رواية بعدسة مكسورة كامله وحصريه بقلم ميرنا ناصر
"الجو كان مكتوم… كأن الأوضة نفسها مش طايقة اللي فيها.
أول ما دخلت، حسّيت بكده.
لكن الحاجة اللي شدتني أكتر؟ الشخص اللي قدامي.
قاعد على كرسي متحرّك، قدام الشباك، ضهره ليّا، لا حركة، لا التفات… كأنه مش معترف بوجود حد غيره.
لبسه مش مترتب، دقنه طويلة، وكأن السكون اللي حواليه جزء منه، مش مجرد حالة.
خطواتي كانت واثقة، حتى لو جوايا كان فيه توتر.
أنا عارفة إنه رفض كتير قبلي، لكن ده مش هيكون تكرار لنفس السيناريو."
_أستاذ تيام…
"لا رد. لا حركة. حتى نظرة مش موجودة."
_أنا الدكتورة نورين موسى، وهبدأ مع حضرتك برنامج العلاج الطبيعي النهاردة.
"سكون تام.
ما توقعتش ترحيب، لكنه حتى مش معترض.
كأن وجودي مش فارق."
_بصراحة، أنا قريت ملفك، وعارفة إنك رفضت كذا دكتور قبل كده…
استنيت لحظة، وبعدين قلت بثقة:
_"بس يمكن أنا…"
"لكن الرد جه سريع… بارد، قاطع، ومباشر"
= كان المفروض تبقي أذكى… وتعرفي إنك مش استثناء.
"نبرة تقفل أي نقاش قبل ما يبدأ."
= أنا مش مشروع فاشل بتجربي فيه آخر أملك.
"سمعته، استوعبت طريقته، لكن أنا مش جاية علشان أنسحب."
_ وأنا مش جاية أعمل معجزة… أنا جاية أشتغل.
"لأول مرة، استدار.
لما شافني، نظراته كانت متعبة، مليانة أعباء… ومليانة رفض."
= إنتي مش شايفة إن الشغل على حالتي… مضيعة وقت؟
"بصّيت له بثبات، وردّيت وأنا بحضر الأدوات:"
_اللي بيهرب من العلاج… هو اللي مضيع نفسه.
قالها وهو بيراقبني كأن عنده شك، لكن فيه جزء منه اتخبّط.
ثواني من الصمت… وبعدين قال باستنكار واضح:
= أنا تحدّي كبير، وده شيء لا يستدعي الفخر اللي إنتِ بتتكلمي بيه.
"رفعت عيني ليه، وبهدوء قلت:"
_ ولا هو خسارة أخاف منها.
"السكون كان أطول المرة دي.
كأن الكلام مسّ حاجة جواه، لكنه رافض يعترف بيها.
وبعدين… قرّر يحسمها:
= إنتِ مرفودة يا آنسة مورين ...
ابتسمت، جلست بثقة، وكأن القرار اتاخد خلاص.
_ دكتورة نورين موسى... لا، مش مرفودة، إحنا بينا عقد.
= اعتبري مرتبك اتصرف لك...والعقد اتفسخ.
_وأنا ماباخدش فلوس ما اشتغلتش بيها.
" نظر لي لحظة، وبعدين قال بحدة واضحة:"
= أنا مشفتش في تناحتِك.
"ابتسمت وأنا بحط أول الأدوات على الطاولة:"
_وأنا كمان، مشفتش في وقاحتِك.
=مرفودة للمرة التانية.
"رفعت نظري ليه، وبهدوء قلت:"
_تحب نبدأ أولى حلقات العلاج هنا.
"ولا التفات. ولا رد. ولا حتى محاولة للتفاعل.
لكن بعدها، من غير مقدمات، قالها بسخرية حادة، مستهينة بكل حاجة"
= إنتِ كمان جاية تقوليلي ‘في أمل’ و‘هنبدأ رحلة الشفاء’؟
"الحدة اللي في صوته كانت دفاع… مش مجرد هجوم."
"استند بظهره للخلف، نبرة صوته وهي مكسورة بالسخرية كانت صدى لكلام اتقال له كتير… حافظه، ومش ناوي يصدقه."
= بص يا تيام، انت لازم تكون قوي… وهتمشي تاني بس لازم تصبر…
"هزّ رأسه ببطء، نظرة كلها استهزاء وكمل :"
= في أمل؟ هتخف.. هترجع تمشي... إنتِ ليه متوقعة إني أصدق إن في نسبة شفاء؟
"بعدين رفع عينه لأول مرة، بصّ لي بثبات، وقال بحدة:"
=هتبدأي من أنهي جملة فيهم؟ أنا حافظهم.
"ابتسمت، ابتسامة هادية، وقعدت قدّامه، من غير ما أجاوب على التحدّي اللي كان بيدفعه في كلامه."
_لا، أنا جاية أسمعك… مش أقولك حاجة.
" كأنه مش متعود على حد بيسأله، أو حتى بيستناه يتكلم."
"نظر لي ثواني… وبعدين قال بصوت أهدأ، لكن محمّل بوزن السنين اللي عدّت:"
_الناس كلها عايزة تشوفني واقف تاني… كأن الوقوف هو الحياة...أنا مش فاهم هما مش مدركين أنا عندي ايـه؟شلل نصفي جزئي..
"سكت لحظة، نظراته مالت ناحية الشباك كأنه بيهرب من الإجابة…"
= ده هيتعالج إزاي؟ بالكرسي!. أتأقلم ما أنا متأقلم..
لكن تيام اللي جوايا مش عارف يتأقلم.
"بهدوء، بصّيت له وقلت:"
_أهو ده اللي جيت عشانه… إحنا هنبدأ من جوه.
"ضيق عينه عليّا، وكأنه بيحاول يشوف النوايا اللي ورا كلامي… وبعدين قال بحسم وكأنه فاق:"
_أنا مش عايز أرجع أمشي، أنا مبسوط كده.
"هزّيت رأسي، وقلت بنفس الهدوء:"
_"وأنا مش جاية أرجّعك تمشي… أنا جاية أرجّعك تعيش.
"نظراته اتغيّرت، المرة دي كان فيها رفض، وفيها سخرية… لكن فيها حاجة تانية، تردد خفيف، كأنه لأول مرة مش قادر يرد بقوة."
= عايزة تلعبي دور البطلة اللي أنقذت الشاب المشلول؟ شوفي غيري، أنا مش مشروع تعاطف.
"بس أنا ما تراجعتش.
قربت منه، مش بالمسافة… بالكلام اللي قلته:"
_أنا بطلة، من غير ما أنقذك.
قالها بسخرية مستفزة:
= آه، طبعًا… البطلة الجريئة اللي هتغيرلي حياتي بجملة ملهمة!
"هزّيت رأسي، وقلت بثقة:"
_"لا، ممكن أقولك ليه أنا بطلة خلال الجلسة...لو..أنا بقول لو إديتني فرصة...أنا بحكي حواديت حلوة جدًا.
وقفت لحظة، كأني عاوزاه يستوعب كلامي، وبعدين أضفت:
_إديني فرصة... جلسة واحدة… لو ما حسّيتش بتغيّر، أنا اللي هعتذر وأمشي.
سكت تيام.
لكن جواه، حاجة بدأت تتحرّك.
كأنه لأول مرة في صوت خافت بدأ يهمس جواه، صوت اتكتم شهور طويلة.
تنهد، وكان بيحاول يخبي الرجفة اللي في صوته وهو بيقول:"
= أنا مش بطل في فيلم أجنبي… مش هقوم في آخر المشهد، وأجري في الشارع على صوت موسيقى حماسية.
"ابتسمت، لكن الابتسامة دي كان فيها صدق، مش شفقة."
_ وأنا مش مؤلفة أفلام… أنا دكتورة، وبحب أساعد الناس اللي عايزين يساعدوا نفسهم.
"وقفت لحظة، وبعدين قلت له:"
_وبعمل رسالة ماجستير حلوة، ممكن أشاركك فيها.
" سكت، راقبني، كأنه مش فاهم ليه أنا مش مستسلمة.
بعدين قلت بهدوء أخير، لكن فيه تصميم حقيقي:"
_أديني فرصة. نبدأ بجلسة واحدة… بس واحدة. وبعدها، أنت اللي تقرر.
"ما ردش.
لكن لأول مرة، ما قالش "لا".
= أمشي..... أرجوكِ أمشي..
_يااه أحنا رجعنا للنقطة دي تاني؟
= بقولك أطلعي بره وأمشي.
_ مش همشي... أنا يا قا تل يا مقتـ ول.
" تيام تحرّك.
كان بيبعد بالكرسي ناحية الباب، وأنا تابعت حركته، لكن فيه شيء غريب.
وقف أمام الباب… لكن ما فتحهوش.
إيده امتدت للمقبض، ثم فجأة… قفله بقوة ومسك المفتاح القاه من الشباك..
الصدمة ضربتني، الصوت كان عنيف، كأنه إعلان شيء مش مفهوم.
لف لي ببُطء، نظراته كانت أعمق.
بصّ لي وكسر كل شيء قابل للكسر.
لكني ما كنتش مستعدة للجملة اللي قالها بعدها."
= يبقى مقتـ ــــول
" لفّ لي، عينيه مش نفس العيون اللي كنت بشوفها قبل شوية… فيها شيء أسود، عميق، مش مفهوم.
بهدوء قاتل، رفع إيده، فيها… "ولاعة."
=عارفة؟ إحنا خلاص، انتهينا.
"صوته كان ثابت، كأنه مش بيهدد، كأنه بيقرر.
اتنفست بصعوبة، فيه حاجة غلط، حاجة كارثية… اللي بيحصل مش طبيعي.
بعدين، وبهدوء غريب، رمى الولاعة على الارض...
صرخت بعلو صوتي"
