رواية قبلة علي جبين الوهم الفصل العاشر 10 بقلم خضراء القحطاني
لبارت العاشر ~قبله على جبين الوهم ~
كان إبراهيم الهلالي خارجًا من أحد المكاتب التي تُشرف على مشاريع تجارية لعائلته. ببدلته الكحلية الأنيقة وربطة عنق مرتبة بدقة، كان يبدو كشخصٍ حاسم وواثق. يمشي بخطوات ثابتة، يتفقد هاتفه من حين لآخر، لكنه فجأة توقّف وكأن الزمن نفسه تباطأ.
على الجانب الآخر من الشارع، رأى فتاةً تجلس على رصيفٍ منخفض، تضمّ ركبتيها إلى صدرها، ووجهها مدفون بين ذراعيها، وكتفاها يرتجفان. شعرها الطويل مبعثر، وملابسها غير مرتبة، وكأن عاصفة مرّت بها.
رفع إبراهيم نظره، ارتبك، لم يعرف لماذا توقف، ولماذا قلبه انقبض فجأة. لم يكن يعرفها، لم يسبق أن رآها من قبل، لكنها لم تكن غريبة تمامًا شعر بشيء غامض، وكأن وجهها محفور في مكانٍ ما داخله.
لم يتقدّم نحوها، لم يتحدث، فقط وقف في مكانه للحظات يراقبها بصمت، يده مشدودة على هاتفه، ونفسه مضطرب. كان جزء منه يريد أن يعبر الطريق ويسألها: هل أنتِ بخير؟، لكن جزءًا آخر خائف، أو ربما لا يعرف ما يجب أن يقوله.
سيارة توقفت أمامها فجأة، نزل منها رجل يعرفه من بعيد. اقترب من ليان، حاول أن يُمسك بيدها، لكنها انتفضت وأبعدته بعنف، وصرخت في وجهه:ما تقربليش تاني! كفاية قهر!
شهق إبراهيم دون وعي، شعر بوخز في صدره، كأن الصرخة طالته هو أيضًا.
ثم مشت ليان مسرعة، ترتجف، تائهة، دون أن تنظر خلفها.
أما هو، فظل واقفًا هناك، شاردًا، لا يفهم لماذا يشعر بأن تلك الفتاة ستمس حياته بطريقة لا يتوقعها ولا يعلم أنه من تلك اللحظة، سيتغيّر كل شيء.
في بيت منصور الهلالي رغم اختلاف أعمارهم وطباعهم، كانت أسرة الهلالي تُشبه خلية نحل صغيرة.
إبراهيم، رغم جديته وصرامته في العمل، يتحوّل في البيت إلى الأخ الكبير الحنون، يمازح هديل، ويساعد أمه في ترتيب المائدة أحيانًا. لا يتحدث كثيرًا، لكنه إذا تحدث، أنصت الجميع.
منصور الهلالي، الأب، كان صلبًا في قراراته، لكنّه يملك قلبًا لا يعرف إلا اللين حين يتعلق الأمر بأسرته. يقضي وقته مساءً في مجلس العائلة، يدخن الأرجيلة بهدوء، ويتبادل أطراف الحديث مع زوجته جيهان.
جيهان الشريف، سيدة أنيقة وكريمة، تُدير البيت بذكاء أنثويّ لا يخلو من الحزم. تحرص على أن تسود الألفة بين أولادها، وأن تبقى العلاقة بينها وبين زوجها قائمة على الاحترام والتفاهم رغم مرور السنين.
هديل، الطالبة الجامعية التي تجمع بين رقة المراهقة وجرأة الفتاة العصرية، دائمًا ما تشتكي من صرامة أخيها، لكنها في قرارة نفسها تفتخر به، وتخشى عليه أكثر مما يظهر.
مع الناس عائلة الهلالي تُعرف في الحي بالهيبة والاحترام.
منصور محبوب بين الجيران، رجل يُؤخذ برأيه في الخلافات العائلية، لكنه لا يتدخل إلا إذا طُلب منه.
جيهان تبادر بزيارات للمسنّات والمحتاجات، وتُعرف بعطائها دون أن تُحرج أحدًا.
إبراهيم يُعد لغزًا في الحي؛ وسيم، هادئ، لا يتكلم كثيرًا، لكنه إن تحدث، صمت الجميع.
البعض يراه مغرورًا، والبعض يراه فقط غامضًا.
أما هديل، فمعروفة بين صديقاتها بالمرح واللباقة، لكنها لا تسمح لأحد بتجاوز حدوده، وتعرف كيف تضع من يتطاول عند حدّه.
