رواية ساهر الفصل السابع عشر 17 بقلم داليا السيد
الفصل السابع عشر
ألم
كانت تجلس بتلك الحديقة التي شهدت أوقات كثيرة سعيدة بحياتها وظنت أن بعودتها لها ستجد تلك السعادة مرة أخرى ولكن لا شيء تشعر به سوى الألم، كانت تتألم بكل لحظة بعاد عنه، حبها له يؤلمها، لم تستطع أن تكرهه لحظة واحدة، نعم رفضته ورفضت أن تسمعه لأنها تعلم أنه كان هكذا، عاش حياته يلهو مع النساء فلماذا يتبدل الآن؟
صوت راشيل جعلها ترفع رأسها لها وهي تقول "جورج اتصل ويقول أنه سيأتي على الغداء، كل يوم يأتي من أجلك ولا يعود للعمل"
جلست بجوارها وقالت "بل على العكس لكن هذا لا يتناسب مع طبيعته"
لفت وجهها للشجر والزهور ولم ترد فلمست راشيل يدها وقالت "ألم تعيدي التفكير بالأمر حبيبتي؟"
عادت بوجهها الغاضب لراشيل التي أكملت "لقد أتى هنا وحاول معك مرة أخري ولكنك حتى لم تسمعيه، الرجل أتى من مصر إلى هنا من أجلك وأنت.."
قاطعت أمها بقوة وهي تقول "أنا ماذا ماما؟ هل أصبحت أنا الآن الجاني وهو المجني عليه؟ هل تريديني أن أعود لخائن ووقتها سيكون علي تحمل خيانته مرة أخرى وأخرى؟ لا ماما أنا لست تلك المرأة"
قالت راشيل بهدوء "بل أريدك أن تبعدي هذا الغضب جانبا لحظة واحدة وتسمعي من أي واحد منهم ما حدث ربما"
عادت تقاطعها "كلهم يريدون محو أخطائه فلن أصدقهم"
صمت حل بينهم قطعته راشيل "وطفله، هل نسيت أنك حامل بطفله ومن حقه أن يعرف به"
لفت وجهها لوالدتها وتذكرت الحمل الذي لم تعرف به إلا بعد أن وصلت هنا وبدأت أعراضه بالظهور عليها ووقتها بكت كثيرا لأن الحمل كان يمثل الحلم الذي كانا يحلمان به سويا وهو بالأخص فقد رأت كيف يعامل أولاد أخيه وكم أخبرها أنه يريد أسرة وأولاد مثلهم
أبعدت وجهها وقالت "ليس الأمر جديد، كثير من الأمهات حاليا تتولى طفلها وحدها"
لكن راشيل قالت "ويصبح ممزق بينكم كما كنت أنت؟"
ضربتها الكلمات بقوة من شدة صدقها فالتفتت وحدقت براشيل فهي لأول مرة تتحدث هكذا، أكملت "هل ظننت أني كنت سعيدة عندما أخفيتك عن عزت حتى عثر عليّ وعرف بأمرك مما دفعه للغضب وشن الحرب عليّ ليقتلعك مني كما فعل؟"
ظلت تنظر لأمها ولا تجد كلمات للرد "هل تضمنين ألا يفعل ساهر المثل لو عرف بطفله ووقتها أنت من سيتمزق قلبك لأشلاء، أنا كنت أبكي بالأسابيع لفراقك آسيا وربما يجد هو امرأة أخرى تمنحه ما لم تمنحيه أنت إياه وتحكمي على طفلك بنفس المصير، هل هذا هو ما تريديه آسيا؟ لك ولطفلك؟ أن نعيد الكرة مرة أخرى لأني لو ارتد بي الزمن للخلف فلن أفعل ما فعلت، نعم أنا لست نادمة لحظة واحدة على زواجي من جورج لكن نادمة على كل لحظة ألم سببتها لك حبيبتي"
الدموع كانت تتساقط من المرأتان وهي أدركت أن أمها على حق، هي لا تريد تمزيق طفلها كما عاشت حياتها ممزقه بينهما، لا تريد له أب يكره وجوده بالحياة، لا تريد لامرأة أخرى أن تدمر سعادة طفلها
رن هاتفها بذات الوقت ورأت اسم هدى واندهشت فالمرأة لم تهاتفها منذ أتت هنا فقالت "إنها هدى!"
ربتت راشيل على يدها وقالت "ردي حبيبتي، المرأة كانت رائعة معك"
هي تعلم بذلك لذا أجابت "أهلا حضرتك"
صوت هدى الهادئ يريح القلب وهي تقول "أهلا بابنتي التي لم تسأل عني ولا مرة واحدة"
تورد وجهها وقالت "آسفة ماما سامحيني"
ردت هدى "بالطبع سأسامحك لكن بعد أن تفعلي شيء من أجلي"
صمتت وخشيت أن تحدثها عنه رغم أنها كانت تفكر بمهاتفته فقط لإخباره عن الحمل ليعرفوا كيف سيتعاملون معه ولكنها قالت "ماذا ماما؟"
قالت المرأة "ربما لم يخبرك أحد أني كنت بالمشفى وأجريت جراحة بالقلب مؤخرا"
هتفت "لا!؟ وكيف حالك الآن؟ هل ما زلت بالمشفى؟ هل الجراحة جيدة؟"
ضحكت هدى بهدوء وقالت "نعم حبيبتي، الجراحة كانت جيدة وأنا بخير ورفيق يقيم لي حفل بمناسبة عودتي وأردت رؤيتك معي بتلك المناسبة، حضورك سيغفر لك عدم سؤالك عني أم لا تريدين وجودي بحياتك؟"
ارتجف جسدها من فكرة عودتها مصر بل والتواجد معه بمكان واحد مرة أخرى، ليس لديها قوة كافية لتفعل فقد استنفذ ما حدث لها كل قوتها، هدى نادتها فأجابت "ماما حضرتك تعرفين أن الأمر ليس بسهل"
قالت هدى "نعم أعلم ولو على ساهر هو لا يعرف شيء عن اتصالي ولا أظن أن رؤيته تهمك فقد أنهيت كل شيء أليس كذلك؟"
كلمات هدى كانت غريبة ولكنها قالت "ما زلت زوجته ماما هو رفض الطلاق"
قالت هدى "لا معنى للطلاق حبيبتي فهو مجرد أمر شكلي فأنتم بالفعل منفصلين والآن هل ستسعدين قلبي المتعب بحضورك؟"
كلمات هدى تدق على القلوب برقة وبلا ألم فقالت "سأحاول ماما"
وأنهى الأثنان الاتصال وحكت لراشيل التي قالت "هي فرصتك لرؤية ساهر وإخباره بالحمل وتحديد مصير طفلكم لابد من إبلاغه"
وتركتها ونهضت وهي لا تعرف ماذا تفعل والأفكار تخلت عنها وقلبها انكمش على نفسه حزين متألم يفرض سيطرته لكن ليس فيما يخص طفلها، لحظة ورأت جورج يتحرك تجاهها بابتسامته التي تملأ قلبها بالراحة
قبل جبينها وقال بمرح "أيتها الكسولة ظننت أنك ستأتين لمساعدتي لا البقاء هكذا ليل نهار"
أخفضت وجهها وقالت "آسفة جورج حقا لا أستطيع حتى الشركة بمصر أتابعها بصعوبة وأعلم أنك لست بحاجة لي"
ظل ينظر لها حتى قال "لا يمكنك الاستمرار هكذا للأبد، ذلك الطفل له حقوق عليك"
هل اتفق الجميع عليها اليوم؟ لم ترد فعاد يقول "أعلم أن راشيل تحدثت معك ولكن هل اتخذت قرار؟"
هزت رأسها بالنفي فقال "اسمعي آسيا، ربما كان ساهر رجل مختلف عنك كما قلت لكن بالحقيقة هو أفضل رجل مر بحياتك، نعم، هو الرجل الذي ساعدك بالشركة وقت انهيارها ورحيله كان متوقع كرجل نساء لم ترفضه امرأة من قبل وشعر بالإهانة من رفضك له ولكن ما أن عاد ورآك بعد سنوات حتى تمسك بك وبدا كما لو كان يعرفك منذ الأزل، لم يتخلى عنك رغم جنونه وتهوره وربط حياته بك بزواج لم يخطو له أبدا بل ولم يفكر به، ولن أتخطى لميشيل وما حدث بعده لذا من الصعب تصديق أن رجل مثله يخونك خاصة وأنه اعترف لك بحبه وبماضيه وأبلغك أن تلك المرأة تريد تدمير حياتكم فكيف لم تفكري ولو مرة واحدة بأنه قد يكون بريء"
كانت تستمع له بتركيز بكل كلمة ينطق بها، لم ترتب الأفكار هكذا كما فعل هو ولم ترى الصورة بتلك الطريقة رغم إنها الحقيقة، لكن لا أحد يعلم ما فعله بها وقت صدق ميشيل لذا أبعدت وجهها وقالت "لم يعد لكل ذلك داعي جورج لقد وصلنا لطريق سد"
قال بنفس الهدوء "ولكن ذلك الطفل يفتح ألف طريق، لا تكوني أنانية حبيبتي وفكري بطفلك، من حقه أن يكون له أب ومن حق ساهر أن يعلم بابنه"
نظرت لجورج وكلماته تنضم لكلمات راشيل وهي تشعر بصداع من كثرة الأفكار التي غزت رأسها التي كانت مليئة بالكثير غيرها
الحياة كانت معتمة أمامه، لم يعد يرى أي نهار فكل شيء أصبح ظلام، بآخر تجمع عند عامر كان صامتا طوال الوقت حتى الأولاد لم يلعب معهم كما اعتاد، إخوته حاولوا معه ولكن بلا فائدة، كان يذكر رؤيتها وهي تقف مع زوجة أخيه هناك وهي تضحك وضحكتها كانت تأخذ عقله، لماذا لم تسمعه؟ لماذا لا تصدق أنه بريء؟ ليس خطأ واحد ارتكبه مرة يجعلها تعاقبه وتحكم عليه بالإعدام
صوت جاسم أخرجه من الذكرى وهو يقول "ألا توجد أخبار جديدة؟"
تناول البيرة التي كانت بيده منذ وقت طويل وقال "جديد بأي شيء جاسم؟"
كان جاسم يقف أمامه محاولا إخراجه من حالته وهو يقول "آسيا"
التفت لأخيه بغضب وقال "ألن تتوقفوا عن الحديث عنها؟"
جاسم كان يعلم أنه يرفض الحديث لذا قال "ساهر نحن جميعا نريد رؤيتك بخير"
هتفت "وأنا بخير جاسم فهل تتوقفون عن التدخل بحياتي وتتركوني؟"
تحرك عامر لهم وقال "هل تهدأ؟ كلنا نحاول مساعدتك لكنك ترفض ساهر والمشاكل لا تنحل وحدها"
دار بنظراته لعامر وقال بنفس الغضب "وأنا أخبرتكم أني لست بحاجة لأحد والموضوع انتهى بالنسبة لي ولا أرغب بالحديث عنه بل ولا رغبة لي بالبقاء من الأساس"
وتحرك خارجا وعامر يناديه وهو لا يسمع والغضب يعميه والألم يحرق صدره وجرح كرامته منها أكبر خاصة وأنه سافر إليها محاولا إصلاح ما بينهم لكنها رفضته أيضا وها هو يعيش الحياة بلا معنى، فراغ يملأ كل شيء ولا معنى لأي شيء وتمر الأيام بلا رغبة منه بالحياة
دق باب مكتبه فلم يلتفت بل ظل واقفا أمام النافذة وتقريبا هو يحاول أن يستعيد نفسه بالعودة للعمل ولكن حتى عقله لا يريد أن يلبي له طلبه
"هل انتهيت من التصميمات؟"
التفت لعامر الذي اقترب منه وقد توقف الجميع منذ ذلك اليوم ببيت عامر عن العودة لمنطقته محاولين الاحتفاظ به قريبا منهم، هز رأسه بالنفي وقال "لا، ليس بعد"
وقف عامر أمامه وقال رغما عنه "متى ستعود لنفسك؟"
عيونه اخترقت عيون أخيه وبدا أن عامر لا ييأس من المحاولة، ابتعد وقال "أنا بخير عامر والتصميمات ستنتهي بعد يومين"
لم يتبعه عامر وهو يقول بلا تراجع ولا خشية من عودة غضبه "كان عليك ترك جاسم يتصرف"
كان يصب لنفسه كأسا ويتناول بعضه وهو يجذب الهدوء ليوقف الغضب فلن يتهور مرة أخرى على عامر لذا رد "لم يعد هناك فائدة عامر، هل لديك عمل جديد لي؟"
كان يريد أن ينهي المحادثة بطريقة أفضل، لقد انتهى الأمر وعليهم استيعاب ذلك خاصة بعد أن رفضته مرة أخرى ببيت راشيل ورفضت أن تسمعه وطردته بلا تردد، ربما هو لم يتخذ قرار الطلاق بعد ولكنه لم يفكر بإجراء أي محاولة أخرى معها فقد أهانته بما يكفي وشككت بحبه لها ومهما قال أو فعل فلن تصدقه
عاد عامر له وقال "حفل هدى؟"
رفع وجهه لأخيه وتذكر اتصالها به بالأمس ومحاولته الرفض لكنها أبت أن تسمع لأي حجج لذا قال "أنت تعلم أنها لا تسمع كلمة لا"
هز عامر رأسه وقال "نعم وحقا كلنا كنا خائفين عليها وقت الجراحة والآن بحاجة لنراها بيننا كما اعتادت"
رد بصدق "نعم، سأكون موجود لا تقلق"
تركه عامر وذهب فجذب جاكته وتحرك للخارج، أدار سيارته وتحرك بلا هدى والراديو يعمل وفجأة علت أغنية تامر حسني "وأنت بعيد"
“يا حبيبي ليه مشيت وسبتني للذكريات.. كنت خايف من الفراق وافتكرت أني اتنسيت.. وقت صعب ما يتحكيش زي أي حد مات من عذاب الاشتياق والكلام زي السكات"
نظر للراديو وشعر بدموع تنجمع بعيونه وهو يشعر بالكلمات كالخنجر ينغرز بقلبه بل بكل جزء بجسده، فهي حقا رحلت وتركته للذكريات التي تقتله، أوقاتهم معا تمر أمامه الآن وبكل لحظة، أحضانهم، قبلاتهم حتى خلافاتهم كانت وهي معه ولم تتركه وهو الآن يمر بوقت صعب نعم صعب ولا يمكن لأحد الشعور به وعادت الكلمات
"وانت بعيد.. وأنت بعيد قلبي اتوجع وتعبت منه"
انسكبت دموعه وهو يرفع شعره بيده وهو حقا يشعر بألم قلبه، ألم لم يعرف له مثيل
"عدى الي ضاع بعد الوداع وانا بين ايديك عوضني عنه"
أغمض عيونه وهو يعلم أنها لن تعود لتضمه بين يديها وكم افتقد ذلك وتمناه، عاد وفتح عيونه الباكية
وعادت الكلمات "كل ما اسمع سيرة ليك كنت بحضن في الكلام من حنيني للي كان كنت بمشي انده عليك"
وهو ما يفعله الآن وهو يسير بلا هدى يبحث عنها قد يرى وجهها بين المجهولين من حوله
كان يتمنى لو قال كما قالت الاغنية "اوعى تاني في يوم تروح صعب أعيد نفس الآلام، اوعى تاني تغيب عشان انت بالنسبة لي روح" زاد الالم لأن لا هي هنا ولا الروح له ستعود "وانت بعيد.. وانت بعيد قلبي اتوجع وتعبت منه.. عدى الي ضاع بعد الوداع وانا بين اديك عوضني عنه.. عدى الى ضاع بعد الوداع.. آه"
وافترشت الدموع مقلتيه أكثر وأكثر وبنفس الوقت كانت هي تجلس بغرفتها القديمة ببيت راشيل بنفس اليوم وكلمات جورج تهزها بقوة، فتحت التلفاز ربما يبعدها عن التفكير وهي تدير القنوات توقفت عند قناة مصرية للأغاني فتركتها ولكن ما أن بدأت المغنية كلماتها "اذتني كتير" للمطربة شيرين، حتى انتبهت لها ودموعها أسرعت لها مع الذكريات المؤلمة
"اذتني كتير.. أنا مش خايفة من حاجة.. إيه بعدك ممكن أخسر أيه"
الدموع تكورت كثيرة وصورته تقف أمامها "أنا مبقتش محتاجة أداوي جرح دوست عليه"
نعم فجراحها أصبحت كثيرة منه "أذتني كثير ولا أذيتك.. غلط إزاي وحبيبتك"
وانهارت أكثر بالبكاء وهي تسأل نفسها هل كان يمكن ألا تحبه؟ حبها لها هو الغلطة التي تدفع ثمنها كل يوم بل كل لحظة "آه ملاحق صوت عنادي سكوت.. في نبض كإنها نهاية.. يضيق نفسي كإني بموت"
ضربت وسادتها بيداها وهي تدرك أن الألم الذي بداخلها كمن يعاني من الموت "وروحي معافرة جوايا.. أذتني كتير.. غلط إزاي وحبيبتك"
كل الذكريات بحلوها ومرها كانت تتحرك أمامها وهي لا تتوقف عن البكاء وهي تسقط على الأرض "أذتني كتير ولا أذيتك.. غلط إزاي وحبيبتك.. سنين وأنا عايشة معمية.. بشوف كذب في عنيك الاتنين.. علشان كذبت أنا عنية"
دفنت رأسها بالفراش المجاور من الألم والبكاء، هل حقا كان يكذب وهي لم ترى كذبه؟ نعم وهي رأته معها "خلاص مش عارفة أصدق مين.. أذتني كتير ولا أذيتك.. غلط إزاي وحبيتك"
البكاء تعالى داخلها حتى شعرت بيد تربت عليها وصوت راشيل يحاول تهدئتها ولكن ماذا يمكن أن يوقف الألم ويطفئ النيران داخلها؟؟
تحرك داخل الفيلا التي تشاركوها سويا، بها بدأت علاقتهم وبها انتهت، ألقى بجسده على المقعد ودفع رأسه للخلف وهو يحاول وقف الذكريات والألم والحزن ولكن بلا فائدة، لكان نجح طوال الشهر الماضي، رحيلها تركه بالظلام، رفضها له يؤلمه يكسر قلبه وكرامته، يدمر كيانه، كل حياته اختفت ولم يبقى سوى تلك اللحظة التي دمرت حياته وكلماتها التي تنهي كل شيء
كم مر من الوقت وهولا يستطيع أن ينسى ولا أن يخرجها من حياته، الآن والآن فقط أدرك ما كان عامر يعانيه برحيل ليل وكذلك حمزة، الحب مؤلم، مؤلم جدا ليته ما أحب، كان يعيش حياته حرا بلا قيود واليوم هو لا يستطيع الحركة من قيد الحب والذكريات والألم ولكن يبدو أن هذا هو حكم القدر عليه ولا مجال لأن يفلت من العذاب، ضم يداه على وجهه من التعب والصداع وعندما أبعدهم رأى دبلة زواجهم وظل يحدق بها وهو يتساءل هل ما زالت ترتدي خاتمه أم ألقته بعيدا كما فعلت معه؟
وصلت الفندق الذي حجزت به وأنهت إجراءات الاستقبال وتحركت لغرفتها، كانت قد حجزت لتصل بيوم الحفل وباليوم التالي تعود، لن تبقى هنا أكثر من ذلك كما طلب منها جورج وبالحفل ستراه وتخبره بأمر الطفل وبالغد سترحل بلا جدال
أخرجت الفستان الذي ستحضر به، كان أسود، لم ترغب بأي لون خاصة وهو سيخفي جيدا بطنها الصغيرة التي بدأت بالظهور فقط صدره مغلق كي يخفي صدرها الذي بدأ يكبر بسبب الحمل، معالمها كانت متعبة والدموع تترك أثر رائع بالعيون
تناولت الغداء وشردت بالشرفة بذكرياتها بتلك البلد التي شهدت كل أحزانها ومع ذلك هي أيضا شهدت أيامها السعيدة معه
استعدت للحفل وارتدت فستانها وعدلت ياقته وشبكت يدها به ففكته عندما أدركت أنه الخاتم، خاتم الزواج الذي لم تخلعه من يدها وتساءلت هل ما زال يذكرها؟ هل ما زال يضع خاتمها أم نزعه من يده منذ خانها؟
صورة تلك المرأة غطت رؤيتها فعاد الغضب لها فأكملت زينتها البسيطة كالعادة ومع ذلك لم تختفي معالمها الباكية، شعرها استقر فوق رأسها بلا خصلات وأخرجت هدية هدى فقد اشترت لها حقيبة يد وهي قد ميزت النوع الذي تفضله، كيس الهدايا كان مناسب، نظرة أخيرة لنفسها بالمرآة وتنفست بقوة ثم تحركت لتنزل
بهو الاستقبال بالفندق كان مزدحم وهي تتحرك بأناقة ولكن فجأة توقفت وهي تصطدم بتلك المرأة تقف أمامها بلا إنذار وهي لا تفهم كيف أتت هنا ولماذا؟
يتبع..
