اخر الروايات

رواية ساهر الفصل السابع 7 بقلم داليا السيد

رواية ساهر الفصل السابع 7 بقلم داليا السيد 



الفصل السابع
عقد القران
الصدمة أفقدتها الشعور بأي شيء من حولها، منذ لحظات كانت تظن أنه لن يعود هنا مرة أخرى والآن!؟ يا الله! هل هي بوعيها أم تحلم أم ماذا؟ صوته أعادها لرشدها وهو يقول "آسيا أنا أتحدث إليك فهل سمعتي كلمة مما قلت؟"
رمشت عيونها وهي تهز رأسها بالموافقة فقال "و؟"
لم تفكر وهي تقول "لا"
وتحركت لأي مكان بعيدا عنه، مجرد حل، هو فقط يريد مساعدتها ولكنها ليست بحاجة له ولا لمساعدته لذا كان الرفض شيء طبيعي وهو توقعه لذا تبعها حتى تقدم وتوقف أمامها ليوقفها وهي ترفع وجهها له بغضب فقال "لا مجال للغضب الآن آسيا"
هتفت "ولا مجال لما تفعله ساهر لأني لن أقبل به"
كان يعلم ولكن جنونه هو الآخر لم يستطع التعامل معه، هو يريدها، هذا ما اعترف به لنفسه بعد يوم وليلة لم يغمض له جفن بهم ولم يتوقف عن التفكير بها لحظة واحدة لذا ما أن نهض النهار من حضن الليل حتى كان هنا والآن لابد أن يحقق ما يريد فقال "ليس كما تفكرين"
أشاحت بيدها السليمة وهتفت "ماذا إذن يا باش مهندس؟ أنا لست للبيع وميشيل سأقتله لو فكر بأن يقترب مني"
هز رأسه وقال "هذا رائع لكنه لن يقف أمامك لمواجهتك لأنه أجبن من ذلك، هذا شيء والشيء الآخر أنك كامرأة لن يمكنك الصمود أمام رجاله مرة وراء الأخرى بالنهاية هم مجرمين وأنت امرأة"
ابتعدت من أمامه وهي تقاوم الدموع بسبب ما يحدث وما داخلها مما لا يعرفه سواها وقالت "سأقتل نفسي إذن"
قبضته على ذراعها أعادتها أمامه وهو يحني رأسه ويواجها وهو يقول بجدية "الحياة ليست رخيصة هكذا كي ننهيها بأيدينا ولن نموت كفرة، ربما عزت أساء التفكير لكن نحن علينا إيجاد الحل الصواب"
كلماته كلها صحيحة، هو وجد العقل لكنها لم تفعل فقالت "ليس الزواج ساهر، نحن حتى لا نعرف بعضنا البعض، بالنسبة لي الزواج رابط أبدي، أنا صحيح مسلمة ولكني عشت بوسط أجنبي سنوات كثيرة علاقاته الغير شرعية أيضا كثيرة ولكن الزواج أمر مقدس ولا يمكن الإخلال به بأي يوم"
زاد قربه منها وقال "وهو كذلك بالدين الإسلامي آسيا، هو مودة ورحمة وإخلاص، لا مجال لما بذهنك آسيا، ربما كنت رجل نساء بيوم ما لكن لو عاهدت الله على أن أكون زوجا لامرأة فسأكون لها هي وحدها وسأطالبها بالمثل"
ظلت تتجول داخل عيونه الجميلة والدموع انتصرت عليها فقالت "الزواج لا يكون هكذا ساهر، الحب.."
قاطعها "الحب كلمة نسمعها بالأفلام آسيا ونقرأها بالروايات لكن عند الواقع ندرك أن لا وجود له، زواجنا سيكون قائم على رغبة كلا منا بالآخر وهذا لن ننكره، بيننا شيء بعيدا عن الجنون الذي يسقط بيننا، تلك القبلة كانت تعني ذلك، أنا لا أتزوجك لأنك بحاجة لزوج لحل أزمة ثم تتخلصي منه بنهايتها أنا أطالبك بزواج حقيقي وكما يقال لديكم بالسراء والضراء فهل توافقين؟"
كلماته كالندى يغسل ما يطمس كل جميل ليعيد له جماله، بلسم يفك كل العقد، مخدر يوقف الألم، رفع يده لوجنتها ومررها عليها وقال "أنا أريدك، وافقي آسيا"
توقف عقلها عن العمل لا تعلم هل من سحر كلماته أم تأثير لمسته أم جاذبية عيونه القاتلة ولكنها وجدت نفسها تهز رأسها بالموافقة فلم يتردد وهو يلفها بذراعه ويجذبها بقبلة قوية لم تعرفها من قبل ويداها تستند على صدره الذي كان صلبا مشدودا بقوة واستجابت لقبلته وارتفعت يداها بلا وعي لعنقه حتى فقد الاثنان وعيهما بالواقع ورحلا لعالم مختلف كعالم الخيال، أو ربما كما يقال فتحا الغلاف ودخلا داخل الرواية وأصبحا الأبطال ولكن ترى هل ستكون سطور رومانسية أم الواقع مضمونها؟
عزت كاد يطير من السعادة عندما عرف بقرارهم وهتف "حقا حبيبتي؟ أنا سعيد جدا"
تورد وجهها ولم تنظر لساهر وهي تسأل عزت "سعيد لأني سأتزوج"
هز رأسه وقال "بالطبع ولأن الزوج هو ساهر، متى ستعقدون القران بني"
كان ساهر يقف بعيدا بجوار النافذة بغرفة المكتب ويداه بجيوبه والتفتت هي له فقال "بمجرد أن أحقق اتصال مع عامر فهاتفه مغلق كما وأن زوجة أخي أنجبت طفلا أول أمس والأمور معقدة قليلا"
أخفضت وجهها فقال عزت "ترتبط بهم جدا، إخوتك"
لم يتحرك وهو يقول بجدية واضحة "بالتأكيد، نحن وحدة واحدة"
ابتسم عزت وقال "يا له من محظوظ رفيق! أولاده يضرب بهم المثل"
تحرك متلاشيا ذكر رفيق ونظر لها وقال "هناك رجال سيرسلهم جاسم أخي لحراسة الفيلا ولا أرى داعي لخروجك وحدك"
رفعت وجهها له وقالت "والشركة؟"
قال بنفس الجدية "يمكنك إدارة كل شيء من هنا، أحتاج للذهاب وسأكون هنا بالمساء من أجل القران سأهاتفك قبلها"
لم ترغب بذهابه ولكنها تعلم بانشغاله وما قاله عن إخوته بينما قال عزت "وأنا سأهاتف رفيق بالطبع سيكون وكيلك"
التفت له بغضب واضح وقال "لا"
تجمد عزت من نبرة ساهر وارتجفت هي من صوته الغاضب وملامحه التي تبدلت وعزت يبتلع ريقه وهو يسأل "لا! ماذا تعني بلا؟"
لم تتبدل ملامحه وهو يعود لها ويقول "أنت تتزوجين ساهر وساهر فقط وليس ساهر ابن دويدار فهل لديك رأي آخر بذلك؟"
ضاقت عيونها الجميلة وهي تواجه وقالت "لا ساهر أنا لا يهمني سواك"
ولكن عزت قال "ولكنه والدك بني وصديقي"
التفت له ساهر وقال "حتى لو هو لن يكون هنا هل تسمعني؟ إخوتي فقط، اسمحوا لي"
وتحرك بغضب ولكنها تبعته بسرعة للخارج وهي تناديه ولم تلحق به إلا عند السيارة حيث رآها وهو يفتح بابه وهي تهرع خلفه وتهتف "ساهر انتظر، ساهر ماذا حدث؟"
وجهه الذي احمر من الغضب وصدره الذي ارتفع بأنفاس متلاحقة جعلوها تدرك غضبه، أمسكت يده التي تمسك بالباب لتبعده عن السيارة وتقول "من فضلك لا تذهب الآن حتى تهدأ"
لم يقاومها والغضب يتحكم به ولكن نظراتها ولمسة يدها جعلته يعود للواقع وهي تقف أمامه وتقول مرة أخرى "لماذا كل هذا الغضب؟ هل هناك شيء لا نعرفه؟"
كان عليه إخبارها، رفع يده لخصلاته ودفعها للخلف وتنفس بقوة ثم قال "لا أحد منا نحن الأربعة له علاقة برفيق"
ظلت جامدة وهي تقول "لا أفهم"
تحدث بغضب مكتوم والذكريات تمر بذهنه "منذ سنوات كثيرة جدا اكتشفنا أن، أن رفيق تاجر آثار شهير، عامر هو من عرف بالأمر وتشاجر معه وهو لم ينكر وأنا سمعت الشجار، كنت صغير جدا، ما زلت بالجامعة، عامر قرر الانفصال عنه واستقل بشركته وحرم أموال رفيق على نفسه وأنا أخبرت إخوتي وكان قرارنا جميعا نفس قرار عامر، نحن لا يربطنا برفيق سوى الاسم، لا أحد منا يقيم بالبيت ولو عدنا له يكون لزيارة هدى أو البنات"
هزت رأسها بتفهم وقالت "هذا شيء يثير الاحترام، بالتأكيد احتاج شجاعة كبرى منكم"
ظل ينظر لها لحظة ولديه الكثير ليخبرها به لكنه لم يفعل وهو يقول "لابد أن أذهب آسيا، أحتاج رؤية حمزة وحلا زوجته وكذلك رؤية عامر"
هزت رأسها بتفهم وقالت "حسنا"
لم يتحرك وعيونه تتجول على عيونها الخضراء قبل أن يجذب نفسه من تأثيرها عليه ويتحرك للسيارة وهي تتابعه بصمت وقد رأت كلمات كثيرة بعيونه ولكنه لم يرغب بالحديث وهي لن تجبره
عامر كان ببيته ونزل لرؤية أخيه وهو يقول بدهشة "هل أنت بخير؟"
بدا متوترا بلا سبب وهو يقول "نعم ولكن هاتفك مغلق وأنا أحتاجك"
وضع عامر يده على كتف أخيه فهو يعتبره ابنه وليس أخيه الصغير، كان يعلم أنه لم ينال كفايته من حنان الأب مثلهم لذا كان معه كظله بكل الأوقات وساهر كان يدرك ذلك ولم يمانع
تحرك به للمقاعد الوثيرة وقال "وأنا كلي لك، مازن أسقط الهاتف بالماء فمات الهاتف ولم يصل البديل بعد، اجلس سأجهز لك كأس"
لم يجلس وعامر يجهز له كأس بل قال "سأتزوج آسيا عامر، أريد عقد القران الليلة"
رفع عامر عيونه له بهدوء وهو يضع الثلج بالكأس ثم عاد للكأس وصب المشروب ثم تحرك لأخيه حتى وقف أمامه وقال "هذا قرار؟"
هز ساهر رأسه وهو يأخذ الكأس من يد عامر ويتناول جرعة منه وهو ينظر لعامر الذي قال "حب!؟"
هز ساهر رأسه بالنفي وقال "أنا لا أعرف الحب عامر وأنت تعرف ذلك جيدا"
ابتعد عامر للماء وقال "وأعلم أيضا أنك لست رجل زواج كنت تسخر منا جميعا عندما تزوجنا"
التفت مبتعدا وهو يقول "هناك مجنون يلاحقها بغرض الزواج منها"
قال عامر "أنت تعيد قصة جاسم"
التفت له وقال "ربما ولكني أريدها"
رفع عامر زجاجة الماء وهو يقول "أردت الكثيرين من قبل وحققت رغبتك بلا زواج فلماذا هي؟"
لم ينظر لأخيه وهذا السؤال لا إجابة له وحاول الفرار منه بلا فائدة فقال "ربما هي ليست مثل من عرفتهم، ربما أنا تعبت من تلك الحياة، لا أعلم عامر فقط عندما اقترح عزت أمر زواجنا لحمايتها وجدته مناسب لي ولا أرفضه"
تحرك عامر ليقف أمامه وقال "هي ليست مصرية وأنت تحدثت عن اختلافكم كما وأنك تعرف المرأة الأجنبية، أقصد"
ولم يكمل عامر ولكنه ظل ينظر لأخيه وهو يفهم كلماته جيدا ولكنه قال "هي مختلفة عامر لا تنسى أنها نصف مصرية ومسلمة، كنا فعلا نظن أننا مختلفين ولكننا لم نرفض بعضنا البعض ولا الزواج"
نظرات عامر كانت قاتمة لا تمنحه أي شيء حتى قال "كل ما أريده هو راحتك ساهر ولو هي ستمنحك ذلك فأنت تعلم أني سأساندك بأي قرار تتخذه"
كان يعلم ذلك، فقط هو احتاج ليقف أمام مرآته، عامر، ويستمد الشجاعة منه فهز رأسه وقال "أعلم عامر، أريد عقد القران الليلة والزفاف بنهاية الاسبوع"
تراجع عامر قليلا ثم قال "الليلة؟"
ابتعد وقال "عزت أخبر ذلك المجنون أنه عقد قرانها بالفعل"
سمع عامر يقول "حسنا، امنحني هاتفك لأخبر إخوتك"
تنهد بارتياح لوجود عامر معه ولا يعلم لماذا كان هناك شيء داخله يريد إيقافه؟ لكن الجزء الأكبر كان يدفعه لها دفعا بلا تفكير..
ارتدت فستان ذهبي طويل رائع كانت اشترته مع والدتها ولم ترتديه، بلا أكمام ويلتف محكما على صدرها وخلف عنقها بفتحة جانبيه حتى ركبتها ومسحة رقيقة من الماكياج ورفعت شعرها الأشقر لمنتصف رأسها وحذاء عالي جعلها تبدو كعارضات الأزياء وهي تنزل للقاء الجميع فوجدته يقف مع عامر الذي التفت لها بابتسامة هادئة ولاحظت حمزة مع والدها وجاسم يتحدث بالهاتف
اعتدل هو لرؤيتها وقد أخذت عقله بجمالها الواضح توقفت أمامهم وهي تقول "مساء الخير"
تحرك هو تجاهها والتقط يدها وقد تألق ببدلة رسمية صنعت لتلائم جسده العملاق وأكتافه العريضة وقال "تبدين فاتنة"
احمر وجهها لكلماته ولمعت عيونه لتوردها وهو يجذبها ويدها بيده وقال "بالتأكيد سبق وعرفت إخوتي، عامر، القائد، جاسم المسؤول عن الشؤون القانونية والأمن، حمزة تخصص أرقام وحسابات، وأنتم بالتأكيد تعرفون آسيا"
رحب بها الجميع بانحناءة خفيفة أو ابتسامة هادئة وبذات الوقت كان رجل الدين يدخل وعامر يتحرك له وهو يقول "أهلا بك"
ساهر اختار أن يضع يده بيد عزت دون توكيل أخيه ولم يعارض عامر هو يعرف جيدا استقلال إخوته ولم يعارض أيا منهم، عندما انتهى الرجل كانت تجلس بالمقعد المجاور له بينما تحرك إخوته له لتهنئته وهي أيضا بينما منحه عامر تلك العلبة الحمراء ليفتحها وهي تحدق به بدهشة ثم رأت دبل الزواج وبجوارها خاتم زواج ماسي رائع جذبه وقال "أعلم أن هذا يمثل لديكم الكثير"
كانت تتأمل الخاتم الرائع وهو يضعه بيدها اليسرى دون أن ترد ثم وضع دبلته بيدها اليمنى ورفع عيونه لها وقال "وهذه تخصنا"
بادلته النظرة وهي تستوعب ما يفعله، وضعت له الدبلة الفضية بإصبعه ثم أغلق الإسورة الماسية حول معصمها ورفع عيونه لها وهي رفعت عيونها له حتى قال عزت "مبارك الزواج حبيبتي، مبارك الزواج بني"
لم يترك يدها وهو يرد على عزت وظل الجميع وقتا كافيا يتناولون الحلويات والمشروبات ثم رحلوا معا وابتسم عزت لابنته وقال "هكذا لو مت اليوم لن أكن قلقا عليك حبيبتي"
ركعت بجواره وقالت "لا تقل ذلك بابا، وجودك بحياتي يعني لي الكثير"
جذبها له وهو يقبل جبينها وقال "أعلم حبيبتي كما هو وجودك معي، سعيد بزواجك من ابنتي ساهر"
كان ساهر يتحرك تجاههم وقال "كما هو أنا عمي"
نهضت فقال عزت "اسمحوا لي، موعد الدواء، ساهر البيت بيتك لست بحاجة لكلماتي"
منحه ساهر نظرة وهو يقول "شكرا عمي، سآخذها لرؤية شقتي ولو لم تعجبها فيمكنها انتقاء ما تشاء"
قال عزت "أو تبقون هنا معي"
حدق به ساهر للحظة ثم قال "ربما تأتي أنت للإقامة معنا ببيتي"
كلماته كانت واضحة فهز عزت رأسه وقال "ربما حبيبي، طابت ليلتكم"
وتحرك الرجل لغرفته وظل كلاهم بمواجهة بعضهم البعض حتى سمعا باب الرجل يغلق فتحرك لها وقال "ما رأيك بجولة بالسيارة؟"
هزت رأسها فأمسك يدها وجذبها له فتحركت معه حتى رأت رجال بالخارج فقال "أخبرتك أن جاسم سيفعل"
تحرك بالسيارة وقربها منه جعله يشعر براحة خاصة وأنها الآن له ولن تكون لسواه، قالت وهي تتجول بعيونها بالأماكن من حولها "لقد طلبت من ماما حضور الزفاف"
نظر لها ثم عاد للطريق وقال "كما تشائين، غالبا سيكون بالإسكندرية هدى لن تتنازل عن ذلك هل لديك اعتراض؟"
حدقت به وقالت "أنا لم أفكر بأي خطط للزواج بأي يوم ساهر، لم أجد وقت لأفعل"
لف وجهه لها وهي تنظر للخارج وأدرك أنه لا يعرف عنها شيء وهو يدخل مكان شهير وتوقف بمكان السيارات وقال "لدينا الكثير لنعرفه عن بعضنا البعض"
التفتت له والتقت بعيونه الجميلة ولم ترد وكلاهم ينزل من السيارة وتحركا للكافية ودخلا ليجدا مكانا خاليا فجلسا وهو يفتح جاكته ونظرات من حولهم تتأملهم فكلاهم بدا رائعا بملابس السهرة ولكن ذراعها الملتف كان يضايقها
طلبا قهوة وبدأ هو الكلمات "ماذا حدث بعد رحيلي من لندن؟"
تجمدت عيونها عليه وقد كان سؤاله مفاجئ لها فتراجعت بمقعدها وقالت "لماذا هذا السؤال؟"
قال "ربما لأني خمنت أنها بداية العداوة مع ميشيل فوقتها كان الأمر يقتصر على نيك"
نظرت لأصابعها ثم عادت له وقالت "ميشيل ونيك شركاء بكل شيء ساهر فقط أنا منعت ميشيل من دخول الشركة قبل مجيئك بعدة أيام"
اقترب من المائدة وقال "هل كان يتحرش بك؟"
كانت تتجول على ملامحه وتلك الكلمة تثير الكثير داخلها ولن يمكنها الفرار للأبد ومع ذلك لم تصل معه لتلك المرحلة فقالت "ميشيل أراد كل شيء وقد كان قريب من تحقيق ذلك حتى ظهرت أنا وكشفت خططه وطردته"
وضع الرجل القهوة وهي لم تجب سؤاله بل رحلت به لمكان آخر فعاد يقول "وجعل نيك بالمقدمة؟"
نظرت للقهوة وهي ترد "جاء البيت وهددني وطردته أيضا"
تناول القهوة وسألها "والشركة؟"
لم تواجه نظراته وهي تقول "نفذت اقتراحاتك"
انتظرها أن تكمل ولكنها لم تفعل فرفع يده ليدها وأمسكها فرفعت وجهها له فقال "سأتوقف"
هزت رأسها فقد أدرك أنها لا تريد أن تتحدث، ترك يدها فقالت "لماذا ترفض الإقامة بفيلا بابا؟"
تناول القهوة وقال "لأني أحب أن أقيم ببيتي لا ببيت حماي، لو لم تعجبك الشقة يمكننا"
قاطعته "أنا لا يعنيني الأمر ساهر، سأكون معك بالمكان الذي تريده"
ابتسم وقال "سأحصي الكلمات الجيدة بحقي والنادرة التي تنطقين بها"
تورد وجهها وهي تخفي عيونها عنه وقالت "كانت المعارك هي كل ما يربطنا" ورفعت عيونها له وأكملت "نحن صنعنا علاقة من لا شيء ساهر"
كان هادئا كعامر وهو يقول "نعم، ما رأيك لو ذهبنا بالصباح لرؤية الشقة وبعدها ننتقي فستان الزفاف و.."
هتفت "لا"
ضاقت عيونه فأكملت "العريس لا يرى فستان الزفاف إلا بيوم الزفاف ساهر"
ابتسم وقال "أتشوق لرؤيتك بالأبيض"
صوت عميق أوقف لحظتهم وهو يقول بإنجليزية واضحة "كان لابد من لقائك آسيا حتى ولو كان هنا"
رفع الاثنان عيونهم لصاحب الصوت وتراجعت هي من المفاجأة بينا تساءل هو عن أين رأى الرجل الواقف أمامهم من قبل؟؟
نظرات الغضب بعيونها كانت واضحة وهي تهتف "ماذا تفعل هنا؟"
عيون الرجل واجهتها وهو يقول "أردت رؤيتك"
تحدث ساهر بقوة "ومن أنت؟"
التفت الرجل له وقال "بل من أنت؟"
نهض ساهر بقامته الطويلة ليفوق طول الرجل وساهر يقول "ساهر دويدار وأنت؟"
قال الرجل "يوسف صديقها منذ الطفولة وكان بيننا.."
تذكر ساهر رؤيته للشاب بالمطعم بينما هتفت هي "كان بيننا ماذا يوسف؟"
التفت يوسف لها وهو يقول "لم أقصد آسيا ولكن لم يمكنني خسارتك"
جذبه ساهر من ذراعه وهو يقول "هل تتحدث معي أنا؟ ماذا تريد منها؟"
أبعد يوسف ذراعه من قبضة ساهر القوية وهو يقول "ولماذا أخبرك؟ ما شأنك أنت بما بيننا؟"
قبض ساهر على صدر قميص يوسف بقوة وقربه منه وانتبه الموجودين لما يحدث وساهر يهتف غير مدرك لتهوره المعتاد "شأني أنك تتحدث عن زوجتي، هل تخبرني ماذا بينكم الآن قبل أن أحطم وجهك هذا حتى لا تظهر له معالم"
نهضت بفزع وهي تمسك ذراعي ساهر وهتفت "ساهر اهدأ أرجوك"
لم ينظر لها وهو يهتف "تحدث قبل أن أفقد صبري"
هتفت بقوة "ساهر اتركه"
نظر لها وقال "ليس قبل أن أعرف ما بينكم"
تراجعت بدهشة من كلماته وهي تردد "ليس هناك شيء بيننا ساهر واتركه الآن"
ولكنه لم يكن يسمعها وهو يقول "ألم يكن معكِ بالمطعم بتلك الليلة؟ هيا أخبرني ما الذي بينكم وجعلك تأتي خلفها مصر"
تحول الغضب لها لأنه لا يسمعها فقالت "لآخر مرة ساهر أطلب منك أن تتركه وتدرك أن لا شيء بيننا"
هتف يوسف "أنت تظن أنك تخيفني بذلك وأنني سأنهار أمامك؟ هذا لن يكون"
قبضة ساهر ارتطمت بوجه يوسف بقوة جعلته يتراجع للخلف بقوة فاقدا اتزانه ليسقط على المائدة التي خلفه وينهض الجالسين حولها بفزع بينما جذبت هي حقيبتها وتحركت للخارج بلا انتظار لانتهاء المعركة وبأول سيارة أجرة كانت تركب داخلها دون أن تنظر خلفها والغضب والدموع يسيطران عليها، لن تعيش عمرها كله تثبت للجميع أنها شريفة وأنها لم تعرف رجال خارج إطار الصداقة أو العمل
لم يشعر بذهابها لأنه عاد وانقض على يوسف وجذبه له ولكمه مرة أخرى بوجهه فسقط تلك المرة على الأرض وكاد يتبعه لولا أن بعض الرجال أوقفوه وهو يهتف "تحدث أيها الجبان"
كان أحدهم يحاول مساعدة يوسف على النهوض وهو يمسك فكه بيده ويقول "طالما تشك بها لماذا تزوجتها؟"
سؤال أعاده لوعيه، التفت فلم يجدها ولا حقيبتها وتذكر وهي تخبره أن يتركه وأن لا شيء بينهم، أبعد الرجال التي كانت تمسكه وهتف "كنت معها بالمطعم"
انفض الرجال من حولهم ويوسف يقول "اسألها"
ولم يمنحه فرصة ليمسك به وهو يفر خارجا بينما أدرك هو ذهابها فوضع مالا كثيرا على المائدة واندفع خارجا وهو يهاتف رجال الأمن التي تقف على فيلتها وأخبروه أنها لم تصل، جن جنونه وهو لا يرها حوله، دخل السيارة وأخرج هاتفه ليهاتفها ولكنها بالطبع لم تجيب، ضرب المقود بيده وهتف
"اللعنة آسيا أليس من حقي أن أعرف حقيقة ما يحدث حولي؟"
ما أن وصل الفيلا حتى أخبره الرجال بوصولها، فتحت له المرأة فقال "أين الآنسة؟"
قالت "بغرفتها"
هتف "أي غرفة"
كانت تخبره وهو يقفز السلالم برشاقة حتى وصل ودق على الباب بأنفاسه المتقطعة، عندما لم تجيب دق مرة أخرى بقوة وهو يهتف "آسيا افتحي، افتحي ولا تثيري جنوني أكثر"
الرد جائه من خلف الباب بصوت قوي باكي "لن أفتح ولا أريد رؤيتك ولا التحدث معك"
رفع خصلاته بيده للخلف وقال بنفس الغضب "افتحي آسيا بدلا من أن أحطم هذا الباب"
تراجعت وهي تقف بمنتصف الغرفة وتحدق بالباب وهتفت "وأنا أخبرتك أني لا أريد رؤيتك ولا الحديث معك فهل تتركني؟ أنت مثله كلكم متشابهين، ابتعد عني واتركني"
هتف من الخارج وهو لا يفهم كلماتها "لن أتركك قبل أن أفهم آسيا هذا حقي"
هتفت بدموع "ليس لك أي حق بما يخص حياتي من قبل زواجنا ساهر، حياتي الماضية تخصني وحدي ولو لم تثق بي فلا داعي لإكمال ما بدأناه"
توقف، هل تعني ما قالت؟ ما فات لا يخصه؟ نعم ماضيها يخصها وحدها، هو يسألها منذ أصبحت زوجته ألم يحذره عامر من ذلك؟ هو اختار أن يثق بها وبأنها ليست مثل مثيلاتها ممن عاشت بينهم فما الذي يثير جنونه الآن؟ لماذا لا يستطيع قبول ذلك؟
قال بنفس الغضب "هل تجدين أن تتبعه لكِ حتى هنا ووقوفه بيننا بتلك الطريقة أمر لا يخصني؟"
لم ترد فضرب الباب بقوة بقبضته مما جعلها تقفز من الفزع وهو يهتف "أجيبي آسيا، هل هذا أمر عادي بالنسبة لك؟"
ردت "حتى لو لم يكن عادي ساهر فهو لا يستحق ما فعلته، نحن لا نعيش بغابة، أخبرتك هناك أن لا شيء بيننا وكان عليك تصدقيني لكنك لم تهتم بكلماتي ولم تستمع لي لأنك لا تثق بي وستظل مؤمن بأن هناك رجال كثيرة بحياتي"
عاد يرفع يده لشعره مبعدا إياه كله للخلف ويده الأخرى بجانبه ولف حول نفسه وكلماتها حقيقية، توقف وقال "وأنتِ تتركيني بمتاهة آسيا ولا تساعديني على الخروج منها وتطالبين بالثقة، ثقة على أي أساس آسيا وأنتِ حتى ترفضين التحدث؟ أنتِ من يضع الحدود وأنتِ من يغلق الأبواب بوجه ثقتي بك فلا تلوميني ولومي نفسك"
وتحرك عائدا وهي تسمع خطواته حتى سمعت سيارته ترحل فتحركت للفراش وسقطت على طرفه والدموع تتسابق على وجهها وهي تعيد كلماته على نفسها وتعرف أنه على حق هي ترفض الحديث لكنه لا يعرف أنها لا تستطيع التحدث لأن الأمر مؤلم ومؤلم جدا..
لم يهاتفها باليوم التالي وهي لم تفعل وكما طلب منها تابعت العمل من البيت لأنها أيضا كانت متعبة والصداع لازمها وعزت سأل عنه فأجابت أنه مشغول وظل ذهنها مشغول ولا تعرف ماذا تفعل معه
بالمساء كانت تخرج من المكتب عندما رأت يوسف يدخل والمرأة تفسح له، توقفت مكانها وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها وقال "كان لابد أن أراكِ"
ظلت صامتة فعاد وقال "أعتذر عما حدث بالأمس"
هزت رأسها وأشارت له ليتقدم لمكان الضيوف وتبعته وهما يجلسان فقال "عندما رأيت صورتك بالميديا بعد الحادث الذي أصابك بحثت عنكِ حتى عرفت مكانك وبالأمس كنت بطريقي لهنا عندما رأيتكم بالسيارة فتبعتكم للكافية"
أخيرا قالت "ألم تفكر بالانتظار حتى تنفرد معي مثل الآن يوسف؟"
أخفض وجهه وقد لاحظت تورم واضح بجانب فكه الأيمن وهو يقول "لا، لم أستطع التفكير، آسيا أنت الوحيدة التي يمكنها إعادة ماري لي"
كانت ثابتة وهي ترد "ماري لا تصدق أن لا شيء بيننا فكيف ستصدقني"
قال بحماس "ليس بعد زواجك، عندما تعرف بأنكِ تزوجتِ ستتراجع"
سألته "هل أتيت مصر خلفي لتطلب ذلك مني يوسف؟"
عاد ينظر للأرض وقال "لا، ماري هنا وأنا أتيت من أجلها"
ضاقت عيونها ولم ترد فرفع وجهه لها وقال "هي تجري بعض الأبحاث الخاصة بدراستها عن الإثار الفرعونية القديمة وأنا تبعتها"
لم ترد فعاد يقول "من فضلك آسيا، أعلم أن كل ما حدث بيننا كان خطأ، كنت معجب بكِ بطريقتي ونعم حاولت، لكن أنتِ الفتاة الوحيدة التي أوقفتني، الآن أنا حقا أحب ماري بل وأريد عرض الزواج عليها فقط أحتاج مساعدتك"
عندما رحل يوسف رن هاتفها فرأت اسمه فتعالت دقات قلبها وانتظرت لتهدئ أنفاسها وهي تفتح فجاء صوته هادئا وهو يقول "هل رحل؟"
شحب وجهها من سؤاله ولم يمنحها وقت لتفكر فقال "أنا لا أراقبك لكن رجال الحماية تمنحني أخبارك وهم طلبوا الإذن مني للسماح له للقائك"
صمت مخيف نزل عليهم حتى عاد وقال "عندما تريدين التحدث تعرفين كيف تجديني"
وأغلق ولم ينتظر كلمة واحدة منها وظلت جامدة بمكانها ودموع تتساقط على وجنتها، لماذا يختفي دائما بالوقت الذي تحتاج فيه لوجوده معها؟
تحرك لنافذة مكتبه وظل يحدق بالظلام وقد هدأ غضبه عن الأمس ولكن الأفكار تتلاعب به من وقتها، هو حتى لم يهاتف هدى ليخبرها بزواجه ولم يعد للزفاف وكأنه يرى أن ذلك الزفاف لن يتم فكلاهم الآن يسير بطريق مختلف وحتى يلتقيان لن يتم أي شيء
على الإفطار نظر لها عزت وقال "ساهر لم يأخذك للشقة؟"
لم تنظر له وقالت "لا بابا هو مشغول"
صمت حل بينهم ولكن عزت عاد وقطعه "والزفاف؟ لم تتفقون على أي شيء وقد تبقى ثلاثة أيام"
كانت تدرك كلماته وعليها إيجاد رد فقالت "عندما يجد وقت بالتأكيد سيهاتفني لنتفق"
وضع الشوكة والسكين بطريقة حادة وقال بغضب "لم تكوني كاذبة بأي يوم"
لم تنظر له وهي تقاوم الدموع وترد بصعوبة "لا ولكني لا أريد أن أتحدث"
نفخ بقوة وقال "آسيا هنا بمصر الحياة مختلفة، الرجل له أساليب وأفكار مختلفة عن الخارج، الزوجة هنا تتبع زوجها وليس هناك التساوي الذي بلندن"
رفعت عيونها الدامعة له وقالت "لذا أخبرته كثيرا أننا مختلفين، أنا لن أستبدل خمس وعشرون عاما من عمري بلحظة بابا، عليه أن يفهم أني لن أستطيع التأقلم بحياته وحدي وإنما هو أيضا عليه المثل"
هز رأسه بتفهم وقال "إذن أخبريه وجهة نظرك، تحدثي معه آسيا وعندما يرفض وقتها اتخذوا قراركم معا"
كان على حق وحتى ساهر أخبرها أنه ينتظر حديثها ولكن هل هي لديها الشجاعة الكافية لتفعل؟
ربت الرجل على يدها وقال "ألا تريدين هذا الزواج؟"
لم تنظر للرجل وهي تقول "أنا لم أفكر بالزواج بأي يوم بابا، أنت من وضعه بطريقي وهو اقنعني أن الزواج سيكون شيء جيد بيننا لكن لا شيء مما قاله تحقق"
ابتسم وقال "ليس هناك اثنان لم يختلفا بأي يوم لكن لا تفعلي مثلي حبيبتي وتتخذين الخلاف ذريعة لتبرير أخطائك، أنا لم أكن أسمع والدتك رغم أني لم أحب سواها ولكن بعد رحيلها تمنيت لو كنت سمعتها بأي مرة"
رفعت عيونها له فقال بحنان "اجعليه يسمعك واسمعيه لو لم يفعل، وقتها كما أخبرتك اتخذوا القرار"
لم ترد ولكن كان عليها اتخاذ القرار لمعرفة مصيرهم، ثلاثة أيام على الزفاف ولا شيء تم وهو لا يسأل ولن يفعل لأنه ينتظرها
هاتفها رن باسم والدتها فأجابت بسعادة والمرأة أخبرتها أنها ستصل قبل الزفاف بيوم وترحل بعد الزفاف، لن يمكنها ترك جورج الذي اعتذر عن الحضور لن يتواجه مع عزت مرة أخرى فكل مواجهة لهما تنتهي بكارثة
هاتفت جورج الذي أجاب على الفور "أهلا حبيبتي افتقدتك جدا"
جلست بالحديقة وقالت "وأنا أيضا جورج"
صمتت فقال "ماذا بك؟ اختلفتم؟ أنت وساهر كالعادة؟"
أغمضت عيونها، هي تحكي لجورج كل شيء، هو يفهمها أكثر حتى من والدتها لذا قالت "هو لا يثق بي جورج"
وحكت له ما حدث فقال "الأمر ليس كما تفهميه حبيبتي، من الطبيعي أن يغضب لرؤية رجل يدعي بوجود شيء بينه وبين زوجته ثم عليك وضع الأفكار الشرقية باعتبارك آسيا هو قد يظن أنك مررت بتجارب مع رجال أخرى وهذا لن يتوقف إلا عند الزفاف الفعلي حبيبتي لذا امنحيه الأعذار وتحدثي معه"
كلماته كانت تريح قلبها وتمنحها الثقة بنفسها وبصحة قرارتها
انتهى من اجتماعه مع حمزة وما أن فتح حمزة الباب ليذهب حتى تراجع وهو يقول "آسيا! يا لها من مفاجأة سارة كيف حالك؟"
توقف بمكانه أمام مكتبه والأوراق ما زالت بيده بقميصه المفتوح وأكمامه المرفوعة وهو يراها تبتسم لحمزة وتقول "بخير حمزة، كيف حال حلا وريان الصغير؟"
أجاب حمزة "بخير، حلا تكاد تفقد نفسها من عدم النوم"
ضحكت وقالت "وماذا عن مربية تساعدها؟"
قال بجدية "اقنعيها وأنا سأمنحك أجمل هدية، اسمحي لي"
أفسحت له ليذهب بينما ابتعد هو للثلاجة وأخرج زجاجة بيرة وفتحها ليتناول بعض منها وهي تغلق الباب وقالت "مشغول؟"
لم يلتفت لها وهو يرد "لا، لقد انتهيت"
والتفت لها ليجدها أمامه فتعلقت عيونه بها وهي تقول "ماما ستصل بعد الغد لحضور الزفاف"
تحرك من أمامها حتى وصل لمكتبه وجلس وهو يقول "هل تظنين أننا سنكمل؟ ذلك الزفاف؟"
تلجم لسانها لحظة من سؤاله وهي تلتفت لتواجه وهو يتناول البيرة وظلت هادئة وهي تتحرك لتجلس وقالت "هل تغير رأيك؟"
وضع الزجاجة على المكتب ولكنه ظل يعبث بها ويحدق بها لحظة قبل أن يقول "لست وحدي بذلك الأمر"
سقطت نظراتها على أصابعها وتنفست بصعوبة قبل أن تقول "يوسف ابن صديق بابا، تعارفنا منذ سنوات كثيرة عندما كنت أزور بابا بالإجازات، ليس بيننا أي شيء مما تظنه، يوسف حاول معي، أراد أكثر من صداقة ولكن بالنسبة لي لم يتخطى الأمر ذلك، غداء أو عشاء فقط ولا شيء آخر"
رفع عيونه لها ورأت السؤال بعيونه فأكملت "قبل أن أعود أدنبرة ارتبط بفتاة، ماري، ورأتنا معا مرة ففكرت مثلك وبالطبع ثار خلاف بينهم ولكن برحيلي عرفت أن لا شيء بيننا حتى قابلني بلندن وقت أنهيت كل أعمال بابا وتناولنا الغداء هناك سويا ومرة أخرى ترانا ماري معا وثارت وغضبت وقطعت علاقتها به وأتيت أنا هنا وهو لم يعرف مكاني او ربما لم يبحث عني، لا أعرف، يوم التقى بنا كان هنا من أجل ماري وليس من أجلي هي تدرس آثار فرعونية ورحلتها لهنا للدراسة وعندما عرف بوجودي هنا أراد مني أن أخبرها أن لا شيء بيننا خاصة بعد أن عرف أنني بالفعل متزوجة من رجل آخر"
لم يبعد نظراته عنها وهي أيضا لم تفر بعيونها كي لا يظن أنها كاذبة، اعتدل بجلسته وقال "وهل التقيتِ بها؟"
هزت رأسها بالنفي وهي تبعد وجهها عنه وقالت "لا" ثم عادت له وقالت "أردتك أن تكون معي لتتأكد من صحة كلماتي"
انتهت فنهضت فرفع رأسه لها وقال "إلى أين؟"
كانت تحاول الثبات بأقصى طاقتها وهي لا تنظر له وقالت "أعتقد أنك بحاجة للتأكد من صحة كلامي لذا سأتركك لتفعل"
وتحركت ولكنها تفاجأت عندما وجدته يقبض على ذراعها ليعيدها أمامه وهي ترفع عيونها له وهو يقول "هذا تأنيب أم ماذا؟ أنا هو من لديه الحق بذلك"
فتحت فمها لترد ولكنها تراجعت وأخفضت عيونها فأحاط ذراعيها بيداه وقال "تريدين تكرار نفس الكلمات من أن لا حق لي بحسابك عن الماضي"
لم ترد فرفع وجهها له ليرى عيونها الحزينة وقال "ليس عندما يرتبط الحاضر بالماضي آسيا، ليس عندما يقف رجل أمامي ويخبرني أن هناك شيء بينه وبين زوجتي، أنا رجل شرقي وهناك دماء حرة تجري بعروقي"
كلماته واضحة ووافقت كلمات جورج ولكنها قالت "لكن أنا ولدت وعشت بدولة أجنبية ساهر ولي عاداتي وتقاليدي ولن يمكنني التعود على عاداتك بليلة كما وأني لن أستطيع التخلي عن كل ما نشأت عليه خمس وعشرون عاما، عليك أن تثق بي ساهر لو كنت تريد حقا إكمال هذا الزواج لابد أن تثق أنك أول رجل بحياتي"
كانت على حق هي تحدثت من قبل عن اختلافهم واليوم تحدثت عن نفس المعنى ولكن بكلمات مختلفة وإن كان يطالبها بالتغيير فعليه هو الآخر بالتغيير ولكن ليس بما يتعلق بالكرامة كرجل لذا قال "كلامك كله صحيح آسيا ولكن فيما يخص كرامتي كزوج فهو أمر لن يختلف بين شرقي أو غربي، لكن لو على الثقة فأنتِ من صنع الحدود آسيا، رفضك الدائم للحديث يفجر الشياطين كلها داخلي"
عيونها كانت تحمل معاني كثيرة لكنه لم يفهم منها أي شيء ولكنها قالت "هناك أمور لسنا بحاجة لها كما وأننا لم نلتقي سوى مرات معدودة معاركنا فيها كانت المنتصر"
ابتسم وقال "علينا إيجاد حل لذلك وإلا حطمنا شقتنا كل يوم"
ابتسمت أخيرا فجذب وجهها له وقبلها بشوق غريب لا ينشأ بين اثنان لا يتفقان أكثر من ربع ساعة، قبلة سكنت بها كل النيران التي كانت تشتعل داخله، قبلة أراد أن يمنحها بها الكثير مما لا يعرف له مسمى لديه وربما سعيد بجملتها أنه أول رجل بحياتها، قبلة كانت مخدر لأحزانها التي اختفت بغبار السفر وقد ظنت أنها ستنسى، قبلة تمنت أن لا تعود من بعدها لسرد ماضي لا تريد العبور إليه من جديد
عندما ضغطت يداها على صدره توقف بصعوبة، أحب قبلتها وأرادها بل وأراد ما بعدها وهي أيضا كانت تحب قبلته تمنحها ثقة بأنها مرغوبة، قبلة لم تسمح لأحد بأن ينالها من قبل لكن هو مختلف، هي لا تمانع بأن تمنحه كل شيء خاصة وهو زوجها وهي احتفظت بنفسها لزوجها ورفضت أي علاقات، جزء من الدين الذي علمها إياه عزت عندما عاشت معه وجزء آخر يعود لها هي ورغبتها بأن تثبت لوالدها أنها بالفعل شريفة
لم يبعد وجهه ولا ذراعه التي تحيطها وقال "لا أعلم ماذا يحدث لي وأنت معي!؟ لا يمكنك تخيل كيف أمنع نفسي عنك"
زاد تورد وجهها ولم تجرؤ على النظر له وقالت "سأحصي كلماتك النادرة بحقي"
ضحك وهي تقتبس كلماته وهو يفلتها وقال "دعينا نهاتف هدى وتخبريني بأمر والدتك وكل ما تريدين ونشاهد الشقة، أنا ملكك اليوم كله"
ابتسمت له وهو يتحرك ويجذب جاكته وهاتفه وتحدث مع السكرتيرة "سحر بلغي القائد أني لن أعود اليوم"
وعاد لها ليلفها بذراعه ويتحرك معها للخارج حيث صرف سائقها وفتح لها لتركب بجواره وقد تبدلت الحياة لهما، ستعيش معه تلك اللحظات الجميلة ولن تبحث إلا عن نصيبها من السعادة
هدى كانت سعيدة بأن آخر أولادها الرجال أخيرا سيستقر وبالطبع الزفاف شأنها ولا أحد يتدخل به وآسيا لم تعترض، لم يقترح أي مطعم وكأن كلاهم كان يخاف من تكرار ما كان، أنهوا مقابلة ماري التي كانت بالجامعة وقد اندهشت بوجود آسيا وكذلك زواجها وأخيرا عادا للسيارة وقد كان العصر قد حل عليهم فقال "الشقة أليس كذلك؟ لو لم تعجبك يمكننا الحصول على فيلا بأي مكان تشائين"
عيونها كانت تتحدث قبل لسانها الذي قال "صدقني ساهر أنا لا تعنيني تلك الأمور، بيت ماما صغير ولكنه رائع ومليء بالحب والحنان رغم غنى زوجها"
ابتسم لها ويدها تستقر بيده وهو يشعر بسعادة واضحة على كل ملامحه، عندما دخلت الشقة كانت تشعر بمشاعر غريبة، هي لم تدخل بيت رجل من قبل، كثيرا ما حاول يوسف دعوتها لبيته لكنها رفضت، جاكوب، وغيره ممن مر بحياتها أيضا ولكن الرفض كان سبيلها وربما هذا ما جعلها بنظر الجميع امرأة معقدة
الشقة كانت رائعة وعصرية ومصممة بشكل مبهر جعلها تتلفت حول نفسها وهي تشاهد ألوان الجدران واللوحات الأصلية، الستائر القيمة تغطي الشرفة، إضاءة خافتة تريح الأعصاب"
يداه حطت على أكتافها من الخلف وهو يقول "طراز كلاسيكي"
التفتت لتواجه عيونه وقالت "هو رائع ساهر"
كان يضمها له وهو يقول "ربما تفضلين طراز آخر"
ارتاحت يداها على صدره وقالت "بالعكس هو جميل، ماذا بشأن الطعام؟ أنا جائعة"
ابتعد ليخرج هاتفه وقال "المطبخ موجود ولكني لا أجيد سوى صنع القهوة، سنطلب طعام الآن وسأجد امرأة تتولى تلك الأمور"
تحركت لتفتح الستائر ورأت النيل يواجها والارتفاع منحها هدوء بعيدا عن الضوضاء "مكاني المفضل"
وقف بجوارها فقالت "لم أحظى بمثل هذا المشهد الرائع من قبل"
التفت وأسند ظهره على السور وعقد ذراعيه أمام صدره وهو ينظر لها وقال "كنت تتحدثين عن بيت والدتك"
أبعدت عيونها للنيل والسفن الثابتة على جانبه وأخرى متحركة به ثم قالت "نعم أحبه جدا والحديقة هي مكاني المفضل"
عندما لم يرد نظرت له فقال "آسيا أنا لا أعرف عنك أي شيء"
ردت "ولا أنا أعرف عنك شيء"
لم يمنحها فرصة للهروب وهو يقول "كيف كانت حياتك بين والدين منفصلان؟"
لم تفر منه ولا من السؤال لو لم ترد الآن فستفعل بوقت آخر فقالت "التمزق"
وتحركت للداخل حتى وجدت غرفة عرفت أنها للمعيشة فاختارت الأريكة وجلست عليها وهو لحق بها ولم يتنازل عن مكانه بجوارها وقال "تمنيت من منهم أكثر؟"
قالت بصدق "الاثنان ساهر لا أحد يريد أب بلا أم أو العكس لكن كاترين كانت تبذل قصارى جهدها للتفريق بيني وبين بابا ونجحت بالطبع حتى سقط بالمرض وقت عرفتك، بالصغر كنت أقيم مع ماما، لم يكن يعلم بوجودي حتى بلغت الخامسة ووقتها أخذني بحكم قضائي وعندما بلغت الخامسة عشر رحلت لماما لأبقى هناك للأبد ولكن كنت أعود له ببعض الأعياد"
مرر يده على وجنتها وقال "وكيف كانت حياتك قبل مرضه؟"
ابتسمت وقالت "عادية كأي فتاة، ماذا عنك وعن مغامراتك التي كانت تملأ الميديا؟"
ظل يداعب وجنتها قبل أن يقول "هدى كانت ترفض رؤيتي بسبب تلك المغامرات"
لمس خصلاتها المتدلية فقالت "منذ متى بدأت؟"
توقفت يده وتبدلت ملامحه وهو ينهض ويتحرك بلا هدى ثم قال "منذ تركت البيت، أول فتاة عرفتها كان بعدها مباشرة والتصقت بي بسهولة، كنت محطم بسبب رفيق وما حدث معه، رفضت الإقامة مع أي من إخوتي واخترت الشركة القديمة، كان لي غرفة بها لأن الجامعة كانت هناك بالإسكندرية، تلك الفتاة كانت تعرف أني ابن دويدار الملياردير لكن لا تعرف أني لم أعد أنسب نفسي له وبالطبع كان كل شيء معها سهل ومتاح ولم تعارض بأي شيء كنت أريده نظير مال او هدايا فوقتها كنت أعمل بشركة هندسية ثم استقلت بعد الفضيحة وانضممت لإخوتي، الأموال كثيرة وهي لا تتوقف عن العطاء والأخذ حتى اكتشفت أني لم أكن الوحيد"
اتسعت عيونها وهتفت "لا!؟"
التفت لها مبتسما وقال "الغريب أني لم أشعر بأي فارق ومنها لسواها ولم أتوقف رغم معارضة إخوتي وهدى فقط كنت أفقد غضبي بعد أي مغامرة"
كانت مندهشة من كلماته وقالت "كانوا كثيرين؟"
ضحك وقال "لا أعلم، أحيانا عامر كان يغرقني بالعمل حتى لا أجد وقت للتنفس ولكن أحيانا أخرى كان الغضب يعيدني"
قالت بهدوء "لكنك لم تحب أي واحدة منهم؟"
رد بلا تفكير "لا مكان للحب آسيا بحياة رجل مثلي، أخبرتك أنه بالروايات وأنا لست رجل روايات أنا أعشق الواقع، أطول علاقة دامت شهرين"
شعرت بألم لكلماته ومع ذلك قالت "ومتى توقفت؟"
تحرك تجاها حتى وقف أمامها وقال وهو لا يرى سوى عيونها التي تنتظر إجابته وقال "ولماذا تعتقدين أني توقفت؟"
كلماته ضربتها بقوة مفاجأة، ألم يفعل رغم أنه تزوجها؟ قالت "أنت قلت ذلك ساهر"
كان يعلم أنه فعل ولكنه أراد رؤية عيونها وهي تتفاجأ منه فقال "وهل صدقت كلماتي؟"
ظلت صامتة وهي تستوعب كلماته ثم قالت "نعم ساهر أنا صدقت كلماتك، لماذا لا أفعل؟"
احتار بها وقال "تلك ثقة غريبة آسيا تصغر مني"
أجابت "الثقة لا تصغر أحد ساهر الثقة تبني النجاح والنجاح أمر كبير لا صغير"
مد يده لها فأمسكتها وهو يجذبها لتقف أمامه وقال "وأنا كنت صادق معك آسيا منذ رأيتك بلندن وأنا توقفت عن كل مغامراتي كنت كلما أقابل امرأة أتذكر رفضك لعلاقتنا أغضب وأثور وأتركها وأبتعد، غضبي منك كان على العكس من غضبي من رفيق فهو دفعني بعيدا جدا عن النساء"
كان يضمها له وهو يحني رأسه ليقترب من وجهها الذي لم يفر منه وهو يهمس على وجنتها "أردتك أنت فقط آسيا ولم أرد سواك"
وعاد يلتهم شفتيها برغبة أكبر وهي لفت ذراعيها حول عنقه ويداها تستكشف غزارة شعره ونعومته وشفتيها تستجيب له ولا صوت للعقل بينهم ويداه ترفع بلوزتها وتتلمس بشرتها الناعمة وهي لا تمانع، هو الرجل الذي أرادته هي الأخرى فهل هناك ما يمنع ما يمكن أن يحدث بينهم؟؟
يتبع.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close