اخر الروايات

رواية عشق ليس ضمن التقاليد الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم اسيل الباش

رواية عشق ليس ضمن التقاليد الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم اسيل الباش


الفصل الثالث والثلاثون
حبك يضايقني..
يعذب قلبي ويؤلمني..
يخنق روحي ويعتصرني..
حبك لم يغريني
رغم غزلك النادر،
وتشبثك الساذج
وهدير قلبك الصاخب..
يبقى حبك يثير جنوني..
يستولي على عرش هدوئي..
ويقيد لي حروفي..
يعزف على كمان ندوبي
ويحرر دموعي
ويطفئ نور شموعي..
----------------------------
كلمات وسيم اخذت تتردد في عقله كدوامة مظلمة لا قرار لها.. أن يتزوج بإمرأة غيرها! غير ياقوته! الإنسانة التي تكرهه من اعماق روحها! لا.. لا يستطيع! لا يجد نفسها مع انثى غيرها! هي المرارة والحرارة.. حارة بقدر مرارتها.. مذاقها مختلف ما بين جحيم ونعيم..
اذا تزوج غيرها ستضيع فعلًا من يده وهو لا يقدر أن يفرط بها حتى لو كانت بعيدة عنه بأمتار واميال..
"لماذا لا تنسى الماضي وتتزوجها؟"
اي زواج هذا بحق الله الذي سيجعله ينسى الماضي المنحصر بحاضره ومستقبله ايضًا.. ياقوت هي الحياة.. الماضي والحاضر والمستقبل..
اغمض ساري عينيه محاولًا تهدئة الانفعالات التي أحدثتها كلمات وسيم في صدره..
من هي تلك الصغيرة البريئة التي ستجعله ينسى الطفلة الاولى التي ولجت الى حياته! طفلة أشد براءة واشد ظلمًا واشد جبروتًا.. طفلة يعشقها بجنون ليس له بداية ولا وا نهاية..
هو ليس بمستعد أن يظلم طفلة غيرها.. هي ظلمه الوحيد.. وجعه وعشقه وهوسه.. لا غيرها..
بإنفعال مكتوم قال ساري:
- اصمت وسيم! اصمت! اذهب وتزوجها انت اذا اردت.
إبتسامة ماكرة ارتسمت على ثغر وسيم قبل أن يهتف:
- والله انا أريد فعلًا الزواج بهذه الصغيرة الجميلة والتي كلها براءة تعجب اي رجل ولكن للأسف هي ليست راضية.. لا تريدني أن اتزوجها وتناديني عمي! ستوافق عليك انت دون شك وستعيد زوجتك اليك بهذه الطريقة.. ستكسب امرأتين فماذا تريد اكثر من ذلك؟!
تطلع ساري إليه ثم قال ببرود ساخر:
- حتى تكون إمكانية عودتها الي مستحيلة وليست فقط شبه مستحيلة.
إخشوشن صوته قليلًا ليشوبه جزء بسيط من الم قلبه:
- صدّقني أكثر ما تريده هو ان ابتعد عنها نهائيًا.. اذا اردتَ ستبحث لي أيضًا عن زوجة.. انا بإمكاني أن اتزوج يا وسيم بألف امرأة ودون مساعدتك أيضًا ولكن أنا لا أريد غيرها.. ولو بعد سنوات اتت لي راضية سأكتفي برضاها بي وقبولها ان تكون زوجتي..
انا اهذي كثيرًا وافقد عقلي مرارًا بسبب هذا العشق الذي يختلف عن عاداتنا وتقاليدنا.. ولكن أنا بالعشق ابتليت.. بإمرأة تكرهني حد النخاع ولا تريد اكثر من البعد والفراق.. فلا تحاول عبثًا يا وسيم.. انا لن اتزوج غيرها ولن اسمح لها أيضًا بالزواج من غيري.. اذا لم تكن لي لن تكون لغيري.. ياقوت امرأة لرجل واحد.. وهو انا فقط!
- لا افهم ما الذي يجذبك إليها الى هذا الحد!
هتف وسيم بجدية ليبتسم ساري ويقول بصدق:
- كرهها! إذ كان كرهها لي يجذبني إليها الى هذا الحد فكيف حبها؟ ماذا سيفعل بي حبها يا وسيم؟! وانا كلي يقين انها ستفعل يومًا ما!
- عليك أن تعود إلى قبيلتك يا ساري ثم سنجد طريقة تحل بها هذه المعضلة.
تمتم وسيم بحزم ليهز ساري رأسه بلا مبالاة:
- غدًا سأعود.
********************
تشبثت ياقوت بذراع يوسف والم حاد يهاجم ويزلزل كيانها.. تشعر بالاختناق.. تود الكلام ولكن الكلمات لا تسعفها وتخرج بل بدت وكأنها تغوص اكثر في أعماقها فلا تقدر على التحرك قيد انملة..
تفرقت نظراتها بين القبرين.. أحدهما لشقيقها والآخر لابن عمها الذي كان يومًا ما حبيبها وخطيبها..
حزينة بل يكاد ينشطر فؤادها إلى فتات من قساوة كربها..
كمية المشاعر والأحاسيس المتناقضة في صدرها أوهنتها وهي في أصعب مرحلة من حملها.. يدها الحرة أحاطت ببطنها المنتفخة فتستمد من جنينها القوة لتتذكر أنها قوية وأنها لم تعد تلك الياقوت التي كانت عليها ذات يوم..
تعلقت نظراتها بالتراب الذي يضم جسده.. احمد!.. بأسف وآسى ورغبة صادقة بنسيان كل ما مضى..
لدقائق طويلة اخذت تلهث.. أنفاسها تتصاعد وشريط ذكرياتها برفقته يمر كعاصفة خريف أمام عينيها ثم تختفي ليبقى الأثر.. اثر ماضي قد انتهى!
أسندت رأسها على صدر يوسف الصامت، الذي فضل تركها تعبر وتتحاور مع الروحين بصمتها ونظراتها.. تحركت شفتاها بخفة لتهمس بحزم:
- رحمك الله وادخلك فسيح جنته.. بريء من ذنوبنا وبريئة من ذنوبكم! ما مضى قد انتهى.. ابن عمي وفقط ابن عمي من لحمي ودمي.. رزقك الله بطفل اسمه أحمد.. سأحبه واعتني به قدر الإمكان.. لن أفرط بالعناية به كما لو كان ابني تمامًا.. أمانة سأحاول جاهدة الحفاظ عليها وتليين قلب كل من يفكر بالقسوة عليها.. سأكون مثلك انت يا احمد.. كما كنت تحاول حمايتي من الجميع.. سلام عليك يا احمد والى هنا تنتهي الحكاية وتبدأ حكاية أخرى بين وبينك دون هدف ودون عنوان!
تنهدت بصوت عالٍ مستنزفة تمامًا ليسألها يوسف برقة:
- هل انت بخير؟ لا تضغطي على نفسك حبيبتي حتى لا تنهارين.
غمغمت بشحوب قبل أن تنظر إلى القبر الآخر:
- انا بخير.. دعني انهي فقط معضلتي لكي انساها كليًا واعيش ايامي كما يجب.
زخرفت الشفقة ملامحها وهي تطالع قبر معتصم.. القاتل والظالم.. أغمضت عينيها ورفعت وجهها تنظر الى وجه يوسف الذي طالعها هو الآخر باهتمام ثم همست بنبرة شجية:
- حزينة عليه.. لا بد انه يتألم الان.. اريد ان أخفف عنه فإن الله شديد العقاب.. لا اريد ان اعاتبه ولا أن أتحدث عن ماضي لن يزيد الا من عذابه.. اريد ان أزيد من حسناته.. يا ليته كان مثلك.. ولكن سأبقى حتى الرمق الاخير ادعو له في كل صلاة أن يغفر الله له.. انا غفرت كل ظلم وعسى الله أن يغفر لهما.
ثم دست رأسها في عنقه وقالت:
- حمدًا لله اني لم اخسرك.. انت سندي يا يوسف.. سندي وشقيقي وصديقي.
ابتسم يوسف بحنو ثم قبّل رأسها وقال:
- وان شاء الله طفلك سيكون سندًا ابديًا لك.
*********************
لم تتوتر عائشة رغم الهمسات التي كانت تصل إلى أذنيها فتقذفها خارجًا كأنها لم تسمعها.. ترتدي الابيض للمرة الثانية.. زفافها يحضره نفس الأشخاص الذين حضروا زفافها الاول من احمد.. ولكن لم تكن هناك احتفالات صاخبة كمثل المرة الأولى.. بل كان الحفل بسيطًا كما طلبت من يوسف.. ولم تكن خائفة مرعوبة كما المرة السابقة بل الان رغم خوفها الذي يحيط قلبها الا أنها اقوى.. تدري جيدًا الى اين هي ذاهبة.. لا ثأر ولا عداوة هذه المرة سبب الزواج بل بإرادتها ورضاها قد تمّ الزواج... والأهم الآن أن طفلها معها.. طفلها الشيء المميز الذي ابهج قلبها والذي لاجل سعادته وافقت على إتمام زواجها من يوسف ولسببه فقط مستعدة أن تضحي بكل شيء..
لقد رأت ساري منذ أن عاد وصدقًا تألمت لحاله.. فقد الكثير من وزنه.. أصبح هزيلًا شاحبًا.. اين هو شقيقها؟ لم يكن شقيقها ساري.. تقطع نياط قلبها كمدًا عليه.. وما ألّمها أكثر هو لحظة رؤيته لأحمد طفلها.. توقعت أن لا يتقبله.. أن لا يحضنه ويهتم به لأنه في النهاية ابن احمد.. ولكن صدمها وهو يتعلق به ويحمله بعاطفة أبوية مشتاقة.. كان يبتسم بعد أيام طويلة مدركة تماما أن الابتسامة لم تزر شفتيه.. تمنت أن تعود ياقوت الى ساري.. أن ترضى به زوجًا.. رباه كم تتمنى أن يعودا لبعضهما البعض لأجل الطفل التي تحمله على الأقل..
حاولت عائشة اخفاء وجعها عليه وهي تبادل ياقوت سلامها.. تضمها إليها وتهمس بعذرها الذي منعها من القدوم لزيارتها.. وياقوت تقبلت كل ما قالته بابتسامة صادقة وتفهم حقيقي..
في الواقع كانوا جميعهم مصدومين بشجاعة ياقوت وهي تقف أمام كل هؤلاء النساء دون أن تبالي بهمساتهن المثيرة للاستفزاز.. ترفع رأسها بكل شموخ ويدها اليسرى تحيط ببطنها كواحدة من أكابر الشيوخ..
بقيت صامدة طيلة ساعات الحفل حتى تم مغادرة العريسين.. وللحظات فقط انتابها خوف من وجود ساري.. ربما سيطلب اللقاء بها ليقنعها بالعودة إليه.. ربما سيجن ويردها إليه.. وهي لا تريد.. مهما فعل الآن لن تعود إليه..
بعد ساعة ونصف..
وقفت عائشة بتوتر قبالة يوسف الذي كان ينظر لها بطريقة غريبة.. حدقتاه تسافران برحلة طويلة عب تفاصيل وجهها الناعمة ثم وصولًا إلى جسدها..
تقف أمامه بفستان ابيض ناعم.. لم يكن ثقيلًا ولم يكن بسيطًا.. متوسط الجمال.. لم تكن تضع غير احمر الشفاه ورغمًا عنها ورغم معارضتها وضعته النساء لها.. طرحتها كانت قد ازالتها والقتها جانبًا فور دخولها إلى الغرفة وقبل دخول يوسف اليها.. كان يجب هو أن يرفع طرحتها.. الا أنها تكره هذه الاشياء.. تخيفها هذه التقاليد.. تخيفها حقًا..
كانت رغم ولادتها الحديثة إلا أنها صغيرة البنية.. نحيفة.. ضعيفة.. عظامها تتضح لعينيه كم هي واهنة ورقيقة.. لينة وسريعة الهشم..
خافت عائشة من نظراته الغامضة المظلمة وإرتبكت خفقات قلبها وهي تفكر أنه ربما سيعيد بها ما فعله معتصم بغزالة..
تراجعت إلى الخلف وهي تحيط جسدها بيديها ثم نظرت يمينًا وشمالًًا بمحاولة عابثة لإيجاد طفلها ثم الهروب به بعيدًا.. ولكن صفعتها الحقيقة وهي تستوعب أن طفلها برفقة امها بما أن هذه ليلة زفافها الاولى!
تفاجأت بيوسف يدنو منها إلى ذلك الحد الذي أثار رعبها فإنكمشت ملامح وجهها الناعمة بخوف ثم استدارت سريعًا لتفر هاربة ولكنه كان لها بالمرصاد ويده تستولي على ذراعها..
ازدردت عائشة ريقها وقالت وكأنها تقر هذه الحقيقة لنفسها قبله:
- انت لن تؤذني.. لن تقدر أبدًا وانا لن اسمح لك!
إرتسمت على ثغره شبه ابتسامة:
- ومن قال انني اريد ان افعل؟! انا لن اؤذيك يا عائشة.. ابعدي كل هذه الهواجس التي تشتغل عقلك بعيدًا!
غمغمت عائشة بصراحة وهي وتحرر يدها من قبضته:
- نظراتك مخيفة! تبدو...
تلعثمت وهي تضيف:
- تبدو.. تبدو.. في الواقع.. ك... كشيطان!!!
اطلق يوسف ضحكة عالية صاخبة من فمه قبل أن يحدودب برأسه قليلًا ويغمغم بينما ينظر إلى عينيها بشقاوة أثارت استغرابها:
- ذلك فقط لانني انظر اليك بعمق.. اكتشف تفاصيلك وافكارك.. لذلك لا تقلقي يا عائشة.. انا تناولت الطعام خلال العرس.. انا ذلك الرجل الذي لا يشبع.. ولا يعرف كيف يقاوم الطعام.. خاصةً إذا كان به لحوم.. ولكن ليس لحوم بشر.. فإطمئني!
ابتسمت عائشة برقة فهتف يوسف بهدوء وهو يحيط وجنتها بيده:
- انا واثق يا عائشة ان المرأة التي أوصاني احمد عليها في اخر لحظات حياته تستحق فقط افضل معاملة وأنها لا سيما انقى الإناث.. ومعاملتك وتصرفاتك البريئة والطيبة خير دليل على افكاري بك.. انا لن أكرر نفس المأساة ولن اظلمك ولن احملك ما لا طاقة لك به.. كما ولن أقحم قضية شقيقك بياقوت بعلاقتنا قدر الامكان بالمقابل لا اريد منك الا الاحترام والسعي إلى علاقة ترضي ربنا.
ترقرقت الدموع في مقلتيها وهي تهز رأسها برضى قبل أن تهمس:
- انا ايضًا لا اريد منك الا الاخلاص بكل شيء والأهم المشاعر.
- سأفعل أن شاء الله!
قال يوسف بجدية ثم استطرد:
- انا سأغير ثيابي وانام.. افعلي انت المثل وتصرفي بحرية.
اومأت بإبتسامة وهي تشكر الله على وعيه لهذه الفترة التي تمر بها.. هي ليست جاهزة ليقترب منها.. لا نفسيًا ولا حالتها الصحية تسمح له..
لاول مرة تمضي ليلتها دون طفلها.. كيف ستمر وهي بعيدة عنه؟ كيف ستمر هي بالقرب من رجل آخر غير احمد؟ كيف ستمضي أيامها يا ترى؟
*********************
بعد عدة أيام..
تغضنت ملامح وجهها بألم شديد.. منذ البارحة والتقلصات تداهم بطنها.. أغمضت ياقوت عينيها واتكأت على ظهر المقعد التي تقف بجانبه بوهن.. تطلعت حولها.. على اثاث المطبخ.. خزائنه الخشبية.. نافذته الحديدية.. طاولته التي تقف بجانبها.. هي وحيدة تمامًا.. لاول مرة منذ عودتها إلى أهلها تشعر بوحدة قاتلة كهذه..
في الواقع.. هي تفتقده.. تفتقد اهتمامه.. لو كان برفقتها الان وهي تتألم ما كان سيتركها لوحدها.. كان سيفرض وجوده الذي يثير جنونها عليها.. كان سيهتم بها مهما دفعته بعيدًا وسيعاقبها بالمقابل بقربه منها.. ولكن الآن؟.. ليس لها أحد.. لا امها تبالي حقًا بها.. ولا والدها المنشغل طيلة الوقت يهتم لها.. ويوسف الان عريس.. إلى متى سيبقى بجانبها؟
إرتعشت شفتاها وغصة بكاء خانقة تستولي على حنجرتها لتسيل دموعها دون أي تريث وتستفحل اوجاعها.. هي وحيدة.. وحيدة في دوامة آلامها هذه التي لا تنتهي.. لقد اعتقدت أنها سترتاح من الاوجاع.. لقد كانت بخير بحق الله طيلة الأيام السابقة.. ما الذي حدث فجأة؟ ما الذي جعل ندوب الماضي تفتح لتريق دمائها مجددًا.. هي ضائعة.. خائفة.. وحيدة.. رباه هي وحيدة!!
أطلقت فجأة صرخة عنيفة وهي تستوعب أنها تلد.. اي انها في اي لحظة ستموت.. ستموت وحيدة يا الله! حتى دون ساري! دون ذلك الرجل الذي يلتصق بها دون ملل أو كلل.. تريده.. تريد اهتمامه.. على الأقل لن يهملها هكذا ويتركها لوحدها بينما هي في اخر ايام حملها..
هي صدقًا وحيدة.. لا احد في المنزل برفقتها.. امها غادرت لرؤية كنتها.. بينما والدها كالعادة يتجول في القبيلة.. وهي.. هي لوحدها داخل جدران هذا المنزل الكئيب رغم علمهم بتعبها ووهنها..
- يا رب! يا رب ساعدني ارجوك!
غمغمت ياقوت بإرتجاف ودموعها لا تزال تنهمر.. قضمت شفتها السفلى من شدة الألم وحاولت قدر الامكان الخروج من المطبخ لتصل إلى باب المنزل.. ولكنها لم تصل إلى نصف الطريق حتى كانت تقع ارضًا من شدة الألم وصراخها الذي كاد أن يمزق اوتارها الصوتية يشق جدران المنزل فيصل إلى الخارج ليسمعه الاشخاص الذين يمرون بجانب المنزل..
- يا رب ليس لي غيرك.. احفظ لي طفلي.. يا الله! يا الله ابعثه لي! أريده! أريده بجانبي!
هتفت بعدم وعي وتفكيرها كله يتجه إليه.. إلى ساري.. اكثر شخص تكرهه وتكره حبه لها.. لكنها تحتاج حبه الآن.. تحتاج عشقه المهووس بها واهتمامه الخانق.. تحتاجه.. تحتاجه كما لم تفعل يومًا..
لم تكن تسمع الطرقات العنيفة التي كانت تنزل على الباب.. لا... غير صراخها الذي يصم الاذان لم تكن تسمع.. غير المها النفسي والجسدي لم تكن تعي.. لا شي عدا عائلتها.. عائلتها المكونة منها هي ومن وساري وطفلها..
العرق يتصبب منها وأعراض الولادة الفورية تتضح عليها.. هي تشعر بطفلها سيخرج منها.. هي تشعر بذلك.. الالم لم يعد يحتمل.. لم يعد.. بحق الله كفى..
وضعت قبضتها داخل فمها لتقضمها بعنف حتى سالت الدماء منها فلا تشعر بذرة الم واحدة مقابل ما تشعر به وهي تحس ان هناك روح ستخرج من جسدها..
الباب فُتح على مصراعيه ليدلف أحد أبناء عمومتها راكضًا فيتفاجأ بها على هذا الحال.. كان عمران شقيق قسورة الذي استدار راكضًا ليطلب من احد الصغار بإحضار الداية ووالديها ويوسف..
مرت الدقائق طويلة وعمران يقف بجانب الباب يصغي إلى صراخها وقلبه يكاد يغادر صدره.. لقد فتح الباب بواسطة بعض الرجال ولم يكن يتوقع أبدًا أن يجد ابنة عمه المعروفة بلقب المخطوفة على هذا الحال.. لم يتوقع ابدًا.. كان حالها يثير شفقة الصوان فيذوب.. يمزق نياط القلوب.. اين تلك المرأة القوية التي كانوا يتحدثون عنها في الأونة الأخيرة! اين هي تلك الواثقة المغرورة! لم يرى إلا انثى ضعيفة وحيدة متألمة ومنبوذة! لم تكن تلك التي كانوا يتحدثون عنها بغيرة وحسد.. لا لم تكن هي!
حاول أن يصم أذنيه قليلًا فلا يسمع صراخها الموجوع ولكن ذلك لم يجدي نفعًا ابدًا وصراخها يحتد قوةً..
دقائق معدودة وكان يوسف يقتحم المنزل برفقة الداية ليهرعا إليها فيجداها على هذا الحال..
قالت الداية بسرعة:
- انها تلد.. احملها إلى أقرب سرير.
نفذ يوسف سريعًا وهو يكاد يفقد عقله من شدة رعبه على شقيقته.. يا الله لن يتحمل خسارتها هي الأخرى.. اين والديه؟ كيف بحق الله يتركانها لوحدها؟ كان على الأقل يجب أن يبقى أحدهما برفقتها..
حاول أن يهدئها ويخفف عنها آلامها ورعبها الواضح.. هي تعاني.. شقيقته تعاني نفسيًا اكثر مما هو جسديًا.. قبّل جبينها بعمق ويده تزيل قطرات العرق التي بللت وجهها وعنقها.. صراخها لم يكن يؤلمه فقط بل كان يغرس خنجر صداه في صدره..
إتسعت عيناه وهي تتمتم بألم.. بصعوبة واضحة.. تشهق من اعماق اوجاعها المدفونة في روحها..
- انا أريده.. اح.. أحضره.. آه.. اريد.. يا يوسف.. أريده.. أن يستقبل ب.. بنفسه.. آه.. طفله.. ار... ارجوك!!
مرر يده على شعرها المشعث وسألها بقلق:
- هل انت متأكدة حبيبتي؟
أغمضت عينيها والآلام تزداد قوة لتطلق صرخة حادة جعلته يقف سريعًا ويومئ موافقًا عدة مرات قبل أن يركض إلى الخارج تاركًا الداية تتصرف بحرية في المنزل حتى تحضر كل ما يلزمها وتتم الولادة بسلام..
بعث يوسف بعمران إلى قبيلة ساري العرابي ليقوم بالنداء عليه ثم طلب منه إحضار خنساء بعد استئذان قسورة..
*****************
بعد عدة ساعات..
يقف بجوار يوسف قبالة باب الغرفة بينما خنساء ووالدتها والداية في الداخل برفقتها.. إحساسه بالعجز وهو يسمع بأذنيه صراخها المتألم كان يحتد وطأة.. مع كل صرخة يشعر انها تحرق قطعة ما من قلبه.. كيف كان يريدها بحق الله أن تنجب له عشرات الأطفال لتتكرر نفس المأساة هذه ونفس الالم هذا ونفس صراخها الذي كان هو الوحيد من يسود على أجواء البيت..
لقد تفاجأ.. واكثر مما يجب أيضًا حالما أخبره يوسف بعد مجيئه برفقة عمران أن ياقوت تريده.. تريده أن يستقبل بنفسه طفلهما.. أن يقوم هو فقط بالآذان في أذنيه.. ادهشته صدقًا.. كان متأكدًا أنه اخر من سيعلم بولادتها.. انها ستنتقم منه وتحرمه نعمة حضن طفله في اللحظات الأولى من حياته.. ولكنها ضربت باعتقاداته كلها عرض الحائط وطلبت حضوره بينما تنازع هي في داخل هذه الغرفة اللعينة لتنجب له طفله.. فتى أو فتاة! لا يهم.. يكفيه أنه منها..
بشق الأنفس كان يقاوم في الأيام الماضية ذهابه إليها ليطرق باب منزلها فيقتحم غرفتها ويستولي على سريرها ليقبض على جسدها الممتلئ ويعتصره عصرًا بين اغلال ذراعيه.. الله وحده يدري ما الذي كان يمر به بينما يجلس في جناحهما يسرح في خياله.. تارةً يتخيلها نائمة على السرير.. تارةً تقف بجانب النافذة بمظهر الاسيرة التي اعتاد عليه.. واحيانًا جالسة على الفراش الارضي تفكر بعمق..
اشتاق لها.. لضحكاتها.. لدموعها.. لصراخها.. لعنفوانها.. اشتاق لها.. رباه كم اشتاق لتفاصيلها.. لكل ما هو منها.. هل هو مختل حقًا ليشتاق إلى كرهها نحوه ونفورها منه؟ ما بيده حيلة لقد عشقها.. وتم وشم اسمها على قلبه.. رغم جبروته إلا أنها اقوى منه.. اعند.. اذكى.. تعرف كيف تنتقم بحق وتمنعه معنى الراحة.. تمنعه اكثر ما يحبه.. تحرمه منها.. وهي تدري كم هو عاشق مهووس بها.. اللعنة الى اين وصل به تفكيره بينما هي في الداخل تصارع نفسها لتنجب له طفله الغبي..
تشنج جسده فجأة وصراخ طفل يوافي أذنيه فيدغدغ قلبه شوقًا وتوقًا.. أراد الدخول إليها.. لماذا لا يخرجون بطفله بحق الله.. يريد أن يقر عيناه برؤيته..
مرت دقائق وهو يشعر أنه يقف على جمر لا على ارض.. وحال يوسف لم يكن بأفضل منه.. ثوان معدودة فقط هي ما احتاجه الأمر حتى يصدح صراخ لطفل آخر..
إرتجف.. كله يرتجف.. أنهما يبدوان توأم!.. عليه بالتماسك.. يجب أن يتماسك حتى لا تخذله قواه ويبكي من شدة فرحه.. اعتدل بوقفته بوجه منفعل المشاعر فور خروج والدة ياقوت وفي يديها طفلين..
ابتسمت ودموعها تسيل ثم ناولتهما لساري وغمغمت:
- ليبارك الله لكما بهما.. فتى وفتاة.. أنجبت الذكر قبل الانثى.
محال أن تسع فرحته الكون.. محال.. تأملهما بحب ودموعه ستخونه دون أدنى شك.. أولاهما ظهره وسمح لدمعة أن تنحدر على وجنته فتعبر عن ما يجول في صدره..
أذّن في اذن الصغير اولًا ثم فعلا المثل مع صغيرته.. لم ينبس أحدهم ببنت شفة.. احتاج فعلًا أن يربط جأشه قبل أن ينظر إلى يوسف ووالده ويتساءل بلهفة واضحة تشتعل في مقلتيه كما يشتعل الجمر في فؤاده شوقًا لها:
- هل هي بخير؟ اريد ان اراها لاطمئن عليها أيضًا.
- انتهت فترة العدّة.. هي لا تحل لك!
صفعته بقسوة الحقيقة المريرة التي صار عليها في التو.. لم يكن يفكر في إعادتها إليه.. لم يردها إليه.. لم يعيدها إلى عصمته.. رباه هي لم تعد امرأته.. لم تعد ملكه.. لقد منحها حقًا ما أرادت وتركها تحرق قلبه.. كل شيء انتهى..
شعر بإختناق رهيب يسحق كل فرحته بقدوم طفليه.. قلبه يؤلمه صدقًا.. الهذا الحد هو يعشقها؟ الهذا الحد يوجعه فراقها؟
تجاهل انين فؤاده وهتف بجمود:
- انا والد طفليها.. دعوها تضع الحجاب وليدخل يوسف برفقتي.. انا اريد أن اراها وان أتحدث إليها.
لم تتردد قدماه وهي تأخذه إليها بعد مغادرة النساء الغرفة وموافقة يوسف ووالدها بدخوله إليها.. وقف يتطلع إليها وقلبه يهدر داخل ضلوعه بعنفوان.. انها هي.. ياقوته.. اكثر شحوبًا.. اكثر وهنًا.. اكثر ضعفًا.. وكالعادة تنظر بعينين متمردتين شرستين رغم الالم الذي يغلفهما فيهبهما سحرًا يأخذه إليها كالاعمى..
تنظر إليه بتعب واضح.. مرهقة.. مستنزفة.. عيناها لا ترغبان الا بالنوم الا انها صامدة فتفتحهما بتحدي وعناد.. تنتظر ماذا سيقول.. وشاح ابيض مقيت يحجب شعرها عنه ودثار اسمر شاحب يغطي معظم جسدها.. اشاحت بصرها بعيدًا عن وجهه لتتريث على طفليها فتتوحش نظراتها بطريقة بربرية اذهلته ليسارع بالقول:
- حمدًا لله على سلامتك يا ام كليم!
هزت رأسها كرد خفيف على كلامه فاستأنف:
- يحق لك أن توافقي على اسميهما.. انا اخترت اسم كليم قبل أن تحملي به وانت تعلمين.. واخترت اسم الفتاة منذ أن وقعت في حبك.. تعهدت بيني وبين نفسي.. الطفل كليم والطفلة وتين.. ما هو رأيك؟
تطلع يوسف الى شقيقته فيرى كيف تظهر بهجتها على وجهها.. هي سعيدة بقدوم طفليها.. ممتنة ولاول مرة لساري..
إبتسم بحنو وهو يراها تهز رأسها موافقة على الاسمين فيناول ساري طفليه له ويقول بهدوء:
- سأحضر والدتي وغزالة لرؤية كليم ووتين في المساء.. بإمكانك أن ترتاحي خلال هذا الوقت.. وليس عليك بالقلق بشأنهما.. أنا والدهما وانا من سيعتني بكل ما يخصهما.
لماذا فقط تنظر إليه بهذه الطريقة التي تجعله يرغب بضمها إلى صدره؟! ببراءة وطاعة!!! هل هي واعية لما تفعله به من ويل وويلات في حين هي لم تعد حلاله؟! ذلك الواقع الذي يؤلمه حد النخاع..
كان بإمكانه أن يعيدها إليه رغمًا عنها وما من شيء يمنعه الا أنه يريدها أن تعود إليه بإرادتها.. بموافقتها.. ولو بعد سنوات.. سينتظر ولا بد أن يحن قلبها ذات يوم.. وسيؤثر بها قدر الإمكان ما دام هناك طفلين يربطانهما ببعضهما البعض مهما أنكرت ورفضت.. هي له وستبقى له.. ولكن هذه المرة برضاها..
*********************
كتمت خنساء ضحكتها بشق الأنفس وهي تشاهد عبوس زوجها.. متى سيتوقف عن العبوس؟
كانت تكتب وتمنعه من رؤية ما تكتب فيجن ذلك المجنون ويغار من القلم والورقة ليكاد أن يمزق لها كل ما كتبت! هذا هو سبب عبوسه بحق الله!
وثبت عن السرير ودنت منه لتضع يدها برقة على كتفه فيدفعها قسورة بعصبية ويهتف:
- اذهبي وتابعي كتابتك.. هي أهم مني بالتأكيد!
تنهدت خنساء قبل أن تهمس بتفهم وعبث:
- حبيبي انا اكتب لك.. لا اجيد الكتابة اذا كنت تراقبني.. تسرق مني عقلي وكلماتي لأذوب بك وبنظراتك!
رفع قسورة حاجبه الأيمن قبل أن يجذبها بخشونة إليه لتقع في حضنه.. استرطت شهقتها وي تراه يسند جبينه على جبينها ويهمس بعدم رضى.. أو.. ربما برضى؟!
- متى سيتوقف هذا اللسان الخبيث عن استخدام كلماته الماكرة التي تفقدني صوابي واتزاني؟
بابتسامة ماكرة ردت:
- أبدًا.. أبدًا لن يتوقف.. وسأبقى اشعل غيرتك بكتابتي المستمرة عنك.. وسألقيها على مسامعك ليلًا ونهارًا حتى لا يطاوعك قلبك يومًا بأمري بالتوقف بحجة انك اكتفيت!
زفر قسورة بحرارة فتأسر روحها المتيمة به أنفاسه التي تعشقها حد الثمالة ثم غمغم:
- مشكلتي انني لا اكتفي.. مهما حاولت الاكتفاء منك لا اكتفي بل ابقى اغرق اكثر واكثر راضيًا مستسلمًا لفتنة سحرك ومكرك.
دفعته خنساء بسرعة وهبت ناهضة وهي تقول:
- انتظر لحظة.. يجب أن أسجل كلماتك هذه حتى لا انساها بينما اكتب.. الكلمات الجميلة انساها بسرعة انا اذا كانت منك.
ضحك قسورة ملئ شدقيه وهو يراها فعلًا تدمر لحظة السحر هذه التي كانت بينهما لتكتب الكلمات التي قالها فكاد ان يقسم أنه تزوج من امرأة مجنونة لا شك.. دمرت اجمل اللحظات الرومانسية بينهما لتدون كلماته التافهة هذه.. تبّا لن يتغزل بها مجددًا.. تلك المجنونة الماكرة!
عادت خنساء بعد أقل من دقيقة لتجلس في حجره في حين رغم ضحكاته يرمقها بنظرات ساخطة مغتاظة..
تبرطم قسورة قائلًا:
- قسمًا بالله سأفقد عقلي ذات يوم بسببك! لا غير!
- منذ متى يا زوجي العزيز لا يفقد العشق صاحبه صوابه.. لا عشق دون جنون.. ما جنوني هذا الا لأنني اعشقك.. بل متيمة بك!
غمغمت خنساء بنبرة خافتة ناعمة وهي تدنو بشفتيها من خده الخشن لتقبله بعذوبة فتسرق خققاته منه وتعيده إلى نفس تلك الدوامة التي تجعل الكون كله ينحصر بهما لتكون هي شاغله الوحيد..
أحاط قسورة خصرها بيده وهمس بصوت اجش:
- انا خائف عليك مني الآن.. استمر بتذكير نفسي بصعوبة انك حامل كي لا أتهور.. لكن جنونك وتهورك يجعلان تلك المهمة الشاقة أصعب مما يجب لتكون مستحيلة وليس فقط شبه مستحيلة.
اسبلت خنساء اهدابها وهمست فتعذب سيطرته المعدومة على نفسه حقًا:
- انا اعشقك.. هذا هو شعوري نحوك..انا كاتبة تعشق التعبير.. وجل ما اجيد به هو التعبير عن مشاعري يا حبيب قلبي.. انا احبك.. احبك.. احب!!!!
وتوقفت بقية الكلمة في حلقها وهو يسرق قلبها وعقلها من هذا العالم ليتفنن بالتعبير هو الآخر عن مشاعره قولًا وفعلًا...
*********************
بعد ستة أشهر..
إبتسمت ياقوت بشغف امومي وهي تسمع الضحكات النابعة من طفليها.. رباه ما اجمل ضحكاتهما البريئة الطفولية.. كليم ووتين.. حتى اسميهما يمسان قلبها..
سبحان الله كيف مرت بها الايام بهذه السرعة.. قبل عدة أيام كانت مجرد طفلة تلهو في القبيلة.. لا تفقه ما هي الأمومة.. جل تفكيرها كان منحصرًا بكونها طفلة تحتاج دميتها المفضلة التي كانت عبارة عن كائن بشري يهتم بها ويرعاها.. هي لم تكن تحب احمد الا لاهتمامه الفائض بها..
شردت بخيالها إلى تلك الايام الصعبة.. حينما خطفها ساري.. وابتسمت! ابتسمت حقًا لأنها كانت تخاف منه.. كانت تكبر على يده.. تستوعب ما هي الحياة قربه.. تضحك لأنها لم تكن تمنحه الا كرهها وأحبها.. بل عشقها.. والعشق يفيض من عينيه ابن العرّابي.. لقد فعلتها حقًا وجعلته ضعيفًا أمامها.. غرور أنثوي ذلك ما ابهج قلبها وهي تدرك مدى عشقه لها وتشبثه بها.. لقد احبها دون أي محاولة منها لجذب انتباهه.. احبها كما هي.. لأنها ياقوت.. ولا زال ينتظرها حتى ترضى..
منذ ولادتها وهو يزورها يوميًا ليرى طفليه.. تارةً عدة ساعات في الصباح وتارةً في المساء.. كل يوم.. والدتها تتذمر من زياراته الدائمة والتي لا تنتهي.. ولكن هذا حقه.. حقه أن يرى طفليه.. أن يلاعبهما.. أن يكرم عليهما بحنانه وعاطفته..
معاملته للصغيرين كانت كلمسة سحرية تجعل قلبها يلين ويرّق.. هي تشعر بالراحة والسعادة تغمر قلبها حينما يعتني بهما ويلتزم دور الأب كما يجب دون أن يشكل طلاقهما اي عائق.. كانت خائفة أن يهملهما بسبب الطلاق ولكنه على النقيض تمامًا كان طيلة الأيام الماضية يغمرهما اهتمامًا.. لا شيء ينقصهما.. لا ملابس ولا العاب ولا عاطفة أبوية..
تطلعت إليه عبر نافذة المطبخ الحديدية وهو يغمر وجهه في بطن وتين ليدغدغها فتعلو ضحكاتها المرحة بينما يراقبها توأمها كليم بعبوس منتظرًا أن يفعل والده المثل معه أيضًا..
حينما رأته اول مرة كان يبدو انحف مما هو عليه الآن.. الآن حاله كما حالها.. تغيرا كثيرًا إلى الافضل.. البهجة عادت اليهما لتمنح بشرتهما لونًا مشرقًا.. وكما يبدو أنهما اكتسبا بعض الوزن وروحهما ارتدت إليهما بقدوم كليم ووتين..
ابتسمت ياقوت وهي تخرج من المطبخ لتضع الصينية التي تحوي اكواب الشاي على الطاولة ثم تجلس بجانب والدها الذي تطلع إلى ساري بنظرة ذات معنى..
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تطالع والدتها العابسة.. لماذا امها هكذا؟ هي تدري انها تحبها ولا تكرهها.. ولكن لما لا تحتويها وتجيد معاملتها.. لماذا لا تفهمها؟...
تنحنح والدها قليلًا قبل أن يقول بهدوء:
- ابنتي ياقوت.. والد طفليك يود الحديث اليك.. انا سأقف بجانب باب المطبخ برفقة والدتك لكي تتحدثا بحرية.
لم يمنحها أحدهم الفرصة لتعترض إذ بشكل فوري كان والدها ووالدتها يغادران..
إرتبكت وهي تطالع طفليها اللذان يشاكسان بعضهما البعض.. زمت شفتيها بحنق كارهة هذه اللحظة.. كارهة تمامًا الذي يود الحديث بشأنه..
لم تنظر إليه رغم علمها أنه ينظر إليها.. بشوق وعشق وتوق..
"هيّا تحدث"
تمتمت بصمت داخل عقلها.. تكره هذا الصمت.. ليتحدث.. لماذا يلهو بأعصابها بحق الله؟
- كيف حالك؟
سألها ساري بهدوء.. هل هذا الرجل منطقي؟ حقًا يسألها عن حالها!! ينفرد بها ليسألها هذا السؤال!.. استشرست ملامحها وهي تجيب:
- حمدًا لله بخير.
إبتسم وهمس لها بلطفٍ:
- اهدأي يا ياقوت.. انت في منزل اهلك.. وطفليك بجانبك.. انا هو الوحيد الضعيف الذي يحتاج شفقة الآخرين لا غيري!
رفعت وجهها إليه لترى ملامحه الهادئة فتزدرم ريقها وتغمغم:
- ماذا تريد؟ ادخل في صلب الموضوع.
- اولًا اريدك ان تهدأي.
قال بجدية لتهتف بعصبية لا إرادية:
- انا هادئة!
ألقى عليها نظرة عتب وهو يحمل صغيرته المدللة التي أخذت تبكي على الفور خوفًا من صوت والدتها الحاد..
فغمغمت ياقوت بأسف كطفلة مذنبة:
- انا أسفة.. بإمكانك الحديث.. انت والد طفلاي.. لن انسى ذلك.
هز ساري رأسه موافقًا واضاف بحزم بينما يهدهد صغيرته وتين حتى يهدأ بكائها:
- وزوجك السابق!
- ادري.
قالت ياقوت بجدية فابتسم ساري بخفة وهتف بجدية تامة:
- انا اريدك ان تعودي الي! برضاك وموافقتك!
-----------------------------
يتبع الفصل الأخير..


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close