اخر الروايات

رواية شهادة قيد الفصل العاشر 10 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل العاشر 10 بقلم دودو محمد 

"شهادة قيد"10

"الفصل العاشر"

وصل سليم متوجهاً نحو مكتبه. بدأ يبحث عن ذات، لكنه لم يجدها. أخرج هاتفه وحاول الاتصال بها، لكن دون جدوى. استغرب سليم من غيابها، فمهما كانت توترات حياتها الليلية، لم تؤثر على أداء عملها في الشركة، الذي كان يمثل مصدر قوتها ورقم واحد في حياتها. نهض من مقعده، متجهاً إلى مكتبها الخاص، ودلف إلى الداخل مستقصياً عنها. وعندما تأكد من عدم وجودها، تذكر شيئاً هاماً يحتاجه. تأكد من عدم وجود أحد بالخارج، ثم أغلق الباب بإحكام. بدأ يتفحص المستندات التي تخص ذات، وفجأة، وقع نظره على ورقة معينة، فتجلى على وجهه ابتسامة تخفي وراءها الكثير من المشاعر. ولكن في تلك اللحظة، تفاجأ بظهور مهران وهو يقول له...
"خير يا سليم باشا الورقه دى تخصك فى حاجه؟"

انتفض سليم من مكانه، وابتلع ريقه بتوتر قبل أن ينفجر قائلاً:
"ا ا انت بتعمل إيه هنا، اتفضل بره".
اقترب منه مهران وتحدث بنبرة هادئة، تتظلل بتهكم:
"لا، أنا أزعل كده، انت بتطردني من شركة مراتي. طيب، المفروض أنا اللي أعمل كده وأرميك بره، بس حبيبتي قلبها طيب وقالتلي أخليك".

ضغط سليم على أسنانه بغضب وتكلم بنفاذ صبر:
"ايوه بقى أظهر على حقيقتك، بس وعزة جلالة الله ما هسمحلك تاخد مليم واحد من فلوسها، قريب قوي هرميك في الشارع".

تعالت ضحكات مهران، وجلس على المقعد الخاص بذات، متحدثاً بثقة:
"بلاش تحلف، انت مش قد الصيام، انت راجل كبير. عموماً هات الورقة دي وأتفضل على مكتبك، ورايا شغل كتير عشان حبيبتي هتريح اليومين دول في البيت، وأنا همسك مكانها".

نظر سليم له بكراهية شديدة، متحدثاً بغضب:
"الورقة دي تخص الشغل، محتاجها".

تحرك تجاه الباب لكنه توقف عندما سمع مهران يقول له:
"هات الورقة دي أشوفها، أي حاجة في مكتب ذات متخرجش منها إلا بأمري".

رد سليم بغضب، والشرار يتطاير من عينيه:
"خف يا شاطر، لأنك مش قد اللعب معايا".

أنهى كلامه تاركاً إياه، متجهاً إلى مكتبه، محتفظاً بهذه الورقة التي ربما تكون طوق نجاة في يوم من الأيام.
ضغط "مهران" على أسنانه بغضب، وهو يشعر بالقلق تجاه مخطط هذا الرجل تجاه ذات. نظر إلى الأوراق الموجودة أمامه بتركيز، لكنه وجدها طبيعية، لا تحتوي على ما يثير الجدل. أعادها مرة أخرى إلى مكانها، ونهض من على مقعده مغادراً الغرفة، مغلقاً الباب بإحكام، تاركاً الشركة، متجهاً إلى المصحة.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
خارج مصرنا الحبيبة، جلس على مقعده المتهالك بكل هيبة، وهو ينفث دخان سيجاره المحترق في الهواء، تكلم بنبرة غاضبة تسلل منها الضغط النفسي الذي يعاني منه:
"شكلك كبرت وخرفت يا سليم، يعني إيه مش قادر تحكم على بنت أخوك؟ شكلك عايز يتعمل فيك زي ما اتعمل في أخوك ومراته".

ابتلع ريقه بصعوبة، وأخرج الكلمات من بين شفتيه المتعثرتين:
"ها ل ل ليه بتقول كده يا ب ب باشا، ما أنا تحت طوعك من وقتها، واللي بتطلبه مني بنفذه بالحرف".

هدر به بغضب شديد، صوت كلماته مثل الرعد:
"بس لحد دلوقتي مش عارف تاخد الشركة من عيلة زي دي، قُلتلي دماغها ناشفة، أديتها اللى يلينها. روحت جبت ليها واحد يحرسها، مفكرنا مش هنعرف نوصلها؟".

تحدث بصعوبة وبالتماس، وكأن الكلمات تقاوم الخروج:
"ي ي يا باشا، أنت وعدني إنك مش هتأذيها مقابل إن أسهل ليكم الشغل، ويدخل مع بضاعتنا، وده اللى بيتم. أنا بس جبت ليها حارس شخصي علشان بتسهر كل يوم لصبح، وبخاف عليها وهى راجعة متأخرة لوحدها وسكرانة".

تعالت ضحكاته الساخرة بالغضب، وقال بتهكم:
"أنت عايز تقنعني إنك فجأة بقيت حنين وخايف على بنت أخوك؟ ما أنا عارف اللى فيها، اتعدل معايا أحسنلك. بنت أخوك دلوقتي بتتعالج في المصحة من الإدمان، والبنت دي لو فاقت هترجع توقف لنا في شغلنا تاني، تعمل بكل طريقة وتخرجها من المكان ده قبل ما تتعالج وتحاول تمضيها على الشركة وهى مش فايقة. خلينا نمشي شغلنا بحرية أكتر".

اتصدم عندما علم بدخول ابنة أخيه المصحة، وعبرت ملامحه عن عدم الفهم:
"وحضرتك عرفت إزاي يا باشا؟".

في تلك اللحظة، سمع صراخ هذا الرجل يتردد من سماعة الهاتف، كالإعصار:
"انت بتتكلم في إيه، هو ده كل اللى شغلك؟ عرفت إزاي؟! بقولك اتصرف وخرجها من المكان ده بسررررعه".

انتفض مكانه بخوف، كأنه فقد توازنه، وتحدث بتلعثم:
"ح ح حاضر يا باشا، ه ه هحاول أخرجها".

أغلق هذا الرجل الخط بغضب شديد، نظر أمامه بتحدي، قائلاً بتوعد:
"مبقاش أنا عاصم الدويري لو مكنتش دفعتكم التمن غالي أوي".

في هذه الأثناء، أتت زوجته بابتسامة هادئة، نظرت إليه باستغراب، قائلة:
"بتعمل إيه يا حبيبي كل ده؟ يللا، أجهز علشان منتأخرش على الطيارة".

تبدل حاله، ولانت ملامح وجهه من الحدة إلى الحنان، قائلاً بابتسامة حنونة:
"انت تأمر يا قمري، عندي شوية شغل هخلصهم وجاي وراكي على طول".

أومأت برأسها بتفهم، مقبلة وجنته بحب، تاركة إياه منغمسًا في أعماله الشيطانية، وكأنها تؤمن بأن هناك طريقًا للخروج من ظلمة مشاغله.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وصل مهران إلى المصحة حيث تتلقى ذات العناية الطبية. كان القلق يتاجج في قلبه وعيونه تبحث عن طمأنينة. دلف إلى غرفة الطبيب شريف وابتسم له بطريقة تحمل طابعًا من الخوف والقلق:
"ذات عاملة ايه يا شريف؟ طمني بالله عليها."
رد شريف بنفاذ صبر، محاولاً تذكير مهران بالقوانين المنصوص عليها في المصحة:
"يا ابني أنت مش قولتلك ممنوع الزياره الفتره دى جاااي ليه."
أزاح مهران نظرته بقلق وأجابه بنبرة تحمل تلميحات تحدي.
"شكلك نسيت العلقات بتاعتى بتاعة زمان، هو انت علشان بقيت دكتور هتشوف نفسك عليا ولا ايه؟ يالا، انا لازم اشوف ذات حتى لو من بعيد، عايز اطمن عليها بنفسي."
حرك شريف يده على مؤخرة رأسه، وتحدث بمرح يحاول تخفيف حدة الموقف:
"ودي حاجه تتنسي برضه يا ميهو، ده انت عليك كف يجبلك ارتجاج فى العيون."
لكن مهران أصر على موقفه، فابتسم له بجدية:
"بجد يا شريف انا لازم اشوف ذات واطمن عليها بعيوني."
نظر شريف إليه بتعاطف، فقد كانت حالته أشد مما تبدو عليه ذات، لكنه كان يعلم أن مهران يحتاج أن تكون له تلك اللحظة:
"بص أنا هعملك كده علشان غلاوتك عندي مع إن ممنوع حاجه زى كده تحصل، بس كمان لأن شايف ذات محتاجه وجودك جنبها يقويها. هدخلك تشوفها وتحسسها بيك، بس ارجوك مهما شوفت حالتها متحسسهاش بأي تعاطف نهائي، فاهم؟"
أومأ مهران برأسه بالموافقة، وكان يفكر في كيفية التقاط تلك اللحظة الثمينة. بدأ الاثنان التحرك نحو الغرفة التي كانت بها ذات. كل خطوة كانت تعزز مشاعر الخوف والأمل في قلب مهران. كان على وشك رؤية الشخص الذي أعطى لحياته معنى، ويتمنى أن يكون وجوده بمثابة الدواء لروحها الموجعة.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
بدأت ذات تتحرك برأسها، وهي تتأوه بصوت خافت من شدة الألم. ضغطت بيدها على رأسها لعلها تخفف الألم قليلاً، لكن دون جدوى. شعرت وكأن كل نبضة من قلبها تضاعف من وجعها، وكأن عصبيتها تتنازع بين الألم الجسدي والتوتر النفسي. اعتدلت سريعاً على التخت، وبعد لحظة من الصمت اللا متنهي، أطلقت صرخة قوية، فعبر صوتها عن عمق المعاناة، وبدموع تتساقط على وجنتيها، قائلة:
"خرجوني من هنا، همووووت! حرام عليكم، أبوس أيديكم، سيبوني أمشي. مهران، تعالى، خرجني من هنا زي ما دخلتني. حد يرد عليا بقى."
كان صوتها يملأ الغرفة، معبرة عن يأسها ورغبتها الملحة في الهروب من هذا الكابوس. في تلك اللحظة، انفتح الباب ودخل مهران مع الطبيب شريف. عندما رأى حالها المتدهور، انقسم قلبه نصفين من شدة الألم الذي يعتصر روحه. بشرتها الباهتة وكأنها فقدت جزءًا من حيويتها، بينما كانت الهالات السوداء تحيط بعينيها، ويديها ترتعشان بشدة، وكأن التعب والضعف أصبحا يسيطران على جسدها. عندما رأت مهران، نهضت سريعاً وارتمت في أحضانه، تمسكت به كأنما هو طوق النجاة الوحيد في بحار أحزانها، وتحدثت بين شهقاتها:
"أبوس إيدك، خرجني من هنا يا مهران، والله العظيم بموت! مش قادرة، حاسة روحي بتروح مني من شدة الوجع. ساكت ليه بقى، يا مهران؟ بترجاك، خدني معاك، متسبنيش في المكان ده."
ضمها مهران أكثر إلى أحضانه، وظل يربت على ظهرها بنبرة هادئة وواعية، محاولا زرع الأمل في قلبها الضعيف:
"مش ذات الزويدي اللي تستسلم بسهولة كده. إنتي قوية وهتقدري تتخطي اللي انتي فيه بسرعة وترجعي أقوى مليون مرة من الأول."
بتصاعد الدموع على وجنتيها، والألم ينخر بداخلها، ردت بصوت ضعيف:
"أنا ضعيفة قوي يا مهران، مش قادرة أستحمل الألم، روحي بتنسحب مني والله."
أبعدها برفق من أحضانه، وكوَّب وجهها بين يديه، نظر في عينيها الذابلتين، مبتسماً ابتسامة هادئة رغم الألم:
"التحدي صعب، بس أنتي قده. لو مُكنتش واثق إنك هتقدري تكسبي التحدي ده، وتتخطي اللى انتى فيه، مكنتش وافقت أساعدك وأقف جنبك دلوقتي. لأن أنا مش هقدر أتحمل خذلان من حد تاني، إنتي الأمل الوحيد اللي هترجعلي ثقتي بنفسي."
أغلقت عينيها بألم وصرخت بدموع:
"ااااه بموت، مش قادرة!".
لقد كانت كلماتها كفيلة بأن تثير مشاعر القلق في قلب مهران، وقدح النار في روحه. لمحت الباب مفتوحاً، دفعت به بقوة، مبتعدة عنه، وركضت باتجاهه، لكن يد مهران كانت الأسرع، والتقطتها قبل أن تبتعد كثيراً، وعاد بها إلى الغرفة، تحت صراخها الذي كان يصدح من شدة الألم وكأن لا أحد يسمعها. أغلق مهران الباب خلفه، وضع ذات على التخت بحذر، قائلاً بتحذير:
"اياكي تفكري تعمليها تاني، فاهمة؟".
حاولت النهوض، لكن يد مهران كانت كبلتها، ومنعت حركتها بفزع، صرخت قائلة:
"أبعد عني، سيبني! أنا مش عايزة أقعد هنا. أنا عاااايزة أخرج. سيبني بقولك يا حيوان!"
أنتهت من حديثها، وظلت تصرخ بطريقة هستيرية، وكان صراخها كأنين المجتمع الذي لا يرحم. وأخيرًا، حضر الطبيب، نظر إلى مهران قائلاً:
"ساعدني وامسكها كويس، لازم تاخد حقنة مخدرة حالاً."
بالفعل، أمسك مهران بها بإحكام، تحت صراخها وسبابها اللاذع، حتى يتوقف. وأخيراً، بدأ المخدر يسري في جسدها، نظرت إلى مهران بدموع تتساقط كحبات رمل من ساعة رملية، بينما بدأ صورته تتلاشى أمام عينيها، قائلة بصوت متقطع:
"م ه ر ا ن."
خارت قواها، مستسلمة لعالم مظلم آخر، وقد يكون أقل قسوة من عالمها هذا.عندما تأكد أنه تم تخديرها تماماً، جلس بجوارها على التخت، أخذها في أحضانه، ونظر إلى شريف بتساؤل عميق:
"هي على طول كده، ولا هي عملت كده لما شافتني؟"
أجاب الطبيب بمهارة، موضحًا:
"لا طبعاً، هي على طول كده وهتفضل كده لحد ما ينسحب من جسمها المادة المخدرة. وده طبيعي جداً، كل الحالات بيحصلها نفس الأعراض دي. عشان كده بنخدرهم في أول مرحلة في الانسحاب، عشان أعراضه بتبقى صعبة جداً، وبعد كده بيخف حدة العصبية عندهم وبيقدروا يتحكموا في ردود أفعالهم. في الوقت ده، قوة إرادتهم هي اللي بتحكمهم، وكل ما كانت إرادتهم قوية، كل ما كانت استجابة العلاج أسرع."
زفر مهران بضيق، وتكلم بصوت مختنق، وقد تجلّى القلق في ملامح وجهه:
"المفروض هتفوق إمتى كده؟"
أجاب شريف بنبرة هادئة تعكس خبرته وثقته:
"كده هتفوق بالليل، ويجيلها نفس الحالة، ونديها المخدر تاني. هتفوق تاني يوم زي دلوقتي."
أومأ برأسه بتفهم، ونظر إلى ذات وهي نائمة داخل أحضانه، وكأنها ضوء مشع في عتمة الليالي، وقال:
"أنا هقعد جنبها شوية، وبعد كده همشي، عشان ورايا مشوار مهم.
"ابتسم شريف له، وخرج من الغرفة، وأغلق الباب خلفه.ظل مهران يتابع شريف حتى اختفى من أمام نظره، ثم حرك يده على شعر ذات بحنو، وتحدث بنبرة هادئة ومرحمة:
"علشان خاطري، أقوي يا ذات. إنتي الحاجة الوحيدة اللي رجعتي لي الأمل من تاني. علشانك هفتح في القديم وأجبلك حقك. أنا مش عارف ليه بعمل كده، ولا عارف ليه إنتي بالذات، بس جوايا حاجة بتشدني ليكي. رغم إننا مختلفين تماماً، بس بحس إن فيه حاجة مشتركة بينا. إيه هي، مش عارف، بس كل اللي أعرفه إني عايزك ترجعيلي يا ذات، وتبقي أحسن من الأول. عايزك ترجعي تاني بمشاغبتك، وجرأتك، وضحكتك، وهزارك. ارجعيلي بسرعة، يا ذات."
أنهى كلامه بقبلة على جبهتها، وظل يتأملها بصمت تام، عاقدًا العزم على مساعدتها وكأن جروحه القديمة لم تلتئم بعد، وكأن كل ما يريده هو أن يرى الابتسامة تعود إلى وجهها المنير.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
انتهي اليوم بكل ما فيه ليأتي يوم آخر مليئ بالأحداث الصادمة...وصلت مهره إلى الجامعة الخاصة بها، وبعد أن تركها ماهر، وقفت على عتبة الباب مترددة، وكأن قلبها ينتفض خوفاً وتوتراً. كادت أن تتحرك إلى الداخل، لكن فجأة، صُدمت عندما رأت شابًا في أواخر الثلاثينات يندفع نحوها، يجذبها إليه، مما جعلها تسقط في أحضانه. اتسعت عيناها بدهشة وعدم تصديق، وكأن الوقت قد توقف للحظة، عانت من مشاعر متناقضة قبل أن تدفعه بعيدًا عنها بقوة، لتقول بغضب:
"ا ا انت حيوان، أزاي تسمح لنفسك تقرب مني كده؟"
ابتسم لها بثقة، مظهرًا اعتذاره، فقال بأسف:
"أنا آسف، يا آنسة، بس كانت فيه عربيه هتخبطك، وانتي مش اخده بالك، مكنتش اقصد اقربك مني بالشكل ده."
تنحنحت بارتباك، محملة بأفكار متضاربة، وقالت بصوت خافت:
"ش ش شكرا لحضرتك."
مد يده نحوها، معبرًا بنبرة رجولية خففت من توتر الموقف:
"أنا عاصم الدويري، رجل أعمال، كنت عايش بره مصر ولسه راجع."
نظرت إلى يده بتوتر، وحركت يدها ببطء شديد لتصافحه بحذر، قائلة:
"أهلاً بحضرتك، و و و أنا مهره مراد الشرنوبي."
ابتسم ابتسامة تحمل في طياتها الكثير، وقال:
"اتشرفت بحضرتك يا انسه مهره، فرصه سعيده، أنا مضطر أمشي دلوقتي على أمل أننا نتقابل صدفه مره تانيه."
ابتسمت له بتوتر، وبدت وكأنها تفكر في كل كلمة قالها، وأومأت برأسها قائلة:
"ا ا الشرف ليا، حضرتك، و و وشكرًا مرة تانيه لأنك أنقذت حياتي."
ابتعد عنها، مغادرًا المكان، بينما كان يشعر بالانتصار لتحقيق أول خطوة نحو انتقامه من مهران الشرنوبي. كان لديه خطط دقيقة لاختراق عالمه وزعزعة استقرار عائلته، وكان لقاء اليوم مجرد بداية.
ظلّ نظرها معلقًا على هذا الشاب حتى صعد سيارته وغادر المكان. شعر قلبها بمشاعر لا تستطيع تفسيرها، خفقًا غير مألوف، شيء يتجاوز الاعتذار ونجاته من خطر داهم. هي لم تعرفه من قبل، ولكنها كانت متأكدة أن هذا الشخص ليس عابرًا في حياتها كما اعتقدت. كان هناك شيء غامض حوله، شيء يجذبها نحوه بينما ينزرع في قلبها تساؤلات لم تجرؤ على طرحها. ما السر الذي يحمله عاصم الدويري، ولماذا ترك تلك البذور من الفضول في داخلها؟
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
جلست هالة بغضب شديد، شعلات الكراهية والحقد تتراقص في عينيها كما تتراقص النار في مدفأة قديمة. كانت تراقب يزيد، وتكلمت بصوت مختنق، تحت ضغوط المشاعر المتفجرة:
"هو إيه اللي ملهاش أثر من امبارح؟ هتكون فين يعني؟ فص ملح وداب، أكيد متمرمغه في حضن المحروس بتاعها!"
حرك يزيد رأسه بعنف، وكان وجهه مشدودًا من الغضب، وقال:
"لا طبعا! وحتى لو كده، ذات عمرها ما اتأخرت على الشركة ولا غابت يوم واحد عن شغلها... الشغل عندها رقم واحد. مستحيل تغير مبدأها في يوم وليلة! كانت بتسهر كل يوم وترجع سكرانة طينة، والصبح تصحى تروح شغلها ولا كأن فيه حاجه حصلت. الموضوع ده فيه إن لا راحت الشركة ولا سهرت طول الليل زي ما متعودة."
نظرت أمامها مفكرة، وعلامات الثقة ترتسم على وجهها، ثم قالت:
"صدقني، الولد ده عرف يأكل بعقلها الحلاوة، والدليل اهو استغنت عن كل حاجة عشان تبقى في حضنه طول الليل."
ضغط يزيد على أسنانه بغضب، وكلماته كانت تتسرب بنفاذ صبر:
"إنتي عايزة تشليني يا ماما؟ ما خلاص بقى، مش كل شويه تفكريني إنها بقت واحد زي ده، وراه بلاوي عليا."
ردت هالة عليه سريعًا، موضحة له بلهجة تحمل شيئا من القلق:
"يا حبيبي، مقصدش أزعلك والله، بس أنا متغاظة من بنت رحاب اللي أخدت تعب ومجهود أبوك طول السنين اللي فاتت دي، وراحت اديتهم لعشيقها. هنفضل طول عمرنا تحت رحمة رحاب وبنتها! بس ورحمة الغاليين، ما هسيبها تتهنى في حياتها يوم واحد. وأنت خليك في المكان اللي بتسهر فيه كل يوم لحد ما تيجي، ما هي مش معقول هتستحمل تبعد عن الشرب يومين على بعض، ونفذ واكسر عينيها وصورها، بعدها، مضيها على كل حاجة زي ما اتفقنا."
نظر أمامه بوجه مليء بالشر، وكأنه يعدُّ شيئًا مريبًا، وقال بتوعد:
"أنا مستني اللحظة دي أكتر منك يا ماما، بس توقع تحت أيدي بس."
تعالت ضحكاتها الشيطانية في الغرفة، وصرخت بغضب:
"أنا هخلي أمها تتقلب مكان ما هي حاطة رأسها. هقهرها على بنتها حتى وهي ميته!"
أنهت كلامها، وعيناها توصلان إلى عمق ملامحها، وكأنها تعلم ما سيحدث. وكأنها تتنفس نار الإنتقام، وتستعد للنزال الذي قد يغير كل شيء.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»
وصل مهران عند المكتب الخاص بأخيه ماهر، وبدت عليه ملامح القلق والتوتر وهو يتجه نحو الداخل. جلس على المقعد، وعبارات الضيق تتدفق من بين شفتيه حين قال:
"أنا خلاص مش قادر، حاسس إن دماغي وقفت. كل ما أمسك طرف الخيط، ألاقيني توهت ومش فاهم حاجة. ساعدني يا ماهر، لازم أوصل ليهم قبل ما ذات تخرج من المصحة، لأن خروجها من جوه هيكون خطر عليها."

نظر ماهر إلى أخيه بأشفاق، فقام من مقعده ليجلس مقابلاً له. ربت على قدمه بنعومة، وتحدث بنبرة أخوية صادقة:
"ابعد عن الموضوع ده يا مهران، خليك على جنب. أنا هتصرف فيه بطريقتي. دي شغلي أنا، وأي تدخل منك هيكون فيه خطر عليك وكمان هيخلق مسألة قانونية."

حرك مهران رأسه بالرفض، مصراً على موقفه:
"ده شغلي يا ماهر، متنساش إن أنا الحارس الشخصي ليها. واجبي حمايتها، وده يدخل في سياق عملي، ما فيش أي مسألة قانونية. أما الخطورة فده شيء طبيعي في شغلنا، متعود عليه، وأنت أكتر واحد عارف إن أنا مش بيفرق معايا الكلام ده."

تنهد ماهر بضيق، وأومأ برأسه بنفاذ صبر، فهو يعرف تماماً أن أخيه لن يتراجع عن ما نوى. تساءل ماهر بصوت خافت:
"ماشي يا مهران، إيه المطلوب مني؟ معلومات مستحيل أخرجها لك من عندي. قولتلك هقرا ملف القضية كويس وأقولك النقاط المهمة اللي هخرجها من الملف."

نظر إليه مهران نظرة طويلة قبل أن يجيب بنبرة غير مفهومة:
"وعايز ملف عاصم الدويري."

رد ماهر بعدم فهم، وتحدث بتساؤل:
"عاصم الدويري؟ مين ده؟"

تجلى الغضب على وجه مهران وهو يتكلم بصوت مختنق:
"الظابط اللي كان السبب في اللي حصلي."

تذكر ماهر تفاصيل الحادثة وأومأ برأسه بضيق، قائلاً:
"أيوه، افتكرته، اللي كان عامل صاحبك علشان يجر رجلك في شغله المشبوه، ولما معرفش لبسك قضية."

أغلق مهران عينيه بحزن، محاولاً صرف نظره عن ذكريات الماضي المؤلمة، ثم قال بصوت يعبر عن اختناق:
"أيوه هو. عايز الملف بتاعه."

نظر ماهر إليه بعدم فهم وسأله:
"وأيه فكرك بي دلوقتي بالذات ومحتاج ملفه ليه؟."

أجابه مهران بنفاذ صبر:
"هو أنت مينفعش تعمل اللي بطلبه منك من غير أسأله كتير؟"

أومأ ماهر برأسه بشكل إيجابي، قائلاً:
"طبعاً، مش لازم أفهم إيه بيحصل، وناوي على إيه علشان أكون معاك على الخط."

استقام مهران بجسده، قائلاً بنبرة حازمة:
"هتساعدني، ماشي. مش عايز. عندي ألف واحد يساعدني، ومستنيين أن أطلب منهم المساعدة في أي وقت."

رد عليه ماهر بقلة حيلة:
"هساعدك يا مهران، هساعدك، خروجي من هنا قريب أوي على إيدك."

ابتسم مهران لكلمات أخيه، وربت على كتفه ودعا له بالتوفيق، بينما خرج تاركاً إياه في حيرة من أمره.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
شعر الطبيب شريف بقلق متزايد بينما كان يستمع بهدوء إلى ذات في غرفتها. دفعه القلق إلى التحرك بسرعة نحو الباب وفتحه، ليجدها جالسة على السرير في حالة من الهدوء التام. اقترب منها، نظراته تحمل الاستغراب، وتحدث بتساؤل كرة،
"ذات عامله ايه دلوقتي؟".
ابتسمت له بابتسامة هادئة، وأجابت: "كويسه يا دكتور."،
لكن صوته حمل علامة استفهام عندما رد عليها بعدم فهم قائلاً: "مش حاسه بأي صداع أو تكسير جسم؟".
حركت رأسها باستغراب، ثم أصدرت ضحكة خفيفة وقالت،
"لا طبعا يا دكتور انا كويسه اوى وصحتي بومب".
لا زال عدم التصديق يسيطر على ملامح شريف، فترك نظرة مطولة نحوها قبل أن يغادر الغرفة. اتجه إلى مكتبه، وأمسك بهاتفه الخاص ليتصل بمهران. انتظر بضع ثوانٍ، ثم سمع صوت مهران عبر الخط، فقال بسرعة:
"تعالي بسرعه يا مهران فيه حاجه غريبه بتحصل".
رد مهران بسرعة،
"انا جاي حالا".
أغلق شريف الخط، وانتظر دقائق معدودة حتى رأى مهران يقف أمامه، وجهه شاحب بشكل واضح. سأله مهران بتساؤل:
"خير يا شريف ذات حصلها حاجه؟".
نظر له شريف بتوتر، وقال بوضوح:
"ذات النهارده شكلها مش طبيعى خالص. الأعراض اللى مفروض تكون عندها ساعة الانسحاب مش موجودة، هي هادية جداً بشكل غير عادي".
تحدث مهران بحذر، مستفسراً:
"قصدك ايه بكلامك ده يا شريف؟".
تنحنح شريف بتوتر، من ثم قال كلماته بصوت مهزوز:
"ك ك كده ذات اخدت جرعه من الهيروين، وعلشان كده هى هادية بالشكل ده".
انفجر مهران بغضب، صوته يصدح في المكان:
"نعم اخدت الجرعه!! أزاى ده؟ مش المفروض أن هنا فى أمان؟ ازاى وصلت ليها؟ انطق يا شريف الجرعه وصلت ليها ازااااي؟".
تحرك نحو الباب، قائلاً بأمر:
"تعالي افتح الباب عندها".
أجاب شريف بتوضيح:
"مهران اهدا. احنا هنا امان. اكيد اللى عمل كده مش من عندنا، حد تخفى وسطنا ودخله ليها، وده هنعرفه من كاميرات المراقبه".
هدر مهران بغضب، مُشيراً بأمر:
"افتح الباب يا شريف".
أومأ شريف برأسه باستسلام، وفتح له باب غرفة ذات. عندما دخل مهران، أغلق الباب خلفه بقوة.فور أن رأته ذات، نهضت بسرعة، اقتربت منه مبتسمة، قائلة:
"مهورتي واحشتني اووووى".
أغلق مهران عينيه بغضب وسأل:
"انتي فيه حد دخل عندك النهارده اداكى حاجه؟".
اقتربت منه أكثر، تشبثت به بذراعيها، ثم هزت رأسها بالرفض، قائلة:
"لا، انت مالك غلس كده، بقولك واحشتني اوووى يا مهورتي، ايه مش وحشاك ولا ايه؟".
اقتربت برأسها لتقبله، لكن مهران تراجع إلى الخلف، أخذ نفساً عميقاً من رائحتها، ثم انفجر بغضب:
"انتي شاربه يا ذات!! انطقي، مين دخلك الحاجه دى تاني هنا؟".
تحركت نحوه بشجاعة، تلامس جسده بيدها قائلة:
"بلاش غلاسه يا مهورتي، بقولك واحشني، افهم بقى انا ملكك وبين ايديك".
أغلق مهران عينيه، أمسك بذراعيها بغضب، وتحرك بها نحو الباب، طرق عليه بصوت جهوري:
"افتح الزفت ده".
فتح له شريف، نظر إليه بتوتر قائلاً:
"انت اخدها ورايح بيها فين يا مجنون؟ اهدا يا مهران، والغلطه دى مش هتحصل تانى، هخلي حد معاها اربعة وعشرين ساعة".
نظره مهران مليئ بالغضب، قال:
"ابعد من وشى يا شريف، انا هعالجها عندي فى البيت، وانت اللى هتعالجها عندي وقصاد عيني".
أنهى مهران كلامه وهو يجر ذات خلفه بعنف، وعندما شعرت بالألم من قبضته على ذراعها، مال بجسدها، حملها ونقلها نحو سيارته. وضعها داخل السيارة، أغلق الباب بقوة، واتجه نحو الجانب الآخر. قبل أن يصعد، سمع صرخة رصاصه غامضه كانت عاقبتها...
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»»


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close