اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم دفنا عمر


 الفصل الرابع والاربعون

______________

الغضب نارا تبتلع رجاحة التفكير.. 

والشك بعد نعيم الثقة هو الجحيم

والخطيئة بعد الطُهر ذنب دميم! 

والظن بغير بينةٍ هو أثم كبير!

…… 

اكتفى بمكالمته مع عامر وقرر غلق حسابه ليستعد للصلاة، لكن قبل أن يغادر صفحة الرسائل، أشار بريده لرسالة من حساب يحمل أسم " الشيطان"..لا يعرف لما انقبض من هذا الاسم خاصتًا مع صورته القبيحة التي يضعها.. قرر عدم فتحها وتجاهلها وغلق حسابه، لكن  أول جملة لمحها من الخارج اشعلت فضوله وهو يقرأ ( هتندم لو مافتحتش رسالتي خصوصا إن… ) 


+



إن أيه؟؟؟

وهندم على ايه؟؟؟

اشتعل فضوله وقرر فتح الرسالة! 

وليته ما فعل، لكنه فعلها..! 

ضغط علي الرسالة ليروي فضوله ومع كل كلمة يقرأها عروقه تنفر.. ملامحه تتغير.. تقسوا.. تتوعد! 

حدائق عيناه تشتعل بنظرة مخيفة كلما انقشع الستار وتجلت الخفايا التي لم يكن يعلمها..! 


+



( هتندم لو مافتحتش رسالتي خصوصا إن الموضوع يخص زوجتك المصون.. زوجتك اللي ضحكت عليك ياشيف ياعظيم ولبستك سوري " البرنيطة" وانت طبعا فاكرها كانت عذراء وبريئة وقطة مغمضة.. أحب اقولك انها ماطلعتش سليمة من الحادث اللي حصلها..وانها سلمت نفسها برغبتها لرائد صاحبي لأنها كانت بتحبه قبلك، وراحت يومها مخصوص تقابله في عيد ميلاد صاحبتها في فيلا معزولة في طريق المنصورة الجديدة من غير ما تعرف اهلها بمكانها، كدبت وقالتلهم ان الحفلة في نادي جمب الجامعة.. ولما اكتشفت انه جاب اصحابه عشان يحفلوا عليها  وإنها بالنسباله مش اكتر من بنت خد مراده منها وهيسلمها لاصحابه حاولت تهرب ليلتها، ولو هتكدبني وتقول انك جربت ولقيتها عذراء وانك اول واحد.. احب اقولك دلوقتي في عمليات بترجع اي واحدة بنت زي ما كانت.. ولو لسه شاكك في كلامي..أسألها بنفسك عن حبيب القلب اللي اسمه رائد وشوف رد فعلها هيكون ايه.. ركز كويس في ارتباكها وانت هتتأكد من كلامي وانها مخبية عليك الحقيقة.. اهلها نفسهم مايعرفوش قذارة بنتهم.. ماهي اللي تروح فيلا معزولة تقابل حبيبها بحجة ان صاحبتها موجودة..ماتبقاش بريئة وعارفة اللي هحصل وموافقة..اديني عرفتك الحقيقة لو فضلت مغفل يبقي انت اللي اختارت تكون كدة)


+



عظام قبضته تكاد تتفتت وهو يضمها بقوة وعيناه تحولت لجمرة حمراء ومن شدة الغضب.. من هذا رائد؟ .. هل ذهبت هناك لتقابله بتلك المنطقة المعزولة وهي تعلم؟.. هل حقًا كان حبيبها وسلمت نفسها له وخدعته وحالتها النفسية ماهي إلا نوبة ندم وزهد في الحياة بعد تلك التجربة؟ 


+



شعر أن أنفاسه  تزفر خيوط دخان لاحتراق روحه..  غاب عنه المنطق وأصيب بحالة من التشتت والشكك يطرق مطارقه بكل زوايا عقله، ذهب ووقف قرب فراشها وراح يطالعها وقبضتاه مازالت مضمومة بقوة گأنه سينهال عليها بسيل من اللكمات والصفعات.. هل هذا الوجة الجميل الهادىء النائم بسلام على فراشه والروح البريئة الخجول التي لمسها حين امتزج جسده وروحه معها تكذب؟ تخدع؟

قلبه يكذبه.. وعقله يؤيد بقوة..!

الحرب داخله تزداد شراسة، يشعر أنه يتمزق بينهما

ماذا يفعل الآن؟


+





                

(( الله أكبر ..الله أكبر ..أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله..))


+



صدح الآذان من تطبيق هاتفه كأنه رحمة آتته من ربه تذكره انه لا يجب أن يتسرع وعليه أن يهدأ بأي وسيلة، فالغضب أعمى يدمر دون تميز لصوت عقل أو منطق أو ضمير، مسح على وجهه مستعيذا من الشيطان وقرر أن يذهب ليتوضأ عل مياة الوضوء والصلاة بين يدي الله  يُخمدان نيرانه ليتصرف بحكمة قبل أن يخسر كل شيء في لحظة تهور..!

___________________


+



فَعل خاصية غلق حسابه حتى لا ينبش ورائه ظافر ويعلم هويته بعد أن بث سمومه في رسالته التي بعثها فور أن رآه نشر شكرا على صفحته لمتابعيه ، فاستغل الفرصة ونفذ ماخطط له منذ فترة..أرسل له ما يحرم عليه النوم وراحة البال.. لن يتركه يهنأ مع ست الحسن..ربما فقد أعصابه وانهال عليها ضربًا أو صب عليها احتقارًا أوغضبًا وسبابًا..حتما رسالته ستحدث شرخًا بينهما ويصل لمبتغاه..مؤگد يفكر بطلاقها الآن وطردها من حياته، وحتى لو خالف توقعاته ولم يصدقه.. يكفي انه زرع بذرة شك ستترعرع بينهما گ حقول خبيثة كلما حاول اجتثاثها نبت غيرها.. هو خليفة شيطان رجيم وسوس له كي يفسد عليه دنياه وأخرته..

هذا عدله المائل لما يترك الأخرين  هانئين بينما هو يتلظى على جمر البؤس والوحدة والوحل وفراشه مدنس كل ليلة بالغانيات.. لا عائلة يلجأ إليها وقد أبصر الحياة ولا يعلم سوى أن أبويه توفوا وانتقل لكنف العم الذي توفي هو الأخر تاركا له ميراث كبير كونه لم يتزوج فصار وريثه الوحيد..! 


+



جلس يدندن وهو يحضر لفافة ملغمة بسموم أقل تأثيرا من سموم  عقله وروحه السوداء، لفافة تمنحه نشوى كاذبة محتفلًا بما أنجزه الليلة بعد أن دق أول مسمار في نعش سعادة بلقيس واستقرارها..! 

____________________


2



حنى رأسه تحت صنبور المياة حتى غمرته وتسربت لملابسه دون أن يبالي.. متلمسًا من برودتها أن تطفىء لهيب روحه وتوقف أفكاره التي لو انصاع لشيطانها لدمر كل شيء.. وأخيرا أكمل وضوءه واندمج في صلاته وطال سجوده.. طال كثيرا وهو يطلب العون من الله وأن يرزقه الحكمة والصبر وألا يكون ظالمًا ولا ينجرف لغضبه بعد ما قرأ وعلم.. سيستدرجها لتتحدث ليعلم ماذا ستقوله وماذا ستخفيه عنه..هي في اختبار ويتمنى ألا ترسب فيه وتخذله! 

………… . 


+



لم تطاوعه أنامله لتقسوا عليها ورغمًا عنه جاءت ربتته على ظهرها حانيه وهو يحاول ايقاظها..لكن نظرته كانت باردة گ الثلج..نظرة لم تراها بلقيس وهي تتململ مشرعة جفنيها تطالعه مبتسمة مع همستها الرقيقة: انت صحيت يا حبيبي، هو الساعة كام؟

_ الفجر لسه مآذن! 


+



ردت دون أن تلاحظ نبرته ونظرته الغريبة:  ياه.. طب ماصحتنيش ليه نصلي سوا.. أوعي تكون صليت لوحدك! 

تمتم ومازالت نظرته لها مبهمة: هصلي بيكي تاني! 

انهاردة بالذات لازم اصلي بيكي! 


+



ابتسمت له:  اشمعنى يعني.. أصلا كل يوم هنصلي سوا ان شاء الله.. ثم احتضنته هاتفة بدلال: مافيش احلى من إنك تكون إمامي كل يوم الصلاة!  

ثم رفعت وجهها تخبره بشيء:  على فكرة.. في عندي ليك هديك هتعجبك.. بس مش هقولها دلوقت.. لما نرجع من شهر العسل بتاعنا ونكون في بيتنا..! 


+




        


          


                

لم يهتم كثيرا ان يعلم..وكل تفكيره انصب في أمر وحيد.. هل في الاساس سيكملان معًا يوم أخر؟؟؟

___________________


1



انتهت صلاتهما فنزعت إسدالها وقالت: بما أننا فوقنا شوية تحب اعملك لقمة خفيفة معاها كوباية عصير؟

أومأ لها بالنفي وهو ينظر لها بصمت، فاستطردت:  طب ايه رأيك اعمل اتنين كابيتشينوا ونقعد شوية في البلكونة نتفرج على الشروق لحد ما ننام تاني؟ 


+



وافق بإيماءة اخرى ورحلت لتفعل فصار تجاه الشرفة  يراقب السماء بشرود وقرصها البرتقالي الهاديء يشق السماء على استحياء، والضوء يلقي خيوطه رويدًا طامسًا عباءة الليل خلفه..! 

…… ..

_ مالك ياظافر سرحان في ايه؟ وساكت مش بتتكلم معايا.. ثم حاوطت وجهه بكفيها وقالت: في حاجة مضايقاك ياحبيبي؟ 


+



جالت عيناه عليها بتريث وبرائتها التي تسكن عيناها جعلته يتسائل.. هل يمكن لمثلها أن تكون كما علم من رسالة الشيطان اللعين ذاك؟ قلبه مازال يدافع عنها ويرفض هدا الافتراء.. هو يثق بحبيبته وزوجته.. ويجب ان تأخذ فرصتها لتخبره بكل شيء..وحتما لن تخفي عنه امرا.. هذا رهانه عليها.. ولن يخسره! 


+



جذب كفها مع قوله: تعالي ندخل أودتنا عشان عايز اكلمك في حاجة! 


+



استسلمت لكفه وللمرة الأولى تلاحظ جموده ونبرته الغريبة منذ استيقاظها.. لم يبتسم.. لم يضمها ويقبلها ويبثها شوقه وحبه ولهفته گ عادته منذ أن أصبحت زوجته.. ماذا به؟


+



_ خير ياحبيبي، عايز تكلمني في ايه؟ أنا اصلا حاسة ان فيك حاجة متغيرة من وقت ماصحيت بس مش فاهماها..! 

تنهد وهو يجلس قُبالتها وقال: بلقيس.. أحنا دلوقت بقينا شخص واحد وماينفعش حد فينا يخبي عن التاني حاجة.. صحيح ماضينا كان ملك كل واحد  لوحده.. بس معرفته حق ليا زي ماهو حق ليكي تعرفي عني كل شيء.. صح ولا أنا بتكلم غلط؟


+



هزت رأسها بوجه مهموم خائف.. تخاف أن تفقد شيئا من حبه إن صارحته..ليته ما تحدث عن هذا.. لكن لا مفر.. الرغبة التي تسكن عيناه تخبرها أن هذا اليوم سيكون فاصل بينهما..لكن سؤال برق بذهنها بإلحاح، لما الآن بالتحديد؟ كانت تظن أنه سيطالبها بهذا بعد رجوعهما من شهر العسل، لما الآن! 


+



_ اشمعنى عايز تعرف دلوقت؟؟؟


+



صمت وهو يفكر.. هل في صالحه أن يُعلمها برسالة ذاك الشيطان؟ أم ينتظر لتحكي اولا ليرى ماذا ستكشف وما ستخفيه؟ وبعد صمت قصير أخذ قراره بقوله: عادي مافيش سبب معين،  وبما اننا فاضيبن ومش ورانا حاجة خلينا نتكلم..! 


+



لم يقنعها رده لكنها تغاضت وهي تقول: 

تحب ابتدي منين؟

_ زي ما انتي عايزة.. وانا مش هقاطع كلامك لحد ما تخلصي اللي عندك.. ثم أمسك كفها وهمس بطيف رجاء:  أرجوكي يابلقيس قوليلي كل حاجة من غير ما تخافي.. صراحتك هتفرق معايا فوق ماتتصوري"


+



رمقته بنظرة مطولة وكأنها تستمد من دفء عيناه شجاعتها وراحت تسترسل بصوت بدا أعمق وأكثر تأثيرًا تاركة الدفة لتلقائية البداية دون ترتيب! 


+




        

          


                

_ كنت طفلة جميلة مدللة من والدي والدتي.. وحبهم وخوفهم عليا زاد بعد ما حادث غرق اخواتي التؤام..كان حصارهم وقتها مش محسوس بالنسبالي لأني طفلة كفاية تلعب في الجنينة ولا مع ولاد عمها ولما تتعب من اللعب تنام.. بس لما كبرت.. ابتدت نظرتي للحياة تتغير ومتطلباتي تكبر.. حصارهم بقى زي حبل ملفوف على رقبتي، اتحرمت اكون حرة في تصرفاتي زي اي بنت.. كانوا بيعاملوني زي الطفلة رغم اني كبرت كفاية عشان يفهموا ده.. بس مافهموش.. وعشان يطمنوا عليا من منظورهم هما.. اجبروني بشكل غير مباشر اتخطب ليزيد! 


+



اتسعت عيناه بدهشة وهو يتلقي صدمته الأولى! 

_ يزيد كان خطيبك؟؟؟


+



هزت رأسها بهدوء هاتفة: أيوة ياظافر.. اتخطبنا فترة بس ماكملناش

_ والسبب؟

_ ماحبيتوش.. عمري ماحبيتوا ولا حسيت انه ممكن يكون زوجي..بالعكس كنت بحسه قيد جديد طول الوقت بحاول احطمه عشان اهرب! 


+



صمت لحظة وتقطيبة حاجبيه تزداد انعقادا:  

_ وهو؟ كان بيحبك؟؟؟


+



نكست رأسها لتأتيه الإجابة بصمتها.. كما توقع.. الآن استرجع نظرات يزيد الغريبة له في باديء الامر.. غضبه المكتوم.. حدته.. عدوانيته الغير مبررة تجاهه.. اذا يزيد كان يحمل لها مشاعر خاصة، وربما مازال! 


+



ترجمت أفكاره فهتفت بثقة وقوة:  يزيد دلوقت مابيحبش غير عطر.. انا كنت بالنسباله بنت العم اللي عيونه فتحت عليها.. زي حب بنت الجيران المراهق.. حب مش ناضج.. حب مبتور وعمره قصير..صدقني ياظافر النظرات اللي بشوفها في عيون يزيد لخطيبته دلوقت تخليني اقسم انه اصلا ماحبش غيرها.. هي حبه الحقيقي..هي الطريق اللي كان لازم يمشيه من الأول، انا كنت سراب وكذبة طفولة ووهم مراهقة ويمكن مجاملة لعمه اللي بيحبه..انا كنت اي حاجة غير الحب.. وانا عمري ماتطرقت لموضوع خطوبتنا عشان مايحصلش حساسية منك ناحيته.. احنا عيلة واحدة ومش عايزة يكون في بنا حواجز.. 

ثم منحته نظرة شديدة الحنان مع تأكيدها الهامس: أنت حبيبي الوحيد ياظافر.. ولا حبيت قبلك ولا هحب بعدك.. مصدقني ولا لأ؟؟؟


+



_ طب ورائد؟؟


+



تساؤل كاد يفصح به لكنه لم يغادر شفتيه.. لن يفسد فرصتها.. سيتركها تبوح بما لديها ويعطيها فرصتها كاملة، فقال: كملي، بعد كده حصل ايه؟


+



تجاهله الرد على سؤالها بشأن تصديقه من عدمه ازعجها، لكنها تخطت الأمر وهي تواصل:  طبعا وقتها كان بابا وماما زعلانين مني لما سبت يزيد وحسيت اكتر اني بقيت منبوذة من عيلتنا وانا بشوف نظرات اللوم في عين عمو أدهم وجوري، ونظرات الغضب من طنط كريمة.. ولأني اصلا كنت مش بندمج اوي معاهم، بعدت اكتر..وحسيت بالوحدة أكتر، وفي الوقت ده! 


+



صمتت تطالعه بترقب وخوف حقيقي في عينيها ذكره بما كان يسكن عيناهاوهي مريضة، وكأنها تفقد الأمان، فوجد نفسه دون أن يشعر يطمئنها بلمسة حانية من أنامله على وجنتها قائلا:  اتكلمي يابلقيس متخافيش.. الصراحة مهما كانت تخوف ممكن تكون هي سبيل النجاة الوحيد! 


+




        

          


                

تجرعت ريقها طاردة الخوف من داخلها وهي تواصل سردها ناكسة رأسها دون أن تنظر لعيناه:  في الوقت ده ظهرلي واحد عكس يزيد في كل حاجة.. وبما اني بنت معندهاش اي خبرة انجذبت لشخصيته غصب عني و… ( وبعد برهة صمت اخري همست وعيناها مغرورقة) أعجبت به واتهيئلي اني حبيته! 


+



حاولت أن ترفع عينيها لتستنبض تأثير ما قالت عليه، فخافت أن تفعل إلى أن جاء صوته باردة بسؤاله:

كان اسمه ايه؟؟؟ 

همست والكلمات تتكسر على شفتيها بلعثمة طفيفة: 

گ..گان.. كان اسمه رائد!  


+



أطرق رأسه يخفي انفعاله ويتمالك ذاته قليلا، ولمحة أمل تغزو قلبه.. هي لا تخفي عنه شيء.. هاهي تصارحه..وهذه بشرى مطمئنة..ويشعر أن القادم سيفتت بقايا هواجسه ، صراحتها هي قارب نجاتهما معا.. رفع وجهه إليها بعد أن هدأ انفعاله وقال: وبعدين.. كملي ومش عايزك تخبي اي حاجة مهما كانت! 

واصلت سردها وهي تنوي مصارحته دون حجب شيئ، الكذب ذنب كبير بعد تحذيره لها الا تخبيء عنه امرًا..!


+



_ مشاعري كانت ساذجة وجديدة عليا.. فرحت ان لأول مرة ليا سر يخصني، خبيته عن الكل، حتي ماما والبنت اللي افتكرتها صاحبتي واقرب واحدة ليا.. طبعا أنا كنت بشوفه عادي في الجامعة، وبكلمه في التليفون، وكنت مبسوطة بشعور التمرد علي القوانين اللي في حياتي وان عندي أسراري، المهم وعدني انه هيتقدملي وانا فرحت وصدقته..واخر يوم في الجامعة صاحبتي قالتلي انها هتسافر لوالدها السعودية وهتعيش هناك، وانها هتعمل عيد ميلادها في فيلا باباها في طريق المنصورة الجديد..وهتعزم كل أصحاب الجامعة وانا من أهمهم، طبعا كنت متأكدة ان مستحيل بابا وماما يوافقوا اروح لوحدي مكان هادي كده وفيه بحر وهما عندهم عقدة بسبب غرق اخواتي.. للأسف رضخت لفكرة تيماء اني اكدب عليهم ان العيد ميلاد في نادي واني هغيب اليوم كله لحد بالليل عشان اتبسط معاهم وزيهم.. وزي ما توقعت رفضوا وانا وقتها حزنت بجد لأن من حقي احضر اي مناسبة واعيش سني زيي زي غيري.. انا كبرت واتخنفت من خوفهم.. بعدها ماهونتش علي ماما وبابا ووافقوا اروح بس السواق يوديني ووقت رجوعي اتصل بيه يجي ياخدني من عند النادي! 


+



السواق نزلني قرب الجامعة وعطاني ورقة عليها رقمه الجديد لأن تليفونه وخطه اتسرق، ولأني كنت مستعجلة حطيت الورقة في جيبي ورحت مكان ما هقابل تيماء!..بعد كام ساعة وصلنا لمكان شبه معزول حسيت بالخوف والرهبة بس رميت خوفي وشعوري الغريب ده ورى ضهري وحاولت اتبسط وانا واقفة عند البحر وفرحانة بالحرية الل دوقتها اخيرا.. وبالذكرايات الحلوة اللي هعملها لنفسي زي ما اقنعتني تيماء..لما دخلنا الفيلا عملتلي عصير وقالت هننام شوية ونصحي نجهز للحفلة وننتظر اللي هايجوا..!


+



صمتت وحدقتاها تعكس أمواج غضب ثائر مشتعل وهي تستأنف: ماكنتش اعرف ان صاحبتي الوحيدة اللي بحبها كانت حية ملعونة ناصبالي فخ وبتسلمني لشوية كلاب ينهشوني.. ومن ضمن الكلاب كان هو.. اللي افتكرته وحبيب وسند طلع اول واحد عايز ينهش فيه! 


+




        

          


                

سقطت دموعها عند وصولها لتلك النقطة وهي تستعيد أوجاع تلك اللحظات العصيبة بنفس قساوتها ويأسها ووحدتها گ الغزالة بين ذئاب جائعين، تحولت الدموع لبكاء مكتوم شقق أرض ثباتها، ومثلها أهتز كيانه ولطمت روحه بصفعة لوم.. هل هذه الملامح المتألمة تخدع؟ هذا القلب الذي مازال ينزف من طيف الذكرى يكذب، هي قالت حتي ما لا يعرفه، حبيبته صادقة بريئة. نقية، تحركت ذراعه بقوة وغمستها في صدره وأسكن رأسها المرتجف من البكاء أسفل عنقه وجفف بأنامله دموعها تماما كما وعدها سابقًا..وكم ود لو أمرها ان تكف عن الحديث وأنه لا يريد ان يعلم شيء وانه يصدقها ويصدق صوتها وعيناها.. لكن الأفضل لها وله ان تكمل ما بدأته حتى تحرق كل الهواجس داخله وتجتث كل بدكذور الخوف من  داخلها.. جدار الصراحة هو وحده القادر على صد كل العواصف التي يمكن أن تواجههما بعد ذلك.. فليدعها تكمل وتستريح ويستريح باله مثلها! 


+



_ صدمتي فيهم وخوفي من عيونهن اللي بتنهشني من غير ما تلمسني، خليتني احس قد ايه كنت مغفلة وساذجة وانضحك عليا وان الدنيا دي طلعت وحشة اوي والناس فيها ذئاب ووحوش.. وخوف ماما وبابا عليا كان ليهم ميت حق فيه..!


+



واكملت بعد ان أكتسبت نظرتها وميض قسوة مخيفة:  بس استوعبت الموقف بسرعة وقررت اني مش هكون فريسة ليهم غير وانا ميتة.. مش هخلي راس بابا تنحني بالعار ولا اضيع امل امي فيا.. 

قررت اقاوم باستماته.. استعنت بربنا جوايا يساعدني..وماخذلنيش..وعرفت قيمة اللعبة القتالية اللي ماما صممت تعلمهالي في طفولتي.. كأنها كانت عارفة اني هتعرض لموقف زي ده.. قدرت بصعوبة اتغلب على الحيوان رائد اللي اتغر في نفسه لما افتكرني فريسة سهلة يقدر يرودها لوحده.. ضربته ضربة وقعته وخليته دمه القذر غرق الارض، يمكن مات وقتها.. ما أهتمتش اني اتأكد من موته.. كان لازم اهرب من الباقين اللي بدأو يخبطوا بشراسة علي الباب.. هما كتير وانا لوحدي هيغلبوني.. كسرت شباك البلكونة ونطيت من وسط الإزاز وفضلت اجري رغم جروحي،  بس للأسف قدروا يحصلوني، قاومتهم بكل طاقتي ومهارتي لكن هزموني في الأخر.. بقيت مش ملاحقة على الضرب منهم في كل حتة في جسمي! 


+



لم يستطع ان يسمع أكثر من ذلك وهو يضمها ثانيا ويحوطها بذراعيه بشدة وللمرة الأولى تُزرف دموعه بصمت وهو يتخيل بشاعة ما قاسته حبيبته وهرته الرقيقة وحدها..ومن بين  غضبه اشتعل فخره بها أكثر لأنها صمدت وعافرت حتى نجت بمفردها من براثنهم.. وتسرب لضميره لوم كبير لشكه بها منذ قليل.. كيف يفعل ويشك بها.. كيف يخطيء هذا الخطأ الفادح..!


+



وگ رد فعل نفسي وشبه اعتدار مستتر منه لها.. راح يمطرها بقبلات جارفة ويمتص دموعها التي سالت بشفتيه فازداد بكائها وانهيارها بين ذراعيه فاحتواها بعناق. دافيا هامسًا: خلاص ماتكمليش.. مش عايز اعرف حاجة، وسامحيني اني خليتك تتكلمي وأسف! 


+



لكنها أبت أن تتراجع وهي تقول من بين نحيبها الواهن على صدره:  لا ياظافر هكمل.. هكمل عشان ارتاح.. وعشان انت تعرف ان عمري ما ارتكبت غلط يساوي حجم اللي اتعرضتله، غلطي الوحيد هو كدبتي على ماما وبابا بحكاية رائد  ومكان عيد الميلاد، كنت بس عايزة احس اني حرة وكبرت وليا شئوني..لكن اكتر من كده ماغلطش ولا كنت استحق اعيش تجربة خلتني اكره الدنيا واخاف منها ومن كل الناس! 


+




        

          


                

ثم شردت بعيناها تتذكر اللحظة التي لن تنساها حين فقدت قواها وطاقتها وأملها أن تنجوا ، وبعتمة يأس روحها انبثق نور الأمل بغتة ووسيلة نجاتها تومض بعقلها كأنها منحة ربانية.. وهي كذلك بالفعل.. ليس لها مسمى أخر! 


+



_ ماكنتش اعرف إن ممكن مشهد في فيلم يكون سبب نجاتي..فضلت بقوتي الباقية انبش السلوك واكسر في غلاف الكشاف عشان اخرج ايدي منه واشاور لحد يساعدتني!


+



ثم رفعت وجهها لتناظره ويدها تحتضن وجهه: وظهرت زي الفارس وأنقذتني، قدرت اتنفس براحة واحس بالأمان وان في حد هيحميني ويوصلني لأهلي..عشان كده صوتك وريحتك فضلوا متغلغلين جوايا كأنهم حصني الغايب اللي بدور عليه في كل الوشوش .. ولما شوفتك ماكانش صعب اعرفك..واعرف انك حبيبي..وابن قلبي وحتة من روحي يا ظافر..!


+



وصمتت تطالعه بنظرة أخري مغايرة وقالت: 

_أنت حبيبي اللي مش عايزة اشوف في عيونه لمحة شك زي اللي شوفتها في عيونك من شوية! 


+



حدجها بدهشة حقيقية.. هل كشفته؟ هل فضحته عيناه أمامها لتلك الدرجة؟ يالا خجله! 


+



_ مش بلومك، بالعكس.. أنا فاهمة انك انسان ممكن الظنون تلعب بيك.. برغم اني معرفش ايه بالظبط اللي حصل خلاك تشك فيا، بس مش مهم..في كل الأحوال ده كان هيحصل.. ومادام ربنا قدره دلوقت.. يبقي ده التوقيت الصح..!


+



ثم منحته نظرة أخيرة وقوية لا تحمل في طياتها ذنبًا او تخشى خطيئة: أنا خلاص يا ظافر قلت كل اللي عندي من غير ما اخبي أي حاجة عنك وربنا شاهد عليا..ياترى مصدقني ولا لأ؟؟ لو كنت لسه شاكك فيا اوعي تكمل معايا، سبني لأن لو شوفت في عيونك نظرة الشك تاني مش هقبلها ولا هقدر اعذرك أو اسامحك..!


+



يتركها؟

يترك روحه؟

حتي لو قالها داخله بلحظة غضب لن يفعلها..! 

حبيبته ضحية وليست مذنبة! 

حبيبته " حرة" دافعت عن شرفها ونجت لأنها نقية وقوية وسيظل فخور بها طيلة عمره أنها زوجته..!


+



ظل بصرها مصوبًا عليه تنتظر إجابة! 

لكنها لا تعلم أن هناك إجابات لا تُسعفها كلمات، ولن تُنصفها أبجدية، ولا يعبر عنها سوى لغة وحيدة، لغة عاصفة هادرة بدأت تتشابك طلاسمها بين ذراعيه، كل لمسة منه تخط لها كلمة اعتذار، ترسخ في روحها ثقته الكاملة، تزرع في قلبها أزهار عشق لا ولن يموت..كل همسة تؤكد انه سيظل حبيبها وحصنها ما ظلت أنفاسه في صدره تتردد!


+



طال صخب تلاحمهما بحجم مشاعره التي غمرها بها دون أن تستغيث او تخاف أو تكتفي.!

حتى استكانت بالأخير فوق خافقه! 

تبسط كفها آمنة.. مطمئنة! 


+



______________________


+



حالة الأرق التي أصابتها طيلة الأيام الماضية جعلتها تسقط بنوم طويل عميق بعد أن عادت من حفل زفاف أمونة ولم تعي لاتصالاته الكثيرة والتي انتهت برسالة منه فحواها(  اتصلت كتير مش بتردي ليه ياجوري، معقول نمتي؟ عموما لما تصحي حضري نفسك هعدي عليكي الضهر عشان في مفاجأة عشانك هتفرحك)..!


+




        

          


                

أما هو فترك هاتفه بعد أن بعث رسالته وحاول النوم فآبت أجفانه أن تستجيب..صورتها وهي تركض إليه بجسدها الصغير گ طفلة بصرت أبيها متعلقة بعنقه تداعب خياله بشدة، فعلتها أثارت لهفته وحبه وحنانه..ضمها وتمني لو لم يحررها من بين ذراعيه ابدا، ويعلم  أنها لم ترضى ومازالت غاضبة وانه قسى عليها الفترة الماضية، لكنه ما فعل إلا ليؤمن لحياتهما أسس صحيحة..جوري تعتقده شخص كاذب..لا تثق به، ومزاحه جعلها تتجرأ لتصرخ عليه..كادت أن تضع في نفس والدته نقطة سوداء.. صغيرته تحتاج أن يحدثها بشكل أهدأ واعقل.. وغدا سيفعل! 

_________________


+



استيقظت قُبيل الظهر بساعة كاملة متعجبة استغراقها في النوم كل هذا الوقت، تمطى جسدها بكسل وتفقدت هاتفها ورأت رسالته وعدد اتصالاته الكثيرة، لم يسعدها هذا.. شيء داخلها غير راضي عن معاملته القاسية لها.. رغم انها عبرت عن شوقها له لكنها غاضبه منه.. غاضبة كثيرا..! 


+



_ بسكوتي صحيت اخيرا؟


+



ابتسمت للعمة دره التي دخلت إليها بعد طرقتين وقالت:  معلش ياطنط شكلي كنت جعانة نوم! 

_ ولايهمك ياجوجو، اناطلعت لأن عامر اتصل الساعة 9 وقالي اعرفك انكم هتخرجوا الضهر، بيقول انك مش شوفتي اتصالاته ورسالته، بس انا عرفته انك كنتي نايمة! 


+



أومأت لها دون حماس:  ماشي ياطنط، هفوق واخد حمام واتوضى واتصلي واجهز قبل ما يجي! 


+



حدجتها بنظرة ثاقبة وتسائلت:  انتوا لسه زعلانين؟ مش اتصالحتوا امبارح لما جه اخدك؟


+



تنهدت بما يعتمل داخلها:  لا ياطنط، صحيح جه أخدني بس متكلمناش ، ماكانش في فرصة وسط زحمة الفرح، وهو قال هيكلمني كلام مهم في وقت تاني! 


+



_ يبقي اكيد هيكلمك ويصالحك يا جوجو، ليه زعلانة..؟!


+



_ مش قادرة انسي قسوته ياطنط، حتي لو انا غلطانة ماكانش المفروض يعاملني كده، انا كمان مستغربة نفسي.. لما شوفته امبارح جاي ياخدني، قد ما كنت زعلانة حسيت قد ايه وحشني، جريت عليه كأني لقيت حاحة ضايعة من روحي.. بحبه ووحشني بس زعلانة.. اعمل ايه في التناقض ده يا طنط؟ انا مش مرتاحة! 


+



ربتت على وجنتها وقالت:  انتي ماتعمليش حاجة، هو اللي هيعمل! 

_ مهما عمل مش هرضى بسهولة

_ بيتهيألك..يابنتي العلاقة بين الحبيبين او الزوجين مختلفة عن اي علاقة في الدنيا.. مالهاش قوانين ولا منطق.. اديكي قولتي رغم زعلك وحزنك منه ماقدرتيش تتحملي تشوفيه وتقاومي شوقك وجريتي عليه.. هو كمان مش هيقدر يسيبك زعلانة..وهيعرف ازاي يراضيكي انا واثقة والله وبكره افكرك! 

واستطردت:  يلا بقى قومي اجهزي وارمي الزعل ورى ضهرك، وقلبي حاسس انك هترجعي مبسوطة! 

_______________


+



داخل مكتبه في شركة الانشاءات راح يراجع بعض أوراق المناقصات القادمة ويهمهم بسخرية:  الباشمهندس يتجوز ويقضي شهر العسل هو وأمونة في الساحل وانا اشيل الشغل كله، ماشي يا ابو حميد، بكره يجي عليا الدور! 


+




        

          


                

أتاه صوت قرعٍ على الباب فصاح:  ادخل! 


+



أطلت عليه فواحته باسمة مع تحيتها: 

_ صباح الخير يازيدو! 


+



ثم دنت منه فتابعها بنظرة مشتاقة وشذاها يعبء الهواء حوله فنهض ليضم خصرها مردفًا بما يليق بحضورها:  صباح الجمال وروايح الجنة اللي هلت معاكي..ابتسمت بدلال فاستطرد باستفسار زار خاطره: هو أنتي استخدمتي برفان قبل ما تخرجي ؟ 

نفت سريعا: لا والله مش بحطه وأنا خارجة، بستخدم فقط مزيل عرق هادي جدا 

_ أمال ايه الريحة دي؟

صمتت بحيرة ثم تذكرت شيئًا وقالت:  يمكن ريحة شعري، أصل عمتو جابتلي كريم شعر حلو اوي واول مرة استخدمه، بس مش هيشمه غير اللي يقرب مني اوي متخافش"


+



برقت عينيه بعبث وملحوظتها أتت في صالحه وهو يقترب أكثر مع قوله:  بجد؟ طب وريني كده؟ وراح يستنشق عطرها وشفتيه تدنوا بتروي لقطف زهرة شفتيها فابتعدت سريعا ليُصبح مصير قبلته الهواء صائحة:  على فكرة انت بقيت خطير وبتستغل المواقف كلها لصالحك يا باشمهندس! 

قربها إليه ثانيًا: طب وماله، انا بستغل حبيبتي ومسموحلي بكدة! 


+



ازاحته وابتعدت مسافة اكبر مع تحذير مضحك:  بقولك ايه انا ماما حذرتني منك وقالتلي ماتخليهوش يقربلك، وانا هسمع كلامها..! 


+



رفع حاجبيه بدهشة تبدلت لتوعد: بقى فدوى قالتلك كده وبتقويكي عليا؟ ماشي ياخالتي هتعملي  "حمى" من دلوقت؟ عرفيها اني هشيلها في قلبي ومش هنساها..! 


+



ضحكت لتكيده:  هقولها ومنك ليها انا ماليش دعوة، واستأنفت: يلا بقي نمشي عشان جوري قربت توصل هي وعامر! 

_ ماشي، بس خليكي فاكراها

_ ماتقلقش مش بنسى.

………… .

عبر بصحبتها للخارج واستقل المصعد وقبل أن يُغلق بابه أوقفه حسام وانضم إليهما وأردف: صباح الخير يا باشمهندس، ثم نظر لعطر وألقى تحيته وخيل ليزيد انه قالها بنبرة أرق:  صباح الخير يا باشمهندسة! 


+



ردا تحيته وبتملك تلقائي أحاط يزيد خصرها بذراعه

گ رسالة مبطنة لحسام انها تخصه، بينما غمرتها سعادة جمة حين شعرت بغيرته عليها، توترت عين حسام حتى غادر وتوجه لمكان غير وجهتهم، أرادت إظهار المزيد من غيرته فتصنعت الغباء بعد أن استقلت جواره السيارة:  هو انت بتكره حسام يا يزيد؟


+



بدا غير مرحب بحديثها لكنه أجاب: لأ مش بكرهه.. بس مافيش بنا علاقة أكتر من الشغل، مش مندمج معاه! 

_ وايه السبب انا شايفاه انسان مهذب جدا و… .

_ عطر! 


+



اجفلها نداءه ونبرته التحذيرية، فتمالك نفسه قليلا وغمغم: مش محتاج تذكري محاسنه وما تشغليش بالك بحبه ولا لأ، اتكلمي في حاجة أهم من كده! 


+



أومأت بتفهم لحدته وغيرته التي هي من أثارتها، وفضلت  الصمت حتى يمر الموقف ويصلا وجهتهما! 


+



لاحظ سكونها فلان صوته وهمس بنبرة هادئة :  انتي فطرتي؟

_ لأ.. قلت هنفطر سوا كلنا مع جوري وعامر


+




        

          


                

توقف قرب الرصيف وهبط دون أن يقول شيء، ثم عاد بعد دقائق قصيرة ووضع جوارها حقيبة بلاستيكية وقال:  طب صبري نفسك ببسكوت وعصير عشان مايحصلش ليكي هبوط على ما نوصل! 


+



ابتسمت وهي ترمقه بنظرة جانبية راضية بلفتته الحانية وتناولت أول شريحة بسكوت ودستها بين فمه وهي تقول: طب كل معايا..! 


+



ابتلعها مبتسما وربت على يدها برقة، وواصل تركيزه بالقيادة ثم تلقى مكالمة من عامر يخبره أنه صار أمام البناية وينتظره مع جوري، ليجيبه الأخر أنه سيصل خلال دقائق!  


+



_بقولك ايه ياعطر، ماتعرفيش جوري مالها؟ امبارح اما كلمني عامر اني امشي وهو هيعدي ياخدها، حسيت صوته متغير، واما ركزت معاها في الفرح لاحظت انها بردو مش بطبيعتها، مش جوري اختي المرحة اللي بتضحك طول الوقت! 


+



_هي قالتلي انها كانت زعلانة معاه شوية بس مارضيتش تقول السبب وانا احترمت ده.. واما شوفتهم في فرح أمونة امبارح اطمنت انهم اكيد اتصالحوا..! 

عقد حاجبيه بتفكير عميق وقال:  مش عارف، حاسس ان لسه في بينهم حاجة! 

_ طيب ماتدخل بينهم


+



_لا ياعطر الأفضل يحلوا مشاكلهم بنفسهم من غير تدخل من حد..لأن مع كل مشكلة وحلها بيحصل بينهم بضوج وبيفهموا طبيعة بعض أكتر..! 


+



ربتت على كفه برفق: عندك حق ياحبيبي، عموما ماتقلقش عامر بيحبها جدا، اكيد زعلهم مش هيطول! 

_ ربنا يصلح الحال! 


+



بعد وقت قصير تقابل أربعتهم قرب البناية ليشاهدوا الشقة التي جلبها يزيد في نفس الطابق الذي يسكن فيه، وبعد أن تجولوا في أركانها تركهما يخططان لمنزلهما بحرية، وتواعد مع عامر انه سينتظرهما بالاسفل حتى ينتهيا..! لكن قبل ذهابه مال عليه بثرثرة جانبية خافتة ( راضي خطيبتك، الزعل لو طول مش بيكون حلو) فطمأنه الأخر وعيناه تتابعانها باهتمام، ونظرته تقسم أنه لن يتركها غاضبة! 

__________


+



_ عجبتك الشقة؟

أومأت له:  أيوة ومناسبة. جدا..! 

_ يعني اتكل علي الله واتفق مع صاحب البيت؟ 

_ أتفق! 


+



ردودها مقتضبة وفاقدة لحماسها المعهود. كما يفتقد هو حبيبته المرحة الشقية التي يهيم بها، تلفت حوله لم يجد مقعد يجلسا عليه، فجلس ثم خلع جاكيته وافترشه أرضًا وأشار لها:  تعالي ياجوري اقعدي جمبي.. نظرت بدهشة وعيناها مصوبة لمعطفه وقالت:  ايه ده، ليه قعدت على الارض وكمان الجاكت بتاعك هيتبهدل و… .

قالتها وهي تمد يدها لتلقط المعطف فجذبها عنوة لتجلس فوقه هاتفا:  مش مهم يتبهدل، الأهم هدومك انتي ماتتبهدلش! 

ظلا يتبادلان النظرات بحديث غير منطوق، ثم اغرورقت عيناها فمد ذراعه ليضمها لصدره بعناق حاني هامسا:  عارف انك زعلانة بس كمان زعلان منك يا جوري، ثم ابتعد ليطالعها مردفا:  الغضب السريع وسوء الظن والأحكام المسبقة والاتهامات اللي مافيش عليها دليل، كلها امور ماتوصلش غير لحاجة واحدة..اننا نخلق أسباب كتير للبعد والجفاء والنكد.. وده مثلث خطير بين اي اتنين لسه بيبتدوا.. انتي غلطي ياجوري، لو ما اتعصبتيش وعليتي صوتك عليا وحاولتي تسألي بهدوء كنت هقولك ببساطة اني مافيش حد قبلك ولا بعدك، وكلام ابن اختي مبني على صورة لبنت كانت ماما جايباها ليه من فترة اشوفها واخطبها، بس انا رفضت وده قبل ما اعرفك.. وطبعا ده طفل سمع من ماما او اختي ان دي صورة عروسة خالك، فخزنها في دماغه وقالها بعفوية ليكي! 


+




        

          


                

وصمت ليجفف دموعها وواصل ثانيًا: واللي زعلني اكتر عيونك اللي رمتني بالكدب، ماتتصوريش ازاي الاحساس ده بالذات وجعني منك..انا مش كداب ياجوري.. كدبتي الاولى كانت هزار زي ما وضحلك ظافر، وبعدها كل اما اجي اقولك تحصل حاجة تمنعني، ده غير خوفي انك تبعدي عني لأني كنت حبيتك ومش بلعب بيكي واظن أن أثبت جديتي بشكل كافي.. معني ان من جواكي فاقدة الثقة فيا.. يبقي كده علاقتنا دي مالهاش لازمة وأساسها خاطيء.. ولا هقبل اكون كده في نظرك ولا صح تكملي مع واحد انتي شايفاه كداب يعني ضمنيا خاين لأي عهد..عرفتي ليه زعلت؟


+



بكت ولم تجد ردار تدافع به عن ذاتها فاحتضنها برفق:  طب بس بطلي عياط انا هدفي تفهمي المشكلة فين عشان نتلاشاها بعدين مش أكتر..! 

همست بنبرة باكية:  انا بعترف اني كدبتك واتسرعت وأسفة اني عملت كده.. بس والله ما قصدت ازعق، صوتي العالي كان من غضبي مش قلة احترام ليك وبصراحة راح من عقلي ان مامتك واهلك يسمعوني وياخدوا عني فكرة وحشة! 


+



_ وأنا مش ممكن اخلي حد ياخد عنك فكرة وحشة لأني عارفة كويس، وده سبب اني طاوعتك ننزل بسرعة عشان كمان أنا أهدى! 


+



أومأت مطرقة الرأس، فرفعه وهو يزرع بعينيها نظرة مفعمة بحبه وحنانه هاتفا: حقك عليا لو كنت قسيت عليكي، بس والله ما كنت بنام وانا مخاصمك! 


+



الأن عاد لعينبها بريق الرضا المحبب وهي تمنحه ابتسامة صافية مع قولها: خلاص ياعامر مسامحاك..واوعدك مش هتسرع بعد كده! 


+



ثم فاجأته بنهوضها وهي تتمتم:  يلا بقي ننزل لاخويا عشان طولنا وانا هتحرج كده! 

فشاكسها: طب هاتي ايدك ساعديني مش قادر اقوم، شكل العضمة كبرت يابنتي


+



ضحكت وهي تمد يدها، فباغتها بجذبة قوية من كفه أسقطتها فوق قدمه وبين ذراعيه فغمغم بمكر:  طب مش نختم المصالحة صح الأول يا ملاكي؟ 

تملصت منه بقوة محاولة النهوض:  محنا اتصالحنا سيبني بقي انزل لأخويا

اشتدت ذراعه عليه أكثر وقال: 

_ يابت اركزي فرهضتيني معاكي، استني شوفي جايبلك ايه أصالحك بيه! 


+



فسكنت تماما مترقبة بفضول وهو يدس كفه بتجويف بنطاله، فطالعها ساخرا:  شوفتي سكتي اول ما جبت سيرة هدية.. تموتوا في الحاجات دي! 


+



ثم التقط شيء مطرز لم تدرك ماهيته للوهلة الأولة حتى أوضح وهو يستعرصه لها فوق كفه: من الحاجات اللي بحبها ونفسي اشوفها عليكي الخلخال، عشان كده عملتلك ده بإيدي عشان تلبسيه ليا وجبت معاه حاجة تانية..قارن قوله بفتح هاتفه ليريها صورة قميص أخضر قصير مستطرد وهو يحاصرها بنظرة قوية تُخجلها هامسا: هتلبسي الاتنين وترقصيلي! 


+



كاد وجهها يحترق بحمرة الخجل بعد أن رأت القميص الذي اشتراه، لأجلها ولا تعرف كيف سترتدي أمامه شيء گ هذا..! 


+



راقه حمرة خجلها وابتسم  وصب على أذنيها مشاعره ليعوضها خصامهما الفائت: جوري لازم تعرفي انك حبيبتي اللي اتمني اشوف فيها كل حاجة بحبها.. وانك في عيوني تساوي جنس حواء كله، البنت اللي مافيش منها اتنين.. بحبك بكل حالاتك ومهما حصل بنا غلاوتك مش هتنقص جوايا ولا يقل حبك ابدا في قلبي.. وحقك عليا مرة تانية اني زعلتك الايام اللي فاتت..!


+




        

          


                

نضبت الكلمات داخلها فعانفته تبكي ولا تصدق انه بعشقها بهذا القدر، فابعدها ليشاغبها گ عهده:  طب ما استاهلش تديني حاجة حلوة بقى! 


+



واقترب من وجهها فدفعته سريعا ونهضت:  لأ مافيش، شطبنا.. ! 

_ كده؟ طب بوسة صغيرة

_ لأ

_ يعني انا اصرف واغرم وعيوني يجيلها حول وانا بعملك خلخال، وانتي تسيبيني وتجري؟


+



أغاظته وهي تلوح بلسانها: ايوة وهسيبك واروح لاخويا كمان وانت حصلني! 


+



وركضت تهرب من أمامه گ الفراشة الملونة وثوبها وحجابها يتطايران حولها، فشيعها نظرة محبة وارتاح قلبه عندما استعادت طبيعتها ومزاحها.. الآن يومه سيكون أجمل بعد أن نال رضاها مرة اخري! 

_____________________


+



تنحى به يزيد وهو يهمس له:  كل ده بتتفرجوا على الشقة يا عامر؟

_ ما انت عارف يا باشمهندس الحاجات دي بتاخد وقت، معاينة وقياسات وتصورات مبدئية! 


+



_ أوعى تكون اتجاوزت حدودك في التصورات المبدئية! 

_ والله يا يزيد كان نفسي.. بس اختك اخدت الهدية مني واديتني صابونة وجريت عليك وقالتلي هنزل لأخويا..! 


+



ضحك يزيد: حبيبتي يا زئردة، تربيتي والله! 

_ طب ماتقولش عليها زئردة لو سمحت.

_ أنا اقول اللي يعجبني، أختي وانا حر معاها


+



_ ماشي بكرة اخليك تزورها بمعاد! 

يزيد:  حلو ان الإنسان يحلم مش غلط! 

ثم علت نبرة صوته:  يلا يابنات عشان نروح نفطر

عامر معترضًا: لا اكسيكيوزمي منك يا باشمهندس، أنا هاخد جوري معايا عشان عاملها برنامج خاص انهاردة! 


+



صفقت جوري بتهليل وفرحة:  بجد ياعامر؟ هنروح فين؟

شملها بنظرة دافئة: دي مفاجأة، ويلا بينا عشان هنتأخر..! 


+



راقبها يزيد وهي ترحل بصحبة عامر واحتلت ملامحه الراحة وهو يغمغم:  الحمد لله، جوجو رجعت لطبيعتها تاني! 

عطر:  مش قولتلك مش هتهون عليه تفضل زعلانة؟ عامر بيحب جوجو جدا..! 


+



_ وانا بحبك أكتر من اي حد بيحب حبيبته! 


+



فاجأها بقوله وهو يلتفت لها ويفيض عليها بنظرة محبة، فابتسمت وهي ترمقه بذات الدفء: وانا بموت فيك! 

ثم استسلمت كفها لتقبع بين كفه بوداعة وذهبا ليقضيوا يومهما سويا..! 

______________________


+



يعلم انها تختبر صعود الطائرة للمرة الأولى، ضم كتفيها بقوة ليطمئنها لكنها ترتجف خوفا فقرر أن يصرف يذهنها حتي يلهيها عن ضغط الطائرة بقوله: هحكيلك موقف حصلي في الطيارة، كانت في بنت جميلة ركبت جمبي! 


+



انتبهت علي الفور حواس بلقيس لحديثه وهي ترمقه بنظرة عدوانية، فواصل متجاهلا نظرتها:  المهم كانت زيك مش قادرة تتنفس وداخت وبتفرفر، قلت لازم اساعدها


+



رفعت حاجببها بتحذير:  وساعدتها ازاي؟ أوعي يكون اللي بالي؟

أومأ لها بتأكيد:  بالظبط.. فضلت اطبطب عليها ومسكت ايدها عشان تهدى لأنها افتكرت زيك انها بتقع! 


+




        

          


                

فتحت فمها ببلاهة غير مصدقة وهو يستطرد كاتما ضحكته بأعجوبة:  اعمل ايه اضطريت اساعدها.. امال اسيبها تموت؟


+



_ ده انا اللي هموتك وهرميك من الطيارة دلوقت حالا


+



تظاهر بالغباء:  طب ليه ياعمري.. انتي عارفاني شهم وكان لازم اتصرف! 


+



هتفت وجبينها مقطوب مهددة:  ظافر بلاش هزار في الحاجات دي.. انت عملت كده فعلا؟؟؟ 


+



دني بوجهه قليلا وهمس بأذنيها: هقولك بشرط

_ شرط ايه؟

_ اديكي تنفس صناعي مادام مش قادرة تتنفسي! 


+



ضمت شفتيها بقوة حتي لا تضحك وتفسد جدية موقفها، فاردف بصوت عابث:  خلاص، ربنا يرزقنا بواحدة عايزة مساعدة مادام مراتي مش راضية! 

جزت على أسنانها:  ظااافر.. هعلي صوتي في الطيارة وربنا


+



ضحك ووجدته يفك حزام خصرها هاتفا:حمد لله علي السلامة يا أميرتي.. خلاص عدينا الصعود بأمان.. ومش بتقعي من الطيارة ولا حاجة! 


+



اتسعت عيناها بذهول:  هو كل ده كان تمثيلية عشان تلهيني عن خوفي؟ 

_ طبعا.. وعرفت اضحك عليكي.. صح؟

هزت رأسها بضجر زائف، فقبل رأسها وأماله على كتفه: ودلوقت نامي شوية لأنك طول الليل كنتي صاحية، وكمان عشان ماتزهقيش! 

وبالفعل استكانت محتضنة ذراعه واسدلت جفنيها وذهبت في النوم، وأيقظها بعد انتهاء هبوط الطائرة بأمان على أرض سويسرا..!  

___________________


+



_ ايه رأيك يا حبيبي؟


+



بصرها تُبسط كنزتان بلون رمادي يتوسطان فراشهما فتسائل:  ايه ده يا بلي ؟


+



_ دول تيشرتين اشتريتهم وانا في مصر عشان نخرج بيهم سوا اول خروجة لينا في سويسرا.. عجبني انهم زي بعض، ونفسي اتصور انا وانت بيهم ونبعتهم لأهلنا..!


+



_ بس ده بعيد شوية عن استايلي! 


+



_ ليه بس يا حبيبي، التيشرت هيكون جميل عليك وانا نفسي تلبسه عشان نكون زي بعض وتبقي ذكرى لأول جوازنا..  احنا عروسين وطبيعي نعمل حاجات مطرقعة شوية ومش مألوفة خصوصا اننا في بلد تانية يعني ناخد راحتنا


+



جذب خصرها مغمغما: بس كده؟ طلباتك أوامر، مادام نفسك في كده هلبسه انهاردة ونتصور زي ما انتي عايزة واحطها على بروفايلي كمان، هو انا اقدر ازعل حبيبة قلبي..!


+



ضحكت وعانقته ممتنة  ثم استعدا سويًا لنزهتهما الأولي بطرقات سويسرا..! 

………… .

زارت معه عدة أماكن وانبهرت بها وبالأجواء المختلفة التي تحياها معه وأناملهما متعانقتان طيلة الوقت گأنها طفلته التي يخشى أن تبتعد عينه لحظة، أثناء دلوفهما لإحدى الكافيهات تباغت ببعض الفتايات والشباب يصيحون بدهشة لوجود ظافر بينهما مطالبين اياه بالتقاط بعض الصور، يمطرونه بكلمات الإطراء والإعجاب، ورغم غيرتها الشديدة التي طفت على السطح وعيناها ترصد جمال الفتايات إلا أن شعور الفخر بزوجها ومكانته واحترام وتقدير الجميع له، تغلب على غيرتها.. وأكثر ما جعلها راضية ذراعه التي لم تترك خصرها لحظة وهو يضمها إليه گأنها رسالة ضمنية انه يحب زوجته.. وغمرتها سعادة كبيرة حين لمحت طيف الغيرة في حدقتي ظافر وهو يحدج شاب مما يقفون حوله بشيء من الضيق، وذاك الشاب يتأملها بانبهار واضح مما جعل ظافر ينهي سريعا حواره معهم وغادر معها الكافيه! 


+




        

          


                

_ أحنا ماشربناش حاجة في الكافيه! 


+



ابدت دهشتها فتمتم بضيق:  هنرجع غرفتنا في الفندق نرتاح شوية ونطلب اللي احنا عايزنه هناك

تسائلت بخبث: طب انت مضايق كده ليه ياحبيبي؟ 

_ مافيش! 

…… .. .…… 

بعد الصعود لغرفتهما أوقفته ترمقه بنظرة مشاغبة وهي تقول:  أنا عارفة انت مضايق ليه؟

ظل ينظر لها بصمت، فاستطردت وذراعها يشتد حوله: انت غيران عليا يا ظاظا صح؟ 

رفع حاجبيه مع قوله: طب ما انتي واخدة بالك اهو؟! 


+



ثم راد استفزازها عمده كما فعلت وهو يغمز بإحدى عينيه:  طب أخدتي بالك كمان من البنات الحلوة اللي كانوا حواليا..! 


+



تبدلت ملامحها للغيظ وهي تهتف محاولة التخلص من حصار ذراعه تذمرا : أيوة اخدت بالي بس اتحملت عشان فرحت بيك والناس بتحترمك وبتجري تتصور معاك وحسيت بالفخر، ولولا كده كنت ماخليتش واحدة فيهم تقربلك! 


+



واستطردت ومازالت تحاول الابتعاد عنه وهو يتشبث بها:  وسبني عشان اخد حمام وانام شوية قبل ما نخرج بالليل! 


+



فجذبها أخيرا لتصطدم بصدره ووجها يكاد يلتصق بوجه وهو يهمس: بس انا ماسبتكيش لحظة من ايدي، كنت بكلمهم بس عيوني عليكي انتي! 


+



لانت ملامحها وصوته الهامس الدافيء ينفذ لقلبها وروحها بقوة ولمساته تزداد نعومة وتملك وأنامله تعبث بطرف كنزتها لتجده ينزعها لتغرق معه بدوامة جديدة وروحها وجسدها ينصهران معه ويغيبا بضع ساعات مستغرقين في النوم ليواصلان بعدها سهرة خاصة بإحدى الأماكن المميزة كما نظم لها..! 

_________________


+



تراها شاردة أغلب الوقت منذ عودتهما من القاهرة كما لاحظت عدم قدوم عابد كثيرا گ عادته، فقررت أن تستوضح الأمر لعل هناك ما يحتاج تدخلها


+



صعدت لغرفتها فوجدتها نائمة والعصر اقترب آذانه، وهذا أكد ظنها، ابنتها لا تلجأ للنوم الكثير إلا حين تحزن، فاقتربت توقظها برفق: 

_ زوما، قومي ياحبيبتي انتي نمتي كتير جدا 

تململت بصعوبة في فصل جفنيها مع ضوء الشمس الذي غمر غرفتها وقالت:  صباح الخير يا ماما

_ الصباح عدى خلاص، العصر هيآذن، مش عوايدك تنامي كل ده

_ أعتدلت بجلستها:  والله ياماما انا اصلا نايمة الصبح حوالي عشرة كده

_ ليه يا زمزم، في حاجة مزعلاكي؟ وبعدين ملاحظة ان عابد مش بيجي كتير.. حصل بينكم حاجة؟  


+



نكست رأسها بحزن وهتفت:  أنا زعلته يا ماما

_ ليه؟

سردت عليها موقفهما الأخير، فقالت عبير بهدوء:  له حق يزعل منك يا زمزم.. هو حس انك مش ملهوفة تبقي معاه.. انتم فعلا المنطقي تتجوزا بدون تأخير لأن كل حاجة جاهزة، مافيش اي مبرر للمماطلة

_ يا ماما انا مش بماطل بس حبيت بلقيس تكون معايا، ومع كده لما لقيته زعل رجعت وافقت نتجوز عادي بس هو قالي بعدين نتكلم، ومش بيكلمني، ولما بروح المزرعة بيهرب من الكلام وبيتحجج بالشغل! مش بيهزر معايا زي الاول ومتغير..! 


+




        

          


                

_ عشان رد الفعل لو جه متأخر بيفقد تأثيره يا بنتي، انتي وافقتي بس لما هو زعل ولامك ولو بعيونه، يعني تصرفك شبيه بشفقه وجبر خاطر.. لكن هو كان عايز منك حاجة تانية خالص! 


+



أومأت لها بحزن أكبر ودمعت عيناها وهي تقول:  فهمت.. تعرفي يا ماما..ساعات بحس اني ساذجة وعبيطة اوي وكأني متجوزتش قبل كده والمفروض فاهمة طبيعة الراجل وتفكيره..عابد مش بيقصر انه يظهر حبه ولهفته لكن انا بداريهم وبقول بكرة واحنا في بيتنا هكون حرة اكتر..لكن هو مبقاش قادر يكتفي بالاوقات اللي بيخطفها كل يوم معايا.. عايزني جمبه.. كان لازم افهم ده.. بس انا صدمته، صحيح بحب بلقيس بس كان لازم ابين انه الأول في اهتماماتي! 


+



ضمت رأس ابنتها لصدرها وهتفت بمؤازرة:  ياحبيبتي كل راجل له طبع، موضوع جوازك قبله مش معناه انك متغلطيش مرة ولا اتنين، والمهم انك فهمتي ايه زعل عابد! 

_ بس متأخر يا ماما

ابعدت رأسها لتناظرها:  مين قال كده؟ انتي اتصلي بيه وقوليله يعدي عليكي ضروري بعد شغله.. وقومي جهزي نفسك وافردي شعرك والبسي حاجة حلوة واعمليله غدى بايدك.. وانا هروح أجهزلك الركن اللي في الجنينة، واعملك قاعدة رومانسية محترمة..(ومازحتها) ولو ان ابوكي عمل ركن الشجرة ده ليا انا وهو لما انتم تتجوزا عشان نرجع به شبابنا ونستعيد الذكرايات، بس يلا انتي بنتي بردو.


+



ضحكت زمزم ضحكة قصيرة، فواصلت عبير:  

ومهند هيبقي معايا يعني اتبسطي معاه على الأخر.. وحاولي تصالحيه وتبيني مشاعرك وتحسسيه انه رقم واحد في حياتك.. صدقيني الحنية والاهتمام هيرجعوه تاني.. ماشي يا حبيبتي؟


+



_ حاضر يا ماما..ثم عانقتها بقوة وشرعت كل واحدة بتنفيذ ما عليها، ووافق عابد أن يأتيها بعد تمام عمله! 

_________________


+



آتاها رغم إرهاقه طيلة اليوم في المزرعة، فرمق بطرف عينه الطاولة وأطباق أنيقة شهية متراصة فوقها ولا ينكر أنه جائع لكن لا يريد مشاركتها تلك الوليمة، ثم تهكم داخله بتساؤله الصامت..أتُراها تُطبق عليه المقولة الشهيرة " الطريق لقلب الرجل معدته؟" أتصالحه بشريحة لحم وحبات أرز مطهو؟ وعلى ماذا تصالح؟ هل تدري ما يغضبه من الاساس.. ليتها تُخلف ظنونه وتدري ما أحزنه حقًا! 


+



_ خير يا زمزم؟ اتصلتي وقولتي عايزاني ضروري! 


+



تأملته ومازالت كتلة غضبه منها كما هي لم تتفتت، عيناه التي طالما أغرقتها بموجة دافئة تراها الآن باردة حد الثلج.. كيف يفعلها ويقسوا هكذا على زمزمه؟ تنهدت ملتمسة له عذرًا وأضافت على كاهلها ذنب جديد لأنها تسببت في هذا التصدع بينهم.. لكن تقسم أنها ستعيد ترميمه.. سيظل جدار حبها صامد قوي لا يحوي شقوق ينفذ من خلالها أحزان تعكر حياتهما معا..!


+



_ وحشتني ياعابد.. ده مش سبب كافي! 


+



تغبرت حدقتاه بطيف الضعف وكاد يُغمد سيف مقاومته ويعلن هزيمته أمام رقتها وشوقه لها، لكنه تماسك ولم يقول شيء، فاستطردت وهي تحتضن كفه بين راحتيها:  فاكر الوصفتين اللي سألت عليهم ظافر في العيد؟ عملتهم انهاردة عشانك، يلا تعالى ناكل سوا انت أكيد جعان! 


+




        

          


                

استجاب رغما عنه لدعوتها وكفها يسحبه برقة وجلس قُبالتها، وانتابته الدهشة وهي تحاول إطعامه بيدها و تدس قطعة لحم صغيرة في فمه الذي لا يدري كيف أطاعها وراح يلوكها ببطء وحدقتيه مثبتة عليها غير غافل عن تأنقها المبهر وشعرها المسدل على كتفيها بنعومة يشتهي لمسها بأنامله، لكن غضبه مازال راسخًا في نفسه يمنعه أن يعدل عن  موقفه ويُطهر أي اهتمام أو استجابه، فليصبر ليري أولا ما في جعبتها له..! 


+



بعد تناول الطعام بصمت وترقب، تركت مقعدها واقتربت منه واعتلت طرف الطاولة أمامه حتي صارت ركبتيها تكاد تلامس صدره، ثم احاطت وجهه براحتيها وعينيها مزروعة بمقلتيه وهي تهمس:  عارفة انك زعلان مني وفاكرني مش مشتاقة ليك أو بهتم لوجود بلقيس اكتر من اهتمامي اننا نتجوز.. ومش هقدر الومك علي اعتقادك، بس والله انا ماقصدت كده خالص.. كل الحكاية حبيت حبايبي يشاركوني اليوم ده.. ويشوفو فرحتي ويشهدوا عليها..لكن اوعي ياعابد تفتكر انك مش الأهم في حياتي! 


+



بادر بالرد للمرة الأولى ليفصح عن ما في صدره عله يهدأ تجاهها: بس رد فعلك كان عكس كلامك.. أنا تصورت أول ما اقولك هتوافقي والاقيكي متحمسة زيي وانتي المفروض حاسة وفاهمة اني محتاحك واني مبقاش يكفيني اللحظات اللي بنسرقها سوا وانتي أصلا حقي ولازم تكوني معايا علي طول، انتي فكرتي بس في بلقيس، مع ان هي نفسها يمكن لو مكانك كان قرارها اختلف.. وبعدين انتي عارفة إن فرحنا هيكون مجرد تجمع عائلي بسيط مش محتاج ناس كتير تحضر لأن في عقد القران تقريبا كله كان موجود.. قوليلي ايه الداعي انك تستني؟؟؟ لكن السبب انا عرفته يازمزم انتي لسه مش بتحبيني ولا مستعدة شخص تاني يدخل حياتك بعد… 


2



قاطعته بفعل خطف أنفاسه وأذهله وهي تكتسحه بقبله تبخرت معها باقي كلماته ومحت جميع أفكاره..فلن تسمح له ان يقولها.. وعليها أن تُقرن قولها بالفعل ليدرك من يكون بالنسبة لها.. وفعلتها الآن خير دليل! 


+



ابتعدت عنه تسترد أنفاسها و مازال هو تحت تأثير الصدمة والفرحة معًا، لتواصل همسها وجبينها يرقد فوق جبينه:  أنت غلطان لو لسه مش عارف انت بالنسبالي ايه يا عابد.. انت بقيت النفس اللي بيخرج مني، بقيت الفرحة اللي بستناها.. العوض اللي بحمد ربنا عليه كل دقيقة.. ازاي تقول اني لسه مش بحبك وفي دماغي حد تاني؟


+



وابتعدت تناظره بنظرة قوية مستطردة: شعوري بيك حاجة مختلفة خالص محسيتهاش مع حد حتي زياد.. المواقف اللي جمعتني بيك وحبك ليا ولمهند وحربك علشان خاطري كل ده خلق جوايا مشاعر ليك مش قادرة اوصفها.. بس اللي متأكدة منه انها مالهاش مثيل في قلبي.. انت حبيبي الوحيد.. انت اللي مش بشك لحظة في حنيتك على ابني.. انت اللي اسلمك روحي وانا مغمضة وزعلك مني بيخنقني وبحس اني ميته..انت روحي وراحتي وسعادتي.. اوعي تقول تاني انتي مش بحبك ومش مشتاقة نكون سوا زيك وأكتر..! 


+



يعترف أن عاصفة مشاعرها التي جاهرت بإظهارها بتلك القوة هزت قلبه وزلزلته من الفرحة، لم يكن يتصور انها تخبيء كل هذه الطاقة العاشقة له.. الآن أثبتت انها تحبه، صوتها، نظراتها، حتي قبلتها التي اجتاحته بها، كل هذا طمأنه وبدل اعتقاده بل نسفه من الاساس! 


+




        

          


                

وجد نفسه بعد برهة صمت وهو يحاكي ضميره، يجذبها بقوة ويرد لها عطائها العاصف بأخر أكثر قوة وتملك وحنان لينتهي الحال بينهما بعناق دافيء وصوت خافقهما يتناغم بين صدورهما بذات العزف! 

_______________


+



غادر بخطوات متثاقلة تعبر عن ضعف عزيمته ان يتركها، لكن ما باليد حيلة، الوقت الجميل يمضي سريعا گ عادته، والنوم يداعب جفنيه بقوة ويسبب له دوار.. ولولا أنه لا يريد في نفسها أمنية إلا ويحققها لأتم زواجهما بعد ايام كما أراد.. لكن لأجلها سيصبر وينتظر عودة بلقيس لتحضر معها.. وليكن الله في عونه! 


+



___________


+



_ أخيرا رديتي يابنتي


+



زخات الحنان واللهفة في صوت والدتها الملهوف هو أكثر ما تحتاجه أرضها الجافة، لعلها تمنحها قوة تقاوم بها جحيمها المستعر داخلها منذ ظهور الشيطان في عالمها


+



_ ماما..! 


+



قالتها باحتياج لا تتصنعه واستنبضه قلب والدتها بلهفة تمتزج بخوف مبهم:  قلب امك،  وحشتيني يا نور عيني، مابترديش عليا ليه يا رودي انا هموت من قلقي عليكي حاسة فيكي حاجة مش كويسة، قلبي بيقول كده! 


+



ليت قلبها حدثها في الماضي كما يُحدثها الآن! 


+



تهكم ظل حبيس ضميرها، رغم دموعها التي تتلألأ بخديها.. وبسابقة لم تحدث منها قبلًا همست لها : 


+



_ أدعيلي يا ماما.. مش عايزة منك أكتر من دعوة! 


+



قبضة شديدة اعتصرت قلبها وظنها يكتسي بعباءة اليقين هاتفة: فيكي ايه يا حبيبتي، جوزك مزعلك؟


+



لم ترى نظرتها الغائمة وهي تردف بصوت غريب:  مش مهم السبب.. المهم ادعيلي وارضي عني.. يمكن يكون رضاكي سبيلي الوحيد ياماما..! 


+



صرخت عليها:  يابنتي حرام عليكي ريحي قلبي مرة واحدة بس وقولي مالك.. أنا امك يا رودي مش عدوتك، انطقي وقولي مالك! 


+



تفتت قناعها الشارد وأشفقت عليها..  أليست أم مثلها وتفهم وجيعة وقساوة هذا القلق؟ حاولت أن تبدو اكثر هدوء وهي تقول كذبًا:

في مشكلة مع رائد انتي عارفة ده وارد في الغربة وجوازنا مش بقالوا كتير وطبيعي طباعه وطباعي يتصادموا.. وتقدري تقولي هو زعلان مني شوية، عشان كده عايزاكي تدعيلي يهديه ليه و… .

وصمتت ونظرتها تتلون بمقت كبير:  وادعي يبعد عننا الشيطان يا ماما..! 


+



لم يقتنع قلبها ان هذا كل ما في الأمر، لكن يكفي انها تتحدث معاها بهذا الدفء للمرة الأولى وتطلب دعواتها ولن تخذلها


+



_ ربنا يهدي سرك يابنتي ويبعد عنك الشيطان وولاد الحرام ويهون غربتك ويرجعي لينا سالمة انتي وجوزك! 


+




        

          


                

تنهدت هاتفة:  اللهم امين! 

_ طيب عشان. خاطري يا رودي لما اتصل ردي عليا لأن بقلق عليكي.. اما مش بتردي بتجنن، وبعدين انا اختك بتوحشنا  رحمة اوي، ابقي كلمينا فيديو عشان نشوفها..! 


+



هنا سقطت دمعة أكثر حرقة ووجع وشوق وهي تهمس كذبا للمرة الثانية:  حاضر.. لما تصحى وتكون فايقة هكلمكم! 

ساد صمت بينهما وكأن كلًا منهما يتشبث بأنفاس الأخر  مكتفي بدفئه عبر الأثير حتي بادرت رودي:  رائد على وصول.. هقفل واكلمك تاني! 

_ ماشي، وخدي بالك من نفسك.. لا إله إلا الله

_ حاضر.. محمد رسول الله! 

……… ..

اغلقت معها وقلقها لم يهدأ، فافترشت الأرض بسجادة الصلاة وطال سجودها وهي تدعوا بكلمات غير مرتبة لكن نالعة من القلب وعبراتها تزداد غزارة وبكائها تعلوا قوته حتى اهتز جسدها المحني لخالقه وهي تهمس بضراعة ( يارب.. أنا معرفش بنتي مالها.. بس احفظهالي وابعد عنها هي وجوزها الهم والغم ولاد الحرام .. اصلح حالهم وساعدهم لو كانوا في محنة.. يارب أنا أم بتترجى قدرتك ورحمك تنجي بنتي وجوزها من المهالك وترجعها لحضني بخير..ظني فيك خير يارب و مطمنة إنك مش هترد دعايا).. رفعت رأسها وختمت الصلاة وظلت تسبح وتحمد الله وتُكبر وتستغفر إلي وقت لم تدركه حتي غطت بالنوم! 

_______________


+



ينظر لابنته بحنان وهي تلعب مع أولاد شقيقه، ثم وجدها تزحف حتي وصلت لقدمه فرفعها وضمها ليقبلها بحنان:  حبيبة بابا وحشتيني..وراحت الصغيرة تتلمس وجهه بفمها گ القطة گأنها تعبر عن شوقها إليه، فقبلها ثانيا وومض بعينه ومضة حزن لاضطراره تركها هنا.. حالة رودي غير مستقرة.. أصبحت شاردة طيلة الوقت، حتي أن الطفلة وقعت من فوق فراشها دون أن تنتبه لها.. وهذا سبب إحضارها هنا.. أصبحت وتخاف بشكل لا يفهمه، تنتفض ان قرع جرس الباب أو صدح رنين هاتف.. يشفق عليها ولا يملك سوى أن يضمها ويطمئنها طيلة الوقت! 

_ اسمع بقى اخر نوادر بنتك.. امبارح لقيت تليفوني مختفي، وقبلها ميرا مش لاقية نظارة القراءة بتاعتها وكتب الولاد واقلامهم اختفت.. طب فين كل ده مش عارفين؟ المهم رنيت على تليفوني تخيل لقيته فين؟ 

_ فين؟

_ في الباسكت ومعاه كل اللي قولته ده وخيرات ربنا كلها

ضحك رائد من قلبه وهو يحدثها گ القطة فوق قدمه:  كده بردو يا رحمة تكسفينا مع عمو وطنط والولاد..!


+



_ والله دي ماليا علينا البيت، انا مابقيتش اعرف اقعد غير وانا بلاعبها

ابتسم لأخيه:  مش عارف من غيرك هنا كنت هعمل ايه يا أيهم.. ربنا يخليك ليا

ربت على ركبته بوفق:  ولا منك ..المهم عندي ليك خبر كويس

_ خير خبر ايه؟

_ في دكتور نفسي هايل سألت عنه وقلت ليه ماتاخدش رودي عنده؟ صدقني مراتك عندها مشكلة نفسية كبيرة


+



تنهد بما يُثقل قلبه من حزن:  ياريت.. قولتلها غعلا ورفصت وفصلت تعيط وتقولي انا هخف لوحدي.. معرفش مالها انا هتجنن وزعلان علشانها، وكمان رحمة ذنبها ايه تبعد عنها

_ معلش أزمة وهتعدي، المرض النفسي ده زي اي مرض بيصيب البني ادم في اي فترة من خياته.. واضح ان في ترسبات جوة مراتك تعباها.. خليها تروح للطبيب وبأذن الله خير

_ يارب يا أيهم ..يارب! 


+




        

          


                

___________

_ ازيك يا رائد عامل ايه ورودي اخبارها ايه؟

_ الحمد لله على كل حال يا ميرا.. بإذن الله تكون افضل! 

واستطرد:  انا عرفت ان رحمة مجنناكم معلش بقى اتحملونا

تبتسمت بحنان حقيقي:  لا ماتقولش كده، والله انا شايلة هم لما تيجي تاخدها، انا اتعلقت بيها جدا.. ربنا يحفظهالك! 

ثم رمقت زوجها بنظرة فاترة وقالت:  طيب هستأذن اعملكم قهوة! 


+



لاحظ نظرات متوترة بين شقيقه وزوجته فتسائل بعد ذهابها:  ايه يكيا " أيهم" انتم زعلانين ولا ايه؟

_ حاجة زي كده

_ ليه بس دي ميرا طيبة وبتحبك ومش شايفها مقصرة معاك

_ منا عارف يا رائد ومستحيل انكر، ميرا دي حب عمري! 

_ امال مزعلها ليه؟

_ هقولك وانت احكم.. انت عارف انها مهوسة طبخ وبرامج المسابقات بتاعة الشيفات، كانت متابعة مسابقة من فترة وفاز فيها شيف مصري وهي مبهورة بيه و عرفت عن طريق مجلة انه جه هنا بيقضي شهر عسل مع مراته، لقيتها بتتنطط زي العيال وبتقولي انها عارفة الفندق اللي هو فيه وهتروح تتصور معاه.. طبعا انا اتجننت عليها واتعصبت جامد واتخانقنا، ومن وقتها مكشرة زي ما انت شايف! 


+



ابتسم رائد: فهمت، يعني الموضوع غيرة، بس مافيهاش حاجة لما تحققلها رغبتها، روح معاها يا سيدي واتصوروا سوا

_ منا نويت على كده والله، بس كان لازم اخد الموقف ده، انا راجل ومن حقي اغير! 

ثم همس بأذنيه بحرص:  بس نسيت اقولك الشيف ده متجوز حتة ست.. جمالها اسطوري يا ابني، لو شوفتها هتنح ومش بعيد ترجعلك الذاكرة.


+



لا يعرف لما شعر بتلك الانقباضة الغير مبررة، فنهض شقيقه قائلا:  هروح اجيبلك المجلة تشوفهم، دقيقة وراجع! 


+



اثناء ذهاب "أيهم" أحضرت له ميرا القهوة وغادرت، فعاد شقيقه وهو يضع أمامه المجلة مع قوله:  اهي شوفها..! 


+



أكمل رشفته الاولى من فنجانه ثم التقط المجلة بيده الحرة ووقعت عيناه على صورة الشيف المقصود وهو يحوط بذراعيه فتاة باهرة الجمال بالفعل كما وصفها أخيه..تأمل وجهها وشعر كأنه مألوف لديه.. نظرة تلك الفتاة ليست غريبة عليه.. ضيق حدقتاه وهو يتأملها باهتمام لم يعيه ثم بغتة شعر بدوار والصور أمامه تتضاعف، كل صورة تنسلخ عنها أخرى كأنها شبح ينفصل عن حدود الجسد.. الرؤية تزداد تشويش، صداع غريب اكتنفه فسقط فنجان القهوة من يده وأمسك رأسه من الجانبين بقوة والآلم يزداد ضراوة والعرق يندي على جبينه وأنفاسه تختنق ويشح الهواء برئتيه! 


+



_ رائد… رائد مالك.. طب اشرب شوية ميه! 


+



بدا صوت شقيقه بعيدا نوعا ما رغم انه جواره يكاد يلتصق به، شيء ما يحدث له كأنه يقع في قلب دوامة تسحبه داخلها بقوة.. لقطات خاطفة تتوالى في مرآة عقله لا يفهمها، وشوش ضبابية الملامح. أصوت تتداخل دون وضوح! 


+



_ رائد رد عليا مالك.. طب تعالي نروح لدكتور..!


+



هنا بدأ الإدراك والهدوء يعود رويدا وصوت أخيه يظهر بوضوح، والرؤية تعود لوضوحها والصور تلاشت ولم يبقى سوى وجه " أيهم" المفزوع يصيح بقلق:  رائد مالك حصلك ايه انا خايف عليك! 


+



غمغم بوهن طفيف:  متخافش يا أيهم انا بخير! 

_ بخير ازاي انت ماشوفتش نفسك انا دمي نشف، فجأة الفنجان وقع من ايدك ومسكت دماغك بتتألم وحسيتك مش سامعني خالص! 


+



_ معرفش سبب اللي حصل.. فجأة دوخت وحسيت بوجع رهيب وخيالات بتروح وتيجي في دماغي مش فاهمها.. 

ربت على كتفه:  معلش يمكن ارهاق.. المهم. انت بخير دلوقت؟

_ الحمد لله، ونهض هاتفا:  انا همشي بقي عشان رودي، وهعدي عليك تاني! 


+



ورحل وصورة الفتاة تفاصيلها لا تبارح ذهنه، كأنه يعرفها.. هل يمكن ان تكون كذلك؟ تنهد بخوف مبهم وتوجه لزوجته كي يطمئن عليها..!

____________


+



تصاعدت نوبة سعالة المعتادة وكاد يختنق لولا ان هدأ صدره واستعاد انتظام أنفاسه ثم أشعل لفافة تبغ خبيثة متلمسا منها شعور زائف بالراحة، وقبل أن تنتهي أطفأ عقبها المشتعل بورق غلاف مجلة لامعة تحمل صورتها هي وزوجها تحت عنوان " الشيف الوسيم وعروسه الفاتنة في 

Honey moon".

.والتقط هاتفه ثم قال محدثا الطرف الاخر: عندي كلام جديد هيغير الاتفاق اللي بنا والمبلغ هيزيد للضعف! 

______________


+



الخامس والاربعون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close