلمى منذ قليل: البطل طبعا.
وما كان من سلمى إلا أن ازاحتها بغيظ لتتحرك الى الناحية الأخرى وهي تقول لها متوعدة: امشي من جنبي يا بت, والمرة الجاية ان عليتي صوتك بالشكل دة تاني والنعمة لأضربك.
فنهرتها حياة بلطف: احنا قلنا ايه؟ مش قلنا مفيش حلفان بغير الله؟
فقالت سلمى بأسف سريعا: اه صحيح. استغفر الله العظيم, ثم سألت نورا بسخرية واضحة: قوليلنا بقا يا ست هانم مين هو؟
فقالت نورا بطريقة مستفذة متصنعة البراءة: اه, نسيت,
فتجهم وجه سلمى وهي تستعد للانقضاض على نورا: سيبوني عليها.
فأمسكت كل من حياة ومريم بسلمى لايقافها ووضعت نورا يديها على وجهها بشكل دفاعي وهي تقول: خلاص. هقول هقول. ايه رأيكم في أستاذ خالد صلاح المعيد بتاعنا؟
خيم الصمت قليلا على الجميع الى أن قالت سلمى: استاذ خالد؟ واشمعنا يعني.
أخذت نورا توضح لهم أسباب اختيارها وهي تقول بشكل عملي: أولا المفروض ان فيه أغنيتين في المسرحية واستاذ خالد لما غنى في حفلة السنة اللي فاتت كان صوته رائع وكلنا متفقين على كدة, وثانيا مفتكرش ان فيه أي اختلاف على انه انسان كويس ومحترم ودي المواصفات اللي احنا عاوزينها في الشاب اللي هيشتغل معانا.
فقالت حياة وقد بدا عليها الاقتناع: طب وانتي ايه عرفك انه ممكن يوافق؟ وكمان مش شرط انه عشان صوته حلو وبيغني يبقا كمان بيعرف يمثل.
تولت سلمى الرد على كلام حياة: انا من رأيي اننا نعرض علية الموضوع الاول ونشوف رأيه وبعدين أي حاجة تانية ممكن تتحل.
هالة: ومين بقا اللي هتكلمه؟
فنظرت كل طالبة الى زميلتها في حيرة أما سلمى فأجابت ببساطة: ودي محتاجة سؤال؟ صاحبة الفكرة طبعا. الانسة نورا.
فأسرعت نورا بالاحتجاج: انا؟ لالالالا. مش ممكن طبعا, خلي مريم هي اللي تكلمه.
مريم مستفسرة: واشمعنا انا بقى؟
نورا: عشان انتي يا مريم مفيش أي راجل يقدر يرفضلك طلب سواء كان طالب أو دكتور. دة كفاية العيون الدبلي دول.
مريم: لا يا ستي أنا اصلا معرفوش.
وهنا أرادت حياة أن توقع سلمى في الفخ كما عملت هي منذ قليل وهي تتمثل البراءة: والله انا من رأيي ان دي أصلا مهمة المخرج.
فاتجهت الانظار ناحية سلمى التي تعلقت عيناها بوجه سلمى وكانت تتقد نارا وهي تسمع تأييد الجميع لرأي حياة التي أخرجت لها لسانها لتغيظها أكثر.
وما كان من سلمى الا ان استسلمت لرأي الجميع: ماشي . خلاص, انا هكلمه بكرة ان شاء الله.
وهنا نظرت سلمى الى ساعة يدها, ثم قالت: طب يا جماعة همشي انا بقا عشان اتأخرت.
فقالت مريم هي الأخرى: وانا كمان , نشوفكم بكرة بقا بإذن الله.
وكان لابد للمخرج بأن يلقي بتعليماته الأخيرة لذلك قالت سلمى: اوك يا بنات, يبقا التجمع هيكون بكرة ان شاء الله الساعة تسعة الصبح, ومش عاوزة أي تأخير.
فأجاب الجميع: أوك يا boss.
وذهبت كل منهما الى منزلها, وكالعادة قد ركبت حياة في سيارة مريم لتقوم بتوصيلها, وما ان اقتربت من البناية حتى لمحت سيارة زوجها وسيارة وليد تصطفان بين السيارات, فعلت الدهشة وجهها وهي تتساءل: ايه اللي جاب عربية يوسف و وليد هنا؟ معقول يكونوا عندكم يا حياة؟
فقالت حياة في شك: جايز, تعالي نشوفهم, وأهو بالمرة تسلمي على ماما دي بتسأل عليكي كتير أوي.
فقالت مريم موافقة: وهي كمان وحشتني أوي, ثم قالت للسائق: استناني شوية يا عم توفيق.
فهز توفيق رأسه وهو يقول: اوامرك يا ست هانم.
ثم صعدت حياة الى شقتها وهي بصحبة مريم, و ضغطت حياة على جرس الباب وهي تأبى ان ترفع يدها من على الجرس, فظهرت مها بالداخل وهي تتجه ناحية الباب متضايقة من صوت الجرس الذي يرن دون انقطاع: حاضر حاضر, ما تشيل ايدك عن الجرس ياللي برة.
وما ان فتحت الباب حتى طبعت حياة قبلة سريعة على خدها وهي تقول بمرح: السلام عليكم, ازيك يا ست الكل.
فردت مها بغيظ: والله كان قلبي حاسس انك انتي اللي بترني الجرس, اصل مفيش حد بيعمل امور العيال دي غيرك.
فتصنعت حياة الحزن وهي تقول: بقا كدة يا ست ماما؟ طب الله يسامحك.
مها: يارب ياختي.
وهمت مها ان تغلق الباب خلف حياة التي منعتها سريعا وهي تقول: استني يا ماما, مريم برة.
ثم خرجت سريعا لتسحب مريم من يدها فرحبت بها مها كثيرا , ثم تساءلت حياة وهي تهمس بالقرب من اذن مها وعينيها تتجه ناحية حجرة الصالون المغلقة وتستمع الى اصوات الرجال المنخفضة التي تنبعث منها: الا قوليلي يا ماما هو احنا عندنا ضيوف؟
فردت مها: ايوة يا ستي دة الباشمهندس وليد و أخوه الباشمهندس يوسف جايين يتفقوا مع باباكي على الشبكة والمؤخر والفرح وكل حاجة.
ظهرت مسحة حزن على وجه حياة سريعا ما استطاعت اخفائها وهي تسأل والدتها بابتسامة باهتة: طيب احنا ممكن ندخلهم ولا لا؟
مها: معرفش, بس خبطي ع الباب شوفي باباكي ممكن يسمحلك ولا لا عقبال مانا أعمل القهوة.
حياة: اوك يا ماما.
ثم سحبت مريم من يدها مرة اخرى وطرقت باب الصالون فجاءها صوت والدها من الداخل: ادخلي يا أم كريم.
فتحت حياة الباب وهي تقول بشكل فكاهي: طب ولو أخت كريم؟ تدخل ولا لا؟
فافتر ثغر محمود بابتسامة حانية: تعالي يا حياة.
حياة: السلام عليكم.
فرد الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
محمود: ادخلي يا حياة. عاوزك.
حياة: بس انا معايا ضيفة يا بابا.
محمود: اهلا وسهلا بالضيفة, خلاص خديها وادخلو اوضتك.
حياة وهي تشير الى يوسف: بس هي عاوزة تقابل الباشمهندس.
فنظر لها يوسف مستفهما فابتسمت حياة باستحياء وخرجت سريعا وسرعان ما عادت وهي تدفع مريم أمامها, التي شعرت بالحمرة تغزو وجهها وهي تقول بنبرة منخفضة: السلام عليكم.
الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
محمود: اهلا وسهلا يا بنتي اتفضلي.
وقد وفرت حياة حيرة الاختيار على مريم حيث جلست على الكرسي الوحيد الفارغ بالحجرة مما أرغم مريم على الجلوس بجوار يوسف الذي رمقها بنظرة جانبية وهو يسألها: خير يا مريم؟ فيه حاجة حصلت؟
اضطربت مريم كثير وهي تقول بنبرة دفاعية: لا ابدا, دة انا كنت بوصل حياة فشفت عربيتك وعربية وليد تحت فتوقعنا انكم هنا وحياة اصرت اني اطلع معاها.
فسأل وليد بعد ان القى نظرة سريعة الى ساعة يده ثم رفع عينيه ناحية حياة: وكنتو فين لحد دلوقت؟
ولأنها رأت نظرة اتهام في عينيه آثرت حياة الصمت حتى لا تخرج عن شعورها وترد على اتهامه بكلام جارح سيدخل الشكوك في نفس والدها, لذا تولت مريم الرد بالنيابة عنها: احنا كنا في الجامعة أصلنا بنجهز لمسرحية هنقدمها في حفلة بداية السنة الجديدة ان شاء الله وحياة هتكون البطلة فيها.
وليد بشكل ساخر لم يدركه سوى مريم وحياة: ممثلة؟ اراهن انك هتنجحي و بتفوق كمان.
وهنا سأل يوسف مريم وهو يمسك يدها بحنان: وانتي بقا يا حبيبتي ايه الدور اللي هتعمليه؟
هزتها كلمة حبيبة التي خرجت من فمه وشعرت بقشعريرة خفيفة اثر لمسته ولكنه أخرجت نفسها سريعا من تلك الحالة وعزت تلك الأفعال لوجود أناس معهم بنفس الحجرة وقد كانت تعلم ان يوسف حريص بدرجة كبيرة على الشكل الاجتماعي و تهدج صوتها وهي تجيب وتسحب يدها برفق من يده: لا, انا مش بعرف أمثل انا هتولى مسئولية الديكور اصلي أعرف شوية حاجات كدة خاصة بالموضوع دة اتعلمتها من ماما ماهي مهندسة ديكور.
رأت تقطيبة صغيرة تعلو جبينه وهو يقول: اه ,عارف.
وهنا تحدث محمود أخيرا ليسأل وليد: فيه حاجة تانية كنت عاوز تقولها يا باشمهندس؟
وليد: أيوة, انا كنت عاوز احدد ميعاد الفرح, وكنت حابب أخليه بعد أسبوعين.
وقعت المفاجأة عليها وكأنها صفعة تلقتها على خدها هكذا شعرت حياة جراء طلب وليد المفاجىء, ولكن والدها هو الذي تحدث ليقول وقد بدت عليه الدهشة أيضا من ذلك الاستعجال الذي لا يدري له سببا: بسرعة كدة! بس احنا مش هنلحق نجهز حاجة يا باشمهندس.
وليد: يا عمي انا مش عاوز اي حاجة, انا شقتي كلها اسبوع وهستلمها متشطبة ومفروشة ومش ناقصها أي حاجة, وكدة كدة كنت ناوي انقل فيها بعد ما تخلص وبما اني خلاص خطبت فنفسي اول مرة ادخل الشقة تكون معايا مراتي, قلت ايه بقا؟
و هذه المرة كان الرد من نصيب مها التي دخلت للتو وهي تحمل صينيه عليها المشروبات: ودة يصح بردو يا باشمهندس؟ ازاي بنتنا تدخل من غير ما نجهزها؟
وبعد ان قدمت المشروبات سريعا وقفت لها حياة لتجلس مكانها بينما جلست حياة بجانبها على مسند الكرسي, وردا على سؤالها قال وليد: مانا زي ما قلت لعمي اني شقتي جاهزة وأول ما استلمها هديكم مفتاح ليها تروحوها ولو فيه حاجة مش عجبتكم قولولي وانا أغيرها.
مها: بس يا باشمهندس دي أصول وابو كريم من أول ما حياة اتولدت وهو بيشيل فلوس لجهازها وبنحلم باليوم اللي هنشورها فيه, يبقا ازاي بقا اللي انت بتقوله دة؟
وليد: حضرتك مفيش اي مشكلة خالص, الفلوس اللي انتو كنتو شايلينها للجهاز حطوها في البنك باسمها وهتبقا هي هي وانا عن نفسي هحطلها خمسين ألف جنيه مهر باسمها في البنك وهنشتري بزيهم شبكة. الحقيقة انا عارف انه مبلغ قليل أوي بس انا رغم اصرار يوسف قررت اني أبدأ حياتي بنفسي بعيد عن الميراث اللي سابه بابا الله يرحمه لينا.
محمود: الله يرحمه يابني.
ثم نظر الى حياة: وانتي ايه رأيك يا حياة؟
شعرت حياة بأن وليد يحاول ان يشتريها بأمواله لذلك يرفض أن يساهم أهلها في تجهيزات الزواج. وأخذت تتذكر تلك المواقف التي جمعتهما سويا قبل علمه بحقيقة ماضيها وتذكرت كيف كان يكن لها كل ود واحترام حتى عندما كان ينظر اليها كانت نظراته خجولة وان كانت مملوءة بالشوق, اين تلك النظرات مما تراه الان في عينيه من احتقار و جرأة وعبث؟ فهل هي حقا سقطت من عينيه؟ اذن فلم يصر على زواجه منها وبتلك السرعة؟
نعم لقد تذكرت الأن ما قاله لها منذ يومين في الحديقة فإنه يريدها ولا يبالي بالطريقة التي سيستخدمها للحصول عليها حتى وان كانت الزواج.
أفاقت حياة على صوت أبيها: حياة؟ مالك يا بنتي ساكتة ليه؟ انتي ايه رأيك في الكلام اللي قاله الباشمهندس؟
حياة وقد ظهر على وجهها قلة الحيلة: اللي تشوفو يا بابا.
فقال محمود: اذا كان كدة يبقا ماشي يا باشمهندس.
وليد: كدة يبقا مش فاضل غير حاجة واحدة.
محمود: ايه هي يا ترى؟
وليد: الفرح , انا هعمله في أي قاعة هنا انتو تختاروها, بصراحة كان نفسي يتعمل في البلد لكن نظرا لبعض الخلافات العائلية هنعمله هنا.
فقال محمود موافقا على كلامه: انا بردو كنت هقولك كدة يا باشمهندس, احنا كمان مش عاوزين الفرح يتم في البلد, وخصوصا اننا رفضنا ابن عمها ودة هيخلي العيلة كلها ضدنا.
وليد: يبقا نقرأ الفاتحة دلوقت يا عمي وبكرة ان شاء الله هاخد حياة ومدام مها عشان نشتري الشبكة.
محمود: ماشي يابني اللي تشوفه. نقرأ الفاتحة.
وارتفعت الأيادي لقراءة الفاتحة على خوف وأمل يتصارعان في قلب حياة, خوف من حياتها مع وليد وكيفية معاملته لها بعد الزواج وهو لا يستطيع نسيان ما حدث لها, وأمل في أنه من الممكن أن يأتي الذي ستتغير فيه وجهة نظره ويعلم أنها لم تكن سوى ضحية قد كانت فريسة لوحوش لا تعرف للرحمة معنى.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم على السرير بغرفة نومها وهي تقرأ في أحد الكتب الخاصة بالديكور بجانب سيناريو المسرحية التي من المفترض ان تقوم باعداد الديكور لها, وتدون بعض الملاحظات. وبينما هي على تلك الحال سمعت صوتا عميقا وكأنه يأتي من بعيد: مريم.
فنظرت أماما لتُفاجىء بيوسف أمامها يرتدي بيجاما للنوم, فشهقت مفزوعة حيث كانت تتوقع أنه في تلك الساعة يغط في النوم, فاقترب منها يوسف يحتضنها وهو يقول لها برفق: انا يوسف يا مريم اهدي.
وبعد أن زالت عنها تأثير المفاجأة دفعته بعيدا عنها بعنف وكأن حشرة سامة لدغتها, ثم وضعت الطرحة على شعرها وهي تصيح في وجهه وقد اشتعل وجهها غضبا: انت ازاي تدخل عليا الاوضة كدة من غير استئذان؟
فنهض يوسف من مكانه وهو يجيب على سؤالها عاقدا ذراعيه على صدره ببرودة أعصاب حسدته مريم عليها: اولا انا مش محتاج أخد اذن وانا بدخل اوضة مفيهاش حد غير مراتي, ثانيا انا خبطت الباب اكتر من مرة بس واضح جدا انك كنتي مشغولة لدرجة انك مسمعتيش الباب وهو بيخبط.
مريم: انا فعلا كنت مشغولة شوية, بس انت كنت عاوز ايه؟
يوسف: كنت عاوز أبلغك ان جدك اتصل بيا وقالي انه هييجي بكرة ان شاء الله يكمل علاجه هنا.
شعرت مريم بالسعادة تغمرها وهي تقفز من مكانها بحركات طفولية كان يستمتع يوسف وهو يشاهدها تقوم بها, وتردد: بجد؟ الحمد لله.الحمد لله.
ثم توقفت لتسأله: طب هو قالك هييجي امتى عشان اروح استقبله في المطار؟
يوسف: حوالي الساعة خمسة العصر, فبعد ما تخلصي اللي وراكي في الكلية عدي عليا في الشركة وانا هاخدك معايا. بس اعملي حسابك ان جدك هيزل من الطيارة وهينقلوه للمستشفى في عربية اسعاف مجهزة لانه لسة محتاج راحة وعلاج كتير.
مريم: المهم انه هيبقا معايا وقريب مني.
يوسف: طيب أسيبك انا بقا تكملي اللي بتعمليه ولو هتسمعي نصيحتي فالاحسن انك تنامي دلوقت عشان بكرة اليوم هيبقا طويل عليكي.
بالفعل كانت مريم تشعر ببعض التعب لذا وافقت سريعا على كلامه: معاك حق, تصبح على خير.
وكان يوسف يستعد للمغادرة ولكنه توقف فجأة وكأنه تذكر امر آخر فاقترب من مريم قليلا ليسألها: مريم! هو انتي ليه بتلبسي الحجاب في وجودي؟ هو حرام ان الراجل يشوف شعر مراته؟
فأجابت مريم بحدة لم تكن تقصدها: بس انا مش مراتك يا يوسف ولا نسيت؟
بدا ان كلامها قد أغاظه كثيرا لذا قطع المسافة التي تفصلهما في خطوة واحدة الا ان أصبح ملاصقا له تقريبا وهو يمسكها من كتفيها بعنف ويقول بلهجة غاضبة: لو انتي ما بقتيش مراتي لحد دلوقت يا مريم, فدة لان انا عاوز كدة, وبلاش تستفذيني أحسن أغير رأيي وكمان انا من النهاردة مش عاوز اشوفك لابسة الطرحة طول ما احنا لوحدنا.
ثم نزع الطرحة من فوق شعرها بقوة, وأخذ يبعثر شعرها بيديه وسألها وقد لان صوته كثيرا: مفهوم؟
لم تستطع مريم أن ترد سوى بايماءة بسيطة من رأسها وكما مسكها فجأة فقد تركها فجأة وغادر الحجرة, فشعرت مريم بأنفاسها تتقطع وتتساءل هل ما تشعر به في تلك اللحظة هو الخوف أم الغضب أم احساس غريب لم تختبره من قبل؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نذهب مرة أخرى الى مسرح الجامعة لنجد الفريق يجتمع برفقة الاستاذ خالد صلاح وقد كان شابا في الخامسة والعشرين من عمره وسيما وملابسه أنيقة ويبدو عليه الوقار, كان جميع الطلبة يقدرونه ويكنون له كل احترام لتبسطه دائما في المعاملة معهم, فقال خالد متذمرا بعض الشيء: اوك يا جماعة خلاص موافق بس فين الأغاني بقا اللي هتكون في المسرحية؟
فأشارت سلمى الى هالة وهي تقول: الاغاني بتكتبها هالة دلوقت, وان شاء الله هنستلمها خلال يومين, بس لازم نبدأ بروفات من بكرة وتكون حضرتك قريت السيناريو كويس.
خالد: اتفقنا, بس بلاش حضرتك دي لاني المفروض اني خلاص بقيت واحد من فريق العمل يعني زي زيكم لا دة كمان انتي المخرج يعني لو هيبقا فيه بينا القاب يبقا انا بقا اللي المفروض اقولك حضرتك, ولا ايه؟
فابتسمت سلمى وقد توردت وجنتيها وهي تجيب: لا خلاص , مفيش حضرتك تاني.
وهنا سألت مريم مقاطعة الحوار: طب يا جماعة هو المفروض اننا نخلص امتى النهاردة؟
فأجابت سلمى بغيظ: الساعة ستة يا مريم.
مريم معتذرة: طب معلش بقا انا مضطرة امشي دلوقت عشان جدو هييجي النهاردة.
حياة: حمدالله على سلامته يا مريم.
مريم: الله يسلمك.
سلمى: اوك يا مريم تقدري تمشي بس يبقا طمنينا بالتليفون أول ما يوصل بالسلامة.
مريم: ان شاء الله.
ثم نظرت الى حياة بأسف: معلش بقا يا حياة, مش هقدر أوصلك النهاردة.
حياة: ولا يهمك يا مريم, انا اصلا وليد هيروح البيت يجيب ماما وبابا ويعدوا عليا.
مريم: اوك يا حبيبتي, سلام.
ثم غادرت المسرح واستقلت سيارتها وأمرت السائق بأن يوصلها لشركة الكامل, وحين وصلت السيارة المكان المحدد ترجلت مريم من السيارة وطلبت من السائق أن يرحل وأخبرته أنها ستعود مع يوسف في سيارته كما اتفقت معه في وقت سابق. دخلت مريم الشركة وهي تشعر ببعض الرهبة فكانت تلك هي المرة الأولى التي تأتي فيها الى هذا المكان حيث كانت لا تستهوى هذا المجال بما يمتاز به من صنعة وتكلف ووجوه تبتسم لتغلف قلوبا يملؤها الحقد و العداوة.
وسألت في مكتب الاستقبال عن مكتب جدها الذي أصبح الآن مكتب يوسف جلال فأرشدتها الموظفة للطريق اليه,توجهت مريم ناحية المكتب بخطوات قلقة حتى وصلت الى مكتب السكرتيرة التي وجدته فارغا, فاحتارت في أمرها أتنتظر السكرتيرة أم تدخل مباشرة الى مكتب يوسف؟وقد عقدت العزم أخيرا فبعد طرقة خفيفة لم تنتظر أي رد عليها دفعت الباب لتجد مشهدا لم تتوقعه جعلها قد تسمرت في مكانها للحظات, فهي لم تجد يوسف بمفرده بل كانت برفقته علياء تلك الفاتنة الجميلة وهما الاثنان يقفان أمام مكتبه على مقربة من بعض وكانت علياء تمسك برباطة عنقه بدلال مدعية انها تقوم بتعديلها.
وعندما وقع نظر يوسف على مريم ابتعد قليلا عن علياء و بالرغم من انه من المفترض ان يتوقع تلك الزيارة ولكن قد فاجأه التوقيت على ما يبدو وهو يقول لمريم: مريم! اهلا وسهلا, اتفضلي واقفة عندك ليه؟
فدخلت مريم متجهمة الوجه: انا اسفة لو كنت جيت في وقت مش مناسب.
يوسف: لا ابدا , اسمحيلي اعرفكم ببعض. مدام علياء زبونة عندنا في الشركة وصديقة قديمة, ودي بقا مريم مراتي.
صافحتها علياء ببرود: اهلا مدام مريم, انا سعيدة اني شفتك وتشرفت جدا بمعرفتك.
مريم بتهذيب مصطنع: الشرف ليا يا فندم.
ونظرت علياء ناحية يوسف وهي تقول ل بدلال وإغراء واضح: مراتك حلوة أوي يا يوسف, وشكلنا كدة هنبقا أصحاب بس معلش بقا انا مضطرة امشي دلوقت عشان عندي مواعيد مهمة.
ثم نظرت الى مريم بابتسامة صفراء: بس أكيد هنتقابل تاني.
مريم بابتسامة جاهدت كثيرا لاظهارها: ان شاء الله.
واتجهت علياء ناحية الباب وخلفها يوسف ليقوم بتوديعها الى خارج مكتبه تاركا مريم تغلي من الغيظ. أهي نظرات علياء الوقحة السبب في ذلك الضيق الذي تشعر به الان؟ ام لعلمها بأن تلك الفاتنة قد انزعجت لدى رؤيتها لمريم فكان الشعور متبادل؟ أم أنها...
*بوادر الغيرة*
في قاعة المسرح بالجامعة, قد اجتمع أعضاء أسرة" ملكة بأخلاقي" وقد كان عددهم يقرب العشرين طالبة. كانوا يعدون للمسرحية التي سيقومون بتأديتها في حفل الاستقبال للعام الدراسي الجديد. قامت سلمى بدور المخرج وكانت رغم مرحها و دعاباتها التي لا تنتهي الا انها تمتاز بالجدية والصرامة في وقت العمل, وبعد أن انتهت من توزيع الادوار بدأت تقول بصوت منهك: بسسسس كدة بقا مش فاضل غير دور البطل والبطة, وانا شايفة ان أحسن واحدة ممكن تقوم بدور البطلة هي حياة.
تفاجأت حياة من ذلك الاختيار الغير مستحب بالنسبة لها وبدأت بالاعتراض:انا؟! لالالا, شوفولكم حد غيري , انا منفعش.
أيدت هالة رأي سلمى وهي تقول محاولة اقناع حياة بالعدول عن رفضها: بالعكس يا حياة, انا مع سلمى في رأيها , وبصراحة الدور دة لايق عليكي جدا, دة غير انك ممثلة موهوبة فعلا, فاكرة أول سنة لما مثلتي في المسرحية اللي عملها فريق الجوالة؟ كنتي فعلا ممتازة بالرغم من ان الدور كان صغير.
قالت حياة في اصرار واضح على رأيها: لا يا جماعة. دة كان زمان, اما دلوقت فانا مش هقدر أقول كلمتين على بعضهم وانا ع ال stage.
وهنا استخدمت سلمى سلطتها وهي تقول بصرامة: مفيش حاجة اسمها زمان ودلوقت.دي موهبة عندك وبتفضل معاكي في أي وقت.وبصراحة بقا أنا مش شايفة أي حد غيرك ينفع للدور دة.
أشارت حياة فجأة ناحية مريم وهي تقول: مريم عندكم أهي. هي اللي تنفع.
أجابت مريم نافية بشكل قاطع: لا يا ستي, انا كفاية عليا الديكور . ومش هعرف أوفق بين الاتنين.
وهنا كانت الكلمة الأخيرة لسلمى التي قالت بحزم: يبقا خلاص يا حياة. انتي اللي هتقومي بدور البطلة, ومفيش كلام تاني.
حياة باستسلام: خلاص بقا أمري لله.
فتنهدت سلمى بارتياح, ثم قالت: ايوة كدة خلينا نفكر بقا في المشكلة الأساسية.
هالة: هي ايه المشكلة دي؟
سلمى: مين اللي هيبقا البطل؟
فقالت حياة بلهجة طفولية: مليش دعوة, انا عاوزة حسين فهمي.
فأشارت لها نورا بغيظ: ياختي اتلهي, دة انتي أخرك سليمان عيد وهنديله فلوس كمان عشان يرضى يقف قصادك.
فقالت مريم بجدية: اسكتوا بقا شوية يا بنات, احنا فعلا في مشكلة حقيقية. احنا ما نعرفش حد من الشباب بيعرف يمثل ويقبل يكون معانا.
وهنا نظرت سلمى الى نورا مؤنبة بتهكم: مش كان المفروض بردو يا عم نجيب محفوظ انك تتم جميلك معانا وتخلي المسرحية كلها بنات بدل الورطة اللي احنا فيها دي؟
فقالت نورا وهي تحاول ان تغيظ سلمى: عليا انا بردو الكلام دة, دة انا أقطع دراعي من لغاليغو ان ما كنتي عاوزة المسرحية كلها شباب.
فضربتها سلمى بخفة على ذراعها وهي تقول متوعدة: بقا كدة؟ طب اصبري عليا يا ست نورا. بكرة أطلع كل دة على عنيكي في البروفات.
وهنا تحدثت زميلة لهم لائمة الجميع: يا جماعة انتو بتهزروا؟ احنا فعلا في مشكلة. لازم نفكر كويس هنجيب البطل دة منين؟
فاقترحت حياة: طب وهو لازم يكون شاب يعني؟ ماحنا ممكن نلبس بنت لبس رجالة وهي اللي تقوم بالدور.
لم تعجب الفكرة سلمى التي قالت: مش هينفع. لانها هتتكشف اوي, والبنت دي هتبقا محل سخرية للجميع وتتقلب مسرحية هزلية.
وهنا هتفت نورا فجأة بانتصار وكأنها عثرت على كنز ثمين: وجدتها.
فوضعت سلمى يدها على أذنيها بهدف الحماية من صوت نورا العال والذي كان يمتاز بحدته: يا بنتي حرام عليكي, هتضيعي طبلة ودني.
فابتسمت حياة رغما عنها وهي تتطلع الى نورا لتسألها: هي ايه اللي وجدتيها دي بقا يا ست نورا؟
فصاحت نورا مرة أخرى متناسية تحذير سلمى منذ قليل: البطل طبعا.
وما كان من سلمى إلا أن ازاحتها بغيظ لتتحرك الى الناحية الأخرى وهي تقول لها متوعدة: امشي من جنبي يا بت, والمرة الجاية ان عليتي صوتك بالشكل دة تاني والنعمة لأضربك.
فنهرتها حياة بلطف: احنا قلنا ايه؟ مش قلنا مفيش حلفان بغير الله؟
فقالت سلمى بأسف سريعا: اه صحيح. استغفر الله العظيم, ثم سألت نورا بسخرية واضحة: قوليلنا بقا يا ست هانم مين هو؟
فقالت نورا بطريقة مستفذة متصنعة البراءة: اه, نسيت,
فتجهم وجه سلمى وهي تستعد للانقضاض على نورا: سيبوني عليها.
فأمسكت كل من حياة ومريم بسلمى لايقافها ووضعت نورا يديها على وجهها بشكل دفاعي وهي تقول: خلاص. هقول هقول. ايه رأيكم في أستاذ خالد صلاح المعيد بتاعنا؟
خيم الصمت قليلا على الجميع الى أن قالت سلمى: استاذ خالد؟ واشمعنا يعني.
أخذت نورا توضح لهم أسباب اختيارها وهي تقول بشكل عملي: أولا المفروض ان فيه أغنيتين في المسرحية واستاذ خالد لما غنى في حفلة السنة اللي فاتت كان صوته رائع وكلنا متفقين على كدة, وثانيا مفتكرش ان فيه أي اختلاف على انه انسان كويس ومحترم ودي المواصفات اللي احنا عاوزينها في الشاب اللي هيشتغل معانا.
فقالت حياة وقد بدا عليها الاقتناع: طب وانتي ايه عرفك انه ممكن يوافق؟ وكمان مش شرط انه عشان صوته حلو وبيغني يبقا كمان بيعرف يمثل.
تولت سلمى الرد على كلام حياة: انا من رأيي اننا نعرض علية الموضوع الاول ونشوف رأيه وبعدين أي حاجة تانية ممكن تتحل.
هالة: ومين بقا اللي هتكلمه؟
فنظرت كل طالبة الى زميلتها في حيرة أما سلمى فأجابت ببساطة: ودي محتاجة سؤال؟ صاحبة الفكرة طبعا. الانسة نورا.
فأسرعت نورا بالاحتجاج: انا؟ لالالالا. مش ممكن طبعا, خلي مريم هي اللي تكلمه.
مريم مستفسرة: واشمعنا انا بقى؟
نورا: عشان انتي يا مريم مفيش أي راجل يقدر يرفضلك طلب سواء كان طالب أو دكتور. دة كفاية العيون الدبلي دول.
مريم: لا يا ستي أنا اصلا معرفوش.
وهنا أرادت حياة أن توقع سلمى في الفخ كما عملت هي منذ قليل وهي تتمثل البراءة: والله انا من رأيي ان دي أصلا مهمة المخرج.
فاتجهت الانظار ناحية سلمى التي تعلقت عيناها بوجه سلمى وكانت تتقد نارا وهي تسمع تأييد الجميع لرأي حياة التي أخرجت لها لسانها لتغيظها أكثر.
وما كان من سلمى الا ان استسلمت لرأي الجميع: ماشي . خلاص, انا هكلمه بكرة ان شاء الله.
وهنا نظرت سلمى الى ساعة يدها, ثم قالت: طب يا جماعة همشي انا بقا عشان اتأخرت.
فقالت مريم هي الأخرى: وانا كمان , نشوفكم بكرة بقا بإذن الله.
وكان لابد للمخرج بأن يلقي بتعليماته الأخيرة لذلك قالت سلمى: اوك يا بنات, يبقا التجمع هيكون بكرة ان شاء الله الساعة تسعة الصبح, ومش عاوزة أي تأخير.
فأجاب الجميع: أوك يا boss.
وذهبت كل منهما الى منزلها, وكالعادة قد ركبت حياة في سيارة مريم لتقوم بتوصيلها, وما ان اقتربت من البناية حتى لمحت سيارة زوجها وسيارة وليد تصطفان بين السيارات, فعلت الدهشة وجهها وهي تتساءل: ايه اللي جاب عربية يوسف و وليد هنا؟ معقول يكونوا عندكم يا حياة؟
فقالت حياة في شك: جايز, تعالي نشوفهم, وأهو بالمرة تسلمي على ماما دي بتسأل عليكي كتير أوي.
فقالت مريم موافقة: وهي كمان وحشتني أوي, ثم قالت للسائق: استناني شوية يا عم توفيق.
فهز توفيق رأسه وهو يقول: اوامرك يا ست هانم.
ثم صعدت حياة الى شقتها وهي بصحبة مريم, و ضغطت حياة على جرس الباب وهي تأبى ان ترفع يدها من على الجرس, فظهرت مها بالداخل وهي تتجه ناحية الباب متضايقة من صوت الجرس الذي يرن دون انقطاع: حاضر حاضر, ما تشيل ايدك عن الجرس ياللي برة.
وما ان فتحت الباب حتى طبعت حياة قبلة سريعة على خدها وهي تقول بمرح: السلام عليكم, ازيك يا ست الكل.
فردت مها بغيظ: والله كان قلبي حاسس انك انتي اللي بترني الجرس, اصل مفيش حد بيعمل امور العيال دي غيرك.
فتصنعت حياة الحزن وهي تقول: بقا كدة يا ست ماما؟ طب الله يسامحك.
مها: يارب ياختي.
وهمت مها ان تغلق الباب خلف حياة التي منعتها سريعا وهي تقول: استني يا ماما, مريم برة.
ثم خرجت سريعا لتسحب مريم من يدها فرحبت بها مها كثيرا , ثم تساءلت حياة وهي تهمس بالقرب من اذن مها وعينيها تتجه ناحية حجرة الصالون المغلقة وتستمع الى اصوات الرجال المنخفضة التي تنبعث منها: الا قوليلي يا ماما هو احنا عندنا ضيوف؟
فردت مها: ايوة يا ستي دة الباشمهندس وليد و أخوه الباشمهندس يوسف جايين يتفقوا مع باباكي على الشبكة والمؤخر والفرح وكل حاجة.
ظهرت مسحة حزن على وجه حياة سريعا ما استطاعت اخفائها وهي تسأل والدتها بابتسامة باهتة: طيب احنا ممكن ندخلهم ولا لا؟
مها: معرفش, بس خبطي ع الباب شوفي باباكي ممكن يسمحلك ولا لا عقبال مانا أعمل القهوة.
حياة: اوك يا ماما.
ثم سحبت مريم من يدها مرة اخرى وطرقت باب الصالون فجاءها صوت والدها من الداخل: ادخلي يا أم كريم.
فتحت حياة الباب وهي تقول بشكل فكاهي: طب ولو أخت كريم؟ تدخل ولا لا؟
فافتر ثغر محمود بابتسامة حانية: تعالي يا حياة.
حياة: السلام عليكم.
فرد الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
محمود: ادخلي يا حياة. عاوزك.
حياة: بس انا معايا ضيفة يا بابا.
محمود: اهلا وسهلا بالضيفة, خلاص خديها وادخلو اوضتك.
حياة وهي تشير الى يوسف: بس هي عاوزة تقابل الباشمهندس.
فنظر لها يوسف مستفهما فابتسمت حياة باستحياء وخرجت سريعا وسرعان ما عادت وهي تدفع مريم أمامها, التي شعرت بالحمرة تغزو وجهها وهي تقول بنبرة منخفضة: السلام عليكم.
الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
محمود: اهلا وسهلا يا بنتي اتفضلي.
وقد وفرت حياة حيرة الاختيار على مريم حيث جلست على الكرسي الوحيد الفارغ بالحجرة مما أرغم مريم على الجلوس بجوار يوسف الذي رمقها بنظرة جانبية وهو يسألها: خير يا مريم؟ فيه حاجة حصلت؟
اضطربت مريم كثير وهي تقول بنبرة دفاعية: لا ابدا, دة انا كنت بوصل حياة فشفت عربيتك وعربية وليد تحت فتوقعنا انكم هنا وحياة اصرت اني اطلع معاها.
فسأل وليد بعد ان القى نظرة سريعة الى ساعة يده ثم رفع عينيه ناحية حياة: وكنتو فين لحد دلوقت؟
ولأنها رأت نظرة اتهام في عينيه آثرت حياة الصمت حتى لا تخرج عن شعورها وترد على اتهامه بكلام جارح سيدخل الشكوك في نفس والدها, لذا تولت مريم الرد بالنيابة عنها: احنا كنا في الجامعة أصلنا بنجهز لمسرحية هنقدمها في حفلة بداية السنة الجديدة ان شاء الله وحياة هتكون البطلة فيها.
وليد بشكل ساخر لم يدركه سوى مريم وحياة: ممثلة؟ اراهن انك هتنجحي و بتفوق كمان.
وهنا سأل يوسف مريم وهو يمسك يدها بحنان: وانتي بقا يا حبيبتي ايه الدور اللي هتعمليه؟
هزتها كلمة حبيبة التي خرجت من فمه وشعرت بقشعريرة خفيفة اثر لمسته ولكنه أخرجت نفسها سريعا من تلك الحالة وعزت تلك الأفعال لوجود أناس معهم بنفس الحجرة وقد كانت تعلم ان يوسف حريص بدرجة كبيرة على الشكل الاجتماعي و تهدج صوتها وهي تجيب وتسحب يدها برفق من يده: لا, انا مش بعرف أمثل انا هتولى مسئولية الديكور اصلي أعرف شوية حاجات كدة خاصة بالموضوع دة اتعلمتها من ماما ماهي مهندسة ديكور.
رأت تقطيبة صغيرة تعلو جبينه وهو يقول: اه ,عارف.
وهنا تحدث محمود أخيرا ليسأل وليد: فيه حاجة تانية كنت عاوز تقولها يا باشمهندس؟
وليد: أيوة, انا كنت عاوز احدد ميعاد الفرح, وكنت حابب أخليه بعد أسبوعين.
وقعت المفاجأة عليها وكأنها صفعة تلقتها على خدها هكذا شعرت حياة جراء طلب وليد المفاجىء, ولكن والدها هو الذي تحدث ليقول وقد بدت عليه الدهشة أيضا من ذلك الاستعجال الذي لا يدري له سببا: بسرعة كدة! بس احنا مش هنلحق نجهز حاجة يا باشمهندس.
وليد: يا عمي انا مش عاوز اي حاجة, انا شقتي كلها اسبوع وهستلمها متشطبة ومفروشة ومش ناقصها أي حاجة, وكدة كدة كنت ناوي انقل فيها بعد ما تخلص وبما اني خلاص خطبت فنفسي اول مرة ادخل الشقة تكون معايا مراتي, قلت ايه بقا؟
و هذه المرة كان الرد من نصيب مها التي دخلت للتو وهي تحمل صينيه عليها المشروبات: ودة يصح بردو يا باشمهندس؟ ازاي بنتنا تدخل من غير ما نجهزها؟
وبعد ان قدمت المشروبات سريعا وقفت لها حياة لتجلس مكانها بينما جلست حياة بجانبها على مسند الكرسي, وردا على سؤالها قال وليد: مانا زي ما قلت لعمي اني شقتي جاهزة وأول ما استلمها هديكم مفتاح ليها تروحوها ولو فيه حاجة مش عجبتكم قولولي وانا أغيرها.
مها: بس يا باشمهندس دي أصول وابو كريم من أول ما حياة اتولدت وهو بيشيل فلوس لجهازها وبنحلم باليوم اللي هنشورها فيه, يبقا ازاي بقا اللي انت بتقوله دة؟
وليد: حضرتك مفيش اي مشكلة خالص, الفلوس اللي انتو كنتو شايلينها للجهاز حطوها في البنك باسمها وهتبقا هي هي وانا عن نفسي هحطلها خمسين ألف جنيه مهر باسمها في البنك وهنشتري بزيهم شبكة. الحقيقة انا عارف انه مبلغ قليل أوي بس انا رغم اصرار يوسف قررت اني أبدأ حياتي بنفسي بعيد عن الميراث اللي سابه بابا الله يرحمه لينا.
محمود: الله يرحمه يابني.
ثم نظر الى حياة: وانتي ايه رأيك يا حياة؟
شعرت حياة بأن وليد يحاول ان يشتريها بأمواله لذلك يرفض أن يساهم أهلها في تجهيزات الزواج. وأخذت تتذكر تلك المواقف التي جمعتهما سويا قبل علمه بحقيقة ماضيها وتذكرت كيف كان يكن لها كل ود واحترام حتى عندما كان ينظر اليها كانت نظراته خجولة وان كانت مملوءة بالشوق, اين تلك النظرات مما تراه الان في عينيه من احتقار و جرأة وعبث؟ فهل هي حقا سقطت من عينيه؟ اذن فلم يصر على زواجه منها وبتلك السرعة؟
نعم لقد تذكرت الأن ما قاله لها منذ يومين في الحديقة فإنه يريدها ولا يبالي بالطريقة التي سيستخدمها للحصول عليها حتى وان كانت الزواج.
أفاقت حياة على صوت أبيها: حياة؟ مالك يا بنتي ساكتة ليه؟ انتي ايه رأيك في الكلام اللي قاله الباشمهندس؟
حياة وقد ظهر على وجهها قلة الحيلة: اللي تشوفو يا بابا.
فقال محمود: اذا كان كدة يبقا ماشي يا باشمهندس.
وليد: كدة يبقا مش فاضل غير حاجة واحدة.
محمود: ايه هي يا ترى؟
وليد: الفرح , انا هعمله في أي قاعة هنا انتو تختاروها, بصراحة كان نفسي يتعمل في البلد لكن نظرا لبعض الخلافات العائلية هنعمله هنا.
فقال محمود موافقا على كلامه: انا بردو كنت هقولك كدة يا باشمهندس, احنا كمان مش عاوزين الفرح يتم في البلد, وخصوصا اننا رفضنا ابن عمها ودة هيخلي العيلة كلها ضدنا.
وليد: يبقا نقرأ الفاتحة دلوقت يا عمي وبكرة ان شاء الله هاخد حياة ومدام مها عشان نشتري الشبكة.
محمود: ماشي يابني اللي تشوفه. نقرأ الفاتحة.
وارتفعت الأيادي لقراءة الفاتحة على خوف وأمل يتصارعان في قلب حياة, خوف من حياتها مع وليد وكيفية معاملته لها بعد الزواج وهو لا يستطيع نسيان ما حدث لها, وأمل في أنه من الممكن أن يأتي الذي ستتغير فيه وجهة نظره ويعلم أنها لم تكن سوى ضحية قد كانت فريسة لوحوش لا تعرف للرحمة معنى.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم على السرير بغرفة نومها وهي تقرأ في أحد الكتب الخاصة بالديكور بجانب سيناريو المسرحية التي من المفترض ان تقوم باعداد الديكور لها, وتدون بعض الملاحظات. وبينما هي على تلك الحال سمعت صوتا عميقا وكأنه يأتي من بعيد: مريم.
فنظرت أماما لتُفاجىء بيوسف أمامها يرتدي بيجاما للنوم, فشهقت مفزوعة حيث كانت تتوقع أنه في تلك الساعة يغط في النوم, فاقترب منها يوسف يحتضنها وهو يقول لها برفق: انا يوسف يا مريم اهدي.
وبعد أن زالت عنها تأثير المفاجأة دفعته بعيدا عنها بعنف وكأن حشرة سامة لدغتها, ثم وضعت الطرحة على شعرها وهي تصيح في وجهه وقد اشتعل وجهها غضبا: انت ازاي تدخل عليا الاوضة كدة من غير استئذان؟
فنهض يوسف من مكانه وهو يجيب على سؤالها عاقدا ذراعيه على صدره ببرودة أعصاب حسدته مريم عليها: اولا انا مش محتاج أخد اذن وانا بدخل اوضة مفيهاش حد غير مراتي, ثانيا انا خبطت الباب اكتر من مرة بس واضح جدا انك كنتي مشغولة لدرجة انك مسمعتيش الباب وهو بيخبط.
مريم: انا فعلا كنت مشغولة شوية, بس انت كنت عاوز ايه؟
يوسف: كنت عاوز أبلغك ان جدك اتصل بيا وقالي انه هييجي بكرة ان شاء الله يكمل علاجه هنا.
شعرت مريم بالسعادة تغمرها وهي تقفز من مكانها بحركات طفولية كان يستمتع يوسف وهو يشاهدها تقوم بها, وتردد: بجد؟ الحمد لله.الحمد لله.
ثم توقفت لتسأله: طب هو قالك هييجي امتى عشان اروح استقبله في المطار؟
يوسف: حوالي الساعة خمسة العصر, فبعد ما تخلصي اللي وراكي في الكلية عدي عليا في الشركة وانا هاخدك معايا. بس اعملي حسابك ان جدك هيزل من الطيارة وهينقلوه للمستشفى في عربية اسعاف مجهزة لانه لسة محتاج راحة وعلاج كتير.
مريم: المهم انه هيبقا معايا وقريب مني.
يوسف: طيب أسيبك انا بقا تكملي اللي بتعمليه ولو هتسمعي نصيحتي فالاحسن انك تنامي دلوقت عشان بكرة اليوم هيبقا طويل عليكي.
بالفعل كانت مريم تشعر ببعض التعب لذا وافقت سريعا على كلامه: معاك حق, تصبح على خير.
وكان يوسف يستعد للمغادرة ولكنه توقف فجأة وكأنه تذكر امر آخر فاقترب من مريم قليلا ليسألها: مريم! هو انتي ليه بتلبسي الحجاب في وجودي؟ هو حرام ان الراجل يشوف شعر مراته؟
فأجابت مريم بحدة لم تكن تقصدها: بس انا مش مراتك يا يوسف ولا نسيت؟
بدا ان كلامها قد أغاظه كثيرا لذا قطع المسافة التي تفصلهما في خطوة واحدة الا ان أصبح ملاصقا له تقريبا وهو يمسكها من كتفيها بعنف ويقول بلهجة غاضبة: لو انتي ما بقتيش مراتي لحد دلوقت يا مريم, فدة لان انا عاوز كدة, وبلاش تستفذيني أحسن أغير رأيي وكمان انا من النهاردة مش عاوز اشوفك لابسة الطرحة طول ما احنا لوحدنا.
ثم نزع الطرحة من فوق شعرها بقوة, وأخذ يبعثر شعرها بيديه وسألها وقد لان صوته كثيرا: مفهوم؟
لم تستطع مريم أن ترد سوى بايماءة بسيطة من رأسها وكما مسكها فجأة فقد تركها فجأة وغادر الحجرة, فشعرت مريم بأنفاسها تتقطع وتتساءل هل ما تشعر به في تلك اللحظة هو الخوف أم الغضب أم احساس غريب لم تختبره من قبل؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نذهب مرة أخرى الى مسرح الجامعة لنجد الفريق يجتمع برفقة الاستاذ خالد صلاح وقد كان شابا في الخامسة والعشرين من عمره وسيما وملابسه أنيقة ويبدو عليه الوقار, كان جميع الطلبة يقدرونه ويكنون له كل احترام لتبسطه دائما في المعاملة معهم, فقال خالد متذمرا بعض الشيء: اوك يا جماعة خلاص موافق بس فين الأغاني بقا اللي هتكون في المسرحية؟
فأشارت سلمى الى هالة وهي تقول: الاغاني بتكتبها هالة دلوقت, وان شاء الله هنستلمها خلال يومين, بس لازم نبدأ بروفات من بكرة وتكون حضرتك قريت السيناريو كويس.
خالد: اتفقنا, بس بلاش حضرتك دي لاني المفروض اني خلاص بقيت واحد من فريق العمل يعني زي زيكم لا دة كمان انتي المخرج يعني لو هيبقا فيه بينا القاب يبقا انا بقا اللي المفروض اقولك حضرتك, ولا ايه؟
فابتسمت سلمى وقد توردت وجنتيها وهي تجيب: لا خلاص , مفيش حضرتك تاني.
وهنا سألت مريم مقاطعة الحوار: طب يا جماعة هو المفروض اننا نخلص امتى النهاردة؟
فأجابت سلمى بغيظ: الساعة ستة يا مريم.
مريم معتذرة: طب معلش بقا انا مضطرة امشي دلوقت عشان جدو هييجي النهاردة.
حياة: حمدالله على سلامته يا مريم.
مريم: الله يسلمك.
سلمى: اوك يا مريم تقدري تمشي بس يبقا طمنينا بالتليفون أول ما يوصل بالسلامة.
مريم: ان شاء الله.
ثم نظرت الى حياة بأسف: معلش بقا يا حياة, مش هقدر أوصلك النهاردة.
حياة: ولا يهمك يا مريم, انا اصلا وليد هيروح البيت يجيب ماما وبابا ويعدوا عليا.
مريم: اوك يا حبيبتي, سلام.
ثم غادرت المسرح واستقلت سيارتها وأمرت السائق بأن يوصلها لشركة الكامل, وحين وصلت السيارة المكان المحدد ترجلت مريم من السيارة وطلبت من السائق أن يرحل وأخبرته أنها ستعود مع يوسف في سيارته كما اتفقت معه في وقت سابق. دخلت مريم الشركة وهي تشعر ببعض الرهبة فكانت تلك هي المرة الأولى التي تأتي فيها الى هذا المكان حيث كانت لا تستهوى هذا المجال بما يمتاز به من صنعة وتكلف ووجوه تبتسم لتغلف قلوبا يملؤها الحقد و العداوة.
وسألت في مكتب الاستقبال عن مكتب جدها الذي أصبح الآن مكتب يوسف جلال فأرشدتها الموظفة للطريق اليه,توجهت مريم ناحية المكتب بخطوات قلقة حتى وصلت الى مكتب السكرتيرة التي وجدته فارغا, فاحتارت في أمرها أتنتظر السكرتيرة أم تدخل مباشرة الى مكتب يوسف؟وقد عقدت العزم أخيرا فبعد طرقة خفيفة لم تنتظر أي رد عليها دفعت الباب لتجد مشهدا لم تتوقعه جعلها قد تسمرت في مكانها للحظات, فهي لم تجد يوسف بمفرده بل كانت برفقته علياء تلك الفاتنة الجميلة وهما الاثنان يقفان أمام مكتبه على مقربة من بعض وكانت علياء تمسك برباطة عنقه بدلال مدعية انها تقوم بتعديلها.
وعندما وقع نظر يوسف على مريم ابتعد قليلا عن علياء و بالرغم من انه من المفترض ان يتوقع تلك الزيارة ولكن قد فاجأه التوقيت على ما يبدو وهو يقول لمريم: مريم! اهلا وسهلا, اتفضلي واقفة عندك ليه؟
فدخلت مريم متجهمة الوجه: انا اسفة لو كنت جيت في وقت مش مناسب.
يوسف: لا ابدا , اسمحيلي اعرفكم ببعض. مدام علياء زبونة عندنا في الشركة وصديقة قديمة, ودي بقا مريم مراتي.
صافحتها علياء ببرود: اهلا مدام مريم, انا سعيدة اني شفتك وتشرفت جدا بمعرفتك.
مريم بتهذيب مصطنع: الشرف ليا يا فندم.
ونظرت علياء ناحية يوسف وهي تقول ل بدلال وإغراء واضح: مراتك حلوة أوي يا يوسف, وشكلنا كدة هنبقا أصحاب بس معلش بقا انا مضطرة امشي دلوقت عشان عندي مواعيد مهمة.
ثم نظرت الى مريم بابتسامة صفراء: بس أكيد هنتقابل تاني.
مريم بابتسامة جاهدت كثيرا لاظهارها: ان شاء الله.
واتجهت علياء ناحية الباب وخلفها يوسف ليقوم بتوديعها الى خارج مكتبه تاركا مريم تغلي من الغيظ. أهي نظرات علياء الوقحة السبب في ذلك الضيق الذي تشعر به الان؟ ام لعلمها بأن تلك الفاتنة قد انزعجت لدى رؤيتها لمريم فكان الشعور متبادل؟ أم أنها...