اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دفنا عمر


                                    

الفصل الثامن والثلاثون

_____________

تدللي ياطفلة يزيد وأُنثاه..

القلبُ لكِ واحة

تجولي بها گ نسمات الربيع 

أنثري عطرك  وتخللي هواء صدري

تنقلي گ الفراشة وأصبغي ألوانك

على أيامي المعتمة لتضيء بنور محياكِ

. . . . . . . . .. 

تراقبه متعجبة وهو يقطع الفاكهة متجاهلًا حديثها الهام عن خطبته هو والفتاة التي انتقتها له! هل يستهين بما تقوله؟ بهذا الخاطر صاحت عليه بحدة: 


+



_ ايه اللي بتعمله ده ياعابد؟ للدرجة دي مش مهتم بكلامي؟احنا في ايه ولا في ايه يا ابني؟! ماتركز في اللي بقوله.. هتخطب بسمة ولا لٱ؟ 


+



لم يجيبها مواصلا تقطيع ثمرات الفراولة بتروي عجيب، فواصلت بإقناعه:  صدقني ياعابد البنت اللي اختارتهالك هتكون زوجة ممتازة وتليق بيك، صحيح مستواها المادي متواضع  بس انا يهمني اخلاقها وتعليمها وجمالها.. لو اخدتها هنرفعها لمستوانا وهتعيش معانا هنا في الجناح اللي فوق! 


+



انهي ما يفعل ثم مد يده بقطعة فراولة وقال:  اتفضلي يا ماما


+



بدأت أعصابها تنفلت وهو يتجاهل قولها فهدرت: 

جرالك ايه ياعابد.. فراولة ايه اللي بقالك ساعة بتقطعها؟ وبعدين انا عمري ما حبيتها.. ! 

_ بس دي من أرضنا..حاجة مضمونة وزارعها بإيدي! 

_ حتي لو كنت انت اللي زارعها..لو أكلتها هتأذيني وتهيج الحساسية عندي.. ولا نسيت؟! 

قال بهدوء غريب:  بس انا بحبها وضامنها وحاسس انها مش هتتعبك! 


+



جزت على أسنانها بنفاذ صبر: انت شكلك اتجننت على الأخر.. انت عايز تأذيني؟ ولا بتستهتر بكلامي معاك؟


+



ترك صحن الفاكهة جانبًا ثم نظر لها مليًا بغموض قبل أن يردف: 


+



وانتي ليه عايزة تأذيني يا أمي؟ ليه بتطبقي عليا المنطق اللي  انتي رفضتيه دلوقت؟ انتي مقدرتيش تاكلي حاجة مش بتحبيها وهتأذيكي.. فمابالك بواحد يتجوز واحدة ويعاشرها سنين عمره كله هو مش بيحبها لمجرد انها رغبتك انتي؟

بسمة او غيرها مش أكلة هقدر ابدلها حسب ما احب ومن غير ما احس بتأنيب ضمير.. دي انسانة هيكون ليها عليا حقوق وعليها ليها واجبات..لو مش بحبها عمري ما هقدر اسعدها او تسعدني، هو ده اللي انتي بتتمنيه ليه يا ماما؟ 


+



لم تجد رداً تدافع به بعد أن أخجلها بقوة رده ومنطقيته، ووضعها بصورة مماثلة ليصلها احساسه..!


+



استطرد بعتاب: انتي بتستغلي حبي ليكي عشان تجبريني امشي خطوة مش مقتنع بيها.. عايزة تتعسيني يا أمي! 


+



اغرورقت عيناها وهي تشير لصدرها باستنكار لاتهامه القاسي على أمومتها:  أنا يا عابد؟ أنا عايزة اتعسك يا ابني؟


+



_ أيوة يا ماما..للأسف بتعملي كده تحت مسمى انك عارفة مصلحتي.. بس ده مش حقيقي.. انا راجل اقدر اتحمل مسؤلية اي قرار او خطوة همشيها.. زوجتي دي هتكون من اختياري لأن انا اللي المفروض احبها مش انتي.. انا اللي ارتاح ليها مش انتي.. انا اللي لازم اقتنع بيها مش انتي.. انا اللي هعاشرها مش انتي"


+




نكست رأسها باستسلام ودموعها تسيل، فلم يتحمل، رفع وجهها وجفف بانامله دموعها وهمس برفق: أنا عارف إنك مش قاصدة كده.. بس دي الحقيقة.. أنا مش ممكن اتجوز بالطريقة دي يا أمي.. أرجوكي تسيبيني اختار براحتي..  وأوعدك اني مش هتجوز غير وانتي راضية عن اختياري! 


+



_ ولو مارضتش عن اختيارك؟


+



_أنا مراهن على قلبك يا أمي.. وواثق انه مش هيردني مكسور الخاطر..واستأنف بعد عن لثم جبينها:  اللي هتختارها هتكون الأفضل ليا بمقايسي أنا وواثق أنها هتسعدني.. واعتقد سعادتي هدفك الأساسي! 


+



أرجوكي يا ماما ماتحاوليش تاني تاخدي قرارت عني او تحطي قصادي اختيارات صعبة.. لأن مافيش مجال اختار بينك وبين حد.. انتي أعلي من أي كفة.. لأن مافيش ميزان هيقدر يقيم حبي ليكي وغلاوتك عندي! 

----------------------------------


+



كلما تصفحت صورها القديمة بعهد طفولتها، لا ترى بقسمات وجهها البريء سوى السخط..عبوس.. نظرة جامدة وشفاه مطبقة كأنها تكره تسجيل تلك اللحظات من عمرها بين إطار صورة تجمعها بأشقائها..تعلم انها ناقمة عليها گ أم وعلى أبيها رياض رحمه الله وسامحه.. تراهما المسؤلان عن وحدتها رغم أن الكلمات نضبت من حلقها وهي تترجاها ان تستقر معها وتعيش بين أشقائها.. لكنها ما أن كبرت قليلا حتى عزفت حتى عن زيارتها مكتفية بسؤال بارد من وقت لأخر.. أما رياض، فاكتفى بتوفير خادمة امينة ترعاها وأموال كثيرة تحت تصرفها لتعيش كما يحلو لها.. ورغم هذا لم تري بليل عيناها غير النقمة والقسوة..الفترة الوحيدة التي تعاملت معها بشكل حاني ودود.. حين خطبها رائد.. وكأنها كانت ترسم امامه علاقة مثالية كاذبة.. وما أن سافرت معه حتى شحت مرات اتصالاتها..وبعد انجابها حفيدتها الأولى "رحمة"..اكتفت بارسال صورها عبر الهاتف وعادت لتختفي ثانيا كما عهدتها دوما..بعيدة.. قاسية!..لكن هل تجرؤ على لومها ولو قليلا؟

لا..! 

هي لم تحصد منها سوى ما زرعته فيها.. تعترف أنها أهملتها  كثيرا خاصتًا في فترة مراهقتها الخطيرة وانغمست برعاية صغارها الأخرين..وأسكنت ضميرها انها طلبت أن تعيش معها وهي من رفضت.. ماذا تفعل أكثر.. الخادمة ترعاها.. وأموال كثيرة تحت تصرفها.. ماذا تحتاج فتاة مثلها من الحياه أكثر من تلك المنح؟ لا شيء! 

لكن بمرور الوقت أدركت انها لم تعطيها اهم شيء احتاجته صغيرتها.. الأمان والحنان والاهتمام..رودي اعتادت منها البعد وتأقلمت عليه حتى أصبحت علاقتهما باردة، جافة.. وازدادت بعد الغربة جفاء.. ليتها تعيد عقارب الزمن للوراء لتصلح أخطائها..ربما لم يتغير قرار انفصالها عن رياض.. لكن حتما كانت ستتمسك بها أكثر وتحاوطها برعاية وحنان اكبر.. لكن لا بكاء سيعيد صفاء اللبن بعد أن تعكر بياضه وانسكب أرضًا وأصبح مجرد قطرات ملوثة ابتلعتها الأرض وطُمست بطينها..! 


+



_ ليه اختي رودي مش بتسأل علينا يا ماما؟ أنا عايزة اشوف رحمة بقى شكلها ازاي دلوقت؟


+



طالعت صغيرتها ابنة الثانية عشر بحزن وهمست وهي تربت على كتفها: مشغولة ياحبيبتي.. رحمة لسه بيبي وواخدة كل وقتها.. بس انا هبعتلها رسالة دلوقت واقولها تبعت صور جديدة! 


+




        


          


                

ابتسمت الصغيرة بحماس وقالت: خليها تعملها فيديو يا ماما نشوف حركاتها بقيت ازاي.. دي وحشتني أوي! 

_ حاضر ياحبييتي هقولها..!


+



وضمتها لتقع عينيها قدرا على صورة رودي مرة اخرى وكأنها ترمقها بذات السخط..لتدور بها الذكرى ثانيا بطيات ما مضى! 

---------------------


+



تداعب طفلتها برقة مستلقية على فراشها ورائد يستعد للذهاب لعمله..!

_ أنا خلاص نازل يا رودي.. مش عايزة حاجة؟

_ لا ياحبيبي.. تعالى صبح علي رحمة عشان يومك يبقي جميل

اقترب وعينيه تضوي بحنان طاغي: 

وهو انا ممكن انزل من غير ما اصبح علي روح باباها.. وراح يلثمها ويداعب انفها بأنفه وهي تضحك ثم تركهما.. لتحاول رودي مع طفلتها كي تنام.. وتقوم هي بشئون منزلها سريعا..واخيرا غفت بوداعة على صدرها. فنقلتها بحذر لفراشها وهمت بمغادرة الغرفة حتي صدح رنين. رسالة لهاتفها، فالتقطته سريعا قبل من يزعج صغيرتها، وعبرت خارج الغرفة.. لتجد رسالة من رقم لا تعرفه..


+



ما أن تبينتها حتى جحظت عيناها برعب في كلمات الرسالة

وطيف ماضيها يرمي بظلاله السوداء على حروف خبيثة تهدد أمانها واستقرارها الذي تعيشه! 


+



" والله زمان يا.. تيمو "


+



---------------------------------


+



_ مالك ياعابد


+



زفر بضيق: انا تعبان يا يزيد.. مش قادر اتحمل الضغط النفسي اللي انا فيه.. ماما من ناحية، وغموض زمزم وبعدها عني.. اللي ختمتهم بزيارة لأهل جوزها الله يرحمه.. وفي الأخر الهانم بقالها يومين هناك! 


+



_ لوحدها؟ 

_ لأ.. مع محمود

- طب اهدي بس وروق.. مش قلنا الموضوع عايز صبر..!

_ لحد امتي وهي مش مدياني أي فرصة اكلمها.. بتهرب مني بكل الطرق ومش عارف اعمل ايه! 


+



_ طب روق وصلي على النبي.. إيه رأيك تيجي القاهرة تغير جو ونتكلم انا وانت ونشرك احمد معانا؟ ما انت عارفه حلال العقد العاطفية


+



_عليه الصلاة والسلام.. ماشي أنا فعلا محتاج افصل شوية، هفوت بكره عشان في حاجات مهمة في المزرعة، وهاجي بعده! 

_ اتفقنا ..وزي ما قلت أهدى وكله هيبقي تمام ماتقلقش! 

_ ماشي دعواتك لاخوك ياكبير"

_ ربنا يريح قلبك! 

----------------------------

عادت ولم يستطع منع نفسه من الذهاب ورؤيتها هي والصغير! لمحها هي ومحمود حاملا مهند قرب البوابة فدنى راميًا السلام فردوا تحيته التي القتها هي ببرود.. بينما تحمس الأخر وهو يصف له انبهاره! 


+



_ اسكندرية طلعت حلوة أوي ياعابد، بصراحة اتبسطنا وياسر كان طاير بينا هو ومامته! 


+



نهشت الغيرة قلبه وهو يتخيل كيف قضوا أوقاتهم هناك، لكنه أسدل قناع البرود وهو يجيبه متجاهلا النظر لزمزم متعمدا ردا علي برودها: طب كويس انكم اتبسطتم! 


+



محمود: جدا.. تعالي بقي اتفرج على صورنا أكيد هيعجبك صور لمهند عشان تاخدها.. وراح يستعرضها معه إلى أن وقفت حدقتي عابد على صورة تجمع ياسر وزمزم والأول ينظر لها بنظرة أعجاب أحرقت كل حقول تعقله وأوشك على تحطيم الهاتف لمحو صورتهما، لكنه اكتفى بتوجيه بنظرة لائمة وغاضبة صوبها وغادر مغمغمًا بكلمات مقتضبة لمحمود تحت أنظارها الجامدة في ظاهرة.. لكنه لا يعلم أنها تحترق مثله تمامًا..!

--------------------


+




        

          


                

حملت رشاش ماء صغير وشرعت بنثر ماءه فوق أوراق الريحان بزوايا شرفتها والشرود يُغرقها بطياته ولم تدري أنها فاضت على الأورق بأكثر من حاجتها.. ! 


+



_ صباح الخير يا باشمهندسة! 


+



التفتت لأبيها لتقابلها نظرته الحنون وابتسامته الصافية، فتركت ما بيدها ودنت وقبلت خده هاتفة:  صباح الخير يا قلب الباشمهندسة.. عامل ايه! 

_ الحمد لله ياحبيبتي.. كنتي سرحانة في ايه؟ انتي غرقتي الريحان وسقتيه بمية زيادة!  


+



_ فعلا سرحت في حاجة ورويت الزرع زيادة عن اللزوم! 


+



حدجها بنظرة ثاقبة..هو يعلم ما بها بعد أن استعان به يزيد ليدعمه عندها وأخبره بحديثهما يوم خطبة رفيقه وكيف صارحها انه يحبها ويريدها له.. وكم ازداد قيمة بعينه ولن يدخر جهدا كي يجمع ابنته برجل لا بتمني أفضل لوحيدته.


+



هتف بمراوغة: طب ماتحكيلي يمكن افيدك.. أبوكي عنده بردو شوية خبرة في الدنيا..! 


+



حدجته برهة ثم بدت وكأنها وجدت طوق نجاتها هاتفة: أنا فعلا عندي مشكلة تخص صاحبتي ياريت تقدر تفيدها برأيك!

_ جربي مش هتخسري حاجة! 


+



هتفت بعد تردد: هي ليها قريب وفجأة قالها انه بيحبها بس هي مش مصدقاه

_ وليه مش مصدقة؟

_لأنه كان بيحب غيرها من زمان.. وهي شاهدة قد ايه كان بيعشقها واتعذب لما حبيبته دي سابته.. وعمره ما حس بصاحبتي خالص.. يبقي ازاي فجأة يحس انه بيحبها؟


+



أجاب مبتسمًا: هي فعلا حاجة تحير.. بس عشان صاحبتك تفهم الاسباب لازم تعطي فرصة للشخص ده انه يفسرلها بنفسه.. يجوز عنده اللي يقنعها بيه انه فعلا بيحبها

_ بس هي متأكدة انه بيشفق عليها عشان حس انها بتحبه


+



ربت على كفها بود وهتف بثقة:  خديها مني نصحية أكيدة لصاحبتك.. محدش هيعمل كده شفقة لأنه مش مجبر.. وبعدين من كلامك واضح ان تجربة حبيبها مع حبيبته الأولى كانت سيئة.. مافيهاش حب متبادل وخالية من الوفاق..! 


+



همست بذبذبة معذبة ولمعة عينيها الدامعة كادت تكشفها:  ومع كده هي متأكدة انه لسه بيحب حبيبته الأولى! 

_ منين جابت التأكيد؟


+



استدارت عنه تطالع الأفق بشرود هامسة: الحب الأول يا بابا مابيتنسيش.. خصوصا انها لو قارنت جمالها بجمال حبيبته هتخسر..! 


+



أدارها إليه برفق، فأسدلت على وجهها قناع سريع يخفي تأثرها الحزين وتوترت من نظرة أبيها الكاشفة لها بصمت.. قبل أن يقول:  الجمال لوحده عمره مايعمر بيت ولا يسعد قلب ولا يروي روح ويبني علاقة ناجحة..  فيه أمور كتير الراجل بيحتاجها ياعطر وأنا هنا بكلمك بلسان الراجل بشكل عام.. لو انا مثلا في شبابي حبيت واحده جميلة.. بس معايا باردة مش مقدراني.. مش محسساني اني رقم واحد في حياتها.. بتبخل عليا بحنانها.. بتهمل مشاعري.. بديها كل حاجة حلوة عندي ومش باخد منها غير ألم وحزن.. إزاي هفضل أحبها؟ دي علاقة ميتة يابنتي مستحيل تعيش..وساعتها من حقي ادور على سعادة قلبي مع غيرها.. واللحظة اللي هلاقي فيها البنت اللي تعطيني زي ما هعطيها.. هي دي بس اللي هتكون حب العمر الحقيقي واللي قبلها ده وهم اتعاش..!


+




        

          


                

غزت عيناها الحيرة وكلماته تُجدي بثمارها داخل نفسها.. ربما هي حقا تظلم يزيد..ربما شعر أخيرا انها سعادته الحقيقية؟ ربما استجاب الله دعوتها أن يرمي نبتة حبها في قلبه!   تنهدت ومالت برأسها على كتف أبيها تتلمس منه قوة فضمها ولثم شعرها مغمغما بدفء جعلها تسترخي أكثر :  


+



انصحي صاحبتك وقوليها ماتضيعش حب حقيقي مستنيها.. خليها تحافظ على حقها فيه وماتسيبهوش يضيع! 


+



رفعت رأسها إليه وعلى قسماتها الدهشه متسائلة بحدقتين ضيقتين: حقها فيه؟ 

_ طبعا.. مادم هي بتحبه وهو اختارها هي.. ليه تسيبه.. المفروض تتمسك بيه وتثبت انه اما أختارها تشاركه حياته كان عنده حق.. خليها تجرب أو على الأقل تحطه في اختبار انه يثبت حبه.. وبعدها تقرر..! 


+



أطرقت رأسها دون حديث.. فرفع ذقنها إليه برفق وقال: 

أوعديني انك تقنعي صاحبتك بكلامي! 

أومأت بتيه:  أوعدك! 

ربت على ظهرها وقال:  طب يلا تعالي نفطر في الجنينة سوا.. وأنا اللي هأكلك بإيدي انهاردة


+



ابتسمت له بعاطفة واضحة وهمست:  تفتكر يا بابا ممكن حد يحبني ويدلعني اكتر منك! 


+



_ لأ طبعا.. حتي لو اتجوزتي وخلفتي هفضل ادلعك واحبك.. الولد جوزك مش هياخد مكاني ابدا..! 


+



ضحكت برقة وعاد إليها مرحها: ومين يقدر ينافس ناجي في قلبي ولا ياخد مكانه؟! 

----------------------------------


+



_بتقولي ياسر طلب ايدك؟

أجابت بجمود: ايوه يا ماما

_وانتي رايك ايه؟

_بفكر

هتفت باستنكار: 

_نعم؟ بتفكري؟ ازاي؟ ده عايزك عشان مهند 

مش ده كلامك يا زمزم؟!

تنهدت بحسرة اعتصرتها: هو ماقالش كده بصراحة ياماما لكن ده اللي حسيته منه! 

عبير: ومع كده بتفكري توافقي؟ المفروص ولو بالكدب كان حاسسك انه راغب فيكي لنفسك قبل أي حاجة.. بس واضح انه معندوش ذوق.. معرفش ازاي ده أخو جوزك الله يرحمه! 


+



بدت أمامها كيان بائس، محطم، لا تبالي بشيء، سلمت روحها للرياح للاستسلام خانعة.. كل الأمور تشابهت بعينيها.. صوتها بارد گ الثلج رغم قلبها المتجمر بالقهر لنظرة مجتمع يدينها بما ليس لها فيه ذنب.. نظرة مثلتها كريمة والدة من وقعت بشراك حبه گ الساذجة! 


+



_ ده ماينفعكيش يا بنتي! 

_ وليه يا ماما؟! مش يمكن سعادتي مع ياسر؟ هو انا عايزة ايه غير انه يكون أب لأبني يخاف عليه ويحبه! 

_ وانتي؟ مين هيحبك؟ مش من حقك تدوري على الحب؟

ابتسمت بسخرية مريرة وشيب روحها يطغى على صباها وهي تقول:  ما خلاص جربنا وحبينا واتحبينا.. حصل ايه يعني.. اديني في الأخر مجرد أرملة..وكيان معيوب  في عيون الناس.. وما استاهلش غير الفتات!


+



صمتت عبير تطالعها بحزن لنبرة اليأس الذي تملكتها وشعرت أن روحها تحتاج صفعة صحوة تفيقها من وهن استسلامها..فأدارتها إليها وهتفت بحزم: 


+



اسمعي مني الكلمتين. دول يا زمزم وافهميهم كويس! 

الجواز مش لعبه ولا قرار يتاخد في لحظة يأس و تخبط وحزن..الجواز عشرة سنين على الحلوة والمرة،

ايام ومواقف هتعيشيها مع شخص لو مافيش بينكم حب مش هتتحملي..هتبقي زي الطفلة المحرومة من الحنان.. 

صحيح ياسر هو عم مهند بس ده مش معناه انك تتجوزيه وتضحي بسعادتك..!

_ سعادتي انتهت بموت زياد يا ماما..! 


+




        

          


                

- لا يا بنتي سعادتك لسه في ايدك وبقرار منك ..شيلي بس ظنونك اللي من غير اساس وقيمي موقف عابد بشكل تاني..انتي لو شوفتي نظراته ليكي هتفهمي انه بيحبك بجد ومستحيل يكون بيخدعك..حرام تحكمي عليه من غير ما تعرفي اسبابه.. كده بتظلمي نفسك قبله.. حتى مهند بتظلميه لأنه بيحبه وبيعتبره أبوه! 


+



صمتت ثانيا واستطردت:  ماتضيعيش عابد منك يا زمزم.. ده حب حقيقي الزمن بيعوضك بيه عن زياد.. أوعي ترفسي النعمة يابنتي لأنك وقتها هتندمي بعد فوات الأوان.. عابد يستاهل تعيدي حساباتك تاني.. يستاهل مجازفة انك تحاولي تفهمي من غير ما تجرحي كرامتك.. اسمعي مني لأني شايفة اللي انتي مش شايفاه! 


+



بعثرة.. تشتت.. خوف.. حزن.. جميعها مشاعر اجتمعت داخلها وأصابتها بالضياع.. ماذا تفعل؟ لو سلمت لدفة القلب لركضت إليه دون البحث عن حتى تفسير.. يكفي ان تكون معه.. ولو سلمت للعقل ستركض بعيدا عنه ولن تختلف وقتها ذراعين ياسر عن غيره.. الكل سيصبح لديها سواء..!

----------------------------


+



_أخبارك ايه مع عطر؟ لسه ما ظبطش الدنيا معاها؟


+



تنهد أسفًا: أبدًا يا احمد.. ببعتلها رسايل مش بترد، ولما نزلت المنصورة حاولت اشوفها معرفتش! 

_ معلش ده متوقع ومنطقي.. لازم تتلخبط شوية وكمان صعب تصدقك بسهولة بعد ما شهدت على حبك أيام بلقيس..  

_ عارف، عشان كده مستوعب خوفها ومقدر استنكارها وكل مشاعرها المتلخبطة من وقت ما صارحتها..توقعت رفضها ومتفاجئتش منه..!

واستطرد بنبرة وشت عن عذابه: بس اللي حقيقي معملتش حسابه هو شوقي ليها.. لهفتي إني اشوفها وانها تصدقني عشان اقرب منها اكتر.. قبل ما اصارحها كنت قادر اصبر.. لكن دلوقت حاسس اني بتقلب في نار الانتظار.. عايزها تستوعب بسرعة.. انا محتاجها اوي.. عايز اعوض معاها اللي فات..واعوضها هي كل لحظة حبتني وانا ماكنتش حاسس بيها..! 


+



رمقه بتعاطف وربت على كتفه:  هيحصل يا يزيد متخافش.. هانت.. احنا كنا فين وبقينا فين.. هي بس مسألة وقت.. وانت المفروض تستغل انتظارك انك تفكر هتعمل ايه عشان تقنعها.. انت محتاج تعمل حاجة فيها شوية تهورة وجنان عشان توصلها احساسك.. محتاح دليل يخليها تصدقك! 


+



_ فاهمك.. عارف ان في حالتي مش كفاية اروح اطلبها من باباها واجيبلها شبكة وفستان.. وده اللي بفكر فيه.. وفعلا عندي فكرة معينة.. بس انا محتاح الأول اشوفها واكلمها، وهي بتتداري مني! 


+



ساد الصمت برهة ثم فرقع أحمد إصبعه بحماس:  لقيتها..! 

_ لقيت ايه؟

_ الفكرة اللي هتخليك تكلم عطر براحتك 

_ايه هي يا احمد قول بسرعة

_ هقولك.. شوف يا سيدي! 

-----------------------------------------

انا مش مرتاح لياسر ده يا عبير..زياد الله يرحمه كان مختلف عنه كتير.. معرفش ليه بحس أخوه ده عيونه خبيثة! 

تنهدت مع قولها: ولا انا يامحمد..وزمزم مابتحبوش هي كل تفكيرها انه ممكن يكون مناسب لمهند وبس.. لكن مابتفكرش في سعادتها خالص وكأنها زاهدة في الدنيا ..! 

_وده غلط، لو هي مش مبسوطة ابنها نفسه هيكون تعيس لما يكبر ويشهد تعاستها.. فهميها ياعبير انتي أمها وهتوصلي الصورة أوضح مني..انتي عارفة انا عمري ما فرضت عليها شيء هي او اخوها.. بس الموضوع ده تاعبني ومش مرتاحله!


+




        

          


                

أومأت وهمست بغموض: ماتقلقش.. يمكن تحصل حاجة محدش فينا متوقعها وتقلب الموازين! 

-------------------------

_ عطر.. خدي ياحبيبتي يزيد عايزك على التليفون


+



تسارعت دقات قلبها توترًا ومدت يدها والتقطت هاتف والدتها وظلت بضع ثونٍ تعجز عن قول شيء.. ثم تماسكت وأخذت نفسا عميقا وهمست:  ألو..! 


+



لم يصلها رده.. شعرت فقط بأنفاسه عبر الأثير.. ولو رآته للمست شوقه وعيناه المسدلة تحتبس بمخيلته صورتها مع صوتها تلك اللحظة..عادت تهتف بعد أن طال صمته: يزيد؟


+



فتح عينيه واتسعت ابتسامته الناعمة ثم نفض تأثره وحاول أن يحدثها بنبرة جادة لا تخجلها:  ازيك يا باشمهندسة! 

تجرعت ريقها بارتباك وقالت:  الحمد لله! 

_ انا عارف انك مش حابة تكلميني دلوقت.. بس كان لازم تعرفي إن التصميم بتاعك لما دخل حيز التنفيذ ظهر فيه عيوب، العميل عايز يعدلها..وبما انك صاحبته ماينفعش غيرك يعدله.. ده حقك. لوحدك!  


+



استطاع تخفيف توترها بعد أن وجه تركيزها على ما قال فهتفت بتساؤل:  ازاي؟ انت قلت ان التصميم عجبه جدا وماذكرتش انه فيه عيوب.. يعني انا فشلت فيه؟

لمس إحباطها فأسرع يبثها ثقته:  بالعكس ياعطر تصميمك ممتاز.. ومش معني انه عايز تعديل انه سيء.. ده وارد لما بينتقل الشغل من على الورق لأرض الواقع ممكن العميل يحتاج حاجات بسيطة تناسب المكان اللي هيطبق عليه التصميم.. انتي ببساطة هتيجي القاهرة تقابليه وتتناقشيه معاه وتعدليه في مكتبك براحتك..!

وواصل : ولا مش وحشك مكتبك في الشركة؟


+



_ أكيد وحشني..!

_ خلاص انا هاجي المنصورة بكره ممكن ترجعي معايا و… 

قاطعته:  لأ.. قصدي ماتتعبش نفسك أنا هنزل القاهرة مع ياسين! 


+



تفهم خجلها منه فغمغم برفق:  خلاص زي ماتحبي! 


+



وساد بعض الصمت قطعه بهمسته الحانية:  وحشتيني! 


+



اعتصرت هاتفها بين أناملها تتلمس منه قوة وهي تغمض عيناها تأثرا بنبرته المستحدثة بدفئها الطاغي، فاستطرد: 


+



عطر.. أنا مقدر ارتباكك واستنكارك وصابر لحد ما تجمعي شتات نفسك تاني وتديني فرصة اتكلم معاكي..بس ارجوكي كفاية هروب، أسمعيني وانا كفيل ارتب الفوضى اللي حصلت جواكي من ناحيتي..( وبعد برهة أخرى من الصمت قال) ودلوقت مش هضغط عليكي.. يكفيني انك بتشوفي رسايلي حتي لو مش بتردي..وهستناكي في القاهرة..

مع السلامة يا فواحة! 


+



اغلقت معه لتلتقط أنفاسها المحتجزة بصدرها وكأنها تستغيث.. لا تعرف ماذا تفعل..تحتاج قوة مواجهة محتومة لتنهي تلك الحالة.. ستنصت لنصيحة أبيها وتسمع منه.. وعليه هو ان يثبت صدقه ويقنعها انها وحدها من تسكن قلبه! 


+



------------------------


+



ينتظر قدومها بلهفة داعيًا الله ان يوفقه ويلهمه كلمات مناسبة عندما يحدثها في أمرهما منفردًا كما انتوى..سمع طرقة وحيدة مترددة وأدرك أنها هي..كأنها تفكر في الهروب.. عادت تطرق من جديد وتبدو حسمت أمرها.. دعاها للدخول فولجت إليه مختفية خلف نظارة سوداء تبتلع ملامحها الحبيبة..القاسية تحرمه من النظر لعيناها التي اشتاقها.. لا بأس.. مهما وضعت أمامه العوائق سيتخطاها ويخترقها وينفذ داخلها وإليها..!


+




        

          


                

_ اتفضلي ياعطر..! 


+



دنت منه ورغم أنها تخفي عنه خلف نظارتها.. توترت وزاغت بعيدا عنه وهمست:  هو العميل جه؟

ابتسم برقة:  بسرعة كده مش عايزة حتى تسلمي عليا و تشربي معايا حاجة! 

عادت تهمس:  أصل عايزة اعرف الناقص في التصميم واعدله عشان عمتو منتظراني ارجع على طول! 


+



_ هترجعي.. بس مش على طول! 

لمح رمقتها المتعجبة له فواصل:  بعد ما تخلصي نقاش مع العميل هعزمك برة على مكان هادي نتكلم فيه براحتنا.. وبعدها هوصلك لبيت عمتك وبكره تيجي تعدلي التصميم! 


+



همت بالاعتراض فقاطعها بحزم:  عطر.. انا لازم اكلمك وانتي لازم تسمعي مني.. ثم همس برجاء أضعفها:  عشان خاطري! 


+



صمتت برضوخ ورغبته بالبوح تتفق مع رغبتها لتعلم ما لديه، لكنها تهابه أو بالأحرى تخجل منه كلما تذكرت اعترافه يلفحها لهيب خجلها هذا..! 


+



طرقتين ثم دلفت السكرتيرة تقول: الباشمهندس أحمد بيقول لحضرتك العميل جه ومنتظرك في قاعة الاجتماعات انت والباشمهندسة عطر..! 


+



أومأ لها قائلا:   قوليلوا جايين حالا..! 

ثم لوح لها:  شكل العميل مستعجل اوي.. جاي بدري عن معاده بنص ساعة تقريبا.. عموما هنخلص مقابلته ونخرج زي ما قولتلك! 

………… ..…… 


+



نزعت نظارتها بعد أن انضمت لقاعة الاجتماعات، فعرفها أحمد للعميل هاتفا:  أعرفك بالاستاذ أنور عملينا المحترم و صاحب التصميم اللي عملتيه.. حيته عطر بإيماءة مع همسة مرحبة فاستطرد احمد مكملا التعارف: ودي الباشمهندسة عطر اللي عملت تصميم.. والحقيقة هي لسه فاضلها شهور بسيطة وتتخرج.. بس لأننا واثقين في موهبتها الكبيرة اسندنا ليها التصميم بتاع شركتك! 


+



برقت عين أنور بإعجاب واضح وهو يغمغم:  معقولة لسه ماتخرجتيش وعملتي تصميم بالدقة والروعة دي.. بجد موهبة تستحق الإعجاب..واللي يشوفك يقول انك صغيرة جدا..! 

عقد يزيد حاجبيه بضيق و نظرة العميل لعطر تشعل ناقوس الغيرة داخله، وازدادت اشتعالا حين لاحظ أنها تخلت عن تظارتها وهمست بصوت بأذنيه شديد الرقة:  شكرا على المجاملة يا استاذ أنور..ده تصميم عادي وأسفة لو لقيت في اخطاء و…… 

قاطعها:  لالالا مش لدرجة أخطاء.. هو بس تعديل بسيط وأنا المسؤل عنه لأن ماذكرتش الجزئية دي للباشمهندس يزيد وقت اتفاقنا.. بس ده بردو  من حظنا لأن بسببه شوفناكي ثم حمحم: قصدي شوفنا الكل! 


+



لأنه خير من يعلم صاحبه الذي يشيط الٱن قال بعملية يهديء بها الأجواء:  تمام.. خلصنا تعارف.. ندخل بقى في التعديل المطلوب يا استاذ أنور.. الانسة عطر مش متواجدة في القاهرة كتير.. ويدوب تعدل التصميم وتسلمه! 


+



_ هي مش عايشة هنا؟؟؟؟


+



فاض الكيل بيزيد وداك العميل يُجري مسار اللقاء لأسئلة فضولية لا تخصه، فتمتم بجدية شديدة:  خلينا في شغلنا يا استاذ أنور بدون أسئلة جانبية.. واتفضل اطرح علينا التعديلات المطلوبة عشان نتناقش فيها..! 


+




        

          


                

شعر بالحرج لكنه تخطى الأمر واندمج بالفعل بسرد ما يريده وعطر تناقشه بهدوء حتى كونت فكرة تامة عن ما يحتاجه.. وانتهى اللقاء وذهبت هي لترى أمونة وتعتذر لها لمغادرتها حفل خطبتها دون أن تهنئها..! 

……… ..   


+



_ اهدى يا يزيد محصلش حاجة

_ أزاي؟ ما انت شوفت بنفسك يا احمد نظراته ليها وأسئلته الفضولية عنها.. يعني أنا مش ببالغ! 

_ عندك حق.. بس انت كمان احرجته وخليته ماينطقش غير في الشغل وكان واضح جدا انك مضايق منه! 

_ لأنه جريء.. ونظراته لعطر ماكانتش بريئة! 

_ خلاص اهي مقابلة مش هتتكرر بينهم تاني.. اهدى بس وركز في اللي هتقوله ليها عشان. تقنعها.. دي فرصتك اوعي تضيعها..! 


+



مغمغما. بإصرار واضح:  متخافش.. مستحيل اضيعها..! 

--------------------------


+



" انتي بتفكري تقبلي ياسر يا زمزم؟"


+



تسائلت باستنكار، فردت الأخيرة:  وليه لأ يا بلقيس.. العقل بيقول إن ياسر انسب فرصة ليا أنا وابني.. صحيح مش بيحبني لشخصي وهدفه الأساسي تربية مهند.. وصحيح انا كمان مش بحبه بس هو كل جوازة لازم تقوم على الحب عشان تنجح؟؟؟

_ أنتي بتتكلمي جد؟ مش ممكن ده يكون تفكيرك..ايه يجبرك تضحي بسعادتك لمجرد ان ياسر مناسب لتربية مهند؟ طب إيه عرفك انه هيكون أب كويس وحنين عليه؟ ايه يضمنلك انك لو اتجوزتي ياسر وخلفتي طفل  تاني مش هيعامله بتفرقة ويبقي قاسي عليه وحنين على ابنه اللي من صلبه؟ ايش دراكي انك هتتحملي عيشتك معاه وانتي ولا بتحبيه ولا هو طلع أب لابنك زي  ما توقعتي؟ سعاتها هيكون قدامك طريقين مالهمش تالت!.. تكملي معاه وتعيشي تعيسة وابنك يطلع معقد من حزنه عشانك.. او تطلقي وتاخدي لقب مطلقة اللي بقرار منك بعد لقب أرملة اللي مالكيش فيه ذنب ومع كده نظرة المجتمع فيه مش رحماكي.. مابالك بمطلقة؟ كل اللي قولته ده احتمالات قوية ماينفعش تتجاهليها لمجرد انك عايزة تهربي من حب عابد يا زمزم..مع ان المفروض تكوني قوية مش ضعيفة! 


+



همست بدموع تغتال عينيها بغزارة: منين اجيب القوة دي يابلقيس.. منين قوليلي! 

_ من عابد نفسه.. حبه ليكي هو قوتك ليه تضيعيها من ايدك.. عابد بيحبك وانتي عارفة كده.. واوعي تقوليلي اصله قال لأمه كذا وكذا ..لأ.. عابد كان بس بيكسب وقت مع امه لحد مايضمنك.. حطي نفسك مكانه كده.. مامته اللي متعقدة من قصة اخوه مع بنت عمه اللي سابته.. عايزاها ترحب ببنت عم تانية وفي ظروفك/ مع العلم ظروفك دي لا تعيبك.. لكن مش هنقدر نحجر على تفكير الناس..!

صمتت بضع ثون وواصلت:  زمزم.. عشان خاطري ماتضيعيش سعادتك من ايدك لأن هترجعي تندمي لو عابد راح منك وأخدته واحدة غيرك.. انتي بتحبيه وهو بيموت فيكي انتي وابنك..خليكي ذكية وحاوطيه من غير ما تهدري كرامتك.. قربيه بس من غير ما يبان انك بتعملي كده.. ارمي الطعم وراقبي ازاي هيلقطه ويجيلك.. أرجوكي اسمعي مني انا ومامتك لأننا شافين اللي انتي مش شايفاه!..صدقيني انتي لو وافقتي على ياسر هترمي نفسك في النار..! 


+




        

          


                

الحيرة تأكلها.. والخوف يكبلها.. إلى أي طريق تسير.. طريق القلب أم العقل؟ أم. تلفظ كلاهما وتعيش لنفسها وطفلها فقط؟ حقًا لا تدري أيهما تسلك! 


+



قاطعتها بلقيس مجددا:  هسألك سؤال وجاوبي بصراحة بعد ما تفكري!.. هتقدري تتحملي تشوفي عابد مع واحدة غيرك؟ بيحب غيرك؟ بيضم غيرك؟ بتشيل اسمه وتجيب ولاده غيرك؟


+



لم يكن جوابها سوى بكاء نبع من قسوة تصورها على نفسها.. لا تتحمل.. تقسم أنها لن تتحمل.. هي تحبه.. تحبه ولا تستطع الإنكار..!


+



اشفقت عليها فهمست بحنان:  حبيبتي ماتعيطيش لسه كل الخيوط في ايديكي..عيدي تفكير تاني بهدوء وانا واثقة إنك هتاخدي قرار مناسب!  

---------------------------------

بعثرت نظرها بعيدا عنه عكس حدقتاه المسلطة صوبها بتأمل صامت.. متعللا بانتظار مشروب الليمون الذي طلبه لها..لحظات وأتى " النادل" ووضعه بينهما على الطاولة وذهب! 


3



بادر هو بالحديث:  على فكرة.. حبيت ثقتك في نفسك وانتي بتناقشي العميل علي التصميم.. عايزك كده دايما واثقة في قدراتك! 


+



تطرقة بالحديث لما يخص عملها خفف عليها التوتر وابتسمت هامسة:  الحمد لله.. كله بعد ربنا بفضل تشجيعك ودعمك! 

_ لو مش تستحقي ماكنتش هدعمك..!

وصمت برهة ليستأنف برفق:  عطر.. ممكن افتحلك قلبي شوية واكلمك عن حاجات يمكن تضايقك.. بس انا هدفي اوضحلك الصورة من البدية! 


+



أومأت له بإشارة صامتة لينطلق هو بعرض كل ما لديه مستميتا بإقناعها أن عشقه لها حقيقة لا تقبل التكذيب..!


+



جاء دورها لتهتف: يزيد أنا عارفة ومتأكدة إن ليا معزة عندك.. بس انك فجأة تحس بحبي دي حاجة ملخبطاني ومن حقي اطمن بعد ما كنت شاهدة سنين على حبك لغيري! طب قولي اضمن منين إني مش مجرد مسكن في حياتك! 


+



عاتبها برفق:  وتفتكري أنا أرضاها عليكي تكوني كده؟

واستطرد بهمسة حانية: انتي حبيبتي! 


+



اطرقت رأسها تواري تأثير كلمته الكارثي على قلبها.. وااحمرة تزخف وتغزو وجنتيها فرمقها بإعجاب هائم.. وانتظر لتستجمع ذاتها ثانيا.. وبالفعل تماسكت وهتفت:  اثبتلي.. اثبتلي يا يزيد انك فعلا بتحبني.. اعمل حاجة تخطف قلبي وعقلي وتخليني ما اشكش في مشاعرك ناحيتي! 


+



_ ازاي؟! دليني علي الطريق ..قولي اي حاجة توجهني للي يرضيكي ويخليكي تطمني..! 


+



هزت رأسها بالنفي: 

ماينفعش اقولك.. لازم انت بنفسك اللي توصل للي يرضيني..امشي ورى إحساسك وشوف هتقدر تعمل ايه عشان تثبتلي حبك..!


+



تأملها بنظرة مهلكة جمعت عشقه بحنانه واعجابه الشديد بقوتها وإصرارها ألا ينال مشاعرها إلا بشروط ترضيها، كبريائها گ أنثى تعتز بنفسها وقلبها.. أسره وزاد حبه لصغيرته أضعاف..!


+



_حاضر يا عطر.. هعمل عشانك اللي اقدر عليه.. أوعدك الاقي الطريقة اللي تقنعك بحبي وتبكيكي من الفرحة.. ودي الدموع الوحيدة اللي هسمحلها تسكن عيونك..!

-------------------------

عيناها تفتش عنه في كل الأرجاء بالمزرعة.. لم تجده.. الشمس قاربت على الغروب وعابد لم يأتي وتأبى أن تظهر أي اهتمام أو تبادر بسؤال عنه رغم أنها اشتاقته كثيرا.. اين ذهب..منذ أن رماها بنظرة غاضبة بعد أن رآى صورها هي وياسر ولم تراه ثانيا.. لمحت بسمة أتية من بعيد فتذكرت والدتها وهي تخبرها أنها العروس المنتظر لعابد فاغرورقت مقلتيها بدموع وجففتهما سريعا قبل أن تدنوا بسمة هاتفة برقة حقًا تميزها:  ازيك يا استاذة زمزم

_ الحمد لله

_ كنت عايزة اسألك عن حاجة(  وراحت تقص عليها ما تريد لتختم حديثها بجملة شقت قلبها نصفين) أصل باشمهندس عابد اتصل بيا امبارح وعرفني انه مش جاي انهاردة وهايجي بكره من القاهرة.. وقالي اي حاجة احتاجها اجي اسألك عنها..! 


5




        

          


                

غاب تركيزها عن كل شيء قالته إلا اتصال عابد بها

هل أصبح الآن قريب من بسمة وبعيد عنها هي؟

يخبرها هي عن غيابه ويتجاهلها بتلك القسوة؟

هكذا ستصير الأمور إذًا..مكانتها تتلاشى وتحتلها أخرى! 

تذكرت حديث بلقيس أنها لن تتحمله مع غيرها.. وهاهي تتجمر  ومازالت في البداية.. ماذا تفعل..؟؟!


+



تبًا لكَ وتبًا لقلبي معك! 

-----------------------

حيلة ماكرة تختمر برأسها لتُنجي ابنتها من مصير تعيس مهلك.. وربما تحرك المياة الساكنة وتخدث إعصارًا ويفيق ذاك الغافل عن ما يحدث من خلفه.. وعليه حينها أن يثبت قدرته في الساحة.. إما فاز بزمزم.. أو خسرها إلى الآبد! 

-----------------------


+



أنتهت من رتوش تعديلها الأخير على التصميم وتوجهت إليه ليرى انجازها مترقبة رآيه بلهفة لا تنضب ابدًا، عبرت الردهة وهمت بطرق بابه حتى أتاها صوت أمونة من الداخل تقول: 


+



أنت غالي عندي أوي يا يزيد! 


+



وقفت قبضتها في الهواء وتحفزت وهي تسمع جملتها وزوت حاجبيها بتوجس وتلفتت حولها بحذر لتتأكد أن الردهة خالية من المارة، وعادت تقترب من الباب تكاد تُلصق أذنيها لتنصت لباقي حديثهما فسمعته يهتف:  وانتي طول عمرك اخت عزيزة وغالية وعارف انك عايزة تطمني عليا.. واحب اطمنك قريب اوي هتسمعي خبر حلو يخصني! 

صفقت بحماس وفرحة صادقة:  بجد.. طب قولي اي سبق صحفي أذل بيه أحمد اللي بيغطني دايما ويقولي ان الأخبار الحصري دايما عنده هو قبل الكل..!

ضحك لقولها:  سبق صحفي عشان تذلي صاحبي؟!..الموضوع طلع مصلحة يا شريرة ومش عايزة تفرحيلي ولا حاجة، طب مش قايل! 

عبست بمزاح:  بقى كده؟ ماشي براحتك يا باشمهندس! 

ابتسم وهو يهز رأسه:  خلاص خلاص صعبتي عليا.. هقولك أنا بحب مين وهرتبط بيها قريب إن شاء الله! 


+



ثم بدا كأنه يتذوق أسمها متلذذًا بشعوره الجديد بها هامسًا:

أنا بحب عطر يا أمونة.. بحبها أوي! 


+



أبتعدت عن الباب والدموع تغمر مقلتيها بفرحة عارمة وهو يعترف بحبه لها مع رفيقته.. مازالت لا تصدق ان حلمها يتحقق ويزيد يجاهر بحبها للجميع وبصرها كما يجب أن يراها وكما تمنت..جففت دموعها سريعًا وعادت تنصت لباقي حديثهما.. ! 


+



_ أخيرا يا يزيد حسيت بيها..انا واحمد كنا بندعي من قلبنا تلتفت لعطر اللي سعادتك معاها وتليق بيك.. اللي هتديك زي ما هتاخد منك..اللي هتعيشه معاها عمره ما هيماثل تجربتك الأولى..! 

_ عارف يا أمونة بس هي تصدقني الأول.. للأسف عطر مش قادرة تثق ان مشاعري ناحيتها حقيقية..!

_ معذورة ولازم تصبر عليها لحد ما تتأكد.. دي واحدة شهدت على حبك لغيرها وصعب تقنعها ان فجأة كده حبيتها

_ بس انا حبي لعطر مش فجأة..في جذور بيني وبينها من زمان بس انا كنت دافنها تحت مسمى الأخوة..مش مديها فرصة تتنفس وتاخد مساحتها جوايا..بلقيس مش هي حبي الحقيقي.. لأنها لو كانت كده ماكنتش هقدر انساها ابدا مهما مرت سنين عليا..ولا كنت هقدر اتحمل اشوفها مع غيري.. لكن دلوقت اما بشوف سعادتها مع ظافر وحبهم الواضح بفرحلها من قلبي لأنها بنت عمي.. زي ما هحب الخير لزمزم ولجوري! 


+




        

          


                

أومأت مبتسمة:  أحمد دايما يقولي انك حنين مع أهلك..وحس المسؤلية عندك عالي..!

_ الأهل هما السند بعد ربنا يا أمونة.. وبحمد ربنا على نعمة عيلتنا المترابطة! 

ثم نظر لها وواصل:  معندكيش أي فكرة تساعدني اقنع عطر اني بحبها فعلا..؟ انتي بنت زيها وهتفهميها..! 

_ ماتقلقش.. قلبك هيعرفك الطريق.. دي حاجة لازم انت اللي توصلها بإحساسك!  

رمقها بدهشة:  غريبة!  ده نفس كلام عطر! 

ضحكت هاتفة: ما احنا بنات زي بعض وتفكيرنا في بعض المواقف بيكون واحد..!

_ لأ في دي عندك حق! 

قالت بغرور مازح: انا دايما عندي حق يا باشمهندس! 

ونهضت بغتة:  هروح مكتبي بقى اكمل شغلي عشان  ميدو عازمني على الغدا برة اخر اليوم


+



رفع حاجبيه بمشاكسة:  ميدو؟ الباشمهندس أحمد المحترم بقى ميدو..ده الهيبة راحت.. أنا هفض الشركة بنا! 

ضحكت وهي تتوجهه للمغادرة:  طب بكرة نشوف لما تخطب بنت خالتك هيبقى أسمك ايه يا باشمهندس.. ونشوف مين هيفض الشركة 😂 سلام! 

--------------------------


+



ابتعدت  عن الباب في لحظة مناسبة وصعدت للسطح حيث الخلاء وعلى وجهها ابتسامة حالمة وهي تتذكر وصف مشاعره نحوها.. نظرت للسماء وعيناها مغرووقة وهمست بضميرها:  الحمد لله يارب إن حلم حياتي اتحقق.. يزيد شكله فعلا بيحبني ومش بيشفق عليا..اخيرا حس بيا وبقلبي! 


+



وجففت دموعها وهمست وكأنها تدلل نفسها:  بس هستني اشوف هتعمل ايه يا يزيد وازاي هيثبتلي حبك.. أستاهل بعد العذاب اللي عيشته انك تتعب عشاني شوية وتعمل حاجة تفرحني!

----------------


+



  ‏_ مش هتقولي مبسوط ليه انهاردة؟

  ‏ابتسم هامسا: أولا مجرد مابسمع صوتك الحلو ده يبقى فرحان.. ابتسمت لإطراءه، واستطرد:  

  ‏تاني حاجة عامر صاحبي قالي خبر حلو وهيبسطك انتي كمان..قالي لما انزل من لبنان هنروح بعدها ونخطب جوري! 


+



هتفت بفرحة حقيقية ممتزجة بحماس صوتها:

بتتكلم بجد؟ يعني جوجو خلاص هتتخطب! 

_ أيوة، تعرفي يابلقيس..أنا وعامر أصحاب من ثانوي..أحلامنا دايما كانت مشتركة..ومن ضمن أمانينا اننا كنا نتجوز بنتين أخوات..وربنا استجاب اهو..جوجو تعتبر أختك

هتفت بتحذير: اسمها جوري يا حبيبي مش جوجو!

ضحك لغيرتها المحببة لقلبه: سوري يا برنسيسة طلعت مني عفوية..وبعدين يابنتي قولتلك انها زي إيلي أختي! 


+



_ ماليش دعوة..ماتدلعش بنت غيري ياظاظا


+



همس بحنان: عيون وقلب ظاظا انتي..تعرفي اني بعد الأيام عشان انزل مصر و اشوفك..! 

_ وانا كمان والله..وفرحة لقانا هتكمل لما  تنزل وانت رافع أسم بلدك يا حبيبي..والكل هيكون فخور بيك

_ادعيلي بس انتي.

وواصل: صحيح اوعي تعرفي جو..ثم تدارك أمره وقال: قصدي جوري بموضوع عامر..خليه هو يحدد يعرفها ازاي

_ ما تقلقش!


+



صمتت وشعر وبترددها فهمس لها: مالك يا حبيبتي كأنك كنتي هتقولي حاجة وسكتي؟ 

_ لا ابدا حاجة مش مهمة 

_ مادام شغلت بالك تبقي مهمة..قولي مالك؟

_ حاسة الوقت مش مناسب ياظافر..بعدين هنتكلم 

أصر عليها: بلقيس..اتكلمي!

ترددت بضع ثوان همست بعدها: هو..هو عامر...؟!

صمتت ثانيا فحثها برفق لتواصل قولها فواصلت بنفس الحذر: عامر..يعرف اني أنا اللي ...


+




        

          


                

لم يكن بحاجة لتكمل فقاطعها بحزم: لأ..!


+



ساد صمت قصير قطعه متسائل: ليه الأمر ده شغلك؟


+



_لما كلمتني انه خلاص يخطب جوري وان طبيعي هنتقابل حسيت بتوتر لأنه عارف اللي حصلي   ... 

_ يعرف منين؟ ويعرف ليه أصلا؟ ده شيء ما يخصش حد غيري أنا وبس!

_ ازاي؟مش هو كان معاك يومها وشافني؟


+



بلحظات مر أمام عيناه طيف وجهها الغارق بدمائه وكدماته البارزة وصوتها الواهن وهي تستغيث..الذكرى حملت معها حزنه وقهره أنه لم يُجنبها كل ما قاست وحدها..فصاح بحدة نبعت من ألم الذكرى وضيقه لأجلها: ماتتكلميش في الموضوع ده تاني! قولتلك عامر مايعرفش وخلاص!


+



نكست رأسها وشعورها بنفوره احزنها..هل يحمل بقلبه اتهام وظنون سيئة تجاهها، ؟!

أدرك إلى أين اتجهت أفكارها فقال برفق: أنا عارف دلوقت تفكيرك راح فين..بس عايزك تعرفي حاجة مهمة!  

وصمت برهة واصل بعدها: البنت اللي تغلب ٣ رجالة وضوفرها تعلم في وشوشهم وعيونهم يملاها الخزي والخوف وهي مجرد أسيرة متكتفة في عرينهم ومع كده ما استسلمتش ودورت علي مخرج تخلص بيه نفسها من قذارتهم..دي بنت أنا فخور انها هتشيل أسمي وتكون أم لولادي! أوعي تنسي الكلمتين دول يابلقيس..وإن كنت لحد دلوقت متجنب نتكلم في الموضوع ده بالذات..ده عشان عايزك لما تحكي وتبكي تكوني في حضني وإيدي  قادرة تطول دموعك وتمسحها..عايزك مطمنة زي ما انتي دايما معايا..مش أنا حبيبك وحصنك الأمن؟ مش ده كلامك إحساسك بيا؟؟؟


5



اختنق صوتها الباكي، لم تجيبه لكنه يدري ويفهم شعورها..فهمس لها بحنان هو أكثر ما تحتاجه: كفاية بقى عشان هزعل منك..امسحي دموعك الغالية و قوليلي كلمة حلوة قبل ما اقفل معاكي!


+



حاولت أن تتمالك نفيها وقالت بصدق وقوة شعورها بتلك اللحظة: بحبك..بحبك أكتر من نفسي!


7



--------------------------------


+



بينما هي منهمكة بتفقد حالة بعض النباتات ومدى صلاحيتها، باغتها بندائه ( صباح الخير يا باشمهندسة)

هتفت متفاجئة بوجوده: أستاذ ياسر؟ ايه المفاجأة دي وجيت هنا ازاي.. ؟

أقترب أكثر وبين ذراعيه مهند: سألت والدتك وهي وصفتلي الطريق.. قلت اجيب مهند واجيلك ونرجع سوا..!


+



أومأت له هاتفة: أهلا بيك يا أستاذ ياسر نورت .. ثم داعبت طفلها بشوق ولم تلحظ نظراته المتمعنة فيها عن قرب بإعجاب ونهم وهي تلاطف الصغير وتضحك معه برقة، حانت منها التفاتة فضبطت نظرته المتمعنة بها فاعتراها بعض الخجل الذي وارته سريعا وهتفت: بما إنك اول مرة تزور مزرعتنا اتفضل افرجك عليها..! 

رحب باقتراحها قائلا بحماس:  والله ياريت.. المكان شكله رائع ويريح الاعصاب"

_ طب اتفضل معايا..! 


+



" على فين يا أستاذة؟!"


+



صوت عابد خلفها والغضب المستعر بعينه وهو يرمقها بنظرة سريعة، أرجفتها فانزوت جانبا وكأنها تحتمي منه بمسافة آمنة، فواصل: أسف دخلت في الكلام. من غير ما ارحب بزيارتك الأولى لمزرعتنا يا أستاذ ياسر..! 


+




        

          


                

لم يجد بترحيبه أي ود ولا يفهم سبب هذا الفتور الذي يظهره بوجوده هذا الشخص وكأن بينهما عداوة لأمرٍ يجهله.. ورغم شعوره الدفين، رد تحيته الفاترة بابتسامة باردة:  ولا يهمك زمزم رحبت بيا كفاية ومن كرم ضيافتها هتعمل معايا جولة في المزرعة لو مايضيقش حضرتك يعني! 


+



تمتم بجمود:  وهضايق ليه لا بالعكس..بس للأسف الأستاذة معندهاش وقت زيادة ومطلوب منها شغل كتير..! 


+



حاولت السيطرة علي الرجفة التي اعترتها وتماسكت حتى لا تبدو بهذا الضعف وهتفت بقوة زائفة:  عارفة يا باشمهندس.. ومش هتأخر..وواصلت وتشعر أنها ستلقي عليه قنبلة موقوتة:  أنا وأستاذ ياسر هنتكلم في موضوع مهم ومش هنطول! 


+



برقت عين الأخير بثقة وغرور وقول زمزم يؤكد نصيحة والدتها أنه حين تراه أتيًا إليها ستوافق على طلبه.. بينما انتفخت صدر الأخير بغضب مستعر وكاد يُقدم علي فعل أحمق بحذبها عنوة بعيدا عن ذاك السمج..لكنه نظر حوله والأحداق الفضولية العابرة لن تترك موقغةف كهذا يمضى..وهو لا يريد نثر أقاويل غير لائقة عن أبنة عمه.. لكنه عزم على أمر ما حتى يضع حدًا لهذا الهراء..! 


+



" آبد"


+



قالها الصغير وهو يبسط ذراعه بدعوة لعابد كي يتلقفه من أحضان ياسر، فتفتم الأخير بغيرة خفية:  ايه يا مهند هتسيب عمو ياسر وماما؟ مش هتيجي تتمشى معانا..! 


+



ضم أسمه بجملة واحدة مع زمزم أشعل غيرته وحزنه وحنقه معًا..وكأنهما عائلة صغيرة وهو بينهما غريب.. لكن كيف يكون غريب وذاك الملاك ينصفه بقوة وهو يعود وينادي عليه بإصرار جبر خاطره تلك اللحظة.. فتلقفه من ياسر المتعجب لتعلق ابن أخيه به لهذا الحد، وغمغم بلمحة غيرة أدركها عابد:  واضح انه بيحبك أوي.. مع إني اقرب له منك.. أنا عمه ودمنا واحد! 


+



وكأنه يلمح بشكل مبطن أنه الأولى به.. فرد عابد عليه مكره بمثيله وهو يقول:  والله دي مش بالقرابة والدم.. لكن بصدق المشاعر اللي مستحيل يغلط فيها طفل زي مهند عارف اني بحبه! ده غير ان في ناس بتكون تقيلة على النفس وبتحس ناحيتها بالنفور..وزي ما بيقولوا.. القبول من عند ربنا..! 


+



راقبت زمزم التراشق الخفي بينهما بقلق، بينما أراد ياسر أن يستعيد مهند ليأكد أنه الأحق به، فلوح للصغير بلطف قائلا: تعالى معايا أنا وماما يامهند هنتمشى وهجيبلك حاجة حلوة وهنلعب سوا..!  


+



تشبث الصغير بصدر عابد أكثر معلنًا بفطرته النقية رفضه لكف ياسر التي أعادها جواره خاوية بخذلان مغمغما بابتسامة زائفة: معلش عشان بيشوفك أكتر مني.. ثم التفت لزمزم وقال:  طب يلا بينا يا زمزم؟!


+



رمقت الأخيرة عابد ففطر قلبها الحزن واللوم بعيناه وكادت تضعف وترفض مصاحبة ياسر إنصافا له لكن لا مفر مما هي مقدمة عليه..حسمها للأمور المعلقة صار حتمي! 

-------------------------

ظل يرمقهما بجبين مقطوب ووجه عابس وهما يبتعدوا عنه حتى قاطع صمته الصغير بنداء يذكره به " آبد"..فالتفت له وقبل خده وضمه بقوة هامسًا: شكرا يا صاحبي.. كنت محتاج دعمك وماخذلتنيش.. أنت نصفتني في أكتر لحظة حسيت فيها اني محتاجك.. عشان كده آبد حبيبك هيكافئك ويجيبلك حاجة حلوة وكمان هسيب شغلي وهلاعبك شوية.. مش خسارة فيك وقتي وعمري كله!..


+




        

          


                

لكنه واصل بغمغمة غامضة:  بس في زيارة لازم اعملها الأول يا مهند..!

------------------------------


+



_ هو أنا ليه بحس ان ابن عمك بيضايق لما يشوفني!؟

هتفت مدافعة:  لا ابدا وايه هيضايقه.. وبعدين مافيش بينكم معرفة كافية لحب أو كره يا أستاذ ياسر..! 

_ يجوز.. بس مهند متعلق بيه جدا.. لكن معلش بكره ياخد عليا لما.. وصمت ليمنحها نظرة ذات مغزى مواصلا:  لما توافقي على عرضي ونتجوز.. وقتها هيكون معايا وهيحبني أكتر من أي حد..وعابد هيبقي مجرد غريب و… 


+



_ عابد مش غريب.. ده ابن عمي وقدم كتير لمهند عشان كده ابني بيحبه! 


+



تعجب من حدتها وهي تدافع عن ابن العم بشكل جعله يرتاب مضيقًا عيناه:  هو أنا قلت حاجة تستدعي حدتك دي يا زمزم؟ أنا بتكلم فيما بعد لو ارتبطنا..! 


+



منحته نظرة غامضة وتسائلت:  يعني لو افترضنا اني وافقت على طلبك واتجوزنا.. هتمنع مهند عن عابد؟ 

_ مش همنعه بس وقتها انتوا هتكونوا مستقرين معايا في اسكندرية.. عابد هيشوفوا فين غير لو انتي جيتي زيارة وطبعا ده كل فترة.. يعني أهمية عابد بالنسبة لمهند هتتلاشى لوحدها وأنا بس اللي هاخد اهتمامه وده طبيعي لأني عمه وأولى بيه من اي حد..! 

_ بس ابن عمي بيحب مهند وهو كمان متعلق بيه..وأنا مقدرش احرمه منه لأنه له حق فيه! 

جاء دوره ليحتد عليها بقوله:  حق ايه ده ان شاء الله؟! ده حياله ابن عمك ومالوش صفه لمهند..لكن أنا عمه وضيفي عليها اني هكون في مقام أبوه.. يعني حقوق ملكية مهند ليا أنا وبس..!


+



احتفظت بصمتها أمامه مكتفية بذات النظرة الغامضة ليستأنف بعد أن تمالك نفسه قليلا:  أنا أسف لعصبيتي يا زمزم بس بصراحة أنا حاسس إن عابد ده مسيطر على الولد.. ماهو مش عشان بيحيبله كيس شيبس ولا بيلاعبه شوية خلاص يبقي له حق فيه! 

أومأت بهدوء غريب وقالت: عندك حق! 

ساد صمت قصير قطعه هو بتساؤله:  طيب بالنسبة. لموضوعنا قررتي ايه؟ اتمنى تكوني حطيتي مصلحة مهند في اعتبارك..أنا عمه وعمري ما هكون مجرد زوج أم له.. أوعدك اني هراعي ربنا فيه.. كفايه انه ابن اخويا الغالي الله يرحمه.. ومش هينقصه أي حاجة وهربيه احسن تربية! 

ها.. قولتي إيه؟؟؟


+



احترم صمتها الذي طال منتظرًا ردها بفارغ الصبر..!


+



تُرى ماذا ستجود به عليه؟

ستوافق لأجل مصلحة طفلها؟

ام ترفض لتزيح عن كاهلها 

عبء معاشرة شخص لا تحبه؟! 

--------------------------------


+



جالسة تحتسي قهوتها بشرود في حال زمزم..وأفكارها تتصارع، حتى سمعت تحيته! 


+



_ صباح الخير يا طنط! 


+



بصرته أمامها يحمل حفيدها وعيناه مشتعلة.. لم يكن صعبًا أن. تستنتج سبب أشتعاله..وشعرت بالانتصار أن حيلتها أثمرت بعد أن هاتفت ياسر بالخفاء وأوهمته انها تبارك زيجته ونصحته بمكر أن يأتي لابنتها ليعلم رأيها في الحال دون تأخير..  وأن أظهار لهفته والمجيء إليها ستعزز موقفه أمامها..


+




        

          


                

هتفت لذاك المحترق ببرود متعمد: صباح الخير.. هو مهند معاك ليه؟ المفروض يكون مع عمه ياسر وزمزم. 


+



تلميحها بأحقية ياسر عنه لمصاحبة مهند أطار البقية الباقية من عقله وهتف بحده: 

من قال انه لازم يبقي معاه.. مهند دايما هيكون معايا أنا..!


+



فواصلت بمكر:  بس ده عمه يا عابد واحتمال يكون…. 

صمتت بإيحاء متعمد تثق أنه سيلتقطه بفراسته، فضاقت حدقتاه بريبة متسائلا:  احتمال يكون ايه كملي! 

_ ولا حاجة.. هات مهند عارفة ان وقت شغلك في المزرعة مش عايزين نعطلك! 


+



جلس أمامها ورمقها بنظرة طويلة تجاهلتها وهي تحتسي ببرود قهوتها، فغمغم:  ياسر جاي هنا ليه؟

قالت ببساطة:  اكيد جاي يشوف ابن اخوه و… 

وواصلت بتردد مقصود ان يصله:  وفي موضوع خاص بينه وبين زمزم بيتكلموا فيه! 


+



مارس أكثر قدارته في الثبات وهو يتسائل:  موضوع ايه؟

_ موضوع خاص ياعابد.. هتعرف لما زمزم تبلغنا قرارها فيه


+



صفع الطاولة بغضب أجفلها هي والصغير وهو يهتف بنفاذ صبر:  لو سمحت خليكي صريحة معايا.. من امتي ياسر بيجي يزور زمزم؟ ايه الجديد اللي جابه لحد هنا انهاردة؟! 


+



جاء دور اشتعالها حنقا منه لتهدر بغضب مماثل: وده يخصك في ايه؟؟؟ وعلى كل حال مش مستاهلة اخبي.. انت ابن عمها وهتفرحلها بردو..!

راقبت شحوب وجهه بشيء من التشفي ثأرا لابنتها وهي تواصل: ياسر جاي يعرف رأيها النهائي في عرض جوازهم.. ارتاحت؟؟؟


+



لوهلة شعرت أن عيناه تطلق نارًا وأنفاسه تتسارع حتى خافت عندما بدأ الصغير ينادي عليها خوفا بعد الصخب الذي فعله عابد، فانتزعته منه قائلة بلوم:  ايه اللي انت عملته ده يا عابد، الولد خاف منك! 

تحركت عيناه صوب الصغير وبكائه أعاد له عقله الذي انفلت زمامه بالفعل، فمسح على وجهه ليهدأ ثم أخذه منها واحتضنه بعناق حاني جعل الصغير يهدأ وخوفه يتلاشى! 


+



فواصلت لتطرق الحديد المشتعل قبل أن يهدأ: 

_ ادعي يا عابد بنت عمك توافق على ياسر.. دي فرصة ماتتعوضش.. انسان كويس ومحترم.. على الأقل حسسها بقيمتها وأنها مش مجرد أرملة بيعطف عليها.. بالعكس وضحلها ازاي معجب بيها وانها مكسب لأي راجل وان ظروفها ماتعيبهاش في نظره.. وضيف على كل ده إنه عم مهند يعني هو أولى بتربيته ومش هيكون زي زوج أم غريب و… 


+



_ بسسسس! 


2



أجفلها صراخه ثانيا وهو يواصل بثورة أشد:  أنا مابحبش اللف والدوران  ده.. قولي إنك سمعتي كلامي مع ماما واحنا في القاهرة وبتقصديني بكلامك ده! 


+



صرخت عليه هي الأخرى بذات الثورة:  ياريت كنت انا اللي سمعتك يمكن كنت فهمت الموضوع صح..لكن للأسف اللي سمعتك وكرامتها اتهانت وانجرحت من كلامك عليها أنت و مامتك هي بنتي..المسكينة اللي انهارت وحست إن مالهاش قيمة ومعيوبة في نظركم لمجرد إنها أرملة.. بنتي ماكانتش محتاجة منك تشفق عليها يا عابد..ليه تعلقها بيك وتوهمها إنك بتحبها وفي الأخر يطلع الموضوع كله عطف وشفقة..  ليه! 


+




        

          


                

صرخت بأخر كلمة في وجهه الذي احتقنت به الدماء ونكس رأسه متألما وهو يتخيل عذابها بسببه طيلة الأيام الماضية..لهذا كانت تنظر له بحزن وألم وعتاب.. فضلت الصمت على ألا تواجهه.. ليتها فعلت لكان أثلج صدرها وأثبت لها من تكون في نظره وكم هي دره غالية!  


4



رفع رأسه ثانيا لينظر للعمة عبير هاتفا بخفوت بعد أن تمالك نفسه: عندك استعداد تسمعيني ولا خلاص انتي كمان بقيتي تكرهيني يا مرات عمي؟!


+



أشفقت لحاله.. رغم كل شيء هي تكن له معزة كبيرة وقلبها يخبرها أن حديثه اللذي بنتويه سيثبت أن ظنها فيه خيرا.. تجرعت ريقها لتهدأ وقالت:  عمري ما كرهتك.. لكن من حقي ازعل على بنتي..وعموما اتفضل أنا سامعاك يا عابد! 


+



بدأ سرده وهو يضم الصغير كأنه يستمد منه قوة وقال: 


+



أولا أنا وماما مانعرفش ان زمزم هتعدي وتسمعنا.. ثانيا كلامي اللي قولته كله كان كدب.. أنا عمر إحساسي ناحية. زمزم ما كان شفقة..أنا بحبها أكتر من نفسي! 


+



رقص قلبها وكادت تبكي من فرحتها باعترافه لكنها تماسكت وأسدلت على وجهها قناع البرود، فواصل: 


+



ولا يفرق معايا إنها أرملة ولا يقلل قيمتها في نظري.. أنا اضطريت اقول كده عشان أهدي أمي وامنع أي احتمال لعداوة بينها وبين زمزم.. لأني ياطنط ماكنتش لسه ضامن زمزم في صفي ولا اتأكدت انها بتحبني وهتقف معايا.. رفض ماما مش لشخصها لكن لظروفها.. ومقدرش الومها لأنها ببساطة أم عايزة لأبنها الأفضل من وجهة نظرها طبعا.. أكيد ماما تفكيرها غلط بس في النهاية هي أمي ولازم برود احافط علي مشاعرها واكسب رضاها ولو بالحيلة.. كان لازم اسيطر على الموضوع وامشي خطوات محسوبة.. الأول اضمن موافقة زمزم عن ارتباطنا عشان تقوي موقفي، وبعدها أواجه الدنيا بحالها مش بس أمي..!


+



صمت برهة بلتقط أنفاسه وعبير تنصت إليه باهتمام ليستطرد: ماتنسيش ياطنط تجربة أخويا يزيد مع بلقيس اللي عقدت أمي.. لو قلت ايوة عايز زمزم، وجت زمزم نفسها رفضتني! .. كان هيكون الموقف ازاي؟ 


+



كما توقعت.. الأمر حوى بطياته سوء فهم ولكن هذا لن يعفيه من ذنب التردد تجاه ابنتها الفترة الماضية..  وأرادت أن تعاقبه بقرصة أذن، وقالت:  عموما اللي حصل حصل.. وزمزم تفكيرها خلاص بيميل انها توافق على ياسر و… .


+



_ على جثتي زمزم تاخد غيري! 


+



قالها ناهضًا وكفيه تهبط گ الصاعقة على الطاولة بقوة مبعثرة ما عليها أرضا.. وترك الصغير لها وسار بخطوات أقرب للهرولة لينزع حقه ويحمي حبه وحبيبته ولو بالقوة من اتخاذ قرار خاطيء.. لم يعد الأمر يحتاج تميعًا وصبرًا أكثر من ذلك! 


+



أما هي فمالت شفتيها بابتسامة ظافرة بعد أن بعثرت الأجواء لمصلحة ابنتها وذاك العاشق المتردد..هي فعلت من عليها.. والباقي سيتكفل به هذا المشتعل الغاضب! 

------------------------------------


1




        

          


                

_يعني بترفضيني؟؟!!


+



ظلت على ثباتها الهاديء وهي تجيبه: أيوة يا أستاذ ياسر.. أنا مش شايفة إن جوازنا هيكون تجربة ناجحة..!


+



_ وليه مش هيكون ناجح؟ انتي عايزة ايه غير أب يعامل أبنك كويس ويأمن مستقبله؟ وانا عمه وأولى بتربيته من الغريب!..ثم خرج عن تعقله ولسانه يقذف سمومًا بحق كرامتها وآدميتها ثآرًا لكرامته وهي تعلن رفضها لطلبه:


+



وبعدين انتي بترفضي على ايه وكأن عندك بديل أفضل.. إنتي بظروفك دي مش هتلاقي فرص كويسة..يا إما هايجيلك واحد عجوز عايز يرجع شبابه الضايع على كتافك.. او راجل بولاده عشان تربيهم زيك زي خدامة و… 


+



_ أخرس يا حيوان! 


+



صاحب صياح ذاك الغاضب صفعة نزلت علي وجه ياسر المذهول لوجوده.. وكأن الأرض انشقت وانبثق أمامه..أما هي بصعوبة استطاعت أن ترى من خلف سحابة دموعها الغزيرة ظهر أبن عمها وهو يقف أمامها گ حائط صد أمام ياسر ليواجهه هاتفا بصوت مرعب محذرا بقوة: أنا عارف اني لما شبهتك بحيوان غلطت فيه لأنه أكرم منك ونافع عنك.. علي الأقل هو ماعندوش عقل يفكر ولا لسان يآذي بيه الناس..لكن انت المفروض انسان متعلم وواعي بس طلعت زيك زي البقر اللي بنربيه في مزارعنا.. فعلا أنت حيوان.. ولولا احترام المكان اللي احنا فيه كنت علمتك الأدب وخليتك ماتقدرش تمشي علي رجلك وقطعت لسانك.. ودلوقت لو ما مشيتش من قدامي حالا أقسم بالله لاحبسك في الزريبة وأكلك فضلات البهايم واندمك على كل دمعة نزلت من عيون بنت عمي بسببك..!


+



نقل بصره بينهما بحقد وهاج بغضب:  أنت اتجننت يا بني آدم انت!  ازاي تكلمني كده وتمد ايدك عليا؟ بتستقوى عشان في مكانك؟ مين انت عشان… 

_ أنا ابن عمها وخطيبها وزوجها المستقبلي.. وهكون أب لمهند مش مجرد زوج أم ولا عجوز هرجع بيها شبابي، ولا راجل عايزها تربي عيالي زي ما قلت.. أنا عايزها أميرة تشاركني حياتي وملكة على عرش قلبي..عايزها لنفسها قبل أي حاجة تانية لأن قيمتها عندي مايساويهاش كنوز الدنيا.. ومافيش حاجة ابدا تعيبها في نظري لمجرد انا أرملة..!


+



تطالعه بذهول وقدميها تكاد تتهاوى وتشعر بالدوار..!

اعتراف عابد ودفاعه عنها بتلك القوة زلزلها.. نسف كل ظنونها عنه.. أطلق داخلها كل مشاعرها تجاهه.. أرادت أن تبكي امتنانا له قبل أن يكون حبًا.. تريد الصراخ وهي تجاهر باعترافها أنها ايضًا تحبه بل تعشقه.. عشق لا يشبه ما قبله..عشق أكثر قوة ومتانة مما شعرت به مع زياد..

تطالعه بانبهار وقد زاد بعينيها قيمة وغلاوة وفخر لكونه حبيبها وابن عمها! قلبها أصاب حين ركض خلفه ومال له.. عابد الذي نصفها كما لم ينصفها أحدا..!


+



استدار لها بعد أن رحل الأخر مدركًا ضعفه أمامهما وهو يرمقهما بغل وحقد، فوجدها تطالعه دامعة، فهمس وهو يتشرب ملامحها بعشق صريح لن يخفيه بعد الآن: معاش ولا كان اللي يبكيكي وأنا على وش الدنيا يا بنت عمي!..


+



وواصل همسه بعتاب خافت لا يخلو من نبرة حنان لمسته: 

كنتي هتوافقي تتجوزي غيري يا زمزم؟! وتفتكري كنت هسمحلك تبعدي عني؟


+



أخيرًا جاء همسها الخافت: كنت هتعمل ايه لو وافقت ورفضت تدخلك؟

_ كنت هخطفك واتجوزك غصب عنك! 

ضحكت من وسط بكائها ضحكة قصيرة، فاستطرد بنفس نبرته الحانية:  انتي ليا يا زمزم.. مستحيل حد ياخدك مني! 


+



أغمضت عيناها تستوعب أن ما يحدث ليس حُلمًا يتخلل غفوتها، ثم شرعتهما لتتلقفها ينابيع الحب بحدقتيه وهو يطالعها بوله وعاد يهمس لها: لو طلبتك من عمي هتوافقي؟


+



نكست رأسها بخجل وقلبها ينتفض بفرحة تخاف أن توقفه، فعاد لهمسه:  هتوافقي يا زمزم؟

ابنتسمت ومازلت مطرقة الرأس دون حديث، فواصل سيل اعترافاته ليلفظ أهم وأكثر كلمة تحتاج سماعها منه: 

_ بحبك يا زمزم! 


+



ستنهار.. قدميها ستخذلها وتسقط كما تتساقط دموع فرحتها الآن أمامه.. وكم تمنى هو أن يرتشف تلك الدموع ويخبئ جسدها الرقيق بين ذراعيه ويعتصرها بعناق.. لكن حدود الشرع تكبله.. فختم قوله قبل أن يغادرها:  أنا هروح حالا أطلبك من عمي.. وقريب جدا هكون أنا وانتي في بيت واحد..  خلاص مش هقدر استنى كتير.! 


+



هم بابتعاده فأوقفته بإطلاق هاجسها الذي غلب خجلها: 

وطنط كريمة؟!


+



استدار لها وقال بعد أن منحها ابتسامة مطمئنة:  متخافيش.. مادام انتي موافقة أي عقبة تاني هتكفل بيها مهما كانت..!

عصفت عيناها بحزن وكلمات كريمة تصدح برأسها وهمست:  بس هي مش شايفاني مناسبة ليك يا عابد.. وانا عمر ما هوافق أكون سبب لفرقتكم.. رضا والدتك عني شرط أساسي عشان اوافق! 


+



دنى منها قليلا حتى أشرف طوله عليها، فانكمشت تأثرًا بقربه وهو يقول: ماما مش قاسية يا زمزم.. حبها ليا ولسعادتي هيغلب كل معتقداتها.. في النهاية مش هتلاقي سبيل غير انها تبارك أرتباطنا.. انتي ماتشيليش هم حاجة.. أي مشكلة هحلها ومش هيحصل غير اللي يخليكي مرتاحة! 

اتفقنا؟!


+



طافت حدقتيها على وجهه مآخوذة بهيمنة شخصيته الجدابة ومشاعره الدافئة وهمست وهي تعانق مقلتيه بنظرة دافئة غاب عنها الخجل:  اتفقنا..! 

---------------------------


+



التاسع والثلاثون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close