اخر الروايات

رواية عشق ليس ضمن التقاليد الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم اسيل الباش

رواية عشق ليس ضمن التقاليد الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم اسيل الباش


لفصل التاسع وعشرون
دثرتُ نقودَ عشقي في بنك موتي..
فتلهفت النفوسِ للنبشِ في قبري..
لتتأهب تُراب روحي وتصدّ سحجَ اعدائي..
ناجيتُ الأرواح الهائمة التي بجانبي..
وتوسلتها ان تغيثُ خلودَ عمري..
ولكن.. هيهات فيد شقائي إِستتلت اموالي..
لأعود مجددا الى ملاذها العاصي لأمري..
واتوه بين ساحر غربتي وساحر وجداني..
----------------------
كانت ليلة متعبة له بشكل غير طبيعي.. مهلكة لأعصابه.. وساحقة لقلبه.. لم تذق عيناه طعم النوم وهو يفكر بها.. خائف أن تتح:
- اين ياقوت؟ هل استيقظت ام لا زالت نائمة؟
أفسح يوسف له المجال ليدلف الى الداخل ثم رد بإستفزاز:
- ياقوت اختفت مجددًا.. ولكن قررنا عدم البحث عنها هذه المرة!
حدجه ساري بنظرة ساخطة حانقة بصعوبة يلجم بها رده على كتلة الاستفزاز هذه التي تدعى يوسف.. ثم تفاقم شوقه إليها وهو يسمعها تغمغم بصوت ناعس بعد أن خرجت من غرفتها بشعرها المشعث المنسدل حول وجهها الذي يحمل اثار النوم:
- ساري! لا زال الوقت باكرًا!
بدت انها من الاساس تتحدث دون أن تستوعب وجوده فدنى ساري منها بلهفة واضحة وجذبها الى صدره تحت وطأة نظرات يوسف المستنكرة..
- اذهبي وحضري نفسك.. يجب أن نعود إلى منزلنا حبيبتي.
جذبها يوسف من حضنه ليضمها إليه قائلًا:
- دع شقيقتي وشأنها.. هي حامل.. اخاف عليها من التعب.
ابتسمت ياقوت بحنو لشقيقها قبل أن تنفذ ما قاله ساري..
بعد أقل من ساعة كانت تعود برفقته الى المنزل بعد أن أخبرت عائلتها انها ستزورهم مجددًا.. طريقهما الى قبيلة العرّابي كان هادئًا سالمًا.. هي كانت صامتة لا ترغب بالحديث وهو كان يفكر بحيرة فقط إذ كانت قد أخبرت عائلتها عن حمل عائشة أم لا..
كانت غزالة متواجدة في المنزل لتبتسم لها على الفور وتقوم من مكانها لتحتضنها وتتساءل عن حالها.. بادلتها ياقوت العناق وهمست بصوت منخفض لم يسمعه غيرها:
- اعتذر لك على ما فعلته!
اتسعت ابتسامة غزالة وردت بهمس:
- لا بأس عليك.. انا اعرف كيف اتصرف واتعامل مع شقيقي!
ابتعدت عنها ياقوت وابتسمت بصدق ثم قالت بإرهاق:
- سأصعد لأرتاح قليلًا.. اشعر ان قدماي تؤلمانني وبصعوبة اسير عليهما.
فقط خطوة واحدة كانت تخطو قبل أن تشعر بجسدها يرتفع عن الأرض.. شهقت ياقوت بفزع بينما تزحف حمرة الخجل إلى وجهها وساري يغمغم بشقاوة امام والدته وشقيقتيه غزالة وعائشة:
- إذا كانت زوجة ساري العرّابي بغير قادرة على السير هناك ايدي جاهزة لحملها طيلة الوقت وأخذها الى اينما تشاء!
إرتفع رنين ضحكاتهن بينما والدته تؤنبه:
- ساري تأدب شقيقاتك موجودات! افعل ما تشاء في جناحك!
إبتسم ساري لوالدته قبل أن يوجه أنظاره لزوجته القابعة بين ذراعيه والخجل يزين محياها.. اجراس فؤاده اخذت تدق بعنف مؤلم وهو يتأمل احراجها وخجلها الذي يزيدها جمالًا فوق جمالها.. سمعها تهمس بإعتراضها الخجول لينزلها ارضًا ولكن بدى لها انها تتكلم لوحدها دون أن يهتم بالاصغاء الى ما تقوله حتى!..
كانت خاصةً اليوم تبدو مختلفة.. وكأن روحها بدأت ترد إليها.. ربما بسبب لقائها بعائلتها بعد زمن طويل.. عيناها الزرقاوان كانت في غاية الجمال في هذا الصباح الباكر..
لمعتهما كانت كسماء صافية ساحرة.. ملامحها لم تكن حادة كما المعتاد بل كانت تبدو في غاية الطفولة والبراءة في حملها الذي انتبه لتأثيره عليها وأدق تفاصيله..
- هلّا تخلت يدك عن عنقي للحظات وقامت بفتح الباب؟
قال ساري بعبث وهم يغمز لها بطريقة جعلتها ترغب بصفعه ثم نفذت ما قاله وغمغمت بضيق:
- انزلني الآن! لم اعد متعبة!
قعد على طرف السرير واجلسها على قدميه لتهم بالنهوض فتمنعها ذراعه التي تحيط بخصرها..
- اريد ان انهض!
تمتمت ياقوت بحنق ليتساءل بينما يقرّبها الى صدره اكثر:
- الن تغفري لي حبيبي؟ ماذا افعل كي تسامحيني؟
غمغمت ياقوت بألم:
- كي اسامحك قم بتجربة المعاناة التي عانيتها حينما اختطفتني.. الرعب الذي عشته وانا برفقتك.. لحياتك التي كانت تخيفني وترعبني.. محاولتك السيطرة على انفاسي وليس فقط جسدي وقلبي.. الشعور بالغربة.. الخوف منك.. افعل ذلك وسأسامحك!
قال ساري بخشونة محببة ويده تربت على ظهرها برقة وحب:
- اذا اخطفيني وعاقبيني وانتقمي لنفسك مني.. حتى اضربيني و....
نظر لها بحب ومكر وتابع:
- وقبليني كلما تريدين وافعلي كل ما تريدين بجسدي.. وقومي بسجني في مكان لا يكون به غيرك.. ودعيني ابتعد عن الجميع عداكِ.. وماذا أيضًا؟.. افرضي نفسك علي.. انا أقصد مثل العناق والقبل وهذه الامور التي اخشاها واكرهها انا بقدر لا تتصورينه!
- هل تستخف بألمي الذي تسببت به انت يا ساري؟
تساءلت بضيق شديد وهي تصفعه على صدره ليمسك يدها التي تصفعه ويرفعها الى فمه ويقوم بتقبيلها قبل أن يرد وهو يفرد كفها على ذقنه الخشنة:
- لا أجرؤ يا حبيبة قلبه لساري.. كل ما اتمناه واريده فقط هو غفرانك لي وان نعيش معًا الى الابد بسعادة.. فقط رضاك هو ما أريده!
حرّك وجهه بأحاسيس جيّاشة على نعومة كفها واسترسل:
- انظري الي كم تغيرت لأجلك.. الن تسامحيني؟ هل تودين أن نعود إلى المكان الذي ذهبنا إليه برحلة؟ هناك بإمكانك أن تعاقبيني كما اردت.. ما هو رأيك؟
- لا!! لا اريد!
ردت ياقوت برفض ومحاولته فعل العديد لأجلها فقط حتى ينال على على غفرانها تجعل قوتها تزداد شراسةً وانوثتها تزداد شموخًا وتبخترًا..
همس ساري بحنين ساحق:
- اشتقت لك.. انا مشتاق حد النخاع يا ياقوت! اغفري لي!
أبعدت يدها وتساءلت بهدوء:
- هل تريد حقًا أن اغفر لك كل ما فعلته بي؟ هل يهمك يا ساري أن اكون راضية حقًا؟
تطلع إليها محاولّا أن يستنبط ما يجول بخاطرها.. الا ان ملامحها الهادئة والماكرة في نفس الوقت لم تساعده اطلاقًا..
قال بهدوء:
- اجل وبشدة أيضًا!
- طلّقني! حينها اعدك أن اغفر لك كل ما فعلته بحقي.. كل شيء! اذا كنتَ تحبني حقًا مثلما تقول طلّقني!
هتفت بنبرة ثابتة قبل أن تنهض وتقف على قدميها تتأمل الصراع الذي اختلج تقاسيم وجهه.. هو يحبها ولكنها لا تفعل! هو يريد قربها وهي تريد بعده.. هو تغير على يدها وهي كذلك الأمر تغيرت على يده.. الاثنان تغيرا ولكن نسيان الماضي صعب.. صعب جدًا.. ما يطلبه منها مستحيل فعله حتى ولو تغير.. لا زال لم يقاسي ذرة واحدة مما هي فعلت..
وضعت يدها على بطنها تستمد قوتها من جنينها حالما نهض هو الآخر وغمغم بألم:
- انت تطلبين المستحيل يا ياقوت! انا اعشقك! لم أصدق انني وجدتك! كيف تريدين مني التخلي عنك بكل هذه السهولة؟ لماذا لا يحن قلبك ويرأف بحالي؟ هل طيلة عمرك كنتِ قاسية القلب هكذا ام انت قاسية القلب فقط معي؟ إذ كان الله يغفر اكبر الذنوب فمن انت حتى لا تغفرين لي!
بجمود قاسي عليه وعليها ردت:
- انا اخبرتك انني سأغفر لك في حال طلقتني فقط لا غير.. انت لا تقدر أن ترغمني على حبي للحياة معك! ولا تقدر أن تطلب مني ان انسى ما فعلته بي وكأنني لست إنسانة! لن اقدر! انت لم تصفعني يا ساري ومن ثم طلبت الغفران! انت اذيتني كثيرًا! اكثر مما تتخيل!
- وانا لن اطلقك!
هتف ساري بنبرة خشنة وهو يقترب ببطء شديد منها.. كانت واثقة أنه لن يؤذيها فتيبست مكانها ولم تتزحزح قيد انملة.. توترت خفقات قلبها وذراعيه تعيدها الى حضنه بينما همسه الاجش يتغلغل عميقًا داخل اذنيها:
- صعب جدًا أن اتخلى عنك! صعب جدًا!
لم تنبس ببنت شفة وهو يتابع:
- ستكونين راضية وستغفرين لي كل الذنوب التي ارتكبتها بحقك وانا سأعمل جاهدًا على جعلك تنسين ذكرياتك السيئة.. انا وطفلي معًا يا امرأة ساري العرّابي!
دفعته ياقوت عنها ليحرر جسدها بإبتسامة عابثة تستوطن ثغره ثم غمز لها بوقاحة جعلتها تهدر بعنف وتحدي:
- سنرى إذًا! اود ان انام الان! طفلك يطلب منك أن تبتعد عنه على الأقل في الوقت الحالي!
قهقه بإستمتاع وهو يتأملها بحب بينما تسير نحو السرير بخطوات حانقة مغتاظة.. لم يستطع لجم تعليقه العابث وهو يقول:
- طيلة الوقت تريدين الراحة والراحة لا تمنحيها لا للحبيب ولا للكريه.. لعنة الله على هذا الحظ!
رشقته بنظرة غاضبة تجاهلها وهو يغادر الغرفة مبتسمًا..
********************
كانت معرفته بحمل عائشة من صديقه احمد كعاصفة من التوتر هاجمت كيانه اذ ان على الفور ذاكرته كانت تأخذه الى وصية احمد قبل أن تغادر الروح جسده..
تردد كثيرًا قبل أن يتوجه إلى منزل جده ولكن عليه أن ينفذ قراره الذي اتخذه.. اذا لم ينفذ ما عزم على فعله وطلب يدها للزواج سيطلب غيره الزواج منها وابن احمد لا بد وأنه سيعاني وهذا ما لن يسمح به ابدًا..
غير ذلك، اذا وصل الخبر من والده إلى جده او قسورة ستعرف عائلة احمد ولا بد أنهم سيرغبون بأخذ الطفل منها او أن سوف يجعلون احد من إخوة احمد يقوم بالزواج منها ليترعرع الطفل في حضن عائلة والده..
من حسن حظه أن قسورة كان في منزل جده أيضًا فبذلك لا يضطر أن يفتح هذا الموضوع ويشرحه اكثر من مرة..
ألقى يوسف تحية السلام ثم جلس على أحد المقاعد..
راقب قسورة والجد كريم الانفعالات البادية على وجهه فتساءل كريم بجدية:
- ماذا هناك يا يوسف؟
- اريد ان اطلب منكما معروفًا.
قال يوسف بهدوء ثم تابع حينما قابله الصمت منهما:
- هي حامل! انا اقصد ارملة احمد رحمه الله.. وانا اقترح عليكم أن اتزوجها.. اقصد انني اريد فعلًا ان اطلب يدها للزواج قبل أن يفعل احد غيري!
- انت رفضتها قبلًا حينما عرضنا عليك الزواج بها! فكيف تود منا أن نفعل الآن؟ ومن الأساس من اين قد عرفت بحملها؟
علّق كريم بجدية ليقول يوسف بحزم يخفي به توتره:
- الآن الوضع يختلف يا جدي.. انا اريدها على سنة الله ورسوله وسأعتني بها وبطفلها حينما يولد بإذن الله.. وانا عرفت من شقيقتي ياقوت فهي قد عادت إلى زوجها منذ فترة والبارحة قامت بزيارتنا.
فضّل قسورة عدم التدخل خاصةً بعد الحساسية التي نشأت بينه وبين يوسف بعد موت معتصم.. فإكتفى قسورة بمنح دور المتكلم لجده حتى يتفاهم مع يوسف.. وعلى ما يبدو أن جده فهم ما يشعر به كلاهما دون الحاجة لاي منهما الحديث..
هتف الجد كريم بنبرة قوية رغم آثار الشيخوخة التي تحتل تقاسيم جسده ووجهه:
- هل ستتزوجها لتعيد فتح الدفاتر القديمة يا يوسف؟ المرأة لن تتحمل المزيد من المتاعب.. اذا كانت المأساة والمعاناة ستتكرر فمن الأفضل أن تسحب طلبك.. اذا اردت الانتقام منها مجددًا فغادر الان وطلبك مرفوض ولكن إذا كانت نيتك خيرًا فسأكون انا اول من يساعدك وليوفقك الله في اختيارك ويبارك به.
- نيتي بها كل الخير يا جدي.. انا على عجلة من امري بهذا الموضوع.. فأرجوك أريده أن يتم بأسرع وقت.. بعد ولادتها بشكل فوري اريد ان اتزوجها.
قال يوسف بعينين كلها إصرار ليومئ الجد كريم موافقةً وتأييدًا لكلامه ثم ينظر إلى قسورة الهادئ ويبتسم بخفة حانية..
*******************
اتكأت بظهرها على الجدار الابيض بينما تتأمل بعينيها السماء الصافية عبر نافذة الغرفة دون أن تفكر بأي شيء.. فقط تنتظر دخوله إلى الغرفة بأي لحظة ليعاقبها أو يطلق سراحها كما هددها قبل ذهابه لإحضار طفليه..
طمست وهج تنهيدة داخل صدرها تود التحرر، واكتفت بقناع الجمود التي ترتديه فور أن شعرت بدخوله إلى الغرفة..
- تعالي واجلسي!
اتاها صوته الخشن لتسير نحوه بخطوات هادئة بينما خفقات فؤادها الصاخبة تكاد تهلك روحها..
ألقت نظرة سريعة على وجهه ذو الملامح المبهمة ثم جلست على السرير بينما بقي هو واقف بشموخ قامته أمامها..
جلس صفوان على طرف قدميه امامها على الأرض ليكون شبه جالسًا ثم أسند كفيه على السرير ليحيط جسدها ويطوّقه بجسده..
للحظات طويلة دام الصمت وحدقتاه تتفرس النظر بكل حركة تصدر منها.. توتر نظراتها.. حركة ثغرها المرتعش.. كيفية تفرك يديها ببعضهما البعض..
بدت صغيرة وجميلة جدًا بشعرها المنسدل على كلا الجانبين.. وانفها الصغير مرفوع بطريقة سلبت حواسه..
أغمضت وهج عينيها تبث بروحها القوة لمواجهته ومواجهة خنجر لسانه السليط ثم فتحتهما ورفعت حدقتيها لتطالعه بنظرات قوية متحدية وهمست:
- هات ما لديك يا صفوان.
لم تفارق عيناه عينيها التي تنظر له بتحدي.. لم يتفوه بحرفٍ واحد عمدًا واكتفى فقط بالصمت لكي يرى الى أي حد ستندلع شرارة قوة هذه المرأة..
رفع يده ليلمس وجهها فأبعدت وهج وجهها سريعًا عن مرمى يده.. استشرست تعابير وجهه وهجرها جمودها وهو يسألها بنبرة مخيفة:
- هل تشمئزين مني؟
- ابتعد عني!
غمغمت وهج بإرتباك وخوف ليعقد حاجبيه ويقترب بجسده اكثر منها.. فحاولت أن تبتعد اكثر عنه ولكن دون أن تدري كانت تقربه اكثر اليها وهي تعود بظهرها إلى الخلف فتتمدد على السرير ويعتليها بجسده الضخم..
كرر صفوان سؤاله بهدوء شديد زاد من اضطرابها:
- هل تشمئزين مني يا وهج؟
- لا! لا! ابتعد عني فقط! ارجوك!
غمغمت بنبرة مرتعشة وكأنها على وشك البكاء بأي لحظة.. لماذا لا يفهم انها هذه الفترة لا تطيقه ولا تطيق قربه؟ لماذا لا يفهم انها تشعر بخوف شديد يعتصر قلبها المسكين؟
أغمضت عينيها بقوة حالما اقترب بشفتيه من خدها ليلثمه فيتشنج كل جسدها الى أن شعرت به أخيرًا يبتعد عنها وينهض قائلاً بخشونة:
- انهضي!
بصعوبة نفذت ما قاله ليدير ظهره إليها ويقول بنبرة يتضح بها غضبه من تصرفاتها:
- أدهم وسيف لن يذهبا بعد الان إلى منزل جدتهما.. ممنوعان من الذهاب إليها واياك وفتح اي موضوع يخصها أمامهما.. حينما تود أن تراهما ستفعل امامي فقط.. معاملتك لهما ستكون تمامًا كمثل معاملتك لنور.. اياك ومحاولة التمييز بينهم لأنك لا زلت لم تعرفي بعد لأي مدى من الممكن أن تصل قساوة عصبيتي!
حالما لم يقابله غير الصمت منها استدار بجسده لينظر إليها وتابع:
- انا أتفهم أن نور لا زالت رضيعة بحاجة إلى معاملة خاصة.. ولكن لا اريد ان تزرع معاملتك الخاصة لنور الكراهية والغيرة من قبل ادهم وسيف تجاه اختهما.. دورك يكمن أيضًا بزرع المحبة بينهم.. هل فهمت يا وهج؟
اومأت وهج بضيق ليهز صفوان رأسه بابتسامة خفيفة ويعلّق:
- رائع! اتمنى حقًا أن تكوني قد استوعبت وفهمت جيدًا ما قلته يا وهج!
مطت وهج شفتيها بسخرية وسارت تجاه باب الغرفة ثم مدت يدها بنية فتحه ليردعها صوته الحاد:
- هل سمحت لك بالخروج؟
- لقد مللت ولم يعد بإمكانني التحمل اكثر!
قالت بحنق سرعان ما تحول إلى ارتباك وخوف وهي تدرك انه لا بد سيعاقبها على الكلام التي تفوهت به وسيفهمه بطريقة أخرى..
تفشى الارتباك في سائر جسدها دون أن تتمكن من الاستدارة لتواجهه.. شعرت بخطواته تزلف من مكانها فقضمت شفتها السفلى..
أدارها صفوان إليه لتوثب خفقات قلبها بعنف في جوف صدرها.. رغبت صدقًا أن ترفع وجهها لتواجه عينيه السوداوين إلا أنها لم تقدر.. شعرت بالخوف يوهن عزيمتها وقوتها.. ثم أخيرًا بعد لحظات اعتمد صفوان بها الصمت ليثير بها توترها اكثر واكثر هتف بخشونة:
- ماذا تقصدين بكلامك؟ انك مللت من وجودك في حياتي.. اليس كذلك؟ على ما يبدو انك على عجلة من أمرك ليتم عقابك على الفور.. صحيح؟
هزت رأسها بنفي وردت بخوف:
- انا اقصد انني مللت من بقائي في الغرفة لا غير!
- ارفعي وجهك!
أمرها بنبرة غليظة لترفع وجهها له فيقابلها وجهه ذو الملامح الغامضة بغضبها..
- سيتم معاقبتك على كل كلمة لم تعجبني نطقتِ بها.. انا حاليًا فقط اقوم بحساب عدد اخطائك لأعاقبك عليها كما يجب.. ولكن ليس الان.. كل شيء سيكون في وقته! استمري بأفعالك هذه وسترين النتيجة فيما بعد.
عقدت وهج حاجبيها بضيق ليهز صفوان رأسه بوعيد ويهتف:
- بإمكانك الخروج!
********************
لم تدري ماذا يجول بعقله من أفكار.. فصمته معها مريب للغاية خاصةً في هذه الفترة.. وهي بدورها لم تفتح معه اي حديث بل بقيت صامتة.. تركته علّه يستوعب أنه قد يخسرها صدقًا اذا فكر بالزواج من إمرأة غيرها..
سمعت صوته يقوم بالنداء عليها فتصنعت النوم فقط حتى تتجنبه الى أن يقوم برد فعل على ما قالته له..
احست به يدلف الى الغرفة وهو يهتف بأسمها فتشبثت بدثار السرير بتوتر..
وقف قسورة بجانب السرير ليتفرس النظر بها بحدقتين غاضبتين.. لحظات قليلة هي ما احتاجها فقط ليعلم انها ليست نائمة فزمجر وهو يهز كتفها بخشونة:
- انهضي.. انا ادري انك لستِ نائمة.. انهضي حالًا يا خنساء!
فتحت عينيها وقالت ببرود بينما ترفع جسدها لتسند ظهرها على ظهر السرير:
- ماذا هناك؟ هل هناك امرأة أخرى ترغب بالزواج بها؟ أخبرني حتى اعرف!
تجهمت ملامج وجهه بشكل فوري وهدر:
- اصمتي لا يوجد غيرك.. زوجتي هي واحدة فقط لا غير!
إرتفع طرف ثغرها بشبه ابتسامة قبل أن تشيح بوجهها إلى الجانب الآخر..
زفر قسورة قائلًا:
- ابتعدي قليلًا لأجلس بجانبك!
ابتعدت خنساء قليلًا فجلس على طرف السرير بجوارها.. رفع قسورة يده ليدير وجهها إليه برقة ويتساءل بهمس:
- الى متى سنبقى على هذا الحال؟ انت تعرفين جيدًا من هي خناس بالنسبة لي.. اليس كذلك؟
تكدّست دموعها في مآقيها وغمغمت بصوت شجي:
- لا! لا أعرف يا قسورة! حينما امنحك الحل وتتجاهله وتعاملني بعصبية منذ أن عرضت عليك اقتراحي وجوابي وتتجاهلني معظم الأوقات بالتأكيد سأفهم انك قررت التخلي عني وانني لا املك اي مكانة في قلبك! اذا اردت ان تتزوج افعل يا قسورة.. لن امنعك حقًا.. ولكن أعدني الان إلى منزل اهلي.
- انا لن اتخلى عنك ولن أطلقك.. محال أن أفعل! انت زوجتي يا خنساء.. زوجة قسورة الفهدي!
هتف قسورة بحزم لتدفع يده بشراسة وتزمجر:
- كفى! كفى! لقد مللت وتعبت.. امنحني جوابك حالًا ولن احزن.. تزوج بألف امرأة اذا اردت كما قلت لك.. لكن لا تقلل من شأني وتستخف بي بهذه الطريقة!
انهمرت دموعها بعنف على وجهها وهي تصيح به:
- الآن أخبرني بقرارك! لا تعاملني بهذه الطريقة.. لا تفعل ثم تقول انني زوجتك الوحيدة!
شهقت بإختناق وهي تضع يدها على بطنها خائفة أن تفقد جنينها من شدة قهرها وعصبيتها.. ثم تابعت بتهديد:
- عليك أن تعرف أن اذا هذه المرة حدث شيئًا لطفلي وفقدته لن تراني حتى أموت يا قسورة.. لا تحلم بي مجددًا!
جذبتها يداه إلى صدره رغم مقاومتها العنيفة له.. واحتدت قوة يداه التي تلتف حول جسدها ثم هتف محاولًا أن يهدئها:
- اهدأي.. لن اتزوجها يا خنساء! لن افعل!
رشقته بجمر نظراتها الحادة بينما تتساءل بغضب اقرب الى الجنون:
- هل تسخر مني وتعتقدني غبية يا قسورة؟! انا لست غبية.. هل تفهم؟
لم يستطع لجم ضحكاته التي ستودي به إلى قعر الجحيم فإنطلقت صاخبة مرحة لتزداد دموعها تدفقًا وتجهر بينما تضربه على صدره بعنف شديد:
- دعني.. دعني! اذهب واضحك على امرأة غيري.. دعني!
ثبّتها بين ذراعيه رغمًا عن أنفها وهتف يلهث أنفاسه بسبب مقاومتها وضربها له:
- لن اتزوج! والله لن اتزوج! اذا متُّ فبالتأكيد انت هي السبب.. لا احد يقدر على العيش مع امرأة مثلك! اعوذ بالله من غضب وجنون غيرتك!
- انا لا اغار!
هدرت خنساء بحنق ليقهقه قائلًا:
- اذا فعلتِ ماذا سيحدث اذًا؟! لا شك انك كنت ستقتلينني بينما أنا نائم!
مطت شفتيها بضيق وارتسم العبوس على محياها ليزيل دموعها بأنامله ثم ينحني ليطبع قبلة رقيقة على طرف شفتيها ويقول:
- انا تحدثت مع عمران.. ونفذت كلامك!
- ثم؟
تساءلت رافعة حاجبيها فطبّع قبلة أخرى على شفتيها وهمس:
- عمران موافق.. الآن فقط علي الحديث مع وسيم العثماني.
همهمت خنساء برضى ليتناول شفتيها مرة أخرى بقبلة عميقة طويلة..
غمغم قسورة بصوت اجش بعد أن عتق ثغرها من هجومه:
- اذا انتهت اسئلتك دعيني ابدأ بإستجوابي.
وقبل أن تفتح فمها لترد عليه كان يغيبها بقبلة تختلف عن سوابقها ويداه تأخذها بعناق كله احاسيس جمّة..
******************
بعد اسبوع..
كانت تدري ان ياقوت ستخبر اهلها بكونها حامل.. وكانت تدري أيضًا أن عائلة احمد ستعرف بحملها ولا بد أنهم سيطالبون بالطفل أو يطلبونها للزواج من واحد من إخوة احمد.. ولكن ما لم تتوقعه البتّة أن يطلب يوسف شقيق ياقوت الزواج منها! ذلك الرجل الذي اهانها وارعبها حينما قام بإختطافها هو وأحمد.. ذلك الرجل الذي رفضها بطريقة بأكثر طريقة جارحة ولاذعة حالما عرضوا عليه الزواج بها.. صعب عليها ومؤلم للغاية أن تكون لعبة بين أيديهم يحركونها كيف يريدون.. في البداية احمد ومن ثم يوسف!
كان جوابها هو الرفض.. رفضت عرضه وبعنفوان حينما اخبرها والدها بقدوم كريم الفهدي يرافقه يوسف بنية طلب يدها للزواج من يوسف.. هي من الاساس حامل وعدّتها لا زالت لم تنتهي بعد.. كيف يجرؤ أن يطلب يدها للزواج الآن! ام أنه يود حجزها له لتستهل بحكاية معاناة جديدة!
زواجها من أحمد كان حافلًا بالمتاعب والصعوبات وبصعوبة تمكنت من التأقلم بالحياة معه وتقبلت انها زوجة لرجل لا يحبها ويحب امرأة غيرها! اجل هي لا تحب أحمد ولكن حبه لأمرأة غيرها بينما هي زوجته كان ساحقًا بحق أنوثتها دون أدنى رحمة!
اغمضت عينيها بخور وكمان فؤادها تعزف ترانيمها ببطء منهك.. هي خائفة.. خائفة من الزواج كله بعد التجربة التي مرت بها! أن تبقى مشاعرها ملقية داخل حاوية لا يتم النظر اليها ولا حتى التفكير بها.. أن يطلب يدها يوسف لأجل مصلحة ولا بد أن مصلحته هي طفلها تخنقها.. توجعها.. وتمتص من ثقتها بأنوثتها..
احتكاكها هي وياقوت ببعضهما البعض كان قليلًا بما أن من الاساس ساري كان طيلة هذا الأسبوع يأخذها الى منزل اهلها أو إلى الأسواق ثم تعود مرهقة وتنام كالمعتاد.. ومع ذلك ياقوت كانت كلما تراها تبتسم لها وكأنها راضية بطلب يوسف الزواج منها.. أما بقية أفراد عائلتها تركوا لها حرية القرار دون أي ضغط من قبلهم..
وعلى الرغم من كون رفضها كان حادًا عنيفًا الا ان يوسف اصرّ على نيل قبولها بالزواج به.. فها هي الآن تجلس في مجلس الضيوف تنظر إلى يديها باستحياء وإرتباك.. بينما قبالتها يجلس يوسف وبجواره يجلس والدها..
كان قد طلب يوسف من والدها اللقاء بها ليحاول أن يقنعها.. ومع أنها رفضت أن تلتقي به الا كان مصرًّا وعازمًا بطريقة مزعجة فأخيرًا اضطرت للرضوخ ووافقت أن يتحدثا..
- لماذا ترفضين طلبي للزواج منك؟!
اتاها سؤاله بنبرة هادئة فأجابته بسخرية أوضحت مدى توترها وارتباكها دون أن تدري:
- ولماذا انت تود الزواج بي؟
التزم والدها الصمت واكتفى بدور المراقبة كما طلب منه يوسف.. ثم زم شفتيه وهو يسمع يوسف يقول:
- لماذا برأيك يطلب الشاب الزواج من فتاة؟ انا سأنتظرك إلى أن تلدي ليتم زواجنا!
- وانا ارفض! لا اريد منك أن تنتظرني.. هناك العديد من الفتيات غيري اذهب واطلب يدهن للزواج.. ابني أنا بنفسي سأعتني به دون الحاجة لمساعدتكم.. ولا تقلقوا لن امنعه عنكم! انا لست قاسية ولئيمة حتى اقطع صلة الدم بين طفلي وعائلة والده رحمه الله!
هتفت عائشة بجدية قبل أن تلقي نظرة على والدها الهادئ وتستأنف:
- ارجوك غادر ولا تحاول مجددًا.. انا اكتفيت من هذه المتاهات التي تود أن تقحمني بها مجددًا.. وكل مرة بحجة مختلفة.. الم ترفض الزواج بي فيما سبق؟ ما الذي تغير الآن؟ طمعكم بطفلي أم ماذا!
احتقن وجهه بينما يرد بنبرة شجية:
- كانت وصية احمد قبل أن يموت هي انت.. انت هي الوحيدة التي فكّر بها قبل أن يموت.. قال "لا تظلموها من بعدي".. انا اريد الزواج بك ليس انتقامًا وليس ثأرًا.. انا اريد الزواج بك للحفاظ عليك وعلى طفل احمد.. امام والدك انا اقول ذلك.
ترقرقت الدموع في مقلتيها وكلمات يوسف تؤثر بها بعمق.. أن تكون هي آخر من فكر به احمد قبل أن يموت فعلت الويل في روحها.. نشبت اظافيرها بقسوة في صدرها.. لتتبعزق مشاعرها المضطربة والمترددة بتيه في عقلها..
أحاطت بيديها الاثنتين بطنها المنتفخة وهي تدعو له بالرحمة والمغفرة.. هي لم تحبه ولكنها تحترمه وتقدّره وتشفق عليه.. له معزة خاصة في قلبها.. ومن المستحيل أن تنساه أو تتجاوز فترة زواجهما بسهولة..
بعد صمت ران من كل الأطراف أطلقت عائشة تنهيدة من اعماق روحها وغمغمت:
- دعني أفكر.. اريد ان أفكر!
وقف يوسف ففعل المثل والدها.. وهي ودت صدقًا أن تفعل المثل ولكن الوهن الذي هاجم قدميها جعلها عاجزة حتى عن الحركة.. كانت ضعيفة وذكريات وافكار شتى تعصف بكيانها..
قال يوسف بهدوء:
- خذي وقتك ولكن ارجوك ردي إليّ الجواب بأسرع ما يمكن.. وعليك أن تعرفي أن اذا لم توافقي ستتكرر هذه الزيارة مرارًا وتكرارًا إلى أن انال على موافقتك!
ثم ألقى تحية السلام وهمّ أن يغادر قبل أن يوقفه سؤالها الغريب:
- هل هناك امرأة في حياتك؟ انا اقصد هل هناك فتاة تحبها وترغب بالزواج بها؟
رأته يحدجها بنظرات إستغراب اقرب إلى الذهول كما فعل تمامًا والدها.. فإبتسمت عائشة بمرارة وهمست:
- انا لست مستعدة أن أكرر نفس تجربتي كبديل لا يتم التفكير بمشاعره في حال وافقت على الزواج بك!
كلاهما فهما قصدها من الكلام التي قالته فإبتسم يوسف بآسى وقال مطمئنًا لمخاوفها:.
- انت ستكونين المرأة الاولى التي ستدخل حياتي اذا تم الزواج! من هذه الناحية لا تقلقي وفقط اغفري واطلبي من الله أن يرحمه فأنت هي الوحيدة التي فكّر بها قبل أن يموت!
------------------------
يتبع..



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close