رواية ساهر الفصل الثالث 3 بقلم داليا السيد
الفصل الثالث
لقاء
تملكها الغضب عندما رن اسم ميشيل بأذنها والمأساة التي تعاني منها هو سببها، التفتت بقوة للداخل حيث كان يقف ببرود وبيده كأس مارتيني والبرود واضح على ملامحه وهو لا ينظر لها حتى هتفت بغضب "كيف تجرؤ على التواجد هنا بعد ما فعلته بالمجموعة ميشيل؟ ألم يخبرك المحامي بعدم رغبتي برؤيتك مرة أخرى؟"
كان بالثلاثينات من عمره، وسيم وطويل ولكنه نحيف، يعشق نفسه بشكل يثير الاشمئزاز وهي لم تكره رجل بحياتها بمقدار كرهها له خاصة بعد ما حدث ولكن هو لا يبتعد عنها بل وكثيرا ما غازلها بطريقة غير محببة لأي أحد
تناول المشروب ببرود وقال "اهدي عزيزتي أنا لم أفعل شيء لكل هذا الغضب ووجودي هنا هو من مصلحتك، أنت بحاجة لي لإنقاذك"
أثار غضبها أكثر بالبرود الذي كان يتحدث به والغباء الذي صور له أنها قد تلجأ له بأي يوم، هتفت بقوة وغضب "أنت تحلم ميشيل، أنت آخر شخص يمكنني اللجوء له بهذا العالم والآن اخرج من هنا قبل أن أهاتف الشرطة"
تحرك متقدما تجاها حتى وقف أمامها، كان طويلا حقا بالنسبة لها ولكنها لم تهتز وهو يقول بنفس البرود "ومن سيحل مشكلتك؟ أنا فقط من يملك كل الحلول بيدي، اعترفي آسيا بأنكِ مجرد فتاة صغيرة لا تفقه شيء عن عملنا، ابتعدي عن المجموعة وصدقيني لو أردتِ المتعة واللهو كما عرفت عنكِ فيمكنني أن أمتعك جيدا"
يدها سقطت على وجهه بقوة وهي تصرخ به "أيها الكلب الجبان اخرج من هنا الآن، لا أريد رؤيتك بأي مكان يخصني هل تفهم؟ ولو رأيتك سأبلغ الشرطة عنك هل تسمعني؟ سأتهمك بالتحرش بي، اخرج الآن"
كانت يده تلمس وجنته التي ظهرت أصابعها عليها واحمرت من أثر الصفعة ولمعت عيونه ببريق غاضب وهو يحدق بها بعيونه العسلية وهتف ببرود قاتل "ستندمين آسيا، أعدك أن تندمي ولن تجدي حتى فرصة للاعتذار حتى ارحمك، أنتِ لي ولن تكوني لسواي"
لم تهتز وهي تقول "أفضل الموت على أن أكون للص حقير مثلك"
رفع يده الممسكة بالكأس والغضب واضح على ملامحه وهو يجز أسنانه عندما قذف بالكأس بلا هدى ليسمعا صوت تحطم الزجاج وتحرك هو للخارج وهي ترتجف مما حدث وتلك المواجهة تصيبها بالغضب أكثر وأكثر، كيف يجرؤ على أن يأتي ويفرض نفسه عليها بعد ما فعله بالمجموعة وتسبب بدمار كل شيء وتدهور والدها؟ ذلك الحقير لو كان لديها دليل واحد ضده لألقت به بالسجن حتى يتعفن..
انهارت على فراشها والإجهاد كان قد وصل لذروته معها ولكن ما زال عليها دراسة مقترحات الخبراء المتقدمين ولابد أن تجد الأفضل لن ترضخ لميشيل ولو على جثتها لن تمنحه أكثر مما حصل عليه، اغتسلت وجلست أمام جهازها بلا تردد
كان الصباح بمدينة الضباب لا يعني إلا موعد الاستيقاظ للعمل لكن لأنه بإجازة ولا عمل له فاختار الركض بالحديقة الشهيرة هناك، الفندق كان قريب وبالفعل ركض حتى تبللت ملابسه من العرق رغم برودة الجو فعاد لغرفته وطلب الإفطار تناوله بعد الحمام وتبعه بالقهوة، هاتف عامر وكان سعيد بخبر حمل ليل الجديد، حمزة لا أخبار عنه، عريس..
انتهى من مراجعة بعض الأمور التي طلبها منه عامر ثم قرر الخروج مرة أخرى للاستمتاع بالمدينة ولكن ما أن أغلق حاسوبه حتى أتاه اتصال برقم غريب فأجاب
بالمشفى كان الطبيب ينتظرها وهو يقول "الأمور تبدلت مس فيومي"
شعرت بقلبها ينقبض وهي تحاول جذب صوتها لتقول "كيف؟ أنا لا أفهم"
ظل صامتا لحظة قبل أن يقول "لقد أفاق"
ترددت قبل أن تكون سعيدة بالخبر وهي تقول "والخبر السيء"
نظراته كانت تختبرها ولكن بالنسبة لها ليس هناك أصعب مما مرت به بحياتها وما زالت بنفس الطريق، اتخذ قراره وقال "شلل نصفي، لن يمكنه الحركة وبالطبع الحديث سيكون قليل حاليا حتى يتحسن وآثار الخلايا التي تلفت بالمخ تظهر في المستقبل"
أخفضت وجهها وهي لا تصدق، والدها الرجل القوي الذي لم يكن يوقفه أحد يمكن أن ينهار هكذا، سمعت الطبيب يقول "أنا آسف ولكن هذه هي الحقيقة"
هزت رأسها ومسحت تلك الدمعة التي وقفت على أبواب عيونها وقالت "شكرا لك دكتور، متى يمكنني رؤيته؟"
قال بهدوء "ربما بعد ساعة تكون حالته تحسنت"
هاتفت ماريا وبالطبع منحتها أوامرها أثناء تأخيرها وتأجيل المواعيد، عندما دخلت لرؤية عزت والدها كانت ترتجف بلا سبب أو ربما لم تكن تصدق أنه يرقد هكذا بلا حول ولا قوة، لم يكن بأي يوم أب بالنسبة لها ومع ذلك كانت تتمنى أن يكون، عاشت سنواتها كلها تحاول أن تجتهد وتنجح بكل شيء حتى تثبت له أنها ليست الفتاة الفاشلة التي صورتها له زوجته الحقودة ولكنه ولا مرة رآها فقط كان يصدق السموم الكاذبة عنها
كانت الأجهزة متصلة بجسده وصوتها منتظم يدل على استقرار حالته، توقفت بجوار الفراش وهي تقاوم الدموع وعيونه مغلقة لا تراها وجهه شاحب لا يدل على الحياة، كان عليها أن تتحدث فقالت بضعف
"بابا"
تحدثت بالعربية التي يحبها لم ينسى يوما أنه مصري بل ويحب بلده وتقاليدها وعادتها، لف رأسه رغم أنها ظنت أنه لم يسمعها، بدا فمه متأثر من الجلطة وجهاز النفس يمنعه من الحديث، كذلك عينه اليمين لم تكن مفتوحة كاليسار، عندما رآها شعرت بدموعها تسيل على وجهها وهو أيضا رأت دمعة بعيونه
أمسكت يده وقالت "لا بابا، أرجوك لا تضعف، أنت بخير وستكون بخير"
كان يهز رأسه بصعوبة والدموع تكومت بعيونه وهو لا يستطيع الرد عليها، انحنت عليه وقبلت يده وقالت "فقط تماسك وكن قوي كعادتك واهزم المرض"
يده لم تتحرك، كانت ميتة بلا شعور وهي لم تجد ما تقوله وهو يرفع يده الأخرى ويشير وهي لا تفهم فقالت "لا أفهم بابا لو كنت تسأل عن العمل"
هز رأسه بالموافقة فقالت "سيكون بخير بابا لا تقلق"
أشار مرة أخرى فلم تفهم فثنى إصبعه الذي توضع به دبلة الزواج ففهمت وقالت "تقصد كاترين؟ هي لم تعد من رحلتها بعد ربما لم تعرف بالأمر، بابا من فضلك فكر بنفسك وصحتك ولا تقلق على أي شيء"
أبعد وجهه وأغمض عيونه فأغمضت عيونها بألم حتى وهو مريض يرفض وجودها ولكنها لن تتخلى عنه ولن تتركه أبدا
ما أن خرجت من المشفى حتى هاتفت والدتها التي كانت قلقة عليها، طمأنتها ثم منحت جورج الهاتف فشعرت بسعادة وهي تقول "أنت لم تهاتفني بالأمس جورج"
قال بحنان "كنت باجتماعات طويلة حبيبتي وجودك كان يقصرها"
ركبت السيارة وقالت "آسفة جورج ولكن أنت تعلم"
رد بهدوء "بالطبع أعلم ولا تقلقي حبيبتي ولا تهتمي إلا بإصلاح الأمور ومراعاة والدك، هل العمل بخير؟"
قالت بصدق "لا جورج، كل شيء ينهار، أرسلت لك ملف الخبراء ما رأيك؟"
قال بجدية عندما يمس الأمر العمل "لم يعجبني أحد لكن مستر دويدار يقدم مقترحات جيدة لكن صعب تحقيقها بوقت قصير"
قالت "قال أن لديه خطة جيدة للتنفيذ بوقت مناسب"
رد "المقترحات الأخرى معظمها تبحث عن صفحة جديدة دون النظر لإصلاح ما تهدم، أنا أثق بحسن اختيارك، لن يمكنني مجادلتك بأي شيء لأنك الأقرب للصورة الحقيقية لذا لا تترددي باختيارك"
ابتسمت رغم أحزانها وقالت "دائما ما تبثني الثقة جورج شكرا لوجودك معي"
ما أن وصل المجموعة بعد أن اتصلت به امرأة أخبرته بقبول خبراته بالمجموعة ويمكنه البدء من اليوم، لم يكن ليرفض العمل، خاصة وأن هذا ما أتى من أجله، كل أولاد دويدار يعشقون العمل، استقبله رجل بالخمسين من عمره عرف أنه رئيس قسم الإنشاءات وأمضى معه وقت طويل وعرف خلاله كل ما أصاب الشركة بالتفصيل ودرس معه أوجه النقص والحلول اللازمة
مر عليها اليوم بالمكتب ككل يوم وحاولت الرحيل مبكرا كي تمر على والدها ولكنها اندمجت بالعمل حتى نسيت الوقت ولم تشعر إلا عندما دق الباب ودخلت ماريا وهي تقول "أحتاج للرحيل لقد تأخرت آسيا"
رفعت وجهها لها ثم نظرت للساعة المعلقة على الحائط لتجدها التاسعة فقالت "بالطبع ماريا آسفة لتأخيرك كان يمكنك الذهاب دون انتظاري"
ابتسمت المرأة وقالت "لا أحب تركك وحدك ولكني لابد أن أذهب"
ابتسمت شاكرة للمرأة وقالت "شكرا لك ماريا"
لملمت أشياءها هي الأخرى ونهضت لتذهب والتعب واضح عليها، رفعت خصلات صفراء هاربة من الكعكة ورفعت حقيبتها على كتفها وتحركت للخارج
ما أن انفتح باب المصعد العادي ورفعت رأسها لتدخل حتى رأته أمامها بنفس أناقته وهو يرفع وجهه عن هاتفه ليلتقي بخضراء عيونها والاثنان يحدقان ببعضهم البعض، كان من الطبيعي اللقاء فهي من وافق عليه وطلبت من ماريا مهاتفته ولكن كلا منهما نسى أمر الآخر ليس بالضرورة اللقاء خاصة بهذا الوقت المتأخر
كاد الباب يغلق لأنها لم تتحرك، لن تدخل معه وحدها، ليس بعد ما رأته بالأمس بالمطعم ولكن يده أوقفت الباب عن الغلق وهو يقول وعيونه تتجول على ملامحها بنفس النظرة الساخرة
"من الأفضل أن تدخلي كي لا يغلق أم تخافين من الركوب مع الرجال؟"
كلماته الساخرة أغضبتها ومع ذلك قالت ببرود "ليس كل الرجال"
وتحركت للداخل بثبات، منحته ظهرها وهي تقف بأبعد مكان عنه وتجولت عيونه على ملابسها البسيطة، بدلة أنيقة بجاكيت قصير على تنورة ضيقة ولكن تغطي ركبتها، حذاء عادي جدا وحقيبة جلدية تشبهه، حقيبة الحاسوب معلقة على كتفها باهتمام
لم يعجبه الصمت، أراد الحديث معها، لا يعجبه تجاهلها له لذا قال "تعملين لوقت متأخر؟"
كانت تتمنى ألا يتحدث ولكنه فعل فلم تلتفت له وقالت "العمل لا ينتهي"
كانت تعلم أنها ستلتقي به إن آجلا أو عاجلا لكن حتى ذلك الوقت من الأفضل البعد عن رجل مثله هو بالفعل خطر وخطر كبير، سمعته يقول "بأي قسم؟"
انفتح الباب فالتفتت له وقالت "أمر لا يخصك"
وتحركت للخارج وهو يتابعها وربما الدهشة تأخذه من طريقتها بالتعامل معه، هي تتجاهله أو تعامله بغرور، ماذا بها تلك المرأة؟ لم تتجاهله امرأة من قبل فكيف تفعل ذلك فتاة لا معنى لها؟ ألا تعرف من هو؟ بالتأكيد تعرف فهي من أجرت معه اللقاء الشخصي ورغم شجارهم الخفيف إلا أنه هنا الآن
تحرك قبل أن ينغلق باب المصعد وما أن وصل للخارج حتى كانت قد اختفت وهو يتلفت هنا وهناك ولكن لا أثر لها، رفع يده لشعره وهو يشعر بغضب غريب لا يعلم سببه، بل يعلم تجاهلها له يثير جنونه، برودها بالتعامل لم يعرفه بامرأة من قبل، ليس معه وهو يعرف جيدا كيف يسلب أي امرأة عقلها لكنها لا تمنحه حتى الفرصة ليفعل بل تسد عليه كل الخانات
دخل سيارته وتحرك بها وهو يذكر الأمس وهي تجلس مع رجل بذلك المطعم، ربما هو حبيبها لذا هي تتعامل معه بتلك الطريقة، هو لا يعلم لماذا يهتم بها وهو وجد متعته بمكان آخر ولا يمكن لامرأة أيا كانت أن تستحوذ على تفكيره خاصة وهو بدأ ينشغل بالعمل ولا يريد أن يشغله شيء عنه كي ينتهي منه بسرعة
المشفى لم تفيدها بشيء فقط ما زال بالعناية ولن يخرج الآن، عزت لم يمنحها أي شيء، نظراته ما زالت حزينة ولا يتحدث بالطبع فخرجت عائدة للبيت
يومين مرا عليها وهي بنفس الحال حتى دخل نيك المدير التنفيذي للمشروعات وكان غاضبا وهو يقول "أنا لن أقبل بذلك أبدا آسيا"
رفعت وجهها له وهي تفزع من دخوله بتلك الطريقة والغضب واضح على وجهه، تقدم أكثر وهو يكمل "من منحه السلطة ليتحكم بعملي هكذا؟"
تراجعت بالمقعد وقالت بنبرة حادة ولكن هادئة "هل تهدأ نيك وتخبرني عمن تتحدث وما الذي تتحدث عنه بالأساس؟"
دق على مكتبها بقوة وهتف "من ظن أن فتاة مثلك لا تعرف ماذا يحدث حولها يمكنها أن تنقذ حتى نملة؟"
عندما لم ترد اعتدل وأكمل "تلك الشركة لن تنهض أبدا ومن الأفضل أن تعودي من حيث أتيت"
عندما ظل ينظر لها بانتظار الرد نهضت وتحركت حتى وقفت أمامه ورفعت رأسها له كعادتها وقالت بثبات "ومن أنت لتمنحني أوامرك؟"
تراجع من كلماتها وقبل أن يرد أكملت "الشركة بالفعل لن تنهض لأن بها أشخاص لا تريد لها النهوض وأنا أعرفهم جيدا ولكني ظننت أنهم قد يتراجعوا ويندموا ويحافظوا على المكان الذي منحهم الكثير"
شحب وجهه وهو يتلعثم بالكلمات "ماذا، ماذا تقصدين آسيا؟ هل تشككين بإخلاصي؟"
ظلت تواجهه بقوة ثم قالت "ما الذي أغضبك نيك وجعلك تقتحم مكتبي بلا استئذان هكذا؟"
رحلت الدماء تماما من وجهه وهو ما زال يواجه عيونها الجريئة قبل أن يبتعد من أمامها ربما ليستجمع نفسه ثم قال "ذلك الخبير المصري، اسمعي آسيا هو ليس له أي صلاحية بما يخص عملي وإلا سأطرده من هنا"
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول "مرة أخرى بأي صفة؟"
التفت لها وعيونه تتسع من كلماتها وهتف "ماذا؟ آسيا هل نسيت من أنا؟"
ظلت كما هي وقالت "لا، ولكن يبدو أنك أنت من نسى من أنت نيك، ليس من حقك ولا من حق سواك طرد أحد من هنا"
اقترب منها وقال "أنا المدير التنفيذي"
قالت بحزم "وأنا ابنة صاحب كل هذا والمسؤولة الأولى عنه وأنا فقط من له كل الحقوق والصلاحيات هنا"
ظل يحدق بها قبل أن يقول "هل هذا يعني موافقتك على قراراته وأفعاله؟"
تحركت عائدة لمكتبها وهي تقول "عندما تعرض علي سأدرسها أولا وأقرر وحتى ذلك الوقت لن تتهور مرة أخرى أمامي نيك"
لم يكن أحد يعرفها من قبل وجودها هنا جديد على الجميع لذا تقبلها كآمر وناهي ليس بالسهل ولكنه واقع ولن تتنازل عنه، التفت نيك للباب فقالت دون النظر له "الباب تم وضعه للدق عليه قبل الدخول"
نظر لها وعيونه تشيط بالغضب ولكنها لم تنظر له وما أن خرج حتى هاتفت ماريا "ماريا هل هناك قرارات اتخذت دون موافقتي؟"
أجابت ماريا "بالطبع لا"
لم تزيد وهي تفكر بذلك الرجل المصري الذي أثار جنون نيك بتلك الطريقة، بالتأكيد عرف أنه من ضمن من ساهم بدمار الشركة وواجه، كان عليه إخبارها قبل أن يتجاوز معه، مر الصباح بلا عقبات أخرى لكن بعد الغداء رأت ماريا تدخل بذعر وهي تهتف "مشكلة بإدارة التنفيذ، لابد من تدخلك"
نهضت بلا تفكير وهي تقريبا تعرف السبب، كان الصوت واضح وهي تخرج من المصعد والموظفين يتجمعون أمام مكتب نيك الزجاجي وهي تحاول رؤية أي شيء ولكنها لم تستطع وهي تخترق الجميع الذين أدركوا من هي وتفرقوا وسقطت عيونها على الخبير المصري وهو يرفع قبضته ليلكم بها نيك بتهور واضح وهي تفتح الباب وتصرخ بقوة
"كفى"
توقفت ذراع ساهر بالهواء وصوتها يعلو فوق نيك الذي كان يتهمه منذ ثواني لا تعد بأنه لا يفقه شيء وأنه هنا لتدمير ما تبقى، عيونه التقت بعيونها الغاضبة واندهش من وجودها وتراجع نيك أمامها وهو يلتفت لها ويقول بغضب
"أخبرتك أن توقفيه قبل أن أفعل أنا، هو يدمر كل شيء، هو يعمل لحسا.."
ولم يكمل لأن قبضة ساهر أطاحت به مترين للخلف وهو يصطدم بزجاج المكتب وتحرك ساهر ليكمل عليه لولا أنه توقف عندما وجدها تقف أمامه وهي تهتف "هنا شركة وليست قاعة ملاكمة مستر دويدار"
الغضب الذي ملأ عيونه كان يواجها وخصلاته التي سقطت على جبينه جعلته مختلفا، عيونها القوية أوقفته وهو يقول بنبرة جمدت الجميع "ومن منحك الحق بالتدخل؟"
كانت ماريا قد تبعتها للداخل فهتفت به "هي صاحبة الشركة مستر دويدار"
تراجع والدهشة تجاوزت كل الحدود معه وقبل أن يعلق قالت بهدوء "يمكننا التحدث باللسان لا بالقوة مستر دويدار"
صوت نيك جذبها "ماذا تفعلين آسيا؟ هو أنا من عليك سماعه وليس هو"
التفتت لنيك وقالت "لقد سمعتك نيك بل ورأيت تصرفاتك"
وأشارت بيدها لم فعله والمشكلة التي تفاقمت الآن وأكملت "لذا انتهى وقتك معي، التحقيق سيكون له القرار"
هتف ساهر من خلفها "هذا جيد لأني لن أنتظر هنا بعد الآن"
وجذب جاكته وهي تلتفت له وتقول "التحقيق لن يكتمل به وحده مستر دويدار، أنتما الاثنان طرف فيما حدث"
توقف أمامها وعيونه الساخرة تواجها بلا تفكير وهو يرد "ساهر دويدار لا يحاسبه أحد، أنا لا أعمل عندك"
وضرب كتفها بذراعه وتحرك للخارج من بين الجموع الواقفة والغضب يضربها من غروره ومن غباء نيك وتصرفاته الواضحة فالتفتت له وقالت "بمكتبي نيك بعد أن تستعيد نفسك، ماريا تعالي"
وتحركت للمصعد عائدة لمكتبها وماريا تتبعها وقالت "أريد كل من حضر ذلك الشجار، سأحضر التحقيق بنفسي"
هزت ماريا رأسها وقالت "ومستر دويدار؟"
لم تنظر لها وهي تقول "لنرى أولا من منهم سبب ما حدث وبعدها نقرر ماريا"
اندفع خارجا من الشركة وهو يقذف بالجاكيت داخل السيارة وتحرك غاضبا بالسيارة، هل كانت تسخر منه؟ صاحبة الشركة؟ لذا كانت تتعالى بتصرفاتها معه ولكنها بالنهاية امرأة وكأي امرأة تحب أن تكون مركز الاهتمام، دفع خصلاته للخلف وهتف "ولكنها لم تفعل أيها الغبي، هي حتى لا ترتدي ما يدل على مكانتها ولم تمنحك أو سواك نظرة واحدة تدل على الإغراء، وماذا عن الرجل الذي كان معها بالمطعم؟"
لم يعرف لأين يذهب ولكنه وصل لحانة قريبة من الفندق ونزل، كأس قد يهدئ من الغضب وربما رفقة توقف غضبه لكن ما أن جلس على البار وطلب المشروب حتى شرد بلونه الذهبي وهو يذكر عيونها الخضراء، كم هي مختلفة تلك المرأة، كم عمرها؟ اثنان وعشرون؟ ربما، لماذا لم تخبره أنها ابنة الفيومي؟ لماذا تتصرف وكأنها لا تريد التحدث مع أحد؟
اقتربت منه فتاة رائعة الجمال وابتسامة تعلو شفتيها وهي تقول "ترغب بصحبة؟"
انتبه لها وهو يحدق بوجهها الخمري وعيونها السوداء الجميلة دفع المشروب بجوفه واحترق صدره به ثم نهض جاذبا أموال من محفظته تركها على البار وقال "ليس اليوم"
وتحرك لسيارته وما زال الغضب يدفعه بلا وعي، اقتراحاته كانت ستجعل المجموعة تتخطى الأزمة والوضع أصلا ليس سيء كما كان يظن لكن نيك لم يرد ذلك، أراد إيقاف الإصلاح وكان عليه منحها تنبيه بذلك لا تركها هكذا والفرار من المواجهة، كان مخطئ عندما رحل، هاتفه رن برقم غريب فلم يجيب ولكنه عاد للرنين مرة أخرى فأجاب فوجد صوت ناعم وهادئ عرفه بالطبع يقول
"مستر دويدار أنا آسيا الفيومي هل يمكنك العودة للشركة؟"
غروره ارتوى باتصالها ولكن كرامته لا وتهوره لا يتوقف، اسم آسيا جميل يليق بعيونها الجميلة وشعرها الأشقر، لم يرحل غضبه وقال "لا أظن أن لوجودي داعي آنسة آسيا"
كانت لجنة التحقيق قد انعقدت بمكتبها وهي تقف بعيدا وتقول "أحتاج لأن أسمع رأيك مستر ساهر بشأن ما حدث قبل اتخاذ قرار بشأن نيك"
تابع الطريق وقال "هناك من يمكنك الاستماع لهم سيدتي الجميلة هذا لو كان هناك من يريد مصلحة تلك الشركة من حولك"
كانت تعلم أنه على حق لذا قالت "إذن أنت تعلم أن كل من حولي لا يريدون سوى قاع الجبل ومع ذلك رحلت"
كلماتها كانت غريبة، هل تعلم بالشبكة المحاكة حولها؟ كلماتها تعني ذلك، حاول أن يهدأ وهو يقول "أخبرتك أني لا أعمل عندك"
حكت جبهتها من الصداع وقالت "لا مجال للمعارضة ولكن بيننا اتفاق سيد دويدار وأنت لم تنفذه وأنا"
غضب مرة أخرى وقاطعها "لا تخبريني بما علي، أنا لا آخذ أوامري من فتاة طائشة مغرورة لا تعرف حتى كيف تدير حضانة وليس شركة كهذه"
شحب وجهها من كلماته ولم تجد أي رد بل وانقطع الخط بلا كلمات أخرى فأبعدت الهاتف لتنظر له ولا تصدق أنه أهانها بذلك الشكل وأغلق الهاتف بوجهها بلا سبب
ابتلعت إهانتها بلا دموع ما الفارق بينه وبين كل من مر بحياتها وترك صفعة على وجهها؟ ارتدت للمجلس المنعقد وقالت "رفض الحضور"
قال رئيس الشؤون القانونية "الجميع شهد ضد نيك آسيا، لا حاجة لنا بمستر ساهر"
هزت رأسها وقالت "تمام، أنا أعلن التصويت على قرار فصل نيك من الشركة أيها السادة"
بالطبع لم يعارضها أحد وهي تعلم أنهم لن يعارضوا فلو عارض واحد منهم ستدرك أنه بصف نيك وأحد خيوطه اللعينة
ما أن انفض المجلس وتركوها، ظلت على رأس المائدة وهي تستند رأسها على يداها ولا تعرف ماذا ستفعل، رحيل ساهر أعادها للصفر، هو رحل دون تنفيذ خطوة واحدة بمقترحاته والأمر تعقد مرة أخرى، سمعت ضوضاء بالخارج فرفعت رأسها ونهضت لترى سببها عندما اقتحم نيك مكتبها مرة أخرى وماريا تتبعه محاولة إيقافه وهو يهتف بغضب
"ليس من حقك طردي من هنا أيتها اللعينة، تلك الشركة أنا من بناها ولن أتركها لحمقاء مثلك"
اعتلاها الغضب وهي تواجهه "احفظ لسانك نيك، تلك الشركة لن تكون لنصاب مثلك، لا تظن أني لم أكن أعرف بأمرك بل ولدي ما يثبت جرائمك وأظن أنك لابد أن تشكرني لأني لم أطلب الشرطة من أجلك"
تقدم منها خطوة وهو يهتف بجنون "كاذبة، أنت لا تملكين أي شيء ضدي ولن تفعلي والآن ستلغين قرارك الطفولي هذا وسأعود لمكتبي وكأن شيئا لم يحدث"
لم تتراجع وكلماته تزيد من غضبها وهي تهتف "لن يكون نيك وستخرج من هنا بل ومن الشركة كلها قبل أن يخرجك الأمن منها"
أحنى وجهه ليقترب من وجهها وهو يهتف "أخبرتك أني لن أخرج بل وأنا من سيخرجك منها أيتها العاهرة"
لم تتردد وهي تصفعه بقوة على وجهه والتف وجهه من قوة صفعتها واحمرت وجنته وهو يهتف "كيف تجرؤين؟ أيتها.."
رفع يده لأعلى ليصفعها ورفعت هي ذراعها لحماية نفسها وهي تغمض عيونها ولكن الصفعة لم تأتي ونيك يحاول جذب ذراعه الذي لا يستجيب عندما أمسكت به قبضة قوية جعلت ذراعه تقف بالهواء وعندما التفت رأى وجه غاضب وصوت أيضا غاضب يقول
"بمصر لا نعتبر من يرفع يده على امرأة رجل ويسقط من نظر الجميع"
حدقت بساهر الذي كان يقف خلف نيك ويقبض على ذراعه بقوة ونيك يقول "لو كانت عاهرة مثلها فضربها هو الصواب"
تلجم لسانها خاصة عندما تراجعت لتفسح لجسد نيك بالسقوط أسفل قدميها من لكمة ساهر القوية للمرة الثانية وهو يقول "ومن يسب امرأة يستحق الجلد وليس فقط الضرب"
بنفس اللحظة وصل رجلين من رجال الأمن وهتفا وهم يرون نيك بالأرض ودماء تنزف من فمه وهو يتألم وهتف أحدهم "مس فيومي هل أنت بخير؟"
استعادت نفسها وهدأت ضربات قلبها من الفزع الذي كان يسبح داخلها وهي تبعد عيونها عن وجه نيك المحطم والدماء تغطيه وتنظر لساهر الذي كان هادئا وهو يبعد خصلاته للخلف بأصابعه عندما نادها الرجل مرة أخرى فانتبهت له وهزت رأسها محاولة جذب صوتها وهي تقول
"نعم، نعم بخير، أخرجوه خارج الشركة ولا يدخل هنا مرة أخرى ولو حاول هاتف الشرطة"
ساعد الرجلان نيك على النهوض وهو يجمع نفسه والدماء تسيل بينما حدثتها ماريا "أنت بخير؟"
هزت رأسها رغم ارتجاف جسدها وقالت "نعم ماريا، أنا بخير، قهوة من فضلك واسألي مستر دويدار"
التفت لها ثم لماريا وهو يحاول متابعة الحديث فقال "قهوة"
جرت ساقيها حتى مقعدها وجلست ولم تلاحظه وهو ما زال واقفا يتابعها وبدت شاحبة، خائفة؟ هي حتى لا تبدي مخاوفها، رفعت عيونها له وقالت "شكرا لتدخلك، تفضل"
كان عليها ذلك، نيك كان سيرد الصفعة بالتأكيد ولم تكن لتوقفه، جلس أمام مكتبها وقال "ربما هكذا تعادلنا"
ظلت تنظر له دون فهم فأبعد وجهه وقال "كلماتي بالهاتف"
تذكرت إهانته فهزت رأسها وقالت "حسنا"
دق الباب ودخلت ماريا بالقهوة بنفسها وقالت "كيف حالك الآن؟"
تناولت كوب الماء وتجرعت منه جرعة كافية ثم قالت "بخير ماريا، صدقيني بخير"
نظرت ماريا لساهر وقالت "شكرا لوجودك سيد ساهر"
هز رأسه بتفهم فالتفتت وخرجت فقال دون النظر لها "تحبك"
قالت بهدوء "وأنا أيضا، هل ستخبرني خططك القادمة بالنسبة لنا؟"
رفع وجهه لها وقد عاد لونها طبيعي ولكن عيونها المشرقة لم تكن كذلك فقال "لماذا يريدون تدمير المجموعة؟ الأمر لا يتوقف على نيك فقط"
ظلت تواجه نظراته ثم اقتربت من حافة المكتب وقالت "كنت أشك، لم أملك الوقت الكافي لتجميع باقي الشبكة، هم يجيدون التخفي"
هز رأسه وقال "نعم وأنا بالطبع لم يكن مسموح لي بالتوسع بدائرة الاطلاع هنا، نيك كان بالمرصاد لكن من معارضته لي بكل شيء فهمت نواياه، لماذا تأخرتِ بطرده؟"
تناولت القهوة ثم قالت "ليس لي سوى أيام هنا مستر دويدار، بابا هو من كان يدير كل شيء"
اعتدل بمقعده وهو يحاول أن يفهم كلماتها ثم ردد "لا أفهم"
رفعت رموشها عن عيونها لتواجه وقالت "كما أخبرتك، بابا هو من كان يدير المجموعة وعندما انهار كل شيء سقط مريض كما تعرف ووقتها هاتفني المحامي وماريا لإنقاذ الأمور فليس لبابا وريث سواي"
ضاقت عيون ساهر وهتف "لا خبرة لكِ بإدارة مثل تلك المجموعة فماذا تفعلين هنا وحدك؟"
ظلت تنظر له كان يمكنها إخباره أنها تدير فرع كبير من فروع زوج أمها وأنه علمها كل شيء أو أنها تدرس إدارة أعمال ولكنه قد لا يصدقها أو يظنها تتفاخر لذا قالت
"فقط أحاول ووجودك هنا من ضمن المحاولات مستر دويدار"
نطق بلا تفكير "ساهر، لا أحب الألقاب، لقد وضحت اقتراحاتي منذ البداية ولكن بعد رؤيتي للأمور من الداخل لدي بعض التعديلات ولكن يبدو أنكِ لن تفهميها"
لم تهتم لتقليله منها ولكنها قالت "ربما أفضل الاطلاع عليها قبل مجلس الإدارة سأحتاج للفهم وقت تواجدك أمامهم لمناقشة الحلول، ليس أمامنا سوى يومين قبل عقد المجلس والتصويت على القرارات ثم التنفيذ"
ظل يحدق بها قبل أن يقول "سيحتاج الأمر لوقت"
نهضت وقالت "لدي الكثير منه، مائدة الاجتماعات أفضل، تفضل مس.. ساهر"
نهض وهي تتحرك بثبات للمائدة وتابع خطواتها التي استعادت ثقتها والغريب أن طرازها لم يكن ممن يهواه ومع ذلك هو يجد نفسه مهتم بكل ما حولها حتى أنه غضب من نفسه عندما أهانها بالهاتف لذا قرر العودة ومحاولة تصليح الأمور ليجد نيك ويحدث ما كان
لم يشعر كلاهم بالوقت يمر وهو يشرح لها كل ما توصل له والحلول المتاحة وهي تناقشه وتجادله ولم ينتبه إلى أنها تفهم جيدا ما يقوله حتى دق باب المكتب ودخلت ماريا وهي تقول
"السابعة آسيا"
كان قد خلع جاكته ورفع أكمام قميصه ويقف بجوارها ليشرح لها أشياء على حاسوبها المحمول عندما اعتدل هو ناظرا لماريا ورفعت هي وجهها لها وقالت
"السابعة!؟ هل تمزحين؟ وأين باقي المواعيد؟"
ابتسمت ماريا وقالت "تم تأجيلها لوقت مناسب، هل تحتاجيني بشيء"
ابتعد هو لزجاجة الماء وتناولها كلها تقريبا بينما نهضت هي وجسدها يؤلمها من الجلوس وقت طويل وقالت "لا ماريا، أنتِ ملاكي الحارس، آسفة لتأخيرك"
ابتسمت لهم مرة أخرى وتحركت خارجة وهي تنظر له وتقول "لم أشعر بالوقت"
جمع الأوراق التي انتشرت على المائدة وقال دون النظر إليها وذهنه مشغول بأشياء خارج العمل "نعم، أنتِ متأكدة أنكِ لم تعملي هنا من قبل؟ تبدين على دراية بكل شيء"
رفعت خصلاتها التي تحررت من رباط شعرها ولم تنظر له فالنظر لرجل وسيم مثله سيفقدها تركيزها، هي لا تعلم ماذا أصابها منذ رأته؟ لكن عليها إيقاف كل ذلك هي هنا من أجل مهمة ستنهيها وترحل كما هو
قالت "تعلمت الكثير خلال الأيام الماضية كان لابد أن أفعل"
هز رأسه وهي تغلق جهازها فقال "ما رأيك بالعشاء؟"
رفعت وجهها له والدهشة تعلوه، لم تظن أن يفعل هما لا يعرفان بعضهما البعض وهي لا وقت لديها لذلك لذا قالت "ماذا؟"
كان يجذب أكمامه لأسفل وعيونه تحدق بها وقال "أتحدث عن العشاء"
للحظة أخذها الصمت حتى أبعدت عيونها وقالت "لا أظن، لابد أن أمر على بابا بالمشفى ولا أعلم متى سأرحل وأعتقد أني بحاجة للراحة بعد ذلك اليوم"
ظل جامدا بمكانه يراها وهي ترفض طلبه دون حتى النظر له، هل تتعمد إهانته أم هي تخجل من الرفض فلا تواجهه؟
لم يعجبه الأمر فأمسك يدها التي كانت تعبث بالجهاز ففزعت ورفعت وجهها له وهي تجذب يدها من يده وتواجه بنظراتها وهو يقول "هل هذا رفض لي كشخص أم لأن هناك ما يمنعك من الخروج معي آسيا؟"
تورد وجهها من سؤاله الجريء والذي لم تتوقعه واعتدلت لتقف أمامه وعيونه البنية لمعت ببريق غريب ونظرات لا تفهمها وقالت "وهل لابد أن أقبل العرض ساهر؟"
كانت تماطله بالرد وهو يدرك ذلك فانحنى عليها ليقترب من وجهها وتقريبا طول قامته هو واخوته تجعلهم يشعرون بأنهم يبتعدون عن الآخرين لذا اقترب من وجهها وقال
"ولم لا؟"
تراجعت من أنفاسه التي سقطت على وجهها مما جعلها ترتبك فهي لم تسمح لرجل بالاقتراب منها بأي درجة فقالت "لأني لا أعرفك ولأني أخبرتك بأني مشغولة ولأني لا أقبل العشاء مع أي أحد يدعوني له"
لم يبتعد وهو يرد "أذكر تواجدك بالمطعم بتلك الليلة مع ذلك الرجل"
تراجعت وهي تعلم أنه لن يفوت الأمر ولكن لا أحد يمكن أن يحاسبها، ليس من حقه هو ولا سواه أن يفعل فلم تتراجع وهي تقول "هذا ليس من شأنك، كل ما يربطنا هو العمل ولا شيء سواه وأعتقد أنك أيضا لديك ما يشغلك"
وتراجعت لمكتبها وهي تضع جهازها بحقيبته بعصبية واضحة وصوته يرن من خلفها وهو يتجاوز عن ذكرها للمرأة التي كانت معه "هو حبيبك إذن؟"
التفتت له والغضب ارتسم على ملامحها وضاع معه لون عيونها لتصبح قاتمة وهي تجيب "أخبرتك أنه أمر لا يخصك فمن فضلك توقف، كلانا يريد إنجاح العمل وإعادة الشركة وعندما ننتهي كلا منا سيعود لطريقه بعيدا عن الآخر وقد لا نجتمع مرة أخرى فمن فضلك لا تجعلنا نحيد عن العمل لأنه هو كل ما يهمني بعد صحة بابا"
وعادت لمكتبها وهي تشغل نفسها بالجهاز وربما تخفي دموع تنعي أحزانها ولا تريد مشاركتها مع أي أحد وهو تفهم الحدود التي تريد وضعها بينهم فجذب جاكته وارتداه وهاتفه وقال بنبرة حاول إخفاء غضبه عنها
"أحتاج البيانات التي طلبتها كي أنتهي من المشروع الليلة"
وتحرك خارجا دون انتظار رد منها وهي توقفت عن اللا شيء الذي كانت تفعله واستندت على المكتب بذراعيها وهي تستسلم للبكاء وهي لا تريد تلك الذكريات ولا تلك الحالة التي تسيطر عليها لذا رفعت يداها لوجهها ومسحت دموعها وعادت تلملم أشيائها دون رغبة بالتوقف لحظة أخرى من أجل أي ذكرى
يتبع..