اخر الروايات

رواية شهادة قيد الفصل السابع عشر 17 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل السابع عشر 17 بقلم دودو محمد 

"شهادة قيد"17

"الفصل السابع عشر"

توقف شريف بزاوية عينه على مهران، ورسم على وجهه تعبير الاستغراب، وكأنه تساءل عن شيء غير منطقي قبله:
"أنت لسه بتحبها يا مهران؟"
نظر مهران إليه نظرة مُهينة، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة تعكس مشاعره المتناقضة. كان صوته محملاً بالتوتر، مثل شخص يواجه شبحًا ظلاميًا من ماضيه:
"بذمتك ده سؤال يا شريف؟ لا طبعًا، نور ملهاش أي مشاعر في قلبي. انا بس اللى وجعني استغفلهم ليا، لعبوا بيا وبمشاعري، عشت بسببهم بتأنيب الضمير كنت بشوف كوابيس بسببهم، عشت سنين قافل على نفسي، وأنت أكتر واحد عارف كده، لحد ما ظهرت ذات فى حياتي رجعت فيا الروح من تاني، أنا بحب ذات يا شريف ومافيش غيرها فى قلبي."

أبتسم شريف بسعادة، مدركًا أن حديثه بدأ يؤتي ثماره، وقد خفف من حدة الموقف بمزاحه:
"بمناسبة 'ذات'، ادخل صالحها. زمانها دلوقتي بتفكر في الطريقة اللي هتدفنك بيها، خصوصًا بعد ما شافت نور معاك في الأوضة."
زفر مهران بضيق، صوته مختنق كمن يتجرع مرارة اعترافه:
"أنا عارف إني قسيت عليها، وخرجت فيها عصبيتى، بس غصب عني، أما اروح اشوفها، ومتأكد انها هطلع عيني على ما تسامحني."
أنهى كلامه وذهب نحو غرفته، مدًّا يده نحو مقبض الباب ليفتحه، لكنه تفاجأ بكونه مغلقًا من الداخل كأن هناك حائطًا يعيق الوصول إليها. طرق على الباب بهدوء، محاولاً أن يبدو واثقًا:
"ذات، افتحي الباب."
استمرت الصمت، ولم تجيب عليه، وكأن الكلمات عالقة في حنجرتها. طرق بقوة أكبر، وصرخ بنبرة حادة، تحمل كل مشاعر القلق والخوف من الفشل:
"افتحي الباب، أحسن ما أكسره على دماغك يا ذات."
جاء صوتها مليئًا بالغضب، كأنها تصطدم بجدار من الاستفزاز:
"مش فاتحة وأعلى ما في خيلك اركبه."
مرّر يدًا على شعره بنفاذ صبر، كمن يحاول استجماع قوته:
"ذات، بلاش عناد، وافتحي الباب أحسنلك."
لكن جاء ردها بعناد وصوت مختنق، كأنها قد قررت أن تبني جدرانًا حول قلبها:
"لا، مش فاتحة. روح نام في حضن حبيبت القلب اللى معاك."

لا يدرى مهران إذا كان الفراق سيعكو شمس الأمل أو سيزيد من عمق الجراح، لكن الأكيد أنه يحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى.

ضغط على أسنانه بغضب:
"أنا مليش في السكة الوسخة دي يا ذات، افتحي وأنا هفهمك كل حاجة."
ظل ينظر إلى الباب بترقب، قلبه يتسارع في صدره، وكأنه ينتظر عاصفة مطرية في يوم مشمس. حتى سمع صوت تكت المفتاح من الداخل، وكأنه صوت جرس إنذار جاء ليزيد من شدته. زفر بضيق وفتح الباب بحركة حادة، ليجد ذات جالسة على السرير، قدميها تتحركان بعنف، وكأنها تحاول التخلص من قيود غير مرئية تربطها بالمكان. أغلق الباب خلفه بسرعة واقترب منها، ليجلس بجوارها بحذر، وعندها ودن سابق انذار احتضنها بقوة كاد أن يكسر عظامها، شعر بشيء غير مألوف يتربص بهما في ذلك اللحظة. تألمت بشدة، وخرجت منها صرخة خافتة:
"اااه يا مهران، أنت بتوجعني أوي على فكرة، مش هتقدر تفهمني كده."

بدأ يخفف من شدة ذراعيه حولها، لكنه ظل محتفظًا بها في حضنه، وكأنها كانت الجسر الوحيد بينهما. عبّر بصوت مختنق، مليء بالتوتر والمشاعر المختلطة:
"متزعليش مني يا ذات، أنا عارف أن أتعصبت عليكى جامد فى حاجه ملكيش ذنب فيها."
لم تحاول الابتعاد، بل ظلت ساكنة داخل أحضانه، وكأنها تستمد قوتها من دفئه، وبدأت تلومه بشغف:
"طبعًا دي حياتك، وأنت حر فيها تجيب اللى تجيبه وتعمل اللى تعمله، بس مش هسمحلك تقلل مني، ولا تغلط فيا يا مهران."

حرك يده برفق على ذراعها، متحدثًا بنبرة هادئة مشبعة بالندم:
"أنا مقدرش أقلل منك، ولا أغلط فيكي، يا ذات. كنت متعصب، وللأسف عنادك عصبني أكتر. لأن أنا أكد عليكي قبل ما أمشي أنك متخرجيش من الأوضة لحد ما أرجع من مشواري صح."

أومأت برأسها بتفهم، لكن هناك شرارة توتر في عينيها:
"صح، بس أنت اتأخرت أوي بره، وانا زهقت جدًا، خرجت أسأل شريف عليك وانت جيت في الوقت ده."
شعرت برغبة قوية في الخروج من حضنه، وبدت الغيرة تسيطر عليها كزوبعة، إذ نطقت بغضب:
"جيت ومعاك ست الهانم، صح؟ فين هي؟ سايبها لوحدها ليه؟ اتفضل روح ليها، يا حرام، زمانها قاعدة لوحدها وزهقانة."

ابتسم بمرارة لكلماتها، واحتضنها مجددًا، موضحًا بصوت خافت لكن يحمل في طياته كل مشاعره:
"هي أصلاً مش هنا، مشيت خلاص."
دفعته بقوة، والشرر يتطاير من عينيها كالنار المشتعلة:
"والهانم مين؟ كده برضه تمشيها من غير ما تعرّفني عليها؟"
رفع عينيه بملل من أسئلتها المتواصلة، متجاهلاً الدفعة التي جاءت من انفعالاتها، خوفًا من أن يدفعها للذهاب بعيدًا في مشاعرها. لم تهدأ كلماتها، وكانت تتساقط من شفتيها وكأنها أمطار غزيرة، تبحث بشغف عن الحقيقة. تكلم بنفاذ صبر، وألقى القنبلة الثقيلة في وجهها قائلاً:
"دي نور، كانت خطيبتي."

تجمّدت في مكانها، محاولة استيعاب ما قاله لها، وكأن كل العالم قد توقف لينتظر رد فعلها. وقفت فجأة، وبدا عليها الارتباك، تتجول في الغرفة كما لو لدغتها عقربة، تفكر بعمق في المعاني والتبعات. كانت تردد في عقلها:
"نور كانت خطيبتي، طيب ازاي وبتعمل معاك إيه هنا؟"
كأنها تحاول إيجاد خيوط منطقية تربط ما بين واقعها وبين ما تقوله عواطف قلبها. "يبقى كنت ناوي ترجعها؟ ليه دلوقتي بالذات؟ كنت بتحبها؟ أكيد كنت بتحبها، بدليل إنك ناوي ترجعها! بس أنت قولت إنك محبتش قبل كده، ولا أنا اللي بيتهيألي؟"

توقف الكلام، ونظرت إليه بعيون دامعة، مثل بحيرة هادئة متحركة تحت جنح الليل، وسألت بصوت مكسور:
"بتحبها؟"
مرغمة على طرح السؤال الذي يخاف القلب من سماعه. هو تابعها بصمت، تاركًا لها المجال لتخرج ما في قلبها من مشاعر متضاربة، وبين أمل وطريقة التعبير عن حبه المتأصل فيها. ورغم حزنه، إلا أن دقات قلبه كانت تتراقص فرحًا لرؤية غيرتها، كما لو كانت سلاحه السري في معركة حب. استقام بجسده وتوجه نحوها، وقف أمامها، ثم حبس أنفاسه بينما أمسك وجهها بين كفيه، محدقًا في عينيها، كان الأمر كأنه لحظة تجمد الزمن، مؤكدًا بلهجة واثقة:
"نور دلوقتي متجوزه، ومتجوزه أكبر عدو ليا كمان، وهي أصلاً بتحبه، ومش شايفه غيره. جبتها هنا لأن هي وجوزها كانوا بيلعبوا عليا لعبة وسخه، وكنت محتاج أسمع الحقيقة منها. ذات، أنا مش شايف قصادي غيرك، محدش غيرك مالي قلبي وعينيا. أنا بحبك يا ذات."

توقفت الحياة حولهم، وكأن الزمن فقد معناه في تلك اللحظة التي جعلتهما يتوقفان عن التفكير في العالم الخارجي، ولم يشعروا كم من الوقت مر. كان صدى كلماته يتردد في أذنيها وكأنها ألحان معزوفة بأوتار القلب، أحاطت بها مشاعر مختلطة من الحب والخوف والارتباك. لم تكن تعلم ماذا تقول، وكأن الكلمات محتها من ذاكرتها، فكل ما كان في داخلها يُستبدل بشعور غامر من الامتنان وحاجتها إلى الارتباط به. ابتسم على رد فعلها، ورغم علمه بأنها تشعر بحبه، إلا أن اعترافه كان بمثابة الصدمة لها؛ فقد غمرتها مجموعة من الأسئلة والمشاعر المتضاربة التي تحولت إلى دوامة في عقلها. حرك يده برفق على وجنتها، وبهتاجت نبرته عندما تحدث، كأنه ينزع الستار عن سر عميق احتفظ به طويلًا:
"ذات، أنا عارف أن وعدك مش هقولك الكلمه دي غير لما تتعالجي خالص من الادمان؛ بس صدقيني كنت محتاج اقولك الكلمة دي اوى دلوقتى، انا محتاجك يا ذات محتاجك تقويني تسنديني لأن لاول مره اخاف، حاسس ان انا ضعيف أوي مش قادر اخد اي قرار، يمكن لانك داخل اللعبه دي او لأن خايف على نفسي، يحصلي حاجه واتحرم منك من قبل ما اشبع منك، مش عارف بس جوايا كلام كتير اوي مش قادر أقوله ولا عارف اوصله ليكي."

كانت تستمع له بعيون دافئة؛ لم تشعر بالضيق من كلماته، بل كان قلبها سعيدًا بما قاله مهران. اقتربت منه، واحتضنته بقوة كما لو كانت تطبع تلك اللحظة في ذاكرتها، مانحة إياه ما كان يتمنى أشد التمني. تمسكت به بشدة، كانت كل حواسها تسعى إلى الشعور بالتطلع إلى مستقبل مشترك، ورغبتها في وجوده بجوارها كانت بحاجة لنفس هذا الإحساس. همست بجوار أذنه، بحروف تنساب عشقًا:
"أنا جنبك يا مهران، سندك وقوتك. الحضن اللي هيشيل عنك وجعك، والإيد اللي هتطبطب على جرحك. أنا بحبك يا مهران، بحبك أكتر ما يمكن يعبّر عنه الكلام."

تجمد مكانه، وشعر جسده بخدر، بعدم تصديق؛ كأنه استقبل للتو نبأ ممزوج بالعجائب. ابتعد ببطء، ونظر لها بسعادة قال:
"انتي قولتي إيه يا ذات؟ محتاج أسمعها تاني بالله عليكي، قوليها يا ذات خليني أشبع منها."
كانت كلماتها كالعطاء في صحراء عطشى، أراد أن يستشعرها مرة أخرى.

نظرت له بتردد، مع تساؤلات تراود نفسها حول عمق مشاعرها، ثم قالت:
"أنا بحبك يا مهران، انت بقيت كل حياتي، ومش محتاجة حاجة من الدنيا غير وجودك جنبي."

أسرعت بإنهاء كلماتها، وفوجئت بمهران يلتهم شفتيها في قبلة ساحقة، تقدمت في البداية نحو الاستجابة، لكن سرعان ما حاولت أن تبعده، إلا أن تلك الرغبة كانت أقوى من أي مقاومة ممكنة. أمسكت بذراعه برفق وكأنها تريد أن تعيده إلى حالة الوعي في وسط ضجيج المشاعر المتلاطمة، حيث بدأت يده تتحرك برعونة على جسدها، مما جعل قلبها ينبض بسرعة. على الرغم من أن كلاهما زوجين، إلا أنه احترم عدم معرفتها بهذا الأمر، فابتعد عنها قليلاً، وأسند مقدّمة رأسه على مقدمة رأسها، وتحدث بأنفاس لاهثة تتراقص في الهواء:
"انتي أجمل حاجة حصلتلي يا ذات، ربنا يخليكي ليّا، وميحرمنيش منك يارب.”
كان صوته يفيض بالحب والحنان، وكأن كل كلمة يتفوه بها كانت تجسد شغفه ورغبته في الحفاظ عليها.

احمرّت وجنتها خجلًا مما حدث، وابتلعت ريقها بصعوبة، شعرت كيف أن هذه القبلة كانت بداية لشيء أكبر، وتلكأت قائلة:
"طيب، وآخرت الحب ده إيه يا مهران؟ صدقني، أنا مش كده. أه، كنت بشرب وأسهَر لوقت متأخر، بلبس هدوم عريانه شويه، وكمان مدمنة، بس عمري ما حد لمسني."
أضافت بصوت مهزوز:
"أنت الوحيدة اللي سمحت ليه يتجاوز حدوده معايا بالشكل ده، لكن عمري ما هقبل إن يحصل حاجة كده، ولا كده من غير جواز."
كانت كلماتها تنبع من أعماق قلبها، كأنها تعبر عن آرائها ولمسات من مشاعر مختلطة من الخوف والرغبة، لكنها لا تجرؤ على قولها بكامل الوضوح.

ابتلع ريقه بصعوبة، شعر في داخله بخوف عميق من معرفتها الحقيقة، تردد للحظة ثم ابتعد عنها وتحدث بتلعثم وهو يشعر بطعم الارتباك الذي يملؤه:
"أ، أنا واثق ومتأكد إني الراجل الوحيد اللي لمسك يا ذات. وأول حاجة هعملها هي إننا هنتجوز، بس بعد ما يتم علاجك ويخرج من جسمك نهائي."

ابتسمت بسعادة، حيث كانت عيناها تتلألأ بالأمل والثقة، وقالت بثقة:
"وأنا واثقة فيك يا مهران، كفاية إن في حضنك بحس بالأمان، اللى اتحرمت منه من وانا طفلة."
تجول في ذهنها ذكريات مؤلمة، ولكن وجود مهران بجانبها كان بمثابة الشمعة التي أضاءت ظلامها. كانت تعرف أن اعترافاته كانت بداية طريق جديد، طريق مليء بالتحديات، لكنها لم تكن خائفة، بل متحمسة لاكتساب تلك الجرأة.

نظر لها نظر طويلة، وابتسم لها ابتسامة هادئة، كأن الزمن قد توقف للحظات، قائلاً:
"يلا، اجهزي علشان أخرجك زي ما وعدتك، هستني بره."
أنهى حديثه وخرج بسرعة من الغرفة، إلا أن نظراتهما ظلت معلقة في الفضاء، تدور حول مشاعر الحب والرغبة التي انتظرت الاقتراب.

احتكت أناملها على شفتيها بابتسامة عذبة، وظلت تقفز بسعادة كما لو كانت طفلة صغيرة، وكأن هذه اللحظات المشهودة تمنحها حرية جديدة. ثم بدلت ملابسها، مختارة بعناية ملابس تشعرها بالأناقة، ووقفت أمام المرآة، لتبدأ التحضير للخروج مع مهران، حيث كانت تشعر أن تلك اللحظات ستصبح ذكريات خالدة في قلبها.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وصلت نور إلى الفيلا، وقلبها المفعم بالغضب يتصارع مع كلمات مهران، تلك الكلمات التي حاولت جاهدًا أن تبعدها عنها وتنكر صحتها بكل حماس. كانت تثق في عاصم ثقة عمياء، فهو لم يقسُ عليها قط، بل كان دائمًا يمنحها الحنان ويشعرها بالأمان. حركت رأسها برفض، وصرخت بغضب:
"أكييد مهران كداب! عاصم بيحبني بجد، هو اللى بيحاول يسوء سمعته علشان كشفه قدامي. أهم حاجة إن عاصم ميعرفش اللي حصل، لأنه مش فايق لواحد فاضي زيه."
أنتهت من كلامها، واتجهت إلى غرفتها، حيث بدلت ملابسها وأرتمت على فراشها الشاسع. كانت جدران الغرفة تخزن في طياتها الذكريات الحلوة والمرة، وكل زاوية فيها تشهد على لحظات السعادة والألم. نظرت إلى السقف، تسترجع تلك الأحداث المؤلمة التي زلزلت قلبها، وكأنها تبحث عن إجابة لألمها المفاجئ. شعرت بشوق ساحر لعاصم، الذي لطالما كان نجمًا في سماء حياتها، فتناولت هاتفها وأرسلت له رسالة عبر الواتساب، التعبير عن مدى اشتياقها له وكأن تلك الكلمات تحمل كل مشاعرها في لحظة واحدة. وبسرعة، جاءها صوت رنين الهاتف، ليعلن عن وجود اتصال من رفيق عمرها. ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، وأجابت بسرعة:
"واحشتني أوي يا عاصم! هترجع أمته بقى."
أتاها صوته الرجولي المحبب، يملأ أذنيها بالحب قائلاً:
"أنا هتجنن عليكي يا قلب عاصم. بحاول أخلص الشغل اللي ورايا بسرعة علشان أرجعلك وأخدك في حضني. واحشني ريحتك اللي بتخطف قلبي أول ما بشمها."
كانت تلك الكلمات بمثابة شعاع من النور في عتمة أفكارها، مما جعل قلبها ينبض بالسعادة من جديد.ردت عليه بعشق خالص، وقالت:
"أنت أجمل حاجة حصلتلي يا عاصم. أنا بحبك أوي."
كانت نبرات صوتها تحمل شغفًا حقيقيًا، وتلك المشاعر كانت تدور حولهما ككرة نارية من الحب.تحدث باستغراب، يتساءل برقة:
"نور، مالك يا عمري، صوتك مخنوق ليه؟"
كان قلقه واضحًا، مما جعلها تشعر بنوع من التوتر.تكلمت سريعًا، محاولةً إخفاء الحقيقة، وقالت:
"مافيش يا حبيبي، بس كل الحكاية إنك واحشتني أوي ومحتاجك."
تمنت أن تنطوي بأمان في ذراعيه، وأن يتلاشى كل شئ حولهما ليبقى فقط دفء حبهما.تحدث بعدم تصديق، فقال:
"هانت يا نوري في وسط عتمتي، يومين بالكتير وأكون عندك. أهم حاجة خلي بالك من نفسك، وإياكي تخرجي من البيت من غير حرس لو بتحبيني بجد. اسمعي الكلام يا نور، أوعي تعتبي بره البيت من غير حرس."
كانت تدرك أن تلك التعليمات تأتِي من حبه الشديد، واهتمامه بعافتها، مما جعلها تبتسم برغم الضغوط التي كانت تواجهها.شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبها، لكنها حاولت بسرعة الرد، قائلةً:
"م م متخافش يا حبيبي، مش بخرج من البيت غير والحرس معايا."
كان هناك نوع من القوة في صوتها، لكن في أعماقها كانت تخشى حدوث أي شيء قد يسرقها من حبه.شعر بالقلق يتسلل إلى قلبه، لكنه أخفى مشاعره، ورد عليها قائلاً:
"ماشي يا عمري، أنا لازم أقفل دلوقتي لأن ورايا شغل مهم على اللاب."
ثم عادت الأفكار لتجوب ذهنه حول مصيرهما، وحول ما قد تحمله الأيام القادمة من مفاجآت.ابتسمت بسعادة، وأجابت بتفهم:
"ماشي يا حبيبي، ربنا يقويك."
كان دعمها له يعني له الكثير، ويشعره بالطمأنينة رغم القلق الذي كان يدور في ذهنه.أغلقت الهاتف، ونظرت إليه بسعادة، تقول:
"أنت عوض ربنا الجميل ليا، ربنا يخليك ليا."
كانت تلك الكلمات تعبيرًا عن مشاعر لا تستطيع وصفها، حيث كانت تشعر بأن عاصم هو النور الذي ينير حياتها.ثم وضعت الهاتف بجوارها، وأغلقت عينيها، لتسقط في نوم عميق، محتفظةً بأقوى ذكرياتها مع عاصم في عمق خيالها. كانت لطيفة تلك الأحلام التي تعانقها في لياليها الطويلة، وكل حلم كان يحتوي على وعود جديدة بالحب، مما جعلها تشعر بأنها في عالم آخر بعيد عن هموم الواقع.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
عندما أغلق عاصم الهاتف مع نور، كان شعور غير مريح يتسلل خلف ظهره كأنما كان ينذر بشيء ما في الأفق. كان الصمت الذي خيم على الغرفة يتخلله صوت أنفاسه المتسارعة، ولم يترك له مجالاً للراحة أو التفكير بشكل منطقي. دون تردد، أجرى اتصالًا سريعًا بأحد رجاله، وعقله يدور في دوائر من القلق والتوتر، وتوالت الثواني وكأنها ساعات قبل أن يستمع إلى صوته المهزوز يتلعثم بعبارات مرتبكة:
"أ أ أفندم يا عاصم باشا؟"
تحدث عاصم بنبرة مملوءة بالغضب، بعدما تأكد في أعماقه من حدوث أمر غير سار، فقال بتحدٍّ:
"قولي، أية حصل عندك لمدام نور؟"
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة، وعلامات الخوف تلوح في صوته:
"م م مدام نور طلبت مننا الصبح إنها تخرج تشرب حاجة في الكافيه، والرجالة استعدوا وخرجوا، لكن اللى اسمه مهران هجم عليهم وضربهم كلهم، واخد مدام نور معاه، ولما وصلت كان أخوه خلص كل حاجه وكأن مافيش حاجه حصلت فى المكان ده."
وقف عاصم وهو يشعر بالغضب يتصاعد في داخله كالسيل الجارف، وصاح به:
"ومراتي فين دلوقتي؟ انطق!"
تحدث الرجل بصعوبة، فتلعثم:
"ف ف في البيت، والله من شويه رجعت لوحدها، م م مش عارف إيه اللى حصل معاها."
ركل الحائط بغضب، قائلاً بصوت عميق:
"علشان سايب معاها شوية نسوووان، مش رجاله يعتمد عليها، نور متخرجش من البيت نهائي وانا الصبح راجع وهعرفه ازاى يلعب مع عاصم الدويري."
ثم أغلق الخط بغضب شديد، ونظر باتجاه الباب وهو يتوعد بالانتقام من مهران. خرج من غرفته متوجهاً إلى غرفة مهرة، وطُرق على الباب. فتحت له، ونظرت إليه بتوتر، وسألته:
"ع ع عاصم، خير؟"
نظر لها نظرة مطولة تحمل الكثير من المشاعر المتصارعة، ثم قال:
"عايزك."
نظرت له بعدم فهم، حتى سألته بشغف مختلط بالخوف:
"يعني إيه؟"
أجابها بوقاحة وقسوة تجري في عروقه:
"عايزك ملهاش غير معنى واحد، عايز أنام معاكي."
شهقت بصدمه، ولقد شعرت وكأن الكلمات قد سُحبت من على شفتيه كالرصاص، ووضعت يدها على فمها من جرأة كلماته. وتحدثت بصعوبة:
"أ أنت واحد وقح وقليل الأدب، لو سمحت ملكش دعوة بيا خالص."
تعالت ضحكاته الغاضبة، وتحدث بنبرة مخيفة وكأنما يحاول تحطيم إرادتها:
"أنا مش باخد رأيك، يا روح أمك. أنا بأمرك تجهزي، وأنا ساعة بالكتير هكون عندك ومعاكي على السرير."
دفعته بغضب، قائلة بتحذير شديد:
"أنت شكلك مجنون، حسك عينك تهوب ناحية أوضتي تاني، فااااهم؟"
أخرج الهاتف الخاص به من جيب بنطاله، ووضعه أمام عينيها كأنما حاملاً سيفاً مسلطاً على رقبتها، وقال:
"هتنفذي اللي قولتلك عليه ولا أبعت الفيديو ده وأنتي في حضني لابوكي وإخواتك؟"
انهارت دموعها بغزارة، وحركت رأسها بالرفض، قائلة بصوت يملؤه اليأس:
"أنت حيوان وحقير، مستحيل اسمحلك تلمس شعرة مني."
أمسكها من ذراعها، وتحدث بغضب طاغٍ:
"ما أنا لمست كل حاجة ومن غير مجهود مني. بلاش تعملي فيها الخضرة الشريفة، أنتي واحدة رخيصة، اللي قلته يتنفذ بالحرف وتكوني جاهزة ومستنيانِي في السرير، فااااهمة؟"
أنهى كلامه تاركًا إياها في صدمة، وكأنما أطفأ شمعة وحيدة في غرفة مظلمة. أغلقت الباب، ونظرت إلى صديقتها التي كانت تجلس معها، حتى تمنع ضعفها تجاه عاصم، وقالت من بين شهقاتها:
"قوليلي، أعمل إيه يا سارة، ده مصور اللي حصل ما بينا هنا وهيبعت الفيديو لبابا وإخواتي."
نظرت لها بسخاء، وتحدثت بصوت مختنق وكأنما تمسك بزمام الأمور:
"مهرة، أنتي لازم تبلغي أخوكي ماهر باللي بيحصل ده، أنا من الأول وكنت شاكه فيه، هو الوحيد اللي هينقذك، قبل ما تحصل حاجة أكبر تخسرك كل حاجة."
تحدثت بدموع، وحركت رأسها بالرفض، قائلة بصوت محشو بالخوف:
"هقوله إيه يا سارة؟ هقوله اختك حطت رأسكم في الطين وسلمت نفسها لواحد، وسمحتله يلمسها، مش هقدر أقوله كده."
ردت عليها بالغضب، وكأنما تسعى لإنقاذها من أعماق اليأس:
"يعني إيه، ناوية تسلمي نفسك ليه؟ أنتي مجنونة يا مهرة، ولا بتستهبلي؟ إيه الصح عندك: تبلغي أخوكي ويعرف منك ويلحقك، ولا تنفذي كلامه وهيبعت برضه الفيديو لإخواتك وأبوكي، وهتبقي خسرتي كل حاجة بالفعل، مهرة فؤقي وركزي، متخليش الخوف يسيطر عليكي ويخليكي تخدي قرارات غلط."
نظرت لها بنظرات تائهة، وكأنما تحاول أن تجد مخرجًا من متاهة الخوف، وقالت بصوت مختنق:
"أنا همشي دلوقتي حالاً يا سارة، مش هقدر أقعد ثانية واحدة هنا، لما أرجع وأكون جنب إخواتي، هيقدروا يحموني منه."
أومأت سارة برأسها بالموافقة، وقالت:
"وأنا موافقة، وهرجع معاكي، مش لازم نقعد هنا ثانية واحدة."
بدأت مهرة تحضر شنطتها بسرعة جنونية وكأنما تحاول الهروب من كابوسها، وساعدتها سارة، بينما كانت الدموع تملأ عينيها وتخلط بين مشاعر الخوف والأمل. ثم اتجهوا إلى غرفة سارة، وأحضرت حقيبتها، وخرجوا يركضون من الفندق، على أمل أن تنقذهم خطواتهم المتسرعة من مصير مجهول ينتظرهم في الظلام.
كان عاصم يتابعهم، وارتسمت ابتسامة على وجهه لتحقيق هدفه. أمسك هاتفه وأجرى اتصالًا، ثم قال:
"خارجيين دلوقتي، نفذ."
فقط، وأغلق الخط وهو يتوعد لمهران برد الصاغ صاغين له. خرج سريعًا، صعد سيارته، وتحرك بها متجهًا إلى وجهته لتنفيذ مخططه.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
جلس مراد على مقعده الفخم، مشعاً بالهيبة والغرور، مبتسماً بانتصار كما لو كان قد حقق نصرًا عظيمًا. كان ثمة بريق من التفاخر في عينيه، وكأنما يعتنق فكرة تفوقه في اللعبة الأزلية للسلطة والسيطرة. بعيونه المتألقتين، نظر إلى ماهر بتلك النظرة التي تتضمن حكمًا مسبقًا، وقال بفخر:
"كده بقي اللعب هيكون احسن. أنا كنت متوقع أنه هيرجعها مصر في أي وقت، ودي اللى هتحرك مهران وتخليه يشوف شغله أسرع."

لكن ماهر نظر له بعدم تصديق، وكأن الكلمات لم تستطع اختراق حاجز شكوكه. كانت فعلاً بمثابة رصاصات تصطدم بدفاعاته النفسية. سأله بتساؤل يحمل بين طياته قلقًا عميقًا:
"هو حضرتك كنت تعرف أن نور عايشة طول السنين اللى فاتت دي؟"
كان صوته يهتز بين خيوط الصدمة والألم، وكأنه يخشى من الجواب الذي قد يغير مجرى حياتهم جميعًا.

أومأ مراد برأسه تأكيدًا، ورد بحدة لا تخلو من الغضب المكبوت:
"آه، كنت عارف. وأنا اللى اديت أوامر لطب الشرعي يخرجوا تقرير بموتها، وانا اللى اديت أوامر أنها تخرج من البلد."
لقد بدا كأنه يتحدث عن لعبة شطرنج، حيث تم تضحيات بعض القطع من أجل النصر النهائي، دون التفاته لما قد يعنيه ذلك للآخرين. كانت كلماته كالسهم الذي يطعن في قلب ماهر، محطمةً كل أثر للأمل.

كانت أصابع ماهر تتعثر في تجعيد شعره، وهو يسحبها بقوة محاولاً تخفيف غضبه، وكأن فعلته تلك قد تعكس شيئًا من الكثير من الاضطرابات الداخلية التي تغلي فيه. تحدث بصوت مختنق، مليء بالألم والاستغراب:
"ولما حضرتك عارف كل ده، ليه ما مبلغتش مهران حتى كان خرج من الحالة اللى هو كان فيها؟ ولا على الأقل كنت بلغتني أنا، وكنت هقدر أساعد مهران من بعيد."
كان يتمنى لو أن هناك طريقة لتفكيك هذا اللغز، هذا الخوف الذي يعيشه شقيقه، وكأن الحلول أصبحت بعيدة المنال.

نظر مراد إلى ماهر بنظرة عميقة، كأنما يدرك عمق الحزن الذي يخفيه ابنه. كانت تلك النظرة تحمل نوعًا من الاختيار المأساوي، كأنما هو يُحكَم عليه بلعب دور الشرير في قصة توشك أن تُروى. قال بنبرة جادة:
"مقولتش علشان أنا ما صدقت البنت دي، بعدت عن أخوك. مقولتش ليك علشان كنت متأكد انك هتروح تقوله، وانا مكنتش عايز يعرف في الوقت ده. كنت عايزه يدور بنفسه على الحقيقة ويظهرها قصاد الكل. مقولتش علشان أخوك يتعلم الدرس ويبطل يثق في حد، زي ما كان عامل مع عاصم. عرفت أنا ليه مقولتش أن نور عايشة."
بتلك الكلمات، كان مراد يظن أنه يحمي عائلته، لكنه في الواقع كان يغلفهم بمزيد من التعقيدات والألم الذي لا يمكن تصوره، وكأن الكذب كان الحبل الذي يربطهم بواقع مرير لا مفر منه.

بينما كان ماهر يستمع لوالده، تسرب شعور بعدم التصديق إلى قلبه، كما لو كان يتعرض لصدمة غير متوقعة. أحس وكأنه طفل صغير تائه في حضانة مزدحمة، غير قادر على فهم جفاء والده تجاه أخيه مهران. كان يتساءل في نفسه: لماذا يجد والده سعادة في عذابه؟ لم يعد هناك أي شيء منطقي في نظره، وكالعادة، لم يتمكن من الوصول إلى إجابة مقنعة تعيد له توازنه. بتلعثم، أومأ برأسه محترمًا لسلطة والده، وسأله بتردد مملوء بالقلق:
"طيب وحضرتك ناوي على أيه الخطوة الجاية؟"

نظر مراد أمامه بتوعد صارم، كأنه ينتظر بداية معركة جديدة يتهيأ لها بعناية، فكان وجهه يعكس تصميمًا لا يقبل الجدل:
"اللي فات كله كان تسخين، وبعد ظهور نور هيبدأ الجد والشغل الحقيقي. عينك على أخوك، متنزلش، فاهم؟"
ارتفع صوت مراد في إصرار، كأنه يستحث روح العزيمة في ابنه، بينما كان يفكر في أن هذه التغيرات ستؤثر أيضًا على علاقاتهم العائلية، وأنه يتوجب عليهم التحلي بالحذر.

رد عليه ماهر باحترام عميق، قائلاً:
"حاضر، أي أوامر تانية؟"
الصوت في نبرة ماهر كان محملًا بالتقدير والقلق في الوقت نفسه، فهو مدرك أن ولاءه لأخيه يتعارض مع توجيهات والده، لكنه كان يشعر أن عليه اختيار المعسكر الذي عليه الانضواء تحت رايته.

أومأ مراد برأسه تأكيدًا، واستمر في الحديث بحذرٍ بالغ:
"عينك على البنت اللي اسمها ذات. لأن عاصم هيبدأ اللعب مع أخوك من ناحيتها، ولو حسيت بأي خطر على مهران، ارميها ليه."
وكانت كلماته كالسياط التي تنشطر بها الروح، حين عرف ماهر أن هذه الفتاة التي أحبها اخيه قد تصبح وسيلة اختبار في حرب مشتعلة.

نظر ماهر بقلق مفرط إلى والده، قائلاً بشيء من اليأس:
"بس مهران بيحب ذات يا بابا، ومستحيل يسيبها تتأذى، ده ممكن يضحي بعمره علشانها."
كان صوته يعبر عن تناقض عميق: من جهة، كان يدرك أن التضحية قد تكون ضرورة في المواقف الحرجة، ومن جهة أخرى، كانت عاطفته كالأمواج، تعصف به نحو حماية أخيه وحبيبته في آن واحد.

تحولت نظرات مراد إلى شرارات من نار، وهو يتحدث بنبرة حادة:
"من امتى واحنا الحب هو اللى بيتحكم في شغلنا، يا سيادة الرائد؟ البنت دي فترة في حياة مهران، وهتنتهي برضاه أو غصب عنه. أنا ساكت بس لأنها ورقة هتنفعنا في القبض على عاصم. غير كده مش معترف بيها في حياة أخوك."
كان حديثه يحمل طابع القسوة وإصرار صارم يحاول إعادة هوية المعرفة إلى العلاقات المعقدة التي تكتنفهم.

أغلق ماهر عينيه بغضب مكتوم، ثم أومأ برأسه احترامًا لوالده، وقال بصوت ضعيف:
"اللي حضرتك تشوفه، أنا هنفذه. عن إذنك."
كان صوته كالصخرة، لكنه في داخله كان يتراجع تحت وطأة مشاعر متناقضة.

تحرك نحو الباب، لكن قبل أن يخرج، توقف عندما سمع صوت والده يأمره:
"خد أمك وروح زوره. وحاول تخليها قاعدة معاه يومين في الشقة. علشان يكون عندك حجة تزوره كل يوم، وتعرف تشوف شغلك معاه ومع البنت دي."
كانت هذه الكلمات جرس إنذار يبعث برسالة واضحة لما يتوجب عليه القيام به.

لفّ ماهر جسده بحزن عميق وكأنه يحمل أثقال العالم المتشابكة على كاهليه، أومأ برأسه بالطاعة، قائلاً:
"حاضر يا بابا، عن إذنك."
بينما كان يغادر، كان يشعر بأن هذه المهمة الجديدة ليست مجرد حيلة؛ بل اختبار حقيقي لإيمانه بأخيه والرابطة الأسرية التي يتلقاها في مواجهة رياح عاتية.

خرج ماهر من غرفة مكتب والده، وحزن ثقيل يثقل قلبه على حال أخيه. فقد كانت العلاقة بين مهران ومحبوبته ليست مجرد قصة حب عابرة؛ بل كانت حلمًا كبيرًا يراود ذهنه وينسج أحلامه كأجمل القصائد. كان يعرف تمامًا كم هي معقدة الأوضاع المحيطة بهما، حيث تتداخل المصالح العائلية والاجتماعية، وتنقلب الآمال إلى مخاطر غير متوقعة. كلما فكر في مهران، ازدادت لديه صور المشاعر التي تتجسد في عينيه؛ الأمل، الخوف، والتعلق الذي يثقل كاهله. كان قلبه يتمزق قطعًا، متمنيًا أن تمر هذه القضية بسلام على أخيه، وأن يعود إلى عمله دون خسائر. ولم يكن سهلاً على ماهر أن يتحمل هذا العبء بمفرده، وهو يشعر بنيران القلق تتأجج في صدره، متسائلاً هل ستكون الأيام القادمة قاسية على مهران، أم ستجلب له السعادة التي يستحقها؟ في خضم أفكاره، سمع صوت والدهم يتردد في ذهنه، مترسخًا كنداء الواجب، لكن حبه لأخيه كان يدفعه إلى التفكير في حلول أخرى، فربما يستطيع التدخل بطريقة تضمن لمحبوبة أخيه مستقبلًا أفضل.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وصل مهران إلى أحد الكافيهات المملوءة بالضوء الدافئ، حيث كانت ذات تجلس تتأمل المكان بنظرات مليئة بالشوق والحنين. لم يكن مجرد مكان للجلوس، بل كان رمز الحرية التي افتقدتها لفترة طويلة خلف باب مغلق. تحت سماء مشرقة ونسيم لطيف، ها هي الآن، بسعادة غامرة، تمسك بيد مهران وتحتضن ذراعه بقوة، وكأنها ترغب في أن تُخرج كل ما حُرمت منه في الماضي. نظر إليها بحب قبل أن يقبّل رأسها برفق، سائلاً بتساؤل لطيف يحمل في طياته قلقه ورعايته:
"مبسوطه يا حبيبتي؟"

تراقصت دقات قلبها عند سماع كلمة "حبيبتي" التي حملت في ثناياها مشاعر الأمان والاهتمام. أومأت برأسها موافقة، قائلة بسعادة طفلة صغيرة استيقظت لتوها من حلم جميل:
"اوي يا مهران، حاسه أن انا بقالي كتير أوي مشوفتش الناس والشارع."
كانت كلماتها تنبض بالحماس، وكأن كل لحظة قضتها في هدوء العالم الداخلي قد جعلتها تقدر تأمل الحياة من حولها.

جلس مهران بجوارها، محتفظًا بيدها بين كفوف يده، ونظر إليها بنظرات تنضح بالعشق والتفهم. كان يكفيه وجودها لتكتمل لوحاته، فقال بحماس:
"ربنا يقدرني واخليكي أسعد واحدة في الدنيا دي كلها."
كانت كل كلمة تخرج من قلبه تنطق بالخوف عليها والرغبة في أن يحميها من كل شر.

لاحت في عينيها بريق السعادة، وتكلمت بنبرة عاشقة، صوتها مليء بالثقة:
"أنا فعلاً أسعد واحدة في الدنيا كلها، علشان محظوظة بيك يا مهران. أنت أجمل حاجة حصلتلي."
شعرت أن كل ما سبق كان بمثابة استعداد للعثور على هذا النور الذي يعيد لها الأمل في الحياة.

قربت شفتيها من يده، وقبلت كفّه برقة، وكأنها تتأكد من وجوده ليكون درعًا يحميها. ثم قالت بحب:
"أنا عايزة أعيش عمري كله كده، وإنت ماسك إيدي يا مهران. أياك تفلت إيدي مهما حصل، أنا ببقى مطمنة وأنت ماسكها."
لقد كانت هذه العبارة تحمل في طياتها تعهدًا بينهما، بأن لا يتركا بعضهما مهما كانت التحديات.

ابتسم لها بمودة، وقال بنبرة مشبعة بالحب:
"فيه حد يسيب عمره؟ أنتي النفس اللي بتنفسه يا ذات، وطول ما أنا فيا النفس، هفضل ماسك إيدك وشيلك في قلبي."
كانت كلماته كتعويذة، تعينه على مواجهة أي خوف يلوح في الأفق.

فجأة، شعر بحركة غريبة، وبحسه الفطري تأكد أنه يوجد هجوم وشيك. كان إحساسه كالعاصفة التي تعيش في داخله، ويتسارع بصوت الهتافات المألوفة، وبنظرة حادة عرف من هو وراء هذا الهجوم "عاصم الدويري"، عدوهم المشترك. وقف بسرعة، ممسكًا بيد ذات لحمايتها، وكأنها حياته، وأخرج سلاحه استعدادًا للمواجهة. وفجأة، بدأ الهجوم، وببسالة في الحرب، ظل يضرب كل من يقترب منه، وهو يحمي ذات بين أحضانه، كأنها درعه المنيع.

ظلّت ذات ممسكة به بخوف شديد، عيونها تتجول في المكان تبحث عن أي تهديد، فانتقل بجانب إحدى الطاولات، مال عليها وضع ذات خلفها كحاجز لحمايتها، وقال بأمر حازم، لكن بنبرة مطمئنة:
"متتحركيش من هنا، متخافيش يا ذات."
كانت كلماتة قدوة الأمان في خضم الفوضى، تضمن لها أنه سيكون دائمًا موجودًا لحمايتها، مهما كانت العواصف التي ستواجههم.

أنهى ما قاله قبل أن يتحرك سريعًا من أمامها، مختزلاً كل تلك المشاعر القاسية التي كانت تخنقه، وبدأ المعركة مرة أخرى بكل حماسة وقوة. استخدم كل دقة في التصويب، وبدت يداه وكأنهما تتحركان بشكل آلي، فأطلق رصاصاته في اتجاه الأعداء، حيث أسقط الكثير من الرجال بسلاحه، وفي خضم الفوضى، كانت الأسلحة تنطلق من كل زاوية، والصراخ يتصاعد عالياً في الهواء. لكن على الرغم من براعته، أدرك أن عددهم تجاوز توقعاته بكثير، ورصاص سلاحه انتهى بشكل مفاجئ، مما أضفى جوًا من الذعر على قلبه. أدرك أنه لا يمكنه الاعتماد على سلاحه في هذه الفوضى، لذا وضعه في جيبه بشكل سريع، محاولًا استجماع قوته البدنية.

بدأ القتال بالتشابك بالأيدي، وتجاوزت المعركة حدود السلوك المنطقي، فقد أصبح كل ما هو حوله مجرد دوامة من الأجساد المتصارعة، ومردات الحلبة واللكمات. ومع كثرتهم، تغلّبوا عليه، محاطين به كفئران تحاصر طائرًا جريحًا. أحس بشيء من الاستسلام ولكن لم يكن لديه وقت للتحقيق في هذا الشعور، إذ فجأة جاء أحدهم من الخلف، ووجه ضربة بقوة على رأسه، مما أفقده الوعي وسقط على الأرض مثل كومة من اللحم، يحيطه الظلام.

صرخت ذات بخوف عليه، وكاد قلبها ينفطر من الرعب، إذ أضحت هذه اللحظة بالنسبة لها وكأنها الأبدية، وانطلقت بسرعة لتجري نحوه، متجاهلة أصوات القتلى من حولها. لكن أحد الرجال، الذي بدا وكأنه قائد المجموعة، أمسك بها بكل قسوة، حملها كعروس لعبة لتصبح مشهدًا شبحيًا وسط الفوضى، وضعها في السيارة مثل أداة معطلة. ثم، بدون أي نوع من الرحمة، قاموا بحمل مهران ووضعوه بجوارها، محاطين بظلام المكان المهجور الذي اتجهوا إليه، مما جعل الخوف يتعاظم في صدرها، بينما بدأت السيارة تتحرك ببطء نحو المجهول.
«««««««««««««««»»»»»


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close