اخر الروايات

رواية ظلال الشك كامله وحصريه بقلم مصطفي عبدالحميد

رواية ظلال الشك كامله وحصريه بقلم مصطفي عبدالحميد 



الجريمة
الخميس 15 ديسمبر 1999 - قبل منتصف الليل بقليل
على طريق صحراوي مهجور خارج حدود القاهرة، لفّ الظلام المكان كثوب ثقيل لا يكسره سوى أضواء سيارة متوقفة على جانب الطريق.
كان المحرك لا يزال يعمل، وصوت الرياح العاصفة يملأ الفراغ.
امتزجت رائحة البارود برائحة الدم الطازج، لتضفي على المشهد رهبةً مميتة.
داخل السيارة، جلس هشام محمود، مهندس في الخامسة والثلاثين من عمره، ملامحه الباردة لم تستطع إخفاء الألم الذي يسري في جسده.
كانت يده ترتعش وهو يضغط على جرح دامٍ في بطنه، وعيناه المتسعتان تحدقان في الفراغ.
إلى جانبه كانت زوجته، ليلى إسماعيل، رأسها مائل على تابلوه السيارة، وعيناها المفتوحتان تحدقان في اللاشيء.
كانت الدماء تسيل من جرح في رأسها، تتسلل على عنقها، ثم تتساقط على مقعد السيارة وأرضيتها.
بطنها الحامل يرتفع وينخفض بصعوبة، وكأنه يودّع الحياة.
رفع هشام يده المرتجفة، ولمس خد زوجته برفق، وهز كتفها بخفة، وكأنه يحاول إيقاظها من نوم عميق.
بصوت متهدج: ليلى... ليلى...
لكنها لم تجب.
كرر النداء، لكن الصمت كان سيد الموقف، ولم يكن هناك رد سوى صوت الرياح.
تنفس هشام بصعوبة يحاول التشبث بوعيه، وضغط على جرحه أكثر، فشعر بلسعة ألم حادة لكنه لم يكترث.
تحسس جيب سترته بصعوبة، وأخرج هاتفه.
ضغطت أصابعه المرتعشة على الأزرار، وبعد لحظات جاءه صوت الضابط على الطرف الآخر، بصوت لاهث، شرح هشام الموقف بسرعة.
طمأنه الضابط بأن سيارات الشرطة والإسعاف في طريقها إليه، لكن قبل أن ينهي المكالمة، كان هشام قد بدأ يفقد وعيه، والدماء لا تزال تنزف منه بغزارة.
عندما وصلت سيارات الشرطة والإسعاف، كان هشام غائبًا عن الوعي.
في المستشفى
في غرفة العمليات، كانت الأضواء الساطعة تلقي بوهجها على الأطباء الذين يعملون بسرعة لإنقاذ هشام.
الأجهزة الطبية، تصدر أصواتًا رتيبة، تعكس صراع الحياة والموت.
كانت إصابة هشام خطيرة، فقد أدت لاستئصال جزء كبير من أمعائه، فقد كادت أن تودي بحياته.
ورغم خطورة حالته، نجح الأطباء في السيطرة عليها، لكن أعينهم ظلت متيقظة على شاشات المراقبة، إذ يدركون أن الخطر لم ينتهِ بعد.
في غرفة أخرى، دارت معركة أخرى، حيث تمكن الأطباء من إخراج الطفل الذي كانت ليلى تحمله، ورغم وفاة الأم، كان الطفل على قيد الحياة.
وضع الطفل في الحضانة في حالة حرجة، جسده الصغير متصل بالأنابيب، وصوته الخافت بالكاد يُسمع، ومصيره لا يزال مجهولًا.
زيارة خالد
مساء الجمعة 16 ديسمبر 1999، في ممرات المستشفى، زاد الضوء الخافت من الكآبة.
كان خالد محمود يسرع الخطى، وملامحه القلقة تكشف عن الصدمة التي اجتاحته فور سماعه الخبر.
فلم يكن يتخيل أبدًا أن الأمور ستؤول إلى هذه الفاجعة.
خالد، في الثلاثين من عمره، كان زميلًا لليلى في الجامعة ثم في العمل.
اجتاحت ذاكرته صور من الماضي: أيام الصداقة القديمة، الضحكات التي تبخرت مع الزمن، والمأساة التي حلت بهم جميعًا في ليلة واحدة.
عندما وصل إلى غرفة الانتظار، وجد الطبيب واقفًا، وجهه مزيج من القلق والأمل.
كيف حاله؟ هل يمكنني رؤيته؟ سأل خالد بصوت متوتر.
أجابه الطبيب: لقد نجحنا في العملية، لكنه لا يزال في حالة حرجة.
يحتاج إلى البقاء في المستشفى لأسابيع لمتابعة وضعه.
حالته مستقرة نسبيًا الآن، لكن لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث.
أمسك خالد بذراع الطبيب، وعيناه تمتلئان بالرجاء:
وماذا عن ليلى؟ هل هي بخير؟
تردد الطبيب لحظة، ثم أجاب بصوت خافت:
أنا آسف، لم نستطع إنقاذها، لقد وصلت إلينا ميتة.
ساد الصمت للحظات، قبل أن يضيف الطبيب: لكن الطفل... الطفل لا يزال حيًا، وضعه حرج، ولكنه يقاوم.
ارتعش صوت خالد وهو يكرر: الطفل؟ أجاب الطبيب: نعم، هو في الحضانة، نحتاج إلى متابعته عن كثب في الأيام القادمة.
أغمض خالد عينيه يحاول استيعاب الأمر، أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوت مكسور: أريد أن أراهما الآن.
قاد الطبيب خالد إلى غرفة هشام أولًا.
وقف خالد على باب الغرفة، ينظر إلى شقيقه الغائب عن الوعي، وجهه شاحب وأنفاسه ضعيفة، تسلل شعور بالعجز إلى صدره.
استند خالد إلى باب الغرفة، وهو يرزح تحت وطأة الأسئلة والهموم التي تثقل كاهله، عاجزًا عن استيعاب ما حدث.
كان يدرك أنه يواجه معركة صعبة، فشقيقه الأكبر غارق في غيبوبته، وطفله الوليد يصارع من أجل البقاء منذ لحظاته الأولى.
لم يكن يومًا عاديًا، وكان الطريق أمامهم غارقًا في الغموض والشكوك.
وبعد لحظات توجه إلى الحضانة، وقف هناك ينظر إلى المولود الصغير المحاط بالأجهزة، ويشعر بثقل المأساة التي حلت بعائلتهم.
في نهاية تلك الليلة المشؤومة، سُفكت الدماء، وفارقت الأرواح الحياة، لكن الأسئلة ظلت بلا إجابات.
هشام يرقد بين الحياة والموت، وطفله حديث الولادة يصارع للبقاء، بينما الحقيقة لا تزال غارقة في الظلال.
مع بدء التحقيق، تتوجه الأنظار إلى فك لغز الجريمة.
من القاتل؟ وما دوافعه؟
هل كان الأمر مجرد سرقة انتهت بمأساة؟ أم أن هناك أسرارًا دفينة وراء هذه الليلة الدامية؟
تبدأ الحقائق في التكشف ببطء، لكن كل معلومة تقود إلى مزيد من الغموض.
وبينما يسعى المحققون للعثور على الخيط الأول، يزداد الشك، ويبدأ الستار في الانزياح عن أسرار لم يكن أحد يتوقعها.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close