رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم دفنا عمر
الفصل الثامن والخمسون
----------------------------
مهدك منصوبًا في القلب منذ بدأ العمر
مُرصع بدموع السَحرِ ودعوةِ الفجر
أهلا بكَ بين الضلوع وطيات أحشائي
ربي يحفظك من المُقل وينير محياك سمائي
_____________
+
دقات قلبها تتواثب من فرط ترقبها لرد فعل أبويها ووالدة زوجها وشقيقته، وقد استدعاهم ظافر ليأتوا إليهم بحجة زائفة.. وهاهم ينتظرون وهي تشاهد ما يفعله ظافر هاتفة:
+
_ انا من كتر ما متحمسة اشوف رد فعلهم قلبي بيدق جامد اوي ومتهيئلي هينط مني علي الترابيزة.
+
_ لا أهدي كده وخليكي ريلاكس، كده هتزعجي البيبي بتاعنا بدقات قلبك..
ضحكت لدعابته وقالت بدلال: ده لسه حاجة صغنونة مالوش شكل يا ظاظا.
_ بردوا خليكي هادية..روحي بقي ناديهم احسن بقالنا شوية حابسينهم في الصالون..
_ ماشي.
……… ..
دعت بلقيس الجميع حيث غرفة الطعام، فصاحت إيلاف: انتو شكلكم مريب اوي كده ليه؟ بلي مخبية ايه؟
بلقيس: بطلي لماضة أنا مش مخبية حاجة، دي أوامر اخوكي أنا ماليش دعوة..
عاصم: المهم انه خير يابنتي؟ طلب جوزك اني اجيب دره واجي ضروري قلقني..
+
لمعت عيناها وودت لو ارتمت في أحضانه وفاضت بما لديها، لكن صبرا لا يفصلها عن هذا الخاطر سوى لحظات..ولتكن عرض مفاجأتهم المنتظرة تليق بهم..
+
أجاب عنها ظافر: ماتقلقش ياعمي خير بإذن الله.. يلا اتفضلوا أنا محضرلكم حاجة هتحبوها اوي..( التفوا حول المائدة وأبصروا بحيرة ما يعلوها، فقال الأول) قصادكم أطباق مقفولة زي ما انتم شايفين، كل احد يكشف طبقه ويقول شاف وفهم ايه.. اتفقنا؟
+
اجابوا بإيماءة ونزعوا غطاء الصحون ليروا جميعهم قطعة تارت صغيرة مزينة بنفس الاشكال التي صنعها ظافر لبلقيس..وجدت إيلاف مجسم بيبرونة صغير جعل نظرتها تتجمد وعقلها يلتقط مغزاه سريعا بينما بصرت والدتها بطة صغيرة صفراء تشبه تماما أخرى كان يمتلكها أبنها في طفولته، لم يكن صعب عليها فك طلاسمها، أما عاصم فكان من نصيبة حروف كلمة "BaBy " لتتكثف سحابة دموع بحدقتيه وهو يلتفت لدره التي لم تختلف عنه حالًا وهي تحدق في مجسم الرضيع فوق القالب..ليتأكد شعورها أن ابنتها تحمل بأحشائها نطفة حفيدهم المنتظر..
+
توجهت المُقل المغرورقة تجاه بلقيس التي تبكي وهي ترصد ردود أفعالهم..وصاح زوجها أخيرا وهو يدور بين وجوههم المصوبة لهما: بلقيس حامل..
+
هرولت إيلاف تعانقهم وهي تصرخ وتقول " يعني هبقي عمتو"..أما هدي فراحت تدعوا بنحيب مسموع انفعالا بالخبر السعيد" الحمد لله يارب استجبت دعايا في جوف الليل.. الحمد لله"
+
أما عاصم فجلس وقدماه لا تحمله من تأثير المفاجأة عليه.. صغيرته الحبيبة ملكته وقرة عينه ستصبح أم.. رجائه تحقق وأثمر إلحاحه على الله بأن يقر عينه بحفيد..
+
هرولت بلقيس تتوسط والديها وتضمهما وهي تبكي، فأمطرتها دره بالقبلات غير قادرة على قول كلمة واحدة بينما جذبها أبيها وأجلسها فوق قدمه وهو يقول بصوت باكي: بنتي كبرت وهتبقى خلاص أم..
+
ضحكت من بين دموعها: أيوة يا بابا.. هجيبلك أمير أو أميرة.. بس اوعي تحبهم أكتر مني.. أنا هفضل بردو ملكة أبيها، مش هتنازل عن لقبي عندك مهما حصل..
_ لقبك ده منقوش جوه القلب محدش يقدر يمحيه يانور عيني..
ثم نظر لزوجته التي تبكي وهي تعانقها وقال:
مبروك يا دره ، خلاص كبرتي وهتبقي جدة..
+
مدحتها بلقيس بحنان وهي تقبلها: بس اجمل جدة في الدنيا.. وبرضو هفضل كل اما امشي معاكي يفكروكي الناس انك اختي الكبيرة..
مازحتها أخيرا وهي تتمالك مشاعرها: بلاش نصب، بيفتكروني اختك الصغيرة مش الكبيرة..
+
ضحك جميعهم ونهضت بلقيس تجاه والدة زوجها وانتشلتها من أحضان الأخير قائلة: سبلي مامتك شوية بقي، وعانقها بمحبة: مبروك يا ماما هدي انتي كمان هتبقي اجمل واحن تيتة.. واستعدي لأن اللي هيربي ولادنا انتي..زي ما ربيتي ظافر وإيلاف احسن تربية..
+
ضمتها بقوة وهي تدعوا لها: أنا عمري كله ليكم، ربنا يقومك بالسلامة ياحبيبتي ويتربى في عزكم ودلالكم.."ثم التفتت لوالديها وقالت" مبروك يا استاذ عاصم، مبروك يادره..مافيش مفر الولاد خلاص كبرونا وبقينا جدود رسمي..
_ نسيتوني ولا ايه؟ منا كمان هبقي عمتو..
ابتسم ظافر بحنان وجذبها إليه: أحلى وأرق عمتو في الدنيا، بس مش ببلاش طبعا.. لازم تتعلمي تغيري بامبرز وتحضري سيريلاك من دلوقت..
+
_ ولو عايزني اتعلم اتشلقب على الحيط عشان الاعب البيبي مستعدة.. هاتوه بس بسرعة قبل ما اتجوز عشان الحق العب معاه شوية.
+
هدي وهي تشاكسها: انتي هتكوني اعيل من البيبي اصلا.
دره: عقبالك يا ايلي اما نفرح بيكي ونشوف ولادك انتي ومحمود..
بلقيس: اكيد عيالهم هيبقوا مجانين زيهم
أيلاف: اتريقي براحتك.. هسكت عشان خاطر ابن اخويا اللي في بطنك..
هدي: ويمكن بنت حد عارف..
بلقيس: طب انتم تتمنوا ايه ياجماعة بنت ولا ولد؟
+
عاصم: مش هتفرق، المهم خلقة تامة وانتي تكوني بخير
_ حبيبي ياعصومي..
هدى: صح كلامك مش هيفرق نوع البيبي، المهم هو ومامته يكونوا بخير.. ربنا يبارك فيكم وتملوا البيت علينا ولاد وبنات..
+
أمن الجميع على دعوتها..وبعد وقت استعد عاصم ليغادر مع زوجته فلم تتركه بلقيس وصممت هي وزوجها مبيت أبويها معهم وإكمال السهرة.. كما تمسكت هدى أيضًا بمكوثهم الليلة والمغادرة في الصباح..وافق عاصم وانقضى الليل وملكته تتنقل بين أحضان الجميع وظافر يرصد فرحتهم برضا حامدا الله داخله على عطائه..
__________
+
اقتسم عاصم فرحته مع جميع العاملين بشركته وأمر بمنحهم مكافأة مجزية تعبيرا عن شكره لله بما مَنْ عليه.. ودائما لأهل بلدته نصيب من أي خير يحدث معه.. لذا قرر نحر ذبيحتان وتوزيعهما علي المحتاجين عل دعواهم الخالصة تقي ابنته شرور الغيب ويحفظ جنينها..
+
أما ظافر أعلن في اليوم التالي إعفاء عدد لا بأس به من رواد المطعم من نصف الفاتورة إكراما لقدوم وريثه المرتقب..كما منح العاملين مكافأة نقدية ليشاركهم سعادته..
+
وبعد انتشار الخبر بدأت المكالمات تنهال على بلقيس من بنات وأبناء عمومتها وأعمامها وزوجاتهم لتغمر الفرحة الجميع..فجميلة العائلة ستصبح أما بعد شوق عام كامل..
…………
_ مبروك يا اخويا ألف مبروك.. والله فرحان عشان ربنا رضاك في بنتك زي ما فرحت بحمل مرات ابني واكتر ربنا يعلم..
+
عاصم بتقدير: عارف والله يا أدهم.. ماهي بنتك انت كمان.. ولادنا بيكبرونا يا اخويا..
_ ومالوا لما نكبر.. ربنا بس يفرحنا بيهم ونشوف ولادهم بيجروا ويتنططوا قصاد عنينا..
_ ربنا يديك الصحة عقبال ماتفرح بولاد جوري ويزيد..
_ في حياتك أن شاء الله ياغالي..
واستطرد بفخر: كريمة ناوية تفرق رز بلبن على الكل حلاوة فرحة بلقيس وكمان عشان ربنا يقوم زمزم بالسلامة هي كمان في الشهور الأخيرة خلاص..
_ ربنا يطمنا عليهم كلهم ويبارك فيهم..
ثم. تنهد مع قوله: تعرف يا أدهم.. كل اما افتكر الابتلاءت اللي مريت بيها من اول موت ولادي وهما صغيرين واللي حصل لبنتي بعد كده.. اقول سبحان من خلاني اتحمل واصبر.. واهو كافئني.. ادعيلي اشوف حفيدي على خير حتي لو اموت بعديها..
+
قال بفزع: معاذ الله ياعاصم ايه اللي بتقوله ده بعد الشر عنك يا اخويا.. ربنا يديك طولة العمر وتعيش لحد ما تجوز أحفادك كمان..اوعي تتكلم كده تاني الله يرضي عنك، قلب اخوك مش ناقص..
+
هون عليه بقوله: ماتقلقش يا أدهم، مجرد إحساس حسيته وقولته.. ربك كريم.. زي مافرحني هيكحل عنيا بشوفة حفيدي..
_ بإذن الله ياغالي.. ربنا يبلغك كل خير وتفضل وسطينا كبير العيلة والسند..
_ تعيش يا أدهم..
__________
+
_ والله يا بلقيس افتكرتك امبارح وانا بصلي الفجر وفضلت ادعيلك بشكل غريب كأن ربنا سخر لساني ليكي وبس الليلة دي.. وبعدها حسيت ان قلبي ارتاح كده وقلت انا هسمع خبر حلو قريب.. واهو احساسي صدق.. مبروك يا برنسيسة..
+
_ الله يبارك فيكي يا زوما، وعارفة والله انك كنتي بتفكري فيا وتدعيلي.. امال بقي لو عرفتي إن ظافر عرف بحملي قبلي؟
_ ازاي يعرف قبلك يابنت انتي هتجنيني؟
ضحكت قائلة: أه والله زي مابقولك كده..
وقصت مالديها وزمزم تستقبل كل ما تسرده بدهشة ثم صاحت أخيرا: يانهار ابيض..ده جوزك ده طلع مش سهل.. قدر يخبي عليكي حقيقة تعبك.
_ كان عايز يفاجئني..
مازحتها زمزم: المعتاد ان الزوجة هي اللي بتفاجيء زوجها بالحمل.. لكن العكس حصل معاكي..
_ طبعا يابنتي هو انا متجوزة شخص عادي.. ده ظاظا حبيب قلبي أذكي وأحسن راجل في العالم كله..
+
_ طب بس بس براحة علي نفسك هتفرقي من الغرور.. أمال عبودي جوزي يبقى ايه لما جوزك أحسن راجل؟
_انسي.. ظاظا مالوش منافس
هتفت بحنق مازح: طب اقفلي يامغرورة..
_ أيوة مغرورة بحبيبي عندك اعتراض
_ هعترض ليه وانا مالي.
ثم قالت لتشعل غيظها: ماهو بيقولك القرد في عين امه غزال.
شهقت بلقيس: قرد؟ ظافر قرد يا زمزم.. طب بس اشوفك هوريكي..
ضحكت الأخيرة بعد ان نالت منها وهتفت: غيظتك زي ماغظتيني.. ثم التفت للصغير مواصلة: خدي مهند عايز يكلمك..
_ هاتيه ده وحشني والله
+
لقنت زمزم الصغير:
خد يامهند قول لطنط بلي مبروك
الصغير: مبروك بلي
+
_ قلب بلي يا ناس..عامل ايه يا هوندة
_ كويث
بلقيس: كويث؟ دايما ياروحي.. هات ماما اقولها حاجة..
+
جائها صوت زمزم فقالت الأولي: هو ابنك هيطلع "الدغ" في السين ولا ايه؟
_ احمدي ربنا انه بقي يجمع الكلام، ده انا كنت قلقانة عشان اتأخر شوية.. بس الحمد لله بقي بغبغان ومجنن الكل.. ومتهيئلي اللدغة دي مؤقتة..
_ والله أصلا سكر وهو بيتكلم كده ببقي عايزة انط في التليفون وابوسه..
_ تسلمي ياقلبي.. عقبال ما اكلم ابنك كده ولا بنتك.. هو جوزك نفسه في ايه؟
_ هو والكل قالوا خلقة تامة ومايفرقش نوعه..بس انا بصراحة نفسي في ولد اوي..
_ ربنا يديكي اللي نفسك فيه حبيبتي..
واسطردت: هسيبك بقي عبودي علي وصول.
_ ماشي، سلمي عليه
_ حاضر من عنية..
………..
انتهت المكالمة وعادت تستلقي بأرياحية على ظهرها، وبعد قليل طرق أحدهم باب غرفتها فسمحت بالدخول..
أقبلت عليها والدة زوجها حاملة كاسة عصير وهي تقول: عملتلك بنفسي عصير فرش يابلي، فطارك الصبح معجبنيش..
_ تسلم ايدك ياطنط تعبتي نفسك والله
_ ولا تعب ولا حاجة، ومن هنا ورايح مافيش دلع في الأكل، لازم تتغذي كويس انتي بتاكلي لاتنين دلوقت..
_ بس انا حاسة اني نفسي دايما مسدودة وةش بدلع والله.. معدتي بقيت تعباني بسبب الغثيان..
_ معلش اهو قد ماتقدري اهتمي بنفسك، وشوية والأعراض دي هتنتهي خالص..
_ يارب ياطنط..
_______________
+
جلست باسترخاء شديد تستمتع بهدوء الصباح عل تعبها يهدأ قليلا.. وتأثير زقزقة العصافير يبعث فيها سلام وهدوء..شعرت بشيء يتحرك في أحشائها فنظرت لبطنها المتكور وابتسمت هامسة: صباح الخير..
+
تنهدت ثم عادت تراقب فضاء السماء الصافية، وأخذتها سحابة شرود لذكري يوم ليس بعيد..وهي تستلقي فوق سرير، أعلاها عطاء أبيض والطبيب يتجول بذاك الجهاز الصغير علي سطح بطنها، عيناها تتأمل ما تعرضه شاشة السونار الصغيرة بفضول، متسائلة: ايه الأخبار يادكتور؟
+
_ خير جدا ماشاء الله..
متحفزة لتعلم ماذا ستنجب؟
ولد ام فتاة؟
_ مبروك يا مدام زمزم.. هتجيبي تؤام.. ولد وبنت.
+
ظنت عيناها معلقة بوجه الطبيب لا تصدق ما قاله..
رُزقت بتؤام ولد وبنت؟
يالا مرم الله وسخاءه..
تُري كيف ستكون فرحة عابد؟
+
انتشل عقلها من وقع المفاجأة صوت كريمة وهي تضمها هادرة بانفعال من فرط فرحتها: احمدك واشكر فضلك يارب..ابني هيجيب تؤام.. الحمد لله.. مبروك يابنتي ألف مبروك..
بكت عبير وهي تشاهد ابنتها مغموسة في صدر كريمة بسعادة تشاطرها إياها وأكثر..ابنتها الحبيبة عوضها الله بأكثر مما توقعته لها..ها هي حظت بزوج يعشقها واكتمل عطاء الله لهما بالتؤام الذي سيربطهما لأخر العمر ويعزز قيمتها عند والدة زوجها التي ستفقد عقلها من الفرحة وهي تغمرها بالأحضان والقبلات والدعوات..تذكرت لحظة مماثلة حين علمت بحملها في مهند.. وكيف كان حال ابنتها البائس.. كيف لم تشعر بشيء.. لم تبدي فرحة والحزن لفراق زوجها الراحل مسيطرا علي كل مشاعرها.. أما الأن الظروف اختلفت..كل شيء تعود وتتذوقه بمتعة جديدة..
+
غمرتها عبير بعناق جارف معبرة عن فرحتها الكبرى وزمزم تبكي مثلهما ويحتل خيالها وجه عابد..
+
_ عاملة ايه انهاردة يا زوما؟
قاطع شرودها القصير صوت كريمة، فقالت:
_ ولله تعبانة يا طنط ومعرفتش انام، قلت اجي ااكلجنينة شوية
_ معلش حبيبتي ده طبيعي لأنك في اواخر شهور الحمل.. ربنا بقومك بالسلامة
_ اللهم امين
_ لسه مش هتقولي لعابد وتفرحيه؟
_ هو اللي مصمم مايعرفش غير يوم ولادتي، وانا بصراحة حابة افاجئه
اشتعل فتيل حنانها بسيرته وقالت: ربنا يرزقه خير الدنيا كله، صحيح كل ولادي حنينين بس عابد اكترهم، مميز عند الكل، محدش كان يشوفه وهو صغير إلا ويلاعبه..ربنا زرع محبته في قلب عباده.
_ وأنا أولهم ياطنط..
ضحكت ثم ربتت علي ظهرها: ربنا يباركلك فيه ياحبيبتي، هو كمان بيحبك اوي.
+
منحتها ابتسامة راضية وساد صمت قصير بينهما قبل أن تبتره زمزم: طنط، هو حضرتك لسه كان نفسك تجوزي عابد بنت بنوت؟
تفاجأت بسؤالها ولم تجيبها علي الفور، مكثت تتأملها بنظرة مطولة احترمتها الأخري وهي تنتظر منها جوابًا يريحها، فلا يكف عقلها عن طرح هذا الخاطر داخلها..هل حقا تتقبلها والدة زوجها؟ ام تعاملها لمجرد قبول لأمر واقع فُرض عليها..
+
_ أنا كنت غلطانة يابنتي في تفكيري وكل اما اتذكر موقفي اخجل من نفسي..ماتزعليش مني في اللي هقوله يا زمزم، انا وقتها بصيتلك علي انك معيوبة لمجرد انك اتجوزتي وخلفتي وابني هيربي حد مش من صلبه مع إن الموضوع بسيط..لما اتجوزتم وبصيت في عيونه لقيته راضي ومرتاح وسعيد وطاير بيكي قلت لنفسي كنت هتعس ابني عشان ايه؟ عشان راجل غيره سبقه وحط بصمته عليكي؟ طب هو ده فرق معاه في حاجة؟ ده الفرق بين البنت والست مجرد لحظة بتعدي بتتحول فيها من الخانة دي للتانية..وكان مكتوب انه مايكونش اول بختك..لكن سعادته اتكتبت معاكي انتي بالذات.. حتى مهند..غفلت عن الثواب اللي ربنا ميز ابني بيه لما يربي يتيم.. عابد فعلا يستحق الجنة لأني بشوفه ملاك.. وفي نفس الوقت ابنك مابقاش ليكي لوحدك لأ..ربنا يعلم بقيت احسه حفيدي بجد..
+
صمتت ومدت أناملها تمسح دمعة زمزم مستطردة: ماتعيطيش يابنتي انا فتحتلك قلبي عشان تعرفي ان نظرتي ليكي اتغيرت وان الدنيا علمتني ان الست اللي اتجوزت مرة مش معيوبة.. وانها هتفضل ست ليها حقوق وما فقدتش مميزاتها وأخلاقها وأصلها..
+
ثم تحسست بطنها المتكور مع قولها: وكفاية إنك هتجيبيلي تؤام يملوا علينا البيت.. انا بعد الايام على وصولهم بفارغ الصبر.. كل يوم ادعي يحفظهم ويبارك فيهم ويقر عيوننا كلنا بيهم..
+
مالت زمزم على صدرها بعد أن قبلتها وقالت: ربنا يريح قلبك ياطنط زي ما ريحتي قلبي بكلامك..أوعدك مش هخليكي لحظة تندمي ابدا ان عابد اخدني..أنا بحبه اوي وكل هدفي يكون مبسوط معايا..
_ ربنا يسعدكم ويبعد عنكم الشر يا زوما..يلا هقوم بقي اشوف أدهم صحي ولا لسه عشان الفطار..
+
تتبعت زمزم ابتعادها بابتسامة راضية ثم وضعت يدها علي بطنها هاتفة: سمعتوا ياحبايبي تيتة قالت ايه؟ لما تيجوا بالسلامة اوعوا تتشاقوا وتتعبوها.. لكن اتشاقوا مع بابا عادي.. واخوكم مهند كمان هيلاعبكم..
+
ثم ندت عنها تنهيدة وهي تقول: يارب اولد بالسلامة واحفظلي ولادي وجوزي وكل أهلي وماتحرمنيش من حد بحبه..
+
لاح طيف زوجها الراحل وصور خاطفة لحياتهما معا، ضحكاته جلجل صداها في دهاليز عقلها كأن روحه تطلب ان تتذكره بالرحمة، فاغرورقت عيناها وهي تهمس: ربنا يرحمك يا زياد..مش هنسى ابدا العمر القصير اللي عيشته معاك.. ولا إنك ابو ابني الاول..مش هبطل ابدا ادعيلك بالرحمة..وأوعدك سيرتك تفضل حية علي لسان ابنك اللي ماشوفتوش.. الله يرحمك ويغفرلك..
---------------
ارتشف بعضا من قهوته ثم قال:
أنا فرحان اوي ياعبير عشان عاصم اخويا.. فرحته ببلقيس كبيرة لدرجة حسيت وشه نور..
_ طبعا يامحمد مش وحيدته وكان عايز يطمن عليها.. ماتنساش بلقيس اتأخرت سنة، هو أه دي فترة تأخير طبيعية بس انت عارف القلق والظنون.
واستطرت: دره كلمتنا مكالمة جماعية عشان تقولنا الخبر انا وكريمة، بقيت عمالة تبكي واحنا نبكي معاها من الفرحة.. ربنا يطمنا عليها هي وزمزم.
_ اللهم امين
وواصل: حد عرف ان زمزم هتجيب تؤام؟
_ لا طبعا محدش يعرف غير انا وكريمة ولعلمك بنتك ماتعرفش انك عارف خد بالك تتكلم قصادها او مع اخوك ولا ابن اخوك..هي عايزة تفاجيء الكل وبالذات جوزها اللي أساسا رافض من نفسه يعرف نوع الجنين..
_ طب ربنا يستر واعرف اخبي، أنا من يومين كنت خلاص هغلط واقول قدام ادهم وعابد عن التؤام واحنا في استراحة المزرعة..
_ شاطر يامحمد.. انا عارفة ان مش بيتبل في بقك فولة وهتبوظ لنا الدنيا.. بس والله لو بوظت مفاجأة بنتك لجوزها مش هتخلص مني.. انا بحذرك أهو..
_ بتهدديني ياعبير؟ هتعملي ايه يعني؟
_ مش هخلي مهند ينام معاك لما يجي عندنا يبات بكره..
_ طب ايه رأيك انا ومهند اللي هننام لوحدنا وانتي روحي باتي عند بنتك..
_ بقي كده يامحمد؟
_ ايوة كده..
_ ماشي.. ماتجيش ساعتها تجر ناعم وتقولي البيت مالوش طعم من غيرك يابيرو..
_ مادام حفيدي معايا مش هقول..
_ طب خلي حفيدك ينفعك..
_ رايحة فين يا عبير؟
احنا لسه هنتخانق بكرة مش انهاردة..
ده كده نصب في أيام النكد على فكرة..
عبير؟
لم تجيبه ماضية في طريقها فصفق بكفيه هاتفا بضجر: هتفضلي مجنونة مهما كبرتي..
----------
+
ضيق شديد وتوتر يعتريها كلما حان وقت روتين علاج حروق جلدها بذاك الدهان الطبي.. رائد لا يسمح لوالدتها ان تقوم هي بمداواتها ويصر أن يتولى الأمر بنفسه.. رغم محاولاته التي لا تنتهي بإخبارها أنه لا يستاء من حروقها.. لا تصدق.. كيف تصدق أن هذا التشوه لا يُنفره منها؟
كيف تصدق أن رجل بتاريخه الحافل في بلاط الجميلات يتحمل قبح عنقها وكتفها وذراعها وظهرها؟
لم تعد تستطع ارتداء قميص نوم يستحق أن تراه عينه گ زوج..لا يفارقها وشاحها لتخفي به أي تشوهها..
+
_ كده الحمد لله دهنت كله..
+
أومأت له وهي تتجنب النظر إليه..
فرصدت حدقتاه توترها، مد إبهامه ورفع وجهها إليه وقال: والله ما فارق معايا..
تلبدت عيناها بسحابة دموع وظلت مطبقة الشفتين.. فضمها إليه برفق شديد هامسا بعتاب حاني: وبعدين معاكي.. شكلي هحرمك من المفاجأة اللي محضرهالك
+
غمغمت وهي على صدره: مفاجأة ايه؟
ابتسم مع قوله المشاكس: دلوقتي صوتك طلع لما قولت محضر مفاجأة؟!
ابتسمت ابتسامة واهنة دون قول شيء، فأبعدها قليلا ليناظرها قائلا: هقولك نصها بس.. أنا حددت مع الدكتور أول عملية تجميل هتعمليها بإذن الله في بداية الشهر الجاي، وهو مطمني جدا ان النتيحة هتكون مبهرة بإذن الله.. الحرق هيختفي بنسبة كبيرة..
+
_ بجد يا رائد؟ يعني ممكن التشوه ده يتعالج وينتهي؟
_ طبعا ممكن..وانا مش هرتاح غير لما تتعالجي من الحروق دي وتختفي نهائي وترجعي زي الاول..
ابتسمت له براحة وغزى خيالها الأمل ان تستعيد عرش جمالها وأنوثتها، وتعود ثقتها في نفسها كمان كانت..
عاد يهمس: لعلمك كل ده بعمله عشان بس ترجعي لطبيعتك تاني ولثقتك في نفسك..لكن انا هقولهالك للمرة المليون.. أنا متقبلك وراضي وجمالك لسه زي ماهو في نظري..
+
طافت عليه بنظرة عميقة ثم قالت: عمري ماكنت اتخيل انك هتساندني كده في يوم من الايام..ولا كان عندي أمل ترجع تحبني تاني..
_ اللي عشناه علم في أرواحنا وشكلها من جديد يا تيماء وغيرنا انا وانتي مش انا لوحدي..ولسه رحلتنا هتبدأ لما تخفي وتقدري تهتمي برحمة..وتبني علاقتك تاني بوالدتك واخواتك..هو ده اختبارك الأهم.. أما انا مهمتي اني احافظ عليكم واقوي علاقتي بربنا وابدأ حياة مختلفة بأهداف تستحق اعيش عشانها وأقابل ربنا بيها في حاجة أخرتي..
واستطرد: تعالي بقي نطلع نقعد مع الجماعة برة.
+
ارتدت وشاحها مرة أخرى واطمئنت أن كل حروقها مستترة وترجلت معه حيث تجلس والدتها مع شقيقتها والصغيرة لتقف محدقة بدهشة ممتزجة بسعادتها بما رآته هي و رائد..ضي تقف تصلي وجوارها تقف الصغيرة تقلدها وهي تهتف بكلمتي "الله أكبر" بطريقة مضحكة وساقيها عارية أسفل فستانها القصير..
فضحك رائد وعيناه تلتهم ابنته بحنان وفرحة: شوفتي رحمة بتعمل ايه.. دي غرقانة في الشال بتاع جدتها
هتفت الأخيرة وهي تلتقط طرف الحديث معهم: حبيبة تيتة بتقلد خالتها.. أول ما "ضي" وقفت تصلي لقيت رحمة بتشد الشال بتاعي ولفت نفسها والباقي زي ما انتوا شايفين كده..
ظلت تيماء صامتة تغمر ابنتها بنظرة حانية لتتبدل نظرتها لحزن شديد مع استطرداد والدتها: معرفش هعمل ايه لما ابعد عنها وارجع بيتي..
+
تبادلت هي ورائد النظرات وقال الأخير: وليه ترجعي بيتك؟ هو حضرتك مش مرتاحة معانا
ابتسمت له: بالعكس يا ابني ده انا كأني في بيتي ربنا يبارك فيك.. بس انا بقالي شهر معاكم من وقت ما رودي خرجت من المستشفي والحمد لله هي بقيت افضل والبركة فيك برضو..وآن الآوان ارجع لبيتي عشان ولادي يزوروني..
_ يزروكي هنا..
+
قالها رائد، فتنهدت صامتة وحاد بصرها لتيماء فوجدت عيناها مغيمة بالحزن، سبح ذهنها في فضاء ذكرى الأمس وهي تعافر لتصنع جسرا يجمع أولادها بشقيقتهم الكبرى، فلم يثمر حديثها سوي الرفض القاطع.. علاقة رودي بأولاد منصور كما تسميهم معكرة لدرجة السواد.. ولديها حق..أبنتها عانت كثيرا ولكنها لن تترك الأمور معلقة بينهم.. ستعيد الروابط بينهم مهما كلفها الأمر.. وكي تفعل هذا يجب أن تغادر لبيتها لتلتقيهم.. ولكل حديث مقال حينها..
+
_ أتمنى حضرتك تراجعي في قرارك.. انا وتيماء محتاجينك واتعودنا عليكي.. حتى رحمة اتعلقت بيكي انتي وضي.. عشان خاطري خليكي معانا..
+
التزمت الصمت وهي تحدج ابنتها بحزن.. فشعر رائد انهما يحتاجان مساحة خاصة للحديث، فغادرهم وعقله يفكر كيف يصلح علاقة زوجته مع أشقائها..
…………
+
اقتربت منها والتقطت يدها فارتعشت كعادتها لو لامس احدهم موضع تشوها بها فاعتذرت والدتها: سامحيني يابنتي مأخدتش بالي..
+
رمقتها بنطرة مطولة ثم همست بصوت فطر قلبها: عايزة تسيبيني تاني يا ماما؟
أغرورقت عين والدتها فواصلت تيماء عتابها الهامس: هما شبعوا من حنانك وخلاص كبروا مش محتاجينك قدي..أنا لسه محتاجالك.. أنا لسه ضايعة يا ماما. حاسة اني زي الطفلة اللي بتتعلم كل حاجة من جديد..أنا تعبت من فراقك زمان.. بلاش تدوقيني مرارته تاني..
ماتسيبنيش يا ماما على الأقل دلوقت..
+
لم تعد لديها طاقة لتقاوم رغبتها باعتصار صغيرتها بين ضلوعها وليس ذراعيها الواهنة.. تلقفتها وهي تبكي وتهمهم: ولا انا اقدر اسيبك يا نور عيني ده انا ما صدقت رجعتيلي.. أنا عايزة ابعد عشان اقربك أكتر من اخواتك ..أنا في يوم من الايام مش هكون وسطيكم.. مش عايزة اسيبكم متفرقين.. لازم تكونوا عزوة لبعض وتتصالحوا.. اخواتك مالهمش ذنب في حاجة.. انا اللي غلطانة لما أهملتك واتخليت عنك.. أنا بعترف بكده.. وعشان اكفر عن ذنبي لازم اجمعك بيهم..
+
_ مافيش حاجة هتجمعني بولاد منصور..
+
قالتها هادرة وهي تبتعد عن صدرها بعنف وقد عادت شراسة ملامحها تطغى عليها، فربتت عليها مهدئة: طب اهدي ياضنايا اهدي واديني فرصة اتكلم.. أنا..
+
قاطعتها: ماتحاوليش..ولو عايزة تسيبني مش هقدر امنعك.. لكن انك تقربيني من اللي بكرههم لأ.. مش هسمحلك..
_ واشمعنى حبيتي ضي؟
+
لوهلة لجمها سؤال والدتها ومنعها أن تغادر..
فعادت والدتها تطرق الباب الأخير في قلب ابنتها:
ما هي كمان بنت منصور.. ليه فتحتي قلبك ليها ومش عايزة تعملي كده مع اخواتها..
+
التفتت تيماء بتلقائية تنظر لشقيقتها التي تلاعب ابنتها بحب ومرح وضحكاتهما معا تسكب في روحها مزيج عجيب من الراحة.. لما خطفت قلبها ضي؟ هي تحديدا من اخترقت قلاع صدها ونفذت داخلها گ نسمة باردة..
سؤال صعب لا تعرف له إجابة..
+
_ اختك ماتتخيرش عن ضي في الطيبة بس انتي افتحي قلبك يابنتي.. أما اخوكي فهو.
+
_ماتقوليش اخويا.. ولو حصلت معجزة وقدرت اتقبل بنتك التانية.. مستحيل اتعامل مع ابن منصور اللي لما بشوفه بحس اني شايفة ابوه.. انا بكرهوا.. ولو فضلتي تتكلمي عنه هكرهك انتي كمان..
+
وابتعدت گ الإعصار تتخفى بغرفتها وعاصفة غضبها تسلب أنفاسها اللاهثة وأطياف الماضي تحوم حولها گ الغربان السوداء..
غرفة مظلمة..
يد حبيثة تعبث بين طيات ملابسها
تنتهك حرمة جسدها البريء..
ترتجف خوفا..
تصرخ بصوت ضعيف
براءتها لا تفهم ما يحدث
لا تعرف له وصفًا و مسمى
كانت صغيرة لا تعي بعد قباحة البشر
وكل ما تفعله أنها تهرول بعيد عن الشيطان
هكذا كانت تراه حينها..
ملعون..
+
_ أهدى..
همس لها رائد وهو يحتوي ظهرها بصدره بعد أن لحق بها في غرفتها.. لم يغادر.. مكث ليستمع لبعض حوارهما عله يستشف شيئا من أسرار زوجته وسبب كرهها لأشقائها..وما سمعه زاد من طلاسمها.. هل كرهها لمجرد انها من أب ثانِ..أم ان للأمر وجه أخر لا يعلمه؟ لما تعادي شقيقها تحديدا دون الأخرين.. ماذا فعل لها..
+
_ تعالي ياحبيبتي.. أشربي مية واهدي
+
أطاعته وارتشفت القليل وظلت مستكينة بين ذراعيه گ الطفلة يهدهدها بهزة طفيفة مع قبلات رقيقة فوق رأسها، فأغمضت عيناها مكتفية بحنانه الذي لا ترتوي منه ابدا.. هو ملاذها بعد الله.. هو راحتها وسعادتها..
+
_ ممكن اتكلم معاكي شوية..
فتحت عيناها ورفعت وجهها إليه ومازلت مغموسة بصدره: بلاش يا رائد عشان خاطري..مش عايزة اتكلم في حاجة تضايقني.. سيب البيبان مقفولة زي ما هي..
لو فتحناها يمكن نندم..
_ ويمكن نلاقي وراها الفرج والخير.. الهروب مش حل ياتيماء.. رفضتي ولا قبلتي انتي ليكي اخوات.. ليه يفضل الجفاء معشش في قلوبكم؟ ما انتي عشتي طول عمرك وحيدة بتتمني عيلة تضمك.. واهو جت الفرصة..خلي والدتك تحاول تساعدك وبلاش تمنعيها.. صدقيني هي هترتاح وانتم متفرقين..
+
ابتعدت عنه وغامت عيناها بالدموع وهي تهتف: غصب عني.. أنا لما بشوفهم بيتجدد كرهي ليهم.. وهما كمان مش بيحبوني..
_ مين قالك؟ مش يمكن هما عايزين يقربوا وخايفين من صدك ليهم..جربي وبعدين احكمي..
+
تنهدت وعادت تنغمس بين ضلوعه:
اللي جوايا مش مجرد صد يا رائد..
انا بشم ريحته فيهم..
_ منصور؟
_قول الملعون الواطي ال……
+
ناقوس ما دق بعقله..
كيف لم ينتبه؟!
السر في ذاك الشخص منصور..
هو وحده سبب نفورها
هل يعقل أن…
أشتعلت عروقه بتحفز وانتشلها من فوق صدره ونظرته بدت قاسية وهو يهتف: منصور أذاكي؟
+
جاءته الإجابة بإطراقة رأسها الحزين..
برجفتها وهي تعود لتختبيء فيه كأنها تحتمي به من مجرد ذكرى المفترض أنها انتهت..
تيماء نالها توابع ذنوبه منذ زمن بعيد
هو المسؤل الوحيد عن ما نالها
حتي ولو كان حينها مجرد طفل..
+
اعتصرها بذراعيه بقوة وفلتت منه دمعة ندم
ثم همس له: سامحيني.. أنا اللي أذيتك
تغلبت عليها الدهشة وهي ترفع رأسها لتسأله: أسامحك؟ وأنت ذنبك ايه؟ انا كنت وقتها لسه طفلة مش فاهمة حاجة..
_ لا يا تيماء أنا السبب..أنتي مكتوبالي من يوم ما جينا على وش الدنيا.. كنتي شرفي اللي لوثته وانا باستحل لنفسي بنات الناس، لو اتقيت ربنا فيهم كان حفظك ليا حتي وانتي طفلة.. بس نجاستي اللي بدأت بدري اوي طالتك.. سامحيني..أنا استغليتك أسوأ استغلال.. كنت عارف انك بتحبيني وانك ضعيفة قصادي.. وانا بكل خسة وندالة انتهزت الفرصة وضيعتك..
أرجوكي سامحيني..
+
حملقت به متعجبة منطقة الغريب عليها
رائد لم يعد نفس الشخص ذاته..أصبح يدرك أشياء شديدة العمق والتعقيد..حقا نحن من نؤذي أنفسنا..هي نصيبه في اللوح المحفور.. شرفه منذ نعومة أظافرها..ومنذ كان طفلا.. يا الله ما أعجب قوانينك وكم هي عادلة..
الظلم منا وفينا وميزان العدل منصوبًا بيدك وحدك..
+
_ بس تعرفي اني كان ممكن أءذيكي أكتر من كده ورحمة ربنا أنقذتك وحمتني من عار أكبر..
+
منحته نظرة تتساءل بصمت فواصل:
بعد ما انا وانتي بقينا مع بعض.. أصحابي وقتها حاولوا يضغطوا عليا عشان……
+
أطرق رأسه بخزي شديد وأختنق صوته بغصة.. فرفعت وجهه أكإليها وهمست له بحنان لتؤازره: بس انت حمتني منهم.. ماخليتش حد فيهم يقربلي يا رائد..( ثم غمسته هي تلك المرة بين ذراعيها وقالت)
جيتلك برجليا وسلمتلك نفسي..
ومين يلوم الجعان لما يلاقي لقمة سهلة قدامه
محدش فينا أحسن من التاني..
الغلط بدأ عندي..
وانتهى عندك
أو ما انتهاش
فضل متعلق في ديلنا يطاردنا
+
_مين قال يا تيماء إن الجعان مش عليه لوم؟
لو اللقمة دي حرام ومش من حقه..مش بس يتلام..ده يندبح بنارها في جوفه.. وانا بعترف اني دبحتك..
+
_ احنا بشر مش ملايكة.. لجام مشاعرنا ورغابتنا الحرام كانت بين ايد الشيطان.. لعب بيها وبينا زي ماهو عايز ومحدش فينا كان عنده رغبه يقاومه.. كنا مستسلمين لسلطانه وغفلانين..
+
ضمها أكثر وهو مع قوله: بس دلوقت لأ.. خرجنا من سيطرته..روحي وقلبي وحياتي في ايد اللي خلقني.
ثم اكتسي صوته عزم محى خزيه منذ لحظات: وتشهد عليا الملايكة اللي على كتافي بتسجل كل حرف بيطلع مني اني مش هعصاه تاني ولا هسمح لشيء يأذيكي وأنا موجود.. هتقي الله فيكي وفي بنتي..هفضل اطلب من ربي يغفرلي ويسامحني وواثق انه هيسامح لأن رحمته اكيد هتساعنا..
+
واستطرد وهو يغمرها بنظرة يتمازج بها الاستجداء والحب معا: بس انتي ساعديني يا تيماء..
+
لم تخذل رجائه وهي تمنحه ابتسامة طمأنته فعاد يهدهدها بين ذراعيه وخيم عليهما صمت قصير، قبل أن يقطعه بهمهمة خافتة: في حاجة نفسي اقولها ليكي..ومش بقولها عشان ألومك.. لأ.. اللوم الأكبر عليا، بس هقولها عشان لازم نتعلم أنا وانتي من اللي فات ونستخلص العبر..
تقدري تقولي هنفكر نفسنا باللي عدي عشان نتلاشاه في اللي جاي..
+
ظلت قابعة على صدره تنتظر ما لديه، فقال:
زمان كان ليكي في قلبي مكانة.. كنت معجب بيكي وانا طفل ..كنت بحب شكلك.. عيونك اللي فيها تمرد وذكاء وحزن.. جراءتك وانتي بتلعبي معايا.. ضحكتك.. حاجات كتير جدا جذبتني ليكي.. قلت لنفسي لما اكبر هتجوز البنت دي..
+
هنا لم تستطع ان تطل قابعة بين ذراعيه..نزعت جسدها وهي تناظره بذهول حقيقي لما يقول..كان يحبها؟ هي؟؟؟
+
واصل: وكبرت واشتعل فضولي لشاب لسه بيبتدي عهد رجولته.. أتلهيت في عالم تاني مليان بنات واصحاب سوء علموني كل حاجة وحشة لحد ما فوقتهم في فسادهم وبقيت عليهم زعيم..وقتها حاولت ما ابصلكيش.. حسيت اني هلوث طهارتك بعنية بعد الفواحش اللي ارتكبتها.. حاولت اتجاهلك قد ما اقدر وانتي شاهدة على كده..بس لما جيتي تعرضي عليا نفسك وترواضيني اتصدمت..حطمتي الصورة الأولى اللي رسمتهالك.. حسيت اني عايز اعاقبك مع إن الصح كنت احميكي مني وابعد.. لكن شيطاني خلاني استحليتك وبقيتي زيك زي غيرك عندي..عشان كده في لحظة من اللحظات انا فعلا أعجبت ببلقيس لما قاومتني بشراسة وانا بحاول اطولها..
+
لم تعد دموعها الغزيرة صامتة.. علي صوت نحيبها.. كم قاسي وهو يخبرها بكل هذا الآن.. كأنه يجلد روحها بسوط غليظ..
+
جفف دموعها وعاد يهمس: صدقيني مش بتكلم كده عشان اوجعك.. انا عايزك تتعلمي الدرس لأخره..ولاحظي اني قلت حبيبتك انتي من زمان وفضلت احبك حتى من غير ما احس.. لكن بلقيس كان مجرد اعجاب لحظي برد فعل اتمنيته منك..انا من الأول كنت ليكي ياتيماء.. تخيلي لو كنتي صبرتي ومنعتي نفسك عني؟ أنا كنت كده كده هاجيلك لاني نصيبك وانتي نصيبي.. ونفس اللوم بوجهه لنفسي.. لو انا صنت بنات الناس ماكانش منصور خدش طفولتك.. ماكانش سامر خطفك وحاول يلمسك قصادي وانا عاجز مقدرتش احميكي..القهر اللي حسيته وقتها كان أسوأ عقاب وتكفير في نفس الوقت.. ربنا كان بيقولي دوق اللي جنيته زمان.. ده حصاد أفعالك وآثامك..
+
صمت ثم جبينها بقبلة مطولة وعاد يهتف: وادينا اتعلمنا وندمنا واستغفرنا ولسه طول ما في صدورنا نفس هنستغفر وربنا هيسامح.. ده وعده لينا.. ووعده حق..
دلوقت خلاص انسي كل اللي فات.. احنا بنبدأ من جديد بعد ما حرقنا ماضينا الاسود.. عشان كده ماتستغربيش لما اقولك الحروق اللي في جسمك دي هي بدايتنا الجديدة..جلدنا هيتغير زيها
هنكون أصفى..
أجمل وأطهر وأقوى..
المهم نفضل سوا ونقوي بعض..
توعديني؟
اعتصرت بين مقلتيها دمعتها الأخيرة وهي تهمس له: أوعدك..
__________________
+
أختلست فرصة لتتحدث في الهاتف!
_ صباح الخير يا جوجو، خلاص استعديتي انتي وجوزك
_ أيوة ياعطر جاهزين، بلبس حجابي بس
_ طب ماتعرفيش هنقضي شهر العسل فين؟ أخوكي لئيم مش راضي يقر ويعترف.. وانا هموت من الفضول
_ وحياتك وعامر شرحه، مش راضي يقولي رايحين فين، بيقولي هنعرف في المطار..
تنهدت باستسلام: خلاص أمرنا لله، هنعرف بعد شوية
_ بالظبط وبعدين خلينا نتفاجيء زي ما هما عايزين
_ عندك حق.. طب سلام عشان اكمل لبسي انا كمان
_ ماشي
___________
+
على السادة المسافرين علي رحلة "… " المسافرة
لدولة تركيا..التوجه للبوابة رقم "… "
كادت جوري أن تقفز من السعادة گ الأطفال لولا أن لجم عامر انفعالها بنظرة تحذيرية لم تخلو من مسحة حنان لفرحتها بعد أن علمت وجهتهما، بينما عطر هللت وهي تنظر لزوجها: انا مش قادرة اقولك ازاي فرحانة اننا رايحين تركيا..حبيب قلبي يا يزيد.. ربنا يخليك ليا.."ثم حدثت الأخري وهي تصيح" جوجو رايحين عند "ألشين سانجو"
ردت الأخرى بحماس شديد: و حبيب قلبي "باريش"
+
غمغم عامر حانقًا: والله شكلي هرجعك البيت واخليكي تغسلي السجاد هناك.. مين ده اللي حبيب قلبك؟؟؟
+
قالت بوداعة مبالغ بها: أنت يا روحي.. التاني ده مجرد ممثل كده معجبة به..
يزيد: سيبك منهم، الاتنين مجانين بمسلسلاتهم التركي.. أدينا هنوديهم مرة من نفسهم ومش هتتكرر.. اخرهم معانا الغردقة بعد كده..
عامر: ومالها جمصة؟ دي حتى ترد الروح!
جوري بامتعاض: جمصة؟ تصدق قفلتني من الرحلة قبل ما نروحها..
عطر: طب يلا ياجماعة المضيفة كررت النداء.. ابقوا اتخانقوا فوق في الطيارة..
_________________
+
هبطت طائرتهم في مطار أسطنبول الدولي
وجهة العشاق من كل بقاع العالم لمدينة الجمال..انتقلوا لفندق "بوسفور" وتم حجز غرفتان متجاورتان وبعد راحة قصيرة بدأ الاستمتاع برحلتهم وزيارة منطقة "تل العرائس" وهي من أجمل الاماكن السياحية في اسطنبول، لما تتمتع به تلك البقعة من هدوء وسحر للطبيعة وهذا ما يناسب تماما أزواج جدد مثل يزيد وعامر مع زوجتيهما..
+
أزداد سحر المكان حولهما وهما يعتلون التلة مستمتعين بمنظر غروب الشمس المهيب فوقها، ثم توجهوا لإحدي المقاهي القريبة وتناولوا وجبة مناسبة مع كوب شاي تركي.. وهكذا انتهى اليوم الأول، ثم عادوا لغرفهم في الفندق.. لينالوا قسطا أخر من الراحة.. والوصال..
_____________
+
تعجب من صوتها العالي ونهض سريعا متوجها إليها
وهو يصيح: ايه يابنتي بتزعقي للولد كده ليه كأنه فاهمك.
صاحت بإجهاد شديد: تعبت يا أحمد خلاص مش قادرة.. غيرتله وأكلته وحميته وعماله الف به الأوضة وبرضو مش عايز ينام وبيعيط.. تعبت خلاص انا مامنتش بقالي يومين..
_ طب اهدي بس، هاتيه وروحي نامي..
_ مش هيسكت معاك
_ مالكيش دعوة انا هنزل تحت شوية وهتمشي به يمكن زهقان..
+
وبالفعل هبط به بعد أن دثره جيدا بالغطاء.. وراح يسير وهو يهدهده ويغني له بخفوت شديد مع مزاحه: اوعي تقول بابا صوته وحش.. انا بغنيلك عشان تسكت..
+
_ ايه منزلك دلوقت يا احمد
التفت لوالدته التي وصلها بكاء الصغير وقال:
_ مافيش يا ماما بس زين عمال يعيط وأمونة تعبت وبقالها يومين مش بتنام وغصب عنها عصبية، صعبت عليا قلت احاول انيمه هنا على ماهي تنام شوية..
+
_ طب هاته واطلع انت تنام عشان شغلك ياحبيبي
_ ازاي يا ماما؟ زين فعلا بقي مجهد جدا وبيعيط كتير وهيتعبك.. ماتحمليش هم شغلي، هبقي اتأخر شوية
ثم مازحها: كأني واخد ساعتين رضاعة..
+
ضحكت لدعابته .هي تلتقط حفيدها:
انت حر المهم هاته وانا هنيمه معايا..
ثم حملته مقلوبا وبطنه الصغيرة ترتكز على راحتها المبسوطة فسكت بكاءه على الفور.. وصاح احمد مذهولا: ايه ده؟ الولد ازاي بطل عياط مجرد ما شيلتيه يا ماما؟ وبعدين قالباه كده ليه مش فاهم؟
+
ابتسمت وهي جالسة تدلك ظهره برفق: ده عنده انتفاخ يا ابني عشان كده ارتاح لما نام على بطنه، هخلي "سميرة" تعمله رضعة كراوية دافية عشان يطرد الانتفاخ ويخف المغص..
_ هاتية ياطنط وانا هعملهاله وانيمه..
+
قالتها أمونة التي تبعته للأسفل رغم إرهاقها الشديد لم تتحمل بعد صغيرها وهبطت لتشاهد ما حدث، فقالت والدة زوجها: لا يا بنتي خدي جوزك واطلعوا كملوا نوم هو أصلا سكت اهو، وبعد رضعة الكراوية هينام وانا هريح جمبه.. يلا بقي انتي وهو من غير مطرود خلوني اخد راحتي مع حفيدي..
+
همت بالاعتراض فقاطعها أحمد وهو يرمقها بنظرة محذرة: خلاص يا ماما زي ماتحبي..
+
وسحبها من يدها وصعد بها لغرفتهما، فهتف بعد أن استقرا في الداخل: انت ليه خلتني اسيب زين تحت؟ انا مش هعرف انام وهو بعيد عني..
_ مانتي كده كده مش عارفة تنامي
_ ايوة بس هو سكت خلاص
_ سكت مع ماما يا أمونة.. وبعدين هي بتقولك عايزاه ينام معاها وهتعرف تتصرف معاه احسن مني ومنك.. يبقى خلاص ماتجادليش.. ولا عايزاها تزعل وتقول انك بتمنعيها عن الولد؟
+
صاحت باستنكار: أنا يا أحمد؟ أنا برضو بمنع الولد عن جدته؟
لم تلين نبرته وهو يجيب: أيوة يا أمونة، تنكري إن كذا مرة قبل كده قالتلك هاتي الولد ينام معاها تقولي انه هيتعبها ومش هتعرف تنام من عياطه؟ ماما بتسكت بس بتزعل جواها وانا عارف امي كويس..
+
هتفت تدافع: اقسم بالله ما اقصد ازعلها، زين فعلا عياطه مش بيتقطع.. أشفقت عليها تسهر به.. وكمان مامتك مش هتقدر تروح وتيجي بالولد اللي للأسف اتعود يتشال طول الوقت.. خوفت عليها مش منعته عنها.
_ بس هي مش هتفهم كده..
وأكمل بحزم: أمونة لو سمحت.. أي وقت ماما تقولك هاتي الولد ينام معايا إياكي ترفضي.. انتي لسه أم بقالك يومين ومعندكيش خبرتها اللي ربت بيها ولدين أحسن تربية.. وأكيد هي هتعرف تراعي حفيدها كويس أوي..
+
رمقته بحزن لاتهامه المبطن انها تمنع طفلها عن والدته، ولم تشأ أن تجادله أكثر ويزداد الأمر سوءًا بينهما، فكظمت حزنها وقالت وهي تتجه لفراشها: ماشي يا احمد..عن إذنك هنام لأني تعبانة من قلة النوم..
+
وتدثرت بالغطاء وعيناها دامعة، فدنى منها بعد أن أنبه ضميره لاتهامه القاسي لها.. هو يعلم كم زوجته حنون لكن عدم اندماجها مع واالدته من البداية جعل الهواجس تشتعل برأسه أن تستغل أمونة الصغير وتمنعه بطريقة ما عن جدته..
+
احتضن ظهرها بين ذراعيه فلم تتجاوب معه مسدلة جفنيها تخفي دمعتها عنه، فأجبرها أن تستدير إليه ثم راح يمرر إبهامه فوق عيناها لتُشرعهما، فتمردت دمعة هاربة من مقلتيها رغما عنها فانحني يلثمهما مع همسه: أنا أسف..
+
اعتدلت لوضعها الأول وهي تعطيه ظهرها معلنة عدم قبولها اعتذاره، فجذبها ثانية وجعل وجهها يقابل وجهه معاودا همسه: خلاص بقى ماتزعليش، مقصدش ازعلك وعارف والله ان مش قصدك لكن ماما هتفهمك غلط، .انا مش عايز ده يحصل يا أمونة.. أمي من حقها تفرح بحفيدها وتعمل اللي نفسها تعمله معاه.. ماتنسيش احفادها من اخويا عايشين بعيد عنها لكن انا معاها.. يعني وضع ابني مختلف.. فاهماني ياحبيبتي؟
+
أشرعت له عيناها ومنحته نظرة مشبعة بالعتاب وقالت: ممكن يا أحمد تسيبني دلوقت عشان عايزة انام..أنت عارف ساعتين وزين هيحتاج يرضع خليني ارتاح شوية..
رماها بنظرة استجداء قبل ان يغمغم: لأ مش ممكن.. مستحيل اسيبك تنامي زعلانة..
ثم مال ملتقطا شفتيها بقبلة هادئة وقال: ماتبقيش رخمة بقي قولتلك حقك عليا.. ثم غمزها بعينه: وبعدين ياعبيطة عايزة تضيعي فرصة اننا لوحدينا؟ ده انا هموت عليكي بقالي كام يوم ومش عارف اطولك وانتي مطنشاني ياقاسية.. انتي مابقتيش تحبي ميدو وتشتاقي لحضني؟
+
تمنعت بدلال وداخلها بدأ يغفر له: ماتضحكش عليا بكلمتين انا زعلانة منك
_ مين قال اني هضحك عليكي كلمتين؟ ده انا هقوله قصيدة شعر كاملة بالقافية والتشكيل..
+
ضحكت لدعابته في الأخر الأمر واستجابت لرغبته، لكن ظل داخلها جزءً غاضب لاتهامه و لن يترك حقه في العتاب.. لكن ربما في وقت أخر..
------------------
في تركيا..
_ ياكيما انتي لسه بتعيطي.. والله انا بخير ومبسوطة وزي الفل اذمني يا ماما..
جاء صوتها باكي عبر الهاتف:
_ بس وحشتيني.. البيت وحش اوي من غيرك، احساسي انك خلاص مش عايشة معانا ده تاعبني اوي..أنا قالباها مناحة وابوكي خلاص هيتجنن مني..
+
_ مين قال يا ماما اني مش هكون معاكم؟ انا بس هعدي موضوع الزيارات والمباركات بتاع اهل عامر اللي معظهم لسه هيعدوا علينا لما نرجع، وهتلافيني كل اسبوع باجيلك
_ ده كلام.. بكره تنشغلي بجوزك وبيتك وعيالك بعدها وتنسي امك..
+
لاطفتها بمرح وهي تغني لها بصوت رقيق:
_ أنساك؟ ده كلام؟
أنساك يا سلام..أهو ده اللي مش ممكن ابدا
+
قهقهمت كريمة وهي تقول: مجنونة زي ما انتي..
_طبعا يا مامتي جناني ده شيء مفروغ منه
غمغت بحنان: ربنا يديم عليكي روحك الحلوة دي يا قلب امك انتي ويزيد اخوكي..
وواصلت: خلاص هسيبك بقي لجوزك وخدي بالك من نفسك اوعي عامر يزعلك وتخبي عني
_ والله يا ماما انا اللي بزعل عامر ويتخاف عليه مني.. انا لسه عاملة فيه مقلب امبارح خلاه كان هيطيرني من غيظه مني لولا أخويا يزيد حماني منه..
_ عملتي في الراجل ايه يا مخبولة؟
_ لا دي قصة طويلة يا كيما.. أما ارجع واشوفك هحكيلك كل بلاوية دفعة واحدة.. سلمي بقى على دومي وأنا بالليل هتصل ادلعه شوية.. اوعي تفتكري الجو هيفضالك وتستفردي بابويا لوحدك.. الزئردة لسه موجودة..
+
_ اهو عندك ياختي اشبعي انتي وهو ببعض.. أنا هروح اكلم ابني حبيبي اللي بيدلعني..
_ ماشي بعتيني في دقيقة يا كيما.. سلام بقي احسن سي عامر بينادي عليا.. وانتي عارفاني زوجة مطيعة.
تهكمت قائلة: انتي هتقوليلي.. ده انتي بلسم!
________________
+
قال هو يجفف شعره المبتل بعد انتهاء حمامه الدافيء:
كنتي بتكلمي مين ياجوجو ومش بتردي عليا؟
_رديت عليك بس انت ماسمعتش، كنت بكلم ماما، بتطمن علينا ووصتني عليك اوي.
+
هتف ساخرًا: فيها الخير والله عارفة بنتها، ربنا يستر وينتهي شهر العسل ده على خير..
_ أخص عليك يا عموري، بدال مع تدعي ان كل حياتنا تبقي شهر عسل..
_ ده لو فضلنا على كده هكمل حياتي خلف القضبان مع مقالبك الهباب دي..
قهقت وهي تقول: خسارة، مالكش في الهزار والشقاوة للأسف..طلعت زوج مش فرفوش.. ده انا واخويا عابد وياسين وعطر بنخربها لما بنتجمع من كتر المقالب اللي بنعملها في بعض.. بالذات سينو..عبودي كان بيبهدله..
+
لوح لها بيده: طب استوب ونقطة نظام لأن في إشارة حمرا، تعالي هقولك حاجة مهمة..
واقترب منها بالفعل فرفعت يديها أمامها بشكل حمائي قائلة: ايه ياعامر هتتغابي ولا ايه؟ أنا قلت ايه غلط عشان تشغل اشاراتك الحمرا دلوقت.. هنادي اخويا وربنا..
_ شوفتي اديكي بتزودي غلطاتك وشكلنا مش نازلين لاخوكي ومراته عشان نسهر معاهم..
+
واستطرد بعد أن حشر رأسها تحت إبطه قبل أن تهرب منه: أولا مافيش حاجة اسمها سينو.. ابن خالتك اسمه ياسين.. وثانيا الهزار والمقالب بتاعة زمان مابينكم تنسيها.. دلوقت المفروض اتجوزتي وعشمنا في ربنا يرزقك شوية عقل.. ثانيا والأهم.. إياكي تتحامي في اخوكي مني..
_ امال اتحامي منك في مين إن شاء الله؟
_ فيا أنا..
رمقته بابتسائمة هائمة معتبرة رده ملاطفة، فأفزعها بصياحه الذي أجفلها ومحى ابتسامتها: يعني اما اعلقك في دش الحمام محدش يدخل بنا..لا اخوكي ولا الجن الأزرق، فاهمة ولا لأ..
_ فاهمة فاهمة.. سبني بقي رقبتي اتلوحت بالمسكة الغبية دي..ثم قالت وهي تزفر بضجر: مافيش أي رقة كده في التعامل يا ساتر عليك زوج..
_ ماهو لما تكوني زوجة كيوت هبقي رقيق ولطيف.. انما انتي لاسعة وانا بصراحة اتخدعت فيكي..
+
أطرقت رأسها ومثلت الحزن: خلاص ياعامر اوعدك مش ههزر واعمل مقالب فيك تاني
رمقها مضيقا عيناه بريبة: انتي زعلانة بجد ولا بتشتغليني؟
_ ولا زعلانة ولا حاجة انت مش عايزني عاقلة وهادية؟ تمام مش هتسمع حسي بعد كده..
+
جذب خصرها بتملك حاني هامسا قرب محياها: ربنا مايسكت حسك في الدنيا ابدا..
رفعت عيناها فغمرتها عاطفته المشتعلة مع همسته الحانية..وقالت: حبيبي انت اللي ربنا مايحرمني من حسك، وان كنت بهزر ده يعني عشان مايبقاش شهر عسلنا ممل ونفضل نفتكره واحنا بنضحك علي مواقفنا ولعبنا فيه.. بعد كده حياتنا يمكن تبقي روتينية خصوصا لما نجيب ولاد الدنيا هتتغير.. انا بدلع دلوقت عشان احنا لسه مافيش مسؤلية.. مش عايزة ابقي مراتك بس..لأ.. عايزة احس اني بنتك اللي بتدلع عليك وانت فرحان بيها.. لكن لو ده مضايقك خلاص والله هتقمص شخصية الست الجد اللي كبرت فجأة عشان ترتاح..
دني مقبلا وجنتيها بنعومة شديدة وقال: غلبتيني ياشبر ونص..خلاص هزري براحتك بس في الحدود اتفقنا؟
_ اتفقنا في اللي يخصك.. انما مع اخويا ومراته مالكش فيه.
هز رأسه بيأس: ماليش فيه؟ والله مافي فايدة فيكي انتي ومرات اخوكي كمان اللي مخبولة زيك..
_ علي فكرة اخويا لو سمعك بتقول علي عطر مخبولة هيتغابي عليك
_ محدش يقدر يتغابي عليا
_ أخويا يقدر
_ بصي.. هو لو حصل نصيبة بيني وبين يزيد هيبقي بسببك انتي.. وآن الآوان تتعاقبي مقدما..
+
وجذبها خلفه للمرحاض وهي تصيح بخوف: هتعمل ايه يا عامر بلاش غباوة الهي تنستر يا شيخ ده انا جوجو حبيبتك..
لم يجيبها وهو يرفعها ويعلقها في شنكل "الدش" ويثبتها بقبضة يده مع قوله: أديني علقتك زي الفارة..
+
_ نزلني بلاش جنان، أنا لو وقعت منك هتكسر وهكمل شهر عسلي وانا بتنطط زي القرود..
لم يتمالك نفسه وهو يضحك، ثم حررها بحرص حتى رست قدميها علي الأرض، ثم فتح صنبور المياة عليها، لتشهق بحنق: غرفتني يامجنون وانا لسه واخدة حمام..
+
_ هتبطلي تستفزيني ولا لأ؟
_ هبطل، سبني بقي..
تركها وهو يضحك مغادرا ليستعد لسهرتهما مع يزيد وعطر، فرمقت ظهره بعدوانية لم يراها وهمست بخفوت: انت اللي جبته لنفسك يا عامر..وانا مش بسيب حقي..
__________
ابتسمت وهي تتشرب صوته ملقيا تحية الصباح عليها عبر الهاتف: صباح الخير يا ماما
_ يا صباح الورد علي عيونك ياقلب امك، عامل ايه وحشتني أوي يا يزيد..
_ الحمد لله ياحبيبتي وانتي وحشتيني اكتر والله
_ تسلم ياحبيبي ربنا يسعدك. ويهنيك بعروستك، عطر عاملة معاك ايه
_ الحمد لله كويسة
_ اما تخلص شهر العسل هتيجي بمراتك عليا ولا هتنسى امك؟
_ مين ده اللي ينسي؟ ده انتي لو عايزاني دلوقت انزل واجيلك يا ست الكل..
تأثرت بحلاوة رده قائلة: ربنا يحرمني من حنيتك ولسانك اللي زي الشهد..خليك مع مراتك متهنى ربنا يفرح قلبك
_ بدعواتك يا أمي، وماتقلقيش وحياتك من المطار بالشنط عليكي ياكيما.. امال مين هيدلعني غيرك..
ضحكت مع قولها: مراتك اللي هتدلعك
_ لا دي لسه مش عارفة تدلع انا اللي بدلعها يا ماما
قهقهت أكثر لمزحته: ومالوا يا حبيبي، ماهي عروسة برضو وعلي قد ما هتراعيها هتراعيك..
وواصلت: لسه مكلمة جوري واطمنت عليها.. ياريتها تقدر تيجي بعريسها وافرح بيكم يومين قبل ماتاخدكم الدنيا..
+
_ معلش يا ماما عامر في ناس كتير من اهلوا هيزوره لما يرجع، خليهم براحتهم وفي اول فرصة جوري هتجيبه ويقضوا معاكي يومين.. انما انا ياست الكل.. تشاوري بس هاجيلك بمراتي في رفة عين..
_ ربنا يجبر خاطرك يا ابني.. طب فين عطر اصبح عليها
_ معاكي اهي
عطر: صباح الخير ياخالتو، لو كنتي مش طلبتي تكلمني كنت خاصمتك..
ضحكت لدلالها: وانا اقدر ياروح خالتك، ده غلاوتك بقيت اكتر من الأول.. ربنا يابنتي يسعدكم ويرزكم الذرية الصالحة
_ الله امين يا كيما..
_ طبعا مبسوطة إن تؤامك معاكي..
_ قصدك جوري؟ دي مجننة جوزها يا خالتوا.. الله يكون في عونه
_ ماهو بيحبها وهيتحمل لسعان دماغها لحد ما تعقل، وبعدين شوية جنان وشقاوة في الأول كده مايضرش..أوعي تكوني مش فرفوشة كده مع جوزك.. دلعيه وروقيه كده وهزروا واضحكوا والعبوا كمان..
+
_ ماتقلقيش ياخالتوا.. ابنك في ايد أمينة..أنا مدلعاه علي الأخر.. حتي أسأليه
ضيق يزيد عيناه وهو يكذبها: يا كدابة
شهقت وتركت الهاتف من يدها: أنا كدابة يا يزيد؟ طب استر عليا قصاد خالتوا
_ لا ماما عارفاني مابكدبش.
وصلهم صوت كريمة وهي تصيح: طب اقفلي يامجنونة واتخانقي انتي وجوزك في السر بدال ما انا مركونة علي الخط كده
+
التقط الهاتف: يعني اكدب يا ماما؟ دي ولا مدلعاني ولا مفرفشاني وكمان عملالي مكسوفة.. انما في المقالب مع جوزي بتتألق ودماغها بتشتغل..
_طب روح بقي شوف حالك أنت ومراتك اللي عصبتها بإيدك..وابقي كلمني ماشي.
_ ماشي يا روحي
........
+
استدار بعد أن أنهى المكالمة، وبصر تحديقها العدواني به، فقال وهو يلجم ابتسامته: ايه الوش الخشب ده بقي.
+
أشارت لصدرها وهي تهتف بغيظ: بقي أنا مش بدلعك يا يزيد وبتسيحلي قدام خالتوا؟
_ أيوة..
_ طب انزل لوحدك وروح لاختك تدلعك هي..
اقترب منها وقال: لأ.. عايزك انتي اللي تدلعيني..
_ لا مش هكلمك اساسا ومخصماك لحد بكره.. عن اذنك
+
جذبها قبل أن تبتعد: طب هصالحك
_ لا زعلانة..
ثم رمقته بجدية: يزيد.. هو انا بجد مش مقصرة معاك في حاجة؟ مش مبسوط معايا يعني؟ صحيح لسه فعلا بتكسف شوية بس انا لسه عروسة و… .
+
اجتاحها بقبلة مفعمة بما يكنه لها من حب وما يملاءه من سعادة معها..يكفيه أنها صارت تمسي وتصبح بين ذراعيه.. يكفيه أن عطرها أصبح يحتل شراينه وصوتها على صدره يعزف علي أوتار قلبه ويطرب روحه..فقط يشاكسها.. فلن يمل ابدا تلك العادة.. يغضبها ويراقب ردود افعالها الطفولية ثم يراضيها..أليست طفلة يزيد قبل أن تكون حبيبته وزوجته؟
+
ابتعد عنها لتنعم رئتيها بالهواء ثم قال لها: بهزر ياحبيبتي، انا بحب انكشك كل شوية.. انما اوعي ابدا تقولي الكلام ده تاني.. انتي مالية عيني وقلبي وروحي وحياتي كلها..
+
ابتسمت ومالت عليه مثل الهرة تتلمس صدره بأمان وهي تغمغم: أنا بحبك أوي يا يزيد.. نفسي اقول لكل الدنيا اني فوزت بيك
_ أنا اللي فوزت بيكي..
واستطرد بنبرة مغوية: بقولك ايه، ماتيجي نتأخر على جوجو وعامر شوية عشان اقولك كلمتين..
تدللت بصوتها: انا بردو بقول كده يا زيدوا
_ قلب زيدوا..
______________
+
منطقة "مسجد السلطان أحمد" أو الجامع الأزرق كما يسمي خارج تركيا.. هو كان وجهتهم اليوم في قائمة التنزه والتعرف علي أهم مزارات اسطنبول..بقعة مميزة بمزارات التسوق ومطاعمها ومقاهي والتجول بها سيرا بين الحدائق او بعربات الأحصنة التي تحمست لركوبها جوري وعطر..
+
استقل كل اثنين منهما عربة يرمح بها إحدى الأحصنة الجميلة..فوقفت عطر يلفحها الهواء وبسطت ذراعيها وهي تقول: أنا مبسوطة أوي يا يزيد..المكان فوق الروعة.. جماله يهبل..بجد احلي مفاجأة عملتهالي..
+
هتف بحنان وهو يتابع فرحتها: الحمد لله انك اتبسطتي يافواحة.. ربنا يقدرني واخليكي مرتاحة طول العمر..
+
حدجته بنظرة عشق طاغي وقالت: بجد انت عملت عشان حاجات كتير فرحتني يا يزيد.. مش عارفة ارد اللي عملته بايه؟
_ حبيبني وبس..
+
قالها ثم قبل وجنتها، فراحت تنظر له لحظات ثم أقدمت علي فعل أذهله وهي تقف وتصيح صارخة بأعلى صوتها كأنها تحدث العالم بأسره ووشاحها يعانق الهواء ويتمايل معها:
+
_ أشهدوا يا نااااس..
عطر بتحب يزيد
عطر بتعشق يزيد
عطر فازت بحبيب الطفولة اللي حلمت به طول عمرها
أشهدوا أنه حبيبي واني بحبه أكتر من نفسي..
أشهدوا إن سعادته وعد هوفيه بعمري كله..
+
جلست جواره وهي تلهث من فرط انفعالها تطالع ذهوله الممزوج بفرحته الغامرة لفعلتها..لم ولن تخجل أن تعلنها للعالمين كل لحظة أنها فازت بمن عشقت منذ كانت تحبي..
ربحت من نُقشت حروفه على جدار القلب.
من نبتت مشاعرها في أرضه الخصبة.
كبُرت وطاب عودها لأجله
هي زهرة تفتحت ليقطفها بيديه
وها هي تنشر عبير حبها حوله ليغرق بها
كما غرقت فيه منذ زمن..
+
Güzel_
+
قاطع اتصال بصريهما الهائم كلمة سائق الجواد الذي علي مايبدوا مدرك جيدا لحالة العشق بينهما وربما فهم معنى ما باحت به عطر وهي تصرخ حبًا لزوجها، فابتسمت وهي تترجم الكلمة ليزيد: الراجل الطيب ده بيقولنا جميل بالتركي..شكله بيفهم عربي..
+
ابتسم يزيد ومازل يغمرها بنظرة حب مهلكة وألق عشقه يسيل من عيناه، ثم دني فجأة من السائق متبادلا معه حديث قصير.. ثم حاد إليها ونظر لها مرة أخري مع همسته وهو يقول بلغة تركية واضحة:
+
+
يعني بحبك بالتركي وبكل لغات العالم يا فواحة..
________________
+
راقه مظهرها الشهي وهي تهز شعرها يمين ويسار، تنثر عنه المياة الزائدة ثم أشعلت المجفف لتجفيفه، فاقترب وأخذه من يدها ودني أكثر يتشمم رائحته مغمغما: ريحة شعرك تجنن يا جوجو.. بتحطي فيه ايه؟
استدارت بين ذراعيه لتناظره مبتسمة برقة: بغسله بشامبو ريحة بالتوت البري ياحبيبي.. مادام عجبك هستخدمه علي طول..
+
تنهد وهو يضمها إليه: متأكده انها مش ريحتك انتي ياملاكي..
_ مازحته بدلال: هي الملايكة بتكون ريحتها توت بري ياعموري؟
_ معرفش ريحتهم ايه..بس اعرف ريحتك انتي وبحبها، حتى وانتي نايمة بتجذبيني بوداعة ملامحك..
+
ثم ابتعد عنها متذكرا شيء بغتة: بخلاف الوداعة اللئيمة اما بتعكي في كلامك..
هتفت بمسكنة: أنا يا لمبي؟
_ أيوة بالظبط زي دلوقت كده..بتغطي علي مدحك في الجدع المايع ده اللي اسمه شاويش ولا جاويش ولا معرفش ملته ايه ده كمان..
+
ضحكت له: اسمه باريش.. وده مجرد مدح بريء في ممثل انا بح… ..
بترت جملتها مع نظرته العدوانية لها فعدلت قولها: معجبة بتمثيله يعني مش اكتر..
_ طب بذمتك مش أنا أحلي منه
فاضت عليه بنظرة حب حقيقية: أنت سيد الرجالة في عيوني ياعامر..احن وأوسم راجل في العالم كله..
+
برقت حدقتاه واقترب قائلا: عرفتي تكسبيني يا زئردة..
_ لا ده انا اعجبك اوي.. هبهرك بقدراتي..
قيمها بنظرة جريئة مع قوله: هتبهريني أكتر لو تخنتي شوية يا جوجو..
_ معقول عايزني تخينة ياعموري؟
_ بقول شوية مش كتير.. اللي يشوفك معايا بيفتكرك بنتي.
تدللت عليه: طب ومالوا.. خليني بنتك..
_ ما هو لو تخنتي شوية هتبقي بنتي برضو.. بس بنت كلبوظة شوية..
عادت تضحك: خلاص ياحبيبي مادام عايز كده.. أما نرجع من شهر العسل هاكل مكسرات وحلاوة كتير.. بيقولوا بتزود الوزن..
+
_ لا أنا عندي اقتراح أحلى
_ ايه هو؟
_ انتي تاكلي مكسرات
+
ثم ازداد خطر قربه وهو يهمس: وانا اكل الحلاوة..
________________
+
_ عاملة ايه يا حبيبتي؟ بتاكلي كويس ولا لأ؟
_ الحمد لله ياماما كويسة جدا، ومن جهة الأكل اطمني طنط وظافر بيزغطوني مش بيأكلوني.
_ أمال ايه ياحبيبتي انتي بتتغذي لشخصين دلوقت.. ربنا يقومك بالسلامة يا نور عيني.
_ تسلمي يامامتي، أحلي حاجة اني ههرب من حصار الأكل كل شوية ده لما انزل شغلي بكره
_ نعم؟ شغل ايه اللي هتنزليه دلوقت يابنتي انتي لازم ترتاحي في البيت لحد ما تولدي
+
ضحكت بلقيس: اكيد بتهزري يا ماما..عايزاني افضل كل شهور الحمل في البيت؟ هو اخر شهر كفاية وشهر كمان بعد الولادة وارجع شغلي..
وواصلت بنبرة فخر: هو بابا مش قالك انا بقيت مهمة معاه في الشركة ازاي؟ ده مايقدرش يستغنى عني
_ ياحبيبتي في كل الأحوال مايستغناش بس دلوقت الوضع اختلف.. انتي لازم تراعي اللي في بطنك
_ ماتقلقيش يا ماما انا مش صغيرة وهعرف احافظ على نفسي كويس..
_ بس انا مش موافقة علي عنادك ده يابلقيس.. وهقول لابوكي يمنعك لما يجي
مازحتها: يمنعني ازاي يا درتي؟ هتخليه يقفل باب الشركة في وشي مثلا ؟
_ والله لو ما غيرتي رأيك هخليه يعملها..
_ الله يكرمك يا أمي بلاش مناهدة على الفاضي، هكمل شغلي مهما حصل ومش هفضل في البيت..
+
انتهت المكالمة.. واكتمل الجدال مرة أخرى بعد عودة والدها ليلا من عمله، لتصر بلقيس على نفس رأيها وتنتهي المكالمة دون تغير موقفها.
…………
+
_ عجبك عناد بنتك ده يا عاصم؟ وبدال ما تعقلها بكلمتين تقوم في الأخر تقولها اللي يريحك؟
_ دره.. لامتى هتفضلي تتعاملي مع بلقيس علي انها صغيرة ومسؤلة منك؟ جوزها معاها وهما الاتنين أدري بحالهم.. صحيح انا كنت عايزها ترتاح في البيت لأني خايف عليها زيك بس مادام هي رافضة خلاص..
وواصل بنبرة أكثر لينا: مش اتفقنا ما نخنقهاش بخوفنا تاني؟ خليها تنطلق وتعمل اللي يعجبها، وبلقيس هتخاف على اللي في بطنها أكتر مننا..
+
لم يبدو عليها الاقتناع وهي تجادله: والله الدنيا مش هتطير لما بنتك تهدي وتستني تولد..انما هقول ايه عنادية زيك بالظبط..
_ أيوة اقلبي عليا أنا كمان ماهي دي اخرتها معاكي..
زفرت دون تجاوب مع مزحته وقلق حقيقي ينهش قلبها، فتمتم ليطمئنها: طيب انا عندي حل.. الوحيد اللي له حق يقعدها في البيت ظافر، لو جت منه هتفرق كتير. أنا هكلمه يقنعها عشان خاطرك..ايه رأيك؟
ابتسمت له براحة وتقدير: ربنا يريح قلبك ياعاصم، ده حل ممتاز جدا..
_ تسلمي ياغالية.. يلا عشيني بقي احسن جعان
_ من عيوني الاتنين
____________
+
وقف يستعد لنزول مطعمه، فصاحت زوجته وهي تراقب ما يفعل: ظاظا شوفت المعركة اللي حصلت امبارح بيني وبين ماما وبابا؟
_ معركة ايه دي؟
+
سردت عليه جدالها الساخن مع والديها لعودتها للعمل مرة أخري، وختمت بقولها: بس ياسيدي ده اللي حصل..
قال ببساطة: والله تعبوا نفسهم على الفاضي.. هو انا گ زوج أصرت في حاجة؟
زوت حاجبيه عاجزة عن فهمه: قصدك ايه؟!
_ يعني محدش محتاج يتعب قلبه ويقنعك.. القرار عندي نافذ من قبل مايتكلموا.. انتي مش هتنزلي شغل غير بعد الولادة..
+
حملقت به مذهولة ثم اقتربت وشبح عاصفة علي وشك البدء بينهما: نعم؟ ومين هيوافق علي كده؟
_انا مش بطلب موافقتك، ده قرار مافيهوش نقاش..
+
قالت بضيق: ظافر سيب شعرك اللي بتسبسبه ده وركز معايا شوية عشان كلامك ده عصبني بجد..
تنهد وهو يلتفت لها قائلا: وايه يعصبك في كلامي؟ انتي لسه في اول الشهر التاني وطبيعي ترتاحي لحد اما تولدي بالسلامة، بعدها ياستي ارجعي شغلك مع والدك تاني انا مش رافض..
جادلته بعناد: وهو كل واحدة تحمل تسيب شغلها وتوقف حالها؟ انا بقيت كويسة في الكام يوم اللي ارتاحت فيهم، هواصل شغلي عادي لحد اخر شهر وبعدين…
+
_ قلت مش هتنزلي شغلك غير بعد ولادتك.
_ بس انا مش موافقة علي التحكم ده
حدجها بنظرة جامدة يشوبها لمحة عتاب ثم قال ببرود:
مادام انتي شايفاه تحكم ومش خوف على ابننا اللي مصدقنا يجي براحتك.
_ وانا يعني مش هخاف علي ابني؟ أكيد هقدر احافظ عليه وانا بشتغل.. انا ماصدقت لقيت نفسي في شغلي وبابا خلاص بقي يعتمد عليا.. عايزني ارجع تاني مجرد بنت حلوة مركونة علي الرف.
+
_ شكلك نسيتي انك مابقيتيش بنت أصلا!
+
_ ماتعلبش بالكلام يا ظافر انت عارف قصدي
_ أنا مش فاضي العب مع حد انا بتكلم في الصح.. ولا نسيتي وقوعك في المكتب لوحدك ومحدش حس بيكي لحد منا جيت لحقتك ووديتك للدكتور؟ انا مش هسمح ده يتكرر وافقد ابني بسبب عنادك..
+
صاحت باستنكار: يعني انت كل همك سلامة ابنك وبس؟
رمقها بضيق وقد فاض صبره : انتي مجنونة؟ وهو في فرق بينكم؟
_ أيوة في فرق.. انت طول الوقت مافيش علي لسانك غير اتغذي عشان الولد.. نامي كويس عشان الولد.. ماتتعصبيش عشان الولد..كأنك اختزلت أهميتي في كده وبس وانا اتلغيت خلاص ورغباتي مابقيتش مهمة عندك.. الحاجة اللي بحبها وبلاقي نفسي فيها عايز تمنعني عنها..
+
برقت عيناه بغضب وضاق من مزاجها السيء وهي لا تفهم أن همه سلامتها قبل أي شيء.. فقد أعصابه وهدر عليها قبل أن يتركها: شكلها طالبة معاكي نكد ومخك تقريبا خارج الخدمة دلوقت.. أنا خارج وسايبك تتخانقي مع الحيطان، عن أذنك..
+
_ ظافر ماتمشيش قبل ما نوصل لحل..
ظافر أنا بتكلم معاك..
ظافر..؟!!
+
جاء أخر ندائه بشبه صراخ:
فعاد إليها وهو يحذرها بصوت حاد رغم خفوته:
لو صرختي تاني مش هيحصل طيب..
ثم واصل قاصدا استفزازها:
عشان العصبية غلط على اللي في بطنك..
+
وتركها مغادرا وعيناها تبرق بدموع القهر حزينة لموقفه..
لم تهنأ بعد بذاتها الذي تشبع أخيرا بقيمته في العمل مع والدها ليمنعها زوجها عنه بتلك البساطة..
لا تحتمل خسارة مكاسبها التي لا تقدر بثمن..
ثقتها في نفسها التي ازدادت عشرات المرات
نظرة فخر والدها بها وهي تملأ فراغ كبير داخله
كأنها تقول له أنا لست فتاتك المدللة فقط..
أنا أستطعت ملء فراغ أشقائي لو قدر الله لهما الحياة..
ها أنا غديتُ سندًا لك كما كنت لي أنت دائما..
لكن مع عناد ظافر سيتعطل تحقيق حلمها
فترة ليست هينة..
نظرت لبطنها النحيف وربتت عليه بحنان وهي تهمس:
_ محدش في العالم كله هيحبك ويخاف عليك قدي
بس باباك مش فاهمني..أول مرة اشوفه عنيد وعصبي كده معايا.. طب أنا غلطانة؟ فيها ايه لو اكمل شغلي اللي اتعلقت به وفي نفس الوقت اخد بالي منك؟
+
زحفت دمعة أخيرة على وجنتها، أزالتها وراحت لتصلي علها تهدأ وتفكر كيف تجعل ظافر يعدل عن قراره ويسمح لها بمواصلة العمل مع أبيها..
---------
بعد يومان!
حزنها يخنقه بعد أخر نقاش حاد بينهما، الحمقاء لا تفهم كم يخاف عليها هي قبل اي شيء وسلامتها وجنينها في كفة واحدة لكن كأنها تغار اهتمامه بالجنين.. لا ينكر انه ربما يظهر خوفه بقوة عليه لكن أليس حقه بعد صبر عام وهي يشتهي تحقيق أبوته؟ تنهد وهو ينظر لشعرها الطويل جواره على الوسادة وهي تعطيه ظهرها مدعية النوم..مرر أنامله بنعومة بين خصلاتها بحركة أثارت رجفتها وهي تدس وجهها بين ذراعيها، فغمغم: تيجي اضفرلك شعرك..
ابتسمت وردت بخفوت: لأ شكرا
_ ماشي.. بكرة بنتي تيجي واضفرلها شعرها كل يوم..
اعتدلت وهي تقول بلمحة غيرة: وأنا؟ خلاص مش هتحبني؟
+
ابتسم وهو. يضمها إليه:
_ بتقولي ايه بس.. انتي النفس اللي بيخرج مني.. بس افهميني.. قراري ده لمصلحتك، أنا عمري ما هنسي منظرك وانتي واقعة على الأرض ومحدش حاسس بيكي
+
_ ياحبيبي ده عشان ماكنتس اعرف اني حامل واجهدت نفسي في فرح جوري، ويومها كمان مافطرتش.. لكن انا هاخد فيتاميناتي كلها وهاكل كويس وهنزل بس تلات أيام في الاسبوع.. أظن ده حل كويس جدا ويرضيك..
انتفخ صدره بتنهيدة أخري غمغم: لو تعرفي بخاف عليكي قد ايه؟ بس مايهونش عليا تزعلي ابدا..خلاص اعملي اللي انتي عايزاه .. بس بحذرك لو حصلك حاجة ولا دوختي واتأذيتي مش هسامحك ولا هعاقبك..
+
اقتربت منه وهي تلثم خديه تباعا مع نبرة صوت مغوية من فرط دلالها ورقتها: هتعاقبني كده ولا كده؟
_ لأ.. كده..
قالها وهي يجذب الغطاء عليها ويدثرها به
ليكتمل عقابه..وتشتعل ليلتهما بفتيل شوق لا يهدأ..ويغرقها بمشاعره لتغفوا بعدها بين ذراعيه راضية لما وصلا إليه سويا من حل..
_________
+
في اليوم التالي حدث ما كان يهابه
واتصال من سكرتيرة زوجته تصيح عبر الهاتف:
ألحقني يا ظافر بيه..مدام بلقيس داخت ووقعت فجأة وهي في مكتبها مع العميل..
شق الهواء بهرولته إليها تاركا خلفه كل شيء
وداخله صرع مشتعل بين غضبه منها
وهلعه عليها وعلى جنينهما..
دعى الله أن يطمئن لسلامتها أولا
ثم أقسم داخله أن الأمر لن يمضي بينهما بخير!
________
+