رواية اريدك في الحلال الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم ايمان سالم
الفصل الاخير
أريدك في الحلال
إيمان سالم ..
2
كانت ليلة حالكة السواد وكأن النور ابى أن يظهر .. بعد ما حدث في الشقة بعدة ساعات حضرت الشرطة بناء على بلاغ من أحد الجيران
+
يقف الضابط المختص يتفحص بعينيه بدقه شديدة المكان فهناك ثلاث اجساد على الأرض امامه سيدة ورجلان
اتجه اولا للسيدة علم بموتها قبل ان يضع يده مكان النبض ويجد صمت رهيب فعيناها شاخصه ومن الواضح انها تلقت طعنه نافذة في القلب
الدماء حولها تلطخ جسدها والنظرة الاخري كانت لثوبها الفاضح اول شيء خطر بباله ربما كانت وقعة زنا
تنفس بعمق وعيناه تجوب جسدها وما حوله يحاول الوصول لاي شيء يدل على ذلك .. وبالفعل وجد اثار لاصابع على جسدها من الواضح ان احدهما امسكها بقوة نظر للجسدان الاخران وهتف في نفسه ياترا إيه الحكاية؟
ثم انتقل للجسد الثاني وكان "الرجل" اقشعر جسده عندنا رأي شيء حاد اخترق الجمجمة وبارز من الامام كافلام الرعب .. توقع موته لكنه تفاجيء بوجود نبض خافت فهو مازال على قيد الحياة قالها بصوت خافت: يا الله وبعدها ارتفع صوته مطلبا رجاله: اتصلوا بالاسعاف ليه التأخير ده كله؟!
اجابه ضابط أخر: في الطريق يا فندم..على وصول
+
تنهد بقلق فوضعه ربما لا يتحمل وصول الاسعاف
واتجه للاخر ..والذي كان وضعه اقل ضررا فهناك طعنة في البطن ومن الوضح ان هناك اخرى في الظهر
لكن يتأوه بخفوت .. ما يقلقه فقط هو النزيف الذي يبدو من الوهلة الاولي كثيرا للغاية
+
اقترب من الطبيب الشرعي الذي يتفحص جسد مونيكا متحدثا برسمية: ممكن تكون قضية شرف؟
دقق الطبيب متحدثا: معتقدش يا ××× بيه لان الحدثه كلها تمت هنا في الصالة ممكن يكون فخ او اي حاجة تانية بس على العموم التقرير هو اللي هيحدد وهحاول يكون جاهر في اقرب وقت
اجابة الضابط في عمليه: مش هوصيك متتأخرش لان القضية شكلها كبير احساسي بيقولي كده
اومأ الطبيب في تأكيد
فتحرك الضابط وهو يلتقط الهاتف الخاص بالرجل متحدثا لاحد العاملين وحرز لي ده كمان يابني
فقام فرد الامن بوضعه في احد الاكياس الشفافة كأحد الادلة
+
اخرج الضابط سيجارة واشعلها متحدثا لرجال الامن شمعوا الشقة كويس بعد ما ننتهي
+
مر الوقت ...
صباحا..
في قسم الشرطة ..
بدأ التحقيق في تلك القضية ..
وبالتعرف على هوية المجنى عليها وزوجها كان من السهل الوصول للاقارب المعارف الجيران وبدأ التحقيق بلتناوب وكل من حققوا معه لم يتعرف على هوية الرجل الغريب سوى حنة والتي كانت في حالة من الانهيار والشفقة على ما وصل له ابن خالتها وعندما رأت صورة هذا الشخص العابث الحقير تجمدت وتلعثمت لكنها لم تنكر معرفتها به واخبرتهم بصدق انه كان يعمل موظف معها في عملها السابق
شعر الضابط بأن بداية الخيط عند حنة بحسه الشرطي فقرر تركها في الخارج فترة والرجوع لها مرة اخري ربما ذكرت شيء بالخطأ يفيده في مجرى الاحداث
+
دلفت ضحى وكان انهيارها اشد من حنة بمراحل حزنا على ابن خالتها والثاني بسبب هرمونات الحمل سألها الاسئلة المعتادة وطلب لها الضابط ليمون لتهدىء قليلا واخبرها اكثر من مرة ان وسام لم يمت لتكف عن البكاء لكن حالتها لم تتغير ولو قيد انمله كأنه لم يقل شيء
+
بعد اشخاص اخرون طلب حنة مرة آخرى اعاد لها بعض الاسئلة ومنهم .. هل خطيبها «آذار» يعرف ذلك الشخص نفت اولا ثم بعد تفكير للحظات قالت بصوت مضطرب: ممكن يكون يعرفه مقدرش احدد
هنا ابتسم الضابط برضى واخرج امر باستدعائه للتحقيق معه الان تأكد من ان هناك شيء خفي
+
كانت ترتجف خائفة .. وعقلها يخبرها هل من الممكن ان يكون متورط بشيء ما..ظلت تنتظره في سيارتها بالخارج بعد أن اوصلت اختها لخالتها رغم رفضها القاطع ان تكون هناك لحالتها الصحية الا انها ابت ان تترك خالتها وابن خالتها في تلك المحنة وحدهم لم تسمح لها اخلاقها بهذا الشيء وخصوصا ان فريدة وعدلي مختفين منذ الصباح لا تعلم اين هما .. تزفر بحنق شديد وهي ترى الدنيا تضيق بها ما عادت قادر على التحمل تتسأل في داخلها بخوف العالم هل هي على وشك خسارة اخرى؟ .. نفت برأسها وعينها تدمع تلك المرة مختلفة فـ هي عاشقة حد النخاع آاااه قالتها حارقة تتمنى الدقائق تمر سريعا ليخرج لها يخبرها أن الامر انتهى وانه لم يتورط في شيء الوقت يمر ببطء
احست بأن رأسها سينفجر من شدة التوتر امالت برأسها على مقود السيارة فوق ذراعها كان رأسها محمل بمئات الافكار والمخاوف
اخيرا وجدت من يطرق زجاج سيارتها انتفضت تتطلع من يكون تنفست بعمق وهي تراه آذار لقد اوشكت الشمس على المغيب
اشارت له بأن يستدير .. يصعد تريد ترك هذا المكان والابتعاد قدر الامكان لكنه فتح الباب بعد ان ضغطت زر بالداخل فقال بصوت لا جدال فيه... باتت تحفظه جيدا غيري مكانك هسوق أنا
ترجلت دون نقاش فهي رغم كل شيء تشعر بحميمية وأمان فريد عندما يقود بها .. تشعر بأنه الرجل الاوحد والاعظم في حياتها
اغلقت الباب متحدثه بخوف لم يخف عليه: اوع يكون لك يد في اللي حصل ده يا آذار؟! أنا ممكن اموووت فيها! همست جملتها الاخيرة في نفسها تتطلع له بقلق تتلهف لان ترتاح ويخيب ظنها لكنه ظل صامتا للحظات فقط انطلق بسرعة يشق الطريق
شعرت بأن قلبها يدق بعنف ..تتسأل هل من الممكن ان يكون له دخل في تلك المصيبة؟
حاولت جذب انتباه من شرود طويل: آذار نادته برجاء ان يريح قلبها المذعور:اتكلم لو سمحت
+
فقال بصوت به رجاء: هركن هنا على جمب في مطعم صغير قريب بعد شارعين هنقعد ونتكلم
اومأت له تحاول كبح مخاوفها ورغبتها لحين وصلهم والذي لم يستغرق لحظات.. صف السيارة متحدثا بهدوء: انزلي يالا
ترجلت تتنهد بخوف ودلفا معا طلب من العامل قهوته وعصير لها
تطلع حوله فحمدالله ان المكان يعد خالي اطمئن انه سيتحدث على راحته، جلست تنصت له متحدثه: اتكلم يا آذار حاسة عينيك فيها كلام كتير
+
زفر بحنق متذكرا ما حدث وبدأ كلامه بهمس أجش: قبل اي حاجة عاوزك تعرفي إن عمري ما كنت اتخيل ان ده يحصل او الموضوع يوصل لـ قتل ولا اي حاجة من اللي حصلت دي
شهقت برعب، وغشى عينيها دمع غزير مازالت لم تستوعب كلمته التي تؤكد لها أن له يد فيما حدث
تابع متحدثا وهو يشير لها بالهدوء: اسمعيني الاول أنا كل اللي عملته اني خدت حقك بنفس الطريقة هو صورك او خد صور عادية ليكِ وركبها خله الناس تشك فيك .. خاض في شرفك مش ده اللي حصل، مش عاوز اقولك كل مرة كنت بشوف الصور كانت بحس بإيه مقدرتش اتخطى ده واكمل عادي وكأن مفيش حاجة حصلت كان لازم اخد حقك صدقيني مقدرتش اتخطى الموضوع كان فوق طاقتي
+
فغرت شفتيها غير مستوعبه لحرف واحد مما يقول تابع حديثه ببطء وكأن كل حرف يخرج من صدره مشتعلا لا من فمه الصور دي كانت عود الكبريت اللي شعلل النار جوايا رغم اني متأكد انك مش البنت اللي في الصور مجرد وشك مش اكتر أنا مش هنكر اللي عملها محترف ومش اي حد يقدر يعرف ده .. ودي اكتر حاجة كانت تعباني لم اشوفها بيبقى هاين عليا اولــع في الدنيا، اقتــل، اعمل حاجات كتير متتخيلهاش وخصوصا لم احس انك اتظلمتي بسبب واحد وســخ كان كل همه ان يتسلى شوية
زادت دموعها وازاداد رجفه جسدها تشعر بقهر وتتذكر ما تعرضت له من ظلم سابقا لكن كل هذا اصبح من الماضي ما يهمها الان هو ليس شيء اخر هتفت بصوت مضطرب خائف: يعني أنت السبب في اللي حصل ده! ليه عملت كده انا مكنتش عاوز حقي ولا حاجة انا فوضت امري فيهم لله هو ياخد حقي ..ثم صمتت للحظات تضع يدها على رأسها وكان طحونات من الهواء تدور بها وقالت بصوت مجهد: هي الصور دي وصلت لك ازااي اصلا؟!
+
وصلت لي من نفس الشخص هو اللي ادهالي يا حنة اوعي تفكري اني مجرم رحت ادور وراه ..هو اللي انسان مريض جابلي الصور دي في مناسبة ×××× بنفسه هو اللي لعب مع الشخص الغلط مفكرني هخاف وهسكت او اسيبك زي غيري مفكرش ولو للحظة ان ممكن اعمل فيه زي ما عمل
+
تذكرت وجوده يومها وكيف شعرت وبماذا احست كانت خائفة فوجوده يعطيها شعور بالغدر رهيب لا يحتمل تطلعت له والدموع تجري بلا نهاية ثم وضع يداه على الطاولة مشددا عليها هتفا بقسوة: اوعي تفكري اني مشفتش نظرة عينيك يومها لما شوفتيه ..النظرة دي لوحدها دبحتني نظرة الخوف دي منستهاش كانت قدامي في كل حته .. مقدرتش اتخطاها هي كمان
+
ارتجفت شفتاها رغما عنها .. شعرت بأن جسدها ينتفض ..تريد الصراخ في وجهه انه مخادع لقد رأها ورأى ضعفها كل تلك الفترة وصمت! رفعت يدها المرتجفة لوجهها تحاول التماسك، مسحت على وجنتيها ببطء
فاتبع آذار دون رحمة : مكنش هيسكت ولا هيسبنا في حلنا كان محتاج حد يوقفه عند حده وانا معملتش الا اللي عمله وبس حتى اني مفضحتهاش انا لحد اللحظة دي منشرتش الصور كان كله تهديد يا حنة ومكنش عندي نيه اعمل كده ..لكن اللي حصل كان اسوء مما اتوقع مليون مرة .. اللي حصل انتقام من ربنا لان الي قبله عليكِ مقبلوش على اخته .. أنا معملتش حاجة اكتر من اني عرفته انه مش هو بس اللي يعرف يعمل اللي عاوزه في بنات الناس وميتحاسبش، كانت قرصة ودن بس هو اللي الشر مليه
+
هتفت اخيرا بصوت مهتز: طب وهي ذنبها ايه يا آذار طب هو ... ... هي ذنبها ايه تعيش اللي عشته كل ده عشان خته؟!
اجابها بصدق: أنا عمري ما كنت هعمل حاجة بالصور غير اني اهدده واخليه يحس بالكسرة ووجع النفس اللي دوقك منه ..مش هنسى نظرة عينيه ليا وكأنه بيهددني وبيتحداني .. بيلوي دراعي بيكِ كان هدفه واضح وقتها يا اما اسيبك بعد فضيحة جامدة ودي طبعا هتكون رضته هو والـ ييي وصمت حافظا لسانه من الكلمة السئية التي كانت ستخرج هاتفا باسمها بغيظ دون ارادته ومونيكا والتاني اني ابقى تحت ضرسه يشتري وبيبع فينا زي ما هو عاوز لو اتمسكت بيكِ وخفت من الفضيحة كانوا عاوزين يكسروا عينيا بيكِ يا حنة وأنا مليش كسرة
لكن رغم اللي قلت ده كله مكنش عندي احساس ولا عارف انها ممكن توصل لكده او يحصل اللي حصل ده أقسم لك بالله ما كان قصدي لكن ربنا اراد ياخدوا
جزاءهم .. هما فكروا ان الدنيا ليهم لوحدهم ميعرفوش ان الدنيا دواره والنتيجة زي ما شفتي واحدة خسرت حياتها والتاني في حالة خطيرة
+
اخفضت بصرها تشعر بدوار خائفة من القادم ماذا لو تورط في الامر ماذا عن وسام الان هل سيغفر لهم وكذلك الفتاة التي لا ذنب؟!
لم تشعر الا وهي تنهض تاركه المكان وهو خلفها متعجبا ردت فعلها
اسرعت بقلب مفطور ودموع تجمدت في محجريهما قلبها ينزف .. لا يهمها الشخص الاخر مطلقا فهو يستحق ما حدث واكثر هي لن تتعاطف معه مطلقا.. لكن مهما كان فموت مونيكا بسببها يشعرها بتأنيب ضمير وابن خالتها نعم محته من حياتها كحبيب لكنها لن تستطع محوه كابن خالتها مطلقا والله اعلم كيف حاله الان وحالة خالتها المريضة .. والخوف الاكبر لو كشفت الشرطة الامر وان السبب وراء ما حدث هذه الصور التي صنعها بنفسه ماذا سيكون موقفه؟!!
اللعنة ...!!
اسرع خلفها يناديها وهي في واد اخر وحينما شعر بعدم استجابتها لنداءه اسرع خطوتان ووقف امامها .. كادت تصدم به فشهقت بفزع وهي تتوقف في اخر لحظة تنظر لعيناه وكأنها جاءت من سفر بعيدا .. ظل كلاهما يتطلع للاخر في صمت هي تلومه وهو يخبرها أن ما فعله لا يلام عليه ..
نظراتها خائفة حزينة متألمة ونظرته لا تقل عنها حزنا
تنهد يكسر الصمت بينهم متحدثا: اتكلمي اصرخي بس متسبنيش وتمشي يا حنة .. دي الحاجة الوحيدة اللي ممكن توجعني بجد
طافت عينها بحنين خاص وكأنها تخبره أنها خائفة عليه تركض خوفا فزعا الافكار تكاد تخنقها
اقترب متحدثا بصوت اجش: لو شايفه اني مجرم خلاص هرضى بحكمك
نفت برأسها واخيرا هتفت من بين دموعها البطيئة: مش خايفة دلوقت الا عليك خايفة لو الشرطة اكتشفت موضوع الصور لو حبسوك ولا عملوا فيك حاجة انا ممكن اموت
ابتسم بعشق متحدثا: متجبيش سيرة الموت تاني قدامي فاهمة .. وعلى موضوع الصور متخافيش هي عندي بس هحرقها انا اصلا منشرتش لقطة واحدة والجدع يثبت بالدليل اني متورط في حاجة
تنفست قليلا متحدثه بقلق: بس بس في حاجة لسه موتراني
نظر لها بعينان قلقتان وسألها برزانه: اتكلمي
اجابته بصوت معذب: خايفه نشتال ذنبهم يا آذار خايفة ربنا يغضب علينا بعد اللي حصل
اجابها بصدق وصوت جاد: أنا معملتش كده الا رد على اللي عمله معاكِ .. هو اللي جالي وابتزني انا كنت بدافع عنك عن خطيبتي اللي هتبقى مراتي .. كنت مستنيه مني ايه اسيبك واطلع اجري زي ما البيه عمل قبل كده ولا افضل اذلك بحاجة متأكد انك بريئة منها
شهقت برعب من كلماته المفاجئة
+
حينها تابع بصوت أكثر هدوء: صدقيني أنا متوقعتش ولو للحظة ان ممكن يحصل اللي حصل ده .. أنت عندك شك فيا؟!
ظلت تتطلع له بعينيها الحزينة في سكون تام ..هوى قلبه واسوء احتمال يتوقعه ان لا تصدقه
حتى نفت برأسها هامسة بصوت حميمي لذيذ ازال عن عاتقه الكثير: مصدقاك يا آذار .. كل الحكاية اني خايفة عليك تعرف أنا محدش دافع عني بالشكل ده قبل كده حتى ابن خالتي زي ما قلت لاخر لحظة كان بيوجعني بسبب اللي حصل
+
لانه حيوااان قالها بغيظ ثم اتبع: أنا غير الكل يا حنة .. ومفيش حد حبك ولا هيحبك قدي
ابتسمت من وسط دموعها واحمرت وجنيها
فتنفس براحة اخيرا عادت نجمته تضوي من جديد فهمس بصوته العذب: تعالي يالا عشان اوصلك للبيت
توقفت للحظة وهتفت بعدها بصوت مضطرب:مش هروح للبيت هـ هروح المستشفى
ظل الصمت بينهم مثقل .. حتى انها خافت من رد فعله لربما ظن انها مازالت تكن له مشاعر او اي شيء من هذا القبيل .. لا تعلم انه يعرف ان صفحة وسام طوتها منذ زمن .. فابتسم بارهاق متحدثا: معاكِ حق لازم نروح المستشفى الاول نطمن عليه
نظرت له ولصيغة المثنى فاخبرتها عيناه ان طريقهم جمعا معا منذ زمن بعيد .. ليس الان فقط .. فابتسمت له بارهاق تصعد السيارة وتستند بإرهاق على ظهر المقعد نعم بعقل مازال قلق لكن القلب بات مطمئن عليه وهو الاهم لديه
_____________________________
+
كانت تنظر من خلف الزجاج الشفاف لوسام القابع على سرير صغير متصل به عدد لا محدود من الاجهزة ووجهه شاحب وكأنه في عداد الاموات ودموعها تغرق وجهها حزنا عليه فمهما بلغ من السوء يظل ابن خالتها الوحيدة وكم كان له مواقف كثيرة متنوعة معها، "آااه" قالتها بخفوت كنفس خرج من بين شفتيها تشفق على وضعه وما وصل له .. تدعو له .. خائفة ترى لو حدث له شيء ما سيكون مصير والدته والتي تقبع في غرفة قريبة من هنا هي الاخرى في حالة صدمة وانتكاسه كبيرة اغمضت عينيها بألم
+
جاء هو الاخر ليكون جواره بعد انتهاء التحقيق ..اقترب من ورأها في بداية الممر .. وعندما لمحتها عينيه يظن أنه توقف خطوة عن السير غير متوقع لوجودها وكأنه تفاجيء برؤيتها ..هل نسى انها ابنه خالته .. ليس هذا هو الاهم بل شيء دغدغ قلبه ما تلك الفرحة التي احسها،يرقص قلبه وكأنه طفل صغير منتظر ظهور ضوء الفجر في ليلة العيد يريد أن يذهب الظلام بعيدا ليرى النور والالوان وها قد ظهر النور عندما رأها امامه تنفس بعمق وداخله يتسأل هل اشتاقها حقا .. ايعقل في تلك الفترة القصيرة تتبدل احاسيسه بتلك الصورة ..فالفترة قصيرة؟!
شيء ما بداخله اعترض على وصف تلك الفترة بالقصيرة فهو يشعر انه افتقدها لاعوام جاورها وسمح لنفسه بالتمتع بوجهها وقسماته الحزينة لكن ما افجعه انها تبك كما لم يرها من قبل لم يرها تنهار اثناء مراسم الطلاق بتلك الصورة وكأنه لم يكن يعنيها في شيء
صفعة تلقها وهي تفتح عينها مقشعرة وكأن احد اخبرها أنه جوارها .. وما كان هذا سوى قلبها اخبرها ان خائنك هنا يقف جوارك
التفتت تتطلع له مشدوهة لكن سرعان ما تداركت المفاجأة وابتعدت خطوتان وكأنها رأت عفريت افزعها ثم وقفت مستندة على جدار خلفها ..تتنفس بسرعة كبيرة من فعل الغضب والمفاجأة
+
الصمت كان رهيب بينهم .. يتطلع لها بعينان قاسيتين بعدما ابتعدت عنه وكأنه شخص اجرب الاحتكاك به خطرا للغاية
ابعد نظرة عنها مرغما يتطلع لوسام بحزن فرؤيته بتلك الحالة اربكته .. ضربته كف لم يتلقاه من قبل .. يتطلع له بتعجب يتسأل في داخله هل هذا هو وسام بشحمه ولحمه اين الوسامة، الغنى والصحة ..بماذا نفعة الجاه والعائلة العريقة اي شيء حقير لوث سمعته لاخر العمر .. قست عيناه ومال لونهما للون الضباب متزامنا مع تذكره للواقعة وما يذاع عنها هنا وهناك
اخيرا تحدث بصوت حاد بعض الشيء ليس غضبا منها بل تأثرا بما يفكر: عاملة ايه يا ضحى؟
كادت لا تصدق اذنها وهو يسألها بتلك النبرة العادية للغاية وكأنه لم يوقع منذ عدة ساعات على ورقة اعدامها ابتسمت في سخرية .. ولم تجبه وبما ستخبره انها تتألم في بعده .. اوشكت على الموت شوقا .. ام تخبره أن قلبها لفظه كشيء مقزز انف منه
+
حينما طال الصمت تركت عيناه وسام الراقد في الداخل ليتفقدها كلها واطال النظر على بروز بطنها والذي لم يلحظه من قبل وكأنها أول مرة .. تباطئت انفاسه وهو يركز عليها يشعر بأن الثوب يتحرك ... هل الصغيرة تتحرك بالداخل .. ابتسمت عيناه وهو يتخيل المشهد وكأنه عاد طفل صغير .. هل تحرك الدمع في عيناه حقا متأثرا ام هيأ له ذلك.. كان المشهد اقرب لمشهد جاء قديما في فيلم سينمائي وهو يتخيل أن الجنين يراه الآن ويتهامس بلغة طريفة
+
احست بان نظراته تخترقها بقوة فرفعت عيناها له دون ان تستدير .. فوجدت عيناه هناك .. على صغيرتها .. كادت تشهق وعقلها يتذكر مكالمة حماتها المصون منذ عدة ايام تلك المكالمة التي اهدرت جزء كبير من روحها تتذكر كلماتها جيدا « من البداية كنت رافضة الجوازة دي مش كره ليكِ على قد ما اني كنت متأكدة ان الجوازة مش هتستمر لا انتِ شبهه ولا هو شبهك .. عرفتي ليه تأجيل الحمل كان هيبقى في صالحك انتِ مش حد تاني، عموما البنت لما تتولد أنا هاخدها هربيها
+
"ايه تاخديها" قالتها ضحى بذهول وبحرقة شديدة
اتبعت زينات في تأكيد: ايوه هاخدها أنا عاوزها تتربى صح في بيئة كويسة تكون حاجة كبيرة
ضحكت ضحى بسخرية ومرار ثم قالت بصوت رنان: زي ما ربيتي كيان مش كده؟!
"ضحى!!" قالتها زينات بصوت حاد حازم واتبعت متنسيش نفسك أنا أم جوزك ولا نسيتي
جوزي وهو فين جوزي ده .. جوزي اللي راح اتجوز عليا واحدة جربوعة عشان مزاجة وأحنا لسه معداش على جوزنا سنة واحدة .. كسر فرحتي ربنا يسامحه
+
تنهدت بضيق متحدثه: أنا المهم دلوقت عندي البنت وبس
كلمات سامة كان بعدها صمت مدقع .. في كلا الطرفين حتى قطعته ضحى متسائلة بلهجة قوية: هتراعي البنت بنفسك هتسيبي شغلك ومؤتمراتك وحياتك الاجتماعية وجمعياتك النسائية عشان بنت ضحى الهبلة!!
تعجبت زينات وهتفت مستفسرة: واسيب شغلي ليه أنا هعرف ارعيها واعمل كل ده في نفس الوقت أنا أقدر كل انسان مش زي التاني
ضحكت بسخرية ومرار متحدثه: هتسبيها لداده طول النهار مش كده واخر النهار تدخلي البيت تعبانة تبوسيها قبل ما تنامي ويبقى كده تمام اووي راعتيها مش هو ده اللي هيحصل يا سيادة السفيرة، احب اقولك إن بنتي مش هتتربى الا معايا يستحيل حد تاني ياخدها مني فاهمة حتى لو ابنك نفسه مش هياخدها
هتفت زينات في سخرية: ابني!؟ ثم احتد صوتها متابعة: هتعلميها ايه وهتدلها خبرة منين اذا كان أنت معندكيش الف باء الحاجات دي عاوزها تطلع زيك، شبهك هتكوني وقتها راضية؟!
+
ادمعت عيناها دما وهتفت بقهر ايام قادمة ستكون فيها ضحى جديدة غير تلك الغبية التي يرونها جميعا بهذا الضعف: لا هعلمها تكون حرباية تتلون على كل الاشكال عشان توصل للي هي عاوزاه، تكون حية تقرص وقرصتها تكون والقبر هعلمها ان الدنيا يا قاتل يا مقتول ولازم تكون القاتل عشان تعيش مش ده اللي أنتِ هتعلمهلها أنا هعلمها متخافيش كل الحاجات دي واكتر كده كويس اظن كويس ..انما حد يخدها مني ولا يفكر بس لا بنتي هي الخط الاحمر
وصمتت تلهث بانفعال
+
اجابتها زينات بسخرية: الله يا ضحى فجئتيني بكلامك ده .. طب كنتِ نفعتي نفسك الاول بدل اللي وصلتي له ده مظبوط كلامي ولا ايه؟!
سقطت دموعها اللعنة عليها لمتى ستظل تجرحها بتلك الطريقة لكنها ثابرت متحدثه: شكرا على النصيحة هوعدك اعمل بيها واغلقت الهاتف دون انتظار رد اخر
تفاجئت زينات من انغلاق الخط .. سبتها بلفظ دائما ما تراه مناسبا لها تماما «غبية » ثم اتجهت ترى ماذا كانت وجهتها قبل أن تحدثها وتعكر صفو مزاجها
+
عادت من شرودها البعيد على عيناه التي تركت الصغيرة واتجهت تدقق في ملامح الام الفزعة والثائرة حينها اهدته نظرة سيئة لدرجة لا يتخيلها ... اتبعتها نظرة جحيميمة وهي تتأهب واضعة يدها على بطنه في حركه دفاعية متحدثه بلهجة قاسية: ايه عاوز تاخدها أنت كمان؟!
شعر بالتيه ماذا تقصد بكلمة «أنت كمان تحديدا » فسألها مباشرة: قصدك ايه؟!
مش عاوزه لف ودوران .. طبعا متفق مع الست الوالده انك هتاخد بنتي .. عاوزين تحرموني منها مش كده .. وهنا اقتربت الخطوتان التي ابتعدتهم رافعه اصبعها في وجهه محذره ايااه: بس اعرف انه ده من رابع المستحيلات .. بنتي يا كيان خط احمر مستحيل اسبها لك ولا لسيادة السفيرة عشان تبقى عارف
+
من المفترض ان يصرخ بها يعنفها لكنها ابتسم بداخله ما تلك الشراسة المستجدة والتي لا ينكر أنها اعجبته وهي تدافع عن طفلتها بتلك الصورة القوية نعم هو لا يعرف السبب لكنه سعيد .. تبا لها متى تحولت لتصبح بتلك الشراسة؟
صرخت بقوة لتخرجه من تلك الحالة متحدثه بحدة: اطلع من حياتي وحياة بنتي فاهم.. أنت خلاص انتهيت بالنسبة لي
ظل صامتا عدة لحظات حتى جاءها صوته الساخر: سامعك بتقولي بنتِك بنتِك .. ايه يعني أنا مش ابوها .. مهي بنتي أنا كمان؟! وانتهيت ازاااي ما أنا لسه واقف قدامك اهه، لسه موجود يا ضحى
نظرت لعيناه بلوم العالم متحدثه: ايوه بنتي لوحدي.. دلوقت عرفت أن ليك بنت .. أنت بجد حاسس انها موجودة .. تصدق لسه فكرة وقت ما عرفت الخبر ومش بنسى أن فرحة اخواتي بيها كانت أكبر من فرحتك، بس أنا اللي كنت بضحك على نفسي عشان غبية وكنت بحبك
+
تلقى الكلام كصفعة قاسية لكنه لم يهتز بل حاول الرد بثبات متحدثا: قصرت في ايه يا ضحى بالعكس كنت بحاول على ما اقدر اكون جمبك اريحك ولا هتنكري ده كمان؟
صمتت للحظة ثم قالت بحزن كبير: مش هنكر أنك كنت بتريحني جسديا جبت لي خدامة مكنتش بتطلب مني اعمل لك حاجة .. لكن عمرك فكرت في راحتي النفسية .. في اللي جوايا أنا نفسي في ايه بحب ايه .. حاسة بإيه عمرك فكرت في ده؟
اتسعت عيناه متحدثا: ياااااه طلعت دلوقتي وحش اوي كده .. ماشي يا ضحى أنا موافق بس لازم تعرفي بردة اني كل اما كنت اقرب منك احاول ادخلك حياتي انتِ اللي كنت بتهربي مني كنت رافضه اي حاجة بعملها، مش عاوزه تديني فرصة واحدة حتى، كنتِ قافله على نفسك الباب ومش عاوزه تطلعي ولو خطوة واحدة تحاولي فيها عشاني عشان نكون مع بعض .. متلمونيش بالشكل ده الغلط مش مني لوحدي
+
هتفت بحسرة طبعا ما أنتم الرجاله كده اي واحد عينيه زيغة لازم هيرمي اللوم على مراته بس احب افكرك بكلام الدكتورة هاااا أنا كنت بعيده عنك مش بمزاجي كنت خايفة على بنتي كأي أم
اجابها بصوت جليدي .. أنتِ كنت بعيده عني كلك يا ضحى مش بس بجسمك وحتى من قبل الحمل اوعي تنكري ده؟
اشتعلت غضبا وهتفت بصوت حاد عكس طبيعتها: مش بتفكر الا في جزء معين حياتك كلها فيه وبس
فهم مقصدها ولن ينكر انها يغلي الان من كلمتها لكنه تماسك متحدثا: عاوزانا نمشي عكس مسار الكون يا استاذة ضحى عشان ننول الرضى ما كل الناس كده
+
لم تفهم مقصده فهتفت بصوت مرتبك: قصدك ايه، مش فاهمه؟
اجابها بتفحص كامل لملامحها وقال بصوت هاديء يظهر انه مستفز الا انه كان كشفرة مسننه :هروح بعيد ليه اسألي اختك بتعمل ايه لجوزها وأنتِ تعرفي قصدي من الكلام ده
شهقت وهي تتلقى تلك الكلمة البذيئة ولم تجد نفسها الا وهي ترفع كفها لينزل على وجنته محدثا دوي هائل
تطلعت له بفزع هل ضربته حقا.. ظل وقفا لم يتحرك خطوة ولم يظهر عليه اي تغير سوى تحول عيناه من موجاتها الزرقاء لضباب خلفه عاصفة قوية من المحتمل ان تحطم الكثير
ركضت مبتعدة لا تصدق ما حدث هل ضربته حقا .. كيف تجرءت على فعل ذلك .. وقفت بعد وقت من الركض تتطلع لكفها بذهول من التي فعلت ذلك ايعقل انها هي؟ ..لا تصدق لكنها توصلت بالنهاية لنتيجة مؤكدة وهي انها اصبحت شخص لا تعرفه
دموعها لا تتوقف ..
اسرعت تغادر المشفى لن تنتظر أحد تريد الهروب بعيدا .. الوحدة باتت هي غايتها الوحيدة .. ومنفسها عن كل ما يجيش بصدرها
+
نداء قوي جاء من خلفها اوقفها لا اراديا كان آذار الذي صف السيارة على مدخل المشفى عندما لمحها تركض، اسرع يترجل من السيارة عندما رأها بتلك الصورة .. افزعه هيأتها
توقفت عن السير تنهج بقوة .. ترجلت حنة هي الاخرى تسرع ترى ماذا لحق باختها .. هل حدث مكروه لـ وسام او خالتها.. يا الله قالتها في نفسها برجاء أن لا يكون اصابهم شيء فهي في قراره نفسها لن تسامح حالها مطلقا فهي مازالت تشعر انها السبب في كل ماحدث رغم انها لم تفعل شيء
+
"مالك ياضحى في ايه" قالتها حنة بتعجب شديد لحال اختها وتابعت في توسل شديد: اتكلمي ابوس ايدك
مازالت تضغط كفها تشعر بألم داخلي رهيب لقد كسر بها اليوم شيء آخر
تحدث بصوته الاجش الداعم ليخرجها من تلك الحالة والشرود المقلق: مالك يا حنة حد حصل له حاجة ..حد عمل لك حاجة جوه؟!
رفعت انظارها له من بين انهار دموعها ترى تلك الحمية التي تمنتها يوم .. واخفضت بصرها بقلب مفطور تتحدث بصوت ميت: مقدرتش اتحمل منظر وسام وخالتو وجع قلبي .. خايفة عليهم اووي
تنهدت حنة ببعض الراحة .. رغم احساسها بأنها لا تقول الحقيقة لكنها لا تنكر اطمئنان قلبها بعض الشيء انها بخير وهم ايضا بخير
+
هتف آذار بحزمه المعتاد اركبي هوصلك البيت ..بدل تعبانة متنسيش انك حامل ولازم ترتاحي
تنفست بقوة كانت تريد الوحدة لكن الان لن تستطيع تركهم والركض دون الالتفات خلفها والسبب الاخر انها تريد فراشها في اقرب وقت تريد ان تغمض عينيها وتفتحهم لتجد نفسها هناك على وسادتها تحتضن فتات روحها وتتألم كما تشاء ولا يشهد احد على دموعها ولا على انكسارها
اومأت في صمت وهي تتجه للسيارة تلك الخطوات
تنهدت حنة من خلفها بألم ..
وجدت صوتا يهمس لها من خلفها يحاول التخفيف عنها: معلش اللي بتمر بيه دلوقت صعب .. بس أنا لازم اقعد واتكلم مع كيان واعرف ايه اللي عمله وازاي يستغني عنها بالشكل المؤسف ده .. ضحى اضعف من انها تتحمل ده كله وخصوصا انها حامل
اجابته حنة ومازالت انظارها تتابع اختها الشاردة: متتكلمش معاه .. الموضوع انتهى زي ما قلت لك هما اتفقوا على ده خلاص مبقاش له لازمه الكلام
هتف معترضا: ازااي يا حنة منتش شايفة حالة اختك
اجابته بالم: ساعات البتر بيكون هو الحل الوحيد .. رغم الالم
لفحته الكلمة بحرارة كلهيب مشتعل لم يجيبها سوى بـ اطلعي أنتِ فوق وأنا هوصلها وهجيلك مش هتأخر اوعي تتحركي لحد ما ارجع لك ولو اي حاجة حصلت كلميني على طول في التليفون هكون عندك
+
اومأت بشرود وهتفت إن شاء الله خير
+
قاد السيارة متجها لمنزلها يتابعها بطرف عينيه مازالت حالة الشرود تسيطر عليها اضافة الي البكاء في صمت تمسح عبراتها وجهها للنافذة ظنا منها انه لن يراها حين ذلك.. ما كم البراءة التي تتعامل بها مع الاخرين .. شعر بالالم من اجلها لكنه غير قادر على التحدث معها في شيء فالامر مهما كان يعد خاص .. لكن على الاقل سيحاول تهدأتها الان فحالتها لا تسر عدو ولا حبيب .. اخيرا خرج من صمته متحدثا: ممكن تهدي شوية
التفتت له متفاجئة وقالت بتلعثم: ايه؟!
اهدي قالها وكأنه امر نافذ.. لكنه في الحقيقة كان رجاء
عشان الحمل قالها كمبرر ..فاومأت هامسة: انا كويسه متخفش
صف سيارته بعد وقت وترجل جالبا لها بعض العصائر والحلوى ووضعم جوارها بتهذيب متحدثا: اشربي حاجة لانك عيطتي كتير وسحبتي الماية كلها اللي في جسمك وده مش عَدل ابدا
كان يمازحها تلطيفا للجو .. لم تظهر حتى بسمة من باب المجاملة .. لكنها تناولت عبوة تشعر بحاجتها لها حقا فحلقا جااف تماما .. فتحتها وارتشفت قليلا ..
تابع ما تفعل برضى .. على الاقل الان انشغلت بشيء آخر غير البكاء
+
صعدت حنة ..
لتجد كيان في وجهها .. تنفست بقوة الان علمت سبب حزن اختها والحالة السيئة التي رأتها عليها.. اتجهت له غاضبة ستفعل به ما فعله مع اختها واكثر
جاءت من خلفها كعاصفة متحدثه بقسوة: عملت لها ايه تاني مش مكفيك اللي عملته .. أنت ايه معقول تكون انسان زينا بيحس .. وعندك قلب؟! ناسي انها حامل والزعل غلط عشانها ولا بنتك مش فارقة معاك؟!
+
التفت لها والحزن في عيناه لا تعرف سببه لكن بالطبع ليس اختها فهي المظلومة وهو في كل الاحوال الظااالم الخائن الغادر
اجابها بصوت هاديء: هتصدقيني لو قلت لك معملتش لها حاجة .. ولا احب اعمل لها حاجة تأذيها ولا تضايقها
ضحكت بسخرية متحدثه: كلام جميييل جدااا.. بس للاسف مش هصدق ولا حرف منه .. عارف ليه ..ولا اقولك أنت عارف السبب كويس مش لازم اقوله واعيد
بس اللي لازم تعرفه ان احنا حوليها ومش هنسمح لك تاذيها حتى لو حبيت فاهم
+
هتف وهو يبتعد قليلا عن غرفة وسام: اهدي احنا في المستشفى وكل الحالات اللي حولينا محتاجة هدوء وراحة
رفعت حاجبها تنتظر أن تخرج الاجنحة للملاك الذي يحدثها بكل هذا الكم من الحنان والرحمة ..ثم قالت بغيظ مستعر: بلاش الدور ده مش لايقك عليك ده.. لو لسه في قلبك رحمة ابعد عنها كفاية الجرح اللي شوهها منك اختى بسببك مبقتش هيا اتغيرت بقت وحدة منعرفهاش
رفع كفه لوجنته تلقائيا وانزلها حتى لا تشعر بما حدث هاتفا: لاحظت بردة!
+
متقولش بس لاحظت لان عمرك ما هتفهم اللي اقصده ابدا اختي اتكسرت بسببك عمرك ما هتسمع صوتها المكتوم وهي بتعيط بالليل لوحدها عشان مش عاوزه حد يسمعها مننا احنا اخواتها شفت أنتِ وصلتها لايه.. بتتصنع انها كويسه وانا عارفة انها من جوه مكسورة الف حته .. ليه عملت فيها كده ياريتك انفصلت عنها بدل ما اتجوزت عليها في السر وكسرتها بالشكل ده .. كان زمان الجرح اهون عليها كتير
+
رفع عيناه الحزينة لها هاتفتا بندم: مش هلومك على اللي هتقوليه لكن كل اللي هقوله ياريت اقدر اغير الماضي مكنتش اتاخرت عشانها هي
ابتسمت بحزن وسخرية متحدثه: عاوز تعرفني انك دلوقت ندمان انك خسرتها
ظل صامتا لكن عيناه تؤكد ذلك
+
هتفت بصلابة: طبعا هتندم ولسه الندم جاي لك يا كيان لما هتدور عليها في كل حاجة حلوة و متلقهاش ضحى كانت النسمة اللي في حياتك كل جانب حلو هتلاقيها فيه موجودة ابقى افتكر كلامي ده وقتها.. ومتبقاش تعض صوابعك من الندم ساعتها لان الندم عمره ما بيفيد
+
ابتسم في صمت مغادرا المكان مكتفي بهذا القدر من التوبيخ .. الذي يشعر في قراره نفسه انه يستحقه دون شك
+
وجد اقدامه تسوقه دون ارادته للماضي لبيته حيث تنتظره والدته منذ ايام .. تعلم ان بالنهاية سيعود لها ستقوده اقدامه اليها دون شك
تقف في التراث فوجدته قادم من بعيد اتجهت له اخيرا جاءها صغيرها فمهما بعد عنها يعود لاحضانها موطنه من جديد
ابتسمت في داخلها وقلبها يخبرها أنها على حق دوما
+
سألته دون تردد: عملت ايه في موضوع جوزتك
ابتسم ساخرا وقال: متخافيش طلقتها
تنهدت متحدثه: كانت غلطة صغيرة بس دفعت تمنها كبير يا كيان
هتف ساخرا :قصدك طلاقي من ضحى .. معقول زعلانة اني طلقتها معقول سيادة السفيرة زعلانة على ضحى؟!
هتفت بحدة: رغم ان كلامك باين زي الشمس انه تريقه لكن احب اقولك اني حظرتك من البداية فاكر هنا في البيت ده لما قولت لك سبها هي مش شبهك وقلت لك هتندم قدام يا كيان حكم عقلك كان رد فعلك ايه ثورت عليا ونفذت اللي في دماغك واهه اللي تنبأت بيه حصل كله ..جالك كلامي؟!
+
ابتسم ساخرا وقال: تصدقي جه فعلا
شفت لو كنت سمعت كلامي مكنش حصل اللي حصل واه النتيجة هتيجي طفلة على الدنيا بسبب عند اب مش مسئول وام انانية
+
نظر متعجبا لكلماتها ولم يخلو الجو من بعض ضحكات ساخرة
تابعت بهدوء شديد رغم سخريته: هي دي الحقيقة والبنت الضحية بس أنا مش هقف اتفرج اعمل حسابك تجيب البنت تعيش معانا هنا بعد ما تتولد
ارتفع حاجبه في ذهول
+
بينما تابعت في ثقة: أنا مش هبقى مطمنة على البنت وتربيتها مع واحدة زي ضحى .. لا يمكن اسمح انها تربي بنت ابني الوحيد بعيد عني
سألها دون مواربه : أنت كلمتيها وقلت لها الكلام ده
نظرت له بتحد كبير وقالت دون خوف: ايوه كلمتها ايه هخاف منها يعني!
-لا متخافيش بس اعملي حسابك البنت هتفضل مع امها مش هجبها منها .. عاوزاني احرم طفلة بعد ما تتولد من امها عشان عنجهيتك يا سيادة السفيرة
+
اتسعت عيناها دهشة وقالت بصوت محتد: كيااان اتكلم كويس أنا امك فاهم وبعدين الحق عليا اني خايفة على بنتك لاني عارفة ان ضحى دي متعرفش تربي كتكوت حتى هتربي بنتك ازاااي؟!
اجابها بصدق وحرارة: لا متقلقيش هي هتكون افضل ام في الدنيا هتعطيها الحب والحنان اللي اتحرمت منه هتربيها بالحب عرفااه وكانت اخر جملة بطعم الحنظل
غصت بشهقة كتمتها فألمتها لم تتفاجيء لانها تعرف ما يكنه بداخله جيدا ...وقالت بعد عدة لحظات وهو يصعد غرفته: هترجع تغلط تاني .. بقيت كبير وكل يوم بتغلط غلط اكبر من اليوم اللي قبله .. كل ده في سبيل انك تعاندني عاوز تثيتي لي ايه يا كيااان!!؟
+
الغلط ده نتيجة تربيتك وبعدين انا مش عاوز اثبت حاجة، سبيني اعيش حياتي بالطريقة اللي تريحني كانت اخر كلماته التي سمعتها قبل ان يغيب عن انظارها الغاضبة
تمدد على فراشه بإرهاق يفكر في ضحى تارة فيبتسم ويفكر تارة اخري فيحزن .. يسأل نفسه الكثير من الاسئلة صراعات طويلة في رأسه
اغمض عينيه واخر شيء لاح له في الافق ضحكة من صغيرة تحمل عين امها الكحيلة اخذت بيده بعيدا فذهب في سبات عميق
+
..................
+
اوصلها آذار وعاد لحنة سريعا ..
يشعر بالقلق عليها تلك الفترة تحديدا وخصوصا بعد ما حدث
صعدت ضحى لشقتهم ...
في غرفتها على فراشها مازالت تمسك كفها بالاخر وكأنه يتألم تطالعه برهبة وكأنه مصاب ليس فقط بل الاصابة ستنتشر في كل مكان بعد ما حدث
+
تعلم انها من اليوم باتت شخص اخر لا تعرفه ويجب عليها التعامل بل التكيف معه دون كلام
تريد البكاء اين الدموع التي جهزت وسادتها لتصبها عليها اين المها وحزنها الذي يمزق اضلاعها .. تشعر بأن شيء جليدي قابع على قلبها جمد كل مشاعرها فباتت تمثال جليدي
+
تمر الايام تحاول بل تجاهد لتعود لطبيعتها ..تتفاعل معهم تبقى في الصورة جوارهم فالوضع يزداد سوء ومن المحتمل ان تخسر ابن خالتها في اي لحظه كما اشار الطبيب
+
زيارة اخرى ..
ولقاء اخر ..
كان اهديء رغم تقيح الجرح
تقف تنتظر اي بشرة خبر يريح قلوبهم مؤمنين بأن الامل في شفاء الله مازال موجود .. لا يكفون عن الدعاء ..لربما دعوة صادقة من قلوبهم بان يزيح الله عنه عاجلا استجابت وتحققت .. حمحم الطبيب قبل ان يخبرهم: مونيكا كانت حامل في تقرير المعمل الجنائي .. حبيت اعرفكم
صدمة اصابت الجميع والحزن زاد اضعاف .. فالخسارة اصبحت ثقيلة للغاية
وقفت في جانب بمفردها تضع يدها على بطنها فمنذ ان سمعت الخبر السيء وهي تدعو لطفلتها بطول العمر بأن تأتي وتفرح بوجودها
اقترب منها يحدثها بهدوء وكأنه لم يفعل شيء سابقا: خدتي حقك مني ولا لسه؟!
ارتبكت فهي تعلم مقصده على صفعها له فقالت بحزن نسطر على وجهها : لو مفكر ان قلم واحد ممكن يشفي قلبي وجرحه منك تبقى غلطان اللي عملته فيا اكبر من كده بكتير
اجابها بثقة وثبات: خلينا نبتدي صفحة جديدة
خلينا نبدأ من جديد يا ضحى وحياة بنتنا خلينا ننسى اللي فات
نظرت له في حزن متحدثه بعذاب: جات متأخرة اووي
اجابها بثقة وتأكيد: قولتها كتير وبقولها تاني اهه وافقي يا ضحى نرجع أنت لسه في العدة وأنا مش عاوز اخسرك
ابتسمت من وسط دموعها متحدثه «مبقاش ينفع» غادرت وتركته خلفها كما فعل سابقا دون أن تلتفت لاي شيء نداء قلبها ركلات صغيرتها ورجاء عيناه التائبة
آه لو لم نفترق ...
+
«لو أننا لم نفترق
لبقيت نجماً في سمائك سارياً
وتركت عمري في لهيبك يحترق
لو أنني سافرت في قمم السحاب
وعدت نهراً في ربوعك ينطلق
لكنها الأحلام تنثرنا سراباً في المدى
وتظل سراً في الجوانح يختنق ...
+
لو أننا لم نفترق
كانت خطانا في ذهول تبتعد
و تشدنا أشواقنا
فنعود نمسك بالطريق المرتعد
تلقي بنا اللحظات
في صخب الزحام كأننا
جسد تناثر في جسد
جسدان في جسد نسير و حولنا
كانت وجوه الناس تجري كالرياح
فلا نرى منهم أحد ...
+
مازلت أذكر عندما جاء الرحيل
و صاح في عيني الأرق
و تعثرت أنفاسنا بين الضلوع
و عاد يشطرنا القلق
و رأيت عمري في يديك
رياح صيفٍ عابثٍ
و رماد أحلام .. وشيئاً من ورق
هذا أنا .. عمري ورق .. حلمي ورق ..
طفل صغير في جحيم الموج حاصره الغرق ..
ضوء طريد في عيون الأفق ..
يطويه الشفق ..
نجم أضاء الكون يوماً واحترق ...»
"منقول"
+
_________________________________
+
وبقى اخر شيء يتردد في اذنها صوته ولهفته عليها التى لم تصادفها يوما في حياتها الا معه
سقط جسدها ارضا في حالة من الاستسلام والرغبة في الخلاص من كل شيء ..
+
بينما هو يحاول الاتصال على ذات الرقم مرارا وتكرارا دون جدوى حتى انه انطلق صاعدا سيارته تاركا كل شيء خلفه ..واسرع بالاتصال ب «كمال» قائد حرسة سابقا هتف بعد طول انتظار مجرد دقائق شعر انها عمرا كاملا : أنت فين يا كمال برن عليك من الصبح؟
اجابة بصوت جاد: ماهر بيه ازي حضرتك أنا لسه شايف التليفون حالا ..اؤمرني
اجابه ماهر بصوت حاد مرتعد: هديك عنوان تكون هناك في اقل وقت ممكن و لو تعرف حد قريب من المكان ده اكسر الشقة چمانة هانم هناك جوه في خطر
-خطر ازاي يا ماهر بيه؟؟
هتف بيأس وحزن: جايز تكون انتحرت عشان خاطري يا كمال اتصرف بسرعة وانا في الطريق ليك اهه اكسر الشقة على مسئوليتي أنا
اتسعت عين كمال وقال بلهفة كبيرة: اديني العنوان وانا هتصرف ميكونش عندك فكرة
اتصالات سريعة بعدما ارسل له العنوان تحرك كلاهما في اتجاهها .. ولحسن الحظ شخص من فريق الحراسة الخاص به بيته قريبا من تلك البناية اقتحمها على الفور ليجد جمانة جثة هامدة على الارض ..
+
اسرع في نقلها للمشفى ..
تم اسعفها لكن الحالة مازالت غير مستقرة فكمية الحبوب التي تناولتها كانت كبيرة للغاية لكن الجيد في الامر انه كان مسكن
يقف في الغرفة بعد ان سمح له الطبيب بالدخول، يتأمل جسدها الهزيل كيف اصبح بهذا السوء متعجبا يسأل نفسه هل هي جمانة النائمة على الفراش،ام جسد فتاة اخري ام شبح فتاة كانت تدعى يوما جمانة تيطلع لها بألم كبير .. نعم مازال قلبه ينبض بحبها وهذا كان اخر شيء يتوقعه بعد ما رأى منها، لقد ذاق العذاب في حبها الوان وكأن اشدهم وهو في الطريق الي هنا يظن انها ماتت كاد يقتله الخوف عليها .. بداخله يصرخ فمازال جرحه أشد الما من ان يتخطى ما حدث بتلك السهولة
الساعات تمر والوضع بدأ في الاستقرار اطمئن عليها وانها تتعافى وبدأ في الانسحاب مجددا
عينها التي كانت تراه حولها .. لم تعد حيث اتخذ خطوة ابعد كان يطمئن عليها من خارج الغرفة حتى تحسنت تماما فلم تجده جواره ولا حتى من بعيد .. خلف بعد رحيله صقيع مدقع تركها وحدها مجددا .. وماذا كانت تنتظر منه بعد ما فعلت ان ينسى كل شيء ويأخذها بالاحضان
نهضت تجر خيباتها المتكررة وتغادر ارض المشفى لا تعلم الي اين وجهتها القادمة .. ظلام حولها تشعر انها ماعادت تبصر..اخيرا فكرت لـ ربما استأجرت غرفة في فندق او شيء من هذا القبيل حتى تقرر ماذا بعد فالحمد لله ان الان لديها اموال
+
وجدت سيارة بالخارج تخبرها انها تنتظرها وستقلها اينما ارادت سألت السائق من امره بذلك كانت الصدمة: ماهر بيه امرني اوصلك واكون تحت امرك
عندما ذكر اسم ماهر شعرت بنسمة جميلة انعشتها تركت نفسها واغمضت عينيها وصعدت السيارة لن تقاومه لن تقاوم شعورها به من الان
اغمضت عينيها طويلا حتى احست ان السائق يتخذ وجه محددة فسألته برهبه
كان جوابه البسيط: هوصلك للشقة يا هانم
ظنت انه سيقودها لشقة ماهر الصغيرة فاطمئنت
+
صف السائق السيارة في منطقة مختلفة تماما عنوان جديد لم تسكنه سابقا وهي غير متأكده انه يخص ماهر تعجبت واعتدلت قليلا خائفة ثم هتفت برهبة فهي اصبحت لا تثق بأحد: انت وقفت هنا ليه بالظبط
ابتسم السائق متحدثا: متخافيش يا هانم دي العمارة وشقة حضرتك الدور الرابع
ازدردت ريقها متحدثه بقلق وانا اثقك فيك ازااي
ابتسم الرجل قليلا وهتف متحدثا ثواني يا هانم واتصل على ماهر كادت توقفه لكنه فعل سريعا دون الاستماع لها
جاء صوت ماهر الذي اشتاقت له حقا: وصلت يا .....
-ايوه يا ماهر بيه أنا تحت العمارة اهه
فهم حينها انها ربما خائفة فتنهد محدثا الرجل بثبات: اطمن انها في الشقة وكل حاجة عاوزها عندها قبل ما تمشي ..سلام
ولم ينتظر
نظر الرجل لجمانة في المرآة .. وجدها عيناها انهار تفيض فحمحم ليجذب نظرها متحدثا: اطمنتي
لم تقل شيء بل اسرعت بالنزول وهو خلفها يحمل حقيبتها الصغيرة للغاية فالتفتت له تسأله بغضب: قلت الشقة الدور الكام
اجاب الرجل فزعا: الرابع يا هانم
اتجهت له تناولت الحقيبة ثم للمصعد ولم تسمح له بالدخول معها تعنتا
دلفت الشقة بعد ان صعد على الدرج واعطاها المفاتيح اغلقت الباب في وجهه دون كلمة واحدة بقلة ذوق كبيرة
عند اول خطوة للداخل شعرت بسلام رهيب
حدثت نفسها بمواساة «على الاقل لن اتحمل اليوم هم المبيت في الخارج حتى ولو كانت تلك الشقة جهنم الحمراء فليكن دلفت للداخل وتفاجئت مما وجدت »
+
________________________
وقفت جوار جسد اخيها بدموع كثيرة
+
انتظروا الخاتمة
+