اخر الروايات

رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والسبعون 76 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والسبعون 76 بقلم رحاب ابراهيم حسن  


  دلفت ماهي ساحة مكتب واسعة يتشاركان فيها اثنان من الموظفين معها، فقالت ندى زميلتها في المكتب عندما رأتها تدخل بذلك الغضب المرتسم على وجهها وكأن يتراقص أمامها الشياطين :

_ طب قولي السلام عليكم ؟ أي حاجة حتى !، مالك راجعة كده وكأنك راجعة غصب عنك!.

جلست ماهي على مكتبها وهي تزفر بغضب شديد، وما زاد حدة غضبها هي تلك النظرات الماكرة بعين زميلتها "ندى" وكأنها تشير لتلك السكرتيرة فرحة!.
فقالت ماهي بعصبية شديدة:
_ مش فايقة لكلامك البايخ يا ندى!، أنا مش طايقة اكلم مخلوق!.

لم تعبأ ندى بتوبيخ ماهي وما أثار فضولها هو معرفة أن كانت ماهي قابلت السكرتيرة الجديدة حديث الشركة بأكملها أم لا، فقالت :
_ الحق عليا أني بطمن عليكي !!، وأنا اللي كنت عايزة اسألك على السكرتيرة الجديدة بتاعت مستر زايد!.

التفتت ماهي لها بنظرة حادة وامتلأ صدرها بالغضب الشديد الذي حجبته بالكاد فقالت :
_ ومالها السكرتيرة الجديدة ؟!...

ابتسمت ندى ابتسامتها المتلاعبة وقالت :
_ أصل يعني بيقولوا أن مستر زايد مهتم بيها حبتين تلاته كده، ده في ناس بتقول كمان أنه هو أصلا اللي جابها هنا تشتغل مش هي اللي قدمت ورقها.

انتبهت ماهي لتلاعب الحديث وقالت وهي تبتسم بسخرية:
_ طب وإيه يعني ؟!، وعمومًا اللي ما تعرفيهوش أنها خطيبته كمان..

ضحكت ندى وقالت:
_ لأ أعرف بس خوفت أقولك، مستر زايد اعلن بنفسه من كام يوم وقريب هتكون الخطوبة رسمي، بس بصراحة قلقت أقولك.

تماسكت ماهي لكي لا تنهض وتدفع رأس ندى بالمكتب الخشبي وتظاهرت بالهدوء رغم الغليان الذي يحرقها:
_ قلقتي ليه يعني؟! ... هو أنا كنت مراته وأنا معرفش؟! ... زايد بعتبره أخويا ولما عرفت فرحتله جدًا ... فوقي أنتي بس من أوهامك الهبلة دي !...

مطت ندى شفتيها بابتسامة مستفزة وعادت لعملها مع نظرات مختلسة كل بضع دقائق لماهي...
وفتحت ماهي حاسوبها بحركة عصبية من يدها وبدأت تباشر عملها وتنظر للملفات الالكترونية وكأنها نسيت كل ما تعلمته بالسنوات الفائتة!.

*******

وأتت ساعة الظهيرة ... واستعد وجيه أن يذهب للعمل ..
وقف أمام المرآة يمشط شعره بعدما ارتدى ملابسه سوى معطف أسود أجلّ ارتداه، فأتت به ليلى وانتظرت لحظات حتى أرتداه وقالت له بعبوس:
_ هو لازم تروح النهاردة الشغل ؟! ... مش دي صباحية ولاد أخواتك كلهم ؟!..

ابتسم وجيه ابتسامة واسعة وقال وهو يربت على خديها برقة:
_ دي صباحيتهم هما مش أنا ! ... وبعدين بصراحة الفترة اللي فاتت كنت بغيب كتير وغيابي مابقاش مقبول أكتر من كده ...

مطت ليلى شفتيها بغيظ وقالت:
_ قول بقا أني السبب ؟! ...

وهنا ضحك بالفعل، ثم قال :
_ بس أحلى وأجمل سبب، ياريت كل الأسباب والظروف قمر كده.

ابتسمت ببطء واقتربت له، ولكن بهتت ابتسامتها وعلى العبوس مجددًا وهي تهمس له:
_ هتروح لجيهان النهاردة صح ؟، خلاص .. أنا عارفة انك بتزعل من السؤال ده ..

قالت ذلك عندما وجدته ينظر لها بصمت دون تعابير واضحة، وخرج عن صمته بعد لحظات ولكن بنبرة دافئة حنونة:
_ يا ليلى لازم تعرفي أن كل لحظة بتمر عليا لو بإيدي اختار هختار اكون جانبك لوحدك، بس زي ما لازم ما اظلمكيش ماينفعش أظلمها، مش حابب نتكلم في الموضوع ده أكتر من كده وأنتي عارفة اللي فيها .. مش لازم أشرحلك كل مرة!.

هزت ليلى رأسها بتفهم ونظرت له قائلة:
_ فاهمة ومقدرة وضعك، وهحاول ما افكرش في الموضوع ده تاني، لأني لما بفكر فيه بحس أني مخنوقة وبقعد أعيط!، بس بقولك إيه أنت حلو أوي النهاردة كده ليه؟!، چان أوي.

ضحك وجيه ملء فمه بعدما اتممت قولها بغمزة ثم قال:
_ بتغيري مزاجي في لحظة! ... طب مهديلي أنا كنت خلاص ضبط مخي على النكد!!، وبعدين أنا حلو على طول مش النهاردة بس!.

وضعت يدها على صدره بابتسامة ماكرة وقالت:
_ هنتغر بقا!...

رد بابتسامة :
_ ده مش غرور دي ثقة!.

اقتربت له بنظرة يغمرها العاطفة فرحبت عيناه بقربها فهمست قائلة:
_ هقولك حاجة بس ما تضحكش عليا.

نظر لعيناها الذي غرق بهما عشقا ورد باختصار هامسا:
_ قولي.

ترددت ليلى بعض الشيء ثم قالت :
_ زمان كان نفسي ابعتلك جواب، اكيد مكنش ينفع وغلط بس كان نفسي بصراحة، هو أنا عارفة برضو أن في اختراع اسمه الموبايلات وكده بس مش بحبه .. الرسايل الورق دي حكاية تانية.

ابتسم لها برقة وقال:
_ أنتي عايزة تشغليني بيكي اكتر من كده إيه يا مجرمة؟!.

ضحكت لأنه فهم ما يدور برأسها وبعدها قالت بثقة وإصرار :
_ للأكتر اللي مالوش أكتر منه .. !

وطافت عليهما لحظات شاعرية رقيقة .. كاد وجيه فيها يقسم أن تلك المخلوقة تتجسد فيها كل سعادته بالحياة.

*******

وبالمساء ...

رمق جاسر جميلة وهي نائمة على فراشهما بنظرة متمعنة دقيقة، نظرة يملأها شيء من الاحتياج للحبيبة قبل الزوجة!..
لم يعتقد أن جميلة تخبئ كل هذا الخوف بداخلها!، حيث أنه ما يقترب منها سوى خطوة ويشحب وجهها !! ...

جلس بمقعد قرب الفراش وعاد شاردًا مرة أخرى، هو كطبيب نسا بالأساس يفهم ما تمر به ولذلك استطاع صبرا، ولكنه أخيرًا رجل !..
وأن تسرع في أخذ حقوقه يتوقع ما ستؤول عليه الأمور بعد ذلك، وما محتمل أن يحدث لحالتها النفسية!، وهذا ما تُعانيه تمامًا، رهاب الزواج !!...

فتحت جميلة عيناها بكسل وتشابكت نظراتهما للحظات، نظراته المتقدة ايقظت خمولها، نهض جاسر وأراد أن يتحدث معها جديًا هذه المرة يعرف منها السبب فقال بلطف:
_ ممكن نتكلم شوية ولا عايزة تنامي تاني ؟...

شعرت جميلة أن من السخافة أن تعود للنوم وتتركه يتخبط بأفكاره، اعتدلت قليلًا ثم أخذت كوب ماء من على الكومود وارتشفته على دفعتين ... وبعدها تنفست بعمق وقالت له وهي تضع الكوب موضعه:
_ لأ سمعاك...

نظر لوجهها المتوجه بإحمرار إثر النوم واستطاع الثبات بالكاد، وتحلى ببعض الصبر وقال:
_ قوليلي خايفة من إيه ؟! ... خايفة مني ؟ ..

جف ريق جميلة وسرت رجفة بجسدها، ثم قالت بتلعثم :
_ لأ مش خايفة منك ..

تنهد جاسر برضا وتابع :
_ طب تمام أوي، طالما مش خايفة مني يبقى أنتي خايفة من الجواز عمومًا ... مش كده؟

اطرفت جميلة عيناها بحرج وحياء شديد وهزت رأسها ايجابًا دون كلمة ... أخذ جاسر يدها بربته رقيقة ولكي يطمئنها أكثر انه متفهم خوفها قال بابتسامة:
_ أنا كده فهمتك يا جميلة، ومقدر أنك اتربيتي وكبرتي في بيئة محافظة، يمكن ده السبب.

لم تحب جميلة أن تُطيل الحديث بهذا الموضوع، ريثما أنها تشعر بالاختناق والدموع، لا تعرف تحديدا السبب ولكنها تخاف حد الرعب!...
وعاد قائلا بجدية ليعرف الاجابة الصادقة:
_ أنتي بتثقي فيا وعارفة أني بحبك صح ولا لأ ؟

نظرت له وقالت :
_ أيوة عارفة أنك بتحبني ..

لم ترضيه هذه الجرعة من الاجابة فقال :
_ بتثقي فيا ولا لأ ..؟!

تلعثمت جميلة في الإجابة بغصة مريرة عالقة بحلقها ، ولكي تكون صادقة قالت له بعتاب:
_ أنت عارف أني بحبك، وعارف أني عارفة أنك بتحبني، وواثقة في حبك ليا وعارفة أنك بتحبني بجد، بس أنت يا جاسر حطيت فكرة في دماغي مش عايزة تروح ! ... كنت بتتباهى أنك بتاع بنات وأنك سيبتهم عشاني وفاكرني هفرح !! ... بس خليت جوايا خوف أنك ممكن ترجع تاني للي كنت فيه !.. مش قادرة أقول أني مش واثقة فيك، وبرضه مش قادر أجاوبك واقولك أني واثقة فيك!.

تأملها مصدومًا بما تقول، ولم يدرك للحظة أنه من الممكن أن يسبب لها هذا التشتت النفسي !! ... كان يمرر الحديث كمزحة ودعابة لا أكثر .. بينما الآن حصد النتائج !..
فقال بصدق:
_ أنا مش عايز أفتكر اللي فات لأني نسيته بالفعل، رغم أني عايزك تتأكدي أن علاقاتي مكنتش بتتعدى عن مكالمة وشوية كلام وخلاص، وبعترف أني برضه غلط مش صح ، بس كل ده فات وأنتهى وأنتي دلوقتي مراتي وماليش غيرك.

قصد أن يعترف الآن بأقل اخطائه، حينما شعر أن الثقة بينهما ليس مُقامة مثلما اعتقد!... بل بها بعض الميل ! ..

قالت بصدق وهي تتأمله بمحبة:
_ اوعى تفتكر للحظة أني مش بحبك ..!

أراد أن يبدل درامية الموقف للمزاح فقال مشاكسا:
_ يابنتي أنتي بتموتي فيا أنا متأكد وبكرة هفكرك باللي بتعمليه دلوقتي وهتضحكي على نفسك !...

ابتسمت ببطء فقال بابتسامة خبيثة:
_ ضحكتي من دلوقتي أنا قولت بكرة ليه مستعجلة ! ..

عبست مرة أخرى فضحك عاليًا ثم قال بعد لحظات:
_ بعد بكرة هنسافر لشهر العسل، أنا متأكد أنها هتبقى أحلى أيام ...

وتمنت جميلة هذا بكل صدق، فلو يعرف أن خوفها هذا يؤلمها أكثر مما يؤلمه!... ما كان عاتبها بل رفق بها أشد الرفق.

********

كأن الطقس أيضا يشاركها الرأي والشعور ! ...
كانت السماء مُلبدة بالغيوم مساء هذا اليوم رغم دفء الطقس نهارا بعض الشيء بآواخر أيام فصل الشتاء ...
شعرت ليلى بالاختناق فخرجت للحديقة تستنشق بعض الهواء، وتعرف أن هذا المساء سيكن قمرها بعيدًا عن سماءها..
وابتلعت غصة بحلقها شديدة المرارة، ثم سارت بين الأشجار وبقبضتها زهرة حمراء تستنشق عبيرها كل حين ..
وشعرت ليلى بالاشتياق له ولرؤيته بدرجة مؤلمة، بدرجة جعلت عينيها تلتمع من ثقل هذا الهم، وشردت تمامًا وهي تسير بعشوائية بالحديقة وعلى كتفيها شال أسود رقيق يبعث فيها بعض الدفء.

وظهر وجيه بالممر الطويل المؤدي للمنزل الكبير ولكنه لمح خيال يتحرك بين الأشجار فتوقف مصوبًا عيناه إليه بنظرة ثاقبة، ولكنه ابتسم عندما وجد ليلى تسير وتواليه ظهرها ويبدو أنها لم تنتبه لصوت سيارته! ...
فتسلل إليها مبتسما كي لا تشعر به، ووقفت ليلى مستندة على جسد شجرة وفجأة وجدته أمامها مقتربا جدًا ، ابتسم ببعض الدهشة فقال لها هامسا :
_ كنتي مستنياني مش كده ..؟

أجابت وعينيه تعانق عيناه :
_ وحشتني ..

وعندما وجدته ينظر لها غير قادرا على تركها والذهاب الى زوجته الأخرى قالت:
_ بابا بيسلم عليك .. النهاردة روحتله بيت جدي وفجأة لقيته بيقولي فين وجيه !... مانسكش ! ..

ظل وجيه ناظرا لها بصمت تام وهو يعرف أنها على وشك أن تبك، فهمس وهو يقترب لعيناها :
_ ما تفتكريش أني مش حاسس بيكي يا ليلى ! .. مش عايز أشوفك كاتمة الدموع كده ومش عارفة تتكلمي !... أنا ..

وقاطعته قائلة ودموعها متساقطة:
_ روحلها يا وجيه، هي ليها حق فيك زي ما ليا بالضبط.

همس بدفء ويديه تلفها بحماية:
_ مش همشي غير لما تبطلي عياط.

لفت يدها حول عنقه وضمته بكل قوتها واجهشت بالبكاء رغما عنها ، بكاء فقط دون كلمة واحدة!.... وتركها تبك وتفعل ما تشاء .... ثم قالت بعدما استطاعت السيطرة قليلا:
_ مش هكدب عليك ، لما بتروحلها ببقى كده، بس كمان مقدرش أمنعك عنها ولا أحرمها من حقها فيك، روحلها..

تنهد وجيه بضيق يملأ صدره وقال بصدق:
_ حتى لو روحت يا ليلى مش هبقى معاها كلي! ... أنا مش بلاقي نفسي وروحي غيرك معاكي أنتي بس ... ولسه بتعيطي ؟!..

مسحت دموعها وهي تبتسم، وكأن تلك الكلمات حرقت هذا الهم الثقيل على قلبها، رغم تكرارها، وقولها كثيرًا ... ولكنها لن تمل من سماعها.

وشاهدت جيهان ذلك المشهد العاطفي من نافذة غرفتها بغليان، وهي من اعتقدت أنها أصبحت لا تبالي !! ... وأصبح هذا الوضع يقذفها في مهب الريح مرة باردة ثلجية المشاعر لا تبالي ولو تركها سنوات، ومرة تغلي غيظا وغضبا وتريد امتلأء المكيال مثلما تأخذه ليلى تمامًا .... أن كان منصفا لها بكامل معاملته ووقته فأن قلبه مع ليلى فقط !.. وهذا أكثر ما تحتاجه.
وحينما دلف وجيه ممسكا بيد ليلى ويتشاركون الأحاديث الهامسة والابتسامات والنظرات التي تحارب بعضها بالشوق والحب.
وقفت جيهان عند أولى درجة السلم من الأسفل عاقدة ذراعيها حولها في ثبات وغضب ينتظر الانفجار.

ووقفت ليلى عندما رأتها هكذا وللحقيقة التمست لها العذر، وعندما وجد وجيه جيهان هكذا نظر لليلى وقال بثبات :
_ اطلعي أنتي أوضتك يا ليلى ...

وفعلت ليلى ما قاله وتوجهت للصعود، ولكن جيهان قالت بحدة أوقفتها:
_ وتطلع ليه ما تكمل معاها السهرة ؟ .... مش النهاردة برضه يومي ولا أنا ناسية ؟! .. ولو كنت أنا اللي عملت كده واستنيتك واترميت عليك شوية كانت الدنيا هتقوم على دماغي من ست ليلى وكنت هكون أنا اللي غلطانة برضو ! ...

اغضب ليلى كلمة " اترميت" وشعرت بأهانة شديدة فقالت بعصبية:
_ إيه اترميت دي ؟! .. أنا مش بترمي على حد وجيه جوزي لو ناسية !!.. ومش هسمحلك تكلميني كده تاني!...

التفتت جيهان بنظرة نارية لليلى وقالت:
_ خلاص أوك، ما تبقيش تعيطي بقا ولا تعترضي !.. أنتي اللي أخترتي!..

وهنا تدخل وجيه بعصبية وهو ينظر لجيهان وقال :
_ اطلعي يا ليلى أوضتك دلوقتي.

واستدارت ليلى مدهوشة من هتافه بها وقالت :
_ يعني اتهان وقدامك !! ...

أغمض وجيه عيناه بنفاد صبر وقال :
_ حقك عليا أنا ، لو سمحتي بقا أطلعي أوضتك ...

نظرت له ليلى بنظرة ضيقة وتقريبًا ركضت وهي تصعد ......وعندما اختفت توجه وجيه لجيهان وقال بعصبية :
_ مش هحاسبك هنا واعلي صوتي زي ما بتعملي ...

وجذبها من يدها للأعلى بعصبية حتى غرفتهما، ويبدو أن جيهان أرضاها حدته مع ليلى وابتسمت أيضاً، وعندما أوقفها أمامه قال بغضب :
_ أنا بقا اللي مش هسمحلك تكلميها كده تاني، ليلى مهما كانت زعلانة من شيء مش بتعمل زيك وزعلنا بيكون بينا من غير ما حد يحس، أنما أنتي معندكيش أي مانع تخلي شكلي وحش قدام عيلتي بتصرفاتك ولا بيهمك!! ...

عادت لتلك الشرسة بعدما ظنت أنها تخلصت منها وقالت:
_ ليه تستناك وتترمي في حضنك كده وهي عارفة أن النهاردة مش يومها ؟! .... لو كنت انا اللي عملت كده ...

قاطعها بعصبية :
_ لو كنت انتي اللي عملتي كده كانت ليلى هتكون زعلانة أكتر منك كمان بس الفرق مكنتش هتتصرف زيك وتستنى لما نكون لوحدنا !! ... أنتي نازلة من أوضتك وعارفة أن ممكن يكون حد موجود ويسمعك ... وبعدين فيها ايه لو استنتي وحضنتها هي مش مراتي ؟! ... أتي لو استنيتي بس دقيقتين كنتي هتلاقيني جايلك ، مكنتش هروحلها واسيبك في يومك !..

بكت جيهان بحزن وعصبية وقالت:
_ أنا عارفة أنك زي ما بتروحلها بتجيلي، وزي ما بتجيبلها هدايا بتجيبلي معاها، وزي ما بتضحك في وشها بتضحك في وشي، بس مش بتحبني زي ما بتحبها !... مش بتبقى ملهوف عليا زي ما ملهوف عليها وود ودك لو تروحلها دلوقتي، الحاجات دي مش بتطلب يا وجيه وماينفعش اطلبها منك..!

وكأنها تعاقبه وتلومه أنه يرى بعين أكثر من الاخرى !.... قلبه ليس له سلطان عليه ولا لأحد أمر على قلبه ... فقال بعد تنهيدة ثقيلة :
_ أرجوكي يا جيهان كفاية بقا، كفاية تحملي نفسك وتحمليني أكتر من طاقتي وطاقتك، طالما شيفاني بحاول أرضيكي بكل الطرق يبقى كان لازم تقدري ... وللمرة الأخيرة هفكرك أني ما أجبرتكيش على الوضع ده ...

تسمرت مكانها، رغم أنه قال لها ذلك من قبل، ولكن الآن اهتزت لتصريحه ولا تعرف لمَ، ربما لأنها بالأيام الفائته كانت قريبة لقرار الانفصال ... بينما الآن هي تعاتبه بشراسة وتعود لنسختها القديمة !!..

جلست على الفراش بضعف وقالت :
_ ممكن تسيبني لوحدي النهاردة يا وجيه ؟ ... عايزة أبقى لوحدي ...

اقترب لها وشعر بالضيق لحالتها هذه وقال بتصميم :
_ لأ مش هسيبك لوحدك يا جيهان ... هفضل جانبك ..

رفعت رأسها لتنظر لعيناه، ورغم رقة نظراته إلا أنها تعرف أن ليس من بينها رفة حب !! ....

***********

وبغرفة الصغيرة ...
استيقظت ريميه وجلست بفراشها وعلى ملامحها نقش العبوس !! ... فقالت المربية لها:
_ طالما صحيتي هوديكي لماما، هي جت ومرضيتش تقلقك لما لقيتك نايمة ...

أشتد عبوس الصغيرة ثم قالت:
_ كنافتي فين مابقاش يسأل عليا !! ...

ابتسمت المرأة العجوز ولم تعرف بماذا تجيبها، فقالت:
_ هيسأل عليكي بعد شوية ما تزعليش ...

سألت الصغيرة : وحميدة فين ؟
المربية: مع يوسف ..
ريميه: طب وهما الاتنين فين ؟
المربية وهي تضحك : في الدور اللي فوق ..
ريميه بضيق: اطلبيلي ايسو صاحبتي في التليفون دلوقتي ...
المربية: حاضر ..

وأجرت بالفعل اتصال على رقم منزل أيسل أبنة الدكتور محمود، وأجابت عليها والدتها وأخبرتها المربية الأمر، فضحك الأم وقالت:
_ حاضر يا دادة هوصلك التليفون لإيسو ... ثواني خليكي معايا ...

وبعد قليل تحدثت ريميه مع صديقتها أيسل وقالت الأخيرة:
_ مين اللي مزعلك قوليلي وهعضه..؟
ريميه بضيق: شوفتي يا ايسو ريمو زعلانة أزاي ؟! ... كنافتي مش بيسال عليا !... بابا وجيه في الشغل وماما دايمًا ساكته وأنا لوحدي في الدنيا دي ..
ايسل بعصبية:
_ أنا معاكي وهخلي بابا يجبني دلوقتي وإلا مش هروح المدرسة بكرة وهفضل اصرخ ...

ابتسمت ريميه وقالت بفرحة:
_ هتيجي بجد ؟! .. هلم الدباديب وهستناكي ...

وهنا انتهى الاتصال وذهبت أيسل لأمها التي توجست من تلك الصغيرة وما تخطط له دائمًا وقالت الأم بيأس:
_ شكلك عايزة تقوليلي حاجة يا ماسنجر!... أصدميني بسرعة.

قالت أيسل بثقة:
_ عايزة أبات مع ريمو النهاردة .. ريمو بتعيط وهي بتكلمني
أنتي عارفة ده معناه إيه ؟..

تساءلت الأم باهتمام:
_ معناه إيه؟

قالت أيسل بحدة:
_ معناه أني مش صاحبة جدعة، مش انتي بتقولي لطنط سوزان صاحبتك كده ؟!...كده ولا مش كده ؟!...

كتمت الأم ضحكتها وقالت:
_ أنتي مش بنتي ! ... حماتي سافرت وسابتلي نسختها قرد صغير عايش معايا !!... عمومًا لما بابا يوصل هقوله ولو وافق هخليكي تروحي ...

قالت أيسل وكأنها اخذت موافقة والدها:
_ هيوافق ، لما يوصل قوليله أيسل عوزاك ... قوليله أيسل مش إيسو ...

قالت أمها بتعجب:
_ وتفرق يعني ؟! ..

أجابت أيسل :
_ عشان يعرف أني مابهزرش...

وتركت أيسل امها فاغرة فاها ....وبعد ساعة تقريبًا كان قد عاد والدها للمنزل وأخبرته زوجته بالأمر فقال رافضا :
_ أنتي عارفة أني رافض الموضوع ده ولا لأ ؟!

هتفت أيسل من بعيد :
_ بابا حبيبي حبيبي حبيبي ..

قال محمود لزوجته:
_ أنتي عارفة أني قايل محدش يرفض طلب لإيسو ولا لأ ؟!

رفعت الام حاجبها له بغيظ فهمس لها قائلا:
_ هتفضل تعيط وتصرخ ومش هتفصل، النهاردة بس مسموح تبات مع ريميه ... بس دي آخر مرة ..

وضم دكتور محمود أبنته حتى اخبرته أحدى الخادمات باتصال ينتظره ....فذهب للهاتف وأجاب :
_ الو ؟

وجيه :
_ أسف يا محمود أني بكلمك في وقت زي ده بس بستأذنك أن أيسل تبات مع ريميه النهاردة، البنت بتعيط ومصممة أيسل تبات معاها ...

ضحك محمود وقال :
_ آه ماهي اتعلمت من العفريته بتاعتي، ورغم أني برفض تبات عند أي حد بس أنا واثق فيكم ... هوصلها بنفسي حالا.

وعندما انتهى الاتصال نظر وجيه للصغيرة ريميه التي مسحت وجهها من الدموع وقالت بابتسامة منتصرة:
_ آه كده مبسوطة.. أنت حلو.

تحكم وجيه في ضحكته وقال :
_ تمام ، مش عايزك غير مبسوطة، وعايز ماما كمان مبسوطة.

ونظر لليلى التي التفتت بنظرها بعيدة عنه ورغم وسع غرفة الصغيرة ولكن شعرت وكأنه ملأها بهيبته ... وقالت:
_ معلش أزعجناك ... سامحنا.

نهض من مكانه وهو ينظر لها بابتسامة خبيثة ونظرة متسلية:
_ مقدرش اتأخر عن ريمو مهما كنت مشغول..!

صرّت ليلى على أسنانها بعنف ورمته بنظرة قاتلة ثم خرجت من الغرفة وهي تتمتم بكلمات لم يسمعها، فضحك وجيه بصدق ثم ربت على رأس الصغيرة التي تبتسم بسعادة لمجيء صديقتها وتركها مع المربية ...
ووجدها تسير بالممر غاضبة وتتمتم وتمسح عيناها بعصبية ذاهبة لغرفتها بنفس الطابق الذي خصص لليلى وأبنتها فقط، فتوجه خلفها ليسبقها وبعد دقيقة جذبها اليه وتقابلت نظراتهما في صمت فهمس مبتسما:
_ إيه اللي مزعلك بس ؟! ..

حاولت التخلص من قبضة يديه ولكنها فشلت فشل ذريع! ... وظهر له دموعها وغضبها منه فقالت:
_ عايز مني إيه سيبني !! ..

هز رأسه رافضا بابتسامة تتسع، واستفزها ذلك قالت له بعصبية رغم أن لم يعلو صوتها:
_ مش عايزة اتكلم معاك وبالذات دلوقتي، سيبني بقا ...

قال وجيه بشيء من الجدية:
_ مش هينفع نتكلم دلوقتي يا ليلى، أنا عارف أنك زعلانة من اللي عملته جيهان وقالته بس عاتبتها وخلاصنا ...

اغتاظ أكثر واستطاعت الابتعاد عنه والتوجه نحو غرفتها مباشرة واغلاق بابها جيدًا حتى لا يدخل ... نظر وجيه للغرفة متنهدا بقوة وعاد لغرفة جيهان ...

********

وعندما دلفت أيسل مع والدها لمنزل وجيه الذي استقبله بترحيب شديد، وأخذت المربية أيسل لغرفة ريميه ...

وبالغرفة وقفت أيسل هاتفة وقالت :
_ جاتلك اللي هتزعل اللي زعلك ! ...

صاحت ريميه بابتسانة وهي تفتح ذراعيها لاستقبال أيسل:
_ إيســـــــو ..

وهتف الفتاتان بسعادة عندما تعانقا ترحيبا ... ثم جلست أيسل بجانب ريميه وقالت ريميه بحماس:
_ هنلعب بالدباديب ولا بالقطر الأول ؟!

أجابت أيسل بقوة:
_ هنلعب بالقطر دلوقتي، واعض اللي زعلك بكرة، ماشي ؟

هزت ريميه رأسها بموافقة وقالت :
_ ماشي ..

********

وأتى الصباح مشمس بعض الشيء ...
واليوم صادف مجيء زايد قبل فرحة وذلك لاستعداده الكامل لاجتماع اليوم ومناقشة آخر تصاميم المشروع الذي ستعرض عليه اليوم .... لذلك توجه لخزنته وفتحها ليخرج منها الغلاف الورقي الذي يحمل ملفات وأوراق كثيرة تخص المشروع ...
ولكنه صدم بفقدان أحدى أهم التصميمات !! ... نظر زايد بذهول للغلاف الورقي وبحث جيدًا ولكنه تأكد من عدم وجود التصميم !! .... ظل شاردا بجمود للحظات وسأل نفسه من يستطيع فتح الخزنة غيره ؟! ... في حين أن لم يتم سرقة المكتب وإلا كان ظهر ذلك منذ وقت ! ... وكانت الإجابة أن أثنان فقط من يعرفون الرقم السري ... والده ... وفرحة !!!!! ...

جلس على مقعده ببطء ونظره أمامه تائها في تفكيره وهز رأسه رافضا رفض تام لذلك الاحتمال وقال:
_ لا مستحيل فرحة تعمل كده !! ... في حد قدر يوصل للخزنة وأنا مش موجود ... التصميم اللي اتسرق ده لازم يتغير وبسرعة، والأهم لازم أعرف مين اللي عمل كده ...

وصمت لدقائق ثم زم شفتيه بنظرة انتقام وقال:
_ هيثم !! ... اكيد هو مافيش غيره! ... أنا كنت عارف أنه مش هيسكت بالسهولة دي، بس لو كان فاكر أنه هيقدر يغلبني يبقى غبي ... هو لسه ما يعرفنيش كويس ..

ثم أخذ الهاتف وأجرى اتصال على أحد مصممي المشروع وقال له مباشرة :
_ اجتماع النهاردة مش في الشركة، هرتب مكان نتقابل فيه المهندسين وابلغكم، بس اللي بقهولهولك ده مافيش مخلوق يعرفه ..
رد الرجل بتعجب :
_ ليه حصل حاجة ؟!..

قال زايد بعصبية :
_ في تصميم اتسرق، أكبر تصميم اللي قعدنا فيه شهور ... هنفذ واحد غيره بس مختلف ، عايز شغل أعلى من اللي فات ...

تنهد الرجل بضيق وقال ليهدأ من عصبية زايد :
_ خسارة تعبنا فيه والله، بس بأذن الله نشتغل عليه تاني ونحاول ننجزه بأسرع وقت ... أحنا كده كده كان المفروض النهاردة نسلمه نهائي ... هنتجمع انا وزمايلي ونخلصه ...

قال زايد ببعض الرضا :
_ هأخر تنفيذه شوية، أنا مش عايزة حاجة أقل من التصميم اللي اتسرق ... لو مكنش أفضل مش هنفذه ... وطبعا مكفأتكم هتبقى أضعاف أضعاف ... ومافيش مخلوق يعرف حاجة عن اللي بقولهولك ... وسيبلي الباقي ...

ووافق المصمم على ما قاله زايد، ولأن زايد كان دائمًا متماسك عند تلك الأزمات المفاجئة استطاع أن لا يترك لغضبه أن يشتته ويلقي بمجهود أشهر كثيرة تحت الأقدام ! ...
ثم اغلق الهاتف بنظرات حادة ... ثم قال :
_ مش هسيبلك الفرصة يااللي سرقته تهزمني، سواء كنت هيثم ولا غيره ... أنا محدش يسرقني وأقف ساكت ، هردها وقريب ...


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close