اخر الروايات

رواية ساهر كامله وحصريه بقلم داليا السيد

رواية ساهر كامله وحصريه بقلم داليا السيد 



بسم الله الرحمن الرحيم
رواية: ساهر
الجزء الرابع من سلسة آل دويدار
يلا نبدأ على بركة الله
الفصل الأول
خبير
تحرك ساهر إلى بوابة المطار وهو ينفخ بقوة بعد أن صف سيارته بالمكان المخصص للسيارات التي تبقى بالأسابيع ثم نزل جاذبا حقيبته من السيارة وتحرك عبر البوابة ليقابل موظف يعرفه جيدا، تناول منه جواز سفره وقال باحترام واضح
"تفضل معي سيد ساهر، الطائرة الخاصة جاهزة"
لم تكن مرته الأولى بالسفر فهو أكثر إخوته تنقلا بين البلاد، يحب رؤية ودراسة كل ما هو جديد بالهندسة والإنشاء، عامر يكلفه بالكثير من الأمور الخاصة بمجموعته الاستثمارية وليس فقط الإنشاء وهو تعلم جيدا من أخيه الأكبر عامر أن كل ما يخص مجموعته لابد أن يكون بالمقدمة، عامر القائد بالنسبة لهم جميعا وبالأساس هو الأخ الكبير لأبناء رفيق دويدار الستة، أربعة رجال واثنين من البنات
استقر على متن طائرة رفيق دويدار الأب لأول مرة منذ سنوات يقبل أيا من أولاده الرجال أي شيء من خدماته فقط لأن الأمر خاص به ولا وقت لانتظار حجز للرحلة للندن، وطائرة المجموعة بالصيانة ولا مجال سوى طائرة رفيق
جلس على المقعد الفاخر وهو يدفع شعره الأسود الغزير والناعم للخلف لم يقبل بتقصيره بل يحبه طويل، هو الوحيد بإخوته الذي لا يسير على الصراط، يحب أن يعيش حياته ويلهو بها دون هموم ولا تعقيدات، لا مجال لأحد أن يصوب له أي تصرف، فقط عامر هو الوحيد الذي يحتويه وقت خطئه ويصوب له مساره بطريقته الهادئة، زوجته ليل أصبحت الأخت الثالثة بالبنات، رائعة بحق ومازن ابنهم الصغير خطف قلبه، بالأسبوع الماضي كان حفل زفاف حمزة أخيهم على ابنة عمهم حلا، المشاكل أتت معهم وزواجهم كان كارثة والزفاف انتهى ورحلا للأقصر
تحركت المضيفة الجميلة والتي ترتدي زي المضيفات وابتسامة رائعة على فمها أعجبته، هو ليس محصن ضد النساء مثل إخوته، الفرع الطالح بالعائلة، زواج عامر بالسر كان صدمة لهم، والحب الذي دفعهم لذلك صدمة هو الآخر لم يكن هناك أي واحد منهم يؤمن بالحب ولا بالزواج ولكن عامر سقط به ونظراته لزوجته تعني العشق وليس فقط الحب
قالت المضيفة "مشروب أم طعام سيدي؟"
ابتسم ابتسامة جذابة كعادته عندما تعجبه امرأة ويعلم تأثير ابتسامته على المرأة جيدا فهو يعلم وسامته وجاذبيته جيدا بالثانية والثلاثين وعدد من عرفهم من النساء لا يمكن حصرهم، ثقته بنفسه لا يمكن هزها، غروره لا علاج له وهو معجب بنفسه هكذا
قال بنبرة مثيرة للإعجاب "أيا ما ستقدمه تلك الأيادي سيكون رائعا صدقيني"
وغمز للفتاة التي تورد وجهها واعتلت لمعة براقة عيونها السوداء وهي تعجب بهذا الرجل الجذاب بجسده الفاره لمترين تقريبا وعرض أكتافه تحت جاكيت بدلته المصممة خصيصا له وعيونه القاتمة ولكن واسعة ومرسومة برموش سوداء طويلة وبدا وكأنه وضع بتلك العيون كحلا أسود حدد عيونه لتبدو رائعة ومثيرة، فمه كان يتلاعب بالابتسامات والكلمات المازحة على الدوام فك حاد يمنحه رجولة واضحة بعطر فرنسي شهير
تحركت الفتاة ففك حزام الأمان وجذب حقيبة جهازه المحمول ووضعه على المائدة أمامه وفتحه ليرى ذلك الملف الذي أرسله له رفيق بالأمس من أجل الخدمة التي طلبها منه، وضعت الفتاة إفطارا بسيطا وقهوة أمامه فابتسم لها وهو يشكرها بطريقة جعلتها تقفز طربا وهي ترد له الابتسامة بواحدة جميلة
تناول الطعام واهتمامه على البيانات التي ظهرت أمامه وتذكر لقائه برفيق بليلة زفاف حمزة بعد أن رحل الجميع طلبه رفيق لمكتبه، اعترض بالبداية وحاول الرحيل بعد إخوته ولكن رفيق قال "هي خدمة واحدة بني وأعدك ألا أكررها"
التفت ليواجه رفيق، الرجل الصلب القوي الذي لا يهاب أحد، لطالما كان مثار احترامهم قبل كشف حقيقته، كانت صدمة له عندما سمع شجار رفيق مع عامر بتلك الليلة وقتها بكى، بكى كثيرا حزنا على الأب الذي كان قدوة له بيوم ما ولكنه فجأة سقط من نظر كل أولاده، هو أصغر إخوته وما زال بنهاية الدراسة بالجامعة وشعر بالضياع وانهيار كل المثل العليا التي ربتهم عليها والدتهم هدى وظل بغرفته دون نوم حتى الصباح عندما علم برحيل عامر نهائيا من البيت وهدى حزينة ورفيق لا يتحدث والجميع لا يفهم ماذا حدث لأسرتهم الكبيرة والتي طالما كانت متماسكة، لم يستطع حفظ السر الذي عرفه وأخبر إخوته كشاب لا يعي أين تكون الخطوة القادمة وتحول الجميع ضد رفيق وحذوا حذو أخيهم الكبير والتفوا حول بعضهم البعض وهو خسر عمله بالشركة الهندسية التي كان يعمل بها بجوار الدراسة واستقل مع عامر والأربعة معا حققوا نجاحا قاده عامر بشجاعة ونجاح ومهارة
كلمة بني لم تعد تؤثر بأي واحد منهم ولكن الطريقة التي نطق بها الكلمة هي ما أوقفت ساهر وجعلته يلتفت للرجل الجبل الصلب الذي لا ينهار حتى برحيل أولاده، نبرة الاستعطاف كانت جديدة على رفيق لذا حاز على اهتمام ابنه فأكمل "دقائق من وقتك تكفيني"
مكتب رفيق كان من الطراز الكلاسيكي كل ما به مثير للإعجاب ويثبت الثراء، جلس رفيق خلف مكتبه دون التنازل عن رأسه الشامخ بالشيب الأبيض بخصلاته ولكنها لم تقلل من جاذبية الرجل الذي اكتسب منه أولاده جاذبيتهم وبنيتهم القوية
لم يجلس ساهر ووضع يداه بجيوبه وقال "هل تخبرني ماذا تريد مني؟ لدي عمل بالصباح ولابد من الذهاب"
هز الرجل رأسه وقال "الاسبوع الماضي كانت هناك أخبار عن رجل أعمال مصري يقيم بلندن "عزت فيومي" كان قد خسر خسارة كبيرة بسوق المال وسقط منذ يومان بجلطة بالمخ وحياته بخطر"
ظل ساهر ثابتا بمكانه ينتظر ما يخصه وصمته جعل رفيق يكمل "هو بحاجة للمساعدة ولكنه لن يقبلها مني مباشرة، نحن كنا أصدقاء منذ الجامعة حتى هاجر لإنجلترا وتفرقت بنا السبل، أنا لا يمكنني تركه ينهار هكذا"
صمت رفيق فتحدث ساهر أخيرا "أظن أن الأمر لا يخصني بشيء، تعلم أن تلك الأمور خاصة بعامر وليس أنا"
التفت ليذهب ولكن رفيق قال "لم انتهي بعد ساهر"
النبرة كانت حاسمة تلك المرة جعلت ساهر يتوقف ويعود لعيون رفيق التي تشبه عيونه ورفيق يكمل "المجموعة الخاصة به يمكن إنقاذها لكن بحاجة لمهندس ذكي بعقل راجح ولديه دراسة وخبرة ولا يقبل الهزيمة خبير بمعنى أدق فأكثر المهندسين تركوا الشركة بحثا عن مكان آخر أفضل والانهيار يزداد وبالتأكيد ليس هناك أفضل منك للإنقاذ"
تحرك ساهر للأمام والدهشة لا تتسرب خارجه وهو يقف أمام مكتب رفيق وقال بهدوء مكتسب من أخيه عامر "وهل لدي الحق بأن أذهب لشركة لا أعرف عنها شيء وأشخاص لا يعرفوني وأفرض خدماتي عليهم؟ هل سقط منك شيء بالمنتصف يا باشا؟"
عيون رفيق كانت تلمع بذكاء شهد به الجميع منافسين أو مشجعين، بهدوء فتح الصندوق الفاخر على مكتبه وأخرج سيجاره الضخم وفك الورق الشفاف من عليه وأشعله بولاعة بدت قيمة لم يرها من قبل، نفخ الدخان وقال "لا، لم يسقط مني أي شيء، عزت ليس لديه أولاد رجال بل ابنة واحدة لم تكن تعمل معه من قبل ولكن هي من تقود المجموعة حاليا وحدها ومنذ يومين أعلنت الشركة عن حاجتهم لخبير مهندس و.."
قاطعه ساهر بجدية واضحة "أنا لست بحاجة لعمل رفيق باشا، مجموعتنا تغلبت على الجميع كما بالتأكيد تعلم ولا أفكر بترك إخوتي والرحيل لبلد غريب والعمل عند امرأة وتلقي الأوامر منها أو من سواها"
جذب رفيق نفس من سيجاره وأخرج دخان كثيف غطى المكان حوله ثم قال "لن تعمل لدى أحد ساهر، هم يطلبون خبير فقط لإعادة الأمور تحت السيطرة، ستذهب وتعرض خدماتك كخبير وتنهي الأمر وتعود دون أي شيء"
أخرج يداه من جيوبه وأسندهم على حافة مكتب دويدار وهو يحدق بعيونه وقال "أنت تضع خطط بلا دراسة"
لم يكن ساهر بالخصم الغبي ولا سهل الانقياد ورفيق يعلم أولاده جيدا لذا قال "إذن افعلها باسم آل دويدار"
ظل ساهر بمكانه والذهول يعتريه حتى أجاب "لا يمكنني ذلك دون موافقة إخوتي ولا أظن أن الأمر يهمهم"
نهض دويدار من خلف مكتبه وتحرك ليقف بجوار ساهر الذي اعتدل ليواجه رفيق عندما قال الأخير "لا يمكنني ترك صديق عمري ينتهي بتلك الطريقة بني، افعلها بالطريقة التي تحلو لك ولكني حقا بحاجة لمساندتك، أنت الوحيد من يمكنه القيام بذلك"
ظلت نظرات الترجي بعيون رفيق ثابتة على وجه ساهر والذي تأثر بالفعل من ذلك الإخلاص العجيب الذي يبديه رفيق لصديق لم يسمع عنه أحد من قبل
أبعد ساهر وجهه لحظة ورفيق ينتظر قراره حتى عاد له وقال "ألا تجيد ابنته إدارة الأمور وحدها؟ ثم لندن كلها ليس بها خبير هندسي لأسافر لهم من هنا؟ هل تظن أن خدعتك ستدخل عليهم، ليس لي اسم هناك ولا.."
قاطعه دويدار بثقة وهو يقول "أنت تقلل من شأن نفسك حبيبي، بالعام الماضي كنت هناك ومشروعك الضخم حاز على جائزة عالمية تم تكريمك عليها هناك أليس كذلك؟ شركة.. الانجليزية تعاقدت معكم منذ ستة أشهر وطالبت بك بالاسم، بعض الجرائد المميزة هناك تحدثت عن مشروعاتك وتصميماتك المميزة خاصة بمقاومة الماء المالح والعوامل الجوية والبحث الذي نشرته أنت مؤخرا، أنت من أسقط الكثير بالمنتصف بني"
تراجع ساهر من مدى متابعة الأب لابنه، هو يعرف عنه كل شيء تقريبا، دار بالكورة وحاور بها جيدا والآن يسدد بالشباك، رفع ساهر يده ليبعد شعره للخلف دون حاجة ليفعل ونظراته تاهت بلا هدف حتى عاد لرفيق وقال "أنت تقريبا تسدد كل الخانات الفارغة كي لا أقفز إليها"
ابتسم دويدار وقال بثقة "تلك هي الطريقة التي يجب أن تتبعها عندما تريد تحقيق هدفك بني وأنتم تجيدون ذلك جيدا، أنت وإخوتك"
ظلت العيون متواجهه حتى سأل ساهر "ألا تظن أن الأمر لا يعنيني وأني سأرفض تعطيل أشغالي من أجل لا شيء؟"
أطفأ دويدار السيجار بالمطفأة الذهبية على مكتبه والتي بدا أنها منحوتة على شكل حيوان هائج ثم عاد لساهر وقال "ربما ولكن ألا تظن أنت أن إنقاذك لمجموعة هائلة كمجموعة الفيومي ستزيد من رصيدك وخبرتك واسمك يزدهر أكثر وأكثر رغم صغر سنك؟ الأمر لن يأخذ منك وقت أنا أعلم ذلك، ربما اسبوع وهو ليس بكثير قد تجعلها اجازة"
فكر ساهر ثم قال " لديك أفضل الاستشاريين فلماذا أنا؟"
ابتعد رفيق للنافذة وقال "الأمر شخصي بني وأخبرتك أنه لن يقبل مني أي مساعدة"
تحرك ساهر له ووقف أمامه وقال "وما سر تلك العداوة؟"
نظر له رفيق وقال "كان يقول أنه يحب والدتك، كلانا كان يحبها وتقدم هو لخطبتها ووافق والدها ولكنها كانت تحبني ورفضته وتقدمت أنا فوافقت ومن وقتها وهو اتهمني بسرقتها منه وافترقنا بلا عودة"
تجهم وجهه وكذلك ساهر وهو يقول "ولن يقبلني بالتبعية"
هز رأسه وقال "أنتم لا تتخذون اسمي ساهر وتتجاهلون وجودي بحياتكم سواء العملية أو الشخصية والجميع لا يربط بينكم وبيني ويظنون أنه مجرد تشابه أسماء وهذا سيعجبه كثيرا كنوع من الانتصار"
تألم ساهر لحظة من كلمات رفيق ولكنه قذف بالألم بعيدا، كلهم تخطوا تلك المرحلة والآن هو وجد أن الأمر ليس بسيء هو بحاجة للنجاح بكل مكان والتحدي أمر يثيره لذا قال "حسنا أحتاج بيانات عن المجموعة وكل ما يخصها قبل السفر"
لم تتبدل ملامح رفيق وهو يقول "سيصلك ملف كامل على بريدك الخاص بالغد"
لم يزيد أيا منهم وها هو على متن الطائرة ولم يخبر أحد برحيله، ربما فترة راحة من العمل والآن عليه دراسة كل ما يخص تلك المجموعة لمعرفة أسباب الفشل والانهيار ووضع حلول واقتراحات وبالفعل اندمج بجهازه حتى تراجع وعضلاته توخز جسده فأغلق الجهاز ومدد جسده وهو ينهض للغرفة الخاصة وأغلق بابها لينال بعض النوم قبل أن يصل لوجهته
حدقت آسيا بالملفات التي تتحرك أمامها على شاشة جهازها المحمول وشعرت بصداع قوي يضربها، وهي تذكر عندما دخلت ذلك المكتب منذ يومين بالضبط عندما سقط والدها هنا فاقدا للوعي وتم نقله للمشفى إثر جلطة بالمخ وحالته خطر وبالعناية المركزة من وقتها
هي بالفعل حزينة من أجله رغم سوء العلاقات بينهم، زوجته الثانية نجحت بامتياز بالتفريق بينهم، أمضت حياتها مشتتة ما بين والدها الذي أرادها فقط للانتقام من والدتها لأنها تركته وبين أمها التي احتوتها بحبها وحنانها حتى عادت لأمها بسن الخامسة عشر بعد انهيار علاقتها بوالدها بسبب تلك المرأة الحقودة زوجته
والدتها بعد أن انفصلت عن زوجها قبل ميلاد آسيا بسبب غيرته التي تكاد تقتل زوجته وربما تدخل تلك المرأة الحقودة للتفرقة بينهم والزواج منه هو بالأساس ما أدى لذلك الانفصال، رحلت أمها إلى إدنبرة بعد الانفصال وقد كانت بلدها الأصلية قبل أن ترحل للعمل بلندن حيث تعرفت على زوجها المصري وقد كان حبه لها واضحا حتى وقع الأمر وانهارت علاقتهم وتم الطلاق وتزوجت هي من جورج الذي عوضها عن كل ما عانته بحبه وحنانه
تركت الجهاز بعد ساعات من المراجعة والتدقيق، جورج علمها كيف تكون سيدة أعمال، هو من تولى كل أمورها منذ أن فرت من والدها ورحلت لوالدتها لتكمل حياتها معها، عندما علمت بمرض عزت أتت لرؤيته، هي لم تكرهه لكنها لم تعرف كيف تحبه وهو كان دائما يتهمها بأنها مثل أمها خائنة، فتاة لكل شاب
نهضت لتقف أمام النافذة وهي تذكر وداعها لوالدتها قبل أن تأتي هنا، أمها طلبت منها ألا تأتي هنا، ليست مدينة له بشيء، زوجته يمكنها فعل كل شيء ولكن عندما وصلت لم تكن زوجته موجودة بل برحلة حول العالم ولم تكلف نفسها بقطع الرحلة من أجل زوجها
دق الباب ودخلت ماريا السكرتيرة الخاصة بوالدها ولها منذ وصلت، التفتت لها فقالت ماريا "تم تحديد مواعيد المقابلات الشخصية للخبراء ابتداء من صباح الغد، تبدين متعبة ألم تنتهي؟"
عيونها الخضراء البريئة حدقت بماريا وقد بدت فعلا متعبة خاصة ذلك الصداع الذي لا يتركها ولكنها تجاهلته وهي تقول "لا، لم أنتهي بعد، هناك خراب كبير بكل مكان ماريا، كيف ترك والدي كل ذلك دون اهتمام؟"
أجابت ماريا "ذلك الرجل ميشيل كان لعنة، منذ اقترحته زوجة والدك وهو يعبث بكل مكان بالمجموعة ووالدك ترك له الزمام حتى انتبه للفساد ولكن كان الأمر قد فلت منه"
هزت رأسها وهي تعلم أن تلك الانهيارات لا يمكن أن تكون بسبب والدها، ذلك الجبان أخو زوجة والدها لعنة كأخته وقد اكتشفت الكثير من سرقاته وقرارته الخاطئة، احتياج الشركة لخبير هندسي الآن هو خطوة أولى للإنقاذ والباقي يمكنها تدبره
تحركت لمكتب والدها وقالت "هي لم تفكر حتى بالعودة من أجله وأخيها اختفى بعد الكارثة"
لم ترد ماريا فقالت هي بنفس الانجليزية الواضحة، هي تجيد العربية والانجليزية والاسكتلندية لغة والدتها ودرست أيضا الإيطالية وقت دراستها بالجامعة "سأجري المقابلة بنفسي غدا صباحا، الخبير لابد أن يكون على قدر كبير من الخبرة والنجاح بمجالات مشابهة وإبداء حلول واقتراحات تنقذ المجموعة كي يمكنه قيادة المشروع الأساسي وإلا سقط كل شيء"
وجذبت حقيبتها وتحركت للخارج وهي تكمل "سأمر على المشفى قبل البيت ماريا، لا تهاتفيني إلا للضرورة أحتاج للنوم"
أشفقت عليها المرأة فهي منذ يومين لم تفارق المكتب إلا للمشفى والعودة مرة أخرى ما بين اجتماعات وتحقيقات ودراسة للخسائر ومحاولة تخطي الانهيار لذا كان لابد أن ترحل وإلا انهارت هي الأخرى
لم يكن هناك أي جديد بالمشفى فرحلت للبيت، فيلا والدها كانت بمكان منعزل بجوار الشاطئ، هي لم تنساه أمضت به سنوات كثيرة من طفولتها ولكنها تكره تلك الفترة بسبب زوجة أبيها، كونها لم تحب والدتها ولم تنجب أطفال سبب لها كره كبير لآسيا ولم يمكنها معالجته
أخذت حمام ودخلت الفراش دون أي طعام وعقلها لا يتوقف عن التفكير حتى نامت
بالصباح رحلت للمشفى الطبيب أخبرها أن الحالة مستقرة لكنه لم يفيق من الغيبوبة فأخفضت وجهها ورحلت والأمل يرحل معها، نزلت من سيارة والدها والسائق يبتسم لها فمنحته ابتسامة رقيقة كجمالها الرقيق الذي كان مثار غيرة البنات بالمدرسة وزوجة والدها، كانت تشبه أمها بكل شيء، عيونها الخضراء البشرة البيضاء الصافية الشعر الأشقر الذي يصل لأكتافها بتموج رائع إذا أطلقته، قوامها أيضا كان متناسق بالضبط كوالدتها
تحركت بملابسها البسيطة على الرصيف تجاه باب مبنى الشركة عندما تذكرت هاتفها فتوقفت لتبحث عنه في حقيبتها ولكنها تذكرت أنه بالسيارة فالتفتت لتعود لتصطدم بجدار بشري صلب دفعها للخلف كاد يتسبب بسقوطها ولكن بلحظة كانت تعود لمكانها بذراع قوية التفت حول جسدها لتعيد لها توازنها كل ذلك بلحظة جعلتها ترفع وجهها لصاحب الجدار البشري فاضطرت لرفع رأسها لأعلى لتصل لنهايته وتلتقي بتلك العيون البنية القاتمة أو سوداء هي لا تعرف ولكنها عيون جذابة التقطت نظراتها وهي ترتبك من ذراعه فتراجعت لتبتعد وتجذب جاكتها بتوتر وقالت وهو أيضا قال
"آسفة، آسف"
ظلت العيون تحدق ببعضها البعض وشعرت بأن لمسته تركت أثر على جسدها وعطره يحوم حوله وحولها، قامتها بالكاد وصلت لصدره، عيون خضراء ذات بريق مثير، شفاه رقيقة ولكن تأخذ العقل، وردية بلا مساحيق، بشرة بيضاء كالثوب الأبيض الناصع، ذلك الشعر الأصفر، هل لونه طبيعي؟
أخفضت عيونها وتحركت للسيارة وهي تمر من جواره وقد تجنبت النظر له مرة أخرى، وهو لم يعرف كيف تجمد هكذا أمامها ووجهها يأخذه لها ولكن رنين هاتفه أعاده للواقع فالتفت ليجيب
دخلت مكتبها وحاولت نسيان تلك العيون القاتمة وصلابة جسد صاحبها وأناقته التي لم تغفل عنها، تبعتها ماريا وهي تقول "لم يأتي أحد حتى الآن"
أبعدت حقيبتها على المكتب وفتحت جهازها وقالت "توقعت ذلك، لا أحد ينجذب لقاع الجبل الكل يطمح بالقمة ماريا"
هزت ماريا رأسها وقالت "أنت بلا انشغال حتى الثانية عشر، بعد الغداء لديك الكثير هل تسمعيه الآن؟"
هزت رأسها بالنفي قالت "لا، بوقته ماريا"
لم تعارض المرأة وعادت هي للجهاز والهاتف وانشغلت حتى دق بابها ودخلت ماريا وقالت "أول خبير هندسي وصل"
رفعت وجهها لها وقد سقطت خصلات من شعرها على وجهها فأبعدتها خلف أذنها وقالت "حولي ملفه لي، خمس دقائق ودعيه يدخل"
أجابت بعملية "تمام"
رأت ملف ساهر ولكنه لم يمنحها الكثير، فقط مصري ولا يعمل هنا وأتى ليعرض مقترحاته كما يريدون، هل أتى ليحقق لنفسه نجاح زائف على حسابها، كونه مصري يذكرها بوالدها وبأنها تربت على تقاليدهم المصرية بل ورحلت للقاهرة مع والدها وهي بالعاشرة وأعجبتها البلد بل وأحبتها كثيرا كحبها لبلد والدتها، هي بالأساس لا وطن ثابت لها
دق الباب ورأت ماريا تفتح وتقول "سيد ساهر دويدار يا فندم"
ما أن رفعت وجهها حتى تراجعت بمقعدها كما توقف هو على باب مكتبها بلا حركة وكلاهم يحدق بالآخر
يتبع..


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close