رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب
بقلم دفنا عمر
الفصل السادس والثلاثون
______________
حين تأتيك الفرصة اقتنصها گ صياد ماهر قبل أن تصبح سرابًا..تعلق بأذيالها گ طفل عنيد.. أعتلي جودك واركض إليها گ فارس لا يهاب عواقب.. لا تستسلم لحسابات العقل ومحاذيره..أمحي بيقين خافقك ظنون من تربعت علي عرشه منذ زمن وتخلل عبقها أوردته وعزفت لحنها الفريد بين دقاته.!
+
" بتقول ايه يا يزيد؟!"
+
تجسدت الدهشة في قسمات وجه ناجي بعد طلبه الأخيرة ، فاقترب يزيد وبريق عيناه يشي بعزم وتصميم: بقول لحضرتك أنا طالب منك أيد عطر..
ويشرفني تشاركني ايام عمري اللي جاي..!
+
مازالت الصدمة تكبل العم الذي غمغم:
+
ازاي ومن امتى عايز بنتي؟! طول عمرك بتعتبرها زي جوري أختك و… !
+
قاطعه: لا ياعمي مش اختي.. عطر بنت خالتي وهتكون زوجتي بإذن الله لما حضرتك توافق!
+
ضاقت عين ناجي وهو يتفحصه مليًا ثم قال متخطيًا دهشته الأولى: معلش يا يزيد أنا محتاج افهم وده حقي مادام الموضوع يخص بنتي..!
_ اتفضل اسألني أي سؤال وأنا هجاوبك!
+
لبث صامتًا برهة ينظم أفكاره ثم قال: إيه خلاك تاخد الخطوة دي ناحية عطر؟ ايه غير مكانتها جواك؟ اقنعني انك عايز بنتي گ راجل وزوج هيصونها ويسعدها..!
+
ملأ صدره بالهواء ليهدأ ويشحذ همته حتى يبث أبيها أمان يحتاجه.. هو يعلم أنه لن يعطيه مباركته إلا إذا اطمئن لصدق رغبته تجاه صغيرته، وهو لن يدخر جهدًا بمنحه ما يريد ليحصل هو على فواحته..!
+
_ لأني ببساطة اكتشفت اني بحبها..!
+
منحه العم نظرة متشككة ملتزمًا الصمت، فاسترسل يزيد: ساعات بتكون جوانا مشاعر مش بنفهم طبيعتها غير متأخر.. ومشاعر تانية بنفسرها غلط..!
+
_ أزاي؟
+
¯انا كبرت ولقيت بلقيس قدام عيوني..شحنة حب الطفولة والمراهقة اتوجه ليها لوحدها لأنها بنت أقرب عم ليا وبمثابة والدي التاني اللي كنت ومازالت بحبه وبحترمه وعايز احسسه دايما اني سنده..برمجت مشاعري وحياتي عليها واعتبرت ارتباطنا لما نكبر شيء مفروغ منه!
وصمت هنيهة وعاد يواصل سرده:
لأول مرة ياعمي هحكيلك حاجة عمر ما حد عرفها حتى عمي عاصم نفسه، وكنت اتمني محدش يعرفها بس حضرتك من حقك دلوقت تفهم أسبابي عشان تطمن إن رغبتي في عطر طلعت الحقيقة الوحيدة اللي اكتشفتها..!
+
تدفقت الذكرى بخلايا عقله مسترجعًا ذاك اليوم في طفولته البعيدة ويكاد يسمع صوت عمه وزوجته.. وهو متواري عن أنظارهم خلف شجرة حجبت بنيته الصغيرة!
+
(( _ تعرفي يادره نفسي في ايه؟
_ في ايه ياعاصم؟
_ نفسي يزيد هو اللي يتجوز بنتنا لما تكبر؟
أنا بحبه أوي لدرجة نفسي اعطيه حتة مني.. وبلقيس هي اغلي حاجة عندي وعارف انه هيصونها..!
_ ياريت ياعاصم.. دي امنيتي انا كمان.. مين افضل من يزيد عشان نآمن عليه بلقيس..!))
+
واستطرد ومازال ذهنه عالق بتلك الذكرى:
حسيت ان لازم احقق امنيته.. وبصيت وقتها على الطفلة اللي بتلعب قدامي بكل سحرها وجمالها الأسطوري وسألت نفسي.. معقول في يوم من الأيام الأميرة دي هتكون ملكي؟ عقلي الباطن زرع جوايا بذرة حبها..وكبرت وانا برعى البذرة دي وبقنع نفسي اني ماشي صح.. بس في الوقت اللي كنت بقرب منها بكل الطرق هي كان بتبعد بنفور..ولما سابتني ورغم قساوة الإحساس ده عليا ووجعه اللي عيشته بعدها.. حسيت براحة لأن فهمت بدري..بذرة الحب عمرها ما تعيش وهي بتتروي من طرف واحد، لازم كانت هتموت جوايا.. وده اللي حصل خصوصا لما ظهر ظافر وشوفت نظراتها ولهفتها عليه اللي عمرها ما خصتني بيهم..واتأكدت ان انفصالنا كان خير ليها وليا.. وان انا كمان استحق اشوف الحب واللهفة دي في عيون حبيبتي..!
+
مازال ناجي ينصت باهتمام دون مقاطعة، فواصل:
+
لو جيت اوصف علاقتي بعطر هتلاقيها مختلفة..في بنا اندماج وقرب غريب عمري ما حاولت افسره، أو بالأحرى كنت بريح نفسي واقول زي اختي..عشان كده بخاف عليها وبضحك معاها من قلبي..بشوفها بكون مبسوط.. بتوحشني لما ببعد وكنت بخبي لهفتي دي في الهزار والمشاكسة..ولما اشتغلت معايا شوفتها لأول مرة بعين تانية.. شيلتها من خانة الأخت ومشيت ورى احساسي لحد ما اتأكدت اني فعلا بحب عطر من الأول بس ماكنتش فاهم ده فهم صحيح.. تقدر تقول ياعمي وجود بلقيس وقتها كان زي الغمامة على عنية ولما اتشالت ظهرت حقيقة مشاعري ناحيتها.. واحلفلك بالله إني لو عندي ذرة شك واحدة في حبي ليها وانها ممكن تكون مجرد سد خانة تملى فراغ قلبي ماكنتش جيت وكلمتك لأن عطر غالية أوي وعمري ما ارضى عليها تكون مجرد بديل ولا مسكن بعد قصة حب فاشلة!
+
باح بكل ما بداخله وأضاف أخر ما لديه: ياترى صدقتني يا عمي؟ صدقت اني عايز بنتك تشاركني حياتي واني هحافظ عليها وهسعدها قد ما اقدر؟
+
استدار عنه ناجي عاقدا كفيه خلف ظهره ينظر للأفق بشرود، فتوجس يزيد من صمته وتمتم: ساكت ليه ياعمي؟ مش مقتنع باللي قولته؟ ارجوك يا عمي اتكلم وطمني.. قولي انك مصدقني وان مش هتستخسر تديني سعادتي.. فرحتي كلها بقيت في ارتباطي بعطر.. وده حلم مش هسيبه يضيع مني مهما حصل!
+
رمقه ناجي بنظرة مبهمة وتسائل: ولو قولتلك اني مش مقتنع بأسبابك وشاكك انك بتحب بنتي؟
_ قولي ايه يقنعك وانا اعمله مهما كان.. إيه الضمانات اللي تطمنك من ناحيتي؟
_ من غير ضمانات.. انا مش مصدق انك بتحبها وهتسعدها.. والأحسن انك تشيل الموضوع من دماغك وتفضل عطر بنت خالتك و……
+
قاطعه يزيد بقوة: مستحيل.. مش هشيلها من دماغي!
ضاقت حدقتي ناجي بعجب لإصراره، فاستأنف يزيد باستماتة:
+
_ عطر هي حبي الحقيقي اللي عمري ما هديله ضهري واستسلم.. انا مش جاي اتكلم وخلاص.. انا كشفت نيتي عشان حضرتك تكون عارف وتضمنلي انها ماتكونش لغيري.. ولو مش مقتنع هفضل احاول معاك مرة وعشرة ومليون لحد ما ترضى وتطمن اني بحبها بجد.. عطر مش بلقيس ياعمي.. بلقيس كانت "وهم" عشان كده مامسكتش فيه ولا حاولت اجري وراه.. لكن عطر "حقيقة" مابقيتش تقبل التشكيك جوايا، ومش هيأس ابدا معاك ولا حتى معاها لو رفضتني!
+
ظلت ملامح ناجي محتفظة بجمودها حتى انفرجت تدريجيًا وابتسامته تتسع مع بريق اعجاب..نجح يزيد في كسب ثقته وإثبات انه يريد ابنته حقًا، تصميمه وعناده رغم إيهامه انه يرفض عرضه جعله يتأكد أنه يحبها بالفعل..!
+
كذب يزيد عيناه وهو يشاهد ابتسامة ناجي فهمس بريبة: عمي انت ؟؟؟؟
+
جاءته الإجابة بذراعي ناجي التي ارتفعت في الهواء تدعوه لعناق! ..لم يتردد يزيد لحظة وهو يرتمي بأحضانه غير مصدق انه رآي الرضا بعيناه.. العم ناجي أصبح يدعمه الآن..ولم يبقى سوى صغيرته لأقناعها بحبه ونسف ظنونها القديمة!
+
بعد تبادل عناق دافيء غلبت فيه أبوة ناجي على كل شيء قال: أنا مصدقك يا يزيد.. وعارف انك ماترضاش على عطر انها تكون مجرد بديل.. وتصميمك اني حتي لو رفضت انت مش هتستسلم ده طمني اكتر وعرفت اني مش غلطان اني صدقتك..!
+
_ يعني حضرتك موافق اتجوز عطر؟
_ وأنا الاقي أفضل منك؟ بس موافقتي مش هي الأساس.. لازم عطر هي اللي توافق!
_ هتوافق.. أوعدك انها هتوافق بس اديني فرصة اخليها تقتنع ان مافيش في دماغي غيرها.. حضرتك عارف ظنونها هي والكل اني لسه بحب بنت عمي.. عشان كده عايز كلامنا ده سر مؤقت.. بس قريب اوي الكل هيعرف!
+
_ أفهم من كده ان حتى والدك ووالدتك مايعرفوش حاجة؟
_ لا يا عمي.. محدش يعرف لأن ضامن رأيهم.. انت عارف امي بتحب عطر ازاي وهتطير من الفرحة، وكذلك بابا وطبعا جوري وعابد والكل.. انا كان اهم حاجة عندي موافقتك انت وبعد كده عطر.. والحمد لله ضمنت واحدة.. وفاضل صاحبة الشأن!
+
_خلاص يا باشمهندس.. خد المهلة اللي انت عايزها.. وبيتي مفتوح ليك. انت وأهلك في أي وقت!
_ ربنا يخليك ليا ياعمي.. انت ردتلي روحي بموافقتك.. بس ليا رجاء أخير.. بلاش تقول لخالتي فدوى لأنها اكيد هتقول لماما وانا عايز ارتب حاجة في دماغي هتبسط عطر.. ومش عايز ترتيبي يبوظ!
_ ولا يهمك.. محدش هيعرف حتى خالتك!
_ شكرا يا أحلى عم في الدنيا
ضحك ناجي: طب بطل بكش ووفر الغزل ده لخطيبتك!
ثم منحه نظرة حانية: ربنا يسعدك انت وبنتي ويفرحني بيكم قريب..انت هتاخد قلبي يا يزيد ولو مش عارفك وواثق فيك مستحيل كنت هوافق اديك بنتي!
_ عارف ياعمي.. وإن شاء الله عمرك ما هتندم على ثقتك فيا..!
------------------------------------
+
علم بعودتها للتو من محمود الذي هاتفه كاتفاق مسبق بينهما، تغيرها معه جعله يتجنب الحديث معها حتى يراها..هذا كل ما يحتاجه الآن.. رؤيتها.. عله يستعيد طاقته التي نفذت في غيابها..وهو كفيل بتحطيم كل جدار تنوي تشيده لتصده.. لا يعلم هل حقًا سمعته؟، أم هو دفاع ضد طوفان مشاعره التي تجتاحها كما اخبره يزيد.. لا يهم ..أيًا كانت الأسباب سيحاربها.. ويعيدها نجمة تنير سمائه مرة أخرى!
……… ..
+
_ حمد الله علي السلامة يا زمزم
_ الله يسلمك
_ وحشتونا أوي.. وكنت هتجنن عشان مهند
_ ومهند معاك اهو اشبع منه براحتك، معلش هستأذن اطلع أودتي لأن مرهقة شوية!
+
أوقفها قبل أن تمضي: زمزم!
+
التفتت تنظر إليه دون كلمة منتظرة قوله ورغمًا عنها سحبها إعصار عيناه الدافيء وكاد يزلزل ثباتها.. ويُضعفها شوقها إليه..كم تخاف سيطرته على قلبها الذي احتله.. ليست حمقاء لتنكرها عابد أصبح يغزو شراينها، هل ستقدر على طرده؟ ام ستصفعها "يد" الفشل ويتغلل بروحها أكثر وأكثر كما يفعل الآن يواجهها بحب يذيبها دون رحمة.. لكنه كاذب.. نعم.. لا يجب أن تنسى.. هو يشفق عليها.. مشاعره زائفة.!
+
_ حاسس إنك متغيرة معايا..!
+
أخيرا تماسكت وهي ترد بهدوء مزيف: مش فاهمة، متغيرة ازاي ياعابد؟
_ بتتحاشيني.. مش عايزة تتكلمي معايا.. حتى اتصالاتي اتجاهلتيها..( وواصل برفق) أنا زعلتك في حاجة؟
+
تجرعت ريقها تحاول ألا تصرخ.. ألا تبكي.. ألا تنهار وتقول له نعم فعلت.. وسمعت ما قلت.. علمت ماذا أكون في نظرك.. عريت كذبك وخداعك.. لكنها صمدت بأعجوبه وهي تستطرد بمزيد من الثبات:
+
_ مافيش زعل ولا حاجة، كل الموضوع اني كنت اغلب وقتي مع طنط وعمو وبلقيس اللي كانت زعلانة بعد سفر خطيبها.. انما مافيش سبب تاني!
+
ظل يحاصرها بنظرات يبث فيها شوقه وأسفه وحبه، هو يعلم أنها تكذب.. ولا حيلة له سوى تصديق كذبها حتى يرتب أفكاره ويرصد القادم معها.. ربما يجد جديد ينسف كل بذور ظنونه من أرضها..!
------------------------
يتأمل لعب الصغير بين قدميه بحنان هامسًا: وحشتني اوي يا هوندا.. لولا ماحبيتش اضايق ماما كنت جيتلك القاهرة وأخدتك.. ثم تنهد بحزن مغمغما وكأن الصغير يفهم: ياريتك بتتكلم كنت عرفتني ماما فيها ايه؟ زعلانة مني ليه؟ سمعتني ولا لٱ؟ ( ثم أدار الصغير إليه وقال).. زمزم كرهت عابد؟
+
" آبد"
+
قالها الصغير وهو يراقب شفتيه مرددًا گ بغبغاء، فابتسم له وقال: عابد بيحبك اوي يا مهند..حتي لو ماما سمعت كلامي مستحيل اتخلى عنك أو عنها.. انتوا حياتي..هصبر واتحمل زعلها لحد ما تروق ومهما بعدت عني كل طريق هيوصلها لقلبي تاني.. وانت اوعدني مهما حصل تنصفني وتكون في صفي.!
+
وضمه ليتشمم رائحته التي اشتاقها ثم نهض له:
_ ودلوقت بقى تعالى نسقي الشجرة بتاعتك اللي سايبها عطشانة..بس متخافش انا كنت مهتم بيها.. دي هتكون مكانك المفضل لما تكبر..ويوم مايسرح خيالك الجميل في بنت حلوة هتحتمي بعروشها وأنا ساعتها هكون معاك وهسمعك وانت بتحكيلي عنها وأنا فخور بيك وباختيارك.. متأكد انك هتخليني فخور بتربيتك!
………… ..
+
تتابعه من علياء شرفتها بعين شاردة.. ربما تعجز عن سماع ما يقول للصغير لكنها تدركه.. تعلقه بمهند إنذار غير مطمئن.. ورغم مصارحته لها انه فقط يشفق على زمزم ولا يفكر فيها زوجة، قلبها يكذبه!
+
_ كريمة بتعملي ايه عندك؟
استدارت لزوجها: مافيش يا أدهم!
_ طب تعالي عايز اقولك خبر حلو
تهلل وجهها بحماس: قول وفرحني
_ جوجو جالها عريس ممتاز
شهقت بفرحة: بجد؟ غير العريس بتاع الاسبوع اللي فات؟
_ قصدك ابن الحج "… " لالا أنا رفضته من بدري.. مش ده العريس اللي اتمناه لبنتي الوحيدة!
+
_ امال مين العريس التاني؟
_ عامر صاحب ظافر خطيب بنت اخويا
فتشت بذاكرتها برهة ثم هتفت: معقولة؟ شريك ظافر؟ ده ولد محترم ومهذب جدا، مستواه كويس وشكله طيب وابن ناس وانا ارتاحتله من وقتها.. هو كلمك امتى؟
_مش هو اللي كلمني، كلم. يزيد من فترة بسيطة.. وقاله هيظبط مع أهله وهيزورونا.. وابنك سأل عنه وعرف كل اللي يهمنا نعرفه وقالي انه فعلا شاب كويس
+
_ يارب لو فيه خير لبنتي يقربه، ولو شر يبعده
_ اللهم امين..
صمتت برهة ثم هتفت بخبث: طب انا كمان عندي حاجة اقولها تخص عابد.. ولو وافقتني يمكن نفرح بيه مع اخته!
_ خير.. ابنك قالك عايز يخطب حد معين؟
لوت شفتيها بسخرية: هو ابنك في دماغه حاجة؟ أنا لو سبته لدماغه هيبور زي البنات..شوف يا سيدي باختصار من يومين كلمتني واحدة عشان اشغل بنتها اللي لسه متخرجة من كلية العلوم في المزرعة بتاعتنا.. وشوفت البنت معاها.. ياااه يا أدهم على جمالها ورقتها.. حسيت ان هي دي عروسة ابني.. اهلها عارفاهم كويس صحيح مش بمستوانا المادي بس احنا من امتي بيفرق معانا.. انا كل اللي اتمناه بنت أصول ومؤدبة ومتعلمة تصون ابني وتسعده!
+
_ ماشاء الله شوقتيني اعرفها، بنت مين؟
_ .بنت الحاج "… " عرفته؟
_ أيوة عرفته، ونعم الناس والسمعة!
_ مش بقولك تليق بعابد وهتسعده.. عشان خاطري يا أدهم ساعدني واعمل اللي هطلبه منك.. ابنك دماغه ناشفة وهيعند ويفتكر اننا بنفرض اختيارنا عليه!
+
_ مش فاهم.. عايزاني اعمل ايه!
+
ابتسمت بغموض وهمست: هقولك!
------------------
+
"ماما.. بابا.. تعالوا بسرعة شوفو البرومو بتاع برنامج ظافر"
+
أتت درة تشاهد بحماس وفخر ثم راحت تُكبر لأجله، وتبعها عاصم الذي تمتم بمشاكسة بعد رؤية لقطات خاطفة للحسناوات معه: يابختك ياظافر.. حواليك تفاح لبناني على أمريكاني وفواكهة تفتح النفس.. كنت خد عمك معاك!
+
التفتت دره وهي ترمقه بنظرة عدوانية محذرة : بتقول حاجة ياعاصم؟؟؟
_ لا ياروحي.. بقول ربنا يقويك ياظافر!
+
بلقيس وهي تقضم أظافرها: ايه البنات الحلوة دي كلها اللي في المسابقة، هيقضي وسط دول 3 شهور ويرجعلي سليم ازاي؟!
+
رمقت دره عاصم بحنق: شايف خليت البنت تقلق وتفكيرها يوصل لأيه؟.. هي ناقصة غيرة وجنان!
+
غمز بإحدى عينيه دون ملاحظة بلقيس هامسًا: طالعة لأمها..!
+
_ بابا، ماما.. ركزوا معايا دلوقت وشوفولي حل..أنا كان فين عقلي بس لما سبتوا يسافر لبنان وسط المزز دي كلها
ضحك عاصم واقترب ليضمها إليه مقبلا قمة رأسها: عيب يا "ملكة أبيكي" تغيري من شوية "نجوم" وأنتي بينهم "القمر"!
ابتسمت لإطراء أبيها المحبب واحتصنته هاتفة على صدره بدلال گ عهدها الدائم: عيون القمر أنت يا عصومي!
---------------------
مشط الحديقة بعيناه باحثًا عنها، لمحها تفترش حشائش الأرض وتنقر على هاتفها كأنها تكتب شيئًا، اقترب وانحنى بقامته ليجلس قُبالتها ضامًا قدميه لصدره وأحاطها بذراعيه، فرفعت وجهها إليه مباغتة بوجودة وهتفت بتلقائية: هو أنا ليه بلاقيك فجأة قدامي من غير ما احس؟ للدرجة دي خطوتك خفيفة؟
+
ابتسم لحديثها المضحك وغمغم متجاهلًا سؤالها وعيناه مصوبة للأفق:
_عرفت سبب زعلك انتي وفدوى!
اعتراها ارتباك وارته سريعًا قائلة: ماكانش في داعي ماما تقولك حاجة زي كده!
_ ليه؟
تسائل وبصره يحيد إليها، فتمتمت: حاجة مش مهمة انك تعرفها
_ مين. قالك مش مهمة؟
رمقته بتساؤل، فواصل وهو يتأملها دون بعمق: كل حاجة تخصك تهمني ولازم اعرفها..!
صمتت وداخلها مشتت.. نبرة صوته الرجولية الدافئة..حديثه الغريب عليها إلي حدٍ ما، توهج حدقتيه الغامض، جميعها أسباب تربكها، لكنها ظلت محافظة على ثباتها وهي تتسائل: طيب مادام عرفت وبتقول اللي يخصني يهمك، احب اعرف رأيك؟
+
ترقبت قوله بلهفة لم. تظهرها لكنه استشعرها وهو يرمقها بنظرة مطولة هامسا: انتي ليه رفضتي؟ حسب ما فهمت من خالتي انه عريس مايترفضش!
+
مالت شفتيها بعلامة إحباط لرده وقالت: مابفكرش في جواز دلوقت.. دراستي وشغلي هما اللي شاغليني!
_ طب افرضي اللي عايز يتجوزك ضمنلك انك تخلصي دراستك وتشتغلي بعدها، هتوافقي!
_ لأ..!
قالتها قاطعة كما توقع فواصل مديرا دفة الحديث لجهه أخرى: طيب شوفتي السي دي وعرفتي مطلوب ايه؟
عاد إليها حماسها: أيوة، وتقريبًا رسمت في دماغي تصور مبدئي للتصميم، أوعدك ثقتك فيا هتكون في محلها..!
لمعت مقلتيه بإعجاب حقيقي: أنا متأكد..!
……… .
+
يطالعهم من نافذة بغرفته الخاصة بتمعن.. لأول مرة يلاحظ نظرات يزيد لابنته.. هل كان غافل عن كل هذا.. دائما كان يفترض أنه شقيقها مثل ياسين، لم يتخيل أن يأتي يوم ويرى الرجاء في عيناه وهو يطلبها لتصبح زوجته بل رآي الأكثر.. وميض العزم والتصميم. ان تكون له، طمأنه ان ابنته تحتل مكانة تفوق ابنة الخالة لديه!
+
_ يزيد مشي؟
+
رد على زوجته دون أن يلتفت: أيوة.. بس شكله بيكلم عطر في حاجة!
وقفت جواره ومنحتهما نظرة حانية وقالت: ربنا يطمنا عليه.. اختي كريمة بتحلم باليوم اللي يزبد يتجوز فيه!
_ وانتي؟
_ ده سؤال يا ناجي؟ يزيد ابني التالت.. زي ما بدعي لولادي بدعيله.. ساد بعض الصمت بينهما ثم قالت: وربنا يهدي بنتك وتقبل العريس اللي مستني كلمتنا
_ كلمتنا معروفة.. مافيش نصيب!
_ بردو يا ناجي مافيش فايدة؟ والله هتندم على الفرص اللي بتضيع دي
_ قفلي على الموضوع ده يافدوى، لما ربنا يريد هتفرحي ببنتك.. وياريت تبطلي تضغطي عليها.. سيبيها براحتها..!
+
وتركها لتزفر هي بضيق بعد رحيله وهمهمت: معرفش امتي هتسمعوا كلامي وتريحوا قلبي!
+
-————————
+
_معلش يابلقيس مافضتش اكلمك غير دلوقت.. اليوم كله كان منافسة وتصوير لأن الحلقات الأولى اللي هتتذاع هتكون مسجلة!
_ عادي ولا يهمك أنا سهرانة!
_طيب شوفتي البرومو؟
+
أجابته باقتضاب: شوفته.. حلو..!
_مال صوتك كأنك مضايقة؟
_ لا ابدا مافيش!
_ هتخبي عليا؟ طب انا هاتصل كاميرا عايز اشوفك!
لم يترك مجال للرد وهو يجري اتصال فيديو، وبدأت الاتصال بعد تردد، فهمس وهو يرى عبوس وجهها: الجميلة زعلانة ليه؟ ده انا قلت هتفرحي اما تشوفي البرومو.. ولا يكون شكلي كان وحش اوي و…
+
قاطعته: لا طبعا كنت تجنن بس … .
_ بس ايه كملي؟
ترددت قليلا ثم قالت بلمحة غيرة: ماقولتليش ان معاك في المسابقة البنات الحلوة دي كلها.
+
بدا لبرهة انه لم يستوعب، ثم أدرك السبب وراء غضبها فابتسم بمشاكسة: أه فهمت انتي غيرانة؟
تجاهلت الرد على قوله: كنت بتهزر معاهم في البروموا وبتضحك وشكلك هايص ومبسوط على الأخر
+
_ طب بذمتك مبقاش مبسوط ازاي وانا حواليا الحلويات دي كلها..ماهو ده اللي مصبرني على ضغط المنافسات بتاعة كل يوم!
جزت على أسنانها: ظااافر متعصبنيش، المفروض ماتضحكش معاهم وتركز في شغلك وتغض بصرك كمان!
_ في واحد يبقى في لبنان ويغض بصره بردو ؟ده حتى حرام
+
رغم انها تعلم أنه يمزح، فارت دمائها غيرة وهتفت ببرود:
_ لا عندك حق، خلاص اقفل وروح متع بصرك براحتك، سلام!
واغلقت المكالمة دون منحه فرصة للرد، فأعاد الاتصال مرتان، لم تجيبه فكف عن الرنين وساد الصمت، وسمحت أخيرا لدموعها أن تسيل، لقد أوجعها بمزاحه، ألا يعلم أن غيرتها نار تأكلها وهي تتصور انه وسط كل هذا الكم من الفتنة وهو بعيد.. هل يستهين بغيرتها لهذا الحد؟! شعرت بحزن حقيقي وأرخت رأسها على وسادتها بعد أن اكتفي من المحاولة لإرضائها..وعاد هاجسها انه لا يحبها بقدر ما تعشقه!
+
سمعت طرقتين على باب غرفتها ثم دلفت والدتها وعلى وجهها بقايا نعاس: انتي صاحية يا بلقيس؟
اعتدلت لها: أيوة يا ماما اتفضلي!
نظرت لهاتفها وقالت وهي تتثائب: طب خطيبك اتصل عليا وقال انه بيحاول يكلمك ومابترديش وعايزك في حاجة ضروري.. قلت اجي اشوفك يمكن عاملاه صايلنت!
_اه تقريبا عاملاه كده!
ربتت على وجنتها وهي تقول: طب اتصلي عليه ياحبيبتي، صوته كان مضايق يمكن محتاج يكلمك في حاجة مهمة!
صدح رنين هاتفها برقمه، فحدجتها دره بمكر: طب ما صوت التليفون شغال اهو، يعني اتعمدتي ما ترديش على خطيبك!
+
نكست رأسها بخجل طفيف، فواصلت والدتها بحنان: زعلانة منه؟..( أومأت بلقيس برأسها فاستطردت دره) وهو مش هاين عليه تنامي زعلانة منه.. ردي عليه وعودي نفسك ماتطوليش في زعلك ولا تقفلي بيبان الفرص في وشه لما يحب يصالحك.. الراجل بطبعه بيزهق بسرعة وبيحس ان كرامته اتهانت لو صدك زاد عن حده.. كلميه وربنا يصلح ما بينكم!
+
قبلت جبينها وتركتها لتجيب على ذاك الذي لم يكف رنينه!
+
_ بتقفلي المكالمة في وشي يابلقيس؟
+
استقبلت صياحه الغاضب بحزن: أنا ماقفلتش في وشك.. قلت سلام وبعدها قفلت!
تنهد ليحجم ضيقه وقال: بلقيس.. أخر مرة تعملي كده، دي إهانة ما اقبلهاش من حد حتى انتي..!
+
اختنق صوتها بغصة بكاء لكنها تماسكت لتغمغم: خلاص أسفة! تسمحلي بقي اقفل عشان عايزة انام؟ وانت اكيد محتاج ترتاح!
+
تبدلت نبرته لتفيض عليها بحنان: ارتاح ازاي وانتي زعلانة مني؟ ماتهونيش عليا
صمتت وشمسيها غائمة بسحابة عبرات، فعاد يهمس: أنا كنت بهزر معاكي والله، ليه كبرتي الموضوع وعملتي مشكلة من مافيش؟ وبعدين لما تزعلي لازم تديني فرصة احسن الموقف مش تقطعي كل الطرق وتسيبيني كده!
+
هتفت ومازل صوتها مختنق: حصل خير..!
_ طب حقك عليا ماتزعليش.. ومش هضحك مع حد ولو انها لقطات عفوية مش مقصودة.. ولو على غض البصر فأنا طول عمري يابلقيس براعي ربنا وعارف ان لو عملت حاجة وحشة هتتردلي في أهل بيتي..متخافيش أنا لو حواليا حور العين مش هشوفهم أجمل منك..انتي أحلي وأغلى حورية في حياتي.. عيوني مايملاهاش غيرك.. قلبي ليكي وعمري كله عشانك..أوعي ثقتك تتهز من ناحيتي ابدا مهما حصل!
+
مسحت دموعها وهي تبتسم بسعادة طاغية بعد أن دلل قلبها بكلماته واحساسه.. فعاد يهمس: سمعيني صوتك بقى عشان اعرف انام وأحلم بيكي!..قوليلي انك مش زعلانة!
+
همست بخجل استشعره: خلاص مش زعلانة!
_ يعني صافي يا لبن
ضحكت بخفوت: حليب يا قشطة!
شاغبها: ده انت اللي قشطة وعسل ابيض!
ضحكت بصوت مكتوم فواصل: ربنا مايحرمني من ضحكتك الحلوة دي ابدا..!
تنهدت وهي تجيبه: ولا يحرمني منك!
_ طب مش انا صالحتك؟ صالحيني انتي كمان لأنك زعلتيني اما قفلتي وانا بكلمك!
همست بدلال: واصالحك ازاي؟
_ بوسي صورتي على المج وصوري نفسك وابعتيهالي!
هتفت بعناد محبب: لأ.. انسى!
_ طب اشمعنى انا بعمل كده كل يوم وببعتهالك.. انتي بخيلة؟
_ جدااا
_ ماشي.. بس كده انتي مديونة ليا.. كل مرة طلبتها منك شفوي لصورتي على المج.. هلزمك بيها عملي!
_ ده في أحلامك يا ظاظا.
ضحك للفظ دلالها له: ظاظا؟ هو ده أخرك يا بنت عاصم بيه؟ ماشي الحساب يجمع وانا مش بسيب حقي!
_ ولا يهمني!
ابتسم لفوزه برضائها وصوتها عاد له بريقه ورقته وقال بدفء: للأسف مضطر احرم نفسي من صوتك الحلو واقفل معاكي لأن هصحى بدري.. وهكلمك في اول فرصة.. أوعي تنسي تدعيلي"
_ عمري ما انسى.. ربنا يرجعك ليا بالسلامة وانت محقق هدفك!
_ اللهم امين.. تصبحي على خير يا برنسيسة!
_ وانت من أهل الخير.. خد بالك من نفسك!
_ حاضر.. وانتي كمان.!
----------------------------
تمشط شعرها أمام مرآتها بشرود افقدها الشعور بمن طرقت بابها ودلفت تطالعها بقلق.. اقتربت والتقطت الفرشاة من بين أناملها، فأفاقت هاتفة: ماما؟ دخلتي امتي؟
_لسه حالا..ولقيتك سرحانة مش حاسة بحاجة حواليكي!..وواصلت وهي تمشطها برقة: تعرفي ان شعرك انتي وبلقيس زي بعض، نفس الكثافة والطول والنعومة مافيش اختلاف غير في اللون!
_ فعلا أنا كستنائي وهي أسود غطيس!..لكن في الجمال ماشاء الله تفوق الكل!
أدارتها عبير وقبلت قمة شعرها وقالت: كل واحدة جمالها مختلف عن التانية، انتي جمالك هادي ومريح..(وجذبتها مستطردة) تعالي يا زمزم عايزة اتكلم معاكي شوية!
_ خير يا ماما؟
_ انتي اللي هتعرفيني يا بنتي ان كان خير ولا شر
_ ازاي مش فاهمة!
حدجتها بنظرة ثاقبة بضع ثوانٍ ثم قالت: في حاجة مزعلاكي من عابد ابن عمك؟
اهتزت عينيها قليلا ثم تماسكت بثبات وهتفت: ابدا مافيش!
حاصرتها بنظرة أخرى واستأنفت: زمزم..أنا مراقبة تصرفاتك معاه هو بالذات وواضح انها متغيرة، حتى مزاجك نفسه اختلف.. بتسرحي دايما، مش بتهزري وتضحكي زي الأول، بتختلي بنفسك كتير.. طمنيني عليكي يابنتي أنا خايفة عليكي أوي ترجعي زي ماكنتي بعد ز…
+
بترت قول اسم زوجها حتى لا تُذكِرها به، فغمغمت الأخرى:
سكتي ليه يا ماما..خايفة ادخل في اكتئاب وامتنع عن الكلام زي ما حصل وقت موت زياد؟ اطمني، وقتها كنت لوحدي وزاهدة في الدنيا كلها.. لكن دلوقت أنا عندي طفل مسؤلة عنه وحقه عليا اكون بخير واتحمل أي حاجة تحصلي!
_ وايه اللي انتي متحملاه يا زمزم؟ فضفضيلي أنا أمك، لو بتحبيني افتحي قلبك واتكلمي.. واوعدك كلامنا هيكون سر..!
+
نكست رأسها تحاول ردع رغبتها في البكاء فخانتها عبرة ثم توالت العبرات وهي صامتة مطرقة الرأس، فتلقفتها عبير بين ذراعيها رابتة على ظهرها وعبراتها تُزرف هي الأخرى: ما عاش ولا كان اللي يبكي عيونك ويزعلك وأنا على وش الدنيا..ارمي حزنك عليا وانا اشيله معاكي يا نور عيني.. اتكلمي عشان ترتاحي!
+
مهما مثلت القوة أمام الجميع..ستظل تلك الطفلة داخلها ضعيفة تحتاج قوة وحنان والدتها.. ستفيض بما لديها علها حقًا تجد راحة.. بدأت تسترسل وتقص ماحدث وما سمعته بين عابد والعمة كريمة.. وعبير يتقلب وجهها بين الحزن والغضب لابنتها التي همست أخيرًا: أنا غصب عني ضعفت يا أمي ومشاعري مالت لعابد ونسيت عهدي مع زياد.. نسيت أبو ابني.. اتغشيت في اهتمامه وصدقت انه…… .
لم تكمل وهي تدس وجهها بصدر عبير التي ضمتها أكثر قائلة:
اهدي يا حبيبتي ماتبكيش..انتي مش قليلة وألف مين يتمناكي و…
+
نزعت نفسها من أحضانها هاتفة بلمحة حدة: تفتكري أنا فارق معايا الموضوع ده؟أنا كل هدفي اربي ابني واوصله لبر الامان يا ماما..مش عايزة حاجة لنفسي أنا خلاص أخدت حظي من الدنيا وراضية بيه..( ثم ترقرقت عينيها مواصلة) أنا بس واجعني احساسي بالإهانة يا امي، شفقة عابد وكلام طنط كريمة اني ارملة ماتلقيش بابنها اللي لسة مادخلش دنيا وجعني اوي وحسيت اني رخيصة في نظرها..هو أنا ليا ذنب في ظروفي دي؟ أنا فجأة بعد أيام من جوازي لقيتني لابسة اسود وبتلقى العزا في جوزي..سابني من غير ما يعلمني ازاي أوجه العالم من غيروا.. زياد ماكانش مجرد زوج ده كان روحي.. ولولا ربنا وهبني حتة منه ماكنتش عرفت أقف على رجلي تاني..!
صمتت وأطرقت رأسها مرة أخرى مستطردة بنبرة ألم:كل مرة كنت بضعف ناحية عابد كنت بحس بخجل .. بشوف صورة زياد بتعاتبني.. كنت بمسح دموعي واستمد القوة من مهند واقول لنفسي انا هتجاهله.. مهما عمل.. مهما قال.. مهما حسيت مش هتأثر.. بس انا بشر يا امي.. أتأثرت.. وضعفت!
+
لم تستطع عبير أن تقاوم بكائها أكثر.. بكت وهي تحتضنها بشدة..بقدر رغبتها في قرب عابد لابنتها، بقدر حزنها لما علمت.. ليتها ما تمنت اقترابه.. لم تكن تعلم انه سيمنحها هذا الآلم .. تمالكت نفسها سريعا وجففت دموعها وقالت: ولا تزعلي نفسك يا زمزم..انتي غالية وعمرك ماكنتي ولا هتبقي رخيصة.. ولو على مشاعرك أوعي تلومي نفسك يابنتي احنا بشر وطبيعي كنتي تتأثري بعابد.. بس ولا يهمك كل ده هيتغير.. انا مش هخليه يقربلك تاني ولا يقرب ل… .
+
قاطعتها: لا يا ماما اوعي.. انتي وعدتيني كلامنا هيكون سر.. وكمان مهند مالوش ذنب وماينفعش يبقي طرف في اللي حصل.. برغم كل شيء عابد بيحب ابني انا متأكدة..مستحيل احرمه منه بعد اللي عمله عشانه..!
+
_ يعني هتسيبيه يقرب منك بحجة مهند؟
_ لا يا ماما مافيش حد هيقرب مني تاني..أنا قادرة اعمل حدود بيني وبينه.. عابد ابن عمي وبس.. وانتي اوعديني معاملتك ماتتغيرش مع طنط أو معاه عشان خاطري ياماما احنا عيلة واحدة ومش عايزة اللي حكيتهولك يأثر على ترابط عيلتنا.. وبعدين طنط كريمة فكرت بقلب أم عايزة لابنها احسن حاجة مين يقدر يلومها..حطي نفسك مكانها مع محمود.. كنتي هترضي ياخد أرملة ومعاها طفل؟
+
نكست عبير رأسها دون كلمة، فواصلت زمزم بابتسامة مريرة: دي نظرة مجتمع عمرها ما هتتغير.. خلاص يا ماما انسي ومتخافيش عليا.. بنتك مش ضعيفة.. صحيح اتهزيت في الأول بس دلوقت بخير..!
+
نظرت لها بحزن وقهر لحالها ثم اعتصرتها بعناق اخير بعد أن نضبت بينهما الحروف..!
--------------------------
يرمقه بنظرة ثاقبة محترمًا صمته مدركًا أنه يستجمع ذاته ليخبره بشيء، فلم يطل انتظاره وهو يلتفت إليه أخيرًا مردفًا:أنا مابقيتش عارف انام يا يزيد.. بالي مشغول بفكر طول الوقت عشان كده جيت احكيلك!
+
_ وانا سامعك يا أحمد.. ايه شاغلك للدرجة دي؟
_ أمونة!
ابتسم وبدا عليه غير متفاجيء بقوله، فضاقت عين الأول هاتفا: ايه معني الابتسامة دي مش فاهم؟
_ معناها إن ظني كان في محله.. كنت عارف انك منجذب لأمونة.. وبصراحة عندك حق، أمونة بنت يتمناها اي شاب وماكنتش هتمنى لصاحبي افضل منها..!
زحفت الابتسامة على شفتي أحمد واتسعت وهو يتمتم: كل يوم بكتشف فيها حاجة جديدة بتزود اعجابي وانجذابي ليها يا يزيد، بس مع الوقت لقيت الموضوع مش مجرد اعجاب، خوفي عليها لما تعبت، شوقي الغريب ليها وهي غايبة،فرحتي لما رجعت كأن حتة مني اتردت ليا، راحتي النفسية وأنا بكلمها عن نفسي، هزارها الموزون، حكمتها لما بنتناقش في أي موضوع، طيبتها وحنيتها اللي مش طبيعية، لدرجة حسدت اللي ممكن تشيل أسمه في يوم.. ولما تفكيري وصل للنقطة دي حسيت بغيرة ان ده ممكن يحصل.. في اللحظة دي بالذات قدرت احدد مشاعري ناحيتها..!
+
صمت ليتمالك ذاته بعد سرد مشاعره، ثم همس ملخصًا كل ما باح به لصديقه بكلمتان!
_ أنا بحبها..!
+
رغم استنتاجه لاتجاه حديثه لكن ما أن لفظها صريحة حتى قام ليعانقه بمحبة: أخيرا يا أحمد.. كنت منتظر تيجي تقولها.. ثم ابتعد عنه ونكزه بكتفه: ماتضيعش وقت مادام كل حاجة واضحة جواك.. روح اطلبها..!
_ ده رأيك
_ طبعا، مافيش غير كده
_ بس مش قبل ما اعرف رأيها الأول
_ يعني هتصارحها بحبك
_ أيوة، وهطلبها منها هي الأول واطمن انها هي كمان عايزاني
_ بأذن الله هتفرح بردها، أمونة ماتلاقيش زيك يا ابو حميد!
+
تنهد مع قوله: ولا أنا هلاقي زيها
ثم رمقه بمشاكسة: عقبال أبو الهول ما ينطق
+
_ أبو الهول نطق من زمان يا باشمهندس!
اتسعت عين أحمد بذهول: نعم؟؟؟ نطق؟! امتي وفين وازاي انا معرفش؟ ( ثم أمسك مقدمة قميصه كأنه يتعارك) أنا شكلي هعملها معاك.. بقى دي أخرتها يا ندل.. تاخد خطوة مهمة زي دي وماتقولش لصاحبك!
+
ضحك يزيد وهو يزيحه: يا ابني والله انا نفسي ما كنتش اعرف.. انا لقيتني فجأة وبدون تفكير بطلبها من استاذ ناجي! فكرة ان في شباب بتتقدملها خليتني افقد كل صبري واتراجع عن كل تخطيطي معاها.. طلبتها وأخدت وعد من عمي انها ليا
+
احمد وهو يجلسه على المقعد المقابل له:
طب واحدة واحدة كده احكيلي بالتفصيل الممل.. حصل ايه لحد ما وصلت للمرحلة دي"
+
ابتسم وهو يستعيد تلك اللحظات وبدأ بسردها وعيناه تبرق بوميض لم يخفى على رفيقه الذي استمع له وشعر أن السعادة اخيرا تتلاقي بطريقهما..!
------------------
+
تراقبه بملامح تشي بالحزن وهو يتجرع الماء مبتلعًا قرص دواءه المعتاد قبل أن يُشرع بمشاركتهما الطعام، ظلت تنظر له واللوم لذاتها يتفاقم..حادثها الأليم هو سبب مرض والدها بداء " السكر"..تُكسي نفسها عباءة هذا الذنب وتتألم!
+
_ حبيبتي ناوية تنتظمي في الشركة امت.......
+
بتر عبارته حين قرٱ نظرتها الحزينة له.. بابتسم بحنان وهو يشير لها أن تأتيه: تعالي يابلقيس!
توجهت نحوه فأجلسها على ركبتيه هامسًا: حبيبة بابا انتي متخافيش.. أنا بخير اهو زي ما انتي شايفة!
غمغمت بصوت يقاوم البكاء: خوفت عليك امبارح لما دوخت وكنت هتقع!
_بس انتي سندتيني!
أردفت برد أعمق من ظاهره: عمري ما هسيبك تقع يا بابا.. أنا عيونك اللي بتشوف بيها الدنيا، وعكازك اللي يوم ماتحب ترتاح هتميل عليه!
+
برقت عيناه بعاطفته الأبوية نحوها وضمها دون كلمة، متأثرًا بردها، كما غامت عين دره بسحابة دموع وهي تراقبهما بصمت، فاستطردت بلقيس بنبرة اعتذار له ولوم لها: أنا عارفة اني السبب في... ..
قاطعها بحزم حاني: وبعدين يابلقيس، مش قولنا بلاش الكلام بالطريقة دي، ده نصيب يابنتي والمهم انك بخير، أوعي تتهزي من شوية الدوخة بتوع امبارح وتقولي بابا تعبان.. أبوكي هيفضل بعافيته وقوته.. المرض ده سبب ربنا بيرزقنا عليه بالحسنات.. وواصل ليبدد مِزاجها الحزين: المهم حبيبة بابا هتنور الشركة امتي وهتوريني همتها معايا؟
منحته ابتسامة صافية وهتفت ببعض المرح بعد أن تبدد شعورها الكئيب: من أول الأسبوع بإذن الله يا عاصم بيه!
_أيوة كده وفرتي عليا توصيتي ليكي أن في الشركة مافيش بابا، في عاصم بيه والأستاذة بلقيس!
ضحكت بدلال: طبعا ياعصومي فاهمة ماتقلقش!
عبث بغضب زائف: شوف البنت أقولها عاصم بيه تقولي عصومي!
+
" ماهو ده عشان حضرتك مقعدها علي رجلك وعمال تدلعها ومش مراعي شعوري، وكمان سايبها تقولك عصومي"
+
التفتا سويًا لدره وهتفت بلقيس بمشاكسة اشتاقتها معهما: هنرجع بقى للغيرة يا دره؟
+
--شايف بنتك ياعاصم؟!!
+
هتفت باستنكار فضحك الأخير وتمتم مستمتعا بإغاظة زوجته: بنتي عندها حق! انتي بتغيري!
+
هتفت بتوعد: بقى كده ياعاصم؟! بتبعني عشان بنتك، طب خليها تنفعك، ومش هفطر معاكم!
+
وتركتهما وصوت ضحكهما خلفها يطرب قلبها وشفتيها تميل بابتسامة حنون لم يروها..!
+
أما عاصم فاستطرد لابنته بعد أن هدأت ضحكاته: على فكرة ليكي عندي هدية بمناسبة بداية شغلك معايا.
+
برقت عيناها بفرحة فضولية: بجد يا بابا، طب ايه هي؟
نكز رأسها برفق: دي مفاجأة، يلا بقي روحي مكانك، رجلي وجعتني يابنت!
صاحت وهي تترك قدمه لتجلس على مقعدها جواره: ماشي ياعاصم بيه، منتظرة المفاجأة على نار..!
-----------------------
+
"مبسوطة؟"
+
منحته ابتسامة صافية وقالت: الحمد لله يا حبيبي
+
لثم جبينها وغمغم: كان له حق أخويا لما قالي انك محتاجة تغيري جو..
_ انا فعلا عاجبني اوي المكان والقعدة قصاد البحر
_ خلاص أوعدك كل ويك إند نيجي هنا
+
" رائد.. تعالى بقى سابقني ولا هترجع في كلامك؟"
+
ابتسم الأخير وهو يلوح له أنه قادم ثم التفت لرودي:
_ أيهم ياستي متراهن لو غلبني في سباق العوم الخروجة الجاية هتكون عليا
+
_ هتغلبه..!
وعادت تقول وهي تتأمله: عمرك ما خسرت رهان ولا تحدي!
_ ياه للدرجة دي، طيب الله يطمنك، خلاص هغيب عنك شوية بس هي ميرا فين؟
_ قالت هتجيب حاجة وتيجي.. يلا انزل انت وانا منتظراك.. أصلا المنظر حواليا يجنن وممتع!
+
قبل وجنة الصغيرة ثم ابتعد فتلاشت ابتسامتها لتحل نظرة غامضة بحدقتيها المظلمة بسوادها وهي تستعيد يوم أن ظنت انه تذكرها گ "تيماء" وكيف زلزلها هذا الاعتقاد رغم أنها لم تترك احتمال مثل هذا للصدفة..خيوط لعبتها في الأساس بدأت من هناك، في عيادة هذا الطبيب الذي استنكر طلبها في بدايته، لكن الرقم الذي انضم لأرصدته البنكية مع قناع الضعف والرجاء وهي تقص مآساتها مع زوجها وكيف سيتركها لو تذكر ماضي خلافاتهم جعله يرضخ ويعطيها ما أرادت..بضعة أقراص فقط تضع إحداهم يوميًا في كوب العصير وينتهي كل شيء.. النسيان نعمة وفي حالتها هو قارب نجاتها معه.. رائد لا يجب أن يتذكر شيء..لن تتركه ينهض من قبو النسيان مهما حدث، حتى لو تآذى قليلا فليتحمل لأجلها.. ولأجل ابنتهم رحمة..!
رحمة التي لن تسمح أن تعيش كما عاشت هي!
لن تدعها تقاسي مرارة انفصال أبويها..!
إن كان النسيان ضريبة لتستقر حياة ثلاثتهم..
فيبلقى هكذا.. لا يذكر سوى رودي!
أما تيماء؟!
ستموت هي الأخرى بذاكرته إلى الآبد..!
+
بصرته يلوح لها من وسط البحر، فبادلته فعلته مبتسمة.. وانسحبت مرة أخرى بطيات ماضيها، وصفحة البحر تتعرج بفعل الموج المتلاحق حتى تلاشت صورتها تمامًا لتحل صورة خيالها وهي تتوسد صدره العاري بعد لحظات متعة محرمة بين ذراعيه!
+
_ بتحبني يا رائد؟
_ لأ
+
لفظها قاطعة وهو ينهض ملتقطا كنزة قطنية يغطي بها أعلى جسده مستطردا ببساطة:
انتي عارفة اني مابحبش حد!
+
طغت الخيبة على ملامحها لصراحته.. كلما تصورت انها اقتربت منه وأصبح لها مكانة، اكتشفت كم هي بعيدة.. وحقيرة في نظرة.. ولا تلومه.. هي من آتته راغبة..عرضت عليه وطوء جنتها دون قيود.. دون قواعد... دون أي شيء يؤمن لها كرامة أو حق!
+
لما العجب الآن إن صارحها انه لا يراها إلا حين تطلب غريزته وقتًا معها.. وهي تلبي.. وترحب..!
+
_ لكن مش هنكر ان ليكي مكانة عندي..!
والتفت ليمنحها نظرة مبهمة: عشان كده منعت عنك الغربان!
_ غربان؟ قصدك ايه؟
_ ولا حاجة.. قومي البسي عشان نمشي..!
+
نهضت تلملم حول جسدها ما يستره وعبرت جواره ثم توقف وهمست برجاء أخير ( يعني مافيش أمل تحبني وتتجوزني في يوم يا رائد؟)
+
ضحكته الساخرة جلجلت بين الأرجاء هاتفًا من بينها: أحبك وكمان اتجوزك؟ شكل الصنف انهاردة تقيل يا تيمو..هقول للواد سامر يغيره!
+
_ بس انت عارف اني بحبك.. واني ماسلمتش نفسي لحد غيرك واني
+
_ تيماء.. بلاش تسمعي مني كلام هيجرحك وخلينا مبسوطين وانسي الكلام الفارغ ده.. انا ولا بتاع حب ولا جواز.. وحتي لو حبيت مش هتكون …
+
بتر جملته صامتا فنكست رأسها مدركة لمقصده..!
+
فاستطرد بجلد كرامتها:
_ أوعي تنسي ان كل حاجة كانت بمزاجك.. انتي بالذات مغصبتكيش على حاجة يا تيماء.. جيتي لحد عندي برجلك.. ولا ناسية؟
+
ليتها تنسى.. ليتها تستعيد كرامتها مرة أخرى.. لكنها ضعيفة امامه.. تحبه.. تذوب فيه ومعه.. هو لذة عيشتها وسط قسوة وحدتها الطويلة.!
+
_ رتبتي مع صاحبتك قصة العيد ميلاد؟
+
غمغمت بعد أن عاد لوجهها حقده: أيوة.. زي ما اتفقنا، هاخدها هناك واخدرهالكم وامشي!
+
توهجت عيناه ببريق الترقب لمتعة جديدة مع فريسة فشل كل رفاقه باستدراجها لمجرد حديث، بينما هو اخترق كل حصونها حتى امتلك قلبها واكتسب اعجابها.. هو خير من يعلم تأثيره على الفتايات..!
+
"معلش اتأخرت عليكي يا رودي"
+
فاقت من شرودها على صوت ميرا ، فنفضت ذكراياتها البشعة وغمغمت: ولا يهمك، كنت بتفرج على رائد وأيهم وهما بيتسابقو..!
ابتسمت الأولى: الحمد لله الكل مبسوط انهاردة، لعلمك انا كمان كنت محتاجة النزهة دي.. واعتقد هما زينا..!
أومأت برأسها وهنست بعين شاخصة:التغير مطلوب يا ميرا، والروتين بيصبنا بالملل.!
واستطردت وهي تلتفت بلمحة امتنان: شكرا على اهتمامك بيه ومكالماتك الفترة اللي فاتت يا ميرا.. فرقتي كتير معايا.. "
+
_ ماتقوليش كده يا رودي احنا اخوات.. أي وقت تحتاجيني أنا موجودة!
ابتسمت لها وهي تلمح قدوم زوجها رائد وشقيقه:
_ شكلهم خلصوا سباق في البحر!
_وطبعا جعانين خصوصًا لما أوردر الغدا وصل وجوزي شافه
وضحكت مستأنفة: على فكرة "أيهم" مابيتحملش الجوع.. رائد زيه كده؟
+
هزت رأسها وغمغمت بعبارة غامضة لم تدركها ميرا:
_ أيوة.. رائد بيحب يشبع من كل حاجة.. لو جاع مش هتقدري تسيطري عليه!
+
_لا على ايه.. الأكل اهو خليهم ياكلوا ويشبعوا..مش هنديهم فرصة يجوعوا..!
+
أومأت لها بذات النظرة الغامضة : ده اللي بعمله!
---------------------------
+
" كنت عارف إنك هترفعي راسي بالتصميم ياعطر"
+
الفخر هو شعورها بكلماته في حقها، كلمات توازي لديها شهادة تقدير معلقة على جدار روحها..!
+
_ بجد أنا فرحانة برأيك ده يا يزيد، ماتتصورش ازاي بتدعمني!
_ وهفضل ادعمك طول عمري!
ثم مازحها: بس اوعي تتغري علينا
_ عمرها ما تحصل ( وواصلت) يلا بقى نبتدي درس السواقة.. عايزاك تثق فيا وتسيبني اسوق بقى.. والله اتعلمت كويس.. دي تالت مرة تدربني فيها..!
فاضت عيناه بحنان ليراضيها:
_ خلاص ولا تزعلي.. هخليكي تسوقي مسافة بسيطة.. بس وانا جمبك طبعا تحسبًا لأي حاجة!
_ فين الثقة بقى وانت هتكون معايا، أنا عايزة اسوق لوحدي خالص!
_ انسي تسوقي لوحدك بشكل تام.. لازم ابقي موجود.. وبعدين عايزك. تفهمي حاجة، السواقة. مش بتعتمد بس علي ابجديتها المحسوسة، لأ.. لازم تكتسبي حاجة اسمها توافق عصبي وبصري أثناء القيادة.. يعني تركزي في حاجتين في وقت واحد وده بيجي بع بالخبرة مش من يومين اتعلمتي فيهم اساسيات السواقة، عشان كده مش مسموح تطلعي بالعربية لوحدك.. فهمتي؟
+
أومأت بتسليم: أيوة فهمت وحتى لو مافهمتش هتعمل اللي في دماغك بردو..( ثم حنت رأسها وقامتها مع حركة ذراعيها التمثيلية هاتفة)
_سمعًا وطاعًا مولاي!
ضحك لتمثيلها المضحك وقال:
_طب قدامي يالمضة عشان نكسب وقت!
…………………
+
ما باله صار ينجذب لكل شاردة وواردة تصدر منها؟!
حماسها وهي تنفذ إرشاداته في القيادة، تمعنه المتأمل بجانب وجهها الرقيق بهذا القرب وفرحتها الطفولية بعد أن ترك لها زمام القيادة بين شوارع هادئة نوعًا ما متجنبًا أي صدام محتمل، جميعها أسباب أفقدته الحذر وأدرك خطأه باللحظات التالية وهو غافلا عن مراقبة الطريق وهي تقود، ليفيق على شهقتها العالية وهي تصرخ:
+
ألحقنا يا يزيد.. هنموت!
+
ليُباغت برؤية سيارة مسرعة قادمة من تقاطع جانبي وعطر المرعوبة تصلبت يدها وجحظت عيناها المتسعة بفعل الرهبة واصدام وشيك وعنيف ينتظرهما لا محالة!
------------------------
" ساكته ليه يا أمونة؟ دلوقت بالذات ماينفعش تسكتي.. محتاج اسمع صوتك..!"
+
الخجل يبتلع صوتها بعد أن باح لها برغبته بالارتباط بها، والأهم هو اعترافه قبلها الذي جعل قلبها ينتفض بصدرها.. بالأمس القريب كانت تظن أنها واهمة واهتمامه ما نبع إلا من تأثير صداقة قديمة.. أما الآن أزال كل الحواجز ونسف كل الظنون بمصارحته وهاهو ينتظر منها ردًا..كيف ترد وصوتها لا يطيعها..الخجل يمتزج بذهولها المغموس بالفرحة، أحمد بكل مميزاته وصفاته التي تمنت مثلها يقدم نفسه لها.. يطلب منها قبولًا..أحمقاء هي لترفض وصاله؟!
+
_ هتفضلي ساكتة كتير؟ الله يرحم صوتك اللي ما كانش بيفصل أيام الجامعة.. أنا كنت بعمل حسابي في بنادول احتياطي عشان الصداع
+
رفعت حاجبيها وهي تطالعه بتهديد: بقى كده؟؟؟ اعترف يلا كنت بتقول عليا ايه كمان يا باشمهندس!
+
_ جميلة!
+
هذا ما قاله دون تفكير وهو يعود لنبرته المؤثرة مستطردًا: دايما كنت بشوفك جميلة..شيك.. ذكية.. خفيفة الظل.. جدعة..ومنتهى الغباء مني لما حطيتك في مرتبة الصديقة واتجاهلت إعجابي بيكي وقتها..بس لما اتقابلنا تاني عرفت ان ربنا كاتبلي معاكي فرصة تاني!
+
لما لا تعانقه الآن.. لا تجد شيء يعبر عما يجيش بصدرها سواه..دائما كانت تسمع من رفيقتها حين تصف عناق الأحبة انه لغة تتضائل أمامها كل الكلمات.. وهذا شعورها بحذافيره!
+
_ بردو مش هتفتحيلي قلبك .. أرجوكي يا أمونة طمنيني، أنا فاهم انك مكسوفة بس حاولي تتخطي خجلك وتكلميني!
+
تمالكت شتاتها إكرامًا لرجائه وهمست: معلش غصب عني فعلا ساكتة بس من حقك تعرف مشاعري بنفس الوضوح زي ما أنت عملت يا أحمد!
+
عقد ساعديه مسترخيًا على ظهر مقعده ليعطيها المجال كاملًا لتفيض عليه بما تُكنه له!
+
استطردت بعد برهة قصيرة: أنا ما انكرش اني كنت بعتبرك مجرد زميل وصديق برتاحله وبحترمه.. بس سؤالك عني لما تعبت ورعايتك ليا وبمواعيد علاجي، وقبلها هداياك اللي افتكرتني بيها، كلها حاجات خليتني ابصلك بنظرة تانية خالص، انا حكيتلك قبل كده افتقدت ايه مع خطيبي السابق، وأسفة اني بذكره دلوقت بس عشان اوضحلك بالظبط مشكلتي كانت ايه، أنا واحدة بتفرق معاها اللفتات البسيطة.. مايفرقش تمن هديتك لكن يفرق قدمتهالي ازاي..ومش عيب إني اقولك ان أحب شريك حياتي يهتم بيا وبتفاصيلي، يحسسني اني في عقله طول الوقت.. هو ده بس اللي عايزاك توعدني به يا أحمد..توعدني؟
+
فك انعقد ساعديه ووضعهما على الطاولة ومال بصدره للأمام قليلا متمعنًا بها بنظرة دافئة أذابتها ثم همس: أوعدك ياحبيبتي!
+
تفاجأت بقوله " حبيبتي" وشعرت أن لهيب لفح وجنتيها من شدة خجلها، فضحك باستمتاع وهو يرى حالتها وقال:
طب اهدي هو انا لسه قلت حاجة عشان تحمري كده!
خلينا بقى نتكلم في اللي جاي.. حددي معاد مع أهلك في اقرب وقت عشان اجي انا وماما وأخويا نطلب ايدك..!
أومأت دون النظر إليه وهي تقول: يعني احدد معاهم أي يوم؟
_ أمبارح!
+
ضحكت ليشاركها ضحكة صافية نبعت من قلبه الذي اطمأن لرضاها عن رغبته.. والكون كله لا يسع فرحته!
------------------------
صراخها وشعوره انه سيفقدها دون اهتمام لأذيته هو جعله يذيب قناع دهشته بسرعة البرق وهو يتولى زمام القيادة منحرفًا بكل قوته وسرعته لتحويل المسار وتجنب الاصطدام..صدح صرير احتكاك جانبي السيارتين بشكل هادر ونجح أخيرا بتفادى الكارثة موقفًا السيارة ناكسًا رأسه ليلتقط أنفاسها الغائبة بخضم معركته الخاطفة لإنقذها قبل إنقاذه!
+
التفت ليطمئن عليها فوجدها تخبيء وجهها بين راحتيها باكية، جسدها يرتجف بشكل وشى برعبها..فاشفق عليها وهمس بصوت حاني مطمئن قدر استطاعته: متخافيش يا "عطر" الحمد لله ربنا نجانا في أخر لحظة!
+
ظلت تهتز بتلك الرجفة الخائفة ونحيبها المكتوم يفطر قلبه وكم ود احتواء خوفها بعناقه والتربيت على ظهرها حتى تهدأ..!
طرق بأنامله رأسها برفق ليجبرها أن تحرر وجهها وتنظر إليه.. فعلت ليهاله سيل دموعها التي غمرت وجنتيها وعيونها الحمراء من أثر البكاء، فالتقط محرمة من أمامه وجفف دموعها هامسًا:
ايه الدموع دي كلها.. محصلش حاجة الحمد لله انتي بخير!
غمغمت بصوت باكي: بس كان هيحصل.. كنت هأذيك يا يزيد..عارف لو جرالك حاجة بسببي كان هحصلي ايه؟ والله كنت اموت فيها..!
+
أغمض عيناه ليطرد هيئتها الضعيفة الخائفة وهي تعترف بخوفها عليه ومن فقده زافرًا أنفاسه بقوة عله يلجم رغبته الجبارة لاحتضانها الآن.. وفشل عندما
وجد نفسه يجذبها ليغمسها بصدره ويحتجزها بين ذراعيه بقوة فازداد نحيبها لتزداد ضمته عليها مغمغما جوار أذنها بخفوت: متخافيش!
+
هدأ نحيبها وسكنت رجفتها مخدرة بعناقه الدافيء لحظات بدت فيها مغيبة مثله..لا يدركان شيء سوى أن كلًا منها في أمان وهو يستمع لخافق الأخر..!
------------------------
لا تصدق أن مفاجأة أبيها " سيارة" خاصة بها مزينة بالورد..كم تمنت في السابق أن تحظى بمثلها لتتجول بحرية دون قيود، وطالما كبلها خوفهما عليها.. أما الآن تلاشت أصفاد معصميها..أبيها لم يهديها سيارة فحسب.. بل أهداها قارب "حريتها" بمجاديف "ثقته ودعمه" لتشق طريقها في بحر الحياة..!
+
غمرته بعناق دافيء هاتفة بسعادة : أنا فرحانة أوي بهديتك يا بابا..من زمان كان نفسي اتحرك في كل مكان لوحدي!
ضمها بحنان: عارف يا حبيبتي عشان كده مالقيتش هدية تناسب أول يوم لشغلك معايا غير دي.. والحمد لله ان عجبتك.. ثم هتف بتحذير: بس مش هتركبيها لوحدك غير لما اطمن انك اتعلملي السواقة كويس.. ولحد ما ده يحصل هعين سواق يلازمك مؤقتًا !
_ طيب مين هيعلمني؟ لو ظافر هنا كان ساعدني!
_ وأنا روحت فين.. محدش هيعلم ملكة أبيها غيري!
_ يا تاج راس الملكة وعيونها
+
" احم احم.. نسيتوني ولا ايه"
+
ضحكت بلقيس وهي تضمها هي الأخرى: مين ينسى روحه يا درتي.. ربنا مايحرمني منك ابدا..!
_ ولا منك يا قلب أمك!
+
ابتعدت بلقيس وهي تفحص سيارتها بفرحة، فهمست درة بخفوت وهي تراقبها: ماتوقعتش ابدا تجيبلها عربية!
تمتم وعيناه تتابع ابنته بحنان: كنت بكلم ناجي امبارح وقالي انه عايز يشتري عربية لعطر هدية لما تتخرج.. ساعتها افتكرت بنتنا لما كان نفسها تتعلم السواقة وتخرج لوحدها وتحس بالحرية.. حسيت اني خنقتها.. ورغم ان خوفي لسه زي ماهو بس لازم اساعدها تكون قوية واسيبها تخوض كل حاجة لوحدها.. بنتنا كبرت يا درة ولازم نعطيها ثقة كاملة وبردو وهي تحت عنية!
+
تنهدت وهي تتابعها: عندك حق.. واهي بكرة تتجوز وظافر هو اللي ياخد باله منها..!
+
برقت حدقتي عاصم ببريق غامض هامسًا: الله أعلم!
-------------------------------------------
+
كأن صاعقة نزلت فوقهما لينفصل التحام عناقهما المغيب وملامحها تشحب خجلا متجنبة النظر إليه.. أما هو فأدرك أن مشاعره نحوها لم يعد يحكمها عقل.. أو تُردعها محاذير..الآن علم كم يحتاجها.. وكم تهيم روحه بحضرتها..عناقها الذي ذاق نعيمه منذ لحظات، ورائحتها الفواحة التي ملأت رئتيه، لن يصبر على فراقهما كثيرًا..لكن سوط الندم والخجل من نفسه عاد ليسيطر على ضميره الذي آنبه لتهوره وهو الكبير الرشيد.. ما كان يجب عليه أن ينصاع لرغبته.. هي ابنة خالته وحمايتها حتى من نفسه هو عهده منذ زمن!
+
سحب نفسًا أخر وغمغم ليلطف الأجواء ويزيل أثار الخجل الذي اعتراها: أنا أسف يا قردة لقيتك خايفة وكنت عايز اطمنك.. خلاص انسي ( واعتلت وتيرة مزاحه) وانسي انك تسوقي لوحدك تاني قبل ما تدربي كويس!
+
لم ينجح باستدراجها بمزاحه، فهمس لها: عطر أنا أسف بجد.. والله كان تصرف عفوي مني لما لقيتك خايفة حبيت اطمنك!
+
ظلت منكمشة متجنبة النظر إليه، ورغم أنه يعلم وقع تلك الكلمة عليها الآن قالها لتفيق من حالتها: كنت هعمل كده مع جوري عشان اطمنها..!
+
هنا فقط رفعت وجهها إليه مسقطة ستار الخجل وهي تنظر إليه بدهشة بعد أن صفعها بهاجسها القديم، واصطبغت ملامحها بحزن أدركه وفطر قلبه.. لكن ماذا عساه أن يفعل وما من طريقة ليجعلها تتخطى تلك اللحظة سوى إلهاء عقلها بظنون كاذبة ليزول أثر ارتباكها وخجلها منه..!
+
_ أنا هنزل واتولى القيادة عشان ارجعك البيت وتعالي انتي مكاني.. نفذت توجيهه بصمت حزين شارد حاول هو تجاهله مؤقتًا..وأقسم داخله أنه سيعوضها هذا الألم قريبًا..بل أقرب مما تتصور..!
------------------------------
+