اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم دفنا عمر


الفصل الخامس والخمسون

-------------------------

الليلة ضاوية وأبواب السماء مشرعة.. 

إن كنت عاشق فها هو موسم الحب قد بدأ ..

تمتم بقلبك دعوة تليق بقدر ساكنه.. 

وإن كنت عاصي فها هو باب التوبة ينتظر. .

كثف صبرك وإخلاصك لتنول مغفرة.. 

_______

أمصباح علاء الدين هو؟

يلبي أحلامها دون أن تلمس أناملها جداره! 

يفيض عليها بكل جميل ويملأ حياتها بشمسه

وهي مازالت گ القمر المظلم تحجب عنه مشاعرها

مكبلة بقيود لا تحصى

لما في تلك اللحظة لا تخرج عن المألوف

وتخالف العادات وتحطم أصفاد الخجل؟

تريد العزف علي أوتار البوح بمشاعرها لتطلقها

وحبيبها أكثر من مشتاق لسماع عزفها له وحده.. 


+



_ بسمة ساكتة ليه مش مقتنعة  بكلامي؟ طيب ناقشيني لو غلطان.. سمعيني كلامك مش سكاتك.. 


+



وهل يليق بمثلك مجرد كلمات؟

هي كلمة واحدة تختزل ابجدية العالم بكل لغاته

كلمة تفيض بها ثم تتوارى بعدها خلف جدار الجبن وتهرب..فلن تجد بعدها شجاعة لشيء. 


+



_ بسمة؟!!!


+



_ بحبك؟


+



خُيل له أنه يهذي فرفع عنه الهاتف ونظر في ذهول.. 

هل اعترفت له بمشاعرها؟

قالت  "أحبك"؟

أعاد الهاتف لأذنيه كي يحدثها ثانيا ويستدر منها المزيد.. علها تعيدها ويتأكد من سلامة عقله، فوجدها انهت المكالمة..حرمته بخجلها المعهود متعة سماع اعترافها العزيز مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة.. 

ويدرك ان استجابتها لمكالمة أخري الآن وهو محض خيال..وعليه أن يرضى بما جادت به على قلبه


+



عدل جلسته على ظهر فراشه وابتسامة حالمة تحتل شفتيه ثم تحمس مرسلا لها عبر تطبيق "الواتس آب" ( كده برضو تقوليها وتقفلي.. طب كنتي خليكي وةاسمعيني وماتتكلميش..أنا كنت عايز اقولك كلام كتير اوي يابسمة..حلمت بيكي بتقوليها بميت تصور كان مشترك بينهم حاجة واحدة بس.. إنك تكوني قريبة مني وشايف لمعة عيونك الفضة اللي المسافة منعتني اشوف جمالها دلوقت..بس قريب اوي هسمعها تاني بعد ما تكوني خلاص حلالي..)


+



ضغط ذر الأرسال واصطبغت علامة رسالته بالأزرق.. هي تقرأ كلماته الآن.. مازالت تتواصل معه بشكلٍ ما شجعه على مواصلة الكتابة لها.. 


+



( بسمة أنا بحبك اوي ومعرفش ازاي حبيتك كده.. اتسربتي جوايا زي أنفاسي.. كنت بتهكم علي اللي بيحبوا ويسهروا ويتنهدوا على صوت أغنية ولا طيف ذكرى مروا بيها.. كنت بقول انا عاقل وحبي هيكون مختلف وأساسه العقل وبس.. شوية مواصفات لو اتحققت في اي بنت هرتبط بيها واكمل الشكل الاجتماعي وسنة الحياة وطبعا عشان اريح امي وابويا اللي بيحلموا اتجوز واستقر..لكن دلوقت انا طاير بالجنون اللي حاصل جوايا.. جنون لو طاوعته هاجيلك دلوقت حالا ومعرفش هقدر لحظتها اتحكم في طوفان مشاعري ولا لأ.. جنون لذيذ خلى لأيامي طعم ولون.. انتي غالية اوي عندي يابسمة.. أوعي تحملي هم في الدنيا تاني وانا موجود..اوعدك اني هكون كل حاجة ليكي.. وعارف انك مش هتكوني زوجة عادية.. لأن فيكي كل اللي ممكن أي راجل يحتاجها.. وبدعي ربنا يعدي الساعات الفاضلة عشان أطوقك بأسمي لأخر العمر.. خلاص ياحبيبتي هتكوني ليا زي ما هكون ليكي..خدي بالك على نفسك وبوسيلي قلبك وتصبحي على خير الدنيا كله يا بسمة أيامي الجاية )


+





                

حمقاء..عديمة العقل.. فقيرة الشجاعة! 

صارت تنعت نفسها لتسرعها بغلق الهاتف

تُرى!  كيف كان صوته وهو يُلقي على سمعها ما كتب؟

ليتها ظلت لتتذوق حلاوة تلك النبرة الساحرة بصوته..

لكن هل كانت تستطع الانتظار؟

تعترف بجبنها.. قدرتها على مجاراته الآن معدومة..

قبضة الخجل مازالت حولها محكمة،

لذا أغلقت لكن ظل خافقها عنده..

هو من قرأ كلماته وليست عينيها..

فاض بمشاعره الرائعة التي أبهرتها..

لوهلة خاطفة من الزمن حلقت روحها گ فراشة ملونة

جناحاها يعزفان على أنغام حروفه بإيقاع مبهج گ ألوانها 

هو أيضا لن يكون لها زوج عادي..

سيكون أبًا حين تفتقد أمان والدها

وصديقا يتلقى شكواها دون تأفف أو ملل

عاشقا يدلل أنوثتها حين تكشف له أسرارها

دون خجل او قيود..

سيكون كل شيء تحتاجه وحلمت به! 


+



_ بسمة انتي لسه سهرانة؟


+



أجفلها صوت حنين وانتشلها من بئر شرودها وقالت:  أيوة ياحبيبتي، ياسين كان بيكلمني من شوية.. 

جلست بالقرب وتأملتها بنظرة ثاقبة وغمغمت:  مالك يابسومة فيكي حاجة متغيرة. 

زوت حاجبيها: متغيرة ازاي؟

_ خدودك حمرة أوي..وشك منور وعيونك بتلمع كأنك مبسوطة.. ثم غمزة بشقاوة محببة:

هو سينو قالك كلام حلو؟


+



أنكرت وهي تعنفها: اتلمي ياحنين..كلامنا كان عادي

_ عادي؟ هو الكلام العادي بيحمر الخدود وينور الوش كده


+



لم تجيبها ورغما عنها غاصت بتلميح شقيقتها المغلف بالمزاح.. لكنها أدركته أعمق بكثير من مزحة.. السعادة والخجل انعكسا على وجهها برتوش جلية

لا عجب إذا لو انحفر الحزن بين ثنايا الوجوه..

‏وجوهنا مرايا لما تذخر به القلوب

‏ملامحنا الحقيقية ليست تلك الظاهر..

‏بل المخبأة عن المُقل

‏ولا يراها سوى عين محبة وروح نقية..


+



_ تعرفي يابسمة، كل اما افتكر ان خلاص انا وانتي هنكون رسمي زوجات ولينا أزواج اتلخبط واخاف..

بقيت اخاف من اللي مخبياه الأيام لينا بعد اللي حصلنا حياتنا بتتغير بسرعة غريبة، تفتكري هتتغير للأفضل؟

ولا لسه في فواجع مستخبية؟


+



جذبتها ووضعت رأسها على "حجرها" بحنان وهي تداعب شعرها كما كانت تفعل دائما وقالت: ربنا مايجيب فواجع تاني ياحنة.. بالعكس أنا مطمنة عليكي اوي مع راجل زي عبد الرحمن.. راجل اختبرنا معدنه في أسوأ ظروف مرينا بيها..وقف معانا وماسابناش لحظة هو وأهله..حاجو علينا ومحسناس بالوحدة..عبد الرحمن زي أمير الروايات اللي كنتي بتقريها..بس أمير حقيقي كل حاجة فيه بجد مش مجرد سطور في رواية..عشان كده مش عايزاكي تخافي يا حنين..أكيد الجاي أحلي..


+



مكثت مسترخية تستمتع بحركة أنامل شقيقتها على رأسها ثم قالت: طب وانتي..مرتاحة مع ياسين؟ بتتخيلي حياتك معاه هتكون ازاي؟ يعني خايفة ولا مطمنة؟

طالت تنهيدتها والكلمات لا تسعفها لتبوح بإجابة منصفة فاختزلت ماداخلها بتمتمتها الهامسة: 

_ ياسين ده دعوة أمي ليا ياحنين.. 

__________


+




        


          


                

عجبًا كأنك هنا..! 

صوتك قريب يداعب أذني..  

عطرك يفوح من وسط رمادي!  

ألم أحترق؟!

ألم أفنى من عالمك؟

كيف أتيت لعالمي؟

آراك كأنك تخبيء زهورا خلف ظهرك

أهي زهرة الصبار؟

ستضعها على قبري وتقول وداعا؟

أم أتوهم الموت وأنا مازلتُ حية؟


+



صوتك مازال يهمس لي ان الغيوم انقشعت

وشمس الحياة أشرقت بيننا بفرصة جديدة

هل أصدق؟!

بالله أخبرني..

هل أصدق؟!


+



_ أنتي بخير يا تيماء..رائد حبيبك معاكي ومش هيسمح بحاجة في الدنيا تأذيكي تاني بس ارجعيلي.. 


+



وكأنه سمع نداء عقلها فأجاب.. 

لم يتركها من بعد الحادث وهي علي حالتها دون تحسن يُذكر، غائبة عن الوعي بإرادتها لكن لا يهم.. هي حيه وتتنفس وهذا يكفيه.. تيماء لم تمت..ولم يفت آوان توبتهما بعد.. هي وهو قدما قربان وتقبله الله ونجاهما معا..رسالة جديد من رب العالمين أدركها جيدا.. 


+



مكث يطالعها بشخوص وذهنه يعيد عليه تفاصيل ما حدث..  النيران..صوت صراخه قبل اقتحامه غرفتها..عيناها الزائغة وجسدها يهوى بين ذراعيه..وحين تدفقت المياة حولهما فأغرقتهما سويًا.. العجيب لم يراها مجرد مياة ردعت تغول النيران..بل رآها قطرات طهرتهما..المكان الذي غمره الدنس من قبل هو ما شهد قربانها الأخير..هنا احترق ماضيهما الأسود للأبد وانبثقت لهما نبتة صالحة لحياة أخرى..حياة لن يكون فيها ما يغضب الله عليهما..بل استغفارا يليه استغفار.. لن يمل.. لن ييأس من رحمته وهي معه.. أناملهما متشابكة وبينهما الصغيرة..


+



دنى منها وأحتوى كفها الراقد جوارها ووضع رأسه على كتفها المعافى وأغمض عينيه وغمغم لها بخفوت: 

_ مش هسمحلك تستسلمي لغيابك اللي اخترتيه يا رودي أو يا تيماء، خلاص مش فارق عندي..مش هتكوني ضعيفة تاني لأن مش هسيب ايدك.. مبقاش ينفع نفترق..قدرنا واحد..زي ما ذنبنا وعلتنا واحدة..هقويكي وتقويني.. ورحمة بنتنا هي زرعتنا النضيفة اللي هنرويها بتوبتنا..


+



ثم ابتعد عنها وتلمس وجهها برفق هاتفا: 


+



فتحي عيونك عشان خاطري.. كلميني..

ارجعي وحبيني زي ماكنتي بتحبيني..

خديني في حضنك زي ما كنتي بتعملي..

محتاجلك اوي وانتي محتاجالي..لازم ترجعي للدنيا..  واوعدك اخليكي تتصالحي معاها وتحبي نفسك من تاني.. ارجعي عشان احبك من جديد..

مش هو ده اللي كنتي عايزاه؟؟؟


+



" يا استاذ.. معاد التغير على جرح المدام قرب..لو سمحت سيب الغرفة لأن الدكتور هيمر بعد شوية يشوفها ووجودك في غرفة العناية المركزة دلوقت هيحطني في مشكلة..


+



نظر للممرضة بوجه شاحب وعين ذابلة يحوطها هالات سوداء من قلة نومه، وتتوقع انه لم يأكل منذ فترة طويلة..  فأشفقت عليه بشدة.. مايفعله لا يسمى سوى انتحار بالبطيء..فقالت ناصحة: 


+



_ حضرتك ممكن تروح بيتك ترتاح شوية، لازم تنام عشان تقدر تصمد في اللي جاي..لسه علاج المدام هيطول..وانت كده بتأذي نفسي وقريب اوي جسمك وعقلك هينهاروا من قلة النوم والأكل.. 


+




        

          


                

نقل بصره عن الفتاة لوجه زوجته النائم وصوت أفكاره يستنكر ما تقوله الأولى.. 

ينام؟؟كيف؟ لو غفل عنها سيفقدها.. تيماء تسمعه.. تستأنس به وهو يعلم بهذا لذا لا يفارقها ولا يكف عن الثرثرة بأذنيها..حتما في لحظة ما ستفتح عيناها وتراه.. 

لا ..لن ينام ويتركها.. 


+



_ يا استاذ أرجوك انت مش شايف شكلك؟ هي كده كده مش حاسة بحاجة لأنها في غيبوبة.. روح ارتاح وكل لقمة في بيتك وارجع..وبسرعة بقي لأن الدكتور علي وصول وكده هتعرضني للأذى.. 


+



أطال النظر إليها ثم نهض بتثاقل مغمغما:  خلاص أنا هخرج برة ولما الدكتور يمشي هرجع تاني


+



_ بس… 


+



قاطعها: انا عارف اني بعرضك لمشكلة بس أرجوكي خليني معاها.. أنا بكلمها طول الوقت وهي سمعاني.. مراتي مش هترجع تاني غير لو اطمنت اني معاها..ساعديني افضل قريب منها ده علاجها الحقيقي مش المحلول اللي انتوا حاطينوا..لازم تحس بوجودي.. 


+



حدجته بأسف شديد..هي من الاساس خالفت قواعد عملها وتركته جوارها رغم عدم سماح الطبيب بذلك، لكن لم يطاوعها قلبها أن تخذل رجاء هذا الرجل.. دموعه المتحجرة تشى بمآساة ليست هينة..ربما تشعر به لأنها مثله مرت في حياتها بتجربة مماثلة.. تنهدت وقالت: 


+



لما الدكتور يغير لها علي الجرح ويمشي .. هدخلك تاني واسيبك معاها.. انما دلوقت اتفضل، وبكرر نصيحتي ليك يا استاذ.. روح بيتك صلي ركعتين وادعيلها وبعدين نام.. انت ولا بتاكل ولا بتنام ..لو فعلا بتحب مراتك حافظ علي نفسك عشان لما تفوق بامر الله تلاقيك.. 


+



عاد يملأ حدقتيه بوجهها الشاحب وعينيها المسبلة گ الموتى..ثم تذكر ابنته رحمة التي لم يتفقد حالها منذ ايام  هي والصغيرة ضي.. ووالدتها التي يجب أن يطمئنها بنفسه.. عزم بالفعل علي الذهاب إليهم..  وقبل أن يغادر دنى منها والتقط كفها بين راحتيه وهمس بأذنيها ( متخافيش راجعلك تاني.. هطمن على بنتنا وهاجي) 


+



غادر بعدها فترقرقت عين الممرضة وهي تتابعه وهمست( مافيش أصعب على القلوب من أذية حبايبهم.. ربنا يشفيهالك) ثم همست بنظرة شاخصة وهي تنظر لتيماء ( اللي عنده حد بيحبه كده ماينفعش يستسلم حتي للموت..أتمنى ترجعي للي بيحبوكي..لازم تقاومي)

____________


+



الآن أصبحت حرة طليقة تسبح في عالمها المثالي

لا خوف.. لا أحقاد.. لا ذنوب.. لا مكائد

تنظر للأفق فتجده صافي..انقشعت منه السحب السوداء وأضحى مشمس، زاهي..الكون بأسره صار  گ ثغرا يبتسم في وجهها.. ابتسامة تسع صفحة السماء بأكملها

تحيا بظلها وحدها..لا.. ليست وحدها..حبيبها معها

رائد جوارها..يمسك يدها..يطالعها بحنان.. 

يهمس بأذنيها أنه عاد إليها ولن يتركها..


+



_ كنت فاكرة اني ميتة وانت سبتني! 

(أنتي بخير يا تيماء..رائد حبيبك معاكي ومش هيسمح بحاجة في الدنيا تأذيكي تاني بس ارجعيلي.)

_ هتسيبني تاني؟

( مش هسيبك ولا هسمحلك تستسلمي لغيابك اللي اختارتيه) 

_ هنفترق ؟

(مبقاش ينفع نفترق..لأن قدرنا واحد...)

_ بس انا بقيت ضعيفة أوي

(هقويكي وتقويني..)

_  الدنيا بقيت وحشة وكرهت نفسي فيها..

(هعملك ازاي تتصالحي معاها وتحبي نفسك من تاني) 

_ لو رجعت هتحبني؟

( هحبك من جديد..) 

_ طب خد إيدي وساعدني..

ماتبعدش تاني..

رائد..!

روحت فين وسبتني..؟!

رائد؟؟؟ 

( متخافيش راجعلك تاني.. هطمن علي بنتنا وهاجي) 

عاد همسه من جديد يتردد بعقلها

يطمئنها انه مازال هنا

لم يتركها

وتظنه لن بفعل

____________ 


+




        

          


                

أغمض عيناه وتشمم رائحة طفلته "رحمة" بقوة كي يستمد من نقائها ما يعينه على مواصلة القادم، وصار يربت عليها بحنان طاغي..فسكنت الصغيرة وراحت تهمهم بصوت رفيع رقيق وحروف غير واضحة گ مواء القطة..كأنها تشكوه قسوة شوقها إليهم.. 

تأملها لها بأسف كبير..ما ذنب تلك الملاك لتكون ابنة لأب وأم مثلهما..كلًا مهما كان بود غير صاحبه.. لم يضعا مصير طفلتهما في الاعتبار..هذا الحبيبة تستحق حياة أفضل وأكثر استقرار وحنان ودفء.. 

اشتدت ضمته عليها وانتفضت روحه بعزيمة وصوت أفكاره يقسم داخله لتلك الصغيرة ويعدها أن ثلاثتهم سيجتمعان مهما كانت العقبات..إن كانت تيماء مستسلمة لغيبوبتها وخانعة للموت.. سيحاربها بإرادته وعناده ويفتت يأسها وينتشلها من أرض عالمها الكاذب ويزرعها بأرضه هو

فما بقيا في العمر لن يسمح أن يضيع هباء، ستعود زوجته له وللصغيرة في ئكأقرب وقت.. 


+



_ أبلة رودي عاملة ايه يا عمو..قربت تخف وترجع؟


+



قطع سيل أفكاره صوت " ضي" التي واصلت: 

_ماما تعبانة اوي ومش مصدقاني..قولتلها ان حضرتك أخدت أبلة رودي معاك عشان تتصالحوا وسبتوا معانا رحمة وانكم راجعين قريب.. بس مش مصدقة..كل اما ترن عليها عشان تكلمها بتلاقي تليفونها دايما مقفول وحضرتك كمان مش كلمتها.. أرجوك خدنا نشوف أختي في المستشفى..هي لو شافتنا احنا ورحمة هتخف.. 


+



تنهد وهو يستمع لضي.. ماذا يفعل.. يشفق أن يروا تيماء بحالتها المشوهة الشاحبة گ الموتى.. لن يتحملا وخاصتا والدتها المريضة.. لكن يبدو ان لا مفر من وضعهم بالصورة لكن بأقل خسائر نفسية ممكنة.. ربما وجودهما حول زوجته يفرق بحالتها ويعيدها.. 

_ حاضر ياضي هاخدك تشوفيها، ودلوقت هدخل لماما اطمنها.. وانتي خدي رحمة لسريرها عشان نامت.

__________


+



_ ازيك يا ست الكل عاملة ايه؟ 


+



ما أن رآته حتي اطلقت العنان للهفتها وقلقها: 

_ بنتي فين يا رائد؟ طمني وقولي بنتي مالها أنا هتجنن عشانها.. رودي مش بخير انا عارفة..قول الحقيقة مهما كانت صعبة.. لأنها مش هتكون أسوأ من خوفي اللي واكل روحي..

لم يتعجب إندفاع تساؤلاتها وتكذيبها لفكرة ابنتها بخير..قلب أمومتها لن يمرر كذبه مهما كان متقن..والحقيقة مهما كانت تظل افضل الحلول.. سيخبرها دون تفاصيل مؤلمة أو مخزية من ماضيهما..جلس جوارها وبدأ يروي لها انه اخذها من هنا ليتناقشا في مشاكلهما ويجدان حلا للعودة.. وفي الطريق حدث حادث نشب عنه حريق تآذت منه رودي دونه، وأنها الآن تتلقى العلاج في المشفي..وحالتها مازالت تحت الملاحظة الطبية. 


+



صاحت بنحيب يقطع القلب:  كنت حاسة..  والله كنت حاسة ان فيها حاجة..يا حبيبتي يابنتي..خدني ليها يا ابني ابوس ايدك لازم اكون معاها..

قال وهو يناولها كاسة ماء: طيب حضرتك اهدي الأول واشربي شوية مية واسمعيني وافهمي كلامي كويس.. 


+



أطاعته وارتشفت القليل وراقبته وهي تبكي، فقال: 

_ أنا معرفش ليه علاقتك ببنتك كان فيها فتور..ومش يخصني اعرف أسباب ده.. لكن اللي يهمني انك تفهمي حاجة..رودي محتاجالك أكتر من أي وقت فات.. محتاجة تقويها وتسنديها.. وعمرك ما هتعملي ده وانتي ضعيفة كده..يمكن لما تشوفيها يكون الموقف صعب عليكي.. بس اوعي ساعتها تستسلمي للصدمة وتنهاري وتنسيها..رودي مس هينفعها انهيارك، بنتك محتاجة دعمك ودعمنا كلنا لو كنتي عايزاها تتعافى ترجع وسطينا بخير..


+




        

          


                

ثم التقط يدها مستطردا:  وعهد عليا  اخلي علاقتك برودي هتكون افضل من الأول، اللي كان مفقود في علاقتكم زمان هيتعوض.. بس ساعديني بأنك تكوني قوية وتتحملي عشانها.. قلت ايه؟


+



أومأت ومازلت دموعها تتساقط:  حاضر يا ابني.. أوعدك اكون قوية زي ما لتقول بس خدني ليها.. 

_ ماشي بس اصبري كمان يومين تكون انتقلت لغرفة عادية عشان تشوفيها براحتك.. ومتخافيش انا معاها ومش بسيبها ابدا.. وكل اللي طالبه منك تاخدي بالك من رحمة لأن للأسف انا مش عارف اهتم بيها لوحدي.. 

_هتوصيني على حفيدتي؟ دي نور عيني..


+



ثم مدت كفيها متضرعة لله:  يارب احفظ بنتي ورجعها لبنتها ولينا كلنا بالسلامة..أنا مش هتحمل افقدها تاني

ربت على كتفها برفق: متخافيش مش هتفقديها..أوعدك رودي هتكون وسطينا قريب جدا..اقرب مما تتصوري

__________


+



أشار له بحذر:  اشش يا هوندا.. ماما نايمة.. تعالي نسيبها براحتها عشان تعبانة

تبعه الصغير فتوجه به للمطبخ ثم وضعه علي سطح الرخام وتسائل: 

_ ها يابطلي.. تاكل ايه؟ جبنة ولا مربة تين؟

_ همرر


+



زوى عابد محاولا فك طلاسم كلمته مغمغما:  همرر ده ايه مش فاهم؟ شكلي هستندل واصحي ماما تترجملي..طب قول تاني بس ركز.. عايز تاكل ايه؟

_ همرر.. 

هرش عابد مؤخرة رأسه بحيرة: وبعدين في الأزمة دي بقى..ازاي لسه ما اخترعوش قاموس يساعد الأب في فك طلاسم كلام ابنه لما تكون امه نايمة؟!

ثم صاح بغتة بعد تفكير أعمق وهو فخورا بنفسه لأنه فهم أخير : قصدك همبورجر يا معلم صح؟


+



أومأ الصغير وهو يكرر بحماس:  همرر 

قهقهه ولثم خده المكتنز الشهي وقال: يا أخي تعبتني،  والله انت واد بتفهم.. جبنة ايه ومربة ايه اللي هناكلها..احنا رجالة ولازم ناكل لحمة مش جبنة.. خلاص يا بطلي هطلع " الكايزر" من الفريزر واسخنه في المايكروويف على ما احضرلك أحلى همرر..


+



راح يُعد له الطعام والصغير يتابعه فحدثه: 

يلا زي الشاطر سمعلي كلمات الله الحسني اللي علمتهالك..قول الرحمن بعدها ايه؟

_ حيم

_ لأ قول الرحيم 

_ حيم

_ طب ماشي كمل بعد الرحيم ايه؟


+



تلعثم الصغير وهو يحاول أن يتذكر فقال: 

_ دوس

_ لا مش القدوس يا مهند.. المَلِكُ وبعدين القُدوس.. بص انت شكلك نسيتهم ..خلاص في الأجازة هحفظك تاني.. طب قول معايا سورة الفاتحة..وراح يلقنه والصغير يكمل معه حتى انتهيا فكافأه بقبلة على رأسه: برافو عليك..يلا بقي نروح الليفنج ناكل واشغلك فيلم كارتون.. 


+



أختار له شيء مناسب وراحا يتبعانه بعين محدقة وهما يلتهمان شطائر الهمبورجر..ثم لاحظ ان الصغير لم يكمل حصته فقال:  لا يا مهند كمله عشان تشبع.. ماما نايمة ومش هتصحى دلوقت عشان تأكلك

وواصل وهو يدس جزء من الخبز في فمه:

هنعمل ايه لازم انا وانت نخدم نفسنا.. ماما طول الوقت تعبانة عشان البيبي

_ بيبي

_ أيوة اخوك اللي في بطن ماما

_بيبي بطن ماما

_ أيوة يا واد مسكر انت على رآي تتة إيما.. عارف بقى لما يجي اخوك بالسلامة..انت هتحبه اوي

_ خويا حبه؟


+




        

          


                

قالها وهو يشير لصدره.. فقبله عابد مجيبا: طبعا يا حبيبي هتحبه لأنه هيلعب معاك وهتتسلى معاه.. وانا كل يوم هجيبلكم حاجات حلوة..وهنلعب في المرجيحة بتاعتك وهاخدكم معايا النادي والمزرعة و…… 


+



وصار يثرثر معه كأنه يقص له حكاية مسلية حتى أرخى الصغير أهدابه وغط بالنوم على صدر عابد الذي لم يمكث كثيرا وغفى هو الأخر على الأريكة.. 


+



شعرت بامتلاء مسانتها فنهضت من نومها لتقضي حاجتها.. ثم لاحظت هدوء المنزل.. أين عابد والصغير؟ هل هبطا للعمة كريمة؟ توجهت لغرفة " اللفينج" لتجده يحتضن طفلها النائم بعمق على صدره وصوت "شخير" مزعج يصدر منهما.. فابتسمت بحنان واقتربت بحذر وحاولت انتزاع الصغير منه ففتح عيناه وأبصرها وهمهم بصوت ناعس:  انتي صحيتي يا زمزم

_ أيوة ياحبيبي.. معلش انا أسفة والله ما عارفة ازاي النوم غلبني وماحسيتش بنفسي..أكيد هتموت من الجوع.. 


+



اعتدل جالسا ومازال مهند غافي بين ذراعيه: لا ماتقلقيش.. اتصرفت وعملت سندوتشين همبورجر انا وهوندا وشبع قبل ما ينام.. كنت هشربه لبن بس حسيت اني كده هعك..


+



غمرته بنظرة حانية وهمت بتقبيله فهاجمها شعور الغثيان من جديد وكممت فمها فصاح بجزع: ايه ياحبيبتي مالك؟


+



_ الغثيان ده هيموتني ياعابد..انا مش باكل وبرضو معدتي تعباني اوي..حملي شكله مش هيعدي لطيف وابن ناس وهيتعبني.. 


+



ابتسم ولثم رأسها ثم نهض ليُرقد الصغير بفراشه ثم عاد إليها واحتواها بذراعيه وقال وهو يعبث بشعرها:  معلش يا قلبي.. أكيد ابني مش هايجي كده بهدوء.. مايبقاش ابن عابد، بس ولا يهمك.. هو بس ينزلي وانا هربيه وأحرمه يتعبك تاني..  


+



ضحكت متناسية شعور الغثيان: ده لسه بيسخن ومؤدب.. في فترة هيعمل حاجات افظع.. أنا فاكرة في مهند كنت….


+



بترت حديثها بغتة خوفا من ضيقه لو ذكرت شيء يخص حياتها السابقة وحالتها النفسية حين رحل زوجها.. نعم هو يحب طفلها لكن ليس من الصواب تذكيزه دائما ببصمة من قبله عليها.. وما كانت ستقوله ربما ضايقه بقدر ما.. 


+



_ ممكن اعرف سكتي ليه؟

_ لا عادي ما تاخدش في بالك


+



أدار وجهها أليه وحاصرها بنظرة قوية وهو يقول:  زمزم.. اي حاجة عايزة تقوليها قوليها متخافيش.. 

دست رأسها بعنقه وهمست:  في حاجات مش حلو ليك ولا ليا اني افتكرها.. أنا حامدة ربنا علي اللي انا فيه.. ربنا عوضني وكرمني بتجربة أمومة تانية عشان اعيش فيها اللي ماكنتش دارية به قبل كده..بعيش فرحتي اني هكون ام لأول طفل لينا

_ قصدك تاني طفل..ولا حتة السكر اللي جوة ده مش مالي عينك يا هانم؟


+



رفعت رأسها لتفيض عليه بنظرة حب وانبهار حقيقي قائلة:  انت ازاي كده ياعابد؟ أنا ساعات بحس إنك هربان من الجنة ونزلت تعيش معانا في الأرض؟


+




        

          


                

قهقه بإنطلاق لتشبيهها الغريب وضمها بقوة أكبر قائلا من بين ضحكاته:  حلوة دي يا زوما..انا ملاك؟ مسكينة يا بنت عمي ماتعرفيش جناني والماضي الأسود بتاعي..ولا البلاوي اللي كنت بعملها في اصحابي واخواتي وماما وبابا وعطر وفدوى..ولا ياسين..أنا متخيل لما يسمع منك الجملة دي هينفجر ويقولك اللي ربنا يقدره عليه.. أصله بيحبني اوي ونفسه يخدمني ويرد بعض جمايلي معاه.. 


+



ضحكت بانطلاق مثله ودللته هاتفة: مهما قالي عنك نظرتي ليك مش هتتغير ابد يا بودي.. 

_ يعني مصممة إني ملاك

قالت برقة: أيون ملاك ومافيش زيك اتنين في العالم كله

_ زي القدير " إكس" كده في فيلم فؤاد المهندس؟

ضحكت ثانيا:  لا أحلى يا بودي

_ طب ماتيجي نتنقاش باستفاضة في الموضوع الخطير ده في أوضتنا

عبست بطفولة متدللة:  ينفعش يابودي.. الدكتورة قالت ينفعش في الفترة دي.. 

_ ينفعش؟؟؟ طب انتي بتعذبيني أكتر يعني ولا ايه؟

ضحكت ثم احاوطت وجهه براحتيها وقبلت وجنتيه هامسة:  طب خد تصبيرة

_ لا ماتنفعش..خلي عندك ضمير وهاتي تصبيرة حلوة

هتفت بمكر:  طب قولي عايز ايه؟ 

نهض وحملها بين ذراعيه مغمغما: هقولك في أوضتنا.. 

رمقته بتحذير:  عابد بلاش تهور خلينا مستورين.. الدكتورة قالت إن…… 


+



لم تكمل عبارتها..

وفرض هو هيمنته بما يناسب شغفه وشوقه لها! 

_________________


+



حان يوم عقد قران الشقيقتان..

مكثت معهم لتساعدهم سلوى شقيقة عبد الرحمن، وبعد وقت اكتملت طلتهما البسيطة للغاية ورغم بساطتها كان لهما سحر خاص جعل الأخيرة تهتف بإعجاب:  ما شاء الله يابنات.. والله العظيم طالعين قمرات وتجننوا بعد ما جهزتوا.. ثم غمزت لهما:  عرسانكم هيتهبلوا عليكم


+



ابتسمت لها بسمة بينما هتفت حنين: تسلمي يا سلوى تعبناكي معانا والله

عاتبتها:  عيب تقولي كده احنا اهل وانتو اخواتي، ثم دارات حول نفسها بمشاكسة:  بس انا همسحكم انتوا الاتنين، منا ظبطت نفسي برضو عشان الواد خطيبي اللي هيشوفني انهاردة ولازم ازغلل عينه واجننه.. 


+



بسمة:  هتزغللي عينه بس؟ ده عقله هيطير لما يشوفك يا سوسو..

سلوى: وده المطلوب يا اوختي.. أحنا هنعمل ايه بعقلهم؟ والله ولا له اي تلاتين لازمة.. 

لما يستطيعا كتم ضحكتهما لدعابتها اللطيفة حقا، ثم توجهت بسمة لشقيقها هاتفة بحنان: بس تعرفي من احلى مننا كلنا انهاردة؟ ياسو اخويا.. 

جثت سلوى علي ركبتيها وقالت وهي تقبله: ده هو نجم الحفلة والراجل اللي هيحمينا ويوصلنا لقاعة المسجد.. 


+



تساءلت: صحيح يا بنات.. مين هايجي ياخدنا؟ ماهو مش معقول بأناقتنا الفتاكة دي نروح للفاعة بتوكتوك.. اقسم بالله برستيجنا يدمر ونتفضح وسط البشر..


+



حنين:  لا ماتقلقيش، باشمهندس عابد جاي هو وزمزم مراته يوصلونا، زمزم اتصلت عليها وقتلتلها كده.. 

_ أيوة كده طمنتيني..طب هروح اعمل تليفون سريع وارجعلكم.. 

____________


+




        

          


                

في بناية عبد الرحمن صدحت زغروطة عالية من فم تلك الجارة الطيبة وهي تقول بعفوية حين بصرته يهبط السلم مع أسرته:  صلاة النبي والله أكبر عليك يا عبده.. ايه الحلاوة دي كلها..الله أكبر ويحميك من العين، الحمد لله إن عشت لحد ما شوفتك عريس يا ضنايا.. ثم دمعت عيناها بتأثر تلقائي: ده انا لسه فاكراك وانت عيل بتجري وتخطف السفندي من حجري وتلعب حوالينا أنا وامك.. 


+



مال عليه شقيقه الأصغر ساخرا:  خالتي ام سحر مش هتنسى الموضوع ده ابدا يا معلم

عبد الرحمن هامسا: المشكلة إني مش فاكر اني كنت بخطف حاجة وربنا.. 

واصل شقيقه مازحا:  أثبت بقي ياكبير انك بريء من خطف سفندي جارتنا..معاك ربنا


+



_وطي يا واد ياعبده اما ابوسك. 


+



قاطعتهما السيدة وهي تدعوه بقامتها القصيرة المكتنزة لتقبله وتعانقه وتبارك له بحنية حقيقية لا تدعيها، فقالت والدته شكرا لحفاوتها: تسلمي يا ام سحر، ما هو ابنك ياحبيبتي وليكي فيه زي ما لينا، وعقبال ماتفرحي بولادك..وواصلت تؤكد عليها: بقولك ايه اوعي ماتجيش و تجيبي العيال والله ازعل منك.. 

_ ما اجيش ازاي ده ابني يا ام عبد الرحمن..روحوا انتم وانا هغديهم واجي مع الحج.. 

والده: منتظرينكم يا ست الكل انتي والحج بإذن الله.. 

_________________


+



_ يعني مش هتقدو تيحضر كتب كتاب ياسين يا عاصم؟

_ والله يا أدهم ما فاضي..وبعدين اللي فهمته ان الموضوع على الضيق عشان ظروف البنتين والخداد اللي كانو فيه..في الفرح الكبير إن شاء الله هكون أول الموجودين.. والبركة فيك انت ومحمد تكونوا مع ناجي.. عارف انكم مش هتقصروا.. وانا علي كل حال كلمته وباركتله ماتقلقش..وواصل بتأكيد: بس اوعي تنسى اللي قولتلك عليه يا أدهم..

_ طول عمرك صاحب واجب يا اخويا..هديتك هتوصل لبسمة وحنين متخافش.. 

_ ربنا يتمم بخير.. عقبال ما نفرح بدخلة يزيد وجوري

_ في حياتك يارب.. 

__________


+



داخل تلك القاعة البسيطة الملحقة بالمسجد، حضر المآذون وجلس وحوله ياسين ناجي ومحمد وأدهم.. ومن الاتجاه المقابل عبد الرحمن وجواره والده وعمه الأكبر وشقيقه ورجل وقور من رفاقه له مكانته وتقديره في العائلة..كما حضر رجلين من جيران والد بسمة القدامي فما أن علموا حتى جائوا يردوا بعضا من أفضال والدها كما تتطلب أصول العشرة المعهودة بين أبناء تلك الطبقة.. وعلى صف المقاعد الجانبي جلست بقية عائلة ياسين وعبد الرحمن وأخرين يلتقطون الصور بفرحة ويتابعون مراسم عقد القران التي بدأت بالعروس الأكبر وتساؤل المآذون: 

_ مين وكيل العروس؟

_أنا.. 


+



نظر جميعهم لأدهم، فدمعت عين بسمة شكرا للفتته التي لها صداها في نفسها ولمعت عين ياسين بامتنان جارف لقيمة مبادرته بالنسبة لعروسه..وتم عقد قرانهما لينتقل المآذون بعقد عبد الرحمن وحنين.. وبتكرار سؤاله عن وكيلها، جاء دور ناجي قبل الجميع ليصيح:

_ أنا وكيل حنين ان شاء الله..

ربت علي كتفه والد العريس ومنحه عبد الرحمن نظرة تقدير جمة لموقفه الطيب وأثره في نفس عروسه هو الأخر..ولأول مرة يختلط بمجتمع يُعد ثريًا لكن لا يفتقد عاداته وطيب أصله دون تكبر..عائلة ياسين تستحق كل احترامه واعجابه.. 


+




        

          


                

وأخيرًا أُعلن العرسان أزواجا علي سنة الله ورسوله..


+



بتلقائية ودون ترتيب جاء رد فعل عاطفي ومباغت من بسمة تجاه شقيقتها وهي تستدير متلقفة إياها بعناق جارف وهي تهمس لها باكية:  مبروك ياحنة..ماما وبابا كانوا هيفرحوا بيكي اوي في يوم زي ده.. المفعوصة بنتهم الصغيرة كبرت وبقيت عروسة جميلة..مبروك.. 


+



ثارت دموع الأخرى وهي تهمس ببكاء مماثل وهي تعانقها بشدة: وانتي كمان مبروك يابسمة..ماما وبابا كانوا بيحلفوا انهم هيرقصوا في فرحك لحد الصبح..ولولا الظروف كنت عملتها أنا بدالهم..أنا فرحتي بيكي انهاردة اكتر من فرحتي بنفسي..


+



تكثفت الدموع في أحداق الحاضرين وهما يتابعون بتأثر التحام الشقيقتان وهمساتهما التي وصلت لأذانهم فازدادو تأثرا وزرفا للدموع لأجلهما، ثم تبادل ياسين وعبد الرحمن إيماءت وإشارات بصرية ما..أعقبها كلا منهما بانتشال عروسه من أحضان الأخرى..ليحظى كل عريس مع زوجته بأول عناق على مرآى الحضور جميعًا، لقد غدوا لهما منذ اللحظة جدار الأمان وحصنهما المنيع..ليكتمل بكاء بسمة وحنين كل واحدة على صدر زوجها، فالتهبت بتفاعل كفوف الحاضرين بالتصفيق الصاخب والأفواه بالزغاريط وعيونهم مازالت تزرف العبرات تأثرا بما يشاهدون.. وبعد وقت ابتعد عبد الرحمن عن زوجته ثم لثم جبهتها، وكذلك فعل ياسين.. لتتقاذقهم ايادي البقية أخذين دورهم بعناق وتهنئة حارة من القلب لهم.. 


+



وقفت بعيدا تتابع ما يحدث ودموعها لا تتوقف..تشفق على الأختين من شعور انهما وحدهما وكلا منهما تؤازر الأخرى بعاطفة قوية أثارت أعجابها في الوقت ذاته.. كأن كلا منها أصبحت أما لشقيقتها.. ثم تأثرت بعناق ياسين لبسمة وعبد الرحمن لزوجته حنين.. وحادت ببصرها لزاوية أخرى ورآت عطر جوار يزيد وأناملهما متعانقة بحب وكذلك زمزم وعابد الذي يحمل مهند وباليد الأخرى يحاوط خصر زوجته بتملك حاني.. تنهدت وأغمضت عينيها وتمنت لو كان معها عامر الآن..عاطفتها عطشى لدفئه تلك اللحظة بشكل غريب.. فكرت قبلا أن تدعوه ثم تراجعت.. فمنذ انا تحدثا بأخر مكالمة ليليلة بعد عمله وغفى وهو يحدثها وسمعت صوت انتظام أنفاسه وأدركت سقوطه في النوم رغما عنه..وهي تعاهدت ألا تُثقل عليه ثانيا بلوم على قلة أحاديثه وزياراته..هو يشقى لأجلها ويجب ان تتحمل معه وتقدر هذا بنضج كافي.. 


+



انتفضت بشدة وهي تشعر بذراع تجذب جانب خصرها بتملك..فتحت عينيها لتُصدم بمن كان يحتل خيالها في التو

يقف بالقرب منها ينظر لها بترقب مبتسما.. وهي گ البلهاء تفتح فمها بذهول وعينيها متسعة ولا تصدق انه غادر حيز أفكارها وتجسد لها في الواقع بشحمه ولحمه.. لا ..ربما تهذي وتتخيله بسبب تخيلاتها؟..بهذا الظن مدت يدها بحرص تلمس وجهه ليقشعر "بدنها" بعد أن تيقنت من حقيقته.. عامر هنا حقًا ولا تهذي.. أي تواصل هذا بينهما ليلبي حبيبها نداء تردد بين جدران عقلها في الخفاء؟ كيف علم انها كانت تحتاجه الآن؟ 


+




        

          


                

أما هو فكان يحمد الله بضميره انه أعد لها هذه المفاجأة بعد أن علم من يزيد بقدومه لحفل ياسين..وتردد في ذهنه جملتها وهي تقول له ذات مرة " نفسي احس اني مخطوبة زي البنات وتزورني دايما واحس بوجودك حواليا"..هذا غير خجله حين غفي وهو يحدثها أخر مرة،  فشعر تجاهها بتقصير كبير، هي فتاة ومن حقها تتدلل من حبيبها وتجمع معه ذكرايات بفترة هامة من حياتهما سويا گ تلك الفترة.. لذا أبلغ شقيقها انه سيأتي يوم الاحتفال ويغادر في الليل وألا يخبر جوري لتكون مفاجأة لها.. لكن يزيد كان له رآي أخر بأن يبيت معهم ويغادروا جميعهم للقاهرة في الصباح.. وتكون فرصة ليخطف معها سهرة ممتعة في بيت والديها..ولأنه أصبح معتادا عليهم عكس السابق فلم يمانع اقتراح يزيد.. وأبلغ والديه بسفره المنصورة والمبيت عند أهل خطيبته لليوم التالي! 


+



_ عامر.. 


+



تحدثت أخيرا ومازالت تحت سطوة الذهول لحضوره فغمغم لها بصوت دافيء غامرها بنظرة محبة:  قلب عامر.. ايه رأيك في المفاجأة دي؟


+



لم تستطع الرد ونكست رأسها دامعه بفرحة والمفاجأة تلجم لسانها..كيف تصف فرحتها بوجوده الآن؟!


+



واصل: كنت متفق مع يزيد وقولتله ما يعرفكيش اني جاي.. وخدي التقيلة بقي.. أنا كنت هرجع القاهرة بالليل بس اخوكي صمم اني ابات معاكم على أساس انه الصبح هيرجع بيكي انتي وعطر القاهرة عشان تبدؤا تجهيز عش الزوجية..يعني انا هاخد كل السهرة معاكي انهاردة، إيه رأيك؟ مبسوطة؟؟


+



ضحكت بدموع وهي تهتف: مبسوطة بس؟ ده أنا خايفة اكون بحلم..  ربنا يخليك ليا ياعامر.. ماتتصورش كنت محتاجالك قد ايه وفكرت فيك واتمنيت تكون هنا..بجد أنا مش هنسى المفاجأة دي ابدا ولا هنسى اليوم ده.. 


+



قبل كفها هامسا:  وانا أي لحظة معاكي مش بنساها.. بتتخزن في عقلي وقلبي وتصبرني على بعدك.. 


+



" نلم نفسنا بقي ونهدى شوية بدال ما ارجعك القاهرة تاني"


+



رفعت عيناها سريعا ليزيد الذي وقف يشاكسهما فاقتربت وتعلقت به وهي تقول بامتنان:  حبيبي يا آبيه ربنا مايحرمني منك يا أحسن اخ في العالم كله.. 


+



ربت على ظهرها بحنان:  ولا منك يا روح اخوكي.. أنا كلبشته ومش هخليه يرجع القاهرة غير الصبح..عشان ننبسط ونسهر كلنا سهرة حلوة..


+



_ طب وسع بس عشان الدنيا حر.. 


+



قالها عامر وهو يجذبها من بين ذراعي شقيقها، فضحكت وانضمت لهما عطر قائلة:  استعدوا ياجماعة عشان راجعين فيلتنا هنكمل الاحتفال هناك.. 

واستطردت متداركة أمرها انها لم ترحب بعامر:  سوري يا عامر ما سلمتش عليك.. نورتنا انهاردة وكدة لمتنا كملت، عشان القصيرة دي تفرح.. 

جوري: احترمي نفسك، قصيرة في عينك.. 

عامر: ده نورك يا باشمهندسة.. بس خطيبتي مش قصيرة لو سمحتي دي عصفورة وكيوت.. 


+




        

          


                

أشارت لها جوري بلسانها لتكيدها..فقالت عطر:  ماشي ماشي.. ربنا يهنيك بالعصفورة يا سيدي، يلا بقى ياجوحو نروح لبسمة وحنين عشان نكون حواليهم..أحسن يعيطوا تاني دول قطعوا قلبي.. 

_ والله وانا بكيت عشانهم.. بس انا ههيصهم اما نروح الفيلا..هيفرحوا يعني هيفرحوا.. وكمان عابد اخويا عاملهم مفاجأة تجنن. 

عطر بفضول:  ايه هي؟

_ مش هقولك طبعا

____________


+



أشار له أن ينضم معه جانبا ليحدثه بأمر، ثم قال: 

_ بقولك ايه يا ياسين، انا عازمك انهاردة انت وبسمة على سهرة حلوة في باخرة نيلية، حجزت ترابيزتين لينا عشان نحتفل مع البنات هناك لوحدنا..جاهز؟


+



_ واللهرك ياعبده أنا معنديش أي مانع بس في مشكلة. 

_ ايه هي؟

_ ماما وخالتوا كريمة اصلا محضرين احتفال متواضع لينا في فيلتنا عشان يفرحوا بينا..حتي بابا واقف هناك بيبلغ والدك بالعزومة.. مش هيسمح حد في عيلتك يمشي.. الاحتفال لينا كلنا.. 


+



_ طب والحجز اللي حجزته يا ياسين؟ كده هيررح عليا وكمان الافضل كنا نبقي لوحدنا.. انا عملت ده مفاجأة للبنات نفسهم عشان ابسطهم وقلت انت مش هتمانع..


+



وضع ياسين يده في خاصرته يفكر في حل لهذا المأزق..لا يريد ان يغضب أحدا.. والدته وخالته وعابد أعدوا لهم احتفال خاص.. وعبد الرحمن من حقه أن يهاديه بتلك السهرة حتى لا يشعر بفرق بينهما.. ماذا يفعل.. 


+



_ مالكم يا شباب واقفين تتوشوشو في ايه من الصبح.. المفروض نمشي دلوقت عشان نلحق نحتفل بيكم..


+



التفت ياسين لوالده وقال:  بصراحة في مشكلة يا بابا

_ مشكلة ايه خير؟؟؟

_ عبده عازمنا انا وبسمة معاه هو وحنين في سهرة نيلية وحجز خلاص.. وفي نفس الوقت ماما وخالتو حضروا احتفال لينا احنا الاربعة ولو مشينا هيزعلوا وتعبهم هيروح على الفاضي.. وانا مش عارف احلها ازاي.. 


+



صمت ناجي وقت قصير يفكر ثم قال: ولا يهمكم يا شباب، انا عندي الحل المناسب لكل الأطراف.. 

عبد الرحمن:  ايه هو يا عمي؟

_ من حسن الحظ احنا لسه داخلين على المغرب يعني الليل كله معانا..وعشان ام ياسين برضو تفرح بيكم ومايروحش تعب تحضيرها للاحتفال هدر وتزعل فعلا.. انت يا عبده هتيجي مع مراتك واهلك تقعدوا معانا ساعتين نحتفل ونفرح بيكم.. وبعدها تمشوا انتم الاربعة مع بعض وتبدؤا سهرتكم التانية اللي انت جهزتها.. ايه رأيكم في اقتراحي؟


+



نظر ياسين للأخر بترقب، وبعد برهة تفكير أومأ له عبد الرحمن قائلا بتوقير: مقدرش ارفضلك أمر يا عمي.. خلاص موافق.. وهعمل بس تليفون أأكد علي الحجز بعد ساعتين.. 


+



تنفس ياسين الصعداء لحصد اتفاق مناسب أرضى عبد الرحمن، بينما ربت ناجي علي كتف الأخير:  ربنا يريح قلبك يا ابني ويسعدكم مع عرايسكم.. خلاص يلا بينا عشان ما نضيعش الوقت.. 

__________________


+



تقديرا لظروف بسمة وحنين ووفاة أبويهما القريبة لم يتخلل حفل استقبالهم أغاني عاطفية صاخبة گ المعتاد..بل أعد لهما "عابد" مسبقا فيديو بصور متنوعة تشمل الشقيقتان مع عرسانهما على أغنية بايقاع هاديء نوعا ما تناسب هذا الحدث.. وبمجرد عبور ثنائي العروسين من بوابة الفيلا صدحت الأغنية من شاشة العرض الكبيرة قرب البوابة والكلمات تشرح ببراعه مدهشة شعورهما تلك اللحظة..دمعت عين بسمة وحنين وتمسكت كلا منهما بكف الصغير ياسين بينهما والكلمات تعزف لحنها البسيط الساحر على دقات القلب.. 


+




        

          


                

هى حبت هو داب

بس خبط يومها باب


+



قال ساعتها انا مش هسيبك

الا لما اكتب كتاب


+



قال يا رب اجمعني بيها

ربي انت معاك قلوبنا

وانت عالم باللي فيها


+



زي ما اهديت خديجة للنبي

اهديني ليها


+



كم سنة والحمل زاد

هو كمل وبعناد


+



مش هسيبك مش هسيبك

حتى لو لفيت بلاد


+



هى قالت صعب تقدر

قال دا ربي اكيد معايا


+



خايفة جدا لو تسيبني

كنت سيبتك من البداية


+



غمضي ارجوكي لحظة

غمضت والقلب داب


+



كل دقه منه خايفه

تنتهي القصة بغياب


+



فتحي عنيكي الجميلة

فتحت شافت ايديها

لابسه دبله وحاجه فيها كان جواب


+



الخميس اللي جاي جايلك

اجهزي كتب الكتاب. 


+



مع كل جملة كان ياسين يداعب أناملها الراقدة بكفه بحنان..قلبه يشدو لها بحب مع نظرته إليها

وعين بسمته تبكي واستشعرت صدى شدوه في قلبها

تبكي فرحتها..

تبكي حمدا لله..

تبكي شوقا لوالديها

تبكي فرحتها بشقيقتها حنين..

تبكي فرحا بالقلوب التي التفت حولهما

تشارك فرحة اليتيمتان.. 

تبكي كثير من المشاعر التي تأججت داخلها..

فجفف لها دموعها وهمس في أذنها ببعض كلمات الأغنية بلحن  لمس روحها: 


+



" مش هسيبك مش هسيبك

حتى لو لفيت بلاد..! "


+



لتبتسم له ومقلتيها تفيض عليه بحب وتقدير بما في القلب..فلم يعد من حقها كتم مشاعرها عن هذا الأمير الذي أقتحم حياتها وطلاها بكل ألوان الربيع فامتلأت حديقة الروح منه بكل جميل ونادر..

……… ..


+



انتهت الأغنية وبدأت التهاني وعابد يعانق ابن خالته بود: 

_ ألف مبروك يا سينو.. ربنا يسعدك ياحبيبي.. ثم واصل تهنئته للأخرى: مبروك يابسمة.. بقيتي من عيلتنا رسمي فهمي نظمي..وعلي فكرة انا من اللحظة دي اخوكي الكبير.. لو الكائن ده داسلك على طرف عرفيني وهظبطه.. 


+



ابتسمت لمزحته، فصاح ياسين: ياعم روح ظبط نفسك الأول..حتي لو زعلتها هتشتكيلي انا نفسي انت مالكش فيه .

عابد: تشتكيلك انت؟ ليه طالع في الفيلم بمنظرين؟


+



ضحكت جوري التي تتابع مزاحهما قائلة:  ياسين استنساخ استايل

_ حتى القصيرين كمان بقى ليهم لسان؟ 

عامر متدخلا:  لا كده هتزعلني منك يا عم ياسين وهعمل معاك الجلاش قدام مراتك..خطيبتي مش قصيرة دي كيوت وعجباني كده

جوري: أصيل ياعموري.. هتديك حتة جاتوة زيادة 


+



تدخلت فدوى بين مزاحهم قائلة: طب وسعوا بقي خلو العرايس تقعد مكانها وبعدين كملوا هزار.. 


+



وقادتهم هي وكريمة للمقاعد الأنيقة في وسط الحديقة ليجلسان.. وبعد أن استقروا وهدأت المباركات.. أشار ياسين لعابد إشارة ما.. صاح الأخير علي عُقبها: 

_ ياجماعة..دلوقت جه معاد تقديم هدية كل عريس لعروسته.. سمعوني تصقيفة جامدة وشجعوهم بضميرة.. 


+




        

          


                

صدح تصفيق الجميع بصوت مرتفع وسط دهشة بسمة وحنين.. وخاصتا الثانية التي جلب لها عبد الرحمن شبكة ذهبية مسبقا..توترت أن "يُحرج" زوجها من شيء.. لكنها ذُهلت وهي تراه يكشف عن علبة قطيفة حمراء.. فنقلت بصرها بينه وبين العلبة وشهقت وهي تراه يلتقط أسوارة ذهبية شديدة الرقة.. من أين ابتاعها وهي تعرف الحال وكيف يلصم نفسه ليكمل أساسيات توضيب  شقتهما؟


+



أحاط معصمها بأسوارته وهو يهمس:  مبروك ياحنة.. عجبك ذوقي يا حبيبتي؟


+



هتفت بتلقائية: انت ليه كلفت نفسك ياعبد الرحمن؟.. منا عارفة البير وغطاه وانت أصلا جبتلي شبكة قبل كده.. 

ابتسم لها بحنان: ورغم كده حبيت افرحك ياحنين.. ماتقلقيش دي قرشها جه لوحده كده من عند ربنا.. ماتحمليش هم كله هيتيسر.. المهم دلوقت انك فرحانة وعجبتك.. 


+



ابتسمت له والفرحة تنضح من عينيها ثم بعفوية حادت بجسدها لبسمة وهي ترفع يدها وتشير قائلة:  شوفتي عبده جابلي ايه يا بسمة؟

شاركتها الفرحة بإعجاب:  الله شكلها تحفة علي ايدك..مبروك عليكي ياحبيبتي.. 

صدحت صافرات الشباب اعجابا بهدية عبد الرحمن الذي راح يتلقى عناق والديه وشقيقته وشقيقه، وجاء دور ياسين ليبرز هديته.. لتتسمر حدقتي بسمة وهي تراه يفتح علبة صغيرة تحوي هاتم ودبلة ألماظ.. نظرت له لتجده يترقب رد فعلها بهدوء مبتسما، فهتفت بخفوت مبهورة:  ألماظ؟ ده كتير اوي يا ياسين.. 

_ مافيش حاجة تكتر عليكي

ثم بدأ بوضع هديته في أناملها والجميع يصفق لهما لكبحماس ثم اقتربت والدته لتضمه وهي تهنئه بحراره وتبكي وكذلك كريمة لينال بسمة وشقيقتها نفس العناق الحاني وكلمات المباركة الصادقة.. 


+



انقضى وقت الاحتفال في فيلا ناجي وحان وقت مغادرتهم ليبدأ أربعتهم سهرة عبد الرحمن.. 

_ سيبي ياسين معانا يابسمة، هلاعبه مع مهند.. 

قالتها بعد أن رأتها تقبض على يد الصغير ليذهب معهم، فقالت:  لا يا زمزم مافيش داعي انا هاخده معانا عادي.. 

تدخلت عبير:  ياحبيبتي سيبيه معانا ومتخافيش واتبسطي انتي واختك مع عرسانكم.. ولما تخلصوا سهرتكم.. ياسين هيعدي ياخدوا.. 

فدوى:  اسمعي الكلام يا بسمة كلنا قاعدين اهو وهناخد بالنا منه متخافيش.. ويلا بقي ماتضيعوش الوقت عشان تتبسطوا..  


+



لم يتدخل ياسين في الحديث خوفا ان تظنه لا يريد صحبة الصغير معهم وترك الأمر لوالدته.. وبعد تردد وافقت بسمة وغادر أربعتهم لأحتفالهم النيلي المميز كما أعده عبد الرحمن.. 

__________


+



تتنقل حوله گ الفراشة الرقيقة..عينيها تلمع گ النجوم سعادة لمكوثه الليلة معها ومشاركته سهرة عائلتها..أكتشف بها جوانب أخرى وهي تتعامل مع عائلتها.. كيف تمزح مع شقيقها عابد.. وكيف تشاكس والدتها التي تتظاهر بالغيرة منها.. ثم تدلل على أبيها وترقد بحرص علي قدمه..كما يلاطفها يزيد وتستفزها عطر لتقذفها جوري برد عفوي مضحك.. أما هو فلم تنسى ان تهتم له..وضعت امامه الكثير من الطعام اثناء وجبة العشاء.. وحذرته بغضبها عليه إن لم يأكل..منحته قطعة جاتوة لم يكن يشتهيها ولكي لا يخذل عطيتها ذاق منها القليل..وبعد وقت طلب منها أن يتمشى معها قليلا لهضم كل ما تناوله وهو غير جائع على الإطلاق..لكن فرحتها به يهون لأجلها وجع معدته التي تضخمت من الطعام.. 


+




        

          


                

_ مبسوطة اني فضلت معاكي

صاحت بتعبير طفولي محبب في وجهها: ده انا هتطير من الفرحة، لسه مش مصدقة المفاجأة اللي عملتهالي، اصلا فكرت كتير اطلب منك تيجي بس حسيت اني هضغط عليك وانت مشغول فسكت.. بس من جوايا اتمنيت تيجي.. 


+



ضغط أكثر على كفها الصغير بين راحته وقال:  معلش ياجوري انا عارف اني مقصر معاكي ومش بخرجك كتير ولا بنتقابل.. بس زي ما قولتي فعلا مشغول.. والحمد لله اني قدرت اعوضك بمفاجأة انهاردة وانبسطتي.. 


+



واستطرد بنبرة اكثر رقة:  وهانت يا ملاكي.. انتي وعطر هتنزلوا القاهرة معانا وتبدؤا في تجهيز عش الزوجية بتاعنا..واطمني انا مظبط الماديات مع يزيد..يعني اللي نفسك تعمليه في شقتنا اعمليه ولا يهمك.. 

_ شكرا ياحبيبي.. ربنا ما يحرمني منك ابدا..

_ ولا منك.. المهم تخلصوا بسرعة

_ ماتقلقش.. اساسا يزيد مكهرب عطر، لو اتأخرت بيهددها هيعمل الفرح والشقة ناقصة.. وبما اننا هنتجوز في يوم واحد فأكيد شقتنا هتخلص مع شقة اخويا.. 


+



واستأنفت بابتسامة رضا:  أنا فرحانة اوي يا عامر اني هسكن مع اخويا في نفس العمارة..ده مهون عليا زعلي اني هبعد عن ماما وبابا والمنصورة كلها

_ ومين قال هتبعدي؟ هنزورهم دايما وبشكل منتظم ماتقلقيش ياحبيبتي.. 


+



_ ان شاء الله.. بس عجبني اوي الاحتفال بتاع ياسين وبسمة..والله فرحتلهم اوي ياعامر.. مبسوطة ان قدرنا تفرح البنتين دول في غياب اهلهم

_ واضح انهم طيبين ويستحقوا ناس زيكم يا جوري..ربنا يسعدهم.. بس حسب ما فهمت ياسين هيتجوز قريب؟

_ ايوة لأن اختها حنين هتتجوز بسرعة وطبعا بسمة ماينفعش تعيش معاهم بعد كده..فلازم ياسين يتجوز في نفس التوقيت.. بصراحة ده افضل عشان البنات تستقر نفسيا وينسوا حزنهم أسرع.. 

_ فعلا عندك حق

_ طيب تيجي نرجع بقي؟ عشان تلحق تنام شوية وتكون مرتاح بكرة واحنا مسافرين 

_ خلاص ماشي يلا بينا.. 

________________


+



طرقت باب غرفتها قبل أن تدلف قائلة:  السلام عليكم يا طنط، إيلي قالت ان حضرتك عايزاني في حاجة قبل ما تنامي.. 

_ أيوة يا حبيبتي تعالي جمبي.. طمنيني عاملة ايه دلوقت؟ كنت شايفاكي تعبانة شوية اليومين اللي فاتوا.. 


+



تنحنحت قبل قولها: الحمد لله بخير يا طنط اطمني.. 

_ دايما بخير يا حبيبتي.. طيب قبل ما اتكلم عايزة اعرف انتي بتعتبريني زي مامتك ولا مجرد حماتك اللي دمها تقيل؟

شهقت باستنكار:  ياخبر ياطنط.. ازاي تقولي كده.. حضرتك زي ماما والله ومش بعتبرك حماتي وربنا يعلم بحبك قد ايه.. 


+



ابتسمت باطمئنان: خلاص يبقي اقدر انصحك براحتي من غير ما يكون في حساسية بنا..اسمعي يابتتي.. اتعودي دايما متقارنيش نفسك بحد..لأن كل واحد له ظروفه..واللي يحصل معاكي بسرعة ممكن مع غيرك يكون مختلف..كل واحد رزقه بيجي بمعاد.. لكن كل اللي عليكي انك تتعشمي خير في ربنا مهما اللي اتمنتيه اتأخر لأنك ماتعرفيش سبب التأخير ايه..اكيد الوقت اللي ربنا هيعطيكي فيه هيكون الافضل..وساعات بنتمنى حاجات بتكون شر لينا ومش عارفين.. يبقي الأفضل ايه؟ نرضى بكل اللي يجود به ربنا علينا ونكون واثقين انه هيجبر خاطرنا


+




        

          


                

أدركت بلقيس ما ترمي إليه وصمتت تستمع لها باهتمام: 

_ طبعا انتي فهمتي انا قصدي ايه.. طبيعي اي واحدة بتتجوز بتختزل كل أمانيها انها تكون أم..وانتي لسه بقالك شهور متجوزة.. ومش شرط تخلفي على طول زي غيرك وده مش معناه حاجة غير ان لسه ربك ما أمرش.. عايزاكي تهدي يابلقيس وماتفكريش في حاجة وتعيشي حياتك مع جوزك لأن بعد ما يكون عندك ولاد في حاجات كتير مش هتقدري تعمليها لأنك هتكوني مسؤلة وأم بإذن الله..  وصدقيني فجأة ربنا هيكرمك انتي بس صلي وادعي وتفائلي.. مش مطلوب منك اكتر من كده..فهمتيني يا بلي؟ 


+



أمسكت بلقيس كفها ولثمته باحترام ثم عانقتها قائلة:  فهمت يا طنط.. وربنا يخليكي ليا وتنصحيني دايما.. انا فعلا كنت مزوداها الفترة اللي فاتت.. بس اوعدك مش هضخم الموضوع كده تاني وهتعشم في الله خير انه يجبرني عشان افرحك انتي وظافر وأهلي كلهم.. 


+



ربتت على شعرها وصاحت: إن شاء الله ياحبيبتي..

واستطردت: طب انا شكلي فوقت ومش هنام..


+



صاخت بحماس: يبقي تنزلي تسهري معايا أنا وإيلي ياطنط.. زمزم لسه بعتالي فيديوهات حفلة كتب كتاب ياسين كلها وكنت لسه هشوفها انا وايلاف..هنظبط حبة فشار محترمين ونتفرج سوا.. 

_ هو كان انهاردة؟

_ أيوة

_ طب ليه ماروحتيش.. 

_ بصراحة محبتش اتقل على ظافر لأنه مشغول، وأصلا ياسين هيتجوز هنا قريب وكتب الكتاب ده احتفال على الضيق، تتعوض لما يعمل فدحه هنا..حتي بابا وماما قالوا كده.. 

_ وجهة نظر.. وربنا يتملله على خير.. 

وهبطت معها هدى بعد ان أفرغت نصائحها لزوجة أبنها، ودعت الله أن يسخر لابنتها من يدعمها حين تبتعد عنها وتتزوج.. 

______________


+



تابعها بترقب في مرآته الجانبية و سيارته مصطافة جوار سيارة يزيد أمامها، فوجدها تمر بينهما دون لحظة تردد أو تفكير واتجهت إليه محتلة المقعد جواره، لكن لما العجب؟.. ألم تصبح بكاملها تنتمي إليه هو؟! زهرة الجوري التي نبتت في قلبه وتشعبت حتى صارت تغزو كيانه وروحه..مكث ينظر لها بتأمل شارد جعلها تتسائل بدهشة:  ايه ياعامر واقف ليه؟ يلا اتحرك بالعربية. 


+



همس ومازال بتمعن بها: كنت فاكرك هتركبي مع يزيد في عربيته.

ابتسمت بجاذبية:  واسيبك؟؟ ثم شاكسته كعادتها:  ده بعدك ياعموري.. انت اتكلبشت فيا خلاص يا مسكين.. 

_ بحبك.. 

ابتسمت بسعادة لاعترافه المحبب ثم همست بفيض من مشاعرها لم تعد تخجل منه:  انا اللي بحبك اوي ياعامر.. ومش هنسى ابدا انك فرحتني بحضورك امبارح.. مش هنسي إن لحظة لما اشتاقتلك نديت عليك في قلبي.. لقيتك بتحاوطني بإيدك وحسيت بيا من غير ما اتكلم..


+



_ اوعدك يا جوري كل ماتحتاجيني هتلاقيني من غير ماتتكلمي، وصال قلوبنا مش هينقطع ابدا يا ملاكي..

ربتت على كفه:  ربنا مايحرمني منك ابدا.. يلا بقى اتحرك يزيد سبقنا هو وعطر.. 

أدار محرك سيارته بالفعل لتبدأ رحلة العودة للقاهرة..


+



تحدثت وهي تضع هاتفها في الحقيبة: اخوك خلاص فرحه الاسبوع الجاي؟

_ أيوة.. بالظبط بعد عشر أيام..وكده مش فاضل غيري عازب في البيت

_ هانت، يزيد قال ان شققنا متشطبة وفاضل بس الديكورات اللي عطر هتنفذها.. وبعدين نختار الغرف والمطبخ والحاجات دي.. انا اختارت موديلات حلوة اوي هوريهالك وتقولي رأيك.. 

_ انا مش فارق معايا المهم تعجبك انتي..(واستطرد) على فكرة انا عزمت في فرح اخويا يزيد وخطيبته واحمد وأمونة وطبعا ظافر وبلقيس.. 

_ تجمع ممتاز للكل.. ربنا يتممله بخير، بس تعرف انا تقريبا مش واخدة علي حد من عيلتك، هي بس اختك اللي بكلمها في التليفون.. لكن والدك ووالدتك واخوك حاسة بغربة في علاقتنا..ثم سألته بغتة:  هي مامتك بتحبني؟

ابتسم ولثم كفها:  ومين مايحبكيش يا جوجو

_ لا بجد ياعامر.. يعني هي بتقولك عني ايه؟

_ ماما شايفاكي مناسبة ليا وبنت ناس، وعارف ان علاقتكم فعلا لسه مش قوية لكن ده بسبب انك كنتي في محافظة تانية.. انما دلوقت هتتقابلوا كتير والدنيا هتتغير، ومتأكد انك هتاخدي قلبها زي ما اخدتي قلبي.. 

_ يسلملي قلبك ياعموري..خلاص هاخطف يوم انا وعطر نشتري حاجة نحضر بيها فرخ اخوك إن شاء الله .. 

_ لا انا اللي هشتريلك..في طقم شوفته وعجبني اوي هنشتريه سوا.. وهيليق علي اكسسوارات انا عملتهالك.. 

_ ماشي ياحبيبي..وعلي فكرة عايزاك لما نتجوز تعلمني الهاند ميد اللي بتعمله ده، انا حاباه جدا

_ من عيوني هعلمك كل حاجة..


+




        

          


                

جهزت له علبة عصير ووضعت بها " الشاليموه" وقدمتها له: طب يلا اشرب عصير معايا وشغل حاجة حلوة نسمعها.. 

_ ماشي يا برنسيسة. 

_____________


+



_ مبسوطة اوي، عشان اخويا ياسين.. فرحته امبارح وهو مع عروسته تساوي الدنيا كلها.. كنت فرحانة بيه اوي يايزيد اوي.. 

_ دايما يارب فرحانة يا فواحة.. بصراحة بسمة بنت حلال واختها وخطيبها شكلهم بيحبو بعض هما كمان.. الأجواء امبارح كانت جميلة فعلا..كل الناس كانت مبسوطة كأننا في موسم الحب. 


+



_ حلوة موسم الحب دي.. يمكن ده اقرب عنوان فعلا لحفلة امبارح..والفيديو اللي عمله عابد ليهم روووعة وانه يحط صور والدة ووالد بسمة وحنين في المقدمة دي لفتة في مكانها الصح.. ولا الاغنية يا يزيد تجنن.( واستأنفت بحماس) انت تعرف حكاية "المغيني"..هو وزوجته " نور" وكليباتهم؟


+



_ لا أنا اول مرة اسمعه في الكليب.. مالهم دول؟

شرعت تسرد ما لديها باستمتاع: 

هما أتنين حبو بعض واتجوزوا وماشاء الله خلفوا كمان.. المغيني من كتر ما حب مراته وراضي باللي ربنا قسمهوله.. قرر يوثق اللحظات الحلوة في حياتهم بكليبات بيغني كلماته بصوته وبدون موسيقي.. ولقطات الكليب بتكون من حياتهم فعلا.. صور فرحه وسط أصحابه ولما شافها بفستان الفرح.. بعد جوازهم وهزارهم علي البحر ورومانسيتهم وانبساطهم..ويوم ما عرف انها حامل.. ولحظات ولادتها في المشفى.. كل اللقطات دي عرضها وعمل عليها أغاني.. شباب كتير بتتابعهم وبتعتبرهم قدوة لأنهم بيشاركوا مواقف حقيقة في حياتهم، أنا بموت فيهم يا يزيد وبفضل اتخيل حياتنا زيهم كده..حياة هادية وسعيدة.. 


+



ثم نظرت إليه وهمست:  تفتكر هنكون كده بعد جوازنا أنا وانت؟ هتفضل تحبني ومبسوط معايا؟


+



لم يجيبها على الفور.. صف سيارته جانب الطريق ثم استدار بجسده إليها والتمعت عينه بألق عشق، بريقه نافس ضوء الشمس حولهما مغمغما لها بصوت حاني: 


+



أنا معرفش اللي اتكلمتي عنهم عايشين ازاي، وديزفعلا حياتهم طول الوقت أو لأ.. لكن بالنسبة ليا عارف كويس أنا بحبك قد ايه وناوي بكل طاقتي أسعدك، انتي بالنسبالي مش مجرد بنت هتجوزها.. لأ.. أنا كنت في فترة كبيرة من حياتي تايه وماشي سكة مش سكتي..وانتي كنتي قنديلي اللي حارب العتمة جوايا.. انتي فرحتي الحقيقية والنسمة اللي فاح عطرها في قلبي وملكت عقلي..انتي اللي عشت في حبها كل اتمنيته..حنيتك لهفتك غيرتك تملكك..أنا في وقت كنت فاقد الثقة اني ممكن اتحب من حد كده.. مش شايف فيا ميزة تخلي حد يحبني بشكل مختلف.. جيتي انتي وغيرتي نظرتي لنفسي لما شوفتيني بطريقتك خلتيني احب صورتي في عيونك ..انتي حبيبتي ومراتي اللي هحافظ عليها وهتفضلي ماستي الغالية.. أنا بحبك ياعطر وهبذل كل جهدي عشان تعيشي الحياة اللي تسعدك وترضيكي..


+



ثم مد أنامله ليجفف دموعها التي انهمرت متأثرة بمشاعره وطبع قبلة رقيقة على وجنتها وهي تنظر له غير مصدقة لما فاض به عليها..دائما ما كانت تظن انها تحبه أكثر.. ربما لأن عمر حبها كان بطول طفولتها وشبابها الذي تفتح عليه.. بطول عذابها وهو غارق بحب سواها وهي تراه وتتآلم.. بطول صبرها وأملها أن تحدث معجزة وتناله يوما.. ليجيء هو بلحظة گ تلك يصف لها مشاعره العظيمة ببساطة أذابتها وزلزلتها..الآن وجب عليها  إعادة حسابات القلب لتنصفه.. هي تعشقه.. 

لكنه صار يعشقها أكثر.. 

_________________


+




        

          


                

قدميها ثقيلة بثقل فاجعتها وهي تبصر ابنتها راقدة على فراش أبيض، تحوطها أنابيب رفيعة تمدها بالغذاء..والحروق التي شوهت جلد ذراعها وكتفها جلية بشكل مفزع لعين محبة مثلها، كادت تسقط بالفعل لولا ذراع رائد القوية تلقفتها وهو يهمس ضاخًا بكلماته في نفسها سيلا من القوة:  افتكري اللي قولته أرجوكي.. رودي المرة دي محتاجاكي بجد.. هتخزليها تاني وتسبيها لوحدها؟


+



اشتدت أناملها الضعيفة المجعدة متعلقة "بساعده" مستمدة منه قوة وعزم وهي تصلب عودها بقدر استطاعتها، مفتتة سحابة دموعها..تقر له بنظرة صامدة نبعت من داخلها: مش هسيبها تاني.. مش هخذلها.. بنتي هتصحى تلاقيني معاها..اللي جمعني بيها تاني هيقويني اتحمل اشوفها كده من غير ما انهار.. 


+



ربت على ظهرها بدعم حاني ثم تركها تتقدم تجاه فراش تيماء بمفردها وغادر مفسحا المجال للقاء سيكون  له ما بعده.. هكذا ينبئه حدسه..زوجته ليست غائبة عن الوعي كما تبدو.. هي تشعر بهم.. تراهم في حدود عالمها الوهمي..ويعرف كيف سيحطم أسواره لينتفض جسدها بالحياة من جديد وتعود بينهم وتواجهه الدنيا بشجاعة وتقبل لكل شيء.. 

………… ..


+



_ ينفع أنا كمان اشوف اختي ياعمو؟

رمقها بشفقة.. كيف يترك صغيرة مثلها تراها بهذا الشكل..لما يعرضها لموقف عصيب على طفولتها..؟

_ أوعدك ياضي لما تفوق هتشوفيها.. هي دلوقت في لسه في العناية للأسف والزيارة فيها محدودة.. وماما معاها دلوقت.. انتي خليكي بعدين.. 


+



وكأن فطرتها شعرت بخبايا نفسه فقالت:  متخافش عليا ياعمو انا مش صغيرة.. أنا هقدر اتحمل اشوفها من غير ما اعيط.. بس نفسي اقولها كلام مهم..عايزة اقولها اني بحبها اوي ونفسي ترجع بسرعة، معرفش هتسمعني ولا لأ.. بس حاسة انها هتسمعني..أرجوك ياعمو اديني فرصة اشوف اختي واكلمها.. 


+



نظر لها ولأول مرة ينتبه لخاطر ما..لما يفترض ان تأثير والدتها هو الأهم..لما لا تكن تلك الصغيرة مفتاح شفرة جديدة في نفس زوجته؟ ربما هي وسيلة فعالة أجثر مما يجب ويستهين بها ولا يدركها حق قدرها..فليدع لها مجالا هي الأخري.. تيماء تحتاج كل يدٍ حانية تربت على روحها وتعيد لها ثقتها بهذا العالم.. 


+



_ حاضر يا ضي..

……………

_ حقك عليا يا نور عيني.. سامحيني يابنتي.. سامحيني لأني فعلا فكرت في نفسي وبس زي ما ابوكي عمل ونسيناكي وسطينا.. جبناكي للدنيا وسبناكي لوحدتك وجوعك لحبنا حواليكي.. شوفتك بتبعدي ووقفت اتفرج وريحت ضميري وقلت انتي عايزة كدة خليكي براحتك.. قلت في نفسي اخواتك الصغيرين أولي برعايتي منك.. قلت عندك كل حاجة وبتدلعي..قلت مش ناقصك حاجة.. ماقدرتش افهم ان كان ناقصك اهم حاجة في الدنيا..كان ناقصك حضني الحنين وأمان ابوكي.. 


+



وازدادت وتيرة بكائها وهي تواصل جلد ذاتها بكلمات مرتجفة: 


+



_ ماكنتش اعرف ان الراجل اللي اتجوزته آذاكي وهو السبب اللي خلاكي تبعدي عني وانا غبية مافهمتش ولا حسيت بيكي.. سامحيني ياضنايا وارجعي لحضني.. ارجعي خليني اعوضك في اللي باقيلي من عمري.. ارجعي عشان اقولك ازاي كنت بحبك رغم تقصيري وبعدي.. ارجعي عشان احكيلك حكاية حلوة زي ما كنت بعمل وانتي صغيرة..( ثم جففت دموعها لترى محياها الشاحب وتحزن ثم واصلت بمرارة وهي تبتسم ابتسامة خارج نطاق العقل تلك اللحظة) فاكرة يا روح ماما الحواديت اللي كنت بحكيهالك زمان؟..

تحبي احكيلك حدوتة منهم؟

خلاص هحكيلك..أنا عارفة انك سامعاني.. 

وبدأت حكايتها وحروفها تتكسر بوجع وتقطر ندم: 

گ..كان.. يا مكان.. يا سعد.. يا.. إگ ..كرام.. ولا يحلى الكلام.. إلا بذكر النبي عليه.. الصلاة والسلام! 


+



وانفجرت في البكاء..!

ماذا تقص لها؟ 

حدوتة أمنا الغولة؟

هل تقص لها كيف استعادة الأم صغارها من سجن الغولة؟ 

أم حدوتة الدجاجة وصغارها والذئب؟

وكيف استعادت الأم أبنائها من عرينه! 

ما ستقصه لها سيدينها أكثر

هي لم تكن بشجاعة الأولى هذه ولا بذكاء الثانية

هي تركت ابنتها لذئاب الوحدة والحرمان يفترسانها

لم تحميها من الغول الذي أراد نيلها صغيرة

لم تحميها من شيء بل لامتها

أي أم هي؟

أي أم؟


+



"على" صوت نواحها المكتوم

وانكفأ رأسها جوار رأس تيماء الساكن..

ووجه الأخيرة مازال شاحب گ الموتى

لكن ماذا عن تلك الدمعة الزاحفة جانب عينيها؟

ماذا عن حركة أناملهم القصيرة گ طرفة عين؟

الموتى لا يبكون..ولا تتحرك أناملهم

فقط الأحياء تفعل.. 

وتيماء فعلتها.. 

ولم تدري تلك الباكية بشيء! 

_______________


+



السادس والخمسون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close