اخر الروايات

رواية شهادة قيد الفصل الخامس عشر 15 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل الخامس عشر 15 بقلم دودو محمد 

"شهادة قيد"15

"الفصل الخامس عشر"

تعالت دقات قلب مهره بتوتر، وكأن أنفاسها تتسارع بينما الزمن يتوقف، والعالم من حولهم يتلاشى في ضباب من المشاعر. تراجعت بسرعة إلى الوراء، كاد أن يسحبها الخوف نحو السقوط، لكن يد عاصم كانت الأسرع، حيث انقضت بذراعه القوي ليحول دون سقوطها كفارس شجاع ينقذ أميرة من خطر محدق. سقطت داخل أحضانه، وحينما بدأت أنفاسها تتماسك، نظر إلى عينيها، وحينها كان هناك تلك اللحظة السحرية التي شعرت فيها بأن كل شيء في الكون قد تلاشى، تاركاً فقط عاصم ومهره، وحب مكبوت بدأ يشتعل بالمشاعر العميقة التي تجمع بينهما. وقبل أن تنجرف عواطفها نحو قبلة، انتبهت لحالتها وابتعدت بسرعة، قائلة بتوتر:
"ش ش شكرا." ابتسم بهدوء، ونظره تحمل معاني عميقة، وقال:
"العفو، ده أنا اللى لازم اشكرك أنك حققتي ليا حلمي ووقعتى فى حضني تاني."
ابتلعت ريقها بصعوبة بينما تخرج صوتها المحشرج من شدة الخجل، وتساءلت:
"ا ا استاذ عاصم م م ممكن أفهم حضرتك عايز مني إيه بالضبط؟"
نظر بعينيها بعمق، ونبرته كانت غير مفهومة كأنه يتحدث بلغة خاصة، قال:
"عايزك." نظرت له باستغراب، وسألت بتردد:
"مش فاهمة قصدك إيه؟"
اقترب منها لحد الالتصاق، همس بجوار أذنها بصوت كفحيح الأفعى:
"عايزك معناها حاجة واحدة بس، يا مهره الشرنوبي."
تركها في حيرة من أمره، دون أن تعرف لماذا شعرت بهذا القلق، لكن دقات قلبها كانت تعلن عن اندلاع حرب داخلها، حيث لا تعرف الفائز في هذه الجولة، لكنها كانت على استعداد لمحاربة مشاعرها حتى تخرج منها بأقل الخسائر. تحركت سريعاً إلى غرفتها، وعندما دخلت، وقعت على السرير بإنهاك شديد، تاركة كل ما يشغلها جانباً، لتمنح عقلها فرصة للاسترخاء وإعادة النشاط. لكن في تلك اللحظات العابرة، امتلأ عقلها بأفكار متضاربة، تساءلت عما إذا كانت مشاعرها تجاه عاصم مجرد إنجراف عاطفي لحظي أم أنها حقيقة عميقة تستحق الاستكشاف. استحضرت ذكريات اللحظات الجميلة التي قضتها معه، تلك الابتسامات العفوية والنظرات المليئة بالفتنة. وبالتدريج، بدأ الخوف يتلاشى ليحل محله شعور دافئ يملأ قلبها بالأمل، هناك شيء مختلف في طريقة تواصلهم، شيء يتجاوز الكلمات ويصل مباشرة إلى أرواحهم. أدركت بأنها ليست فقط في حاجة إلى إجابات، بل إلى شجاعة لمواجهة ما يكمن في أعماقها، لتسمح لنفسها بالشعور بكل عواطفها دون خوف من النتائج.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
بعد أن ترك مهران أخيه في السيارة، صعد مرة أخرى إلى الأعلى ودلف إلى الداخل. كانت خطواته ثقيلة، متخبطة بين مشاعر الغضب واليأس. وجد شريف يجلس بقلق على الأريكة، تنبعث منه هالة من التوتر، إذ كان يتأمل وجه مهران بعمق، ينظر إليه بنظرات مشوشة مثل أشعة الشمس المتفرقة بين سحب الغيوم. تكلم بتساؤل، محاولاً فهم ما حدث:
"مالك يا آخرة صبري هببة أيه؟".

تنحنح شريف بتوتر، فقد كان يعلم جيدًا ماذا سيحدث بعد قليل. كانت الكلمات تتردد على لسانه، وكأنها تخشى الخروج، فتكلم بصعوبة، كأن الكلمات تتعثر في الحلق:
"ذات، جاتها النوبة بتاعة الانسحاب، واديتها الحقنة."
أغلق عينيه بغضب، كأنه يحاول طرد ذكريات مرعبة من رأسه، وتحدث بهدوء حذر، كما لو كان يحاول تجنب عاصفة:
"اه وبعدين؟".

نظر إليه شريف بنظرة مطولة، كانت تعكس مشاعر الارتباك والألم التي كانت تتخبط داخله، ثم قال بصوت متقطع:
"ب ب بس واديتها الحقنة المهدئة وش ش شيلتها وحطتها على السرير."
عندها اشتعلت غيرة قوية في قلب مهران، فقد امسك بشريف من ملابسه بغضب، وشعر بدمه يغلي كالماء على النار، وقد علت نبرته بشكل غير متوقع:
"نعم يا روح أمك شيلتها! أنت اتجننت ازاي تسمح لنفسك تعمل حاجة زي كده؟".

تكلم شريف بصعوبة، وكأن الكلمات تنبض بالحذر، يدرك أن ما سيقوله قد يحدد مصير علاقتهما:
"اهدا يا وحش، مكانش قدامي حل غير كده. لما لاقيتها بتصرخ وبتحاول تهرب من الشقة وانت مش موجود، مسكتها واديتها حقنة مهدئة. ولما بدأت تفقد الوعي، ش ش شيلتها ودخلتها الأوضة وحطتها على السرير. بس بالله العظيم ذات زي أختي ومرات أخويا، وعمري ما ابصلها بطريقه وحشه أبداً."
كانت هذه الكلمات تنبع من أعماق شريف، كأنه يحاول التماس العذر لنفسه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صداقته مع مهران، لكنه أدرك جيدًا بأن هذا الموقف قد يقلب الأمور رأساً على عقب.

ضغط مهران على أسنانه بغضب، ودفع شريف بقوة، متحركًا نحو الغرفة. كان يعلم علم اليقين أن شريف معه حق في كل كلمة قالها، ولكن نيران الغيرة كانت قد استولت عليه، مما جعله يغلي كالجمر. دلف إلى الداخل ونظر إلى ذات النائمة أمامه على السرير، حيث كان جسدها الهزيل يتلوى بين الأغطية، كما لو كانت تبحث عن ملاذ من عالم يحيط بها مليء بالظلام والقلق. كانت الأنوار خافتة في الغرفة، مما أضفى جوًا كئيبًا يعكس حالتها النفسية، وزاد من شعوره بالعجز أمام هذه الفتاة التي يكنّ لها مشاعر عميقة، ولطالما اعتبرها رمزًا للضعف والقوة في ذات الوقت. أغلق الباب خلفه بحذر، واتجه نحو السرير، حيث جلس بجوارها. مرر يده برفق على وجنتها المرهفة، فشعر ببرودة جسدها، وكأن الحياة قد غادرتها لفترة. تكلم برجاء:
"علشان خاطري ساعدينا يا ذات، ارجعي أقوى من الأول."
كانت كلماته تعبر عن كل ما تمنى أن تضيفه إلى حياتها، لكنه كان يعرف أن الجملة لا تعبر عن ثقل ما كانت تمر به. ثم تمدد بجوارها على الفراش، مقربًا إياها إليه، وضع ذراعه أسفل رأسها، واستند بها على صدره، مقبلًا إياها برقة، محاولًا أن يبعث فيها شعورًا بالأمان. كانت تلك اللحظة بمثابة حبل النجاة بالنسبة له، حيث أغلق عينيه وغمغم بكلمات الحب والحنان، متمنيًا أن يجدها تريد العودة للحياة، وأن تغادر الظلال التي تحيط بها، قبل أن يغوص في سبات عميق، وأن يحلم معها بعالم أكثر إشراقًا.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
أشرقت الشمس على يوم جديد، مفعم بالأسرار والتشتت، وكأن السماء بدأت ترسم لوحة من الألوان الذهبية والوردية في الأفق... تحركت مهره ببطء، وداخلها شعور مبهم وكأن ثقل العالم كله يضغط على رأسها، مما جعل خطواتها تحاكي السير فوق غيمات كثيفة. كانت تتوق بشغف ورغبة ملحة للاستحمام، فهي تحتاج لتلك المياه الدافئة التي ستعانق جسدها وتزيل عنها الإرهاق، وتعيد لها نشاطها الذي بدا وكأنه تبخر بين أحضان أحلامها. نهضت من فراشها بشكل مفعم بالحنين إلى تلك اللحظات التي تملأها الحياة، وتوجهت نحو الحمام، وبدأت في خلع ملابسها بإهمال كأي شخص يود التخلص من أعباءه اليومية، ورمت الأنسجة التي تعكس تعبها على الأرض بلا أي اكتراث. وقفت تحت المياه، وما إن بدأت شعور الهدوء يغمرها حتى بدأت أفكارها تنجرف إلى ما حدث بالأمس مع الشاب الذي استحوذ على عقلها خلال عدة لقاءات بسيطة، لقد أصبح جزءًا من حياتها، وكأنه نجم يتلألأ في سماء أحلامها، بل حتى بات يشاركها لحظاتها السعيدة ويجعل وجهها يتلألأ إشراقًا كما لو كان تحت وهج الشمس.

فجأة، لفت انتباهها صوت قادم من الخارج، مما أثار قلقها وأعاد شعورها بالخوف والتوتر. أغلقت المياه بسرعة، وكأنها تخشى أن يُكتشف سرها، وارتدت رداء الاستحمام بشكل عشوائي ثم خرجت تركض، لكنها توقفت في مكانها بشعور صدمة وحيرة. حاولت إخراج الكلمات، ولكن صوتها خذلها وكأن اللسان قد تمسك بأفكارها، فحثت على أن تظل صامتة. شعرت كأن دقات قلبها تتردد في صدرها بنغمة جنونية، ابتلعت ريقها بصعوبة، وكأن كل شيء من حولها قد تجمد في لحظة معينة، وأخيرًا استطاعت أن تخرج صوتها المحشرج قائلة:
"ع ع عاصم!! أنت دخلت هنا أزاي؟"

نظر إليها عاصم بنظرات تفيض بالشهوة، وتقدم نحوها بتمهل. همس في أذنها بصوت مفعم بالرغبة:
"دخولي هنا أسهل ما يكون، لأن الفندق بتاعي، ومعايا مفاتيح الأوض كلها..."
أنهى حديثه وهو يلتصق بها، قائلاً بأنفاسه اللاهثة:
"بس ولا أوضه من دول يهموني، أهم حاجه عندي أنتي وبس، جيت أطمن عليكي، بس مكنتش متوقع انك تخلي النار تقيد فى جسمي بالشكل ده، انتي حلوه اوى يا مهره، جميله فى كل اوقاتك..."

أزاح أصابعه بلطف فوق عنقها الظاهر من البرنس، يشعر بأن كل لمسة له، كل إيماءة، تُحدث توتراً في أروقة قلبها. أحاط خصرها بذراعه الأخر حتى التصق بها، وكأن الوقت قد فارقهم وتركا له ماضيهما خلفهما. ثم قال:
"أنا محظوظ بيكي يا مهره، ومش ندمان أن حافظة على قلبي كل ده، علشان يكون بين أيديكِ فى الاخر، كل حته فيا عايزاكي يا مهرة قلبي."
كان يتحدث وكأن الكلمات تخرج من أعماق روحه، قيد تنفيذ الخطط الوهمية لبناء مشاعر لا تحتمل الفراق.

استفز كلماته إحساسها، وجعلها تشعر وكأنها تحلق في السماء، مشاعر لم تشعر بها من قبل، واستغلها هذا الشيطان الملعون الذي عشقته بالرغم من كُل شيء. كانت عينيها تتأملان فيه، بينما كانت تعانقها موجات من الشغف والفتنة، وكأن كل قيد اتخذته لنفسها على مر الأعوام قد انكسر في لحظة. ارتسمت على وجه عاصم ابتسامة انتصار، وكان لديه لحظة واحدة فقط ليحقق مبتغاه، حيث كان قلبه ينبض بشدة مع كل دقيقة تمر. مدّ يديه نحوها، وفك عقدة رداء الاستحمام حتى ينزعه عنها بحركات دافئة، تمامًا كما تُنشط الشمس الأرض بعد ليل طويل. وسط هذا الوهج، استسلمت له مهره بلا أي مقاومة، وكأنها ألغت عقلها وتركت قلبها يوجهها، ليكون لها كعالم سري لا يُطال.

تمددت على السرير، واقترب منها عاصم واقتحم فمها بقبلة جياشة، تحمل نيران الشوق التي ظلت تكتمها. تحركت يداه بحيوية أكثر على جسدها، يفحص كل منحنى وجمال، لكن ما أعادها إلى رشدها كان رنين هاتفها كإنذار يخبرها بالخطر. انتفضت في مكانها، وكأنما أفاقت من حلم جميل، ودفعته بعيدًا عنها محدثة حركات عفوية تُعبر عن قلقها، وأغلقت رداء الاستحمام بتوتر، كما لو كانت ترسم حاجزًا بين عالمين؛ عالم الانجراف في بحر الرغبات وعالم الواقع الذي لا يرحم.

أطلق عاصم سبابًا داخليًا على المتصل في ذلك الوقت، حيث شعر بإحباطٍ كبير وهو يرى اللحظة الجميلة تتجلى وتنزلق من بين أصابعه. حاول أن يهدأ، مُظهرًا توتره وكأنه غير مدرك لما كان يفعله طوال اللحظات الماضية، قائلاً بأسف زائف:
"مهره!! أ أنا آسف، مش عارف كنت هعمل كده ازاى، مشاعري ليكي غيبت عقلي عني، بترجاكي سامحيني."
كان يتحدث وكأنه يدافع عن نفسه أمام محكمة مشاعر معقدة، متمنياً أن تنجح كلماته في إرضاء قلبها.

انهمرت دموعها بغزارة، واجتاحت شهقاتها حديثها وهي تقول بلهجة مليئة بالألم:
"اطلع بره لو سمحت."
كانت كلماتها تتناثر في الهواء كما لو كانت احتجاجًا على كل ما يدور حولها، وتعبّر عن تشتت فكرها وشعورها بالانزعاج.

جلس بجوارها، ممسكًا يدها برجاء كمن يسعى لإنقاذ حبه من متاهة مشاعر معقدة، محاولًا تهدئتها في تلك اللحظة المليئة بالتوتر:
"مهره، علشان خاطري، اهدي، بترجاكي انا اسف، معرفش انا عملت كده أزاى، مشاعرنا أنا وأنتى مش بأيدينا، أنا بحبك وأنتي كمان بتحبيني علشان كده ضعفنا فى لحظه عابره، والتليفون جه فى وقته علشان يفوقنا من الحاله اللى كنا فيها دي."
حزم ملامحه وركز نظره في عينيها، كأنه يحاول اختراق دوامة الألم التي تحاصرها.

تبع كلامه حضنًا لطيفةٍ، ربت على ظهرها بهدوء وكأن قلبه يتحدث من خلال لمسات يده، وقال بخفوت:
"بلاش دموعك، علشان بتموتني، يا حبيبتي."
كان صوته يحمل مشاعر الحماية والحنان الكاذبه، وكأن كل شيء في العالم قد توقف حولهما.

اهتز كيانها عندما أطلق عليها لقب "حبيبته"، فهذه الكلمه كالنبضة التي أعادت إليها شيئًا من الوعي. ابتعدت عنه برفق، مسحت دموعها عن وجهها، وتحدثت بصوت مرتعش ومرتفع قليلاً كمن تكافح ضد العواصف الداخلية:
"أرجوك يا عاصم، اخرج من الاوضة دلوقتي، مش عايزه حد يشوفك هنا، اكيد اللي كانت بترن صحبتي وعلشان مردتش عليها هتيجى تطمن عليا."
شعرت بالفوضى تسيطر عليها، وكأن الحزن والأسى يسلبان منها شيئًا غاليًا.

أومأ برأسه بتفهم، وكأن قلبه يحمل غضبًا أكبر من عقلها، وقال بحنو كاذب:
"ماشي، بس علشان خاطري بلاش دموع، واوعى تزعلي مني، انا مش كده صدقيني، مجرد ضعف ما بينا احنا الاتنين والسبب مشاعرنا."
كانت كلماته تتغلغل ببطء في روحها وكأنها تملس على الجروح التي لم تلتئم بعد.

أعادت شعرها خلف أذنها بتوتر، وكأنها تسعى للترتيب بين أفكارها:
"خ خ خلاص، لو سمحت ياريت متتكلمش فى اللى حصل ده تاني، وبعد كده متدخلش عليا اوضي بالطريقه دى."
كان صوتها يحمل معها حذرًا واضحًا، لكنها في داخلها كانت تتمنى أن يتحول هذا الحذر إلى حوار مفتوح مع قلبها.

نظر إليها بابتسامة، محاولًا أن يجعلها تشعر بالصفاء كما يتجلى الفجر بعد العاصفة:
"حاضر، بس قوليلى انك مش زعلانه مني."
كان يريد أن يرى بريق الأمل يعود إلى عينيها، وهذا ما يسعى إليه دون هوادة.

ابتسمت له بتوتر، قائلة:
"م م مش زعلانه منك، اتفضل بقى."
شعرت بعواطف متشابكة، ولكن في تلك اللحظة أدركت أنه كان يحاول جاهدًا جعل الأمور أفضل.

استقام بجسده، ونظر إليها بنظرة ذات مغزى، حيث عكست عينيه غموضاً عميقًا:
"بعد اللى حصل من شويه ده، حبيتك اكتر، وهعيش على اللحظه اللى هتتكرر تانى بس بالحلال."
أنهى حديثه وخرج من الغرفة.
نظرت إلى أثره بمشاعر متضاربة، وتسارعت أنفاسها عندما تذكرت لمسات يده على جسدها منذ قليل. ارتمت على السرير، وضعت يدها على وجهها بخجل، محاولة محو ما حدث من ذاكرتها حتى لا تنجرف أكثر وراء شيطانها الذي يهمس في أذنيها بوعود مثيرة، تبحث عن السلام وسط هذه الفوضى العاطفية.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
بدأت ذات تحرك رأسها ببطء شديد، وكأنما كانت تستيقظ من حلم جميل، بينما كان مهران يشعر بحركتها لكنها كانت بالنسبة له كنسمة لطيفة تلامس قلبه. فضل أن يبقي عينيه مغلقتين، حتى لا تفلت منه تلك اللحظة الهادئة التي كان يحتفظ بها في أحضانه الدافئة، مخفياً في داخله شعورًا لا يمكن التعبير عنه بالكلمات. أخيرًا، فتحت ذات عينيها ودفعتها صدمة قوية؛ إذ شعرت بشيء صلب أسفل رأسها، كأنما استيقظت من حلم لتجد نفسها في واقع مختلف تمامًا. نظرت إلى الأعلى، واتسعت عيناها في ذهول عندما رأت وضعهما؛ انتفضت بسرعة، واستقامت على الفراش كأنها تخشى أن تستمر في الخضوع للدلال الذي توفره تلك اللحظة. ثم صفعت ذراعه بغضب قائلة:
"أنت يا أستاذ ازاي تسمح لنفسك تنام جنبي على السرير، أنت اتجننت!"
فتح عينيه وابتسم لها بابتسامة هادئة، تلك الابتسامة التي كانت كافية لتخفف من حدة الغضب الذي اعتلج داخلها.
"صباح الخير يا زوزو."
ضغضت على أسنانها بعصبية، قائلة:
"أنت عندك أيه برود الأعصاب ده؟ شايفني متعصبة وأنت تقولي صباح الخير يا زوزو، رد عليا، ازاي تنام جنبي على السرير كده؟"
اعتدل على الفراش وجلس بجوارها، متسائلاً ببراءة:
"مش كنتي هتموتي على حضني؟ أيه اللي حصل دلوقتي؟"
وهي تتأفف، حاولت أن تهدأ قليلاً، وتحدثت بنبرة حذرة، كمن يتحضر لقتال:
"مش إحنا اتفقنا إنك هتحترم نفسك علشان مرجعش شقتي تاني؟ أرجوك حافظ على وعدك ده ومتندمنيش إن وثقت فيك."
احتضنها بذراعه وابتسم لها بنبرة هادئة، كما يفعل المحبوب دائمًا عندما يشعر بأن علاقته قد تكون على المحك:
"وأنا عمري ما خالفت بوعدي يا ذات، ولما نمت جنبك امبارح ده لأنك كنتي بردانه جداً بليل، أخدتك في حضني علشان أدفيكي، مكنش في نيتي أي حاجة تانية خالص."
رفعت أحد حاجبيها بسخرية، وكأنما لم يمر عليها كأي حوار منطقي:
"والله! ليه من قلة البطاطين؟! ما بلاش شغل التلزيق ده مش لايق عليك يا مهران باشا."
ابتسم لمزاحها، قائلاً:
"رغم إن حاسس باستهزاء في كلامك ليا، بس ماشي هعديها وأقولك اللى فيها. انتي اللى مسكتي فيا وكلبشتي، معرفتش أقوم، روحت مكمل نوم جنبك."
نظرت له بذهول، وصرخت بعدم تصديق: "أنت كداب!"
اقترب منها، ونظر في عينيها، وكأن العالم من حولهما قد تلاشى، وقال بصوت هامس: "عندك عيوني اهو... بصي فيهم وانتي هتتأكدي إني مش كداب."
تعالت أنفاسها، وازدرقت ريقها بصعوبة، لم تستطع الفرار من سحر تلك اللحظة، ثم ردت:
"خ خلاص ماشي، بعد كده لو عملت كده تاني، ملكش صالح بيا، وسيبني ونام مكانك على الكنبة."
أنهت كلامها ونهضت سريعًا من على السرير وركضت إلى المرحاض، للهروب من كل ما أثار قلبها. ظل يتابعها بابتسامة عاشقة حتى اختفت من أمام عينيه، وكأنه يعلم أن هذه اللحظات هي ما يعزز نبضات قلبه. استقام بجسده وتحرك إلى خارج الغرفة، ليجد شريف جالسًا على السفرة يتناول الطعام، وكأنه ينظر للحياة بطريقة أبسط. تكلم بمزاح:
"أتمنى تكون الخدمة هنا عجبت سيادتك."
حرك شريف رأسه علامة عدم الرضا، لكنه أعاد التركيز على طعامه، وقال:
"مش بطال."
أمسكه من تلابيبه بتساؤل، محاولاً استثارة رد فعله:
"مش أيه يا أخويا؟"
مثل الخوف وقال بطريقة كوميدية، كأنه ممثل في عرض مسرحي:
"السماح يا سيد الناس، طمني سبع ولا ضبع؟"
أنهى كلامه بإشارة عينه إلى الغرفة الخاصة بمهران وذات، وكأنما يثير فضول شريف حول ما يجري داخلها.دفعه بعيدًا عنه بضيق، وقال:
"أنت عبيط يا ابني، سبع ايه وضبع ايه، ما أنت عارف اللي فيها، وهي لسه متعرفش حاجة."
ثم جلس على الأريكة، وتكلم بصوت مختنق، كما لو كان يتحدث عن سحر غير محدود:
"أنا هأجل خطوة معرفتها بالموضوع ده، بعد ما أخلص من عاصم واللي عايزين يأذوها، وبعد كده هقولها وأعملها أكبر فرح الناس كلها تتكلم عليه، وساعتها بس أقدر أتمم جوازنا."
تكلم شريف بسرعة، وكأنه حس بشيء غير مريح:
"استني عندك، انت قولت كل حاجة بس مجبتش سيرة أبوك خالص، ناوي تعمل معاه إيه وانت عارف ومتأكد إنه مستحيل يقبل بالجوازة دي."
زفر بضيق، وقال بنفاذ صبر:
"أنت أيه حكايتك كل شوية تجيب السيرة الغم دي ليه؟ هو ملوش حاجة عندي، أنا مش عيل صغير عشان يستنى أوامر أبوه. مستحيل اسمح ليه يدخل في حياتي ولو ثانية واحدة."
تنهد شريف بضيق، لكنه كان يعرف أنه على حافة معركة نفسية، فهو يعلم جيدًا بالصراعات الدائمة بين مهران ووالده، وعدم الاتفاق على رأي واحد، ويعلم ماذا سوف يحدث عندما يعلم بزواج ابنه مهران من ذات، وعدم قبوله لها، وسوف ينفتح باب من نار لا يمكن إغلاقه. التفت عند صوت مهران الذي يناديه:
"إيه يا ابني روحت فين؟ قوم اعملي واحد نسكافيه."
نظر له بغضب، وقال:
"نعم يا أخويا، انت هتسوق فيها ولا أيه؟ حضرتك بس لو ناسي، أنا هنا بصفتي دكتور وبعالج مر... أقصد ذات، مش خدام جنابك."
نظر له بعدم اهتمام، وكأنه يهمس لنفسه، وقال:
"أخلص يا ابني بلاش شغل خالتي اللتاته ده، خليني أشربه وأجهز وأنزل عندي مشوار مهم."
هب واقفًا وتكلم بزعل مزيف:
"دعيت عليك بعدد شعر راسي يا مهران يا ابن أم مهران."
أنهى كلماته ودخل المطبخ.نظر إلى أثر شريف بابتسامة ممتنه. وفي ذلك الوقت، جلست ذات بجواره وزفرت بضيق، كأنما تحاول أن تجد مخرجًا من الحال الذي هي فيه، ونظر لها باستغراب:
"مالك بتتنفخي ليه بس؟"
تكلمت بصوت مختنق:
"زهقت من القاعدة في البيت، مش أنا خلاص خفيت، خليني أرجع شركتي بقى، أنا بقالي كتير أوي مش بروح، والله أعلم إيه حصل فيها."
حرك رأسه بالرفض، قائلاً بحزم وكأنما يحمل لها توجيهات صارمة:
"مين قالك إنك خفيتي؟ انتي لحد امبارح بليل كان عندك لسه أعراض الانسحاب ولسه موجودة بنسبة كبيرة عندك في الدم. احنا لسه في أول الطريق والمشوار طويل. لسه يا ذات، معلش تعالي على نفسك، وأستحملي شوية، والشركة متشغليش بالك بيها، أنا متابع الشغل فيها وعيني على كل حاجة."
تكلمت بتذمر، وكانت في قلبها تُكاسر الظروف التي تقيدها:
"يوووه يعني أنا هفضل محبوسة كده ما بين أربع حيطان، اتخنقت."
لكن فجأة جاءتها فكرة شيطانية، اقتربت من مهران وامسكت يده، وكأنها أرادت فرض إرادتها عليه، وتكلمت بدلع:
"علشان خاطري يا مهورتي، خرجني شوية أشم شوية هوا، حتى لو هتشربني حاجة في أي كافيه، وبعد كده رجعني هنا تاني، اهو اسمي جدد نشاطي علشان أصد على باقي العلاج."
نظر إلى يدها الممسكة بيده، وكأنما يرى في ذلك المؤشر علامة جديدة للحب والتعلق، وحاول استغلال الموقف لصالحه، فقال بجدية مزيفة، يدرك أن كلماته تصطدم بجدار رغبتها:
"متحاوليش يا ذات، مش هينفع."
اقتربت منه أكثر، وكأنها تعرف أنها تملك قوة التأثير عليه، واتخذت قرارها بمرواضته، حركت يدها على صدره، وقالت بدلع أكبر:
"وحياتي عندك يا مهورتي، حتى لو خمس دقايق بس."
حرك رأسه بالرفض، لكنه كان مستمتعًا بتقربها إليه، وكأن كل كلمة تقال تزيد من نبض قلبه. تعالت عندها روح التحدي، اقتربت منه أكثر حتى التصقت به، ونظرت في عينيه، وكأنهما يغمرانها بمشاعر متناقضة، وقالت بصوت هامس:
"أهون عليك يا مهورتي، ابقى قاعده زهقانه كده، وافق بقي علشان خاطري، يلا بقى وافق."
أشعلت حواسه، وتعالت أنفاسه، وكأنما انفجر البركان بداخلهم، ونظر إلى شفتيها، أحاط خصرها بين ذراعيه، واقترب من ثغرها، قائلاً بصوت متقطع، كما لو أنه يكتشف شيئًا جديدًا:
"بلاش تلعبي بالنار، علشان انتي اللي هتتحرقي بيها يا قطة."
أنهى كلماته بمزج شفتيها، وكأنهما يتبادلان أسرار لم تُسجل، وبعد وقت، ابتعد عنها بأنفاس لاهثة، وأسند رأسه على رأسها قائلاً: "هروح مشوار ضروري، ولما أرجع هخدك تشمي شوية هوا. أهم حاجة قبل ما أخرج من هنا، تدخلي أوضك وتقفلي الباب عليكي، وإياكي تخرجي منها لحد ما أجي، فهمتي؟"
أومأت برأسها بالطاعة، وظلت صامتة بخجل شديد، وكأنها تحاول استيعاب مشاعرها المتناقضة.رفع وجهها له، ونظر في عينيها، وكأنما كانا يحملان ذاكرة مشتركة، ثم غمز لها بمودة، قائلاً:
"عجبتني طريقتك لطلب الحاجة مني، استمري على كده."
لم تستطع التحمل أكثر، ونهضت سريعًا وركضت إلى الغرفة، وأغلقت الباب خلفها بخجل، وأسندت ظهرها عليه، وكأنها تحملت وزر كل تلك المشاعر المتراكمة على قلبها، وضعت يدها على وجهها حتى تهدأ العواصف الناتجة عن خجلها، وكان قلبها يتراقص بين الخوف والفرح.نظر إلى أثرها بابتسامة عاشق، وكأنه يدرك أنه يحتفظ بكنز ثمين. ثم اعتدل في جلسته، وكأنما كان يحاول تجميع أفكاره قبل الدخول في مرحلة جديدة من حياته. وفي ذلك الوقت، جاء شريف ووضع النسكافيه أمام مهران على الطاولة قائلاً بمزاح:
"ناس ليها الكريز وناس ليها النسكافيه، أتفضل، على الله يعجب حضرتك، وابقى خف شويه على البت، الله يكون في عونها منك."
ألقى الوسادة عليه، وتكلم بتهديد مازح، كأنه طفل يلاعب صديقه:
"كفاية، عين أمك دي اللي هتودينا وراه الشمس."
وظلوا يمزحون مع بعض، وكأنما كانت هذه التفاعلات تمنحهم طاقة إيجابية، وبعد وقت، نهض مهران، بدل ملابسه، وغادر المنزل، مع تلك الابتسامة التي كانت تخفي جانبًا من مشاعره تجاه ذات.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
جلست هالة على الأريكة، بجوارها يزيد ابنها، وعيناها تلاحقان سليم بفضول. تطرقت إلى الحديث بتساؤل مليء بالاستغراب:
"إزاي لحد دلوقتي مش عارف تشوف مقصوفة الرقبة، وتمضيها على ورق التنازل عن الشركة؟ خلاص، لدرجاتي كبرت ومبقتش عارف تتصرف خالص."
اجتاحه غضب شديد، فغلق عينيه بصرخة مدوية:
"هااااله، لمي لسانك علشان مقطعهوش ليكي فاهمة؟ وبعدين، قولتلك الولد اللي معاها ده مش سهل. كل ما أروح مرة يقولي نايمة، ومره يقولي مش هنا، ومره يقولي تعبانه وعند الدكتور بتكشف. ومش عارف أوصلها، أعمللك إيه يعني؟ أنام ليهم تحت العمارة علشان أعرف أوصلها؟"
أخذ يزيد يراقب تعابير وجه أبيه بدهشة، ثم تكلم بصوت يحمل نبرة من الغموض:
"أنا ليه حاسس إنك مخبي حاجة يا بابا؟ توترك واضح جدًا على فكرة."
كان يدرك جيدًا أن ولده سيكتشف أمره بسهولة، لكنه حاول التمسك بزمام الأمور، محافظًا على ابنة أخيه، وتحدث بنبرة متوترة:
"فيه إيه؟ أنت وامك شيفيني كبرت وخرفت ولا إيه؟ لا عندك انت وهي، أنا هفضل سليم الزويدي وكلمتي تمشي سيف على رقبة الكل فاهمين؟"
أنهى كلامه وخرج مسرعًا مغادرًا المنزل، محاولاً تفادي الانهيار أمامهم وكشف أمره. لكن يزيد، مثل أفعى جائعة، استشعر قلق والده، ونظر إلى والدته بتصميم متوعد:
"بابا مخبي حاجة، والموضوع ده شكله يخص ذات، وأنا مش هرتاح غير لما أعرف إيه هو."
نظرت له والدته بعينين ملؤهما الاستفهام وقالت:
"حاجة إيه دي يا يزيد؟ معقول يكون أبوك مضى الزفته دي على تنازل الشركة ومش عايز يقولنا؟"
حرك رأسه بالرفض، مؤكداً:
"لا طبعًا، مش هو ده السبب. بيتهيألي أكبر من كده بكتير. اصبري عليا بس، وأنا هعرف كل حاجة قريب أوي. وبالنسبة لذات، اللي عرفته إنها بتتعالج عنده في البيت، علشان حد دخلها الجرعة لحد عندها في الأوضة، علشان كده صمم إنها تروح معاه. بس مهما قعدت عنده، مصيرها هتبقى معايا. أتقلي انتي بس، وكل حاجة هتم زي ما احنا عايزين وأحسن."
أنهى حديثه واستقام بجسده، قائلاً:
"أنا هطلع أنام شوية علشان أكون فايق بالليل. سلام يا مزتي."
ثم قبل رأس والدته وصعد إلى غرفته، بدل ملابسه، واستلقى على سريره، عازمًا على الانتقام الشديد من ذات.

كان صدى كلماته لا يزال يتردد في أذنه وهو يستلقي على سرير الحلم، كل كلمة فيه تمتزج مع مشاعر متضاربة من الحزن والغضب. بينما كانت الظلال تبدأ بالامتداد عبر الغرفة بسبب غياب الضوء، شعر بقلق دفين يتسلل إلى قلبه. زادت أفكاره حدة وهو يتخيل ما قد يحدث إذا قرر والده الانصياع لتهديدات سليم، أو إذا ما استمر في الخضوع له. "لا، لا، لن أدع ذلك يحدث!" همس إلى نفسه، وهو يشعر بانتصار خفيف بزراع قوية من التصميم تزداد في داخله. أغلق عينيه مطلقًا لعقله العنان؛ كان يمكنه رؤية وجه ذات بوضوح، عيناها تعكسان الخوف والإحباط، وكيف أنها قد تكون في خطر دون أن يدرك ذلك. كان سليم يمثل خطرًا أكبر مما قد يبدو في الوهلة الأولى، ولم يكن مجرد رجل عابر في حياتهم. كان في الحقيقة مخلوقًا شريرًا يسعى لفرض سيطرته على كل شيء، وعلى قدرة والده على اتخاذ قرارات سليمة. "لا بد لي من التخطيط." قالها لنفسه، بينما بدأ يصور في ذهنه كيف يمكنه مواجهته. وفكر في كيفية مساعدتها، سواء بإبلاغ الشرطة أو بمواجهة سليم بشكل مباشر. لكن مع كل فكرة، كان هناك شعور أكبر بالخطر، وهو ما دأب على تجاهله لفترة طويلة. "يجب أن أكون ذكيًا في تحركاتي، يجب أن أعمل بسرعة." ثم توقف قليلاً، وهو يبتسم بفخر داخلي على تماسكه. "قد تكون الأيام القادمة صعبة، لكنني لن أستسلم. ذات تستحق النضال من أجلها." تجددت عزيمته عندما رأى كل ما يمكنه فعله لحمايتها، وتدريجيًا تزاحمت خطط الانتقام في ذهنه كالنحل حول الزهور، وكلها تبدأ بالانفجار في التجلي الفعلي لأفكاره.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
بالقصر الخاص بعائلة الشرنوبي

نظر مراد إلى ماهر بعينين مليئتين بالغضب الشديد. كانت الأضواء الساطعة تضيء المكان، لكن توتر الأجواء كان كافياً لجعل الغرفة مشحونة. رفع صوته قائلاً بقوة:
"أنت ليه مقولتليش أن اخوك اتجوز البت دي؟".
كانت نبرة صوته تجسد كل ما يعتمل في صدره من مشاعر، وكأن كلماته كانت تتطاير كالرصاص في محيط مليء بالقلق.

تنحنح ماهر بتوتر، وكأن الكلمات عالقة في حلقه، محاولاً التحدث بصعوبة أمام حدة نظرات مراد، فاهتز صوته بتلعثم:
"ها... م م معرفش أنه اتجوزها".
كانت لهجته تُظهر تأثير الموقف عليه، وكأن عقله يحاول عبور تجارب أليمة دفعتها الأحداث الحالية للظهور.

طرق مراد بيده على مكتبه بعنف، مما أحدث صوتاً مدوياً يملأ الغرفة، وقال بتحذير قاسي:
"حسك عينك تكذب عليا؛ أنت كنت عارف ومخبي عليا، انطق! مقولتليش ليييه؟".
كانت لهجة مراد مشبعة بالقلق، كأن الكلمة الأخيرة كانت بمثابة الحكم النهائي. في تلك اللحظة، تجمدت الأجواء وكأن الزمن قد توقف.

نظَر ماهر له بضيق، وعبر عن عدم ارتياحه بصوت مختنق كأن كل كلمة كانت تخرج من فمه كانت تحمل ثقل العالم:
"لأن هو أصلاً مقاليش؛ أنا عرفت بطريقتي زي ما حضرتك برضه عرفت بطريقتك. وبعدين هو اتجوزها على ورق بس؛ يعنى مش جواز رسمي. بس لحد دلوقتي مش عارفين إيه السبب اللى خلي عمها جوزها ليه من غير علمها، حتى لو سألت مهران مستحيل يقولي. بس أنا حاسس إنه عمل كده بسبب حاجة تخص عاصم؛ لأنه في آخر مرة قالي اسم القناص هيعلم عليهم كلهم بس مرضيش يقولي أي تفاصيل".
كانت الكلمات تتدفق منه وكأنها سيل من الأفكار المتشعبة، تأملاته كانت تعبر عن قلق أعمق حول مصير عائلة الشرنوبي.

وفي تلك اللحظة، أعلن هاتف ماهر عن وجود اتصال. استأذن من والده وأجاب على المكالمة، وجحظت عيناه بصدمه عندما سمع ما قيل له، فقال بسرعة:
"اقفل، أنا جاى حالا".

أغلق الخط ونظر إلى والده بقلق واضح في عينيه، وقال:
"قولتلك يا بابا، حب مهران لذات هيخليه مش مركز وهيغلط، اهو ابنك ورط نفسه، هروح احل الموضوع بسرعه".

انتهى كلامه وركض سريعاً إلى الخارج، صعد إلى سيارته واندفع بها بسرعة جنونية في اتجاه الموقف.

في تلك الأثناء، أمسك مراد بهاتفه وبدأ يجري اتصالاته ليستقصي عن الموضوع المقلق الذي يسيطر على تفكيره.

دقائق معدودة مرت وكأنها ساعات، وقف ماهر أمام أحد الكافيهات المزدحمة، حيث كانت الموسيقى تنبعث منها، وتفوح رائحة القهوة الطازجة في الأجواء، لكنه لم يكن لديه الوقت للاستمتاع بهذه الأجواء المريحة. ترجل بسرعة وكأنه يسابق الزمن، وركض إلى الداخل ليجد أمام عينيه مشهداً مروعاً؛ رجال عاصم مرميين على الأرض بعد أن أبرحهم مهران ضرباً حتى أسقطهم أرضًا. كانت أعداد منهم يعانون من آثار الضرب، بينما آخرون يحاولون النهوض بصعوبة. أغلق عينيه للحظة، محاولاً تهدئة نفسه في حين كانت دقات قلبه تتسارع، سائلًا الله أن يكون ما يحدث مجرد كابوس. ثم اتجه نحو أخيه، فوجدَه واقفًا في وسط الفوضى، مدهوشاً، ينظر أمامه في صدمة لا توصف. كانت عيناه تلمعان بالدهشة، وشفاهه قد ارتجفت وكادت أن تصدر صوتًا لكنه انحبس في حلقه.
قال ماهر بعدم تصديق:
"نور....."


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close