اخر الروايات

رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والستون 66 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والستون 66 بقلم رحاب ابراهيم حسن  


 اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات

~... بداية جديدة...~

سارت سما بجانب آسر جنبا إلى جنب في هدوء وصمت مفعم بالكثير من المشاعر المضطربة.
يود لو يخبرها شيء ! .... ولكنه لا يعرف ما هو هذا الشيء تحديدًا ! .. يريد أن يتحدث ويتحدث، يتشاركا الأحاديث والأفكار، ويهدم هذا الحاجز الفاصل بينهما.
قال مبتسما بلطف :
_ من وقت ما أشتغلتي في المستشفى مابقتش عارف اتكلم معاكي زي الأول !

كانت تلف يديها حولها من تسلل بعض البرودة إليها ولفح الهواء البارد على بشرتها، ثم أجابت بصوتٍ ثابت حاولت فيه أن تخفي بعض من توترها:
_ على ما برجع بكون صدعت من الطريق، ولما برجع ببقى عايزة أنام.

اقتنع آسر بإجابتها فسأل باهتمام واضح:
_ طب وبعد الفرح هتفضلي تشتغلي ؟؟

ورغم أتخاذها سابقا قرارًا بهذا الشأن ولكنها أرادت أن تختبره فقالت:
_ أنت رأيك إيه ؟!

كان يعرف أن بهذا المكان سيكون بعيد عن الأعين المتلصصة ، فوقف آسر وهي قبالته وقال صراحةً:
_ لو عايزة رأيي بجد فرأيي أن مافيش داعي للشغل خالص دلوقتي، على الأقل وأنتي لسه بتدرسي، ويستحسن بلاش شغل من الاساس.

قالت بشيء من الانفعال:
_ أفهم من كلامك أنك هتمنعني أشتغل وأثبت نفسي ؟! ده مكنش اتفاقنا !

تحلّى آسر بالصبر والهدوء، ريثما أنهما على خطا ثابته للتفهم وتقارب الأفكار فقال:
_ في فرق أني أقولك رأيي ورغبتي، وفرق أني أمنعك وأجبرك على شيء، أنا عمري ما هجبرك على حاجة ... مش بس عشانك، عشان أنا مابحبش أحس أني تقيل على حد ... أو بتقل على حد.

وعندما كان صوته هادئ وهو يحدثها، كانت عينيه فيها العتاب واللوم ينضجان، فقالت بطيف اعتذار صادق:
_ مش أقصد أزعلك.

ابتسم لها بعاطفة وشعر بصدق تلك الكلمات البسيطة التي دحضت ضيقه، فأخرج من جيبه علبة صغيرة قد أخفاها حتى وقتها المناسب ... فراقبته بتعجب وهو يفتح العلبة ويرفع عنها قلادة رفيعة من الذهب الأبيض ... وضع العلبة في جيبه مجددًا ثم نظر للقلادة بابتسامة وتفحص حرفي اسمها واسمه وقال:
_ أول حرف من اسمي واسمك، ممكن البسهالك ؟

نظرت سما للقلادة بأعجاب، فقد كانت شديدة الرقة في تصميمها المميز الراقِ، وبين حرفي اسمهما كانت توجد فراشة بها فص فضي يلتمع ببريق شديد ... يبدو بخامته ولمعته تلك أكثر قيمة من الفضة ... ولكنها استحيت أن تسأله فقالت:
_ هو لازم البسها دلوقتي ؟!

نظر لها بعتاب وكأن بترت ابتسامتها وتبدلت بالعبوس فقالت سريعا :
_ خلاص لبسهالي ما تزعلش.

استدارت سما ووالته ظهرها وارتسمت ابتسامة على شفتيها حمدت أنه لم يرها، ثم رفعت أطراف حجابها قليلًا من الخلف وبحركة بطيئة يبدو أنه تعمدها وضع القلادة حول عنقها، وارتبكت من حركة ذراعيه وهو يتتم وضع القلادة ... وبعدها بدقيقة وضع آسر قبضتيه برقة على كتفها وهمس بأذنها:
_ خلاص .... عجبتك ؟

ازدردت سما ريقها بصعوبة وارتباك شديد واكتفت بهزة خفيفة من رأسها ... فراقه ارتباكها الشديد هذا وهمس باسما :
_ بقت أجمل لما لبستيها يا سمكة.

وعندما أشتدت لمسته على اكتافها انتفضت وكادت أن تبتعد وتركض حتى قبض على معصمها واستوقفها.
وقفت وأنفاسها متسارعة من التوتر والحياء .... وعندما وقف قبالتها رفع وجهها اليه لتنظر له ... وابتسم !!

ثم قبّل رأسها متمتما بشيء لم تفهمه، ولكنها تمنت أن يكن اعترافا ! ... فنظر لها بنظرة عميقة من جديد وقال:
_ لو في قلبك شيء من ناحيتي ومضايقك مني قوليلي عليه ونتصافى، ما تخليش حاجة جواكي.

سألت فجأة :
_ لسه بتحب الدكتورة حبيبة ؟

نظر لها بعمق وتيقن امها تعرف جزء كبير من ماضيه ... ولكنه اعترف بصدق:
_ كنت بحبها، أو بالأصح كنت واهم نفسي أني بحبها، حبيبة لا تمثلي أي شيء دلوقتي، ولما بتحاول تفكرني باللي فات بصدها .... لأني مش عايز أفتكر أني كنت واهم نفسي للدرجة دي!

اطرفت عينيها وظهرت طيف ابتسامة على ثغرها ويبدو أنها صدقته! ... فشعر بانتصار وقال وهو يشبك اصابعه بأصابعها واكد مبتسما وهو يسير معها مجددا:
_ هي لو في دماغي كنت هبقى مبسوط بالشكل ده وأنا معاكي ؟!

ارتبكت ابتسامتها ورفعت رأسها وهي تنظر له جانبا .... فدهشت عندما غمز لها وأعقبها نظرة خبيثة وابتسامة متسعة !
يبدو أن آسر يحوي الكثير من الاشياء التي ستدهشها وليست متوقعة منه!

*******

انتهيا من العشاء الرومانسي ولحظاتٍ أخرى رادفت ذلك الجو الشاعري .... حتى نظر وجيه لها مليًا وهما يقفان ورأسها ملقى على صدره وهمس:
_ زي ما حسيت لقيت، نفسيتك هديت واعصابك ارتاحت مش كده ؟

هزت ليلى رأسها المسنودة على صدره العريض وقالت:
_ جدًا ، على أد فرحتي بحالة بابا اللي بقى قريب ويفوق، على اد ما التوتر لسه جوايا مقلش!

وابتعدت قليلا قائلة باعتذار وأسف:
_ أنا عارفة أني بنكد عليك بمشاكلي في كل لحظة حلوة ... بس اللي ابويا فيه مش مخليني أفرح فرحة كاملة بأي حاجة ...

هز وجيه رأسه بتفهم ولا زالت الابتسامة الدافئة على ثغره وقال وهو يتأملها بدقة:
_ تنكدي عليا !! .... أنتي مجرد وجودك جانبي كان حلم بالنسبالي يا ليلى ! ... أنا بقيت أقوى من يوم ما رجعتيلي.

ثم قال :
_ ريميه هتتعرض على الدكتور بكرة بأذن الله، هو وصل النهاردة الحمد لله، وبأذن الله يكون في أمل.

التمعت عينيها بالدموع وقالت:
_ مش عايزة أعشم نفسي وارجع اتوجع، حالتها ميؤوس منها وكل الدكاترة قالولي كده.

ربت على رأسها برفق وقال بحنان:
_ يبقا ما خسرناش حاجة يا ليلى، نعمل اللي علينا في أي لحظة نحس أن ممكن يكون في امل في الشفا، أي كان اللي هيقولوا الدكتور لما يشوفها، هفضل جنبها وجانبك لآخر يوم في عمري .... واعتقد أنها متأقلمة على وضعها ومش بتتألم منه ... الابتلاء دايمًا معاه الصبر والقوة ... وبنتي قوية وهتفضل دايمًا كده.

ضمته ليلى وهي تتنهد بارتياح شديد وقالت:
_ كل شيء هيبقى بخير ... أنا متفائلة.

ابتسم وهو يقبل رأسها وهمس:
_ بأذن الله ...

وبعدها عادا إلى كلماته وهمساته الشاعرية التي خطفتها حتى من جمال المكان المحيط بها.
وقد استغل الوقت المتبقى من حجز ذلك المكان في تخييم جو العاطفة والذكريات الجميلة بينهما .... وقبل أن تنقضي الساعة المتبقية ويعودان إلى المشفى لقضاء يوم روتيني يتكرر ...

********

جلست جميلة على مقعد وأخرجت الطعام بالكيس الاسود وبدأت تلتهمه من الجوع وما سببته التمرينات الرياضية .... فضحك جاسر وهو يضع أمامها كوب عصير طازج وقال:
_ براحة يا وحش الأكل مش هيطير !

رفعت جميلة رأسها له وفمها مملوء بالطعام وقالت بسخرية:
_ والله انا شاكة في شهادتك دي ! .... في دكتور بيتكلم زي ما بتتكلم كده ؟!

ضحك جاسر أكتر وقال وهو لس بجانبها:
_ أنا مكنتش عايز أبقى دكتور أصلا، وبعدين هما الدكاترة دول مش بني آدمين مابيهزروش ؟! مين الحمار اللي فهمك كده ؟؟

نظرت له جميلة بتعجب وقالت وهي تبتلع الطعام:
_ اومال كنت عايز تطلع ايه ؟

وضع جاسر ساقا على ساق وقال بثقة:
_ قبطان .... الله يسامحه جدي بقا.

قالت جميلة فجأة:
_ بتعرف تصطاد يعني؟!

نظر لها لدقيقة ثم اطلق ضحكة عالية على نظرتها البلهاء وقال:
_ كملي أكلك شكلك جعانة! .... نسخة من أخويا يوسف المفجوع ! ....

لم تكترث جميلة واستمرت تأكل في نهم حتى نفضت يدها وقامت لتتقدم للحمام وتبدل ملابسها .... ولكن بدأت تشعر بصقل في ساقيها فنهض جاسر وقال بشك :
_ حاسة بتعب ولا ايه ؟

نظرت له بتمرد وقالت وهي تسير أمامه متحاملة على ثقل قدميها :
_ أنا زي الحصان أهو !

فأطمئن جاسر وتركها تبدل ملابسها بالحمام المرفق بصالة الرياضة ....

*********

وقفت سيارة الأجرة قرب بيت فرحة .... فخرجت من السيارة وقبل أن تبتعد قال زايد لها :
_ السلام لحسام أمانة ... لحد ما أشوفه.

لم تجيبه فرحة ولكن اكتفت بهزة خفيفة من رأسها وابتعدت عن السيارة وتوجهت لمنزلها والابتسامة الحالمة على وجهها ....

وحينما دخلت منزلها وجدت شقيقها يركض من الحمام وقدميه لا تساعدانه على تلك الحركة ابدا والمنشفة بيده ... فتوترت فرحة وسألته بقلق :
_ بتجري كده ليه ؟!

نظر لها للحظات ثم قال بأسف شديد:
_ كنت مضبط المنبه على ساعة معينة أصحى واجيلك الشغل أخدك، بس للأسف راحت عليا نومة ولسه صاحي دلوقتي مخضوض ..

ابتسمت فرحة ابتسامة واسعة وهي تغلق الباب وقالت:
_ وتجيلي الشغل ليه هو أنا عيلة صغيرة هتوه !

قال حسام بتأكيد:
_ لأ ... بس برضو لازم اطمن عليكي.

اكدت له فرحة كي يطمئن:
_ لأ أطمن عليا ، أنا مبسوطة بالشغل الجديد وفي مكان كويس جدًا .... لو تشوف بيتعاملوا معايا هناك أزاي هتتأكد من كلامي.

اعترف حسام بما يحمله من قلق:
_ بس برضو خايف عليكي يا فرحة، يمكن موقف زايد الفترة اللي فاتت خلاني أعرف عنه حاجات كتير ... بس برضو خايف عليكي.

تقدمت فرحة منه وضمته مثلما كانت تفعل دائما كأنه صغيرها وقالت بحنان:
_ لا أطمن ومتخافش عليا ....مافيش أي حاجة تخليك تخاف عليا صدقني... وأنا لو كنت حسيت بأي قلق مكنتش كملت ساعة حتى ورجعت.

ربت شقيقها على كتفها بلطف ثم ابتسم وقال بحماس:
_ قبل ما أنام بقا عملت اكلة هتاكلي صوابعك وراها ... تعالي معايا .

قالت فرحة بضحكة:
_ طب هاخد دش سريع كده أفوق واجي نحضر العشا وناكل ...

وبعد دقائق خرجت فرحة من غرفتها متحمسة وذهبت مع شقيقها يحضران طعام العشاء الذي تخلله الضحكات والمزاح كعاداتهما.

**********

وعندما أصبح الصبح وأتى بيومٍ جديد بعد انقضاء ساعات الليل .....
تجمعت عائلة الزيان حول المائدة ... باستثناء جميلة ، فسأل جاسر بشك :
_ هي جميلة فين يا حميدة؟

اجابت حميدة وهي تطعم الصغيرة :
_ نايمة تعبانة شوية ..... مش هتروح الشغل النهاردة ...

نهض جاسر من مكانه وقال :
_ طب هطلع أشوفها واطمن عليها.

وصعد جاسر برشاقة عالية خطوات الدرج حتى وصل للغرفة المنشودة .... دق عليها باستأذان مرتين ولم يتلقى ردا .... ثم رغما عنه فتح الباب ببطء ولمح جميلة وهي مسطحة على فراشها ونائمة ..... والغرفة خالية منها تقريبا الا صوت مياه صادر من المرحاض .... ويبدو أنها والدتها ....

دلف جاسر للغرفة ببطء وفتحت جميلة عينيها على آخرهما عندما وجدته فتحركت تجذب الغطاء عليها أكثر ولكن صرخت بألم :
_ رجلــــــــي !!! ...

اقترب منها سريعا وسأل بلهفة:
_ مالها رجلك !

تألمت جميلة وقالت:
_ وضهري كمان ! .... ودراعي ودراعي ... آآآه

وقف جاسر ناظرا لها للحظات ثم انطلق بضحكات عالية وموجة ضحك عنيفة المت به.... وقال ساخرا :
_ وعاملة فيها الشبح وانا جامدة ومالكش دعوة وسيبني اتمرن !.... ده انتي باين حتى رموشك جالها شد عضل !

وانخرط مجددا في الضحك ورمقته جميلة بغيظ شديد فرفعت الوسادة التي كانت تنام عليها والقتها في وجهه .... التقطتها جاسر وهو يضحك ثم قال :
_ براحة طيب أنتي صحتك ما تسمحش !

هتفت جميلة به وقالت بتأكيد:
_ لأ ده مش شد، ده غيظ .... أنت اللي بتغيظني...!

أشار لها جاسر جاسر ودخل بموجات شديدة من الضحك مرة أخرى وهو يرها لا تستطيع حتى أن تتململ ....


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close