رواية متاهتنا الفصل السادس عشر 16 والاخير
الفصل السادس عشر و الأخير: شفاه لا تمل!
كان من الصعب على أندريا عقب وصولها إلى الفيلا الثبات في نقطة واحدة بعد اكتشافها الأخير! أخذت تذرع غرفتها ضاحكة و الدموع تنهمر من عينيها مرددة: ”أليكسندروس يحبني!“ اتخذت قرارها في بالعودة حالا إلى الجزيرة، ستنتظره هناك في عشهما الزوجي، لتسمع منه ذلك الاعتراف الذي سيحلق بها إلى الجنة، لا خوف و لا قلق بعد الآن! و لا ضرورة لبقائها في أثينا، ستلقنه درسا قاسيا لأنه لم يخبرها أنه المعجب السري، لكنها قبل ذلك ستعانقه بكل حب يسكنها!
1
وصلت أندريا إلى خيوس في غضون ساعة، استحمت و جففت شعرها، و وقفت أمام خزانتها حائرة أي الفساتين ترتدي! و بعدما استقرت على اختيار جيد، أعطت نيكيتا تعليمات حول تحضير طاولة عشاء رائعة، من الأطباق الشهية التي يحبها، إلى الورود التي زينت غرفة الطعام، لكنه لم يأتِ!
لم تحزن أندريا، بل تأملت و اشتاقت أكثر، و صممت على أن تنتظره غدا و بعد غد، و أن تجهز على شرفه استقبالا أفضل، ألم يقل لها قبل أن يسافر: ”انتظريني!“؟ و ما أعذب الانتظار في الحب!
+
قبل أن تخلد إلى النوم خطر لها أن تتصل به لتطمئن، بيد أن خطه كان مغلقا، تفقدت الساعة فوجدت أن الوقت لا يزال باكرا، لكن هذا يعتمد على المكان الذي ذهب إليه، فالأوقات تختلف من بلد لآخر!
قصدت غرفة المكتب باحثة عن دليل تجد فيه رقم هاتف سانتوس، إن وصلت إليه فسيطمئنها على زوجها أو يصلها به، لأنه يرافقه على الدوام كظله. سحبت الأدراج في أعقاب بعضها فكانت معظمها فارغة، استغربت عدم وجود إيصالات الأمانة و المستندات التي تثبت تورط بافلوس في الصفقات المشبوهة!
+
جالت في الغرفة بنظر مدقق، أزاحت لوحة صغيرة فعثرت على خزنة داخل الجدار، أرادت أن تحترم خصوصية زوجها، لكن حدسها القوي و الصادق حدثها بضرورة فتحها، أبعدت الغطاء الشفاف عن الأزرار، و فكرت في الرقم السري الذي قد يختاره رجل مثل ألكسندروس، لديها ثلاث محاولات فقط، و إن لم تنجح جميعها لن تفتح الخزنة أبد الآبدين.
أخفقت في محاولتين، فعضت شفتيها، و جربت هذه المرة رقما متعلقا بها، تاريخ عيد ميلادها مثلا، و كانت المفاجأة أن انفتحت بوابة الخزنة، فذهلت! إنه يحبها بعمق حقا و يتذكر كل شيء عنها دون استثناء!
توقعت أندريا أن يخفي قطب الشحن كما يلقبونه رزم أموال و أحجارا نفيسة، و الإيصالات أيضا، لكن لم يكن في قلب الخزنة سوى مستندات ملكية بيته ذاك، و ملف طبي!
3
تناولته أندريا و فتحته بفضول، فصدمها ما قرأته بعنف جعل غرفة المكتب تدور بها: ”ألكسندروس ليفانوس، السن: سبع و عشرون سنة، التشخيص: ورم في الدماغ (المرحلة الثانية)، تاريخ الكشف: الثامن من كانون الأول، الطبيب المعالج: د.نيكولا ستافروس!“. ترنحت فجأة، فسقط من الملف مقطع مصور بالرنين المغناطيسي لدماغه، انحنت لتلتقطه لكن قواها خارت و لم تستطع ساقاها دفعها للوقوف من جديد، و حجبت عنها الدموع الغزيرة الرؤية بوضوح! إنها لا تصدق أن القدر ابتسم و عبس في نفس اللحظة، اكتشفت حبه ظُهرا و الآن... تكتشف أنه يحتضر!
28
لم تدرِ أندريا كم من الوقت مكثت على الأرض باكية؟ و لم تشعر كيف قفزت ثانية متفرسة في التقرير الطبي بحثا عن عنوان أو رقم هاتف للطبيب؟ وجدت ظالتها أخيرا، فالتقطت سماعة هاتف المكتب الأرضي، و ضغطت على الأزرار المنشودة بارتعاش.
+
-مرحبا! دكتور ستافروس يتكلم.
+
أجابها صوت منهك يتحدث بصعوبة، فقالت أندريا بسرعة:
+
-نيكولا، أنا أندريا زوجة ألكسندروس.
+
لم تسمع منه أي رد، فأضافت بصوت متهدج:
+
-لم أستطع الوصول إليه أو إلى سانتوس، هاتفه مغلق و...
+
تأملت الملف في يدها، ارجتف فمها عاجزة عن مواصلة الكلام، و ذرفت مزيدا من الدموع، فحاول الجراح طمأنتها:
+
-لعله في رحلة عمل مهمة!
+
-أو لعله يصارع مصيره في أبعد مكان عني!
+
صمت نيكولا مبتلعا صوته، فاستطردت أندريا بحزن:
+
-أنا على علم بمرضه، عثرتُ لتوي على التقرير الطبي، و لا بد أنك على دراية أين ألكسندروس الآن، أنا زوجته و يحق لي أن أعرف!
+
أطلق نيكولا تنهيدة استسلام و أجاب بنبرة أضرمت نيرانا أكبر في قلبها:
+
-إذا كان القدر قد كشف لك السر، فهذا يعني أن الله يريدك إلى جانب زوجك، ألكسندروس معي في مستشفى بألمانيا، غدا تقرر إخضاعه للجراحة، و بما أنها ستكون عملية دقيقة و حساسة، فهذا أنسب وقت لتكوني سندا له كما كان سندا لك دوما! خذي أول طائرة قادمة إلى فرانكفورت، و سأرسل لك سانتوس ليستقبلك في المطار.
+
مدفوعة بخوف و أمل متهاترين في قلبها، مضت أندريا تركض على أرضية المطار الألماني و تناضل مصارعةً الأكتاف المتدافعة حولها بعينين باحثتين عن وجه سانتوس. لمحها أخيرا فأسرع نحوها متناولا يدها و حقيبتها نحو السيارة، لم تستطع أندريا أن تلاحظ جمال شوارع فرانكفورت التي تزورها للمرة الأولى، إنها لا تتمنى رؤية شيء الآن عدا تقاطيع زوجها المحبوبة!
1
في مستشفى غوته الجامعية، صافحها نيكولا الذي لم يُخفِ توتره، ثم وجدت نفسها تمد يدها نحو طبيب آخر متقدم في العمر، بدا أكثر هدوءً و ثقة من زميله اليوناني الشاب، أشار نحوه نيكولا يخاطبها:
-هذا هو البروفيسور و الدكتور فولكر زايفرت! سيشرف مع طاقمه على جراحتي، لأنه أفضل جراح مخ و أعصاب، و أستاذي أيضا.
+
تحدث البروفيسور بخبرة ملاحظا آثار الفزع و البكاء الطويل على أندريا:
+
-يجب أن نناقش سيدة ليفانوس بعض الأمور قبل أن نسمح لك بزيارة زوجك.
+
جلس نيكولا و أندريا بغرفة البروفيسور الخاصة، بينما وقف فولكر زايفرت هناك مشيرا إلى شاشة تعرض فحوصه الأخيرة قائلا:
+
-الورم حميد، لكنه تضاعف في الحجم مؤخرا و بلغ مرحلته الثالثة، يكاد يتحول إلى خلايا سرطانية خبيثة يصعب التخلص منها لاحقا، لذا لا بد من الحذر أثناء استئصاله، في حالات كهذه يؤدي تضخم الورم داخل تجويف الدماغ إلى الضغط على الجمجمة و التأثير بوظائف العقل، قد يسبب الصداع المتكرر، و صعوبة في النوم، و ضعفا في الرؤية، و أحيانا ثقلا في الحركة و النطق، كما قد يتطور الأمر إلى التأثير على الذاكرة و الإدراك!
2
شعرت أندريا أن قلبها ينزلق إلى اللامكان! لقد لاحظت أغلب تلك الأعراض، و لم تفهم حقيقة الوضع الخطر الذي كان فيه، نوبات الصداع، و مسحة الشحوب التي غلفت وجهه عدة مرات، كان يجب أن تفهم... حين ترك السائق يتولى قيادة السيارة إلى المطار... أنه يعاني من تثاقل أطرافه، و حين نظر إليها بغرابة فجأة ليودعها... كان يعاني من تشوش في بصره! تابع البروفيسور محذرا:
+
-لنجاح عمليات كهذه، لا نعتمد على الخبرة الطبية و المعدات المتطورة فحسب، بل نعتمد على جاهزية المريض نفسيا، أمضى السيد ليفانوس ثلاثة أيام هنا وسط رعاية جيدة و تحفيز ممتاز، و لا بد أن تكون زيارة زوجته عاملا إيجابيا لصالحه، و ليس سببا في تراجعه خطوة للوراء!
+
فهمت أندريا ما يطلبه منها، جففت دموعها، و قررت أن تتمسك بالصبر و الأمل، يجب أن تكون قوية من أجله... كما لم يسبق لها أن كانت من قبل!
-أنا لا أفقه في هذا المجال شيئا، لكنني أعرف أنني قادرة على تحفيز زوجي أكثر من ألف طبيب بارع، لا تقلق حضرة البروفيسور، ستكون رؤيته لي الآن سببا قويا ليتقدم مليون خطوة إلى الشفاء!
+
سارت أندريا عبر رواق ثم آخر، و في لحظة طويلة جدا وقفت أمام الباب الذي أشارت إليه الممرضة تسحب نفسا عميقا، نجحت في دخول الغرفة دون أن تنهار، و تفرست فيه بنظرات ملهوفة و ابتسامة حزينة، كان صعبا جدا أن تراه شاحبا و ممددا على سرير هكذا! و مع ذلك دنت منه هامسة حين شعر بوجودها و استدار محدقا فيها بذهول:
+
-حبيبي!
3
اتسعت حدقتا عينيه، و تحولتا إلى حجري عقيق أسودين في بحيرتين من العسل اللامع، لاحظت أن شعره الجميل قد حُلق تقريبا استعدادا للجراحة، جلست على حافة السرير متحسسة وجهه، و تمتمت:
+
-كيف تحرمني من أكون موجودة معك في وقت كهذا؟
+
تحدث ألكسندروس بصعوبة آلمت قلبها لكنها تماسكت:
+
-لم أرد.. أن تريني... في هذه الحال! ليس بعدما حصلت على تسريحة جديدة!
1
ضحكت لمزاحه محاربة دموعها، و اقتربت أكثر لتلمس أنفاسها شفتيه هامسة:
+
-أيها المجنون! ألم تلاحظ أنني أحبك في كل الظروف، و أسعى لأراك في أي حال كنت عليها!
كانت عيناه ذابلتان، نظرته زائغة، و فمه جاف، لكن لمعة مميزة ولدت في مقلتيه بكلامها، استطاع أن يهزم ثقلا جثم على جسده، استوى جالسا قبل أن تساعده، و مد يديه إلى شعرها و خديها، ثم أغرق شفتيها بعناق ناعم مشتاق، تنفسا بشغف بعد ذلك، و قال ألكسندروس مداعبا أنفها بسبابته:
+
-كأنك سقطتِ من العدم! كيف علمتِ أنني هنا؟
+
سردت له اكتشافها لحبه و أنه السيد المجهول، ثم تناولت عثورها على التقرير الطبي، لكن ما رواه ألكسندروس كان المفاجأة العظمى، بل سيولا من المفاجآت! سألته لِمَ لم يكشف عن حبه منذ زمن؟ فأذهلها جوابه:
+
-كنت أنوي ذلك قبل سنوات، لكنني لم أكن آنذاك سوى مجرد رجل أعمال بسيط شق طريقه للتو في عالم التجارة! أردت أن أعود إلى اليونان كما وعدتك تحت شجرة الزيتون رجلا ثريا يستطيع تحقيق أحلامك كلها!
1
استغربت أندريا و سألته بحيرة:
+
-لكنك كنت ثريا بالفعل، أعني أنك كنت منذ البداية و ريثا للسيد أوبري!
+
-هذا ما أشاعه الناس فقط، و الحقيقة هي أن السيد أوبري كان موظفا عاديا في الميناء، و بعد تقاعده حللت أنا مكانه، عملت بجد و درست في الآن نفسه، لأكون قطب الشحن يوما ما!
1
دهشت بحق، و دق قلبها و هي تعلق بحزن:
+
-ماذا عن كرهك لي بعد ما حل بوالديك؟ أمضيت عشرين سنة و أنا أجزم أنك تمقت الأرض التي أمشي عليها!
+
ظهر في عينيه الندم، فأجاب ممررا أصابعه على وجهها:
+
-هناك مشاعر تدفع بنا إلى التهور أحيانا، كغضب طفل يتيم و معدم! لكن حبك الذي لم ينضب داخلي هزم غضبي، و علاوة على ذلك... تبين لاحقا أن شخصا آخر تلاعب بمحرك المركب فسبب عطله، والدك كان بريئا!
5
فغر فم أندريا، إنها عدالة القدر، لطالما وثقت في براءة والدها من موت الزوجين ليفانوس الذين كانا أفضل أصدقائه!
+
-هل تذكرين خيمينوس؟
+
-سكير الشواطئ؟!
+
رجعت أندريا بذاكرتها إلى ذلك الرجل البذيء، صاحب الثياب الرثة، الذي كان يجوب شواطئ خيوس بزجاجة خمر مثيرا المشاكل هنا و هناك! هز رأسه بثقل و تابع:
+
-كان قد أوشك ليلة الحادثة على اغتصاب مراهقة قرب منزلكما، غير أن دونالد هيل تدخل بشجاعة و أبرحه ضربا منقذا الفتاة، حقد خيمينوس على والدك، فتسلل إلى مركبه فجرا، و تلاعب بالمحرك، كانت نيته أذية دونالد، و لم يكن يعرف أن والديَّ سيستقلان المركب في جولة بدلا من غريمه.
+
سقطت دموعها رغما عنها، و ارتمت عليه تحتضنه بحنان مرددة:
+
-أنا آسفة لما حل بهما حبيبي!
+
-لا تأسفي على قدر كان محتوما و خارجا عن إرادتنا! لقد اعترف خيمينوس بذنبه و هو يحتضر بين يدي أمه بسبب إسرافه في تناول الخمر!
+
ربت على ظهرها و نظر في وجهها حين ابتعدت مستطردا:
+
-بعد معرفتي للحقيقة قهرني الندم، و أكلتني الحسرة، حاولت أن أعود و أعوضك عن هجري لك بتلك الطريقة، و أن أسندك في النكبة التي مررت بها، لكن قدري عاكسني، و ظهر الورم من حيث لا أدري! شككت أن لي فرصة بالنجاة و العيش معك في حب و سعادة كما تمنيت، فاكتفيت بملاحقة أخبارك دون إغفال لأي تفصيل صغير، و هكذا اكتشفت أن شريكك في العمل شخص وضيع لا يؤتمن، و أن زوج أمك متورط في صفقات مشبوهة و ديون طائلة!
+
أكملت عنه أندريا مخمنة:
+
-فدفعت ديونه كاملة، و استعملته لتصل إلي و تتزوجني!
+
ابتسم بمرح معلقا:
+
-كان لا بد من ابتزازك، لكنني فور زواجنا تخلصت من كل المستندات!
1
-لقد جعلتني أعتقد أنك جاد في تهديداتك!
+
-لا أنكر أن بافلوس يستحق السجن، لكنني لم أنوِ فعلا رميه خلف القضبان! و كل وعيدي كان ضروريا لدور الرجل القاسي المجرد من الشعور، حسنا! علي أن أعترف أنني كدت أنهار و أكشف جنوني بحبك ليلة الزفاف! لكن حين ناديتني بكل رقة باسمي القديم خشيت أن تتعلقي بي إن لمستك، و كان أصعب شيء في حياتي أن أنسحب بعيدا عنك بتلك القسوة!
4
غمرها الذهول، و تمتمت متعثرة:
+
-ظننتك نفرت مني! لا أصدق أنك تأرجحت بين دورين طوال الوقت! و أنا التي فكرت أنك لم تعد تعرف ما هو الحب؟ و من هي أندريا؟!
+
طبع قبلة على خدها و رد بنعومة:
+
-كنت أنا الآخر أجهل أن الحب لا يزال حيا في قلبك، كان زواجي بك يهدف لإبعاد أنتوني كوركيس عنك، و الأهم من ذلك لتكوني وريثة ثروة ليفانوس بعد موتي!
+
ألجمت شفتيه بخوف، لكنه قبل أناملها و تابع بابتسامة رائعة:
+
-كنت مستسلما للموت، متجاهلا إلحاح نيكولا على إنقاذ نفسي بترك التدخين و قبول إجراء العملية، خططت مع سانتوس ليستمر بدلا مني في دور المرسل المجهول لتكوني دوما محط اهتمام، و رتبت ليتم نقل كل شيء باسمك بعد رحيلي، لكن ما ظهر عليك بعد أسابيع قليلة من زواجنا أكد لي أنني لا أزال موجودا بقلبك!
+
لمس يسار صدرها بخفة مضيفا:
+
-لهذا خلعت قناع القسوة و البرود، و قمت بخطوتي الأولى نحو النجاة من أجلك، أيقنت أن موت الزوج الذي دافعت عنه بغيرة مذهلة أمام كريستين سيحطم هذا القلب الجميل، فكان لا بد أن أتمسك بالحياة... لنعيش سويا كما حلمنا في الطفولة!
مررت يدها على خده، و قالت بحب:
+
-كنت أعرف أن من يراسلني شخص رائع، لكنني لم أستطع إلا أن أحب زوجي المتسلط، و مع ذلك كان يفترض بفطنتي العتيدة أن تجعلني أدرك باكرا أنكما واحد!
+
ضحكا معا، و أردف ألكسندروس:
+
-و كيف أدركتِ الآن؟ فحادثة ظهور نيكوس ساماراس دفعتني لأتوقف عن إرسال تلك الأشياء حتى لا أبث فيك مزيدا من الرعب!
+
ابتسمت لحيرته و أجابت بغنج:
+
-أخبرني الفنجان... ألم تقل في خطوبتنا أن أسأل الفنجان إن كنت رجلي المناسب؟! و هذا ما حدث، اعترف الفنجان بكل أسرارك أيها الإسبرطي العظيم!
+
خطف ألكسندروس فمها الجميل في عناق تسلل أثره الساحر إلى أعماقه، فظهر في عينيه و ابتسامته ألق زاده تماسكا و قوة، تمتم فجأة:
+
-أندريا! إذا لم ينجح الأمر...
+
-سينجح!
+
-أريد أن أقول هذه الكلمة قبل أن أصبح مجرد جثة تصارع الموت! ربما لن أعود أبدا! أحبك أندريا!
+
-ستعود إلي ألكسندروس! ستعود و ستقولها لي ألف مرة، و ستعانقني ألف مرة، لأن هذه الشفاه لا تمل أبدا!
+
أحاطت أندريا يديه بكفيها و همست له قبل أن تودعه لدى الممرضات و الجراحين:
+
-أحبك ألكس، و سأنتظرك كما تعودت دوما!
+
خضع ألكسندروس لجرعة التخدير عقب التشجيع الروتيني من الجراحين، أغمض عينيه و هو يشعر أنه بدأ يتلاشى داخل عالم آخر، و لم يستطع أن يتخيل إلا وجه أندريا. أحدث نيكولا تحت نظر أستاذه فتحا مدروسا في الجمجمة كاشفا عن الدماغ و الورم، و تحركت المشارط و الملاقط و قطع القطن بين أيدي الطاقم في دوامة لا تكاد تنتهي. حدث نزيف جعل نيكولا يتوتر، إنها ليست أول جراحة يجريها، لكن المريض هذه المرة صديقه العزيز! تدخل الدكتور زايفرت بثقته و خبرته الطويلة منقذا الوضع فأوقف النزيف. و بعد ساعات من العمل بدقة و تركيز و حذر، أستُئصِل الورم من دماغ المريض بنجاح، و تأكد نيكولا أن الأنسجة سالمة و الخلايا بخير، فتنفس بارتياح خلف كمامته و أغمض عينيه شاكرا السماء و هو يعيد تثبيت عظام الجمجمة بالمسامير المعدنية قبل تقطيب الجلد، يبدو أن صديقه سيحظى بعمر طويل!
+
هلكت أندريا من تمشيط الرواق بخطواتها، لكنها لم ترحم ساقيها، و رفضت الجلوس، الانتظار خارج غرف العمليات أسوء اللحظات التي قد يمر بها المرء، انتظار نظرة قد لا تراها ثانية، تسمرت في مكانها بخروج الفريق من الغرفة، خلع الجراحان كمامتيهما محدقين بوجهها المخطوف، ثم ابتسما معا معلنين على التوالي:
1
-أصبح السيد ليفانوس في بر الأمان أخيرا!
+
-كنت أعرفُ أنني صديقي محارب حقيقي!
+
تجاوزها البروفيسور نحو إنقاذ أرواح أخرى، و في أثره سرب من الممرضات، فالتفتت أندريا إلى نيكولا و هي تذرف دموع الفرح مرددة:
+
-لن أنسى ما حييت أنك و أستاذك أعدتما زوجي للحياة!
+
منحها ابتسامة عريضة و قال متعجبا من سحر القدر:
+
-المنقذ الحقيقي هو الحب!
+
تفقدت أندريا ثوبها المخملي الأحمر ذي الذيل الطويل في المرآة، ثم ألقت نظرة سريعة من النافذة المستديرة، البحر هادئ، لكن ضباب كانون الأول الكثيف يغلف السماء و يعد بثلوج قريبة، الليلة عيد ميلادها، و رأس السنة قريب، و الحياة تبدو مذهلة و هي زوجة سعيدة! و فنانة متألقة! و حامل بثمرة الحب! مضت ثلاثة أشهر على خروج ألكسندروس من المسشفى، تخلص من شبح الموت، و استعاد اشراقه و خصلات شعره الحريرية السوداء! دخل أحدهم إلى قمرتها، فالتفتت لتضحك بسعادة في وجه ألكسندروس، اجتمعا بسرعة في عناق لطيف، و انطلقا في الممر متهامسين:
2
-تبدين فاتنة حبيبتي!
+
-و أنت أيضا حبيبي! بدلات السهرة السوداء تزيدك جاذبية و تحولني إلى قطة متوحشة بين بقية النساء! أنا في النهاية زوجة غيورة و شرسة جدا!
+
-و أنا في النهاية لك وحدك فاطمئني!
3
-الأصوات القريبة توحي بأن قاعة الحفل امتلأت!
+
-هذا متوقع، الجميع على أحر من الجمر توقا لسماع لصوتك!
+
توقفت أندريا فجأة و قالت برقة:
+
-لقد منحتني الكثير ألكس! و الليلة تحقق أمنيتي بالغناء على سفينتك!
+
-إنها سفينتك منذ الليلة، ثم إنك منحتني الحب و الأمل، و ستمنحينني طفلنا القادم قريبا!
1
تابع مازحا:
+
-و الكثير من أطباق الموساكا الشهية!
+
قهقهت بغبطة، و حانت اللحظة الموعودة فور اقتحامهما القاعة، جلس ألكسندروس بين الحضور كملك، و تعلق بصره بسيدة حياته و قلبه و هي فوق مصطبة مخصصة لها لتلمع مرة أخرى. تأملت أندريا يونانيا جذابا يمشطها بعينين عسليتين فخورا... عاشقا، و في أذنيه المتلهفة تردد صوت حالم يترنم:
6
”بين طيات قرنفلة زهرية،
وجدت شفاه حبيبي،
لمست بريق الشمس،
و غاص قلبي إلى الأبد،
اليوم سأحبك...
و غدا سأحمل اسمك في قلبي إلى الأبد!“.
73
النهاية.
❤️