رواية عيون الريان الفصل الثاني عشر12 بقلم نيللي العطار
هل ضر هذا الكون نبض لقاءنا
أم أن هذا الحزن أدمن أضلعي
قل للمسافات البعيدة بيننا
أرجو بحق الله أن تتواضعي
+
(جلال الدين الرومي)
+
****************
+
على صعيد آخر/
+
كان كريم في قمة الغضب من تصرفات صديقه الذي يتركه ويرحل في كل مرة يأتيا معاً إلى هذا المكان وبعد محاولات مستميتة في الوصول إليه تملك اليأس منه واضطر للمغادرة لكنه توعده في نفسه ألا يمرر الأمر فقد طفح كيله وصبره نفذ بشدة.. انتظر حتى بزغت الساعات الأولى من الصباح وذهب إلى الڤيلا ليضع حداً لجنونه.. استقبلته نجاة بابتسامتها الودودة لكنها توجست من مجيئه في وقتٍ مبكر بالإضافة لوجوم ملامحه الذي لا يبشر بخير وسألته بقلق (مش عوايدك تيجي بدري أوي كده.. هو فيه حاجة حصلت ولا إيه؟)
+
رد عليها كريم باقتضاب وهو يصعد لغرفة ريان (البيه صحي ولا لسه نايم؟)
+
أجابته نجاة باستغراب من طريقته الجافة (صاحي وشكله ما نامش من امبارح).. أمسكته من ذراعه متسائلة بحيرة ( يابني في إيه ماتقلقنيش؟)
+
التفت كريم إليها يقول وعلامات الضيق مرتسمة على وجهه (ماعرفش.. لما اعرف هابقى أقولك) .. أنهى حديثه الغاضب بإيماءة عابسة ثم استكمل صعوده دون أن ينبس بحرف زائد..فتح الباب ليدخل دون استئذان وجده يجلس على الأريكة المقابلة للفراش منحنياً للأمام يستند بمرفقيه فوق فخذيه ويضع رأسه بين راحتيه بمنظر جعل الخوف يدب في قلب صديقه.. وما زاد الأمر ارتباكاً أنه مازال بملابس الأمس.. اقترب كريم منه يسأله بتوتر (ريان!..فيك إيه؟)
+
رفع ريان عينيه الحمراوتين جرَّاء السهر وكثرة التفكير نحوه قائلاً بحرج ( معلش ياكريم.. أنا آسف والله اني مشيت وسيبتك)
+
جلس كريم بجواره وقد تحول غضبه منه لإشفاق عليه قائلاً (مفيش مشكلة.. المهم انت كويس؟)
+
مسح ريان وجهه بكفيه قائلاً بتعب (مانمتش من امبارح)
+
واصل كريم تساؤلاته القَلِقَة (حصل حاجة في الحفلة؟)
+
سحب ريان نفساً ثقيلاً يعبأ به رئتيه المتألمتين ثم زفره على مهل ولم يرد فأمسك كريم بذراعه يحثه على النهوض قائلاً (تعالى نقعد فأي مكان بره)
+
أطاعه ريان وهو ينظر في ساعة يده قائلاً (لسه بدري أوي...مش هنلاقي كافيهات فاتحة دلوقتي)
+
جمع كريم متعلقاتهما قائلاً بإصرار (هانروح النادي)... وبالفعل خرجا سوياً مستقلين سيارة كريم الذي تولى القيادة غارقاً في وضع كل الإحتمالات السيئة التي من الممكن أن توصل ريان لتلك الحالة البائسة وبعد دقائق وصلا لوجهتهما وبالطبع لم يتكلفا عناء الدخول كونهما عضوين أساسيين في هذا النادي الشهير.. وقع اختيارهما على طاولة هادئة بالقرب من المسبح ليتحدثا بحرية أكثر وسارع النادل بأخذ طلباتهما ولم تمر سوى ثواني قليلة حتى جلبها لهما مرفق بها ورقة دعاية توزعها إدارة النادي على الأعضاء.. لم يهتم كليهما بها وتركاها بجوار زجاجة المياه المعدنية.. تناول كريم فنجان قهوته ليرتشف منه ثم تسائل باهتمام (ممكن أعرف إيه اللي شقلب حالك كده؟) .. تنهد ريان بعمق ليخفف حدة المطارق التي تضرب عقله وبدء في سرد أحداث الليلة الماضية ومواجهته مع ريهام على مسامعه .. ران صمتاً متوتراً بينهما قطعه كريم بتوجس (والله انا مش عارف اتضايق من البت دي ولا أسقف لها)
+
رد عليه ريان بنبرة جوفاء (للأسف كلامها كان عامل زي الخبطة اللي نزلت على نافوخي)
+
سأله كريم بقلة حيلة (وبعدين؟.. هاتفضل تحسس عالبطحة دي كتير؟)
+
أجابه ريان بيأس (مش عارف ودماغي هاتنفجر من كتر التفكير).. وقبل أن يشرع في تناول القهوة خاصته وقعت أنظاره على الورقة الدعائية التي مازالت موضوعة بمكانها.. لاحت في رأسه فكرة تمنى لو أتمها بشكل صحيح.. أمسكها بين أصابعه يعيد قراءتها بتمعن ثم هتف بحماس (بس لقيتها)
+
رفع كريم حاجبه باستغراب قائلاً (هي ايه دي اللي لقيتها؟)
+
أعطاه ريان الورقة وبارقة الأمل تضئ أمام عينيه (ده إعلان إن الفرقة الموسيقية هنا محتاجة عازفة بيانو) .. صمت لبرهة يفكر ملياً في الأمر ثم تابع بعفوية (أنا هارشح لهم مريم وبكده هاتكون قريبة مني واقدر اتكلم معاها)
+
حك كريم ذقنه مستفهماً (وتفتكر هايوافقوا يشغلوها بعد ما يعرفوا ظروفها)
+
وضع ريان كفه على رأسه قائلاً (ان شاء الله هلاقي طريقة أقنعهم بيها)
+
حاول كريم توضيح كل جوانب الأمر قائلاً بتريث (ولنفرض إن إدارة النادي اقتنعت... مريم هاتقتنع إزاي انها تخرج بره الدار؟)
+
نهض ريان من مكانه يقول وهو يجمع متعلقاته الشخصية (أكيد في حل.. تعالى بس نقابل المدير ونتكلم معاه)... اطاعه كريم بترقب لما سيُقدِم عليه عَلَّه يستريح من لوعة قلبه المتلهف للقاء مليحته والاعتراف لها بما يُكنّه من حب تجاوز حدود اللامعقول.. أدخلتهما السكرتيرة الخاصة بمدير النادي سريعاً عندما أبلغت رَبُّ عملها بهويتهما.. قابلهما الأخير بحفاوة شديدة نظراً لمكانة والد ريان الإجتماعية المرموقة في الأوساط المخملية وبعد تبادل عبارات الترحيب والمجاملات المُنَمَقة فاتحه ريان فوراً في أمر عمل مريم بفرقة النادي..شرح له ظروفها بإيجاز موضحاً أنها لا تعيقها في ممارسة العزف عالبيانو بالعكس هي بارعة للغاية بل وتقوم بتعليم الأطفال.. وعلى عكس المتوقع لم يمانع المدير في إعطائها فرصة وأخبره بموعد الاختبارات المُقامة للاختيار من بين المتقدمات للوظيفة .. أنهى ريان المقابلة معه بامتنان ثم خرج من مكتبه منتوياً الذهاب إلى الدار لعرض الفكرة على السيدة وسيلة وأخذ موافقتها حتى يتسنى له رؤية مريمته والبوح بما أرقه لشهور طويلة وجعل النوم يجافي جفنيه فمنذ غاب وجهها عنه وهو محاصر بين شقي قافين يتوسطهما سيف لام بَتَّار
+
******************
+
في دار وسيلة /
+
لم يعلم ريان كيف مرت الدقائق التي أخذها الطريق بين النادي والدار.. السيارة لم تكن تسير على أْطُرِها بل كانت تطير بأجنحة قلبه وتحركها أنفاسه المُلتاعة.. وبين الفينة والأخرى يشاغله طيف مريم ليعانق وجهه بابتسامتها المشرقة فيزيد من شوقه إليها.. فمن يعشق القمر عليه تحمل غيابه.. وبعد وقت ليس بقليل وصلت السيارة أمام الدار وما أن صفها كريم حتى ترجل منها سريعاً وكأنه يسابق الزمن.. أبلغ ريان الأمن أنه يريد مقابلة السيدة وسيلة لأمر ضروري وبالطبع لم يتركه بالخارج لمعرفته المسبقة به وبمكانته لدى مديرته..وبينما دخل هو لسكرتيرة مكتبها حتى يستعلم إذا كانت متفرغة لاستقباله فَضَّل كريم الانتظار في الفناء وإذا به يلمح فتاة ذات شعر بني قصير بالكاد يلامس كتفيها ترتدي بدلة رياضية حمراء تظهر أمامه وهي تركض وراء طفلة صغيرة وتلاعبها ضاحكة بعفوية لفتت انتباهه بشدة.. أطال النظر إليها متفحصاً ضحكتها الجميلة ولم يقطع شروده في تفاصيلها المغرية سوى إرتطامها به دون قصد ..اعتذرت ريهام منه سريعاً بحرج وهمت أن تغادر لكنه إستوقفها غامزاً بعبث (إيه يافراولاية مش تفتحي؟)
+
نظرت ريهام إليه بتعجب من طريقته قائلة (قولتلك ماخدتش بالي ولا انت أطرش مابتسمعش؟)
+
ابتسم كريم بسماجة قاصداً إثارة غيظها (آه أطرش أصلي وقعت على وداني وانا صغير) .. رمقته ريهام بامتعاض شديد من إسلوبه المستفز ولم ترد عليه بينما هو أمسك ذراعها قائلاً بطريقة وقحة (هو فيه كده؟)
+
جذبت ريهام ذراعها من بين كفيه هاتفة بغضب (إيدك يا بابا لتوحشك)
+
وضع كريم يديه في جيوب بنطاله قائلاً بهدوء إستفزها أكثر (أنا بقول رأيي فيكِ انتِ فعلاً زي القمر)
+
لوحت ريهام في الهواء بعصبية (رأيك ده تخليه لنفسك)... قاطعها كريم قائلاً بمزاح ثقيل (حرية الرأي مكفولة للجميع)
+
صكت ريهام أسنانها بغيظ قائلة (إنت مين أصلاً وازاي دخلت الدار؟)
+
مط كريم شفتيه بثقة (أنا أقف في الحتة اللي تعجبني على فكرة)
+
أمسكته ريهام من تلابيبه قائلة بصوت عالي (ورحمة أبويا لاجيبلك الأمن وأعملك محضر تحرش)
+
حاول كريم التخلص من قبضتها على ثيابه قائلاً بغضب حقيقي (انتِ بتعملي إيه يامتخلفة؟)
+
هزته ريهام بعنف قائلة (وكمان بتغلط؟!..ده انت نهارك إسود ومش فايت)
+
أمسك كريم معصميها المثبتين فوق ياقة قميصه قائلاً بأعين حمراء (أقسم بالله انتِ لو راجل كنت سففتك النجيلة دي)
+
شهقت ريهام بحنق لتهديده الصريح بالاعتداء عليها وقبل أن تهم بخلع حذائها وضربه به على رأسه تفاجئت بيد ريان تجذبها بعيداً عنه متسائلاً بتعجب من شجارهما العنيف (إيه اللي بيحصل هنا ده؟)
+
لم يمنحها كريم فرصة للرد وهتف عالياً (دي بت قليلة الادب ..) قاطعته ريهام بعصبية وهي تحاول تجاوز ريان الذي يحول بينها وبينه (انت اللي قليل الادب وماشوفتش ربع ساعة تربية)
+
هدر ريان بهما ليسكتهما قائلاً (بطلوا خناق و فهموني فيه ايه)
+
وضعت ريهام يديها أعلى خصرها قائلة بغضب (الحيوان ده عاكسني واتحرش بيا)
+
صك كريم أسنانه بغيظ (أنا أتحرش بيكِ انتِ؟)
+
جحظت عيني ريهام من اهانته الصريحة لها ثم قالت (آه ياكداب يا متحرش .. انت مكانك ورا القضبان مع الذئاب البشرية أمثالك)
+
رفع كريم حاجبه متزامناً مع شفته العلوية قائلاً بسخرية (الله الهبلة بتعرف تشتم بالفصحى كمان؟!)
+
زعق ريان فيهما بنفاذ صبر (احترموا نفسكم انتم الاتنين)... ثم التفت ينظر لكريم متسائلاً بشك (انت عاكستها ياكريم؟)
+
تخصر كريم وهو يحدجها بنظرات احتقارية (هي اللي خبطت فيا وانا واقف .. يبقى مين اللي اتحرش بمين؟ وبعدين انت بنفسك شوفتها ماسكاني من هدومي .. تحرش ده ولا مش تحرش؟!)
1
اشتعلت أعين ريهام ورمقتهما باذدراء عندما أدركت أن ريان على معرفة بذلك الذي إفتعل شجاراً معها بسبب وقاحته قائلة بلهجة متهكمة (واضح انكم تعرفوا بعض وطبعاً هتداري عليه ماهو أكيد شبهك..)
+
بُتِرَت كلماتها المُبطنة بإهانة واضحة له عندما رد عليها بصوت جهوري جعلها تتوقف عن الاسترسال في إلقاء التهم جُزافاً (كلمة زيادة ومش هاعمل حساب انك بنت وهاندمك عاليوم اللي عديتي فيه حدودك معايا)..أنهى حديثه بنظرة قاتمة تحمل من التحذير مايكفي لوقف تلك المهزلة الكلامية والتراشق بالألفاظ ثم توجه بالحديث لكريم (يلا بينا.. أنا اللي غلطان عشان واقف بتكلم مع واحدة زي دي) .. أطاعه الأخير لكنه لم يفوت فرصة التشفي فيها .. استغل استدارة ريان وأخرج لها لسانه محركاً حاجبيه لأعلى وأسفل بحركة طفولية مستفزة في منتهى السماجة .. كتمت ريهام صراخها الغاضب وبالكاد تحكمت بنفسها حتى لا ترتكب جريمة في هذا الوقح الذي أخرجها عن شعورها وقررت الرجوع لغرفة الموسيقى حيث تستطيع تفريغ طاقتها المكبوتة في اللعب مع الصغار
+
***************
+
حاول ريان ضبط انفعالاته التي أثارتها ريهام بكلماتها الجارحة قبل مقابلة السيدة وسيلة والتي أمرت السكرتيرة بإدخاله على الفور.. رحبت به وبكريم ترحيباً شديداً ثم أشارت لهما بالجلوس على المقاعد المقابلة للمكتب قائلة بابتسامة مُجاملة (ايه المفاجاة الحلوة دي؟!.. الدار نورت يابشمهندس والله)
+
بادلها ريان ابتسامتها على استحياء (أنا آسف يا افندم لو كنت جيت من غير ميعاد) .. قاطعته وسيلة بعتاب طفيف (ماتقولش كده المكان مكانك تقدر تيجي فأي وقت) .. احتفائها به وطريقتها الودودة في استقباله أشعرته ببعض الاطمئنان أنها ستوافق على الأمر الذي جاء من أجله واستحضر شجاعته قائلاً بنبرة رزينة (الصراحة أنا جاي في طلب وأتمنى إن حضرتك توافقي)..
+
ردت عليه السيدة وسيلة بتوجس (أكيد لو أقدر عليه مش هاتأخر عنك أبداً)
+
حاول ريان إخفاء توتره قائلاً بثبات زائف (النادي اللي انا عضو فيه محتاج عازفة بيانو للفرقة الموسيقية .. وكنت بقول مفيهاش حاجة يعني لو الآنسة مريم خدت فرصة)
+
تعجبت السيدة وسيلة كثيراً من حديثه خاصة أنه على علم بظروف مريم وقالت مستفهمة (بس انت عارف ظروف مريم ولو حتى وافقت إدارة النادي هاتقبل تشغلها ازاي؟)
+
أجابها ريان محاولاً اقناعها (أنا اتكلمت مع المدير وفهمته ظروفها وقاللي خليها تعمل اختبارات ولو عجبتهم هايشغلوها فوراً)
+
أرجعت وسيلة ظهرها للخلف وسكتت لبرهة تفكر سريعاً فيما يقول ثم تابعت بحيرة (متهيألي لازم آخد رأي مريم الأول ، القرار قرارها)
+
أومأ ريان بموافقة قائلاً (أكيد طبعاً اللي حضرتك شايفاه صح)
+
أمسكت السيدة وسيلة بسماعة هاتفها الأرضي تضغط على بعض الأرقام وانتظرت لثواني حتى أتاها الرد من الطرف الآخر ثم قالت بنبرة جادة (من فضلك بلغي آنسة ريهام إني عايزاها هي وآنسة مريم في المكتب).. تهللت أسارير ريان كثيراً لأنه أخيراً سيتمكن من رؤيتها ويتحدث معها حتى لو لم يكن ذلك الحديث عن مشاعره يكفيه سماع صوتها قريباً منه فكما يقولون القليل من الحبيب كثير.. أما هي فكانت تجلس بغرفتها تفكر فيما حدث معها ليلة أمس.. رائحته التي حاوطتها أثناء غنائها وبكائها مازالت تنتشر حولها كأوراق ريحان تنعش صبوتها إليه وتجعلها تراه رغم كف بصرها فسلطان قلبها أعظم من رؤية ألف عين وأثناء جلوسها الهادئ خلف مكتبها شاردة في أحزانها انتبهت لريهام تقطع خلوتها لتخبرها أن السيدة وسيلة تطلب حضورها لأمرٍ هام.. اطاعتها دون تردد وحدسها ينبأها بوجود خطبٍ ما.. وبالفعل لم تمضِ إلا ثوانٍ حتى أشرقت عليه كشمس ثانية هجرت أفقها البعيد وحَلَّت على الأرض.. النور لوجهها الصبوح كحمرة الشفق والنار في حجرات قلبه تصطلي .. شعرت مريم برجفة تسري في جميع أوصالها عندما أدركت وجوده .. وكعادتها لم تكن بحاجة لعينيها كي تراه فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وروحيهما سابحتين في ملكوت بعيد في إئتلاف وهُيام.. حاولت السيطرة على نفسها ثم أجلت صوتها فخرجت كلماتها كعزف ناي حزين موجهة للسيدة وسيلة بتساؤل (حضرتك عايزاني؟)
+
راقبت السيدة وسيلة تعابيرها المنكسرة ثم قالت بحنو بالغ (اقعدي الأول ياحبيبتي).. جلست مريم على الأريكة المقابلة للمكتب مكتفية بإيماءة صامتة بينما استكملت السيدة وسيلة حديثها بجدية (بشمهندس ريان هنا وكان عايز يتكلم معاكِ)
+
فركت مريم أصابعها علَّها توقف إرتعاشة أطرافها من فرط التوتر الذي أصابها وتسائلت بخفوت مسموع (خير؟)
+
وصل صوتها لمسامع ريان كتغريد عصفور صغير أطرب حواسه لكن بنظرة واحدة إليها أحس بقبضة قوية تعتصر صدره و سرعان ما هاله شحوب ملامحها وانكسار نبرتها .. أيعقل أن يؤثر غيابه عليها بهذا الشكل؟.. ولما أطال تأمل جلستها المستكينة آلمه قلبه وهمس بين أضلعه ( أيا روحي أنتِ يقيني أثناء الرُبما ، ومرساة سفينة نفسي ، وبكِ أستقيم وأقيم في ملكوت جمالك)..ابتلع غصة مسننة شقت جوفه من ضعف منظرها أمامه ثم قال بثبات زائف (إزيك يا آنسة مريم؟)
+
أجابته مريم بنبرة مهتزة (الحمدلله كويسة)
+
تنحنح ريان ليشجع نفسه على الحديث معها قائلاً (انا كنت عايزك في موضوع ويارب توافقي).. أومأت مريم إيجاباً دون حديث فاسترسل هو بترقب لما ستؤول إليه الأمور (فرقة النادي بتاعنا عايزين عازفة بيانو والصراحة مالقيتش أحسن منك)
+
صمتت مريم لثواني ثم أرجعت خصلة هربت من عصمة شعرها خلف أذنها قائلة بهدوء (بس أنا مش بخرج بره الدار وحضرتك عارف ظروفي)
+
قاطعها ريان حتى لا تتحدث عن عجزها الذي يؤلمه أكثر منها (مافيهاش حاجة لما تجربي حاجة جديدة)
+
ابتسمت مريم بحزن (حتى لو أنا وافقت هم هيوافقوا يشغلوا واحدة زيي؟)
+
لم يسمح لها ريان باستكمال حديثها الموجع وقال بحزم ونبرة متعصبة بعض الشئ (من فضلك ماتتكلميش عن نفسك كده.. إنتِ هاتروحي الاختبارات وراسك مرفوعة وهاتنجحي وهاتتشرطي عليهم كمان)
+
أحست وسيلة ببعض الراحة لحديثه وقالت لمريم بتشجيع (بشمهندس ريان بيتكلم صح.. مش هاتخسري حاجة لما تجربي ياحبيبتي)
+
ردت عليها مريم بلهجة مهذبة (يا ماما فيه حاجات كتير لازم نفكر فيها قبل ما أوافق .. وأولها هاروح وهاجي ازاي)
+
تحدث ريان وكأنه يحثها على الموافقة بنفاذ صبر (ياستي أنا هاخد بالي منك وممكن أشتغل سواق خاص لسيادتك)
+
لاحظ كريم أن ريان بدء يفقد سيطرته على نفسه في الحديث الدائر مابين شد وجذب فتدخل موجهاً الحديث لمريم (ماتخافيش يا آنسة مريم احنا كلنا هانبقى جنبك)
+
تشنجت ملامح ريهام أثراً لتدخله في أمر لايعنيه من وجهة نظرها وقالت بغضب واضح (أنا اللي هاخد بالي من مريم احنا مش محتاجين خدمات من حد.. مش سبيل هو)
+
ضغط كريم على شفتيه مانعاً نفسه من الرد على كلماتها السخيفة بينما نظرت السيدة وسيلة إليها بتعجب من لهجتها الغريبة قائلة (كتر خيرهم انهم بيفكروا فيها .. هم ماغلطوش ياريهام)
+
أمسكت ريهام كف مريم قائلة بإصرار (وانا عمري ما هآمن عليها مع حد غريب)
+
عاتبتها السيدة وسيلة بنظرة أيقنت منها أنها تجاوزت الحد بعض الشئ ثم قالت (بس بشمهندس ريان مش غريب احنا كلنا عارفين اخلاقه ومريم نفسها متأكدة انه عمره ماهيأذيها)
+
وجهت ريهام عينيها نحو كريم ترمقه باحتقار قائلة (ماقصدش بشمهندس ريان.. أنا قصدي على الأستاذ اللي أول مرة نشوفه ده وبيتكلم كأنه ابن خالتنا)
+
كور كريم قبضته ضاغطاً على مفاصل أصابعه فتلك الفتاة سليطة اللسان تحتاج لضربة موجعة أسفل فكها حتى تكف عن إلقاء الحجارة من فمها .. استشعر ريان وصوله لذروة عصبيته فإما أن يتدارك الموقف ويرد عليها إهانتها وإلا سيتهور صديقه ويحطم رأسها قائلاً بتحذير (بشمهندس كريم صاحبي وأكتر من أخويا .. ثم إن الموضوع ده يخص آنسة مريم أعتقد انتِ مالكيش دعوة)
+
لاحظت مريم التوتر المسيطر على الأجواء فقالت بلطف لترضي جميع الأطراف (أنا لسه هاروح أعمل إختبارات لما اتقبل يحلها ربنا)
+
بادر كريم بالرد عليها قائلاً باحترام (يا آنسة مريم أنا تحت أمرك فأي وقت ولما تعرفيني هتتأكدِ من أخلاقي)
+
رفعت ريهام حاجبها متزامناً مع شفتها العليا بحركة متهكمة وهي تنظر إليه ولسان حالها يصرخ داخلها (أخلاق إيه يا أبو أخلاق يامتحرش) بينما أجابته مريم معتذرة (ماتزعلش من ريهام يابشمهندس هي بس بتخاف عليا بزيادة حبتين)
+
تدخلت السيدة وسيلة قائلة بإقرار وجدية (خلاص ياجماعة لو مريم اتقبلت ان شاء الله الدار هاتخصص عربية بسواق توصلها وترجعها)
+
نظر ريان لساعة يده ثم قال (الاختبارات انهاردة الساعة عشرة يعني يادوب تلحق تجهز نفسها)
+
ارتبكت مريم بشدة متسائلة (بسرعة كده؟)
+
كتم ريان تنهيدة عميقة احتلت صدره وبالكاد استطاع إجابتها (خدي وقتك وانا هاستناكِ ماتقلقيش)
+
أومأت برأسها إيجاباً دون حديث ثم نهضت بمساعدة ريهام لتصطحبها إلى غرفتها حتى تجهز حالها لهذا الظرف الطارئ الذي لم يكن في حسبانها .. هَمّ ريان وكريم بالإستئذان لينتظرا بالخارج ريثما تنتهي لكن السيدة وسيلة استوقفت ريان قائلة (من فضلك يابشمهندس كنت عايزاك).. بينما انسحب كريم بلطف عندما استشعر انها تريد صديقه بمفرده .. استجمعت السيدة وسيلة شجاعتها لتضع النقاط فوق الحروف قبل المجازفة بخروج مريم من الدار برفقته خاصة أنها ستكون في مكان بعيد عن مرآها ورعايتها ثم قالت (اسمح لي ياريان أرفع التكليف مابينا.. أنا بعزك وبعتبرك زي إبني بس مريم غالية عليا أوي .. ولو مش عارفة انك محترم وهتحافظ عليها ماكنتش سمحت أبداً بخروجها بره الدار لوحدها)
+
ابتسم ريان بمجاملة قائلاً (كلام حضرتك ده شهادة أعتز بيها وأوعدك إني هاحطها جوه عينيا)
+
بادلته السيدة وسيلة ابتسامته بأخرى متفهمة لمشاعره فهي ذات خبرة في قراءة الناس وتعلم جيداً أنه يكن لربيبتها الغالية حباً كبيراً لم يُخفى على قلب أم مثلها وخاصة حب ريان الذي يظهر جلياً داخل عيونه الفضَّاحة دون قصد قائلة (أنا واثقة فيك وأتمنى تكون قد ثقتي.. وبوصيك عليها شخصياً لأنك هاتكون المسئول الأول لو أي حاجة حصلت لها)
+
رد عليها ريان بلهجة واثقة (مريم غالية عليا أوي ومستحيل أسمح للهوا حتى إنه يضايقها طول ما أنا موجود) .. صمت لثواني يفكر في شئ ثم تابع بترقب (بِمَ إن كل حاجة تقريباً بقيت واضحة قصاد حضرتك فاسمحيلي أطلب منك رقم تليفونها عشان أقدر أتواصل معاها بشكل مباشر)
+
صمتت السيدة وسيلة لبرهة ثم أومأت موافقة بنظرة ذات مغزى وأملته الرقم متوسمة فيه خير من أجل مريم بينما كان هو في قمة سعادته.. لا يستطيع وصف شعوره في تلك اللحظة فاليوم رغم إرهاقه وقلة نومه وتوتره النفسي إلا إنه يوم حظه وتميمة فأله الحَسَن..
+
********************
+
على صعيد آخر /
+
قامت ريهام بتوصيل مريم لغرفتها وتركتها برفقة صباح عاقدة النية على ألا تسمح لريان بالتلاعب بها مهما كلفها الأمر وستواجهه بكل قوتها لتحفظ قلب رفيقة عمرها من الألم وأثناء خروجها إلى الفناء الخارجي وجدت كريم واقفاً بمفرده.. اتجهت إليه بغضب تسأله والشرر يتطاير من مقلتيها (انت واقف هنا بتعمل ايه؟)
+
وضع كريم يديه في جيوب بنطاله قائلاً بملامح ممتعضة (بتشمس)
+
رمقته ريهام بضيق من أعلى لأسفل قائلة (وفين صاحبك المحترم مش واقف يتشمس معاك ليه؟)
+
أجابها كريم بطريقة مستفزة (وانتِ مالك؟)
+
صكت ريهام أسنانها بغيظ قائلة (ده مكاني يعني أي حاجة بتحصل هنا تخصني)
+
ضحك كريم ضحكة مستهزئة ثم قال (روحي ياشاطرة اجري ورا العيال ببدلة الإعدام اللي انتي لابساها دي ومالكيش دعوة بيا)
+
جحظت عينيها من إهانته الصريحة لها مطلقة شهقة قصيرة مصدومة (تصدق أنا استاهل لأني واقفة مع واحد زيك .. أقف بقى اتشمس اياكش تجيلك ضربة شمس تخلصنا منك)..لم تمهله فرصة للرد وتركته يغلي من طريقتها الفجة ولأول مرة يشعر برغبة عارمة في ضرب أنثى وإخراج لسانها وتقطيعه إرباً وطهيه وتوزيعه على قطط وكلاب الشارع ليأكلونه .. وأثناء خروج ريان من مكتب السيدة وسيلة تفاجئ بها تستوقفه متسائلة بنظرات نارية (انت بتحاول تعمل ايه بالظبط؟)
+
رد عليها ريان ببرود (وأنا المفروض أشرح لك تصرفاتي؟)
+
تحولت نبرة ريهام إلى التوسل عندما استشعرت ضئالة ومحدودية تفكيرها أمامه قائلة (أرجوك لو مش هاتقدر تحافظ عليها سيبها فحالها هي مش ناقصة)
+
لانت ملامح ريان بعض الشئ تجاهها قائلاً بلهجة جادة (لولا اني مقدر حبك لمريم وخوفك عليها كنت رديت إهانتك بس عايزك تتطمني وتتأكدي من حبي ليها وكل اللي بعمله دلوقتي عشان أقدر اقرب منها واعترف بمشاعري واثبتلك إني راجل)
+
أطرقت ريهام برأسها لأسفل ولم ترد فاستطرد هو بهدوء (ياريت ماتحكميش على حد من غير ماتفهمي احساسه وطريقة تفكيره.. وبالمناسبة كريم شخصية محترمة بس هو طايش شوية)
+
شعرت بالدماء تغلي في عروقها على ذكر سيرة هذا الوقح وقالت بنظرات محتدة (ده إنسان قليل الأدب وعاكسني بجد مش بتبلى عليه)
+
رفع ريان حاجبه متزامناً مع شفته العلوية قائلاً باستنكار (مفيش فايدة داخلة فالناس زي الهليكوبتر)
+
مطت ريهام شفتيها قائلة (والله ده أنا كيوت خالص)
+
ضحك ريان على طريقتها الطريفة قائلاً (صح واحنا اللي ظالمينك يارقيقة يا نسمة)
+
تبادلت ريهام معه الضحكات قائلة (هاروح اشوف مريم جهزت ولا لسه.. وعلى فكرة انا هاجي معاكم)
+
أومأ لها ريان بالموافقة مبتسماً دون حديث بينما تركته هي وعادت لمريم لتتأكد من انتهاء تجهُزها وأيضاً لتبدل ملابسها التي وصفها ذلك الوقح (ببدلة الإعدام) .. وبينما هي في طريقها نحو غرفتها وجدت صباح تسير وعلامات القلق بادية على ملامحها فسألتها بتوجس (مالك يادادا؟.. شكلك متضايق كده ليه؟)
+
ردت عليها بابتسامة مرتعشة (مفيش ياحبيبتي.. انا جهزت مريم روحي شوفيها) .. تعجبت ريهام من توترها الواضح وقبل أن تُلِح في أسئلتها ربتت مربيتها الحبيبة على ظهرها قائلة (أنا هاروح أشوف سلمى وانتِ ماتسيبيش مريم تخرج لوحدها) .. أنهت حديثها بنظرة مؤكدة ثم تركتها واقفة مشدوهة من نبرتها الغريبة واتجهت لمكان آخر غير الذي أخبرتها به.. وأثناء متابعتها لأعمالها بمكتبها انتبهت السيدة وسيلة لطرقات خفيفة على الباب.. أذنت للطارق بالدخول فإذا بصباح تطل عليها بوجه قَلِق وأعين تملؤها نظرات العتاب ..
+
_(اقعدي ياصباح أنا عارفة انتِ جاية ليه؟).. قالتها وسيلة مبتسمة بمحبة لصديقتها التي لا يْخفى بينهما سر .. تشجعت صباح على الحديث فيما يؤرقها وجلست أولاً ثم سألتها بلوم (إزاي يا أستاذة توافقي ان بنتي تبعد عني؟..حضرتك عارفة انها مش هاتعرف تتعامل مع الناس بره)
+
تحدثت وسيلة محاولة شرح أسباب موافقتها على خروج مريم للإحتكاك بالعالم الخارجي (أولاً مريم لازم تخرج وتواجه العالم مش معقول هانفضل حابسينها جوه الدار طول عمرها)
+
_ (وثانياً ؟)
+
- (ريان)
+
قالت صباح بلهجة أكثر خوف (أنا مش قلقانة غير منه)
+
حافظت وسيلة على هدوءها رغم مايعتريها من قلق على مريم قائلة (مش انتِ بتثقي في نظرتي للناس ياصباح؟.. وبعدين ريان معجب بمريم من أول يوم دخل فيه الدار واللي أكد شكي لما قولتيلي عاللي حصل يوم الكواليس)
+
صمتت صباح لثواني تفكر في الأمر بتروي ثم قالت (هو ما قالش إنه بيحبها)
+
قاطعتها وسيلة بتأكيد (بس مريم بتحبه)
+
تنهدت صباح قائلة بقلة حيلة (عارفة ومتأكدة انها طايرة من الفرح دلوقتي عشان هاتبقي جنبه بس انا برضه خايفة عليها)
+
ربتت وسيلة على كفها قائلة بمودة (تفائلي ياصباح وماتقلقيش أنا مش هاسمح لأي حاجة تمسها بسوء)
+
دَعَت صباح بصوت مسموع دعوة صادقة من قلب أم يخشى على صغيرتها من الأذى (ربنا يستر ويبعد عنها كل شر)
+
****************
+
أنهت مريم إستعداداتها وجلست بغرفتها تنتظر ريهام التي وعدتها بألا تتركها في هذا الموقف الحرج.. وبالرغم من سعادتها بما يحدث إلا أنها كانت متوترة كثيراً وخائفة من مواجهة العالم خارج حدود الدار .. مشاعرها مضطربة ..خليط عجيب بين التوتر والفرح والخوف من الغوص بأعماق حلم ظنته أكبر منها بل مستحيلاً .. فالمليحة قلبها مازال بِكراً لا يعرف سوى الحب وذهنها الصافي مزروع بزهرات صغيرات ترقص ككلمات متلعثمة في فم طفل برئ وبعد دقائق قليلة دخلت عليها رفيقتها لتقطع شرودها متسائلة ( مريم حبيبتي إنتِ جاهزة؟) .. أومأت لها مبتسمة دون حديث فتابعت ريهام بود معتاد بينهما (ثواني بس أغير هدومي).. وبالفعل بدلت ملابسها بأخرى تصلح للخروج في الأماكن العامة ثم اصطحبتها نحو ذاك الذي يعد أنفاسه من فرط اشتياقه لها.. وما أن وصلت بها ريهام إليه حتى هبت نسمة هواء عليلة حركت خصلاتها الناعمة بخفة ورشاقة أخذت عقله ولأول مرة بحياته يرى شعر رشيق.. ولِمَ العجب؟!.. إنها مريم المعنى الحرفي لجملة الحُسن يسير على قدمين وكلما زاد اقترابها منه يشعر بتعبه وإرهاق قلة نومه يتلاشى وكأنه يتعافى بقدر إقبالها عليه .. تنهد بعمق ليملأ صدره بالهواء المختلط بعبيرها ثم طلب من كريم أن يتولى قيادة السيارة بنفسه ..لم يعطي فرصة لريهام أن تعترض وأمسك بكفها ليساعدها في الجلوس بجواره فاضطرت صاغرة أن تنسحب لتشارك كريم (الوقح .. المتحرش الذي تطاول عليها لفظياً) المقعد الخلفي .. نظر إليها الأخير نظرة متعالية يظهر بها بعض التشفي لكونها مجبرة على تحمل اقترابه .. تلك المجنونة .. الشقية.. ذات اللسان السليط.. المتحفزة دائماً للهجوم بضراوة على كل مايمس كرامتها أو يؤذي صديقتها لمست وتراً ما بداخله.. جانب من روحه استلذ عنفوانها الأنثوي الجامح.. ونظراتها المشتعلة.. الموجهة نحوه بشكل واضح وصريح جعلته أكثر من سعيد لمشاكستها وإثارة غضبها اللطيف.. ران صمتاً هادئاً عليهم لم يخلُ من اختلاس النظرات وحبس الأنفاس والتفكير في طريقة للاعتراف بحب يأبى البقاء في طي الكتمان فإما البوح والاستكانة أو الصمت والعذاب الأبدي.. والاختيار هنا بالنسبة لقلب يعشق بكل جوارحه أشبه بالحياة والموت .. مر الوقت سريعاً ووصلت السيارة أمام بوابة النادي .. ترجل ريان أولاً ليساعد مريم في النزول وبمجرد ما أمسك بكفها الناعم حتى أحس أنه لامس جُرم يدور في فلك بعيد.. الأمر أشبه بنزهة في فضاء واسع تدور به أقمار دياجي اجتمعت أنوارها بوجهها فطوبى لأعين تناظرها وبئس حظ من ابتعد عن مدارها وبتلك اللحظة أقسم ألا يترك يدها أبداً .. وعلى الطرف الآخر كانت مريم تجاهد على الثبات أمامه .. تشعر بقلبها يقفز داخل قفصها الصدري.. مرتعبة من تجربة الخروج لأماكن عامة مثل ذلك النادي .. ومن ناحية أخرى يربكها دفأ أصابعه التي يلف بها كفها..ويغمرها بأمان وإحساس فطري بأبوة صادقة لم تختبرها من قبل.. أخرجها من شرودها صوته يقول بهدوء (دي القاعة اللي بيعملوا فيها الإختبارات).. صمت للحظات يستجمع شتات نفسه وأردف بثبات ظاهري موجهاً حديثه لكريم وريهام (أنا هادخل مع مريم وانتم استنونا هنا لحد مانخرج) .. لم يعطي مجالاً للإعتراض وكأنه يضع الجميع أمام الأمر الواقع وفي غضون لحظات كان يصطحبها لداخل القاعة دون إضافة حرف زائد .. اختار أكثر مكان هادئ حتى لا تنزعج حبيبته من الزحام وأجلسها أولاً ثم جلس بجوارها ومازال كفه يحتوي خاصتها بتملك شديد .. لاحظ ريان التوتر البادي على ملامحها فمال عليها هامساً (مش عايزك تخافي أنا متأكد انك هتنجحي ان شاء الله)
+
ردت عليه مريم بنبرة خافتة (انت جايب الثقة دي كلها منين؟)
+
ابتسم لردة فعلها اللطيفة قائلاً (عشان انتِ أحلى صوت سمعته فحياتي)
+
ارتبكت مريم من تلميحه الصريح بإعجابه بها وقالت بهمس أصبغته بالمرح لتخفف حدة توترها (ماتبالغش لأني لو اتغريت مش هاتعرف تكلمني تاني)
+
نظر إليها ريان بأعين تفيض ولهاً بها قائلاً (لو الغرور هايبقى حلو كده يبقى من حق الجميل يتغر ويتدلع على قلبي براحته)
+
أحست مريم بالحرارة تزحف لوجنتيها الملتهبتين خجلاً ولم ترد بينما هو تنهد قائلاً بصوت وصل لمسامعها (ارحمني يارب)
+
سألته مريم بتعجب (أنا عملت حاجة زعلتك؟)
+
خلل ريان أصابعه بين أصابعها الرقيقة مؤكداً على ملكيته لها قائلاً (الموجة عالية أوي وصاحبك غشيم أول مرة يغرق كده) .. لم تستطع مريم الرد على كلماته المبطنة باعتراف واضح بحبه لها واكتفت بإيماءة صامتة بينما تابع هو بنبرة متسلية (هاتفضلي ساكتة كتير؟).. صمتاً آخر كان إجابة على سؤاله فأردف مجدداً بحزن مصطنع (شكلك زهقتي مني.. أنا ممكن أطلع برا لو مضايقك)
+
تشبثت مريم بكفه أكثر قائلة بخوف (ماتسبنيش لوحدي ياريان)
+
إتسعت حدقتيه أثراً لنطقها إسمه مجرداً بعفوية فخرج عذباً كالنسيم قائلاً بولهٍ (ما سمعتش كويس قوليها تاني)
+
ابتلعت مريم ريقها بصعوبة قائلة (قصدي اني بخاف من الأماكن الغريبة يابشمهنـــ...)..قاطعها ريان سريعاً قبل أن تكمل (مفيش بشمهندس هنا..مش هايبقى انتِ والعمال عليا) .. افترَّت شفتيها الرقيقتين بابتسامة أذابت أعصابه ولم تجد من الكلمات مايسعفها للرد فاستطرد هو بإلحاح (قولي يامريم ماتبقيش بخيلة)
+
رفعت مريم كفها الحر لترجع خصلتها دائمة الهرب خلف أذنها قائلة بحرج (ريان)
+
تأوه ريان بخفوت يهمس لنفسه لكنها سمعته (قلب ريان وروح ريان وعيون ريان)
+
حاولت مريم تغيير مسار هذا الحديث الذي يخجلها قائلة (بس بقى خلينا نركز فالإختبارات)
+
سكت ريان هنيهة يحاول ضبط انفعالاته التي بعثرتها المليحة بقربها المهلك ورقتها التي خطفت قلبه للمرة التي لم يعد قادراً على حصرها ثم قال (على فكرة انتِ دورك بعد البنت اللي بتغني دي)
+
فغرت مريم فاهها بصدمة وما زاد من ارتعابها صوت مقدم المسابقة الذي هتف في مكبر الصوت بإسمها يستدعيها للجلوس خلف البيانو لتأخذ دورها كباقي سابقاتها من الفتيات المتقدمات لتلك الوظيفة
+
***************
+
في مكان آخر بالنادي /
+
إضطرت ريهام أن تنتظر برفقة كريم على مضض لكنها أصرت على الوقوف أمام باب القاعة .. ترمقه بين الحين والآخر بنظرات مشمئزة مما أثار استيائه كثيراً .. فمن تكون تلك المتعجرفة لتعامله هكذا؟.. وبعد طول انتظار وإرهاق بسبب الوقوف الغير مُجدي صاح بها متذمراً (إنتِ يا آنسة أنا رجليا ورمت من الوقفة)
+
نظرت ريهام إليه من أعلى لأسفل قائلة بضيق (وانا مالي رجلك تورم ولا حتى تتشل)
+
صك كريم أسنانه قائلاً بغضب لقلة تهذيبها وانعدام ذوقها في الحديث (تصدقي أنا غلطان إني معبرك وواقف معاكِ).. أنهى حديثه بنظرة مزدرية لإسلوبها الفظ ثم تركها مبتعداً عنها قليلاً ليجلس على أحد المقاعد القريبة منها حتى لا تبقى بمفردها .. أما هي مكثت بمكانها ولم تعيره أي اهتمام.. وبعد دقائق تسرب الألم لقدميها أثراً للوقوف طويلاً فاستندت برأسها على باب القاعة بملامح مرهقة.. غير منتبهة لمجموعة الشباب القادمين من خلفها يطلقون صافرات إعجاب قاصدين معاكستها .. اقترب أحدهم منها هاتفاً بوقاحة (هو الصاروخ واقف لوحده ليه؟) .. بينما تحدث شاب آخر غامزاً بطريقة أرعبتها (ماتيجي معانا نقعد في الطراوة بدل الوقفة فالحر والفرهدة دي)
+
لم تتحمل ريهام كلماتهم اللاذعة وقذفتهم بزجاجة مياه صغيرة كانت تمسكها في يدها متخذة وضعية الهجوم تحسباً لمزيد من الجرأة التي تصدر من المتسكعين أمثالهم .. هم الشاب أن يمسك بذراعها إلا أن لكمة قوية استقبلها فكه أوقفته وجعلته يرتد للخلف على أثرها.. لم يدري كريم بنفسه وهو يتشاجر مع هؤلاء الحمقى بعصبية مفرطة واضعاً كل اللوم على تلك العنيدة.. ذات الرأس اليابس.. الغبية ..المستفزة التي لم تطعه وظلت واقفة متشبثة برأيها وكأن وقوفها كالتمثال هكذا سيفيد رفيقتها بشئ .. تجمع الشباب والفتيات لمشاهدة مايحدث وبصعوبة بالغة نجح بعضهم في فض الإشتباك .. حدجها كريم بنظرات مشتعلة ثم قال متخصراً (يلا قدامي مفيش وقفة لوحدك تاني)
+
ردت ريهام عليه بعناد (انا مش هاتحرك من هنا غير لما اطمن على مريم)
+
لوح كريم بذراعيه أمام وجهها قائلاً بصوت مرتفع (اسمعي الكلام ولا انتِ فرحانة بلمة الشباب حواليكِ؟)
+
شهقت ريهام بصدمة (على فكرة هم اللي عاكسوني....)
+
قاطعها كريم وهو يمسك بذراعها يجرها خلفه بحدة (امشي يابت جاتك القرف فنشوفية دماغك)
+
يتبع........ إلى اللقاء مع الفصل الثالث عشر
+
***************
+
