اخر الروايات

رواية يكفيني يا قلب الفصل التاسع عشر 19

رواية يكفيني يا قلب الفصل التاسع عشر 19 


...19((ستموت شوقا))
                                  
💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟💟
💞💞💞💕💕

+



                    
اسبوع كامل انقضى لم ترى فيه آدم ......لقد اشتاقت له كثيرا وتتمنى ان يأتي إليها بأي لحظة....لكنها تعود وتذكر نفسها دوما  ليس من حقها ان تعترض فهو اباه....وليس من العدل  ان تحرمه منه.....

+



                    
اسبوع كامل مرّ بطيئا.....كئيبا نوعا ما رغم انها تذهب للعمل كل صباح ....تتكلم وتبتسم مع زميلاتها..تعمل بجد واخلاص..تنهك نفسها بالعمل لكيلا تسمح لأفكار ها بأن تخرج عن سيطرتها وتفكر بما يزعجها...لكنها حالما تختلي بنفسها....وتصبح وحيده تشعر بلوعة الحب تنهش بصدرها..تشعر بالنقص وعدم الاكتمال...تعرف جيدا انها بحاجة لنصفها الآخر.....بحاجةان تحيا كأي امراءة متزوجة يحبها زوجها وتحبه........لكنها ما زالت مجروحة القلب والكرامة....وكل كلام الحب الذي سمعته منه لم يداوي جراحها تماما....كل اهتمام ونظرة حنان مليئة بالحب الذي طالما تمنت ان ترى عينيه السوداوتين  تتلألأ به...لم يقدر ان ينسيها كم ان كبريائها تحطمت تحت قدميه وهي تستجدي منه نظرة عطف خاطفة..او كلمة واحدة تواسي خاطرها المنكسر لقساوته واهماله لها ولمشاعرها.......مازالت تحبه....نعم لا تنكر هذا......لكنها لن تسمح لنفسها بأن تكون رخيصة الثمن عديمة الكرامة معدومة الشخصية....لتعود اليه لمجرد كلمة حب  واعتذار جاء متأخرا جدا.......لن تسمح لقلبها بأن يجعلها ذليلة مثلما كانت سابقا....ستحكم قبضتها عليه ولن تكون عبدة له...........لقد كفاها ماذاقته من ذل وألم ومرارة حين سلمت زمام امورها لذلك المجنون الخافق داخل صدرها.......لن تدعه يسيطر عليها مرة اخرى......لن تكون ذليلة للحب ابدا....ولا عبدة احد....ولدت حرة وستبقى هكذا.....
والذي يؤلمها اكثر........اين كانت سابقا من هذا الاصرار وهذا الحزم...اين كانت سابقا ولم تفكر بتلك الطريقة منذ ان نبذها وتركها وحيدة باكية في ليلة زفافها....الهذه الدرجة اعماها حبها له....وجعلها مجرد تافهة ساذجة لا تعرف التصرف.......

+



                    
كم يؤلمها ذكرياتها التعيسة معه....كم هي نادمة وغير راضيه عن نفسها لأنها كانت بمنتهى الغباء والطيبة....بلى كانت طيبة القلب......مع كل افراد عائلته....ارادت ان تكون امراءة مثالية في نظره ونظر والديه......لقد تعبت وعانت كثيرا معهم....صبرت على العداء الصريح المنبعث من نظرات والدته....وكلامها الجارح الذي تتفوه به بين الحين والاخر لازعاجها فقط.....صبرت كثيرا وتحملت فوق طاقتها....كانت تعاني الأمرين منه ومن والدته وابنة خالته.......تلك مريضة النفس والروح......

+



                    
ماذا حصدت من هذا التعب......حتى والدته لم تكلف نفسها وتتصل بها هاتفيا لتطمئن على صحتها وصحة حفيدها الذي رحل عن هذا العالم قبل ان يرى النور....

+



                    
ربما هو محظوظ.........لانها لاتتمنى ان يولد طفلها بين ابوين غير متفاهمين.....واسرة اساسها رملا  ستتهاوى في اي لحظة.....

+



                    
اجفلت من افكارها حين رن هاتفها لتضيء شاشته ويظهر اسمه بوضوح........
عبست قليلا.....تفكر.............متجاهلة نبضات قلبها الغادرة التي تتعارض مع ماكانت تفكر به قبل لحظات  معدودة.ّ...

+




                
تفكر.....إلى اين سيقودها هذا التواصل معه.....لا يتركها تعيش أيام بعدها عنه بسلام ابدا....اتكون قد أخطأت حقا حين قبلت بأخذ الهاتف منه........أليس من الأفضل لو أنها حطمته امام عينيه..........
إنها غاضبة منه بشدة ومازالت كذلك....وهو يتصل بها في الساعة الواحدة اكثر من خمسة مرات من غير الرسائل التي يرسلها دون توقف....
حتى انها بدأت تتسائل...احقا اصبحت هاجسه الوحيد.......؟؟؟؟؟

+



احقا يريد سماع صوتها بهذه الشدة.....؟؟؟؟؟احقا يشتاق إليها بهذا القدر الذي يجعله لحوحا سمجا وهذا ليس من طبعه..؟؟؟؟

+



انه يربكها.....ويبعثر باتصالاته ورسائله المعسولة الكلام افكارها......ويجعلها.......غير قادرة على وضع نهاية لهذا الزواج البائس الذي لم ترى فيه سوى الالم والشعور بالضياع والوحدة......

+



لم يعد الحب يؤثر فيها كما كان يفعل سابقا......لقد خلق بينهما فجوة عميقة لم يعد باستطاعة عشقها اليه تجاهلها......
شيئا ما بروحها انكسر وانطفئ بريقه........

+



وحين رن هاتفها مجددا....ظلت تحدق به عاقدة الحاجبين كأنها تفكر بحل معادلة كيميائية مستعصية......

+



وعندما توقف الرنين اخيرا.......زفرت بغضب..لكن قلبها انقبض بشدة....وشعرت كأن لدغة افعى سممت روحها فجاءة.....

+



استغفرت بصوت مسموع .....وحين نظرت لساعة معصمها....علمت ان وقت انتهاء العمل قدحان...فنهضت تلملم اوراقها...وترتب مكتبها....حين رن هاتفها للمرة الثالثة على التوالي خلال دقائق معدودة....ظهر اسم والدتها على الشاشة....فنغزها قلبها بخوف ليس له مبرر....وحين اجابت شعرت بيدها واناملها ترتجف دون ارادتها ....وصل إليها صوت والدتها قلقا متسائلا باكيا......جعلها ترتجف اكثر:
((سمر.....سمر.....اختفى آدم....ليس له أثر...يبحثون عنه منذ الصباح ولم يجدوه...))

+



اتسعت عيناسمر بعدم تصديق وسألت والدتهالاهثة لاضطراب انفاسها بسرعة:

+



((ماذا تقصدين......اين ذهب آدم....؟))

+



وصلها صوت والدتها الباكية خافتا لشدة اختناقها بعبراتها:
((لا اعلم اين....لقد اتصل بي احمد قبل ثواني يسألني لو كنت اعرف....يظن بأنك ربما اخذتيه صباحا من باب المنزل.....))

+



ارتعاشات عنيفة اجتاحت جسدها وكاد صوتها يتلاشى نهائيا لهول ما ارتسم على بالها الآن....لكنها استطاعت ان تهمس بصوت مبحوح:
((لا....لم اخذه.......لم  اخذه ابدا.....))

+



قالت امها بحزن وتوسل((يارب...احفظه من كل مكروه....يارب...اعده إلينا سالما))

+



وهنا تهاوت قدما سمر وظلتا ترتجفان كورقة شجر مصفرة امام رياح عاتية لتسال والدتها بعدم تصديق:
((لا يمكن ان يكون هذا حقيقيا...انت تمزحين معي...أليس كذلك))؟؟؟؟

+



وصلها صوت والدتها معاتبا شاردا وهي تقول:
((اتمنى لو كان   مزاحا منذ الصباح وقلبي يخبرني بأن شيئا مخيفا سيحدث....لقد اتصل بي احمد وسألني.....ولأنك لم تجيبي على اتصاله طلب مني الاتصال بك ومعرفة لو كان آدم معك....))

+



        

          

                
نهضت سمر من مكانها لتقول:
((سأذهب لمنزلهم....واعرف كل شيء.....ليس من المعقول ان يختفي آدم بوضح النهار...اين كانت جدته.......أليست هي من اشتاقت إليه..)) 

+



قالت  والدتها مخنوقة العبرات:

+



((سآتي انا ايضا...أراك عندهم))..

+



.......
........
.............ّ.ّ

+



كان احمد كالمجنون يدور حول نفسه مرارا وتكرارا لا يعرف ماذا يفعل لم يصدق لحد الان اتصال والدته به منذ ما يقارب الثلاث ساعات تخبره ان آدم اختفى من المنزل نهائيا......

+



وحين سألها كيف حدث هذا...اخبرته بأنها انشغلت عنه لبضعة دقائق تجيب على اتصال هاتفي من احدى صديقاتها...
وحين انتهت المكالمة لم تجده داخل المطبخ حيث تركته ليتناول فطوره...فبحثت عنه بارجاء المنزل والحديقة وحين تأكدت من عدم وجوده اتصلت به تخبره.....

+



سأل الجيران.....وبعض المارة......لكن دون جدوى......

+



ليس له اصدقاء من اولاد الجيران....ولا معتاد ابدا على الخروج من المنزل وحده دون أخذ الأذن ....
حتى حين يذهب لشراء بعض الحلوى من المحل القريب من منزلهم.....يطلب اذن الخروج اولا...

+



كاد رأس احمد ينفجر لشدة القلق...والافكار الجنونية التي تحوم امام عينيه...استدار لوالدته الجالسة بهدوء وصمت لكنها بالحقيقة قلقة وخائفة اكثر من الجميع....اذا حدث له مكروه لا قدر الله....الجميع سيلقي باللوم عليها...

+



ظل احمد صامتا لثواني ينظر لوالدته يعاتبها ويلومها .....فصرخت به بعد أن لسعتها نظراته:

+



((لا تنظر إلي هكذا......ماذنبي انا....لقد تركته داخل المطبخ بعد أن اعددت له الفطور..لم اذهب خارج المنزل واتركه وحيدا.......ابتعدت عنه...داخلة لغرفة الجلوس....ابنك هو الملام على تصرفاته......))

+



استدار احمد...يهمس مستغفرا...مرارا وتكرارا........لكنه سألها ربما للمرة العاشرة نفس السؤال...:
((هل انت متأكدة من ان احدهم لم يطرق الباب....ماذا لو اختطفه احد من عقر دارنا....ماذا لو استغل احد ما انشغالك عنه ودخل البيت واخذه وهرب.....ماذا.لو.....؟؟؟؟؟))

+



قاطعه صوت والده الخشن من خلفه:
((اهدئ يا بني........لم يتسلل احد الى المنزل ابدا...انسيت اننا نضع كاميرا امام الباب الخارجي...لقد تفحصتها للتو...لم يخرج آدم من المنزل ابدا....))

+



سأله احمد بضيق:
((اتقصد انه بداخل المنزل؟؟))..

+



((بلى.اعتقد هذا..))...

+



همس احمدباختناق ناظرا لأبيه نظرة منكسرة قلقلة جعلت قلب والده يرتجف بألم مضني:

+



((لكني بحثت عنه في ارجاء المنزل  وفتشت الطابق العلوي والارضي بدقة..والحديقة.....لم اترك مكانا لم ابحث فيه...مناديا باسمه بأعلى صوتي...لكن دون جدوى...لو كان بداخل المنزل لسمعني  لرد ّ علي ّ....
اكاد اجن......لا احد يشعر بما اشعر به...اين ذهب ابني...هيا اخبروني اين ذهب آدم......هل انشقت الارض وابتلعته....ام اختفى داخل الجدار.......اين اذهب الان......في اي مكان ابحث عنه.....هيا اخبروني.....))

+



        
          

                
تقدم والده خطوتين ليقف قريبا منه  واضعا كفه الخشنة المرتجفة رغما عنه على كتف ابنه لعله يطمنئه قليلا ويمتص بعض من قلقه وخوفه..........قائلا بنبرة حنونة هادئة:

+



((لا تقلق يا بني سنجده بأذن الله.....المهم ان نفكر بطريقة صحيحه تساعدنا على ايجاده....))

+



ارتجفت شفاه احمد .....شاعرا بأن ابنه فلذة كبده وثمرة حبه من نهى حبيبته قد اختفى بغمضة عين...كأنه فص ملح وذاب........فقد الأمل نهائيا.....وغامت عينيه الحزينتين بغلالة دموع رجولية تابئ الهطول علنا.......

4



فاستدار عن ابيه يوليه ظهره هاربا من نظراته  المركزة...التي تفهم بوضوح ما يمر به من قلق فظيييع ...وتعاسة.....

+



واضعا اناملة الغاضبة بين خصلات شعره يبعثرها  بقوة عنيفة هوجاء ........

+



هدر بفظاظة يخاطب والدته الجالسة تهز ساقها باستمرار دون توقف او هوادة........بينما وجهها محتقن بحمرة الغضب ......تحدق بجسد ولدها الواقف امامها:
((انت السبب....انت السبب ياامي...كان عليك الانتباه اكثر...ياليتني لم احضره لهنا.......ياليتني ابقيته مع سمر.....ماذا لو فعل بنفسه شيء.ّانه يعيش حالة من التازم النفسي لا يشعر بها سواه...........))

+



انتفضت والدته ساخطة من اتهامه لها...لتهدر بخشونة قاسية غير مراعية لما يمر به:

+



((وما دخلي انا........لقد اصبح ابنك عنيدا صعب المراس..........ابذل معه قصارى جهدي ......لاتفه الاشياء...لايريد ان يأكل لايريد ان يشرب لايريد ان يلعب او حتى يبتسم او يشاهد الرسوم المتحركة..........اصبح غير طبيعي..كأنه يتقصد التصرف بهذا العناد والرأس اليابس.....لقد اتعبني حقا....لم يعد يحبني مثلما كان سابقا....اشعر بانه لا يرغب بالبقاء معنا لدقيقة واحدة.......وكلما احاول التوصل لافكاره وما يدور بخلده اجد اسما واحدا وهو عودة سمر......يسأل عن سمر بإلحاح صدع له رأسي.....لم نعد نعجبه كما يبدو... ربما ان السيدة سمر حشت رأسه الصغير ببعض الأكاذيب والكلام المسموم لجعله يكره جدته ويكره منزل جده........انا متيقنة بأنها تسلح الطفل بسلاح الغل والحقد......لتظفر به وحدها وتضمن تواجده بصفها لان هذا يجعلك كالتابع لها......ترضى بكل حماقاتها بل وتجد لها مبررا مقنعا.......وتظل تحت رحمتها.....لأجل ولدك))

+



عبست  تعابير احمد...ثم تحولت الى الذهول...نظر لوالدته غير مصدق ما تتفوه به...مصدوما من كلماتها اللاذعة....التي بالتأكيد رفعت ضغطه...لتتسبب له عما قريب بجلطة ما....

+



حدجها بنظرة لائمة ليقول بعدها بوجوم:
((ارجوووك......كفي عن كلامك الذي لا جدوى منه....هل الوقت مناسب للتفوة بمثل هذه الاتهامات مالذي يفيد هذا بمصيبتنا.....الا تحملي في قلبك بعض الرأفة والمحبة لي.....قدري الوضع الذي احياه الآن............ضعي نفسك مكاني.....   ماذا كنت ستفعلين او ماتحتاجين اليه.....انا بحاجة ماسة للعون للنصيحة والدعاء....وانت شاغلك الوحيد سمر ومايخصها.))

+



        
          

                
هتفت امه بإحباط بعد ان سمعت دفاعه عنها رغم كل مافعلت  :
((لقد سحرتك تلك الشيطانة....وسحرت ابنك))...

+



غضب احمد كثيرا.......لا يصدق ما تتفوه به والدته ....وقبل أن يدافع عنها اكملت والدته بعدائية وشراسة وكلماتها المغلولة لها مفعول وقع الرصاص الحي على قلبه المنهك..:

+



((لو فكرت قليلا..ستجد ان مسألة الاختفاء برمتها مجرد لعبة سخيفة....  من  الواضح انها  لقنتها لطفلك جيدا....لتستحوذ وتحكم سيطرتها عليك))

+



جمد احمد مكانه  شاعرا باستياء لا حدود له.......يتفرس بوجه والدته بسخط عارم.....ثم قال اخيرا:
((سأذهب لمركز الشرطة....لعلهم يفيدوني بشيء........ارجووووك يا امي توقفي ....توقفي وقدري وضعي الذي أمر به...))

+



استدار احمد يضرب الارض الرخامية بقدميه متجها نحو الباب الخارجي....

+



سمع والده يلوم زوجته على كلامها الفظ اللاذع....ثم نادى عليه قائلا:
((انتظرني دقيقية واحدة....سآتي معك))...

+



..............
............

+



في ذات التوقيت.......نزلت سمر من سيارة الأجرة أمام ذلك المنزل الذي قاست به ماقاست......وعاشت اتعس ايام حياتها..........وقفت لثواني تحدق به غير واثقة من رغبتها بالدخول.....وخصوصا ان احداث اخر يوم لها فيه ارتسمت امام عينيها بالتفصيل الممل................

+



ملئت رئتيها بالهواء قدر استطاعتها....تتهيئ بكل قواها للتحلي بالشجاعه..............

+



ثم تقدمت بخطوات ركيكه....نحو الباب الحديدي الكبير الذي انفتح ما ان وضعت يدها عليه تدفعه برفق.........

+



لم تحتج لثواني اخرى لتفكر وتشعر ربما بالجبن.......

+



اندفعت بقوة تسير شبه راكضة نحو الداخل..وحجابها السماوي يكاد يبتلعها.............وحين وصلت اخيرا للداخل فتحت الباب الخشبي الداخلي تهم بالدخول....حين ارتطمت بجسد احمد المتصلب.......الذي لم ينتبه هو الاخر لها.....اختل توازنها وكادت قدمهاتنزلق من الدرجات القليلة.....لولا ان حبيبها استطاع تفادي الامر والإمساك بها باللحظة الاخيرة..........

+



رفعت عينيها اللوزية اليه  بنظراتها المرتعبة القلقة...ّ...فاحتضن هو نظراتها بعينيه السوداوتين المتفاجئتين لظهورها الان....وفي منزله تحديدا.......

+



همس اسمها من بين شفتيه بنبرة تفاجئ ولهفة.....

+



((سمر))....

+



فداعبت انفاسه الساخنه بشرة وجهها ...لتجعلها تجفل في اللحظة التالية...وتتحرر من ذراعيه...لتقف امامه.....على بعد خطوات....ترتب حجابها باناملها التي عجزت عن الحراك.........لتقول متسائلة بقلق وعدم تصديق:
((هل حقا اختفى آدم........الم تجده بعد؟؟؟))

+



تنهد احمد يائسا......لا يعرف لمّ هو بالذات يمر بهذه المصائب دون غيره من الناس.....

+



استطاع ان يقول ببرود..لانه حقا غاضب منها......حين لم تجب على اتصالاته الاخيرة عندما اراد ان يسألها عن آدم.....

+



        
          

                
((لم نجده  بعد))....ّ

+



استدار عنها يهم بالخروج حين استوقفته قائلة بملامة:

+



((كيف حدث هذا.........ألم يكن من واجبك الاهتمام به........ان لم تكن قادرا على رعايته فلم اخذته مني..........))

+



استدار اليها...يتفرس بتعابيرها التي يعشقها وباتت هوسه...........

+



لكنه الان غاضب جدا....وخائف.....وقلق..........ومستاء من جميع نساء الارض...........يكفيه ما سمعه من والدته..لتأتي هي....وتلومه ايضا..........لذا هدر بها بصوت زلزل الكون بأسره....

+



((اخرسي.......انسيت انه طفلي انا.....ولي الحق الكامل باخذه متى أشاء..........بدل ان تلوميني...حاسبي نفسك.......لم تردي على اتصالاتي في حين اني كنت امووت من الخوف عليه............فلا تتظاهري بالاهتمام........وارجعي من حيث اتيت))

+



جحظت عينا سمر بسخط وغضب.......فهتفت تقول بخشونه وشراسة:
((اتلقي.....باللوم علي.لم يصبه خدش حين كان معي.........ولا داعي لتذكرني دوما بأنه طفلك.........وحدك.......انا امه التي ربته وتعبت لاجله وتحملت حماقاتك وجفائك لاجل الا يشعر بفقدان والدته.......ويعيش كباقي الأطفال بين جنبي والديه))...

+



زفر احمد حمما بركانية.........واتسعت عينيه بشر مخيف حين رعد بها بقسوة ..لم يعاملها به منذ ان  اختبئت منه.....في بيت المزرعة....:
((يكفي حكما ومواعظ..........وتذكيري بفضلك علي بين الحين والاخر................لست مجبرة على الاعتناء به.......انت حرة ....واكثر من حرة..........وانت السبب فيما حصل له..))

+



ضربت سمر الارض بقدمها لتقترب منه خطوات وتساله بسخرية متهكمة:
((وكيف انا السبب...في ضياعه واختفائه........هل كنت موجودة معكم؟؟))

+



رمقها احمد بنظرة غاضبة لاهبة جعلت قلبها يستعر بلهب حارق مؤذي ليجيب بقسوة وجليدية:
((آدم بحاجة لنا نحن الاثنان....وكل مشاكلنا الماضية اثرث سلبا على نفسيته........عنادك واصرارك على عدم الرجوع إلي والعيش نحن الثلاثه تحت سقف واحد كان له تاثيرا مدمرا عليه.....لاتظني بأنه طفل لا يعلم مايجري حوله...انه يعلم جيدا وربما له رؤيا افضل منا.......))...

+



صرخت به تستشيط غضبا وغيضا.....
((يالك من منافق .متباهي.....انسيت ما فعلته بي....ماذا تظنني  طفلة ساذجة لاعود اليك...بهذه السهولة لقد حطمتني وامت قلبي......جعلتني على شفير الهاوية.......بدل من ان تلومني حاسب نفسك اولا...فهذا هو حصاد ما زرعته في الاعوام الماضية....لقد تحملت منك ماتحملت لتبقى عائلتنا تحت سقف واحد...انت من هدمت هذه العائلة وليس انا....انت المسؤول عما امر به وما يعانيه طفلك))..

1



هدر بها بجنون وقد بح صوته لعمق ما يعتليه من غضب مقلق:

+



((واين طفلي الان........اين هو....))؟؟؟؟؟

+



صرخت به تعنفه:
((اسأل نفسك.......))

+



هدر بها بقلة احترام ينهرها:

+



        
          

                
((تأدبي))..

+



رعد صوت رجولي خشن من خلفهما:

+



((توقفا انتما الاثنان......الا تشعرا بالخجل من نفسيكما....هل هذا الوقت المناسب للتفوه بالحماقات...... تصرفا بتهذيب....كراشدين بالغين......))

+



رمقها احمد بنظرة جانبية ضيقة.......وقد تلبسته شياطين الغضب الان.....وكأن قلبه  توقف عن حبها للحظات ليهدر بقسوة عمياء ألمت قلبه...قبل قلبها.....

+



((لنا كلام اخر ياسمر لدى المحامي........لقد تعبت...منك ومن نفسي...ومن الحياة كلها..........والانفصال هو الحل الامثل لكلينا))...

3



فجر قنبلته وخرج مسرعا متجاهل صيحات والده بأن ينتظره...

+



يقود سيارته برعونه ودون تركيز.....يكاد عقله وقلبه يتوقفان عن العمل نهائيا....كم تمنى الموت بهذه اللحظة......ياليته يمت ويرتاح........لقد وصل لمرحلة من اليأس اعمته عن رؤية كل شئ حوله........

+



اين آدم........ياترى..؟؟؟؟؟؟...هل خطفته عصابة ما وربما.....سيبيعون اعضائه الحيوية .......ام سيطلبون فدية لا يستطيع تدبيرها فيقتلوه ويرموه بأقرب قمامة......

+



او سياخذوه الى مدينة اخرى بعيده جدا عن هذه المدينه يتسولون به.........او يربونه على  ان يكون احد الخارجين عن القانون....او ربما سيعلقون بصدره حزاما ناسفا ويفجروه بمكان ما........او...او......
كثير من التخيلات خطرت على باله المنهك المشوش لتصيبه بالدوخة وعدم التركيز.....او ربما دهسته سيارة ما.......ومات من فوره.........

+



اظلمت عيناه لافكاره المخيفة....وتصدع رأسه لكثرة الهموم التي لا تابئ ان تغادره وتريحه.......بينما قلبه ظل يبكي بصمت  ولوعه....لايصدق انه حقا قال لها ماقال..وانه حقا طلب الانفصال عنها بعظمة لسانه....

+



احقا فعل هذا...!!!!!!؟؟؟؟..سيمووت صدقا لو حدث هذا الامر بالفعل.......

+



ضغط على دواسة الوقود  بسرعة فائقةلينطلق نحو مركز الشرطة القريب...لكن تفاجأ  بظهور سيارة من الشارع الفرعي لم ينتبه لها جيدا....وحين قرر تفاديها..لم يفلح بهذا....وخصوصا ان هناك سيارات خلفه...

+



....بعد لحظات او برمشة عين...انقلب الوضع برمته الى كارثة مخيفة...........حين فقد احمد السيطرة على الوضع ولم يجد مخرجا اخر ليتفادى التصادم.....

+



نتج  حادث سير مروع جعل احمد يفقد الوعي ويصاب عدة اصابات بالغة الخطورة......لينفصل عن الواقع المرير الذي يحياه وكأن امنيته بموته تحققت سريعا......

1



.......

+



.......

+



ظلت سمر واقفة مكانها تطالع بعينيها خروج احمد نهائيا من المنزل...دمعت عيناها لهول ماسمعته منه....
ومرارة مريعة داخل فمها لمجرد تذكرها كلمة انفصال...

+



لم تخرج من صدمتها بعد حين سمعت صوت والدته المليء بالنفور والسخط....يجرح اذنيها بكلمات احد من سيف بتار:
((ماالذي تريدنه منا..اخرجي من منزلي....واتركينا نعيش بسلام بعيدا عنك.....حتى الطفل الصغير لم يسلم من حقارتك..لقد دربتيه جيدا ليكرهنا......))

+



        
          

                
رمقتها سمر بنظرة غاضبة قبل ان يجن جنونها وتتقدم نحوها هادرةبكل ثقة وخشونة:
((لم آتي إليك خصيصا...جئت لاجل طفلي وزوجي فابتعدي رجاءا لابحث عنه فربما لم يخرج من المنزل نهائيا))....

+



ضحكت والدته دون مرح مجرد ضحكة باهته ساخرة لتقول بنبرة مقصودة مهينه:
((اسمعوا من تقول هذا....طفلها وزوجها.....ليس لك عندنا طفل....وزوجك سيصبح طليقك قريبا...فاغربي عنا وغادري فورا))...

+



تدخل والد احمد قائلا باهتمام:
((بلى ياسمر الكاميرا تقول بانه لم يخرج من المنزل نهائيا...لكننا بحثنا في البيت كله شبرا شبرا ولم نعثر عليه......ايعقل انه خرج من الباب الخلفي.    وارجوك يا أم احمد توقفي عن عنجهيتك وتسلطك فهذا ليس الظرف المناسب لهما..)).......

+



ثم تقدم نحو مدخل الباب حيث تقف سمر...  ليدفع زوجته قليلا ويدخلا معا....تحت أنظار السيدة اشواق المستعرة.........
زفرت بغضب وصاحت بزوجها بكل غرور:
((كيف تسمح لها......اتجرئها عليّ ...تلك الراقصة المخمورة منزلي لا يتشرف بها))...

+



اغمضت سمر عينيها تزفر بحنق.......بينما السيد منصور رعد بزوجته ينهرها عما تقوله:
((تووووووقفي......ابنة اختك هي الملامة الوحيدة....وعليك تقبل هذه الحقيقة.....سمر ليس لها يد بالذي حصل لها......فتوقفي عن غضبك وحقدك...واهتمي بمصلحة حفيدك فقط))....

+



لم تبقى سمر واقفة لتسمع المزيد من الاهانات......بل ركضت نحو الطابق العلوي تنادي بأعلى صوتها بإسم آدم......وحين فتشت كل الغرف الموجودة هناك......نزلت تجر اذيال الخيبة......لتفتش في الطابق الارضي...ثم الحديقة وفي كل زاوية من زوايا المنزل...وحين يئست.......سألت نفسها قبل ان تسأل تلك المراءة المتغطرسة الواقفة مكتفة اليدين امام صدرها تنظر لسمر بجمود مهين جعل بدنها يقشعر من نظراتها الفولاذية الكارهة....

+



((السطح......هل بحثتم عنه في السطح......انه يحب بشدة الارجوحة الموجوده هناك......هل بحثتم عنه ام لا....كيف لم انتبه لهذا......))

+



ركضت نحو السلم لتصل لسطح المنزل يتبعها والد احمد ببطء لكبر سنه....وتلكؤ مفاصله...بينما ظلت السيدة اشواق.....واقفة كالصنم........بدون ان يرمش لها جفن واحد....

+



سألها والد احمد  غير مقتنع بما قالته:
((الجو بارد ...فلا يعقل ان يقضي كل هذه الساعات فوق سطح الدار.....))

+



اجابته متأملة ان يصدق حدسها.....
((لا اعلم حقا....لنصعد ونرى..))..

+



صاحت باسمه مرارا وتكرارا متجهه نحو الارجوحة الحديديةالمطلية باللون الأبيض...خافقة القلب....لاهثة الانفاس متحفزة الحواس......لما بإنتظار ها.....
استمرت تنادي باسمه......لكنها توقفت عن النداء وعن التنفس ايضا حين ابصرته  مستلقيا على الارجوحة غارقا بنوم عميق  هادئ........تاركا خلفه أناس يكاد يموتون قلقا ورعبا عليه.....

+



        
          

                
ابتسمت دامعه العينين....واضعه كفها على قلبها تهدئ من روعه  وقوة ضرباته....متنهدة براحة جمة....اثلجت صدرها.....واسعدت فؤادها......
كان نائما ببراءة طفولية بحته يغطي نفسه ببطانيته الصوفية السميكة.......لايعرف ما يدور حوله....

+



رفعت راسها تنظر لجده الذي وصل للتو وعلى وجهه تعابير الاندهاش والتفاجئ...وهو يراه بهذا المنظر العفوي البريء الذي يزيح الهم حقا....

+



ابتسم جده لعيني سمر المبتسمتين المتوهجتين بدموع حزن عميقة........قائلا بارتياح...وتنهيدة فرح خرجت من بين شفتيه :
((الحمد لله.....لك الحمد يارب))

+



انحنت عليه سمر تحمله بكلتا يديها تضمه لصدرها تقبل شعره الاسود..........

+



استفاق من نومه حالما رفعته سمر من الارجوحة ناظرا لها بضيق وعبوس..لكن بعد لحظات قصيرة غادر ثقل النعاس عينيه ليرى سمر بوضوح...لم يحتج للمزيد من تضيع الوقت....فهتف بسعادة ظهرت جليا على ملامحه الطفوليه مرددا  بحب:
((ماما......ماما))..

+



ابتسمت سمر لعينيه المبتهجتين قائلة بعتاب لطيف:
((لماذا لم تخبر جدتك بأنك صاعدا للسطح...الجميع يبحث عنك منذ ساعات...والدك كاد يجن.......))

+



تعلق آدم برقبة سمر هامسا بانزعاج خافت:
((لم ارغب بأخبار احد عن مكاني......جدتي تزعجني كثيرا هذه الايام....وتتكلم عنك كلاماسيئا.............اردت البقاء وحيدا....لحين قدومك))...

+



اندهشت سمر من كلماته ومدى فهمه لما يدور حوله..فسألته بلطف:
((وكيف علمت اني سآتي الى هنا؟؟))

+



قال آدم بحماس مبتسما بهدوء:
((لاني اعلم جيدا انك تحبيني....وستاتين إلي في الوقت الذي احتاجك فيه........))

+



اتسعت عيناها بذهول.......لذا همست له بقلب يئن ألما:
((ياصغيري الحبيب..انا دائما بقربك....لاتخشى شيئا))

+



ابتسم آدم لعينيها المتلالاتين....قائلا بمرح وكأن شيئا لم يكن غير مدرك ما فعله باختفائه المقصود.......وحجم القلق والارتياع الذي مرّبه افراد عائلته:
((كنت اتمنى سماع صوتك من بين جميع الاصوات المنادية بإسمي....اشتقت لك كثيرا...ولا اريد البقاء بمكان انت لست موجودة فيه..))

+



عبست سمر بشدة لتساله بوجوم:
((اتقصد انك كنت تسمع بوضوح صوت جديك وابيك ولم تجب عليهم))

+



اومئ برأسه مؤكدا.....

+



فغصبت سمر.....لكنها وبخته برفق حازم:
((إياك وفعل هذا التصرف مجددا..الجميع هنا يحبوك وكلهم قلقين عليك....اتعلم اين ذهب والدك........
لقد ذهب للبحث عنك.....ظنا منه انك خارج المنزل.وربما تعرضت لمكروه))

+



هتف الصغير بعبوس ماطا شفتيه بضجر :..
((اسف.....كنت مشتاقا لك كثيرا.....))

+



ابتسم جده الواقف بجانب سمر يستمع للحديث الدائر بجدية واهتمام...قائلا بنبرة لطيفة معاتبة:
((مالذي فعلته فينا ايها الادم الصغير.......جدك غير راض عن تصرفك......ألم تعد تحبنا))

+



        
          

                
هتف آدم بخجل مرتبك:
((اسف جدا.......احبكم جميعا.....واتمنى ان تاتي ماما معنا لنعيش سوية))

+



اكفهرت تعابير سمر لكنها لم تعلق بشيء....لكن جده ضحك بهدوء قائلا:
((ان شاء اللة سيحصل هذا))

+



وحين نزلوا إلى الطابق الارضي....وجدوا والدة احمد بانتظارهم.........اتسعت عيناها صدمة حين رأت آدم بين ذراعي سمر....فاقتربت منه خطوات...لتهدر به تعنفه بقسوة:
((ايها الصغير الشقي....اين كنت تختبئ.........كدنا نجن عليك......ماهذا التصرف الاحمق الذي افتعلته..........))؟؟؟

+



ارتجف الصغير لغضب جدته........فتمسك بتنورة سمر بقوة اشعرت سمر بمدى ارتعابه .........
لكن جده بادر قائلا بحماس باهت:
((لقد وجدناه فوق السطح....مثلما تكهنت سمر بالفعل))

+



اظلمت تعابير السيدة اشواق بشده متفرسة بوجه سمر الجامد العابس لتهتف بعدها بسموم قاتلة:
((هل انطوت عليك هذه المسرحية الهزيلة يازوجي........الامر واضح كالشمس تماما...مجرد لعبة سخيفة لتضمن بقاء حفيدنا معها...لتجعلنا نرى مدى تعلق آدم بها.....))

+



هدر بها والد احمد حانقا من افكارها الغريبة:
((بدل هذا كله..قولي الحمد لله...لاننا وجدناه....لماذا لم يخطر ببالنا السطح.....لو فتشتي عنه هناك لوجدتيه بسرعه قبل ان تعلم سمر واحمد....باختفائه وكنت حينها لملمت الامر دون تكبيره ...ودون ان تقلقينا.....))

+



هتفت مستاءة تقول بتغطرس وغرور:
((وما ادراني انه سيصعد الى السطح بهذا الجو الخريفي البارد.......لايوجد عاقل يفعل هذا..))

+



شعر والد احمد بالضيق من تصرفات زوجته فخاطبهابتجهم وحنق:
((الاطفال ليس عليهم حرج ويتصرفون احيانا مثل المجانين........))..

1



ضجرت سمر من هذا الوضع كله حتى انها شعرت بالاختناق فجاءة...كأن احدهم جاثي على صدرها يريد ازهاق روحها.....تنفست بصعوبة متجاهلة شعور الحزن الغريب الذي هيمن على حواسها بأسرها..لتقول بأدب ورسمية:
((اذهب يا آدم وسلم على جدتك..اقلقتها كثيرا..وعليك الاعتذار منها))

+



تقدم الصغير نحو مكان وقوف جدته المتغطرس ليعتذر منها.....ويقبلها ....فابتسمت برقة له...ولانت تعابيرها المتهكمة...لتحضنه برفق......تبتسم له...

+



في هذه اللحظات.....اخرج والد احمد هاتفه من جيب بنطاله ليتصل بولده يخبره   بما حصل بعد خروجه....
لكنه تفاجئ لكون هاتفه مغلق....فكرر الاتصال به مجددا...لكن دون جدوى.....وحينها قال لسمر الواقفة بوهن لاتعرف ما جرى لها....فقلبها تلكئ بنبضاته كأنه يريد التوقف اخيرا.......

+



((اتمنى ان يعود احمد سريعا......هاتفه مغلق ولا اعرف التواصل معه ))...

+



همست له بضعف:
((سيعود قريبا لا تشغل بالك))...

+



ثم اتجهت لاقرب اريكة ترمي بثقل جسدها عليها..لاتعلم ما جرى لها بالضبط..ّ..انتبه لها السيد منصور يسألها بقلق واهتمام:
((مابك))؟؟؟؟؟؟

+



        
          

                
...
اجابته بدون تركيز تقريبا وهي تتلوى بجلستها:
((لااعلم....اشعر بالاختناق))

+



رن هاتفها في اللحظة التاليه...لتخرجه من حقيبتها المعلقه حول صدرها بصورة مائلة....وحين لمحت اسم والدتها.ّ....انقبض قلبها تلقائيا دون معرفه السبب الكامن وراء هذا الاكتئاب.....

+



وصلها صوت والدتها مذعورا.......مهتزا....متلعثما بين كلمة واخرى.......منتحبا بعبرات الخوف.والهلع.....

+



((سمر...سمر.......يا الهي....لقد.......احمد....احمد........))

+



هتفت سمر برعب تحثها على مواصلة الكلام:
((احمد.....مابه.....؟؟؟))......

+



تلعثمت والدتها...لكنها استطاعت القول من بين دموعها الهاطلة:
((عمل حادثا بسيارته.......وتم نقله للمشفى.....لقد رايت كل شيء بأم عيني حين كنت متجه إليكم........انا معه في المشفى الان.....ساعطيك العنوان........)).....

+



وقع الهاتف من يدها لتنظر بصمت مروع ومخيف لوالديه اللذان ينتظران منها تفسيرا لسماعهما اسم ولدهما.......

+



............................

+



..............................................

+



جالسة بسيارة الأجرة......بجانب والدته في المقعد الخلفي التي تنوح وتبكي بطريقه مخملية.....انيقه.......بجانبها آدم......الذي يحدق بالوجوه بصمت وتساؤل.....
اما والد احمد يجلس بجانب السائق.......يجري بعض الاتصالات باشقائه.......و  هي.......

+



صامته بدون دمعه واحدة....تريح روحها المهتاجة......المستعرة........لا تعلم ماجرى لها......تلبد غريب اجتاحها..جعلها عاجزة عن الاحساس بالقلق والخوف.....وعن اي شعور اخر.....توقف عقلها عن العمل نهائيا....كأنها فقدت الذاكرة..تنظر لهؤلاء الاشخاص الذين معها كأنهم غرباء.....تحدق بهم بصمت دون الشعور نحوهم بأي ذرة تعاطف..او شفقة....وحزن.......

+



لادموع......لا افكار مأساوية......لا شعور.....كل شيء فيها تجمد وصار جليدا........كأنها تمثال شمع........مجرد حركة حدقتيها...ورفرفة اهدابها توحي بأنها ربما على قيد الحياة ولم تتحجر بعد......

+



اصوات السيارات تخترق اذنيها من بعيد جدا...كأنها تأتي من كوكب اخر..........نحيب والدة احمد مع صوت والده المتحشرج وهو يخاطب احدهم على الهاتف....بالكاد تسمعه.....مجرد دندنه طفيفة تمر من امام اذنيها.......

+



شعورا غريبا بأن كل شيء حولها توقف الا دقات قلبها التي بدات للتو تصل لمسمعها تنبئها بأنها حقا مازالت على قيد الحياة..........

+



كم بدا الطريق طويلا موحشا.......رغم خلو الشارع من الزحام.............تمنت سمر لو انها تقفز من نافذة السيارة تهرول ركضا نحو المشفى حيث حبيبها الذي لم تشبع منه بعد.......رغم التلبد الذي اجتاحها إلا ان قلبها استمر يئن...ويئن بصمت قاس موجع.....اهلك روحها وكيانها....

+



        
          

                
......

+



حين توقفت السيارة امام مبنى المشفى الضخم ترجل منها الجميع ماعداها...ظلت ساكنه بمكانها متسمرة بمقعدها لا تقوى على الوقوف لوهن قدميها.....كأنها بعالم اخر........

+



اخترق حاسة سمعها صوت والد احمد يحادثها بلطف قلق....
((انزلي ياسمر ارجووك لقد وصلنا))

+



ضاقت نظراتها متفرسة بملامحه الكهلة....ثم هزت رأسها برفض متردد......

+



طلب منها السيد منصور مجددا النزول بلهجة حازمة خشنة...لكنها ترددت تحرك راسها رافضة..........

+



انتفضت قليلا على صوت السائق الخشن ذو النبرة الحادة الفظة...
((ارجوك ياسيدتي......انزلي.....انت تاخريني عن كسب لقمة عيشي))

+



انتبهت لنفسها قليلا..فحركت جسدها المرتجف البارد بروية وهدوء لتنزل من السيارة.....

+



لم تنتظرها والدة احمد بل امسكت بكف آدم وانطلقت نحو الداخل....في حين ان السيد منصور ظل متعاطفا جدا مع صدمة سمر...فساعدها على الترجل من السيارة ممسكا بكف يدها خوفا من انهيارها ارضا.........

+



كبت قلقه وخوفه على ابنه واهتم بزوجته التي وجهها يحاكي الاموات بشحوبه.......ونظره عينيها الجوفاء الباهته.....

+



ساعدها اخيرا على دخول المشفى.......ليتصل بوالدتها... تدلهم على مكان صالة العمليات التي بداخلها ابنه......


+



.......................

+



في صالة الانتظار القريبة من ردهة العمليات كانا والديّ احمد ووالديّ سمر وحسام وبعض اعمامه الذين عرفوا بالحادث من السيد منصور مجتمعين هناك.......كل واحد منهم يعيش قلقه الخاص.......بعضهم يتمتم بدعاء متوسل خافت....بعضهم يجلس متوترا لطول الانتظار المهلك.....بعضهم يحدق بالفراغ بنظرات جامدة وتعابير متشنجة.....

+



جلست والدة احمد على مقعد منفرد مختنقة بعبراتها محمرة العينين........تكاد تمووت هلعا على ولدها فلذة كبدها.....رغم القساوة التي تتعامل احيانا بها معه الاانها بصميمها لا ترضى اذيته.....انها فقط تتمنى ان يهنئ بحياة سعيدة بزوجة محترمة ذو نسب معروف.......

+



ظلت والدة سمرجالسة بجانب ابنتها....تحتضن كفها الباردة برقة وحنان لعلها تمتص بعض من همها الجاثي على صدرها........لكن حالة سمر كانت مريعه وغير مطمئنة..........صمتها الغريب يفزع والدتها.....لم تتكلم...لم تسأل أو تبكي او تبدر منها اي حركة تدل على وجعها والمها........صمت مخيف تملكها جعل قلب والدتها ينقبض رعبا....متسائلة بداخلها...اهذا هدوء ما قبل العاصفة..؟؟؟؟؟؟

+



استمرت والدتها تراقبها بجدية خوفا مبهما عليها يجعلها تتمنى ان تعود بها الى البيت مباشرة.....لكن نظرات سمر شبه الميته .....وذبول تعابيرها جعلها تتريث قليلا....فمن غير اللائق اخذها الان.........

+



ظل آدم يقفز هنا وهناك مابين جدته وخالته لا يعلم مايدور حوله رغم شعوره بنظرات الجميع الخائفة المنتظرة.......

+



شعور التلبد الذي تملكها....بدأ يتراجع رويدا رويدا....جاعلا دقات قلبها تزداد اضطرابا ورعبا.....عقلها ظل يشعر اخيرا بخطورة الأمر....يرسل ايعازاته لكل خلايا جسدها التي استعدت للانخراط  بعالم الحزن والبؤس.....

+



استمرت عينيها الفاترة تلاحق خطوات المارة بشرود وضياع............في حين ان افكارها الماساوية هطلت من عقلها لتتجسد امام عينيهاعلى هيئة مشاهد كارثية مفجعة.......

+



[[[سيخرج الطبيب بأي لحظة....يعلن خبر وفاته........ستترمل بعدها....ستحيا حياة تعسة اقرب للموت الوشيك بعيدة عنه وعن حنانه الذي يحاول اغراقها به تعويضا عن اشهر الجفاء واللا مبالاة.......ستكون وحيده.تقضي عمرها كله تنوح وتبكي لفقده نادمة لانها لم تسامحه سريعا وتنعم بحبه وقربه...حتى آدم ستفقده....بالتأكيد سيأخذ والديه حفيدهما لانهما الأحق به.......وستغدو حياتها خالية ممن تحبهم....بلا معنى بلا بهدف بلا سعادة....عويل ونحيب دائم.....
سترتدي السواد.....لتقضي باقي ايام حياتها تتحسر على تلك الأيام التي لم تستغلها وتكون بقربه...بالتأكيد ستتدهور حالتها النفسية.....لتعيش تأنيب الضمير الذي لا ينضب ابدا .....متذكرة الدقائق الاخيرة من عمره حين كان غاضبا منها جدا.....حتى انه قرر الانفصال.......كيف تستطيع العيش  بدون سماع صوته الرخيم....بدون مضايقاته التي تريحها وترضي غرورها رغم  استيائها منها.....كيف ستكون حياتها بعده......ستموت.....ستموت..شوقا......والما موجعا فتاكا....وندما.........]]]

1



سمعت نفسها اخيرا تتوسل خالقها بدعاء خافت لينجو من اصاباته ويعود اليها........وحينها لن تفرط به ابدا........ستعوض نفسها وتعوضه عن ايام الخصام والجفاء.......ستسعده بقدر ما تستطيع......المهم الان ان يعود  لسابق عهده.....رجلا قويا وسيما بكامل صحته..........ترتعب الارض من خطواته.........


+



شعرت والدتها بارتجاف شفتيها واهتزاز جسدها الفاتر......فضغطت على اصابعها بلطف.......تشعرها بانها جانبها.........تستشعر بما يعتلي صدرها المهموم وقلبها المنقبض الاما مضنية.....

+



فجاءة خرجت الممرضةمن ردهة العمليات   بتعابير لا توحي بالخير ابدا........فتلاشت سمر مكانها لا تحملها ساقيها على الوقوف....ظلت منكمشة حول نفسها تحدق بالوجوه الشاردة القلقلة التي حوطت الممرضة تسألها سؤالا واحدا................

+



سمعت صوت المراءة يقول:
((لقد نزف طويلا.......وفقد دما كثيرا....من يتبرع له بالدم.......من فصيلة دمه مناسبة لفصيلة المريض...؟؟؟؟؟))..

+



اخترقت هذه الكلمة خلايا دماغها لتصيبها بالارتجاف ...الهذه الدرجة حالته خطرة...اتصدق ظنونها ويرحل عن  الدنيا وعنها بهذه السرعة.........

+



تعالت همسات اقربائة برغبتهم بالتبرع له.....

+



.....وهي.....اتبقى صامته؟؟؟؟؟؟......مصدومة ام تفعل شيئا.....إلا يستحق حبيبها....ان تهدر قليلا من دمائها لاجله........انها مستعدة ان تهبه روحها.......لوكان هذا ممكنا...وليس القليل من دمها........انه الغالي الذي لاتبدله بكنوز العالم.........

+



فهبت واقفة...تترنح قليلا كأن ساقيها تحولتا الى خيوط رفيعة.....لتقول بصوت اعلى من همسات المتواجدين...
((انا سأتبرع..........))....

+



💞💞💞💞💞💞💕💕💕

+



انتهى الفصل.....
قراءة ممتعه....





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close