اخر الروايات

رواية عروس ديابلو كاملة وحصرية

رواية عروس ديابلو كاملة وحصرية


❞في الحب فقط... تشرق الشمس من مكان مختلف!❝

138


١✍

+


بوغوتا العاصمة
عصرًا...

8


...

+


احتكَّت العجلات بأديم الطريق المعبَّدة مخلِّفةً شرارًا خافتًا، انعطف ديابلو بقوة نحو اليمين يتلافى الإصطدام بسيارة الشحن التي قطعت مساره و كادت تقلب شاحنته صوب الوادي السحيق!

3


و زمجر حانقًا على الأبله الذي تسبب بذلك:

+


"اللعنة!"

6


أفلت المقود بهياج، ثم تطلع بالمرآة الجانبية، و تجرد من قبعته السوداء ليلقيها على المقعد المجاور بحدة، فتحررت خصلات شعره الفاحمة من قيدها، و تهدلت على طرف من جبينه صارخة بوسامته التي تشد إليه أي ناظر أينما حل و ارتحل، حتى و هو في أشد غضبه و رغم لعنات لسانه كان يجتذب إليه النساء كما تجتذب الأراضي البرية نحلات الحقول العطشى للرحيق!

14


انحنى لوهلة يستطلع الوضع من نافذته، فتلامست القلائد العجيبة التي يرتديها حول عنقه بإفريز الشاحنة، ثم أطلق وابلاً من الشتائم الغاضبة و هو يترجل من مقعد القيادة صافقا الباب، و تابع بخشونة بينما تمسح عيناه المتسعتان إطارات مركبته العزيزة قبل أن تتحولا إلى التفرس في الوجهة التي فر إليها السائق الآخر!

+


ركل ديابلو حجرًا كان يربض قرب قدميه، و من بين أسنانه المشدودة تابع غليان لسانه المنفعل:

+


"سُحقا لذلك الأهوج الرذيل!"

25


أفلت أنفاسه الحارة من فتحتي أنفه كثور هائج، لاحظ أن قطرة مطر تهالكت فوق مقدمة حذائه الأسود، رفع بصره يتحقق من السماء الملبَّدة و عبثًا بحث عن الشمس التي غلفت نفسها بالغمام الرمادي، و لما وجد أنه لن يعود لاستئناف القيادة إلى و هو في أتم هدوئه، أشعل سيجارة على الفور، و طفق يمتص منها دخانًا مُنجيًا، فتمتص منه لفافتها الانفعال الطاغي كما يرجو، و أغمض عينيه يسيطر على أعصابه قبل أن يواصل رحلته إلى «إنفيرنو» حيث يعيش!

3


كان الجميع ينادي تلك المنطقة النائية بالجحيم، و هذا تماما ما يعنيه إسم «إنفيرنو»، ليس لأنها سيئة إلى ذلك الحد، بل لأنها و منذ سنوات شهدت أبشع حادثة على الإطلاق، و للأسف... كان ديابلو جزء أصيلاً في ذلك اليوم اللعين، زفر بشحنة غضب كريهة، و طرد تلك الذكريات من مخيلته، ليصب جام اهتمامه الآن على معاينة العجلات!

5


من الجيد أن اطاراته سلمت مما حدث، و إلا كان طارد ذلك الوغد صاحب سيارة الشحن حتى آخر نقطة في الأرض!

2


في ذلك الوقت اطمأنت لونا مربتة على صدرها بطمأنة أن الوضع تمام، هي بخير، و كل ما حولها من أغراض كذلك، كانت قد جاهدت نفسها طوال الطريق التي قطعها السائق المجنون، تمنع يديها من التقاط ثمرة فاكهة تذهب عنها الجوع الذي هصر أحشاءها، لم تفعل هذا من قبل و لن تفعله الآن، هي لا تأخذ شيئا ليس لها الحق فيه! لكن لو اقتصر الأمر على الحوع فقط لتحملت لساعات أخرى، غير أن التعب طال كل عظمة في جسدها البائس، و معنوياتها أكثر بأسًا من المتسولين أنفسهم!

8
         
كانت قد أخلدت للنوم مرتين أو ثلاث من فرط تعبها، ماذا الآن؟ إلى متى ستظل حبيسة هذه المقطورة؟ وضعت أذنها على جدارها البارد تصغي لأبسط حركة تدل أنه ابتعد كما تتمنى، لتغادر شاحنته و تتخلص من تلك الورطة، لم تعد تسمع صوت صافرات الشرطة... و هذا مطمئن على الأقل!

+


عجزت عن تبين أي صوت واضح يعود للرجل، فدنت أكثر من البوابة، إلا أن ذلك كلَّفها كل اطمئنان شعرت به منذ قليل، و جعلها تسقط بمرفقها إحدى زجاجات الخمر دون أن تنتبه، ابتأست لرعونتها و كممت فمها تمنع شهقة رعبها من الانطلاق، لكن... فيمَ سينفع فمها المكمم و حذرها الآن؟ بعدما حدث المحظور! ما دام ديابلو قد التقط ضجة سقوط الزجاجة و تدحرجها الواضح ثم اصطدامها بالبواية الحديدية للشاحنة... فقد انتهى أمرها دون شك!

+


رفع حاجبيه فباتا يشكلان زاويتين حادَّتين فوق عينيه اللتين ضاقتا بشدة، و دون أن يضيع ثانيةً من وقته، تحرك بجسده المصقول نحو مؤخرة المقطورة، استلَّ خنجره الخاص من زنَّاره الجلدي بيسراه، و سحب المزلاج المتصدئ باليمنى ليفتح البوابة على مصراعيها، و يصطدم بآخر منظر فكر فيه!

41


توقع ديابلو أن يجد حيوانًا ما تسلل إلى هناك، فذلك الجزء من كولومبيا يعتبر نقطة صغيرة في واحد من أجنحة غابات الأمازون التي تستأثر بالنصف الجنوبي للبلاد، و ليس آهلاً بالبشر تماما، و الحيوانات البرية تغزو الغابات المحيطة بمثل تلك الطرق النائية، و هو يعقل و يعرف حق المعرفة عن حوادث مشابهة تسببت فيها حيوانات الأدغال الأمازونية!

1


لكن عيناه الضيقتان اتسعتا فجأةً بعدما خاب توقعه، و حاجباه الحادَّان انبسطا ذهولاً حين وقع نظره على حسناء تجثو فوق ركبتيها كما لو أنها كانت تتأهب للقفز خارج الشاحنة في أي لحظة! مهلا! أليست هي نفسها الشقراء التي كانت تتأمله بفضول في دكان أرتورو؟ ارتخى وجهه للحظات، و أفرجت شفتاه المتباعدتان عن نفس كالفحيح، وجهها الجميل يشل المرء بحق، هناك شيء ما يسترخي على ملامحها الناعمة فيجعله يرغب بالنظر إليها أكثر و أكثر، ربما أهمل التغلغل في تفاصيلها لبعد المسافة بينهما في الدكان، لكنه الآن يحدق بكل تفصيل على مهل، و يتنفس خلال ذلك كأنه يستعد للموت، و يسترخي هناك على كل تقطيعة من تقاطيعها دون أن يملك إرادة ليقمع جماح عينيه، و يسحبهما نحو اتجاه مغاير! هذه ليست فتاة... إنها سحر!

61


كان انفتاح البوابة بتلك القوة قد أرعب لونا و زاد من شحوب بشرتها، و أسفر في الوقت ذاته عن سقوط الزجاجة المتدحرجة إلى الطريق و تهشمها إلى قطع متفاوتة، تصاعدت رائحة الخمر تتاخم الجو محاولة أن تثمل أنفيهما، و امتلأت الأرض بحبيبات المطر تتراكم فوق أكتاف بعضها متلهفة للمس الطريق التي جفت إثر قيظ الظهيرة، و ابتل كتفا ديابلو الذي لا يزال متسمرا بمكانه، ثم انزلقت القطرات لاحقا على طول سترته الجلدية بهدوء... تستمرئ الاختلاط بعطره الرجولي الفذ!

6



        
          

                
الأمطار المماثلة شيء ساحر هناك، الدفء نفسه يسكن كل قطرة، و لا أحد يدرك ذلك السحر الغريب سوى أبناء الغابات المطيرة...

+


تسلل النور إلى داخل المقطورة، و تمكنت لونا من فتح عينيها على وسعهما و تأمل الرجل الذي يسد المخرج الوحيد أمامها، و لولا العصبية التي ظلت تغلف نظراته، لاطمأنت لوجهه الوسيم، و لتوقعت منه تفهما إزاء وضعها و ما ذاقته مُذ وطأت هذه البلد، لكن... ما بالها بحق السموات؟ اطمئنان مع الرجال؟ مستحيل! إنهم معشرٌ مخادع! تلتصق نظراتهم فقط بالأجساد... و عليها تطفو... و لا أحد يفكر بأعماق النساء و بما يشعرن أو يفكرن... لا أحد!

14


مرر ديابلو عشرات المرات بصره على كل إنش منها، توقف عند عينيها الزرقاوين، و شفتيها اللتين على وشك أن تجرانه نحو أطول قبلة قد يفكر فيها رجل، أيستوي أن يفكر بهذا و هو لا يعرفها حتى؟ اللعنة على الفكرة من حيث أتت! خفض بصره يتخلص من ورطة شفتيها، ليقع في براثن ورطة أخطر! عنقها، آه من تلك العنق! تشبه قطعة العاج الخالصة، كقطفة ضوء فارة من السماء، كالشمس التي لم يكن ليحلم بطلوع مثلها في عالمه حتى! استرجع كلمات "سوليداد" هذا الصباح و هي تقرأ كفه غامزة:

38


«يا له من يوم ستشهده ديابلو! شمسكَ هذه المرة لن تشرق من السماء... بل من مكان آخر!»

45


حسنا... يبدو أنه يفهم الآن عن أي شمس تحدثت كفه، إنها كذلك بالفعل شمسٌ مختلفة لم تشرق بالسماء... لكنه لم يتوقع أن تشرق هذه الشمس من جوف شاحنته بالذات!

3


سافرت نظراته إلى شعرها الذي يشكل هالة مشعة حول رأسها! لعله لم يرَ من قبل لونًا مماثلاً حول رأس أي ٱنثى غيرها! و لماذا لا يستطيع حتى أن يحدد لونه بتثبت؟ إنه ليس بأشقر حتما! و يذكره بشيء ما! ران صمتٌ ثقيل عليهما، و أخذ قلبها يخب داخلها بجنون، لماذا تشعر بهذا التذبذب؟ يمكنها فقط أن تعتذر لتسللها إلى شاحنته بغير حق، ثم تزيحه جانبا و تمضي في طريقها! يمكنها أليس كذلك؟ إلا أن ديابلو بدا صعب المراس، و من ذلك النوع العنيد الذي لا يفلت شيئا قبض عليه مهما حدث! شكت أنها تستطيع تجاوزه بتلك السهولة، و ليزداد الأمر سوءً، أطلقت السحابات صاعقة رعدية عنيفة، فحررت لونا من عقال الهدوء، و دفعت بها إلى إفلات صرخة هلع، و الانكماش على نفسها أمامه مجددا، كما دفعت بديابلو إلى الإفلات من الشرود في وجهها، و التحكم بعينيه أخيرا، أيقن أنها هذه الحسناء ليست سوى متسللة لعينة استباحت الصعود إلى مقطورة شاحنته دون إذن! تبرَّمت شفاهه و التوت من شدة السخط، و كأنما اكفهرار السماء انتقل إلى عينيه اللتين زادهما الكُحل الذي يضعه جمالاً و جاذبيةً، ليسألها بهدوء مخيف:

13


"من أنتِ؟ و ما اللعنة التي جعلتكِ تتجرئين على مرافقتي كل هذه المسافة دون علمي؟"

33


ابتلعت لونا صوتها مع ريقها الجاف، شعرت أن جلدها يحترق من التوتر رغم النسمات اللطيفة التي بدأت تتسلل عبر البوابة مشبعة بندى المطر المنعش، انزلق بصرها إلى غاية عنقه المنحوتة، و صدره المفتول، البارز من قميصه الكحلية المفتوحة، تلك القلائد التي يرتديها تجعلها تائهة، رموزها غريبة، و طولها يكاد يبلغ سرته، ألا يكفي أنه جذاب و مثير إلى حد مهلك... ليحيط نفسه بهذا الزي الفريد الذي لم ترَ له مثيلاً من قبل؟! 

18



        
          

                
استنفذ ديابلو صبره، و حين طال صمتها و أزعجه، تخلى عن هدوئه، و سحبها من خصرها بحركة واحدة، لتوشك على السقوط و التكور أرضا، لولا أنه أمسكها في اللحظة المناسبة، و ألصقها بجسده المبتل، و هو يحثها على الإجابة بصيحة جعلتها ترتجف بين يديه:

40


"تكلمي!"

+


كيف تخبره أنه كان الحل الوحيد أمامها لتفلت من ذلك الظابط البذيء؟ حسنا... إنه لا يبدو أفضل منه في شيء! لعلهما من الصنف نفسه! اشمأزت من ذكرى الكلمات القذرة التي نطق بها الظابط قبل هروبها، و حاولت دفع صدره عنها بكفيها الرقيقين، لكنها كانت أضعف من ورقة الشجر في تلك الحال، تتضور جوعًا، و بحاجة لنوم طويل ينسيها ما عانته، لم يكن المطر بتلك البرودة، غير أنها ارتعشت حتى الموت، و فكرت أنها ستمرض في أية لحظة، أو ستخر على وجهها إن حدث و أفلتتها يداه، لكن ديابلو ظل يحيطها بذراعيه القويين، و واصل الصراخ بحنق في وجهها الذي بللته الأمطار الغزيرة:

1


"ما اللعنة التي كنتِ تصنعينها داخل المقطورة؟"

47


فكرت أن آخر ما تستطيع القيام به هو دفعه عنها، فأبقت يديها على صدره، و طرفت بجفنيها بسرعة تتجنب اقتحام المطر لعينيها، ثم حركت شفتيها أخيرا متلعثمة:

+


"أنا... أنا... لم أجد... مكانًا أفضل للاختباء!"

+


امتصَّ صوتها الناعم غضبه، و خفف من وطأة يديه على خصرها، و ألفته يعلق مسحورًا بلكنتها الإسبانية المختلفة:

+


"عجبًا! لديكِ لسانٌ يجيدُ النطق!"

53


كاد يبتسم لذلك، لكنه تمالك فمه و ثاب لرشده، فأحكم السيطرة على نفسه، و زمَّ شفتيه مستطردًا بعنف أجفلت له:

5


"...لكن سؤالي اللعين لم يستوفِ جوابه بعد!"

+


اللعنة عليها حين ظنت لوهلة أنه قد يشيع فيها أي اطمئنان! ضغط أكثر بأصابعه الخشنة على جلدها الرقيق مضيفا:

+


"ماذا تريدين مني تحديدًا؟ و الويل لكِ إن كذبتِ بهذا الشأن!"

+


"لا حاجة بي للكذب! أنا لا أريد منكَ شيئا!"

+


استفزه أنها جنحت للصمت بعد جملتها المقتضبة، و لم يدرك بعد أنها بدأت تفقد مخزون طاقتها، لف قبضته القاسية حول عنقها النحيلة، و رفعها بقوة جسده المذهلة مردِّدًا:

+


"هل أرسلكِ بيليغرو لقتلي..."

70


اتسعت حدقتا عينيها الزرقاوين و لمعتا تعجبا، إنها لا تعرف عمن يتحدث، و لا فكرة لديها إن كان مستهدفا بالقتل أم لا، تبا لها! هل وقعت بين يدي رجل خطير أم ماذا؟ نظرت إليه بفزع بينما مشط هو جسدها الفاتن مضيفا و هو يكاد يخنقها حرفيا:

+


"...أم لإغوائي؟!"

44


استمر بذلك التحديق المتأني، في الوقت الذي كانت هي تجاهد لتتنفس، و قال متابعا سيل كلماته الحادة:

+



        
          

                
"أعتقدُ أنه أحسن الاختيار هذه المرة... أنتِ الأكثر فتنة حتى الآن...!"

34


كانت لونا تشعر بالموت يزحف نحوها و بروحها تزحف بعيدًا عنها، تمسكت بيديه بعجز تجرب أن تحرر عنقها، لكنها عجزت إزاء قوته الجسدية، و رغم ذلك لم تتوسله كي يتركها، لم تتوسل أحدًا بحياتها، و لم تفعل الآن... و لن تفعل يومًا! ربما تكون خرقاء أحيانا، تتصرف برعونة و طيبة توقعها دائما في المصائب، غير أنها لن تكون مطلقًا ذليلةً لأحد، و خاصةً لرجل تنطق كل حركاته بالاستبداد!

13


لم تعد قادرة على سحب هواء كافٍ، و لا على تبين وجه ديابلو الذي أزبد غضبا، جل ما فكر فيه أنها مرسال من غريمه للإجهاز عليه أو خداعه! كانت لونا ستستسلم و ترتخي مرحبة بالموت، غير أن ديابلو منع نفسه من أذيتها، شعور غريب غمره نحوها، لم يرق له أنها رفضت توسل الحياة منه، و غضب أكثر حين رأى العلامات المحمرة التي خلفتها أصابعه على عنقها الجميلة، خالت لونا أنه ما إن تراجع عن خنقها سيتركها و شأنها و يبتعد، اكن ديابلو ظل قريبا منها، يشعر بنبضها المتسارع، و يسحب لأعماقه أنفاسها المضطربة، ما خطب جسده اللعين؟ ألا يمكنه فحسب أن يستدير و يسلخ نفسه عنها؟ ما الذي يجري له حبا بالسماء؟ كان ينقصه أن يتوسل نفسه ليجر قدميه مبقيا مسافة بينهما! و حتى ذلك بدا أصعب من بلوغ السماء! لاحظت لونا أنه يدنو دون سابق إنذار، و أن بصره استقر على شفتيها الناعمتين، فبللتهما بطرف لسانها ترفض تصديق ما يفكر فيه، هو لا ينوي أن يفعل ذلك! صحيح؟ هو لا يشعر بالرغبة في امتلاك شفتيها عبر قبلة تاق لها منذ البداية! و هي تستطيع منعه! أو صفعه إن لزم الأمر! حسنا! حتى لو كانت هشة و خائرة القوى ستحمي نفسها من رغبات الرجال التي باتت تثير اشمئزازها، تراجعت للخلف قليلاً، و جهزت نفسها للطم وجهه أو ركلت بين ساقيه إن نفذ فكرته الجلية، لولا الأصوات التي أخذت تقترب و تعلو فأثارت رعبها، لا! الصافرات تعود مجددا! دورية شرطة قادمة، سيُلقى القبض عليها، و ستُساق إلى أحضان ذلك الظابط النذل، ليستفرد بها في زنزانته القذرة، و يمارس عليها مجونه دون ضمير! و هذا الديابلو طبعا لن يصدق أنها مجرد إسبانية بريئة لا ذنب لها! أم أنه قد يفعل؟!

8


خشيت أن تضيع وقتها في التساؤلات العقيمة، و قبل أن تبرز سيارات الشرطة الكولومبية، استغلت ابتعاد قبضته عن عنها، و هو يلتفت متحققا من مأتى الأصوات، و في اللحظة التي عاد إليها ببصره، لم يجد سوى الفراغ، على أنه حدق بسرعة و حنكة نحو أطراف الغابة التي تحد الطريق من الجانب الأيمن، ثم أطلق سراح شتيمة، و لحق بها راكضًا، من البديهي أن تهرب صوب الغابة، كون الطريق محدودة على جانبها الأيسر بوادي السحيق، و لن تقتل نفسها بالقفز هناك حتما!

5


توغلت لونا بين ممرات الغابة، تفرق الأغصان بيديها الشاحبتين، تثب من ممر لآخر على غير هدى، تتستر بالأشجار العريضة فارعة الطول، و تلتفت كل حين وراءها بقلق، ثم تواصل تقدمها نحو المجهول. أخذت تلهث بشدة مع كل خطوة، ثم لم يعد بمقدورها الركض أكثر، هذا يكفي، انتابها الدوار للحظة، و تقلبت معدتها، و لف ضباب غريب عينيها، فعجزت عن الرؤية السليمة، و حين شعرت بشيء غير مفهوم ثقيل يخدر ساقيها، استندت على إحدى جدوع الشجر، و شرعت بالبكاء، ماذا فعلت بنفسها؟ في أي ورطة علقت؟ و إلى أين سينتهي بها المطاف الآن؟

+



        
          

                
التقطت أذناها دعسات شخص ما تقترب، فانتفضت تنظر باضطراب حولها، و ما إن لمحت ذلك الرجل يطاردها، حتى اشتد بها الفزع، و فرت صوب أقرب ممر صادفها، أو فلنقل أنه كان لشدة بدائيته أشبه بسرداب من الأشجار المتعانقة، لتجد أنه ينتهي بصخور زلقة... ثم لا شيء خلفها سوى شلال قويٌّ يضجُّ بالحياة و يتهاتر بصوت اندماج المياه المتساقطة من الشلال و الأمطار و الرياح الوافدة من كل صوب جاعلة الصخور ترتجف و الأشجار تصفر معها!

5


توقف ديابلو بمكانه رافعا يده و قد غزت عيناه نظرة خوف غريبة عليها:

+


"توقفي! لا تتراجعي أكثر!"

26


كانت تخشى بالفعل القفز من هناك، غير أنها خشيت المصائب الأخرى أكثر، و خشيت لسبب غريب الوثوق بهذا الرجل، حدقت فيه مترددة، أخذت خطوة إلى الخلف، بينما كان هو يتقدم نحوها ببطء ناسيا كل غضب كان يلتهمه للتو، مضيفا:

+


"السباحة في هذا الشلال خطيرة! ستموتين!"

7


فكرت بتحذيره، و فكرت بالمياه الغاضبة في الأسفل، كأنها تتوعدها بمصير سوداوي، أرادت في آخر لحظة أن تثق بيد الرجل الممدودة، أخذ ديابلو خطوة أخرى ليقترب أكثر، و ارتاح لأنها كفت عن التراجع فوق الصخور الزلقة، لكنه جحظ حين لمح عليها عدم التوازن المفاجئ، و الترنح الذي سببه لها التعب و الجوع، كلا! سُحقًا! سيغمى عليها في اللحظة الأسوء على الإطلاق!

+


شعرت لونا بساقها تنزلق على سطح رطب، ثم بدا لها و كأن جسدها المرهق يسافر عبر الهواء البارد إلى الأسفل، لم تعرف ما الذي بللها تحديدا... المطر أم مياه الشلال! اصطدمت ببرود الماء و عتمة الإغماء، و لم تشعر بعدها بشيء سوى تدافع الماضي إلى عقلها، ذكريات أكثر برودة من الشلال، وفاة والدها، سخرية زوجته من أمها الغجرية، و محاولة خطيبها نيكيل الاعتداء عليها ذات ليلة، و نجاتها من بين يديه بشق الأنفس، ثم خيانته البشعة لها، خنقتها الذكريات أكثر مما فعل الماء و هو يقتحم جوفها، أصيبت بالصمم، و انخفضت حرارة جسدها إلى حد خطير، ثم انجرفت مع شيء ما، قوي، ساحر، غريب، لعله التيار يسرقها لمصير أسوء! لكنه و يا للعجب دافئ الآن! شعرت أنها حرة بشكل عجبت له، و أن كل حنان الأرض حطَّ على شفاهها فجأة! ثم استفرغت كل تعب سكنها، و ربت نفس الحنان على ظهرها، تمسكت بذلك الحنان بكل قوتها، و تاقت للنجاة، لمعاكسة التيار، شعرت بالحياة و الموت في الآن نفسه، تعرقت بشدة، و حاولت الحركة دون جدوى، لكنها تمكنت فقط من فتح عينيها قليلاً، و من تحت جفنيها المرتعشين، أرسلت بصرها بضعف نحو وجه جميل كان ينحني عليها متمتمًا بكلمات لم تستوعبها، أغمضتهما ثانية تستعذب حركات اليدين اللتين كانتا آنذاك تمسدان جسدها بطريقة حيرتها و أزالت عنها العياء المضني، ثم تزيحان خصلات الشعر الملتصقة بوجهها، عاودت لونا فتح عينيها ببطء، شعرت أنها ستفقد الوعي هذه المرة لوقت طويل، لكن قبل ذلك، كانت أكيدة أنها لم تكن في الماء، و الوجه الجميل لا يزال بمكانه حاملاً قلقًا و حيرة، و أمكنه في خضم ذلك أن يفتكَّ من ثغرها ابتسامة مختلجة، و همهمة خافتة لم تستطع كتمها:

16


"الكحل في عينيكَ قاتل!".

184


نهاية الفصل الأول.

+


🤎🤎🤎

+


هالوو فخامة الرويالز أحلى حكام في العالم و الأغلى على قلبي😍
ما رأيكم في الأحداث
الفصل قصير نعم...
من سبق و قرأ لي يدرك جيدا أن الفصول الأولى تأتي غالبا هكذا خفيفة و قصيرة نوعا ما لغرض التشويق ليس إلا، لكن لا تقلقوا لن تنتظروا طويلاً طبعا ما دام نزل الفصل الأول فهذا يعني أن الرواية انطلقت رسميا و سيتم تنزيل بقية فصولها بانتظام طيلة الشهر الجاري و ما بعده🤗

7


قراءة ممتعة أحبتي
لا تنسوا التصويت و ترك آرائكم هنا
امنحوا الرواية التي طال انتظارها الحب المستحق
أحبكم دائما و أبدا ❤️

3


و أختم بالمسك


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close