اخر الروايات

رواية شهادة قيد الفصل الثلاثون 30 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل الثلاثون 30 بقلم دودو محمد 


"شهادة قيد"30

"الفصل الثلاثون"

بعد مرور عدة أسابيع

عادت مهرة لتعيش في الفيلا مع والدها، مما زاد تعقيد علاقتها بشريف، إلا أنه استمر في توصيلها يوميًا إلى الجامعة. في كل يوم كانت تلتقي فيه بشريف، كانت تشعر بمزيج من القلق والتوتر. فقد تحولت المشاعر التي تربطهما إلى علاقة أكثر تعقيدًا، حيث تراقب عينا شريف كل حركة لها وكأنما تعكس في عمقها أخطاء الماضي وآلام الحاضر.
حياة ماهر وسارة تبدو مستقرة إلى حد ما، على الرغم من الظروف الصعبة التي مروا بها. كانت سارة دائمًا تقف في ظهره وتسانده، فهي ليست فقط رفيقه بل تجسيد للطيبة والأمل. كما أنها لا تتردد في تقديم الدعم لصديقتها مهرة التي تواجه عواصف عاطفية.
بينما تسير مهرة نحو غرفتها في الفيلا، كانت تتمسك بأمل إعادة أهلها إلى ما كانوا عليه، حيث تستحضر لحظات من السعادة التي عاشوها معاً، وتفكر في مدى روعة التوازن الذي كانت تعيشه قبل فقدان مهران . لذلك، كانت الحياة في الفيلا، رغم كونها توفر لها مأوى، إلا أنها كانت تخلق لها شعورًا من الحزن الذي يعكر صفو ذكرياتها الجميلة.
عاد شريف إلى المصحة ليستأنف عمله، مفعمًا بحزن عميق من الأحداث السابقة التي أثقلت كاهله. كان يشعر وكأن قلبه قد انكسر في تلك اللحظات التي شهد فيها انهيار كل ما كان يعتقد أنه قوي وثابت. في نفس الوقت، اتحّد عاصم ويزيد معًا لتنفيذ أعمال مشينة، حيث انتشرت الشائعات حول ممارساتهم والمخاطر التي قد تصل إليهم بعد أن أطلقوا العنان لنزواتهم. بينما كان سليم، رغم تردده، يقبل بهذا التعاون خوفًا من بطش عاصم، لكن سرعان ما أدرك أنه قد دخل في دوامة من المخاطر يمكن أن تجره إلى الهاوية. ومع محاولات يزيد المستفزة تجاه ذات، كانت ذات نفسها ترفض بشدة فكرة الانتقال للعيش مع عمها سليم مجددًا، متمسكة بالمكان الذي يحمل ذكرى حبها مع مهران. وفي تلك اللحظات الصعبة، كانت قدراتها على مقاومة كل ما يحيط بها تتزايد، تعيش ذات في عالم من الذكريات، حيث تذرف دموعها بلا انقطاع كل صباح، وكأنه بداية لوجع جديد. تتصدى ليزيد بكل ما أوتيت من قوة، رغم احتياجها الشديد لمهران، إلا أنها دائمًا تشعر بوجوده من حولها، كأنه روح تراقبها في كل خطوة. منتظرة اليوم الذي ستستعيد فيه ثأر حبيبها، كان الأمل يملأ قلبها كنور في ظلام دامس، يغذي شغفها ويجدد عزمها على عدم الاستسلام.أما ما يزيد الأمور غموضًا فهو هدوء مراد الشرنوبي، حيث لا يعلم أحد إن كان هذا الهدوء هو ما قبل العاصفة أم هو رضا بقضاء الله وقدره؟ كان هذا الهدوء بمثابة قنبلة موقوتة، بنيت على صراع داخلي مرير. لم يستطع أحد أن يعرف ماذا يدور في خلده، فالذكاء الذي يتمتع به جعل منه شخصًا غير قابل للتوقع. يدرك مراد جيدًا أن كل شيء يمكن أن يتغير في لمحة، لكنه يفضل أن يتعامل مع الأمور بتركيز وهدوء حذرًا من العواقب التي قد تنشأ من أي خطوة غير محسوبة. وهذا الصمت الذي يحيط به، كما لو كان يسرد قصة غير مكتملة، جعل الجميع في حالة من الترقب والقلق، متسائلين عما يمكن أن يجلبه الغد.

فى صباح معبئ بالغيوم، تململت ذات بتكاسل على فراشها، حيث تسللت رائحة عطر مهران لتملأ أجواء الغرفة. نهضت سريعاً، تبحث عنه في كل زاوية، وكأنها كانت متعلقة بآمال واهية. وعندما تأكدت أن كل ما تشعر به لم يكن سوى أوهام من شدة اشتياقها له، جلست على الأريكة، وتعالت شهقاتها حتى اجتاحت النوبات الحزن عواطفها. واجهشت بالبكاء، تقطع أنفاسها من الألم. تكلمت بصعوبة، قائلة:
"ااااه يا مهران، واحشتني أوي! مش قادرة أصدق إنك موت بجد. أنا متأكدة أنك موجود، قلبي بيقولي إنك لسه حواليا، مستنياك ترجعلي، لأن متأكدة أنك هترجع تخدني في حضنك من تاني."
أنهت كلامها، وبعد لحظات، نهضت من على الأريكة وتوجهت إلى المطبخ لتحضر قهوتها الخاصة، في محاولة تضميد جراحها بقليل من الطاقة. لكنها توقفت في مكانها، مصدومة، عندما رأت فصاً أزرق خاصاً بأحد خواتم مهران، والذي احتفظت به كذكرى من والدته. حركت يدها ببطء، وأمسكت بذلك الفص، تنظر إليه بعدم تصديق، وكأن الزمن قد توقف للحظة. تذكرت اللحظات السعيدة التي قضاها الاثنين معاً، كيف كانت تضحك على نكاته وكيف كان ينظر إليها بعينيه الدافئتين اللتين مليئتين بالحب. وبغزارة، انهارت دموعها، بينما انتشرت ابتسامتها، وهي تومأ برأسها بسعادة، تقول:
"م م مهران كان هنا! ساب ليا ده علشان يثبتلي إنه موجود فعلاً جنبي."
احتضنته بسعادة وكأنها تعبر عن شوق متولد، ثم تحركت نحو غرفتها، ولم تتردد في وضعه في إحدى العلب المكسوة بالقطيفة، كأنه شيء ثمين جداً لديها. تلك العلبة لم تكن مجرد وعاء، بل كانت رمزا لكل الذكريات التي شاركتها مع مهران، وكل العواطف التي كانت تتربص في زوايا قلبها. ثم وضعتها داخل خزانتها، محاطة بنوع من الطاقة غير المعتادة، طاقة تمنحها شعورا بالأمل والراحة في غمرة الحزن. ارتدت ملابسها، وأدت فرضها، وغادرت المنزل متجهة إلى الشركة، لكن عطر مهران لم يتلاشى من أنفها، بل زاد شعورها بأنه ما زال معها في كل خطوة تخطوها. تحركت بروح جديدة، تتذكر أن الحياة تستمر مهما كانت الصعوبات، وأن ذكرياته ستظل تشع كالنجم في سماء روحها.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
جلس سليم أمام عاصم، مصدومًا بتوتر شديد، وقد ارتجف قلبه بينما نظر إلية عاصم بابتسامة تبدو وكأنها تخفي وراءها الكثير. كانت الغرفة ضيقة ومظلمة، تتخللها أضواء خافتة تتراقص على الجدران، مما زاد من حدة أجواء التوتر. ثم أخرج بعض المستندات وتركها تتناثر على المكتب الخشبي القديم، وأصوات الورق تتمايل في الهواء كأنها تشي بأسرار غامضة. تحدث بصوت منخفض يحمل في طياته القلق:
"جهز نفسك أستلام الشحنة بعد الفجر."
حرك سليم يده بارتعاش، مُمسكًا الورق كمن يتعلق بفرصة أخيرة للحياة، وأومأ برأسه بخوف واضح قائلاً:
"ح ح حاضر سعادتك، اللي تأمرني بي."
عاصم، بنبرة تحذير صارمة، قطع عليه حديثه:
"لو فكرت تلعب بديلك يا سليم، متلومش غير نفسك. أديك شوفت بعينك مصير اللي يفكر يوقف، فى طريق عاصم الدويري."
ابتلع سليم ريقه بصعوبة، وكأنه يتجرع مرارة الخوف، وتحدث بصوت متقطع:
"ل ل لا، طبعًا يا باشا، دي كانت أول وآخر غلطة، وعمري ما أفكر أعمل كده تاني."
في تلك اللحظة، كسر روعة الهدوء المفاجئ دخول يزيد، وعباءته ترفرف قليلاً مثل العلم في عاصفة، نظر إلى والده المرتعد باستغراب، وقال:
"فيه إيه بس يا حجوج؟ محسسني أنها أول مرة، ما أنت طلعت نمس في الشغلانة من سنين."
نظر سليم إليه بحزن مُعتصر، وكأنه يتذكر أيام شبابه بوضوح لا يُنسى، ثم تكلم بصوت مختنق، كأن الكلمات تُكافح للخروج:
"كنت شاب، وفرحان بالموضوع زيك كده، بس عرفت غلطتي، متأخر أوي، فى وقت مينفعش فيه الرجوع."
ابتسم عاصم بسخرية، راسمًا تعبيرًا ممزوجًا بالحذر، وقال:
"قصدك تقول، الفلوس زغللت عينك، ولما شبعت خلاص، نفسك جزعت."
ابتلع سليم ريقه بتوتر، وهو يشعر برغبة في الهروب من هذا الموقف، ثم قال بصوت مرتعش:
"ع عندك حق يا باشا."
جلس يزيد أمام والده، مفعمًا بالحماس، وحرك يده بفرح قائلاً:
"أيوه بقى! وهنبدأ الشغل الجامد من النهاردة، أنا متحمس أوي."
نظر سليم إلى يزيد بحزن، وقلبه يتألم من القهر، وتنهد بقلق على مصير ولده الذي يبدو محتوما، وكأن الأقدار تتربص بهم جميعاً في الزوايا المظلمة. كان عاصم يراقب ردود أفعال سليم بترقب، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة شيطانية، وكأن الشر يتربص في أركان عقله المدبر، فقال بأمر صارم:
"تقدر تخرج من هنا، شغلك انتهى، ودلوقتي شغلي مع ابنك."
استقام سليم بجسده، وتحرك نحو الباب، يجر خلفه عبئًا ثقيلاً من الندم والقهر، والخوف على مصير يزيد ابنه. كانت خطواته ثقيلة، كأن كل خطوة تفصل بينه وبين الكارثة المحتملة. ظل يزيد يتابعه حتى خرج وأغلق الباب خلفه، ثم نظر إلى عاصم، الذي كان يضحك بطرق شريرة، وكأن داخل عقلية الشيطان يدور العديد من المخططات، وقال بتساؤل:
"الكلام على أيه!؟
تزايدت ضحكاته الشريرة، وضرب على الطاولة متحدياً، وعبّر بصوت مفعم بالتحدي:
"ده وقت الحساب، علشان التعابين تخرج من جحورها."
عبس يزيد بين حاجبيه بعدم فهم، وقال:
"مش فاهم تقصد مين!؟
أرجع ظهره إلى الخلف، ونظر أمامه بوجه مائل نحو الشر، وكأن الغموض يلفه بالكامل، قائلاً:
"مش لازم تفهم، المهم أنا فاهم كل حاجة."
هز يزيد كتفيه بعدم فهم، قائلاً:
"مدام انت فاهم كل حاجة، يبقى الموضوع كبير، وأنا هتفرج وأتعلم منك، يا كبير."
تزايدت ضحكات عاصم المتعالية، واختلطت بالنذر بأنه سيعيد الصاع صاعين لكل من حاول اللعب معه، وكأنه يتآمر على تنظيم هجوم مضاد يعيد له مكانته كقائد لا يُقهر في هذا العالم المظلم.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وقف شريف بسيارته الفاخرة أمام الجامعة الخاصة بمهرة، بينما تأمل انعكاس وجهه في المرآة الداخلية، مختلطاً بشعاع الشمس الذي كان يتسلل من زجاج السيارة. كانت ملامحه متجهمة، كدلالة على القلق الذي كان يسيطر عليه. ثم قال بصوت حازم، محاولاً أن يكون متسلطاً في الوقت الذي كان يدرك فيه أن قلبه يضم مشاعر مختلطة:
"أنزلي، وحاولي لما تخلصي تخرجي على طول، مش لازم تتمرقعي جوه شوية."
رفعت حاجبيها إلى الأعلى، عازمة على عدم الاستسلام لهذا الحديث القاسي، ونظرت إليه بغضب، قائلة:
"أتمرقع!! ياريت بعد إذن حضرتك يا اااابية تتكلم بأسلوب أحسن من كده."
أغلق عينيه بغضب، وكأن حبال الصبر قد انقطعت بتلك اللحظة، وتحدث بنفاذ صبر:
"بلاااش ميتين أم الكلمة دي."
ردت عليه بتهكم، معبرة عن براءة مصطنعة، في محاولة لإثارة مشاعره:
"قصدك على أنه كلمة يا أبية مش فاهمة!؟"
صرخ بغضب قائلاً:
"مهررررة، شغل كيد النسوان ده مش عليا. انتي فاهمة أقصد أنه كلمة..."
استدار نحوها والشرر يتطاير من عينيه كأنما كان يوشك على الانفجار من الغضب، وتحدث بوقاحة، بين سخرية وعتاب:
"بعدين مينفعش بعد ما دوقت شفايفك نبقى إخوات، ولا إيه رأيك؟"
نظرت إليه بضيق، مثل عاصفة تعصف بمشاعرها، وتحدثت بصوت مختنق، كأنما تحارب الدموع التي تتجمع في عينيها:
"ليه مش ده كلامك إنك هتعتبرني أختك الصغيرة وأنا كمان اعتبرك أخويا، زعلان ليه دلوقتي؟ أصل أنا مطيعة وبسمع الكلام يا أبيه!"
أغلق عينيه ليهدأ قليلاً، وحاول ترتيب أفكاره، ثم تحدث بنبرة شبه غاضبة، ولكنه حاول أن يكون أكثر هدوءاً:
"آه، ده كلامي، وقولتلك نبقى إخوات، بس الكلمة اللي بتقوليها دي بتعصبني."
حاولت تداري الدموع التي كادت تسقط من عينيها، وعندما انكسرت روحها أمامه، تحدثت بصوت مختنق، كما لو كانت تعبر عن حزن عميق قد تترجم بمشاعر مؤلمة: "الكلمة مش هتفرق كتير مدام المبدأ موجود، المهم متجيش تخدني لأن أخو سارة جاي يخدها بالعربية، وأنا هروح معاها النهاردة."
احمرت عينيه من شدة الغضب، وكأن حرائق دمرت كل شيء في طريقها، عندما قال بهدوء حذر، وكأن الصراع الداخلي بين الغضب والرغبة في حمايتها يدور بداخله:
"تروحي فين!؟"أجابته متجاهلة نظرته الغاضبة، وكأن موقفها لا يحتمل التراجع:
"رايحة معاهم، أخوها عزمني على الغدا مع أخته النهاردة."
اسودت عيونه، وكأن فوضى من الغضب اجتاحت المكان، ودوى صوته بعنف يتدفق منه الشغف والخوف على مستقبلها:
"نعمممم يا أختي، عازمك!! والقمور عازمك بصفته إيه بقى إن شاء الله؟"
رغم خوفها منه، إلا أنها تجرأت بفكرة شيطانية، تمتزج بين الجرأة والغضب، فقالت:
"والله يا أبيه مكدبش عليك، حاسة إن هو معجب بيا، وأنا الصراحة بدأت أتشد ليه وبفكر أديله فرصة."
سمعت صوتًا غاضبًا يخرج من فمه لم تتوقع سماعه، وهو يسب بألفاظ لم تكن تتخيلها، يتحدث في انفعال شديد وكأن كل الكلمات تصب في قلبه:
"أقسم بالله يا مهرة، لو متعدلتيش وبطلتي كلامك الأهبل ده، لكون عاملة عملية أخليه زيه زيكم بالظبط، وأنتي هقعدك من الجامعة، متنسيش أني أنا اللي صممت تنزلي الجامعة بعد القذارة اللي كنت عاملاها."
شعرت بقلبها يتمزق أشلاء بعد سماع كلماته، وكأن كل خيوط الأمل تنفصل عن بعضها، وانهارت دموعها، قائلة بغضب، بينما كانت نظراتها لا تخفي آلامها:
"ولما أنت شايف أني قذرة وأفعالي قذرة، كنت بتجري ورايا لييييه؟ ها كنت هتموت عليا لييييه، ولا قولت ينوبني من الحب نايب، وأخد منها اللي أنا عايزه بسهولة، ما أنا سهلة وقذرة في عيونك."
ثم تعالت شهقاتها، وتحدثت بصعوبة، وبصوت مكسور مفعم بالحزن:
"أنا مش ندمانة على حاجة عملتها في حياتي إلا على أني حبيتك، بس عارف، أنا دلوقتي بكرهك يا شريف، بكرهك ومش عايزة أعرفك تاني."
أنهت كلامها وترجلت سريعًا من السيارة، وكأن وزرًا ثقيلًا قد أزيح عن كاهلها.زفر شريف بضيق، ونزل من السيارة وركض خلفها، متحدثًا بندم، كأنه يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، ممزقاً بين مشاعر الغضب والحب:
"مهرة، أنا آسف، مقصدش أجرحك بالكلام والله."
نظرت إليه بغضب، وصاحت، وكأن جدران قلبها قد تصدعت:
"أبعد عني يا شريف، وملكش دعوة بتوصيلي، أنا عارفة بعمل إيه كويس، مش عيلة صغيرة، وياريت مشوفش وشك تاااني، فااااهم؟"
ثم تركته واندفعت نحو الجامعة، حيث وجدت سارة تنتظرها. ركضت إليها وارتمت في أحضانها، وظلت تبكي، كأن مشاعرها بحاجة إلى من يحتضنها.ربتت سارة على ظهرها بحنان، وسألتها بتساؤل، وسط الدموع التي غمرتها:
"مالك يا حبيبتي، حصل حاجة تانية مع شريف!؟"
أومأت برأسها، وتحدثت من بين شهقاتها، كما لو كانت تصرح بأسرار القلب:
"بقاله قد إيه بيتعامل معايا على إننا إخوات فعلاً، وأنا بصبر نفسي، وأعمل زي ما قولتوا أنتي وذات، وأتجاهل تجاهله ليا، بس النهاردة حاولت أستفزه علشان يسيبه من موضوع الإخوة ده، قولتله إن أخوكي عزمنا أنا وانت بره وإنه معجب بيا وكده، بس للأسف طلع شايفني واحدة قذرة مش قادر ينسى اللي حصل مع عاصم، شريف ده حيوان، أنا بكرهه، بكرهه."
تنهدت سارة بحزن شديد على حال صديقتها، وتحدثت بنبرة هادئة وكأنها تحاول تهدئة عاصفة التوتر المحيطة:
"هو أكيد ميقصدش كده، بس ممكن أندفع بكلامه والتعبير خانه. هو بيحبك لدرجة الجنون ولما بيغير عليكي بيبقى شخص تاني خالص. هو لو كان موضوع عاصم شاغله أو في دماغه من أساسه، مكانش اعترف بمشاعره ليكي، ولا أتقدم لأبيه مهران الله يرحمه، ولا كان صمم إنه ينزلك الجامعة. ومتنسيش برضه ضغط الأعصاب والتعب النفسي اللي اتعرض ليه بعد موت صديق عمره."
صرخت مهرة بدموع، وكأن حزنها يستنزف كل قوتها:
"طيب ما أنا بموت بسبب موت أبية، ضايعة من غيره وكنت محتاجة دعمه ليا أكتر من أي حد تاني، بس سكت واستحملت وقلت أديله عذره. أنا تعبت يا سارة، ومش عارفة أعمل إيه، بحبه ومش قادرة أستحمل بعده عني أكتر من كده، وفي نفس الوقت مش قادرة أقبل فكرت تجريحه ليا في الكلام. كل ما تحصل مشكلة ما بينا، قوليلي أعمل إيه."
ابتسمت سارة وتحدثت بنبرة هادئة، وكأنها تهديء روح صديقتها:
"هي دي ضريبة الحب يا مهرة، لازم يكون فيه شد وجذب ما بينكم علشان تقدروا تفهموا بعض. يا إما تتقبلوا عيوبكم قبل مميزاتكم، يا كل واحد يروح يدور على واحد يشبه ويتقبله بكل عيوبه. أحلى ما في الحب الاتنين اللي بيغيروا بعض للأحسن علشان يكملوا حياتهم مع بعض، مش اللي يبقوا مثالين من أول لحظة، وميبقاش في حاجة مميزة في علاقتهم. فاهمة قصدي يا ميهو؟"
مسحت مهرة دموعها وأومأت برأسها بتفهم، وعاد الأمل يتسلل إلى قلبها، وتحدثت بأمتنان، وكأنها أعلنت حربها مع الألم:
"أنتي أجمل حاجة ربنا رزقني بيها، بجد معرفش من غيرك كنت هعمل إيه."
ابتسمت سارة بمزاح وقالت، محاوِلةً تغيير جو الحزن إلى ضحك:
"أخوكي بيقولي نفس الكلام، أنا كده بقى هتغر عليكم أنتوا الاتنين."
تعالت ضحكاتهما هما الاثنان واتجهوا إلى قاعة المحاضرات، وكأنهما تاركين همومهما خلفهما، متمسكتان بالأمل الذي يحيط بهما.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
جلست ذات على مقعدها الجلدي خلف مكتبها، عينيها تتجولان باهتمام شديد بين الملفات المتناثرة أمامها، وكأن كل ورقة تحمل قصة أو سرًا يتعين عليها اكتشافه. كان لديها شعور عميق بتحمل المسؤولية، حيث إن هذه الملفات لم تكن مجرد أوراق عادية، بل كانت تمثل حياة وأقدار أشخاص آخرين غيرها. ورغم السعادة التي ملأت قلبها بما حدث في الصباح من تغييرات إيجابية وبعض الآمال الجديدة، إلا أن الخوف قد استبد بها بشأن ما قد يحدث في المساء، حيث كانت تشعر بأن مصيرها في مهب الريح، وأن الأحداث قد تأخذ منحى غير متوقع كالعادة. في تلك اللحظة، قطع صمتها رنين هاتفها، وعندما نظرت إلى الشاشة، رأت رقم مراد فتزفرت بضيق؛ فقد تعودت على أسلوبه الحاد الذي لا يتقبله قلبها العاطفي. ثم أجابت بصوت متقطّع وكأنها تحاول أن تتماسك:
"افندم."جاءها صوته الغاضب وهو يوجه إليها أمراً بوضوح لا يقبل النقاش:
"جهزي نفسك الفجر."
ردت عليه بصوت مرتعش، وكأن الكلمات تتعثر في حلقها لأنه كان هناك الكثير على عاتقها، قائلة:
"عارفه وبراجع الورق اهو، بس الأمور مش سهلة زي ما انت مفكر."
لكن رده كان محذراً وباردًا، كأنه ينذر بعاصفة قادمة:
"حسك عينك تغلطي غلطه واحده، الخطه كلها هتبوظ."
تنفست بعمق، محاوِلةً تهدئة روحها المشتتة، زفرت بضيق وقالت بنفاذ صبر:
"حفظت والله كل اللي هيحصل، بس عندي سؤال واحد بس."
لم يرد عليها، واختار أن يكتفي بإجابة مقتضبة بصوته كأنه يتحاشى المواجهة، قائلاً:
"امم... اتفضلي."
تحدثت بنبرة غاضبة، وكأن الغضب يعكس الصراع الداخلي الذي تعيشه، قائلة:
"انت ازاي بالقسوة دي يعني، لا همك ابنك واللي حصله ولا باين عليك حتى التأثير من بعده. معقول تكون بتكرهه؟ طيب ازاي مافيش أب بيكره ولاده؟"
أجابها بنبرة حادة كالألم الذي يعتصر قلبه:
"حاجة متخصكيش ومتدخليش فى حاجة ملكيش دعوة بيها،انتي اخرك مهمة النهاردة وبعد كده هتختفي من قصادي خالص، فااااهمه."
ابتلعت غصة في حلقها، كأن الكلمات أرهقتها، وتكلمت بصوت حزين، مليء بالتحدي:
"فاهمه، بس عايزة أقولك حاجة قبل ما اقفل: الدنيا مش دايمة لحد وعمرها ما هتكون منصفة معاك طول الوقت، وزي ما بتظلم هتتظلم. وانا مش مسمحاك، وعند الله تجتمع الخصوم."
أنهت حديثها وأغلقت الهاتف، ثم ألقت به على سطح المكتب، واحتبست دموعها بحرقة، وكأنها تريد أن تتخلص من عبء أحزانها دفعة واحدة. حتى تفاجأت بيد تتحرك على ظهرها، فانتفضت في مكانها واعتدلت بسرعة، نظرت أمامها وغضبت، قائلة:
"انت!! عايز إيه يا يزيد؟ مليون مرة أقولك ايدك متلمسنيش."
أسند جسده على سطح المكتب وعقد ذراعيه على صدره، ورد بابتسامة تحمل في طياتها تحديًا غامضًا:
"دموعك غالية عليا يا ذاتي."
عندما سمعت اسمها يتردد بهذه الطريقة، انتفضت من مكانها ووقفت بغضب، قائلة بتحذير:
"لو قلتلي اسمي بالطريقة دي تاني هقطعلك لسانك يا يزيد. واحد بس اللي مسموح ليه يقولها ومش هقبلها من أي حد مهما كان مين، فاهم."
دفعها بقوة، وأسقطها على المقعد، واقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها، وقال بنبرة تشبه فحيح الأفعى، تتسرب من بين أسنانه:
"أنا كل ده ساكتلك وسايبك تدلعي براحتك، بس وحياة أمك، لو ملمتيش لسانك ده وبقيتي لذيذة معايا...حرك يده على جسدها وتحدث بتحذير: "جسمك ده هندمك عليه وانا بلمس كل حته فيه وبعمل فيكي كل اللي أنا عايزه غصب عنك، فاااهمه."
دفعت به بعيداً عنها، وبصقت عليه بغضب، وكأن تلك كانت الوسيلة الوحيدة للتعبير عن استيائها، قائلة:
"وسخ ومعندكش ريحة الرجولة."
ابتسم لها بتوعد تغلفه نبرة التحدي، قائلاً:
"كلها أيام وهوريكي الرجولة شكلها إيه، استعدي للجاي يا قطه."
أنهى كلامه، وأرسل لها قبلة في الهواء قبل أن يخرج من المكتب، تاركاً إياها تغلي كالمرجل بغضب شديد، وكأن كل مشاعرها مقيدة في سلاسل، وكلها تتوق للتحرر. نظرت إلى أثره بغضب وصرخت بدموع، كأنها تلقي بكل ما تحمل في قلبها:
"مهرررران انت فين؟ أنا محتاجالك أوي، مش قادرة على الدنيا من غيرك، ارجوك انقذني من اللي أنا فيه ده، قبل ما يتحول كل حاجه لكابوس مؤلم."
افتعلت بكاء مرير، وأسقطت رأسها بين يديها، بينما كانت تتصور كيف يمكن أن ينقلب ذلك اليوم سريعًا من الفرح إلى الكآبة، وكأن الحياة تلعب بأوراقها كما تشاء.

الحادي والثلاثون من هنا 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close