اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الرابع والستون 64 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الرابع والستون 64 بقلم دفنا عمر



                                    

الفصل الرابع والستون.

___________

يا صاحبي أبيعك "صفحًا" ألا تشتري؟

قسمًا بربك لا ترد إليا بضاعتي خذلانًا..

أنا لا أريد سوى بداية أشتريها بباقي عمري.

ألا تقبل؟

________


+



_مالك ياحازم؟ حاسه في عيونك كلام عايز تقوله. 


+



حاصرها بتلك النظرة الغامضة باحثا عن بداية لمبتغاه، كم بدا الأمر صعب وهو لا يقدر على شرخ صورة والده بعين غدير ويعلم كم كانت تحبه، ليت الأمر كان كذبة وافتراء، للأسف تحرى صدق ما علمه من رائد وتأكد منه..والده سبب رئيسي في قطع علاقتهما برودي، وكلما تصور ما كان يحدث لطفلة حينها يشعر بالقهر والخزي الشديد.. لماذا؟ 

لماذا يا أبي؟ 


+



_ ياه، للدرجة دي الموضوع صعب؟ 

تنهد تنهيدة بدت لها كأنها معبئة بأثقل الجبال، فدنت منه رابتة على ذراعه:  مالك يا اخويا؟


+



قالتها بحنانها المعهود فمنحها نظرة تترجى تفهمها وعدم خذلانها له قبل أن يحرر كلماته:  غدير، انتي بتثقي فيا؟ 

قالت والدهشة تغزوها:  أكيد ياحازم. 

أطرق هنيهة يستجمع شتاته ثم قال:  طب لو قولتلك عايزين انا وانتي نفتح صفحة. جديدة بنا وبين اختنا رودي؟ 


+



ضاقت مقلتاها بريبة:  رودي؟ وأختنا؟ من أمتى بتتكلم عنها كده يا حازم؟ من امتى بنذكرها أصلا بعد ما هي اتعمدت تنسانا وتقاطعنا؟ مش دي اللي بتكرهنا وتكره بابا وبعتتلك رسالة تتشفى في موته؟ مش دي اللي لسه حرق دراعك معلم بسببها؟ مش دي اللي…. 

_ غدير..أرجوكي تنسي كل ده. وافتكري حاجة واحدة بس، رودي اختنا من نفس الأم..مهما كان اللي فات خلينا نتخطاه عشان خاطري. 

صاحت بدهشة: حازم أنت ايه اللي غيرك فهمني؟ 


+



ليته يستطع إجابتها.. ليته. 

_ في حاجات انتي ماتعرفيهاش ياغدير، أختك كان عندها أسباب قوية للبعد. 

_ ايه هي الأسباب دي ممكن اعرف؟ 

صمت برهة قبل أن يهتف:  مش لازم تعرفيها، اسمعي كلامي وبس..مش قولتي بتثقي فيا؟ خلاص اعملي اللي بقوله، لما رودي تيجي بكره عيد ميلاد ضي قابليها كويس لو بتعزيني وبتحبي ماما وعايزة تريحي قلبها رحبي بيها..امنا خلاص تعبت من فرقتنا خلينا نسعدها ياغدير بلاش نكون سبب في حزنها. 


+



_ أنا عمري ما زعلت أمي. 

_ يبقى خليكي بارة ومطيعة للأخر لأن ده رجاها منك دلوقت. 

_ مش قادرة ياحازم، هبقي منافقة لو نفذت طلبك وقابلتها عادي، أنا مش متقبلاها، هي مش بتحبنا. 


+



أمسك كتفيها بقوة: مين قالك؟ مش يمكن هي منتظرة مننا خطوة تشجعها حتى لو اتظاهرت بالعكس بدليل علاقتها القوية دلوقت بماما وضي؟ رودي محتاجانا بس خايفة نصدها..  لازم نحاول ندوب جبل الجفا بنا ونكون سوا زي أي أخوات طلعوا من بطن واحدة. 


+



تدفق بقلب غدير قبسا من عزمه ومشاعره لكن أطياف من تاريخ طفولتهما ما مازال يحجب استجابتها، قرأ حازم تردد فتركها والتقط هاتفه واستعرض أمامها بضعة صور قائلا:  

شوفي المريضة دي كانت ازي. 


+





                

اشمئزت بعفوية من بشاعة المنظر وأشاحت وجهها عن رؤيته ليجبرها على النظر ثانيا وهو يغمغم: ماتهربيش ياغدير لأن صاحبة الصورة دي تبقي أختك. 

اتسعت عيناها بذهول وهي تعود لتنظر لهاتفه وهو يستأنف:  حاولت بكل طاقتي وعلمي اساعدها ولما وقفت قصادها زي أي طبيب اعملها العملية مقدرتش أنسى كلام جوزها وهو بيعايرها بقبح جسمها المشوة وانها مش مالية عينه، رغم انه اتراجع عنه بس فضلت نظرة عيونها المكسورة تعباني، بذلت كل اللي قدرت عليه عشان اخلصها من الندوب البشعة دي والحمد لله نجحت. 


+



تراخت يده وواصل بهمس شاره:  بس تفتكري قدرت اعالج ندوب روحها؟ أختك من جواها بالظبط زي الصورة دي ياغدير، جروح وندوب محدش شايفها.. 


+



تكثفت دموعها وهي تستقبل كل هذا وسيوف حيرتها تتصارع ما بين تعاطف وبغض.. لا تعرف لأيهما تنتصر داخلها ليستأنف حازم: 


+



_ في حاجات انتي متعرفيهاش والأحسن لك

تفضل مدارية عنك.. وبعد اللي قولته ده كله هسيبك تفكري وتختاري مع نفسك، هتفتحي صفحة جديدة ولا هتصمني على موقفك؟ لو مس هتقدري يبقي متقابليش اختك بكره وامشي قبل ما تيجي. 

تعجبت طلبه لكن قدرته، معه حق.. إن لن تصفح فلتترك الساحة لهما وتبتعد دون مزيد من التوتر.

____________


+



_ كلمتها؟ 

تساءلت بلهفة فقبل يدها وهو يطمئنها:  

أيوة يا ماما. 

_ ووافقت تقابل اختك وتفتح وتقابلها كويس؟

تنهد حازم مع قوله:  معرفش، أنا قلت اللي قدرت عليه عشان اقنعها وسبت ليها القرار، بس نبهتها لو مش هتتقبل وجودها بكره تمشي.. مش عايز يحصل اي صدام يعكر عيد ميلاد ضي ويزعلها أو يضايقك. 


+



نكست رأسها بشرود: تفتكر كان لازم تعرف؟ 

_ تعرف ازاي يا ماما؟ عايزاني اقول لغدير ان بابا كان بيتحرش باختك وهو السبب في كرهها لينا؟ عايزاني اشوه صورته في عيونها وانتي عارفة قد ايه هي كانت بتحب بابا؟ مستحيل اعمل كده مش هقدر. 

_ ماهي ممكن تفضل علي موقفها يا ابني. 

وأكملت والبكاء يزحف لنبرتها:  نفسي قبل ما أموت اشوفكم متجمعين يا حازم.. عشان خاطري انت وعدتني تحقق أمنيتي دي.. خلي غدير تسامح اختك وتحبها..أختكم مسكينة والله مسكينة واتظلمت. 


+



قالت جملتها الأخيرة بانهيار، فاحتواها حازم سريعا:  اهدي يا أمي أنا لسه عند وعدي ومراهن على طيبة غدير وانتي عارفها قلبها مابيعرفش يكره، واثق انها هتحن لرودي وبكره تشوفي بس انتي اهدي وتبكيش عشان ماتتعبيش. 


+



تمسكت بأطراف الأمل بكلماته وكفكفت دموعها وقالت:  حاضر يا ابني. أنا هصلي دلوقت وادعي ربنا مايكسفنيش وانت روح نام شوية قبل الفجر. 


+



تركها مقبلا قمة رأسها بعد أن لمس هدوئها ثانيا وذهب ليهاتف زوجته التي تعمد ألا تحضر معهم، كما طلب من غدير أن تأتي دون زوجها..يريد أجواء الغد تخصهم وحدهم، أشقاء وحسب دون غريب. 

__________


+




        


          


                

أغلقت باب غرفتها ووقفت تلهث بقوة ودموعها متحجرة وثقيلة داخل مقلتيها المصدومة لما سمعته منذ لحظات علي أعتاب غرفة والدتها. 

لا تصدق.

ولن تصدق.

هم يكذبون.

والدها لم يفعل ما سمعته. 

رجل قلبها الأول ليس بتلك البشاعة. 

مدللها وأبيها لم يفعل هذا

كاذبون.. كاذبون.. كاذبون. 


+



ظلت تهز رأسها والكلمة صداها يترد بروحها مغلقة عيناها بقوة تحارب حقيقة ما سمعت بين شقيقها ووالدتها..

ليتها ما ذهبت إليها لتحدثها. 

ليتها ما ذهبت وظلت لا تعرف شيء. 

" في حاجات انتي متعرفيهاش والأحسن لك تفضل مدارية عنك"

حازم كان محقا. 

ليتها لم تعرف. 

ولم تسمع. 

ليتها. 

__________


+



_ مستعدة؟

رغم أنها تفهم مغزي سؤاله غمغمت: هستعد لأيه؟ 

ابتسم وهو يضم خصرها: انك تظهري أجمل ما فيكي، أنك تردي الصفح بالصفح.. والحب بالحب.. انك تنسفي أي مسافات تمنعك من حقك.. حقك في عيلتك، في اخواتك وعزوتك. 

_ أنت بس عزوتي. 

أحتضن رأسها بصدره:  وهفضل كده،  بس انا وانتي محتاجين عيلتنا تكبر مش بس بولادنا، لأ.. بأهلنا.. أنا كمان عشت وحيد زيك يا تيماء بس وحدتي انا اللي اختارتها.. كنت بعيد عن أمي اللي كانت عايشة معايا، حتي اخويا فين وفين لما كنت اكلمه، أنا علاقتي مع  " أيهم"  گ أخ بجد بدأت في سويسرا.. هو كمان غرلته أخدته مننا وكان في بنا جفا.. عشان كده بقولك انا محتاج زيك العزوة دي ومش هفرط فيها ابدا ولا هسيبك تفرطي انتي كمان..ايدي هتسلم وتعاهد قبل ايدك.. 

ورفع وجهها إليه ليمدها بحبه ودعمه:  متأكد اني هشوف فيكي انهاردة تيماء جديدة.. تيماء لسه محدش يعرفها حتى أنا. 

__________


+



خسر رهانه عليها وهو يتفقد غرفتها الفارغة

ظن أن صفحها سيغلب غضبها نحو شقيقتها

كم تمنى أن تبقى وتساعده..

_ فين غدير ياحازم؟


+



التفت ليواجه الدهشة والآلم بعين والدته التي دافت خلفه وهو يجيب: قولتلها لو مش هتقدري تقابلها كويس أمشي، واضح ان ده اختيار غدير يا ماما. 


+



أطرقت بحرن أحرقه فرفع وجهها إليها: بس ده مش أخر المطاف يا أني خليها تاخد وقتها وصدقيني أنا هنفذ وعدي ليكي، غدير ورودي هيتجمعوا تاني..خليكي واثقة فيا وماتزعليش. 

هزت رأسها له وقلبها ينزف حزنا لرحيل غدير و "وئد" فرصة قوية للعودة ولم الشمل بينهما. 

__________


+



بكل الدعم والحب اللا مشروط هرولت عليها ضي فور أن رآتها لتمنحها بلهفة محبة حقيقية دون ادعاء، كأنها تعلم أن هذا ما تحتاجه الآن شقيقتها، تحتاجه كي لا تخذل زوجها وتزيد أوجاع والدتها أكثر..

لم تعد تلك الفظة القاسية

قلمت أظافر حدتها منذ زمن وهذبتها الأيام

لا تريد أن تجرح أو تُجرَح من أحد. 

كفاها ما عاشت وعانت..


+



_ وحشتيني أوي يا أبلة رودي. 

وقارنت قولها بعناق شديد منحت مثله لرائد قبل أن تجذب منهما رحمة وتقبلها وهي تُثني على ثوب الصغيرة الرائع قائلة:  أنتي غطيتي عليا انهاردة يا رحمة بفستانك الحلو ده..

رائدا وهو يربت على شعرها:  وانتي كمان زي الأميرة بفستانك ياضي..وواصل وهو يبحث عنهم:  أمال فين ماما ودكتور حازم؟ 


+




        

          


                

_خليها حازم بس بدون ألقاب. 

قالها وهو يقترب مع والدته لتتمسك تيماء بكف زوجها بتلقائية تلقفها باحتواء حاني رغم قوته ويدعمها بنظرة كانت كافية لتعطيها قوة..


+



أما هو فتعلقت عيناه بالصغيرة، وضي تضعها بين ذراعيه هاتفة:  شوفت رحمة يا آبيه جميلة ازاي. 

ابتسم بحنان حقيقي وهو ينظر للصغيرة التي بدورها تتأمله گ وجه جديد في عالمها الذي يزداد عدد رواده..داعب وجنتها بأنامله فابتسمت له ورددت بصوتها الرقيق الخجول قول ضي لها " خالو"..

يا الله.. ما أحلاها وهي تمنحه لقب مثل هذا لم يجربه قبلا..ظن ان أطفال غدير وحدها هم من سيمنحوه إياه.. لثمها وعانقها لتتفجر مشاعره الأبوية بقوة نحو الصغيرة التي تشبثت به عفويا بشكل رائع أرجف قلبه رجفا.


+



_ تعالي لتيتة بقى وحشتيني. 


+



قالتها بعد أن رحبت بابنتها وزوجها والتفتت تطالب بحفيدتها.. التي صاحت " تيتة" لتتلقفها وتغرقها قبلات دافئة..كل هذا وهي تقف بعيدة تراقبهم.. وبالأخص تتأمل صغيرتها حين حملها حازم بمشاعر حب بثتها عيناه وهي قرأتها جيدا.. سعيدة هي لأجل ابنتها التي أصبح لها عائلة من تلاها..جدة وخالة وخال..


+



اقترب حازم لهما وصافح رائد بحفاوة ثم نظر لتيماء التي تطالعه بدورها، تبحث فيه عن وجه منصور.. لكن وللعجب لم تراه گ كل مرة..لم ترى سوى رجلا صرخ وهو يدافع عنها وبجسارة ودون تردد أعلن أنها تنتمي إليه حين تنمر زوجها عليها " ولو كذبا" في المشفى.. رجلا نحى كرهه وغضبه جانبا وصنع من جسده درعًا حماها من بطش رائد المزعوم.. 


+



طالت نظرتها له وفي المقابل عيناه تعكس لها أحاسيس كثيرة استشفتها بوضوح، ذنب.. شفقة.. خجل.. لهفة ليختم طوفان مشاعره تلك بسيل حنان كان له الغلبة ومفعول السحر في نفسها

تكثفت عبراتها وأوشكت أن تبكي

ليسحبها حازم في عناق شديد باترا أي تردد أو خوف من تلاهما سويا.. 

عناق تمنته كثيرا. 

انتظرته كثيرا. 

اشتهته كثيرا. 


+



ودون أن تعي راحت تشهق بكاء على صدر أخيها. 

وهو يربت على ظهرها برفق ويهمس لها بكلمات خافتة ومازالت تبكي.. لا تصدق أنها بين ذراعي أخيها الآن..سندها.. عزوتها وحصن عائلة عاشت عمرا تترجاه. 


+



كل هذا تحت أنظار والدتها التي تجهش مثلهما في البكاء واقتربت تضم صغارها لصدرها وشطر كبير من قلبها وروحها وجد راحته وسلامه، ليته اكتمل بمشاركة غدير هذا اليوم..

أما ضي مكثت تنظر لهم بحملقة ولا تفهم شيء..


+



_ أحنا هنقلبها دراما ولا ايه ياجماعة؟ ده عيد ميلاد، يعني مافيش مكان للدموع. 


+



هكذا صاح رائد ليشق عليهما استرسال مشاعرهما الباكية.. كفى دموعا.. الأفراح وضحكات القلوب هي من تنتظر فرصتها.. اليوم ليس عيد ميلاد الصغيرة.. بل مولد أشقاء اجتمعوا من جديد ولن يفترقا ثانيا. 


+



_ يلا عشان نطفي الشمع ونقدم الهدايا للأميرة ضي


+



عاد صوت رائد يصدح في الأجواء والأخيرة تصيح بحماس:  أيوة ياعمو أنا مشتاقة اشوف الهدايا بعد ما نطفي الشمع. 


+




        

          


                

نفثت " ضي"  في شموع قالبها المزين لتخبؤ نارها للأبد كما انطفأت جدوة الحقد والكره والجفاء بين شقيقيها..اليوم يخط لهم القدر بداية جديد وميثاق لن يُخلف..


+



_ كل سنة وانتي طيبة ضي، دي هديتي ليكي ودي هدية رحمة بنتي كمان.. 

ضوى وجهها وهي تتلقى هدايا رائد ليتبعه رودي وحازم ووالدتها وهي تقبل الجميع لتغمغم بعدها بلمحة حزن: كان نفسي أبلة غدير كمان تحتفل معانا، حاسة فرحتي ناقصة.. ثم نظرت لوالدتها:  هي ليه مشيت ياماما؟ مش جت امبارح مخصوص تحضر عيد ميلادي؟


+



تبادل حازم ووالدته النظرات المتوترة بينما أطرقت تيماء رأسها وتكاد تتخيل ما حدث واسباب رحيلها، لكن لم يُقفل باب الدائرة بعد.. مازال موارب لمن يريد الدخول وتوثيق عهده بسطر جديد يضيف لسطور ميثاقهم قوة.


+



" مش ممكن اخلي فرحة "ضي" ناقصة"


+



حملقت حدقتي حازم ووالدته بها، بينما ابتسم رائد مدركا معني عودتها، لتغتال تيماء الحيرة مترقبة ما ستفعله تلك العائدة..تُراها تحمل بعودتها خير أم شر؟

بينما اتسعت عين الصغيرة وهي تراها أتية لتندفع نحوها تحتجز عنقها بذراعيها وتقبلها هاتفة: حبيبتي يا أبلة غدير، دلوقت فرحتي بعيد ميلادي خلاص كملت..


+



ربتت عليها بحنان وقالت: كنت بجيبلك الهدية دي.. كل سنة وانتي طيبة ياضي. 


+



ورفعت عيناها لتتلقفها عين حازم بفخر يمتزج برجاءه ألا تخيب ظنه بمغزى عودتها..ثم نقلت بصرها لوالدتها فلن تختلف حالا عن أخيها.. وبتردد ودقات قلب متواثبة حركت بصرها تجاه تيماء. 


+



لم تجد بسواد عيناها قسوة وبغض كما كانت ترى، كأنها تبدلت لأخرى غيرها..الترقب والحذر هما فقط ما سكنا مقلتاها..دارت على وجهها وتذكرت تلك الندوب البشعة التي رآتها بالأمس على هاتف حازم..ثم تدفق لعقلها حقيقة أبشع بعد سماعها ما فعل أبيها..الدموع الصامتة تزحف على خديها ولا تشعر.. لا تتحرك.. تريد الاقتراب وشيء يلجم خطوتها.. تقسم أنها مجبرة.. هل هو خزي مما فعل والدها لشقيقتها؟ أم طيف رفض مازال يعبث بروحها ويكبلها..الدموع تزداد زحفًا وقدميها ثابتة..لتحل نظرة ذهول انقسمت في عين الجميع حتى رائد وهو يرى زوجته هي من تقترب نحو شقيقتها..توقع كل شيء إلا أن تبادر هي.. صارت تيماء قُبالة غدير تماما ومن ثَمَ بسطت كفها تقول: مش هتسلمي على أختك الكبيرة ياغدير. 

حماقة أو غباء أو شيء لا تجد له تسمية وهي متسمرة مذهولة لا تفعل شيء لتشُدها تيماء فتصطدم بصدرها وتنغمس بين ذراعيها لتكون هي المبادرة.. ولم تحتاج غدير أكثر من ذلك لترتفع ذراعيها وتعانق شقيقتها وتجهش في البكاء.. 


+



لم يقاوم رائد هذه المرة تلك المشاعر وعيناه تشاطرهم الدموع الصامتة. ومثله حازم الذي اقترب للفتاتان وشرع ذراعيه ليضمهما بقوة حانية ثم نظر لوالدته التي تكاد تنهار من فرط البكاء والفرحة معًا وقال:  أظن كده نفذت وعدي ليكي يا أمي. 


+




        

          


                

أومأت برأيها من وسط بكائها ثم اندفعت بلهفة محررة قدماها أخيرا وهي تندس بين صغارها وصدر حازم يتسع لهم كأنه صار بحجم العالم أجمع..وعلى بعد خطوات منهم قرب رائد إليه ضي وهو يغمغم: أوعي تنسي ياضي إن عيد ميلادك ده هو اللي جمع اخواتك تاني..وبأذن الله اللي جاي بعده عمره ما هيشبه اللي عدى قبله. 

_________


1



_ شكرا يازمزم.. مش هنسى ابدا انك أخدتي بالك من اخويا وماحسش ابدا بغيابنا.. ده معناه انه كان مبسوط معاكي وقدرتي تعوضيه. 


+



بربتة ودية وعاتبة بذات الوقت قالت:  عيب يابسمة ده زي ابني، والله ماعارفة هعمل ايه لما تاخديه، انا حبيته اوي وما شاء الله عليه مؤدب وهادي. 


+



غمغمت بمسحة حزن:  من يوم وفاة ماما وبابا ياسين اخويا مارجعش لطبيعته المرحة الشقية تاني، كأن اللي شافوا كبره.


+



شاطرتها التعاطف لأجله:  أنا فعلا لاحظت كده، نظرته فيها حزن وشروده مش لايق علي طفل في سنه المفروض يكون منطلق أكتر من كده.. 

ثم استرسلت بنبرة مغايرة لتمحي غيامة حزن بسمة:  بس تعرفي عابد قالي ايه؟ قالي ان شخصية ياسين دي هتكون مميزة جدا لما يكبر.. ثم همست لها بمرح ( لعلمك عابد جوزي ساعات بيقول حكم أسأليني أنا) استجلبت ضحكة قصيرة من بسمة وهي تقول:  أنا هبذل كل اللي اقدر عليه عشان اخويا فعلا يكون كده لما يكبر. 

_ بإذن الله يا حبيبتي.. المهم ياعروسة طمنيني، مبسوطة مع جوزك؟ 

_ أوي أوي يازمزم، اتحدى أي زوجة تكون بتحب جوزها زي ما بحب ياسين.. تعرفي ان اختي حنين هي وجوزها قضوا معانا أخر أسبوع في الأقصر؟


+



رفعت حاجبيها بدهشة:  بجد؟

_ أه والله، ياسين وعبده عملوها لينا مفاجأة وقضينا أجمل أسبوع ، وقتها قلت ياريت اخويا كان معانا.. 

_ تتعوض يا بسومة، انتم برضو عرايس وكان لازم شهر عسلكم ياخد حقه.. 

_ عندك حق.. طب هو فين سينو؟

_ عابد واخده هو ومهند النادي وجوزك ياسين حصلهم عشان يسبنا براحتنا. 

واستطردت:  جوجو قالتلي انك هتشتغلي معاهم في القاهرة.  

_ أيوة انا وياسين اتفقنا علي موضوع شغلي والحمد لله معندوش مانع. 

_ ربنا يوفقك ويسعدك يارب، تعالي بقى ننزل شوية لطنط كريمة وعلى ما الغدا يتعمل يكون جوزي وجوزك وصلوا مع الولاد.

_________


+



"لأ مش تمشي هتفضل معايا"


+



بتشبث وعناد نبع من حبه و تعلقه بشقيق بسمة صاح مهند وهو يمسك بذراع ياسين الصغير يمنعه من الرحيل، لتكتحل عين كريمة وزمزم بتأثر شديد بينما هتف عابد: والله ياجماعة انا ومراتي كمان اتعلقنا بسينو.. ياريته يفضل أسبوع تاني وانا هجيبه لحد عندكم في القاهرة. 


+



جاء دور بسمة لتهتف: كتر خيرك ياباشمهندس والله، بس بجد مش هقدر ابعد عنه اكتر من كده ده وحشني اوي. 

كريمة وهي تقبل رأسه:  ربنا مايحرمكم من بعض ابدا، و حتى لو سينو مشي معاكم لازم كل فترة يجي يقضي اسبوع مع صاحبه والتؤام، ده بقى بيته وبيتك يا بسمة. 

_ الله يخليكي ياطنط، أكيد هنيجي دايما، ربنا يديم المحبة.. 

_طب نقولكم سلام عشان لسه هنعدي على ماما وبابا وهنمشي الصبح.. أنا لو غبت عن شغلي أكتر من كده يزيد هيهور عليا. 

ضوت عيناها حبا علي ذكر ابنها الغالي وقالت بثقة: 

قوله بس خالتي مسكت فيا.

_ طبعا ياكيما واثقة انك على راسه من فوق، عموما اوعدك استغل الموضوع ده كويس.   

_________


+




        

          


                

"هو مهند لسه زعلان من امبارح؟"


+



قالت بضيق:  أيوة يا عابد من وقت ما ياسين مشي وزعلان مش راضي يلعب وكل شوية يقولي عايز صاحبي يلعب معايا. 


+



_ خلاص أنا هعرف ازاي افرفشه. 

……… 

_ هوندتي تعالي شوف جبتلك ايه. 

ذهب إليه دون حماس تحت أنظار زمزم التي تتابعهما بصمت مترقب، فرمقه عابد بحنان وحمله مقبلا خده الشهي المكتنز وقال:  ايه ياصاحبي مالك؟ مافيش حضن كبير لحبيبك؟

طوقه الصغير بذراعيه كي يرضيه ومازالت ملامحه البريئة عابسة فسأله:  طب انت زعلان ليه مش ياسين عنده بيت زيك؟ وكل واحد لازم يروح بيته يا هوندا؟

_ ما هنا بيتنا كبير وكان بيلعب معايا ليه مشي؟

ابتسمت زمزم لبراءته بينما واصل عابد إقناعه: 

_ عشان بيته الحقيقي هناك عند عمو ياسين في القاهرة..لكن هنا بيتك انت. 

حدجه الصغير بنظرة مفكرة يستوعب قوله، ليستطرد: وبعدين مش انت عندك اخوات؟

_ أيوة بس صغيرين مش بيلعبوا. 

_ ما هما هيكبروا وساعتها مش هتدور على حد غيرهم يلعب معاك وانت اللي هتلاعبهم كمان..يلا بقى غمض عيونك الحلوة دي وشوف جبتلك ايه. 


+



أغلق عيناه بقوة منتظرًا لحظات قبل أن يأمره عابد بفتحهما ثانيا ليحملق بهديته التي كانت مجسم صغير ملون يشبه نفس فيلتهم، وينبثق منها سيارة ودراجة مثل دراجته بالفعل ليشهق بحماس:  الله البيت بتاعنا، ودي العجلة اللي جدوا جابهالي، ودي العربية اللي بنروح بيها النادي. 


+



ابتسم عابد لجذب اهتمامه وصرفه عن حزنه وقال: يعني عجبك يا هوندتي؟ 

_  أيوة عجبني.. 

ثم مال الصغير بعفوية وقبله جانب ذقنه فضمه أبيه بقوة وقال:  حبيب قلبي انت مش عايزك تزعل ابدا طول ما انا موجود، شوف كمان ياعم جبتلك كورة جديدة غير اللي عندك، أخر الأسبوع هلاعبك بيها، اتفقنا؟ 

هز رأسه بشدة:  اتفقنا. 

_ طيب يلا خد شنطة الحاجات الحلوة دي كل منها بس بعد الغدا. 

تفقد مهند داخلها مغلفات الشيكولاتة والشيبس ثم نهض نحو أشقائه التؤام ووضع بعض حلواه جوارهما قائلا: 

ديبو، روتي كلوا معايا انتوا كمان. 


+



تبادلت زمزم النظرات الحانية مع عابد مغمورة بفرحتهما لتغير مشاعر مهند نحوهما بعد أن كان يغار،  اقتربت منه ورفعته بين ذراعيها وأغرقته بقبلات سخية وبثته كلمات فخرها به گ مكافأة له ليقول عابد:  بس أخواتك صغيرين ياحبيبي مش بياكلوا لسه..أنا جبتهم ليك انت لوحدك يا صاحبي..بعد غداك افتحهم شوية منهم..ماشي يامعلم؟

_ ماشي يا بابا. 

__________


+



وصله همهمتها الساخطة صوب المطبخ فعبر إليها. 

_ ايه ياحنين مالك متعصبة ليه وبعدين رايحة فين؟


+



قالت قاطبة الوجه:  نازلة اتخانق مع بتاعة السمك الست النصابة اللي مش عندها ضمير. 

أعترض طريقها يستجدي تفسيرا:  طب سيبي اللي في ايدك ده فهميني حصل ايه؟

تركت الحقيبة جانبا وراحت توضح له:  


+



نزلت أتسوق اجيب كل طلباتي من السوق عشان عزومة أخر الأسبوع بتاعة أهلك واخويا وبسمة وجوزها، لقيت السمك شكله حلو وسعره كويس قلت انت بتحبه، هوزن كام كيلو أخزنهم في الفريزر، سبتهم للست تنضفهم وروحت اشتري باقي لوازمي. ورجعت حاسبت عليهم واخدتهم.. لحد كده تمام؟


+




        

          


                

أومأ عبد الرحمن:  تمام اوي وبعدين؟

غمغمت وكأنها ستبكي:  لقيت السمك كله صغير ياعبده مع إني نقيت الحجم الكبير ومشيت، معرفش انها هتبدله وتديني سمك الزينة ده..

ثم استعادت شراستها صائحة بتوعد:  والله لأنزل ابهدلها. 


+



همت بالتقاط الحقيبة فأوقفها بحزم:   حنين مافيش نزول.. خلاص اللي حصل حصل ماتبقيش تجيبي منها حاجة تاني. 

هتفت باستنكار:  يا سلام؟ واسيبها تستغفلني يا عبده؟ ده انا دفعت فيهم مبلغ علي انهم هيقضونا الشهر كله. 


+



_ خلاص ياحنة بقى عوضك على الله، بعد كده ابقي ركزي معاهم واتأكدي ان السمك زي ما انتي اختارتي، انما تنزلي تعملي مشكلة مش هسمحلك. 


+



صمت شفتيها بضيق فابتسم لمظهرها واقترب يقبلها مغمغما:  ماتكشريش، فداكي السمك.  

لانت ملامحها قليلا: بصراحة ياعبده انا أصلا ماكنتش بتسوق ولا أنا ولا بسمة، دايما ماما اللي كانت بتقوم بموضوع السوق ده.. 

واستطردت:  بس انا عايزة ابقي شاطرة ومدبرة، احنا لسه ناقصنا حاجات كتير محتاجينها ولازم اقتصد.  


+



جذبها معه للردهة وهو يهتف: كل حاجة ناقصة هتيجي في وقتها ياحنين، أولهم التكييف زي ما انتي عايزة قبل ما يدخل الصيف. 

_ ان شاء الله ياحبيبي، طب صحيح مافيش جديد في موضوع شغلنا سوا؟ 

_ لأ في الحمد لله وده اللي جيت ابشرك به. 

صفقت بحماس:  أوعي تقول انه حصل زي ما قولتلي من كام يوم؟ 

ابتسم راضيا بفرحتها:  حصل ياحنة، والد صاحبي اللي حكيتلك عنه قدر يجبلنا انا وانتي شغل في شركة أدوية بمرتب مش بطال، هنستلمه أول الشهر


+



اندفعت وعانقته بصخب طفولي:  الله ياعبده هنشتغل سوا ونرجع سوا، مافيش أحلى من كده. 

ربت علي ظهرها محتويا جنونها المحبب:  ايوة بس انا هكمل في الصيدلية بالليل، يعني الصبح معاكي في الشركة وبعدين ارجع اتغدا وانام ساعتين وبالليل الصيدلية. 


+



_ وده مش تعب عليك ياعبده؟ كده هتشتغل كتير هترتاح امتي؟ 


+



_ مش مهم ياحنين أنا لسه شباب ولازم اتعب عشان نعيش كويس ولما ربنا يكرمنا بولاد نعرف نربيهم. 

ثم ربت علي بطنها بحنان:  أنا عايز منك ولاد كتير اوي.. 

رمقته بحنان واندست بصدره قائلة:  المهم يطلعوا زيك ياحبيبي.

وابتعدت متذكرة مهام مطبخها بغتة : يوه، أنا نسيت الهم اللي ورايا عشان العزومة، هنضف فراخ واتبلها وأسلق الكرنب واقطعه وافرزه واحضر خلطة المحاشي وحشوة الجلاش والبشاميل و… 

_ حيلك حيلك ايه كل ده؟ وبعدين لسه يومين على العزومة حبيبتي مستعجلة ليه؟

_ ياعبده دي أول عزومة بعد جوازنا لأختي وجوزها وأهلك كمان. عايزة اشرفك وابين اني ست بيت محصلتش ويدوب ابتدي اجهز من دلوقت..

ثم مالت تقبل خده سريعا:  معلش بقي ياحبيبي هنشغل عنك شوية وبعدين ارجع اسهر معاك لما اخلص معركتي في المذبخ .


+



لاحقها ودلف خلفها لترمقه بتساؤل:  ايه ياعبده عايز حاجة من المطبخ؟

شمر عن ساعديه قائلا: هساعدك مش هسيبك تعملي كل الهم ده لوحدك ماتهونيش عليا.. 

برقت عيناها بإعجاب ودنت إليه وغمغمت:  تعرف ياعبده، دايما كنت احاول اتخيل حياتنا سوا هتبقى ازاي، رسمت في خيالي مواقف كتير.. بس صدقني اللي بشوفه منك ومعاك فاق كل تصوراتي عن عيشتنا سوا.. وشبت تلثم ذقنه برقة:  ربنا يخليك ليا يا سيد الرجالة كلها. 


+




        

          


                

صرخت تستغيث:  بتعمل ايه يا عبده سبني وحياة أبوك مش فاضية ولا ناقصة عطلة.

صاح وهو يحملها عابرا من المطبخ لغرفتهما:  أنا كنت داخل مؤدب ومأقلم نفسي اقطع بصل وافرم طماطم.. انتي اللي ادلعتي ونكشتيني، أتحملي بقى. 


+



قهقهت بقوة:  والله قصدت أشكرك انت ليه نيتك مش تمام كده ياعبده. 

نظر إليها بمكر:  يعني بذمتك عريس زيي عايزة تفكيرة يروح فين؟ 

طوقت عنقه بدلال: مش فاهمة، يعني تفكيرك راح لفين؟

مال بوجهه هامسا قربها:  هفهمك حالا. 

___________


+



توارت عن ضيوفها بحجة صنع كاسات العصير لتقف متألمة وهي تمسك موضع مثانتها علها تهديء ذاك الألم الذي يطرقها بقوة، وإن كان دوار غريب يكتنفها بقوة هو الأخر ولا تقدر على مقاومته، ومع هذا تستميت حنين كي لا تظهر شيء من تعبها أمام عائلة عبد الرحمن وشقيقتها بسمة وأخيها وزوجها.. بقي القليل ويرحلون وتنال راحة.. هكذا صبرت ذاتها وهي تحضر كيس الفاكهة لتخفقه و…… 


+



وسقطت قبل تفعل. 

……… 

_ حنين مالها يا ماما طمنيني؟


+



أجابت والدته لهفة أبنها بإطلاق " زغرودة" مدوية كانت خير جواب للجميع وأبيه يربت على كتفه بقوة مهنئا:  مبروك يا ابني، مراتك حامل. 

بينما احتضنه شقيقه:  وهبقى عم لابن الغالي مبروك يا عُبد ألف مبروك.. 

لتتلقفه سلوى:  وأنا هبقى عمتو..مليون مبروك. 

أما ياسين فقدم تهنئته هو الأخر داعيا السلامة لحنين زوجته.. 


+



أما هو ذاته كان في عالم أخر لا يصدق. 

حنين حامل؟ 

إذا رؤيته منذ ليلتان كانت حق

جاءته البشرى ولم يفهم

حبيبته وزوجته حامل. 


+



_ أنتي متأكدة يا ماما؟ مش يمكن… .


+



قاطعته بثقة من لديها خبرة في مثل هذه الأمور : 

عيب يا ابني، لما اقولك مراتك حامل يبقى حامل. 


+



تركهم واندفع لغرفة زوجته ليجد بسمة تعانقها وتبكي من شدة الفرح. ثم أفسحت له مجالا بعد أن فاضت بمشاعرها وغادرت لينعمان بفرحتهما كما يحلو لهما.. 


+



أقترب منها واحتواها على صدره وهي تبكي من فرحتها، ستصبح أما من رجل تعشقه، ستحقق أمنيته التي باح بها منذ أيام قليلة وهو يترقب هذا الخبر.. لم تكن تعلم أن البشري قريبة لهذا الحد، تجاهلت إرهاقها الذي اشتد الساعات الماضية وظنته من توابع تحضير عزومتها الكبيرة.


+



_ فرحان؟

همست بها بأذنيه ليجيب: طبعا فرحان، مش مصدق ان البنت الشقية الرقيقة اللي ملامحها خطفتني من أول ما شوفتها في الجامعة وجريت صارحتها بحبي وخطبتها وحلمت تكون ليا دلوقت، بستقبل دلوقت خبر انها هتكون أم أولادي.. 


+



ذابت بعناقه أكثر ولم تجد ما تقوله ليخيم عليهما صمت المفاجأة فتسأله بغته:  عبده، يادي الكسوف، أحنا سرحنا هنا وسايبين الناس بره. 

_ ناس مين يا روحي كلهم مشيوا بعد ما باركولي، ومتأكد ان اختك وجوزها اخدوا سينو ونزلوا. 

_ طب هتأكد كده. 

ونهضت تتفقد الخارج لم تجد أحدا، فقط ورقة مطوية على الطاولة بداخلها رسالة من بسمة تخط لها ( كنت محتارة امشي واسيبك لوحدك تفرحي مع جوزك بالخبر ده ولا استني اغسلك كوم المواعين بتاع العزومة؟ في الأخر قررت امشي وعارفة أن عبده هيقف يغسلهم زي أي زوج مصري أصيل عرف ان مراته حامل.. مبروك ياحنة.. هشوفك قريب)


+




        

          


                

ضحكت حنين وهي تعطي الورقة لزوجها ليؤگد بقوله:  واضح ان اختك بتدبسني بالذوق. 

قهقهت ثانيا ليبتسم لها بحنان قائلا:  ده فعلا اللي كنت هعمله، انتي تعبتي اوي بقالك كام يوم.. 

وأجبرها لترقد فوق فراشها وبدأ هو معركته مع الطناجر والصحون لتنتهي بتهشيم طقم أكواب كامل فتصيح وهي تطالع قطع الزجاج المتناثرة أرضا بحصرة: 

الله يرحمه طقم الكوبايات الفرنساوي الغالي.. كان ابن حلال ومشرفني مع الضيوف. 

_____________


+



_ يعني الدكتور قالك هتولدي طبيعي؟

_ أيوة يا زمزم وخايفة أوي وعمالة اتخيل مشهد فيلم الحفيد و "منى جبر" بتولد وتتعذب في الفيلم. 


+



ضحكت وهي تتخيل المشهد معها:  وعةو عاصم يبقي زي عبد المنعم مدبولي وطنط دره تبقى كريمة مختار وبتقوله هات حلة مية سخنة. 

صاحت عليها بحنق:  أنتي بتتريقي؟ طبعا ما انتي ولدتي وارتاحتي خلاص ياختي. 

_ طب اسكتي بقى عشان لو جربتي تراعي تؤام مش هتعرفي طعم الراحة.. 

ثم استعاد صوتها حكمته: عموما ياحبيبتي خوفك طبيعي عشان أول مرة، بس كل أما تخافي افتكري اللحظة اللي هتشيلي بنتك بين ايديكي، ربنا يقومك بالسلامة يارب يا بلي. 

_ يارب يا زمزم ادعيلي دايما. 

_ بدعيلي والله انتي وجوري وعطر، ماهما هيحصلوكي قريب جدا. 

_ ربنا يقوينا كلنا ويقر عيونا بولادنا. 

_ اللهم امين حبيبتي. 

______


+



بكل الفخر والدعم جلس عاصم ودره ومحمود بين عائلة ظافر يتابعون باهتمام بالغ وترقب شاشة التلفاز و ما تعرضه بين حدودها والمذيعة أو الفنانة الشهيرة تقدم ضيفها بما يليق به قائلة:  


+



_حلقتنا الليلة هتكون مع ضيف مميز ومعروف جدا في نطاق مهنته، شاب مصري اجتهد وقدر يحقق حلمه في وقت قياسي ومؤخرا شارك في مسابقة كبيرة بتضم عدد كبير من الطهاه المميزين من بلاد مختلفة وكان هو الفايز بلقب " top chef" ورفع أسم مصر بلده وشرفنا..


+



ثم التفتت له المذيعة الشهيرة ليحتل وجه الضيف الشاشة بوضوح وهي تستطرد:  الشيف "ظافر الشباسي".. أهلا بيك في برنامج "صاحبة السعادة" 


+



أومأ لها بتهذيب وبريق الثقة يملأ حدقتاه :

أهلا بحضرتك يا مدام إسعاد. 

_ نورتنا. 

_ ده نورك. 

وبدأت تقول وهي تشير لوجه الطاولة العامرة بأصناف انتقاها بعناية:  قبل أي حاجة أنا شايفة الأكل بصراحة شكله يجوع، أديني نبذة عن كل صنف. 


+



ابتسم ظافر بكياسة وبدأ يشرح مكونات كل طبق ومما استلهمه. لتتذوق الفنانة كل صنف وعلى وجهها استحسان واضح مغمغمة: مزيج نكهات رائع ومدروس. 

هتف بلباقة:  ودي شهادة أعتز بيها من ذواقة معروفة

_ لا بجد عندك لمسة مختلفة. 

ثم نحت الأطباق جانبا وبدأت حديثها المهني: 

_ مين سبب شغفك بالطهي وعالم النكهات. 

_ جدتي الله يرحمها هي سبب حبي للعالم ده واني امتهن المهنة دي واطورها بدراستي وتجاربي المستمرة والبحث عن كل الجديد فيها.


+




        

          


                

ظل يسترسل مجيبا أسئلتها باستفاضة عن كل ما صادفه حتى وصل لكلمة أخيرة: وللتوضيح لو في أي أزدهار في شغلي ده بدعم ومشاركة صديقي وشريكي في كل شيء " عامر"  المطعم والكافية وكل حاجة تقريبا مناصفة بنا واتبنت بتعبنا سوا.. 

المذيعة بفخر:  ماشاء الله تجربة شباب تدعوا للفخر فعلا.." واستطردت" للأسف حلقتنا قربت تخلص وبجد دي من اجمل الحلقات اللي صورتها مع نموذج من الشباب يستحق يكون قدوة.. ودلوقت بقى جه معاد المفاجأة والخبر الحصري لمشاهدين قناتنا

"… ".. تحب تعلنه بنفسك ياشيف؟ 

_ ياريت. 

فأشارت له ليأخذ زاوية ما للكانيرا ويتحدث بأرياحية. 


+



حاد ظافر بوجهه إليها وعيناه تلتمع بثقة مع هالة من الوقار الشديد وهو يغمغم:  بدايتًا ببعت تحياتي لكل أهلي اللي هما سبب توفيقي بعد ربنا..وصديقي الغالي عامر وكل فانزي اللي بعتز به جدا، واحب اعلن ليكم مفاجأة من خلال برنامج مدام إسعاد وهي إني هقدم برنامج طبخ رئيسي هنا في القناة..يارب اقدر اقدم فيه كل جديد ومفيد ليكم. 


+



وانتهت الحلقة لتنهال على ظافر مباركة والدته وشقيقته ومحمود ووالدي بلقيس التي بدورها طالعته بذهول غير مصدقة:  ظافر، بجد هتقدم برنامج رئيسي في القناة دي؟ 

ابتسم لها:  أكيد امال بهزر، ما دي المفاجأة اللي كنت محضرهالكم. 

والدته بحماس:  إلهي يرزقك ويزيدك ويحبب فيك خلقه يا ابني..( لتؤمن إيلاف ثم تصيح)  أنا مش مصدقة يا آبيه.. يعني هنشوفك كل يوم في التليفزيون بجد؟ 

ربت علي رأسها بحنان:  أيوة ياحبيبتي. 

وواصل:  المفاجأة التانية بقى إن أول حلقة ليا هتتذاع بكره لايف.. قبل الضهر بساعة. 


+



هنئه الجميع بينما تجعدت ملامح بلقيس بغتة بألم شديد حاولت تجاهله كي لا تفسد فرحتهما لكن الوجع فاض بها لتصرخ باستغاثة هادرة:  ألحقني يا ظافر شكلي بولد. 

______________


+



صراخها وهي تستغيث به من ألام المخاض شق قلبه نصفان لينقلها على الفور للمشفى وهاهو ينتظر والخوف عليها ينهشه نهشا ووالدته تهدئه بقولها:  أهدى يا نور عيني، دلوقت تطمن وتسمع خبر حلو. 


+



ظافر بقلق: خايف عليها أوي ياماما، صرختها فجأة طيرت عقلي وأول مرة احس إني مش قادر أساعدها. 

_ ياحبيبي مافيش حاجة سهلة، أمال انتم غالين ليه؟  أدعي بس تقوم بالسلامة هي وبنتك. 

_ يارب يا أمي يارب. 

……… 


+



يحتوي ارتجافة كتفيها بقوة وهو يهمس لها:  يا دره اهدي مش كده، بنتك بتولد وطبيعي تتألم شوية. 

هتفت باكية: هتجنن عليها يا عاصم، ياريتني اقدر اتحمل عنها وجعها وتسلم روح أمها من كل آهة.. يارب سلمها هي وبنتها من كل شر. 

_ أيوة كده ادعي، دي هانت خلاص وهنسمع صوت حفيدتنا دلوقت بس امسكي نفسك شوية. 


+



"مبروك"


+



قالتها الفتاة للتي خرجت عليهم تبشرهم بولادة بلقيس، ليتمتموا جميعهم بالحمد بينما هتف ظافر بلهفة:  ومراتي عاملة ايه؟

ابتسمت له:  كويسة جدا، شوية وتقدروا تدخلوا تشوفوها هي والبيبي. 

………… .

برفق شديد رفع رأسها إليه لتُشرق شمسيها بوهن وعيناه يتلقى ضيائها هامسا:  كنت هتتجنن عليكي وانتي بتتألمي يا بلقيس..أنا ممكن دلوقت أقرر انك متخلفيش تاني عشان ماتتعبيش بالشكل ده.. صرختك كانت سكينة في قلبي. 


+



ومال عليها يلثم جبينها مطولا لتبتسم له وتحتضن وجهه بين راحتيها قائلة:  متخافش عليا ياحبيبي انا بخير، وكله يهون عشان خاطر بنتنا.. 

ثم تلفتت حولها تبحث عنها ليغمغم:  بيحضروها ويلبسوها هدومها وجايين.. والباقين بيتفرجوا على بنتي وهي بلبوصة خالص شبه السحلية. 


+



ضحكت بضعف واضح وقالت: هقولها انك قلت عليها كده.. ثم عصفت بحنان طاغي:  عايزة اشوفها ياظافر روح هاتها عشان خاطري عشان أحضنها وأشم ريحتها.. 

عانقها برفق وقبل جانب عنقها وقال: مادام اطمنت عليكي هروح اجيبها، أنا كمان مالحقتش اشوفها. 

………… 


+



ارتعشت ذراعي بلقيس من فرط خوفها وهي تحمل ابنتها بهذا الصغر، انحنت تقبل رأسها بحرص وأغمضت عيناها تعتصر دمعة الفرح التي زحفت من وجهها لوجه صغيرتها.. لا تصدق انها الآن تضمها لصدرها.. تشم عبقها.. عبق بنكهة أمان مذاقه جديد على شفتيها وطفلتهما تربطها بحصنها أكثر وأكثر .. قلبها يدق برفق كأنه يخاف إزعاج الصغيرة بين ضلوعها.. 


+



_هتسموها ايه يا آبيه؟


+



برقت عين ظافر وهو ينظر لطفلته بحب لو فاض على الكون كله لكفاه هاتفا بحنان ليعلن لهم اختياره: 


+



لارين. 

_________


+



"بما إن دي أول حلقة ليا معاكم في برنامجي، أحب أشارك مشاهديني الكرام فرحتي الكبيرة.. أنهاردة يوم مميز جدا بالنسبالي مش بس لأنه أول لقاء بنا.. لأ.. لأن انهاردة اتولدت بنتي الأولى " لارين"..ولئنها لما تكبر بأذن الله هتشوف الحلقة دي.. حابب ابتدي معاكم بقالب تورته بهديه لبنتي اللي نورت حياتي. 


+



عشرات المكالمات انهالت عليه من متابعيه تهنئه له ببرنامجه وطفلته ليمر الوقت سريعا وظافر يصنع أجمل قالب كعك مزين بأسم "ملكة أبيها"

لارين. 

_________

لارين يا بابِ كعبة يطوفه حولها الطائفين.  

لارين يا ملكة أبيكِ يا آسرة الناظرين. 

لارين يا حبيبتي وكَنز العمر ونصري المبين.  

لارين يا زهرة البرتقال وطوق الياسمين. 

ظافرُ أنا حين قبلتُ بوجهك هذا الخد وذاك الجبين. 

___________






الخامس والستون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close