رواية خلف الظلال الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم يسرا
الفصل الخامس والعشرون......بقلم يسرا
حملته عربه الاسعاف الى اقرب مشفى يصارع الموت ....ودقات قلبه تعلن النهايه
ولكن الفريق الطبى المحنك قد رفض الانسحاب او الاستسلام
وقامو بنقله سريعا لغرفه العمليات وظلت هى بالخارج تبكى وتنتحب
حتى قالت لها احدى الممرضات : يا مدام وحدى الله مش كده ...ان شاء الله هيقوم ويبقى كويس
ظلت هند تردد : يارب ..يارب ..ربنا ينتقم من اللى عملو فيه كده
وبعد مرور ساعات خرج الطبيب يحمل على وجهه بسمه مضطربه وقال لها بصوت هادىء : الحمد لله ...بقى كويس ..الرصاصه كانت قريبه اووى من قلبه ربنا كتبله عمر جديد
ودون ان تشعر احتضنت الطبيب مردده : بجد يا دكتور ..بتتكلم جد
دفعها الطبيب بعيدا وقال بخجل احمر له وجهه الممتلىء : ايوا حضرتك تقربيله
تلعثمت هند وقالت : ااا....انا خطيبته
ابتسم الطبيب وقال : طيب احنا على العموم بلغنا البوليس وهما هيبقوا ياخدوا اقوالك
ردت هند فزعه : ليه انا ماعملتش حاجه ..
الطبيب : مفهوم ..مفهوم ...ماتخافيش ده اجراء روتينى يعنى عشان يقبضوا على اللى ضرب عليه رصاص
ادمعت عينا هند من جديد ورددت منتحبه: اللهى ينشك البعيد.....ربنا على المفترى ... اللهى لا يوعى
الطبيب باستعجال : طيب اتفضلى حضرتك معايا على اللاستقبال الظابط هنلاقيه هناك غالبا
هند بتردد: طيب ادخل اتطمن عليه
الطبيب : ماينفعش ..هوا لسه هيطلع من اوضه العمليات يقعد فى العنايه المركزه اربعه وعشرين ساعه وبعديها نسمح بالزياره
هند : طيب ابص عليه بس
الطبيب : روحى دلوقتى للظابط ..واما يطلع هخليكى تبصى عليه من بعيد ...ماشى ..
اذعنت هند لامر الطبيب واتجهت الى حيث الضابط الذى شرع فى سؤالها عن صلتها به
فأجابته كاذبه هو الاخر انها مخطوبه له..... فسألها الضابط عما رأته
فقالت هند بتوتر : ابدا كان عندى بيتعشى وكده ونزل يروح وطلعت البلكونه ابص عليه وهوا بيركب العربيه جت عربيه بسرعه وضربو عليه نار وهربوا
الضابط : العربيه لونها ايه .ماركه ايه ..عرفتى تاخدى نمرتها ؟
هند : حضرتك انا فى الدور الخامس ...نمره ايه اللى اشوفها والدنيا كانت ضلمه ...تقريبا لونها اسود .بس كانت عربيه عاليه من اللى هما فور باى فور
الضابط : طيب ما وقفوش ولا نزلو من العربيه ..ماشفتيش عددهم ؟
هند : لاء ..ماشفتش حد ..شفت سالم وهو بيقع بس
تنهد الضابط وقال : يبقى كده ماقدمناش الا اننا نستنى سالم نفسه يقوم بالسلامه ونستجوبه
قال الطبيب باصرار : مش قبل 24 ساعه وتحت اشراف طبى
هز الضابط رأسه وقال باستسلام : طيب هأبقى اجى بكره ان شاء الله
انصرف الضابط فقال الطبيب لهند : طيب حضرتك الاحسن انك تروحى ترتاحى ..الساعه بقت 7 الصبح وانتى هنا من 3 ساعات
هند متوسله : طيب ابص عليه زى ما انتى قولتلى
اشار الطبيب لاحدى الممرضات وقال لها بصرامه : خدى الانسه خليها تبص عليه فى العنايه المركزه بس هيا 30 ثانيه بالعدد انتى فاهمه
اومأت الممرضه برأسها وابتسمت لهند ابتسامه رقيقه وقالت لها : اتفضلى معايا
دخلت هند الغرفه الواسعه وابصرته ممددا تحت الشراشف البيضاء كوجهه الذى غابت عنه الدماء
وتأملت هند شفتيه الزرقوتان بحسره
ومدت يدها لتتلمس عضلات ذراعه المفتوله برقه وتساقطت عبراتها من جديد
فنهرتها المرضه بلطف : وبعدين ...الدكتور قالك انكتبله عمر جديد ..بلاش عياط ارجوكى
فمسحت هند عبراتها المتساقطه وودعته بقبله على جبهته قبل ان تخرج
وعندما دقت السابعه فى منزل امانى كان الصغار قد استيقظوا منذ نصف ساعه مضت قبل امهم
واخذ عمر يهز كتف امه وهو يقول : ماما ..ماما اصحى ..يالا عشان ننزل المدرسه
فتحت هاله عيناها بصعوبه وقامت واعتدلت فى جلستها وقالت بصوت متحشرج : هيا الساعه كام دلوقتى ؟
عمر : مش عارف ..طنط امانى قالتلى اصحيكى عشان هنتأخر
اومأت هاله برأسها وقالت متعبه: طيب هروح اشطف وشى بس ..عدينى
قامت هاله واتجهت الى الحمام واغتسلت ونفضت عنها كسل الصباح وخرجت بعد قليل لتجد امانى قد اعدت لاطفالها الفطور
وقالت لهاله بأسف : معلش يا هاله لو اعرف مدرستهم فين كنت اخدتهم اوديهم
هاله بابتسامه مشرقه : ياستى كتر خيرك عملتلهم السندوتشات ..انا اصلى قلقت امبارح وعشان كده اتأخرت فى النوم ..هيا الساعه بقت كام
امانى : سبعه
هاله : امال ياسين فين ؟
امانى : قالى هينزل المكتبه اللى فى الوش يجيب حاجه نقصاه
ثم اقتربت امانى منها وقالت متردده بصوت خفيض :بقولك كنت عيزاكى فى موضوع كده
هاله عابسه: خير يا امانى ؟
امانى برجاء : كنت عيزاكى تكلمى هند
نظرت لها هاله معاتبه وزمت شفتيها ضيقا وقالت : تانى يا امانى ..طيب اراهنك بأيه مش هيفرق عندها حاجه ؟
امانى باصرار : معلش نبقى برضه عملنا اللى علينا وساعتها ماتلومش الا روحها ..مهما كان ده عيش وملح ياهاله ..واللى شفناه سوا ماكنش شويه
اخذت هاله نفسا طويلا واومأت برأسها وتنهدت وقالت : حاضر ..بس هروح النهارده اشترى شويه حاجات كده واما ابقى اروق هبقى اكلمها
امانى : طيب امشى انا عشان الحق الشغل ...خدى بالك من نفسك ومن ولادك ...لا اله الا الله
هاله : محمد رسول الله ...مع السلامه
انصرفت امانى تاركه هاله يضج برأسها العديد والعديد من الافكار والخواطر ثم افاقت من غفلتها على صوت الصغير يتعجلها
وبعد ان اوصلت هاله الاطفال الى مدرستهم انطلقت من جديد فى رحله للبحث عن عمل
حتى حلت الساعه الواحده سريعا فذهبت للمنزل لاستقبال اطفالها بعد عودتهم من المدرسه برفقه احدهن...و التى تتلقى مصروفا شهريا بسيطا من هاله لقاء الحفاظ على سلامتهم فى طريق العوده
وبعد ان تناول الاطفال طعام الغداء تركتهم هاله تلك المره فى رعايه امانى
وتحججت بشراء بعض المشتروات الضروريه لتبحث عن عمل من جديد
وفى تلك الاثناء كانت هند تجلس الى جوار سالم الذى استفاق اخيرا شاعرا بجفاف حلقه فطلب قليلا من الماء
اعطته هند كوب الماء وتتساقط من عيناها دموع الفرحه
فعبس سالم وقال لها بصوت ضعيف : بتعيطى ليه ؟
هند بفرح : حمدالله على سلامتك ....الف سلامه عليك ..ان
امرها سالم بضعف: شششششش....صوتك عالى اووى يا هند مش قادر استحمله
هند هامسه : معلش حقك عليا ...من فرحتى يا اخويا
سالم : انتى قاعده تعملى ايه هنا ؟ماروحتيش من ساعتها ؟
هند : لاء روحت وجيت
سالم : البوليس جه ؟
هند : ااه
سالم: قولتيله ايه ؟
هند: ولا حاجه... انا ماشوفتش حاجه اصلا
سالم : احسن برضه
هند : هوا قال هيجى تانى يسألك
عقد سالم حاجبيه وقال بصوت صارم : ماشى ...دلوقتى انا عايزك تسمعينى كويس
هند خائفه: خير
سالم بهدوء: عايزك تروحى شقه تانيه وماتعرفيش حد انك نقلتى ...وتقفلى السنتر الكام يوم اللى جايين دوول... وتخفى تماما انتى فاهمه
هند متحيره: ليه كل ده ؟ واقفل السنتر كمان
سالم بغلظه:اسمعى اللى بقولك عليه وماتجادليش ..ودلوقتى قومى روحى وماتجيش هنا تانى
هند برجاء: طيب مش اتطمن عليك
سالم : اطمنى ...انا بقيت كويس يالا امشى
هند مستنكره : امشى دلوقتى
سالم بضيق: ايوا دلوقتى وحالا ...وانا اما اخرج هبقى ادور عليكى
هند متحسره: يعنى معقول تقعد فى المستشفى كده لوحدك
سالم بنفاذ صبر: ومين قالك انى هقعد ....بكره بالكتير هكون طلعت
هند : بس انا سامعه الدكتور بيقول مش ااقل..
قاطعها سالم بخشونه : وبعدين معاكى وفى الصداع اللى انتى عملاه ...امشى يالا ونفذى اللى قولتلك عليه
نظرت له هند نظره اخيره وايقنت انه الوداع ..وقالت له : خد بالك من نفسك
نظر لها سالم وربت على خدها بحنان : عمر الشقى بقى ..ماتخافيش ..لسه معادى مجاش
انصرفت هند بعد ان قبلت يده وخرجت مسرعه وما ان خطت بقدامها خارج المشفى حتى اخرجها رنين هاتفها المتصاعد من شرودها
فردت بقلق : الوو ..مين معايا
جاءها صوت هاله اثناء بحثها عن عمل لها قائله : انتى مسحتى نمرتى من عندك ولا ايه يا هند ؟
هند بارتياح: هاله ...لا والله ..اا اصلى الموبايل غيرته والرقم بتاعك الظاهر ماكنش على الشريحه
هند : مبروك ياستى الموبايل ..انتى عامله ايه ؟
هند بضيق : زفت يا هاله ...سالم ضربوا عليه نار امبارح
كاد الهاتف ان يسقط من يد هاله من هول صدمتها وقالت بصوت مرتجف : ايه ؟.... وحصله حاجه ؟
هند : الحمد لله لسه فايق من ساعه كده وحالته استقرت بس حاجزينه فى المستشفى طبعا
هاله بصوت متلهف : مستشفى ايه ؟
هند : مستشفى ******...لسه طالع من العنايه المركزه من شويه
هاله بقلق : وهوا عامل ايه ؟
هند : شكله تعبان اووى وكرشنى من المستشفى وقالى اروح وما اجيش تانى ..اكيد خايف عليا من اللى عملو فيه كده
هاله: والبوليس معرفش مين اللى ضرب عليه النار
هند : لاء ..لسه هيجوا يستجوبوا سالم ويعرفوا اوصاف اللى ضربوا عليه ...منهم لله
منعت هاله دموعها ان تسقط وتحشرج صوتها وقالت : طيب خدى بالك نتى من نفسك وابقى طمنينا عليكى ..امانى مشغوله عليكى اووى
هند : هظبط امورى وابقى احود عليكم ..متشكره على سؤالك يا حبيبتى ...مع السلامه
هاله شارده : مع السلامه
وقفت هاله الى جوار احدى ماكينات صرف الاموال لاحدى البنوك واسندت ظهرها لها فى محاوله منها للتماسك واستجماع شتاتها التى بعثرتها الاخبار المؤسفه التى حملتها لها تلك المحادثه التليفونيه
وتعاظمت امام عيناها رؤيا لسالم وهو ملقى فى سرير بأحدى المستشفيات ........جريحا ...مصابا ....وحيدا
عندها قطعت امرها واشارت لاحدى سيارات الاجره فحملتها للمشفى حيث يرقد حبيبها وان اجبرت قلبها على كراهيته
مرت نصف ساعه على هاله بالطريق المزدحم والقلق ينهش جسدها ويلقى بظلال من الخوف والهلع على قلبها
وفى تلك الاثناء ....كان هو يجلس وحيدا فى فراشه المريح يسترجع ماحدث له فى الساعات القليله الماضيه ..
لقد اوشك على الموت ...
اخبره الطبيب ان الرصاصه كانت على بعد سنتيمترات قليله من قلبه ....لو اصاب قاتله لكان فى عداد الموتى
قطع تسلسل افكاره البائسه طرق قوى على الباب ...وبعد قليل دخل ضابطا فى الثلاثون من عمره فنظر له سالم بسخريه
قال له الضابط : حمدالله على سلامتك يا سالم ..اتفضل يا حضره المقدم
رفع سالم رأسه بعض الشىء ليرى المقدم الذى دعاه الضابط للدخول حتى رأه
فاتسعت ابتسامته الساخره وقال له : يا اهلا يا اهلا ....جاى عشان تجيبلى حقى يا حضره المقدم ..والله سلامات
ابتسم حاتم ابتسامه مقتضبه وقال له : حمدالله على سلامتك انت يا ...سالم ...اسم على مسمى صحيح
التقط حاتم كرسيا من احدى الجوانب وقربه من الفراش الذى يرقد عليه سالم ثم توجه الى الضابط الذى يرافقه وقال له : طيب هستأذنك يا سيادته النقيب ممكن تسيبنى مع سالم خمسه كده ؟
هز الضابط رأسه بالموافقه وخرج قائلا : انت تؤمر يا حاتم باشا
خرج الضابط واغلق الباب خلفه واخرج حاتم علبه السجائر خاصته واخرج منه لفافه وقدمها لسالم الذى استقبلها بكثير من الامتنان
اشعل حاتم قداحته الفضيه وقربها من سالم فأشعل الاخير السيجاره واخذ نفسا عميقا
ونظر له سالم بعدها متهكما وقال له : ده ايه الرضى السامى ده يا حاتم باشا ؟
لوى حاتم شفتيه وقال باستخفاف: واحنا عندنا كام سالم ابو النجا ...هاه يا سالم ..مين اللى ضرب عليك نار؟
ضحك سالم ضحكه صغيره وقال : وانا اعرف منين ؟
حاتم : يعنى واحد زيك ..لازم يكونله اعداء ..هاه بتتهم مين ؟
تظاهر سالم بالحزن: الله يسامحك يا حاتم باشا ..واحد زيي؟
ضاقت عينا حاتم وقال بنفاذ صبر: جره ايه يا سالم احنا هنعملهم على بعض ...رسينى على بر ..عشان نقفل المحضر
نظر له سالم ونفث سيجارته ونظر له بطرف عينيه وقال بصوت خافت : قيده ضد مجهول يا باشا
عبس حاتم وقال : كده ..طيب ...ماشفتش حد يعنى....
سالم باستهتار : شويه عيال ..ماديكش فيهم اماره ..ماتتعبش روحك ..الحمد لله انها جت على اد كده
حاتم بتهديد : لحد دلوقتى ...ما انتش ضامن المره الجايه ممكن يحصل ايه ؟
نظر له سالم بعمق وقال بهدوء : لا اطمن ....ساعتها هبقى محرس وهاخد بالى
حاتم وقد لمعت عيناه وقال : هتعمل ايه بأه ؟
سالم متهكما وبابتسامه واسعه اجاب : هلبس قميص واقى من بتوعكم يا باشا
رد حاتم مغتاظا : بقى كده ..ماشى يا سالم
قام حام واتجه الى الباب وفتحه وقال للضابط الذى ينتظره بالخارج : يالا بينا يا سياده النقيب ..
ثم التفت لسالم ونظر له بتمعن واردف :يظهر ان الحادث هيتقيد ضد مجهول
اتجه حاتم برفقه الضابط ليستقل المصعد وما ان توقف وفتح الباب حتى كادت ان تصطدم به
نظر لها حانقا ...عاقدا شفتيه .....غاضبا ...ثائرا
تلقت هاله نظراته الناريه وسيطر الخوف على قلبها
ودخل حاتم المصعد ولم يخفض عيناه عنها حتى شكل الباب المعدنى اللامع عائقا فى طريقه لتختفى من امامه فى ثوان معدوده
وظلت هاله واقفه لبرهه فى الردهه الطويله محاوله السيطره على الرعشه التى اجتاحت جسدها بفعل نظراته اللى اخترقتها بقوه
ثم تحركت هاله بعد قليل تبحث بعيناها فى اللوحات المعلقه على ابواب الغرف
حتى عثرت على الغرفه خاصته
ووقفت لبعض الوقت وقلبها يصارع التردد الذى القاه عقلها اليه كشظايا تمزقه ...
ثم ابتلعت ريقها وطرقت الباب بخفه ودخلت
كان ملتفتا للجانب الاخر ينظر من النافذه يراقب السماء المظلمه وعندما سمع صوت طرق على الباب
زم شفتيه استياءا واستعد لاستقبال زائره القادم
وهاهى تقف امامه ....تنظر له بأعين مرتجفه واهدابا الطويله تعبث مع خديها عبثها المجونى
وقد امسكت راحه كفها بطرف الباب
تمنعها من التقدم ....
تأمرها بالعوده ادراجها ....
ولكن دون ان تشعر ساقتها اقدامها الى حيث فراشه ...
وقفت امامه وقد اغروقت عيناها بالدموع وتداعب وجهها بسمه مشعه ....فقد ابصرته حيا
ينظر هو اليها والشوق يختلج ضلوعه....و مد يده وقبض على كفها المتصلب الى جوارها
وقال بصوت اجش : آخر حاجه كنت اتخيلها انى اشوفك دلوقتى هنا
سقطت عبراتها الساخنه وضحكت ضحكه بلهاء وقالت : انا مش عارفه كمان ايه اللى جابنى هنا
جذبها سالم لتجلس الى المقعد الخاوى جواره ..وافلتت هاله يدها خجلا من قبضته
قال سالم بصوت مضطرب : عرفتى منين ؟
شعرت هاله انها ترتطم من جديد بأرض الواقع بعد ان حلقت بعيدا فى سماء الحب الغير مشروط
فأجابت بصوت جاف : هند
اخفض سالم رأسه خجلا وقال بصوت مذنب : انا مشيتها
هزت هاله رأسها وقالت بصوت خفيض : انت ماعكش حد هنا خالص ؟
ابتسم سالم وقال ساخرا : حد ..حد مين ..انتى فكرانى مخاوى ...هههههههه
ابتسمت هاله هازئه منه ولوحت بيدها : حتى وانت كده ...انت زى ما انت ..مش هتتغير
نظر لها سالم بتمعن وتعلقت عيناه بعيناها وحبس انفاسه
وسألها السؤال الذى يخشاه قدر خشيته الاجابه... وقال لها بصوت متحشرج : عوزانى اتغير يا هاله ؟
ارتسمت ملامح الحزن على وجهها وقالت باستسلام لعقلها :ايوا ...لازم تتغير
قال سالم ببؤس : ماعدش ينفع ....يمكن كان ينفع زمان اتغير ..لكن دلوقتى خلاص ...عشان كده قولتلك تبعدى عنى ...
هاله برجاء: ليه لاء ...حاول ..ربنا مديكى العمر اهوه... ايه المانع انك تحاول
قال سالم هازئا : انتى اصلك ماتعرفيش حاجه ..ربنا ..هه ..انا ماسبتش ذنب ماعملتوش
ردت هاله باصرار نافيه : لاء عارفه
نظر لها سالم وقد لمعت عيناه : عارفه ايه ؟
هاله بصوت متهدج : عارفه كل حاجه ....عارفه انك بتاجر فى المخدارات
فاظلم وجهه ....وارتسم الضيق جليا علي ملامحه .... ثم ادار وجهه بعيدا عنها....
فأردفت هاله : صدقنى لو عزمت انك تتغير من جواك ربنا....
قاطعها سالم بصرامه و بخشونه نطق وهو يحك بيده جرحه القبيح : اطلعى بره
نظرت له هاله وقد اتسعت عيناها دهشه وقالت بتردد : سالم ..انا ...
التفت اليها سالم ونظر لها غاضبا وقال : روحى يا هاله ....روحى لولادك.....
سقطت دموع هاله بغزاره وقالت بصوت مرتجف : مش عاوزنى معاك ؟
نظر لها سالم بعين فارغه وقال بصوت جاف : ماينفعش تكونى معايا ...انتى مكانك مع ولادك
لم تتحمل هاله الرفض القاطع الذى القاه بوجهها
وقامت واتجهت بخطوات واسعه الى الباب
واستدارت لتلقى عليه نظره اخيره فوجدته كما رأته لاول وهله منصرفا عنها ينظر الى النافذه ..وقد حلقت عيناه بالسماء المظلمه
وانصرفت حزينه بائسه وهى لا تعلم ان قد اصطحبت قلبه معها ..وتركت له دمعه حبيسه بعيناه ....
زفر سالم بقوه عند انصرافها ونفض عنه الغطاء والتقط هاتفه وخاطب احد رجاله وامره بسرعه الحضور لاصطحابه
واستقلت هاله المصعد وهى تحاول السيطره على دموعها المنهمره دون جدوى
حتى وصلت لمدخل المشفى الرخامى ونزلت الدرج الواسع بخطوات سريعه ..هاربه
وسارت مسافه ليست بالقصيره حتى سمعت زمور سياره يتعالى يخترق أذناها
فأفسحت هاله الطريق متذمره مردده بعصبيه : اتفضل ما الشارع واسع
رفعت هاله انظارها الغاضبه للسائق وقابلت عيناه الناريه بشىء من الصدمه
فأمرها بصوت صارم : اركبى
حملته عربه الاسعاف الى اقرب مشفى يصارع الموت ....ودقات قلبه تعلن النهايه
ولكن الفريق الطبى المحنك قد رفض الانسحاب او الاستسلام
وقامو بنقله سريعا لغرفه العمليات وظلت هى بالخارج تبكى وتنتحب
حتى قالت لها احدى الممرضات : يا مدام وحدى الله مش كده ...ان شاء الله هيقوم ويبقى كويس
ظلت هند تردد : يارب ..يارب ..ربنا ينتقم من اللى عملو فيه كده
وبعد مرور ساعات خرج الطبيب يحمل على وجهه بسمه مضطربه وقال لها بصوت هادىء : الحمد لله ...بقى كويس ..الرصاصه كانت قريبه اووى من قلبه ربنا كتبله عمر جديد
ودون ان تشعر احتضنت الطبيب مردده : بجد يا دكتور ..بتتكلم جد
دفعها الطبيب بعيدا وقال بخجل احمر له وجهه الممتلىء : ايوا حضرتك تقربيله
تلعثمت هند وقالت : ااا....انا خطيبته
ابتسم الطبيب وقال : طيب احنا على العموم بلغنا البوليس وهما هيبقوا ياخدوا اقوالك
ردت هند فزعه : ليه انا ماعملتش حاجه ..
الطبيب : مفهوم ..مفهوم ...ماتخافيش ده اجراء روتينى يعنى عشان يقبضوا على اللى ضرب عليه رصاص
ادمعت عينا هند من جديد ورددت منتحبه: اللهى ينشك البعيد.....ربنا على المفترى ... اللهى لا يوعى
الطبيب باستعجال : طيب اتفضلى حضرتك معايا على اللاستقبال الظابط هنلاقيه هناك غالبا
هند بتردد: طيب ادخل اتطمن عليه
الطبيب : ماينفعش ..هوا لسه هيطلع من اوضه العمليات يقعد فى العنايه المركزه اربعه وعشرين ساعه وبعديها نسمح بالزياره
هند : طيب ابص عليه بس
الطبيب : روحى دلوقتى للظابط ..واما يطلع هخليكى تبصى عليه من بعيد ...ماشى ..
اذعنت هند لامر الطبيب واتجهت الى حيث الضابط الذى شرع فى سؤالها عن صلتها به
فأجابته كاذبه هو الاخر انها مخطوبه له..... فسألها الضابط عما رأته
فقالت هند بتوتر : ابدا كان عندى بيتعشى وكده ونزل يروح وطلعت البلكونه ابص عليه وهوا بيركب العربيه جت عربيه بسرعه وضربو عليه نار وهربوا
الضابط : العربيه لونها ايه .ماركه ايه ..عرفتى تاخدى نمرتها ؟
هند : حضرتك انا فى الدور الخامس ...نمره ايه اللى اشوفها والدنيا كانت ضلمه ...تقريبا لونها اسود .بس كانت عربيه عاليه من اللى هما فور باى فور
الضابط : طيب ما وقفوش ولا نزلو من العربيه ..ماشفتيش عددهم ؟
هند : لاء ..ماشفتش حد ..شفت سالم وهو بيقع بس
تنهد الضابط وقال : يبقى كده ماقدمناش الا اننا نستنى سالم نفسه يقوم بالسلامه ونستجوبه
قال الطبيب باصرار : مش قبل 24 ساعه وتحت اشراف طبى
هز الضابط رأسه وقال باستسلام : طيب هأبقى اجى بكره ان شاء الله
انصرف الضابط فقال الطبيب لهند : طيب حضرتك الاحسن انك تروحى ترتاحى ..الساعه بقت 7 الصبح وانتى هنا من 3 ساعات
هند متوسله : طيب ابص عليه زى ما انتى قولتلى
اشار الطبيب لاحدى الممرضات وقال لها بصرامه : خدى الانسه خليها تبص عليه فى العنايه المركزه بس هيا 30 ثانيه بالعدد انتى فاهمه
اومأت الممرضه برأسها وابتسمت لهند ابتسامه رقيقه وقالت لها : اتفضلى معايا
دخلت هند الغرفه الواسعه وابصرته ممددا تحت الشراشف البيضاء كوجهه الذى غابت عنه الدماء
وتأملت هند شفتيه الزرقوتان بحسره
ومدت يدها لتتلمس عضلات ذراعه المفتوله برقه وتساقطت عبراتها من جديد
فنهرتها المرضه بلطف : وبعدين ...الدكتور قالك انكتبله عمر جديد ..بلاش عياط ارجوكى
فمسحت هند عبراتها المتساقطه وودعته بقبله على جبهته قبل ان تخرج
وعندما دقت السابعه فى منزل امانى كان الصغار قد استيقظوا منذ نصف ساعه مضت قبل امهم
واخذ عمر يهز كتف امه وهو يقول : ماما ..ماما اصحى ..يالا عشان ننزل المدرسه
فتحت هاله عيناها بصعوبه وقامت واعتدلت فى جلستها وقالت بصوت متحشرج : هيا الساعه كام دلوقتى ؟
عمر : مش عارف ..طنط امانى قالتلى اصحيكى عشان هنتأخر
اومأت هاله برأسها وقالت متعبه: طيب هروح اشطف وشى بس ..عدينى
قامت هاله واتجهت الى الحمام واغتسلت ونفضت عنها كسل الصباح وخرجت بعد قليل لتجد امانى قد اعدت لاطفالها الفطور
وقالت لهاله بأسف : معلش يا هاله لو اعرف مدرستهم فين كنت اخدتهم اوديهم
هاله بابتسامه مشرقه : ياستى كتر خيرك عملتلهم السندوتشات ..انا اصلى قلقت امبارح وعشان كده اتأخرت فى النوم ..هيا الساعه بقت كام
امانى : سبعه
هاله : امال ياسين فين ؟
امانى : قالى هينزل المكتبه اللى فى الوش يجيب حاجه نقصاه
ثم اقتربت امانى منها وقالت متردده بصوت خفيض :بقولك كنت عيزاكى فى موضوع كده
هاله عابسه: خير يا امانى ؟
امانى برجاء : كنت عيزاكى تكلمى هند
نظرت لها هاله معاتبه وزمت شفتيها ضيقا وقالت : تانى يا امانى ..طيب اراهنك بأيه مش هيفرق عندها حاجه ؟
امانى باصرار : معلش نبقى برضه عملنا اللى علينا وساعتها ماتلومش الا روحها ..مهما كان ده عيش وملح ياهاله ..واللى شفناه سوا ماكنش شويه
اخذت هاله نفسا طويلا واومأت برأسها وتنهدت وقالت : حاضر ..بس هروح النهارده اشترى شويه حاجات كده واما ابقى اروق هبقى اكلمها
امانى : طيب امشى انا عشان الحق الشغل ...خدى بالك من نفسك ومن ولادك ...لا اله الا الله
هاله : محمد رسول الله ...مع السلامه
انصرفت امانى تاركه هاله يضج برأسها العديد والعديد من الافكار والخواطر ثم افاقت من غفلتها على صوت الصغير يتعجلها
وبعد ان اوصلت هاله الاطفال الى مدرستهم انطلقت من جديد فى رحله للبحث عن عمل
حتى حلت الساعه الواحده سريعا فذهبت للمنزل لاستقبال اطفالها بعد عودتهم من المدرسه برفقه احدهن...و التى تتلقى مصروفا شهريا بسيطا من هاله لقاء الحفاظ على سلامتهم فى طريق العوده
وبعد ان تناول الاطفال طعام الغداء تركتهم هاله تلك المره فى رعايه امانى
وتحججت بشراء بعض المشتروات الضروريه لتبحث عن عمل من جديد
وفى تلك الاثناء كانت هند تجلس الى جوار سالم الذى استفاق اخيرا شاعرا بجفاف حلقه فطلب قليلا من الماء
اعطته هند كوب الماء وتتساقط من عيناها دموع الفرحه
فعبس سالم وقال لها بصوت ضعيف : بتعيطى ليه ؟
هند بفرح : حمدالله على سلامتك ....الف سلامه عليك ..ان
امرها سالم بضعف: شششششش....صوتك عالى اووى يا هند مش قادر استحمله
هند هامسه : معلش حقك عليا ...من فرحتى يا اخويا
سالم : انتى قاعده تعملى ايه هنا ؟ماروحتيش من ساعتها ؟
هند : لاء روحت وجيت
سالم : البوليس جه ؟
هند : ااه
سالم: قولتيله ايه ؟
هند: ولا حاجه... انا ماشوفتش حاجه اصلا
سالم : احسن برضه
هند : هوا قال هيجى تانى يسألك
عقد سالم حاجبيه وقال بصوت صارم : ماشى ...دلوقتى انا عايزك تسمعينى كويس
هند خائفه: خير
سالم بهدوء: عايزك تروحى شقه تانيه وماتعرفيش حد انك نقلتى ...وتقفلى السنتر الكام يوم اللى جايين دوول... وتخفى تماما انتى فاهمه
هند متحيره: ليه كل ده ؟ واقفل السنتر كمان
سالم بغلظه:اسمعى اللى بقولك عليه وماتجادليش ..ودلوقتى قومى روحى وماتجيش هنا تانى
هند برجاء: طيب مش اتطمن عليك
سالم : اطمنى ...انا بقيت كويس يالا امشى
هند مستنكره : امشى دلوقتى
سالم بضيق: ايوا دلوقتى وحالا ...وانا اما اخرج هبقى ادور عليكى
هند متحسره: يعنى معقول تقعد فى المستشفى كده لوحدك
سالم بنفاذ صبر: ومين قالك انى هقعد ....بكره بالكتير هكون طلعت
هند : بس انا سامعه الدكتور بيقول مش ااقل..
قاطعها سالم بخشونه : وبعدين معاكى وفى الصداع اللى انتى عملاه ...امشى يالا ونفذى اللى قولتلك عليه
نظرت له هند نظره اخيره وايقنت انه الوداع ..وقالت له : خد بالك من نفسك
نظر لها سالم وربت على خدها بحنان : عمر الشقى بقى ..ماتخافيش ..لسه معادى مجاش
انصرفت هند بعد ان قبلت يده وخرجت مسرعه وما ان خطت بقدامها خارج المشفى حتى اخرجها رنين هاتفها المتصاعد من شرودها
فردت بقلق : الوو ..مين معايا
جاءها صوت هاله اثناء بحثها عن عمل لها قائله : انتى مسحتى نمرتى من عندك ولا ايه يا هند ؟
هند بارتياح: هاله ...لا والله ..اا اصلى الموبايل غيرته والرقم بتاعك الظاهر ماكنش على الشريحه
هند : مبروك ياستى الموبايل ..انتى عامله ايه ؟
هند بضيق : زفت يا هاله ...سالم ضربوا عليه نار امبارح
كاد الهاتف ان يسقط من يد هاله من هول صدمتها وقالت بصوت مرتجف : ايه ؟.... وحصله حاجه ؟
هند : الحمد لله لسه فايق من ساعه كده وحالته استقرت بس حاجزينه فى المستشفى طبعا
هاله بصوت متلهف : مستشفى ايه ؟
هند : مستشفى ******...لسه طالع من العنايه المركزه من شويه
هاله بقلق : وهوا عامل ايه ؟
هند : شكله تعبان اووى وكرشنى من المستشفى وقالى اروح وما اجيش تانى ..اكيد خايف عليا من اللى عملو فيه كده
هاله: والبوليس معرفش مين اللى ضرب عليه النار
هند : لاء ..لسه هيجوا يستجوبوا سالم ويعرفوا اوصاف اللى ضربوا عليه ...منهم لله
منعت هاله دموعها ان تسقط وتحشرج صوتها وقالت : طيب خدى بالك نتى من نفسك وابقى طمنينا عليكى ..امانى مشغوله عليكى اووى
هند : هظبط امورى وابقى احود عليكم ..متشكره على سؤالك يا حبيبتى ...مع السلامه
هاله شارده : مع السلامه
وقفت هاله الى جوار احدى ماكينات صرف الاموال لاحدى البنوك واسندت ظهرها لها فى محاوله منها للتماسك واستجماع شتاتها التى بعثرتها الاخبار المؤسفه التى حملتها لها تلك المحادثه التليفونيه
وتعاظمت امام عيناها رؤيا لسالم وهو ملقى فى سرير بأحدى المستشفيات ........جريحا ...مصابا ....وحيدا
عندها قطعت امرها واشارت لاحدى سيارات الاجره فحملتها للمشفى حيث يرقد حبيبها وان اجبرت قلبها على كراهيته
مرت نصف ساعه على هاله بالطريق المزدحم والقلق ينهش جسدها ويلقى بظلال من الخوف والهلع على قلبها
وفى تلك الاثناء ....كان هو يجلس وحيدا فى فراشه المريح يسترجع ماحدث له فى الساعات القليله الماضيه ..
لقد اوشك على الموت ...
اخبره الطبيب ان الرصاصه كانت على بعد سنتيمترات قليله من قلبه ....لو اصاب قاتله لكان فى عداد الموتى
قطع تسلسل افكاره البائسه طرق قوى على الباب ...وبعد قليل دخل ضابطا فى الثلاثون من عمره فنظر له سالم بسخريه
قال له الضابط : حمدالله على سلامتك يا سالم ..اتفضل يا حضره المقدم
رفع سالم رأسه بعض الشىء ليرى المقدم الذى دعاه الضابط للدخول حتى رأه
فاتسعت ابتسامته الساخره وقال له : يا اهلا يا اهلا ....جاى عشان تجيبلى حقى يا حضره المقدم ..والله سلامات
ابتسم حاتم ابتسامه مقتضبه وقال له : حمدالله على سلامتك انت يا ...سالم ...اسم على مسمى صحيح
التقط حاتم كرسيا من احدى الجوانب وقربه من الفراش الذى يرقد عليه سالم ثم توجه الى الضابط الذى يرافقه وقال له : طيب هستأذنك يا سيادته النقيب ممكن تسيبنى مع سالم خمسه كده ؟
هز الضابط رأسه بالموافقه وخرج قائلا : انت تؤمر يا حاتم باشا
خرج الضابط واغلق الباب خلفه واخرج حاتم علبه السجائر خاصته واخرج منه لفافه وقدمها لسالم الذى استقبلها بكثير من الامتنان
اشعل حاتم قداحته الفضيه وقربها من سالم فأشعل الاخير السيجاره واخذ نفسا عميقا
ونظر له سالم بعدها متهكما وقال له : ده ايه الرضى السامى ده يا حاتم باشا ؟
لوى حاتم شفتيه وقال باستخفاف: واحنا عندنا كام سالم ابو النجا ...هاه يا سالم ..مين اللى ضرب عليك نار؟
ضحك سالم ضحكه صغيره وقال : وانا اعرف منين ؟
حاتم : يعنى واحد زيك ..لازم يكونله اعداء ..هاه بتتهم مين ؟
تظاهر سالم بالحزن: الله يسامحك يا حاتم باشا ..واحد زيي؟
ضاقت عينا حاتم وقال بنفاذ صبر: جره ايه يا سالم احنا هنعملهم على بعض ...رسينى على بر ..عشان نقفل المحضر
نظر له سالم ونفث سيجارته ونظر له بطرف عينيه وقال بصوت خافت : قيده ضد مجهول يا باشا
عبس حاتم وقال : كده ..طيب ...ماشفتش حد يعنى....
سالم باستهتار : شويه عيال ..ماديكش فيهم اماره ..ماتتعبش روحك ..الحمد لله انها جت على اد كده
حاتم بتهديد : لحد دلوقتى ...ما انتش ضامن المره الجايه ممكن يحصل ايه ؟
نظر له سالم بعمق وقال بهدوء : لا اطمن ....ساعتها هبقى محرس وهاخد بالى
حاتم وقد لمعت عيناه وقال : هتعمل ايه بأه ؟
سالم متهكما وبابتسامه واسعه اجاب : هلبس قميص واقى من بتوعكم يا باشا
رد حاتم مغتاظا : بقى كده ..ماشى يا سالم
قام حام واتجه الى الباب وفتحه وقال للضابط الذى ينتظره بالخارج : يالا بينا يا سياده النقيب ..
ثم التفت لسالم ونظر له بتمعن واردف :يظهر ان الحادث هيتقيد ضد مجهول
اتجه حاتم برفقه الضابط ليستقل المصعد وما ان توقف وفتح الباب حتى كادت ان تصطدم به
نظر لها حانقا ...عاقدا شفتيه .....غاضبا ...ثائرا
تلقت هاله نظراته الناريه وسيطر الخوف على قلبها
ودخل حاتم المصعد ولم يخفض عيناه عنها حتى شكل الباب المعدنى اللامع عائقا فى طريقه لتختفى من امامه فى ثوان معدوده
وظلت هاله واقفه لبرهه فى الردهه الطويله محاوله السيطره على الرعشه التى اجتاحت جسدها بفعل نظراته اللى اخترقتها بقوه
ثم تحركت هاله بعد قليل تبحث بعيناها فى اللوحات المعلقه على ابواب الغرف
حتى عثرت على الغرفه خاصته
ووقفت لبعض الوقت وقلبها يصارع التردد الذى القاه عقلها اليه كشظايا تمزقه ...
ثم ابتلعت ريقها وطرقت الباب بخفه ودخلت
كان ملتفتا للجانب الاخر ينظر من النافذه يراقب السماء المظلمه وعندما سمع صوت طرق على الباب
زم شفتيه استياءا واستعد لاستقبال زائره القادم
وهاهى تقف امامه ....تنظر له بأعين مرتجفه واهدابا الطويله تعبث مع خديها عبثها المجونى
وقد امسكت راحه كفها بطرف الباب
تمنعها من التقدم ....
تأمرها بالعوده ادراجها ....
ولكن دون ان تشعر ساقتها اقدامها الى حيث فراشه ...
وقفت امامه وقد اغروقت عيناها بالدموع وتداعب وجهها بسمه مشعه ....فقد ابصرته حيا
ينظر هو اليها والشوق يختلج ضلوعه....و مد يده وقبض على كفها المتصلب الى جوارها
وقال بصوت اجش : آخر حاجه كنت اتخيلها انى اشوفك دلوقتى هنا
سقطت عبراتها الساخنه وضحكت ضحكه بلهاء وقالت : انا مش عارفه كمان ايه اللى جابنى هنا
جذبها سالم لتجلس الى المقعد الخاوى جواره ..وافلتت هاله يدها خجلا من قبضته
قال سالم بصوت مضطرب : عرفتى منين ؟
شعرت هاله انها ترتطم من جديد بأرض الواقع بعد ان حلقت بعيدا فى سماء الحب الغير مشروط
فأجابت بصوت جاف : هند
اخفض سالم رأسه خجلا وقال بصوت مذنب : انا مشيتها
هزت هاله رأسها وقالت بصوت خفيض : انت ماعكش حد هنا خالص ؟
ابتسم سالم وقال ساخرا : حد ..حد مين ..انتى فكرانى مخاوى ...هههههههه
ابتسمت هاله هازئه منه ولوحت بيدها : حتى وانت كده ...انت زى ما انت ..مش هتتغير
نظر لها سالم بتمعن وتعلقت عيناه بعيناها وحبس انفاسه
وسألها السؤال الذى يخشاه قدر خشيته الاجابه... وقال لها بصوت متحشرج : عوزانى اتغير يا هاله ؟
ارتسمت ملامح الحزن على وجهها وقالت باستسلام لعقلها :ايوا ...لازم تتغير
قال سالم ببؤس : ماعدش ينفع ....يمكن كان ينفع زمان اتغير ..لكن دلوقتى خلاص ...عشان كده قولتلك تبعدى عنى ...
هاله برجاء: ليه لاء ...حاول ..ربنا مديكى العمر اهوه... ايه المانع انك تحاول
قال سالم هازئا : انتى اصلك ماتعرفيش حاجه ..ربنا ..هه ..انا ماسبتش ذنب ماعملتوش
ردت هاله باصرار نافيه : لاء عارفه
نظر لها سالم وقد لمعت عيناه : عارفه ايه ؟
هاله بصوت متهدج : عارفه كل حاجه ....عارفه انك بتاجر فى المخدارات
فاظلم وجهه ....وارتسم الضيق جليا علي ملامحه .... ثم ادار وجهه بعيدا عنها....
فأردفت هاله : صدقنى لو عزمت انك تتغير من جواك ربنا....
قاطعها سالم بصرامه و بخشونه نطق وهو يحك بيده جرحه القبيح : اطلعى بره
نظرت له هاله وقد اتسعت عيناها دهشه وقالت بتردد : سالم ..انا ...
التفت اليها سالم ونظر لها غاضبا وقال : روحى يا هاله ....روحى لولادك.....
سقطت دموع هاله بغزاره وقالت بصوت مرتجف : مش عاوزنى معاك ؟
نظر لها سالم بعين فارغه وقال بصوت جاف : ماينفعش تكونى معايا ...انتى مكانك مع ولادك
لم تتحمل هاله الرفض القاطع الذى القاه بوجهها
وقامت واتجهت بخطوات واسعه الى الباب
واستدارت لتلقى عليه نظره اخيره فوجدته كما رأته لاول وهله منصرفا عنها ينظر الى النافذه ..وقد حلقت عيناه بالسماء المظلمه
وانصرفت حزينه بائسه وهى لا تعلم ان قد اصطحبت قلبه معها ..وتركت له دمعه حبيسه بعيناه ....
زفر سالم بقوه عند انصرافها ونفض عنه الغطاء والتقط هاتفه وخاطب احد رجاله وامره بسرعه الحضور لاصطحابه
واستقلت هاله المصعد وهى تحاول السيطره على دموعها المنهمره دون جدوى
حتى وصلت لمدخل المشفى الرخامى ونزلت الدرج الواسع بخطوات سريعه ..هاربه
وسارت مسافه ليست بالقصيره حتى سمعت زمور سياره يتعالى يخترق أذناها
فأفسحت هاله الطريق متذمره مردده بعصبيه : اتفضل ما الشارع واسع
رفعت هاله انظارها الغاضبه للسائق وقابلت عيناه الناريه بشىء من الصدمه
فأمرها بصوت صارم : اركبى