رواية وجه في القلب الفصل الحادي عشر 11 بقلم جويرية احمد
الحلقة الحادية عشر
تدقيق املائي ولغوي..فايرفلاي
صفاء (زميلة هدى في كلية الطب ) : انتى السنة دى مش عجبانى خالص, حزينة وسرحانة ومش مركزة في المذاكرة
هدى : خلاص يا صفاء مش متحملة أكتر من كده . حاسة في الكلية إنى مخنوقة مش قادرة أتنفس, فى المحاضرات مش بسمع ولا كلمة, ولما بفتح الكتب بتوه في الحروف وتضيع من أدامى
صفاء : أكيد عين وصابتك .
هدى : عين, عين إيه بس الله يهديكى
صفاء : الأولى تلت سنين, أكيد اتحسدتى
هدى : عارفة يا صفاء في الاجازة وانا بشتغل في مكتب عمى بحس بالدنيا والحياة وإنى عايشة, الوان وأشكال وتصميمات وأفكار وخيال, الشقة بتكون طوب وتراب, أبتدى أتخيل وأرسم وأدخل الألوان وأعمل التصميمات, أستغل المساحة الكبيرة, أو أوسع الضيقة وأحول العيوب إلى مميزات, وبعدين ندخل على الواقع تجهيزات وتركيبات وعمال, ألوان الأرضيات والحوائط الإضاءة المباشرة وغير المباشرة واللعب في بالاضواء بيعطى إحساس مختلف, السجاجيد والنجف والستاير التبلوهات والأبليكات والتحف, دى مودرن ودى كلاسيك ودى خليط, أذواق مختلفة, كل مكان بيكون ليه شكل وطابع وطريقة للتفكير, لحد ما تخرجي من تحت إيدك شركة أو مكتب أو شقة لعرسان جداد, إحساس جميل إنك تعملى من لا شىء حاجة جميلة تبهر الناس. أنا حاسة إنى مشتتة بين الكلية والمكتب, نفسى أرجع تانى وأكمل في الشغل اللي بحبه
صفاء : هانت كلها تلت سنين وتخلصى وتعملى اللى إنت عايزاه
هدى : تلت سنين حرام عليكى كتير قوي, كل ما أدخل الكلية أتخنق’ اللون الأبيض الباهت اللى في كل مكان بيقتلنى ويمسح الألوان من حياتى, كل الجدران والأرضيات أبيض باهت كل اللبس للدكاترة والممرضات والمساعدين والمرضى أبيض والسراير حتى الآلآت والأجهزة الطبية كلها أبيض x أبيض ريحة الفورمالين والفنيك والديتول خنقتنى, الآهات والشكوى اللى مش بتنتهى, تعبت مش لاقية نفسى, والسنة دى مش قادرة أفهم أو أركز في حاجة, عارفة لسه ما كملت عشرين سنة, وحاسة إن عندى ميت سنة, هفضل لحد إمتى وعمرى بيتسرب من بين إيديا, خلاص قررت أسيب الكلية .
صفاء : تسيبى الكلية ؟؟؟؟ إنت اتخبلت يا بت, ومستقبلك وسنين المذاكرة والتعب وأنا, أنا أعمل إيه من غيرك؟ تسيبنى, إنت صحبتى الوحيدة وإنت إللى بتذاكري لى
هدى : ما تصعبيش القرار عليا, وبعدين أشرحلك إيه ؟ أنا مش فاهمة حاجة أصلا
صفاء : في حد يسيب كلية الطب ؟ دا أنا مستنية أتخرج بفارغ الصبر علشان أشتغل دكتورة في بلدنا, دا الطب ده أحسن مهنة وبيخدم الناس, كفاية إنك تنقذى مريض من الموت, وتسمعى دعوة حلوة من المريض وأهله . دانا سايبة بلدنا ومتغربة علشان كلية الطب.
هدى : كل الكلام اللى بتقوليه مظبوط وجميل وعلى عينى وراسى, بس أنا مش طايقة الكلية, بقعد في المدرج وعينى على الشباك نفسى أخرج, وبستنى بفارع الصبر المحاضرة تخلص علشان أخرج من المدرج أنتى مش قادرة تحسى بيا, إنت حلمك كلية الطب وحققتيه لكن أنا لأ.
صفاء : كل حلمى أكون دكتورة في بلدنا, بعد وفاة أمى الله يرحمها خدت عهد على نفسى إنى أكون دكتورة وشاطرة كمان, إنت عارفة الستات في بلدنا بتتكسف من الدكاترة الرجالة, وأمى كان عندها سلطان في الثدى وفضلت ساكتة لحد ما وصل لمراحل متأخرة جدا . ولما كشفت كان فات الوقت, الله يرحمها,وإنت كمان عايزة تسيبنى؟ إنتى صحبتى الوحيدة وبتشرحي لى كل الحاجات الصعبة, يهون عليكى أشيل المادة بسببك؟
هدى : الله يرحمها, وإنت يا حبيبتى أكيد هتلاقى صديقة جديدة ,واشرحلك إيه هو هانا فاهمة حاجة إنت كمان؟
صفاء : ركزى واستهدى بالله وإنت هتفهى كل حاجة .
هدى : سبحان الله اللى يشوفك النهادرة ما يشوفكيش أول يوم عرفتك فيه
صفاء : ما يبقاش قلبك أسود, كلهم كان بيقولوا عليكى مغرورة وطالعة فيها ومش بيهمك حد, بنت رئيس قسم المخ والأعصاب والرابعة على الثانوية العامة, وبتيجى الكلية بعربية أحدث موديل ولبسك آخر شياكة, ولوحدك مش بتكلمى حد, وأنا صعيدية ودم حامى جيتي حضرتك بهدلتى هدومى بعربيتك اللى طرطشت عليا طين, فرطنت لك واديتك من المنقي خيار اللى فيه القسمة من البهدلة والزعيق ههههههههههه
هدى : وأنا فضلت أعتذرك وأتأسف لك, وعرضت عليكأوصلك المدينة الجامعة بالعربية أنضف لك هدومك, واشتري لك غيرهم لو عايزة وإنت مش ساكتة ولا حتى عايزة تسمعى
صفاء : ما محبة إلا بعد عداوة ..وبقينا زى السمن على العسل, وعرفتك على حقيقتك, طيبة ومتواضعة .
هدى : مش عايزة أحضر المحاضرة الأخيرة تعالى نخرج من المدرج ونقعد في الكافتريا شوية
صفاء : إلا محاضرة الدكتور سعيد فهمى ده صعب جداً ولازم نحضر
هدى : بصراحة مش بفهم منه ولا كلمة ودماغى مش مستحمله النهاردة ولا جايب معايا
صفاء : أسكتى أهوه جه ومين إللى معاه ده, شكله معيد جديد
لا أهتم بالوجوه وأرسم الطبيعة, الورد والشجر والسماء والماء والطيور, لا أعرف متى خرجت أقلامى وأوراقى, ترسم أناملى, الوجه الأبيض البيضاوى الذى اكتسب بعض السمرة من الشمس والذقن البارز والأنف الحاد, جبهة عريضة يقطعها سواد الحاجب, وعيون بنية واسعة وقوية فيها نظرة ثابتة تخفى الكثير, والشعر الأسود القصير ناعم ولامع ومصفف بعناية, ملامح تحمل الرجولة والوسامة والاعتزاز بالنفس, يجلس باعتدال منصت ومنتبه, يوزع النظرات ويتابع الكلمات في ثبات, يخلو الوجه من التعبيرات ولكن تحمل العيون الكثير من الحزن الدفين .
دكتور سعيد : هدى إشرحي المعادلة إللى قلتها دلوقتي
