اخر الروايات

رواية مذكرات حائر الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم هالة الشاعر

رواية مذكرات حائر الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم هالة الشاعر 

الحلقه الثالثه والثلاثون
بعد الفـــــــــــراق "
حزن , كآبة , فراغ كبير , شعور سيء بالوحدة لا يوصف بالمنزل كله , صحيح ان واحد فقط هو من اختاره الله إلا أن هناك ثلاثة غادروا المنزل الكبير , أحمد , وسارا , وعبد الرحمن ....
سارا عادت الي منزل والدها لا تفارق غرفتها كالعادة , وسافر عبد الرحمن الي خارج مصر كلها , واحمد ترقد رفاته تحت التراب أما روحه فقد عادت الي خالقها .
_ أمسك عبد الرحمن عده أوراق بيده وتكلم بحزم والشيطان يسكن عينه المحمرة " أنت متأكد إن ده أخر سجل له وان الاسم والعنوان مظبوطين ؟ " , كان هذا بعد الحادث المشئوم بحوالي ثلاثة أشهر , كان عبد الرحمن بدأ يستعيد وعيه ويفكر بشكل عملي عن أسباب ذهاب أخيه الي الإسكندرية دون أخبار أحد وعندما أغلق الهاتف ضغط فكيه بشدة وعصر الهاتف بيده وقام بطرقة في الطاولة أمامه ثلاثة مرات الي أن تهشم , عض شفتيه حتي أدمت من كثرة غيظه وحنقه وسخطه علي هذا العالم البالي , وقرر النزول الي مصر .
شعر عبد الرحمن بعد فقدان أخيه أن حياته خاوية لا يوجد لها أي معني , فهو أعز الناس علي قلبه ولم يستطع لأول مرة في حياته أن ينسي نفسه ويقف الي جوار عائلته فهو كان أشد المتضررين من فقد أحمد فقد ذهب جزء منه بلا غير رجعه .
لسنوات وهو يحميه ويدافع عنه كان أبنه وأخوة وصديقه ورفيق عمرة وكل شيء له , فسخ خطبته لا يريد أن يري أحد بعد اليوم , كره نفسه ولامها أشد اللوم وكره سارا هي الأخرى وشعر بندم كبير يجتاح كل خليه من خلايا جسده عن كل مرة وسوس له الشيطان بشيء ما بخصوصها أو بخصوص أنانيه أحمد من تلك العلاقة , نزلت دموعه لقد تم إثبات أنانيه أحمد اليوم , ولكنه لن يخبر أحد لن يتكلم حتي مع نفسه بالأمر أحمد رحمه الله تحت التراب وكما حماه وهو حي سوف يحمي ذكراه وهو ميت .
_ كان ندم عبد الرحمن عظيم لفراق أخيه بهذا الشكل الموحش دون وداع , دون وعد باللقاء يوم اللقاء والكثير من الأسرار التي لم يكن يعلم هل حقا أحمد علي علم بها أم لا , كان كل يوم يصلي ويدعوا الله أن يغفر لأخيه وأن يغفر له وأن ينسيه سارا ومشاعره نحوها , حقيقة كان يلعنها سرا فهو لم يحنق بشيء ما بخصوص أخيه يوما إلا بعد ما دخلت هي الي حياته , كان حنق عبد الرحمن كبير علي الدنيا كلها ولكن بعد التأكد من تلك الأوراق التي بيده أصبح الندم أقل والشعور بالذنب تضائل كثيرا .
دلف بسيارته الي مقابر العائلة فقد وصل الي مصر من حوالي ساعتين وضع حقائبه وسلم علي والدته المكلوبه وأبيه الحزين ونزل كي يزور أحمد كي يتكلم معه عله يجد حل لكل تلك الأسئلة التي تدور برأسه هكذا ظن هو .
وجد البوابة مفتوحة وأحد ما يسقي الورود أمام قبر أخيه عندما أطل برأسه علم جيدا من يسقي الورود خلع نظارته الشمسية وأشاح بوجهه بعيدا غير مصدق ما يحدث معه لقد أقسم علي ألا يراها مرة أخري وها هي أمامه الآن .
“ احمد انا خايفة , مش عارفه انام أتعودت انام في حضنك , أنا مش ناسياك والله " ثم اردفت " مرة سمعت ان ب يبقي بنا وبين الميت أزاز هو شايفنا وإحنا مش شايفينه مش عارفه ده صح ولا لأ بس أنا خايفة يبقي صح عشان مش راضين يسبوني أجيلك كل يوم , أنا محتاجه ليك أوي ليه سافرت من غيري يا ريتك خدتني معاك " وتعالي صوت بكاؤها " كان زمنا سوا الوقتي , سبتني أتعذب لوحدي انا خايفة ومرعوبة مش عارفه يا أحمد قولي أرجوك قولي بقالك أسبوع معتش بتجيلي في الحلم ليه ؟ وحشتني أوي , أهيء اهيء أحمد ...." لم يعد يتمالك نفسه اللعنة عليها أهو سحر ما ؟ لما تذيبه بحزنها هكذا , ذهبت سارا في نوبه من البكاء والنحيب ووقف هو خلفها وقرأ الفاتحة بصوت عالي علها تفيق مما هي فيه وتمني الرحمة لأخيه ولأموات المسلمين أجمعين .
جلست علي الأرض ولم تعيره أي أنتباه وضمت اليها قدمها وأخذت تهتز الي الأمام والي الوراء وهي تنظر نحو القبر , " سارا , سارا " اللعنة أنها ليست في حالتها الطبيعية لابد وأن وفاه احمد دمرتها تماما , جلس علي الأرض جوارها وجعلها تنظر له " سارا ردي عليا " كان هناك حزن وآسي رهيب بصوته , كانت عينها متورمتان من كثرة البكاء لكنه يعرف نظرتها أنها عرفته وتعلم من هو ولكنها لم تنطق " يالا يا سارا أنتي تعبانة لازم تروحي ترتاحي " كأنه يكلم طفله صغيرة يحاول إقناعها بالذهاب الي المدرسة .
نظرت تتوسل له والدموع تسيل علي وجهها وتنظر للقبر بأسي كأنها لا تريد أن تتركه ساعدها علي الوقوف وذهب بها خارجا " أنتي جيتي هنا أزاي معاكي عربيتك ؟ " أخذت تنظر حولها وكأنها تعي لأول مرة أين هي ولم ترد عليه ساعدها علي الركوب وأنطلق بها الي منزلها .
_" سارا ! كده يا بنتي حرام عليكي يا سارا اللي بتعملية فينا ده " ضمتها والدتها وهي تبكي بشدة , " أدخل يا بني لقيتها فين ؟ " " عند أحمد , أزاي يا طنط تسبوها بحالتها دي تمشي لوحدها ؟ " أجلستها بهدوء وبكت بشده " والله أنا صحيت ملقتهاش وباباها مسافر ومحمد وحسام دايخين عليها من الصبح " ثم مسحت دموعها " أنا أسفه حمد الله علي السلامة يا عبد الرحمن " " الله يسلمك يا طنط خليها ترتاح شويا أحسن , بعد أذن حضرتك " ومضي في طريقة .
**** **** ****
وفي المساء تكلم والده بصعوبة " عبد الرحمن أنا عاوزك تخلص موضوع ورث سارا , بكرة إن شاء الله تبدا فيه عشان أخوك يرتاح في تربته يا بني وده حق البنت أنا استنيتك لما تيجي عشان أنت الوحيد اللي عارف حاجه أحمد كويس والناس لحد النهاردة محدش سال علي حاجه بصراحة , بس ده حق وأنا هتسأل عليه ومش عاوز أخوك يتسأل عليه " " حاضر يا بابا مش عاوز حضرتك تقلق " منذ أن عاد عبد الرحمن , عاد الي المنزل القليل من روحه وبدأ أخوته ووالديه يشعرون برعايته من جديد علي الرغم من أن حسام ومحمد تحملوا مسئولية الشركة وأظهروا مجهود جبار خاصة وأن المشروع الحالي للشركة لم يكن بالسهل وأيضا بعد ذهاب أحمد وعبد الرحمن والسيد شهاب وسارا , ثقلت المسئولية عليهم كثيرا ولكنهم فاجأوا الجميع بتحملهم لتلك المسئولية .
بكت السيدة نور وتوسلت عبد الرحمن بألا يترك المنزل مرة أخري ووعدها هو بذلك , وبعد أسبوع كان عبد الرحمن يحتسي القهوة مع السيد شاكر " زي ما قولت لحضرتك يا عمي ده الورق اللي يثبت كل حاجه كانت ملك لأحمد الله يرحمه ومفيش فيه أي مشاكل لان بابا من ساعة ما احمد عمل الحادثة كان خايف عليه فاستأذنا أنو يكتب حق أحمد بالورث بيع وشرا وعشان أحمد الله يرحمه ملحقش ينقل الورق بعد العملية فحقه لسه زي ما هو " " طيب يا عبد الرحمن أحنا معندناش مانع يا بني أنو يبقي الطبيعي أحنا أهل ومفيش بنا الحاجات دي " " لا يا عمي أنا وبابا مصممين أن الورث يتقسم بالوضع الحالي , وسارا كمان تعبت مع احمد اوي في شغله وده حقها , وده شيك بالأرباح في 3 شهور الي فاتو وده كريدت عملته ليها والظرف ده فيه مبلغ عشان مصاريفها " نظر السيد شاكر نحو عبد الرحمن بجديه " بص يا عبد الرحمن يا بني أنا هاخد منك الظرف والبطاقة لكن الشيك والورق والتوكيل اللي أنت عاوز تعمله ده أنا مش هاخده يا بني سارا حالتها زي ما انت شايف وأنا كبرت يا دوب عليا التلات محلات اللي عندي أقدر أدرها وأنت الاملاك اللي بتتكلم عليها دي درها مشيها زي ماكنت بتعمل زمان بالظبط واختار النسبة اللي تريحك ويبقي ده نصيبك وبيني وبينك أنا مش عاوز حد يعرف أنها خدت ورثها أصلا " " ليه يا عمي ده حقها ؟ " نظر السيد شاكر الي الأرض وتكلم بآسي " أنا عارف أنو حقها بس حقها ده هيجيب ليها مشاكل , الناس وحشه أوي يا بني لو تعرف الأشكال اللي بتيجي تتقدم ليها عشان عارفين أنها هتورث مبقاش في رحمه ولا دم حتي شرع ربنا مش محترمينة من أول شهر وهما بيحاولوا يكلموني عليها , شايفنها مكسورة الجناح ومتجوزة قبل كده مرتين وكل واحد جاي فاكر انو جايب الديب من ديله ومضحي وهيشيل همها " تنهد السيد شاكر " من هنا لحد سارا ما تفوق خلي كل حاجه زي ما هي وهي بقي حرة تمسكه تسيبه هي اللي تقرر " " زي ما تحب يا عمي " أشتاط عبد الرحمن غضبا من أشباه الرجال الذين تجرأوا علي فعلتهم هذه وأراد لو ينتقم منهم جميعا , لما لا يشعر بها أحد ؟ لم يستغله الجميع هكذا ؟ .
_ استيقظت سارا في اليوم التالي ونظرت الي الظرف والبطاقة الائتمانية, لقد وضعهم والدها الي جانبها البارحة وأخبرها بما اخبره به عبد الرحمن رغم انها لم ترد عليه وقبل رأسها ومضي , أخذت من الظرف عده أوراق نقدية وحضرت حقيبتها وتركت ورقة لوالدتها بها جمله واحده " أنا هكمل العدة في شقتي " .
_ دخلت سارا الي شقتها تشم رائحة احمد بالمكان , تشعر به في كل شيء وتتخيله يصيح باسمها ويضُحكها ويضمها في كل مكان من هذا المنزل الرائع الذي ضمها معه , انتبهت الي صوت النحيب ومشت بحذر فوجدت حماتها تجلس بالكرسي الذي كان يجلس به أحمد وتضم صورة له وتبكي بحرقة وعندما رفعت رأسها هتفت " سارا ! " هرعت سارا نحوها وأخذت السيدة نور تضمها بشدة اليها وهي تشم رائحة أحمد فيها " سارا أنتي جيتي يا حببتي " جلست سارا الي جوارها وهي تنظر للصورة لقد كان يضحك وينظر بمشاكسة للمصور ,أنها بعد العملية بعد أن أصبح يري أخيرا .
تكلمت سارا لأول مره مع أحد منذ وفاة أحمد " أحمد راح يا طنط " وارتمت بصدر السيدة نور التي تفاجأت بكلام سارا فهي تعلم حالتها جيدا " أأأه يا سارا أأأه " بكي الاثنان بحرقة معا وبعد فترة ربتت السيدة نور علي سارا فهي لا تبدوا بخير أبدا وصعدت بها الي الأعلى وجعلتها تنام علي السرير ودثرتها , أما سارا فحالما شمت رائحة أحمد بالغرفة نامت سريعا , تركتها السيدة نور وشعرت وكأن جزء من احمد عاد لها فهي كانت سبب سعادته وخروجه من ظلامه في السنوات الفائتة , تحملته بينما فر الجميع من حوله , تحملته وتحملت عبئه وعندما رأي النور لم تهنئ معه بربع ما فعلته من أجله وبعد أن تأكدت من ان سارا تغط بالنوم عادت الي شقتها .... .
*** *** ****
" أتفضل يا عمي " ناولت امل السيد شهاب الدواء وحاولت أيه هي الأخرى معه " عمو أرجوك أشرب العصير ده حضرتك مش بتاكل خالص " تدهورت حاله السيد شهاب ومرض بشده بعد وفاه أحمد , ثم ابتسمت له وقبلته " لو شربت العصير ده هديك بوسه كمان " رسم شبح ابتسامه علي وجهه فهي تشاكسه دائما وتناول الكوب منها بوهن .
“ سارا اتكلمت يا بنات " " بجد !! " لم تصدق أي منهم ," عرفتي منين يا ماما ؟! " سأل حسام فقصت عليهم ما حدث وبكت مره أخري ذهبت أمل اليها وضمتها " دي ماما بتتصل " " ردي يا أيه أكيد عاوزة تطمن عليها " , ردت أيه عليها وطمأنتها وسال عبد الرحمن " هي سارا مكنتش بتتكلم أزاي وأنا سمعها يوم ما لقيتها في المقابر ؟ " هزت أيه رأسها نافيه " مستحيل دي منطقتش من ساعة ما عرفت بوفاه أحمد الله يرحمه " .
_ وبعد عده ساعات عادت أيه و امل من عند سارا ومعهم صينيه طعام " مرضيتش خالص يا طنط " قالت أمل " طيب ماسبتيش الأكل ليه يمكن تغير رأيها " ردت أيه " هي اللي صممت أننا ناخده , مكنتش مصدقه والله صحيح ردت بكام كلمه بس أحسن من مفيش " , " أزاي يا ماما هتسبوها كده الشقة زمان كلها تراب هتعد لوحدها فيها إزاي ؟ " سال عبد الرحمن بحنق , " الشقة نضيفه أنا كنت بخلي فاطمة تنضفها وتهويها كل أسبوع " .
صعد كل من حسام وأمل وأيه ومحمد وودعهم عبد الرحمن وعندما هم بإغلاق الباب خلفهم لمح المفتاح بشقة سارا خارجا , ذهب كالمنوم نحو الباب فهي دائما من يترك المفتاح بالباب وقف أمام الباب وتذكر يوم كان يجلس معها هي واحمد يتحدثون بشأن شيء ما ثم فجاءه فتح الباب ودلف محمد سريعا وأشار لهم بيده وتوجه مباشرة الي المطبخ بينما سارا تصيح به " يا بني خلي عندك دم قولت لك خبط الأول جايز مبقاش لبسه الطرحة ! " أشار بيده بنفاذ صبر وهو يتأفف منها " هبوص علي إيه , بلاش قرف ده أنا متجوز قمر " ثم فتح البراد وصاح بها " فين ده ! مانجه ! انا مش قولتك ميت مرة تعملي أيس كريم فراوله " وأخذ العلبة وغادر الشقة دون ان يتحدث مع أحد صاحت سارا بأحمد وهي تشد ذراعه " هو انا معرفش أحط حاجه في تلاجتي " ضحك أحمد " معلش يا سارا أنتي الكبيرة " وبعد عشرة دقائق فتح باب الشقة مرة أخري ودخل حسام سريعا نحو المطبخ أيضا وسط حنق سارا ألقي عليهم السلام وأخرج طعام من الثلاجة وسخنه وسكب عصير وجلس يأكل , ضربت سارا رأسها بكفها " يا بني هو انت مش عندك بيت طيب انا كنت بستحملكوا عشان مش متجوزين وأقول معلش غلابه , مش يتاكل في بيتك ليه ؟ ! " أنهي حسام طعامه ثم تكلم " طب والله ما أنا غاسل الأطباق وزودي الملح يا هانم " " وانت مالك ما تاكل في بيتك ! " شرب العصير ورد بلا مبالاة عليها " أصل أنا عازم أمل برة انهارده فقولتلها متطبخش " , قذفته بوسادة صغيرة وصاحت من بين أسنانها " يعني أنت بتريح مراتك علي قفايا أنا ؟! " أغاظها " يالا يا أوزعة " وفر راكضا , أخذت سارا تضرب ذراع أحمد " شايف أخواتك بيعملوا إيه فيا وأعد ساكت وبتضحك " ثم نظرت الي " شايف يا أبيه " معلش يا سارا أنا هنبه عليهم محدش يدخل هنا تاني ولازم يخبطوا الاول " .
ذهبت سارا وأحضرت لهم أيس كريم وجلست تأكل بسعادة شديدة وعندما تذوق أحمد " الله ! ما ده آيس كريم فراولة أهه " ضحكت سارا مقهقهه " أصل أنا مخبياة ورا السبانخ عشان عارفة أن محمد مش بيحبها " وأخذوا يضحكوا جميعا .
_ كم أشتاق اليهم والي ضحكهم , لقد ملئت البيت سعادة ومرح منذ أن دخلت اليه وساعدت أخيه الحبيب كما لم يفعل أحد من قبل , نظر جيدا الي المفتاح لطالما شعرت بالأمان وتركت المفتاح خارج الباب أنها تعلم أنها وسط أهلها , سحب المفتاح بتردد شديد شعر وكأن نار خفية سوف تحرق يده ولكنه نجح أخيرا وأخذه وأعطاه لوالدته " ماما خدي ده لسارا ومتخليهاش تسيبه برة تاني " وقبل رأسها تصبحي علي خير .
صعد وبدل ملابسه ونظر الي صورة أحمد الموجودة الي جواره نظر لها جيدا , لما يشعر بالذنب ؟ لما أمسك المفتاح وكأنه مصنوع من جمر ؟ هل الشقة محمية بروح أحمد ؟ أم هو تأنيب ضميره ؟ لا يعلم المهم أنه لا يتخيل نفسه بداخل تلك الشقة أبدا .....
وفي اليوم التالي في السادسة مساءا فاض بأمل وأيه وقرروا الدخول لها رغم عنها وأخذوا المفتاح من السيدة نور وذهبوا فوجدوا سارا فاقدة للوعي في غرفتها وهي تضم ملابس أحمد اليها , ظل عبد الرحمن واقف خارج الشقة عده دقائق ثم نزلت أيه تركض " عبد الرحمن سارا مغمي عليها ومش عارفين نفوقها " , لم يستطع الدخول وصاح علي حسام كي يصعد لهم , حملها حسام ووضعها علي السرير وبعد محاولات عده استعادت وعيها ثم عادت للبكاء مرة أخري وهي تنادي باسم أحمد بآسي .
لم يستطع الصعود , لم يستطع دخول الشقة بها شيء ما , شيء يخنقه , شيء له رائحة كرائحة الموت ! .
_ مضي شهر وبدأت سارا تتحسن لم تكن في أفضل حالاتها وكانت دائما شاردة إلا أنها أصبحت نوعا ما تتكلم وتأكل قليلا .
كانت تجلس علي الأرجوحة التي تحبها وتتذكر أول يوم دلفت الي المنزل وكيف نامت بحضن أحمد , ضمت يدها بشدة حولها وهي تتذكر حضنه لها , لقد كان الدنيا كلها , جلس السيد شهاب الي جوارها ولم تنتبه " سارا , سارا " " هااا أيوة يا عمي " " عامله إيه يا بنتي ؟ " هزت رأسها بهدوء " الحمد لله " " سارا أنا عارف أنك عاوزة تعدي هنا لحد العدة ما تخلص والعدة لسه لها كام يوم , بس انا يا بنتي عاوزك تفضلي شوا كمان عشان خاطري " " أنا مش عاوزة أتقل عليكو , أنا بس جيت عشان أحمد وحشني أوي وشيفاه في كل مكان هنا " " ده بيتك وشقتك هتقلي علينا في إيه ؟ أنا عاوزك عشان خاطر نور , من ساعة ما انتي جيتي وهي بتهتم بيكي " " ربنا يخليكوا ليا يا عمي " كانت تتكلم بوهن شديد " أنتي بنتها اللي كان نفسها تجبها يا سارا وهي بتهتم بيكي نسيت حزنها علي أحمد وكمان أنتي من ريحه الغالي وربنا يعلم غلاوتك , خليكي شويا لحد ما حالتها تتحسن وكمان عاوز منك طلب الأسبوع الجاي تنزلي الشركة " " صدقني يا عمي مش هقدر " " معلشي يا بنتي أسبوعين أتنين ومعتش هطلب منك حاجه تاني خالص , أنتي عمرك ما ردتي ليا كلمه يا سارا " " ربنا يسهل يا عمي " , للمرة الثانية يتفق عليها كل من السيد شاكر والسيد شهاب من أجل مصلحتها .
تركها السيد شهاب بعد ذلك وذهب اما هي فأمسكت بكتاب الله وأكملت قرأتها لأحمد ودموعها تتساقط .
_ دلفت سارا الي الشركة مع عبد الرحمن وهي مرتدية نظارة سوداء كبيرة وتنظر الي الأسفل كالعادة كي تتفادي نظرات الموظفين , بينما لم يجرأ احد علي النظر لها وهي برعاية عبد الرحمن رئيس مجلس إدارة الشركة " سارا الأستاذ فتحي هيعرفك الوقتي علي كل حاجه , أنا مضطر أقوم الوقتي عشان عندي اجتماع مهم " خرجت سارا وقدم لها بعض العاملين التعازي بأحمد وذهبت للقاء السيد فتحي وبدأ بأخبارها عن أملاك احمد التي لم تكن تعلم عنها شيء وتلك التي تعلمها جيدا ... .
راقبها كالعادة من بعيد دون أن يراه أحد هو يعلم أنها لن تكون له , هو لم يعد يريدها فهو يشم فيها رائحة الخزي من أخيه و وخز الضمير الذي لا ينتهي , ولكن لما ينظر لها هذا المحاسب الملعون هكذا ؟ وهي بسذاجة جالسه تقرأ وغير منتبهة .
ظل هكذا لمده عشرة أيام وهذا المحاسب اللعين يحاول التكلم معها بأي شيء ويقف أمامها طوال الوقت ويتحين الفرص كي يكلمها , هو لا يهتم بها بل مهتم بحسابها البنكي , فاض به الأمر وذهب نحوهم وسحق معصمه الممسك بأوراق يقدمها الي سارا , نظر له المحاسب برعب " ممكن يا أستاذ أشرف تستني في مكتبي " كان يتكلم من بين أسنانه , هرع الموظف المسكين الي المكتب " سارا " " أيوة يا أبية " نظرت له نظرة مبهمة ساذجة فهي جالسة ولا تعلم بما يحاك حولها من مؤامرات .
نظر لها نظرة جامدة " أنا شايف أنك تعبانة إيه رأيك ترتاحي وأنا اللي هتابع الحاجات دي " " بجد ! " " خليكي في البيت لحد ما ترتاحي " " متشكرة أوي " " تحبي تروحي الوقتي ؟ " نظرت الي معصمها " لسه ساعتين " " مش مشكلة أنا خلصت ومروح بس أستني هنا عشر دقايق " , ودخل الي مكتبه وهو يأمر علا بشيء ما .
كان المحاسب مرتعب ويفرك معصمه من فرط الألم " أنت هنا من قد إيه يا أستاذ أشرف ؟ " " سنتين " " جميل أنت اتنقلت فرع الشركة اللي في ستة أكتوبر " " لكن يا فندم ... " وطرق الباب ودخلت علا " الملف اللي حضرتك طلبته " وقع الملف ثم ناوله لعلا " الأستاذ أشرف أتنقل الفرع اللي في ستة أكتوبر بلغي الإدارة هناك وابعتي لهم ملفه من بكرة يستلم شغلة هناك " وأشار لهم بالخروج دون أن يستطع ذلك الشاب التحدث بكلمة واحده بعد أن وئد حلمة في المهد .
خرج وأصطحب سارا معه ولم يجعلها تدلف الشركة مرة أخري لحوالي الثلاثة أشهر كانت تتنقل فيها من منزل والدها الي منزل السيد شهاب ولم تذهب لأي مكان أخر قط .
بدأ الأمل يعود الي المنزل عندما أخبر حسام وأمل المنزل بخبر افرح الجميع وجعلهم يطيرون فرحا وهو حمل أمل , بكت السيدة نور بشدة من الفرحة وقبلت أيه وسارا أمل بفرح شديد وفرحوا كثيرا وأخيرا سوف يصبح لديهم طفل صغير .
" طنط أنا وحسام قررنا بعد أذن حضرتك لو المولود جه ولد هنسميه أحمد " بكت السيدة نور وضمتها مرة أخري وقال السيد شهاب بتأثر" المهم ربنا يقومك بالسلامة يا أمل يا بنتي " , أخذها حسام والفرحة ملئ عينيه وقبل رأسها " من هنا ورايح مفيش حركه خالص لحد ما يشرف ولي العهد أنا بقولك أهه " ردت أيه " متقلقش يا حسام أنا وسارا هناخد بالنا منها ومش هنخليها تعمل حاجه خالص " " كويس أنا هعمل سارا الطباخة بتاعتنا " وأشارا محذرا " بس تكتري الملح " ابتسمت سارا لهم وهي سعيدة بهذا الخبر .
نظر محمد لأية يتأملها إذا ما كان لديها ذرة ندم ولكنها نظرت نحوه وابتسمت وكأنها قرأت أفكاره يا الهي أرحمني لقد ذهب للطبيب من ورائها وأخذ يجرب عدة علاجات لكن من الواضح أن لا أمل لديه .... .
بدأ الجو في المنزل يعود نوعا ما الي سابق عهدة إلا أن عبد الرحمن عكر هذا الصفو مره أخري دون قصد منه , في مساء تجمعت العائلة وكانت أيه بصحبه أمل بالأعلى " أنا هتجوز سارا " رمي تلك القنبلة المدوية وسمع انفجار الصمت بعدها يدوي في المكان , بعد مده أفاقت السيدة نور قليلا " سارا مرات أحمد ! " ، أحمر وجه عبد الرحمن وأزدرد لعابه وذكرها وهو يضغط علي كلامه " احمد الله يرحمه يا ماما " ظلت السيدة نور مدهوشة وأخذت تهز برأسها نافية " لا سارا مرات أخوك أنت أتجننت ؟! " " أهدي يا نور " قالها السيد شهاب بغضب , " أنا هقابل عم شاكر أنهاردة وهطلبها منه وكنت عاوزك معايا يا بابا " " أنت واعي للي بتقوله دة يا عبد الرحمن ؟ " وقف عبد الرحمن " أيوة يا بابا وقراري ده نهائي ومش هرجع فية " وتركهم وصعد للأعلى كي يستعد لمقابله السيد شاكر .
تساقطت دموع السيدة نور غير مصدقة ذلك فهي تري سارا زوجه أحمد وملكية خاصة به فقط ولا تتصورها مع أحد أبدا حتى لو كان أبنها الأخر !! .
نزل عبد الرحمن أمامهم بعد أن أرتدي بذلته " أستني هنا " صاحت به السيدة نور " أنت أزاي عاوز تتجوز مرات أخوك ؟! "كانت دموعها تتساقط بكثرة , أكد علي كلامه " الله يرحمه يا ماما أحمد الله يرحمه وسارا مش هتعيش لوحدها العمر كله " " هي قالتلك كده ؟ " " هي متعرفش حاجه لسه " ,أمسكت ببذلته وقالت بيأس " أزاي هيجيلك قلب يا عبد الرحمن دي مرات أحمد فاكر أحمد ولا نسيته " وأزادت دموعها , سحب يدها بهدوء وقال بوهن " بعد أذنك هتأخر " صاح حسام به فجأة " كل ده عشان الورث يا عبد الرحمن " نظر نحو أخوه شزرا " أحسبها زي ما تحسبها " وتركهم ومضي في طريقة وكما تركهم مذهولين ترك السيد شاكر مذهول هو الأخر وأستأذن ومضي ... .
وقف بسيارته أمام النيل يسرح فيه قليلا فك أول زر من بذلته وفتح الزجاج كي يشم الهواء العليل , هو لا يريدها لكنه لن يسمح لأحد أخر بأن يمسها , لن تذهب من أمام عينيه مرة أخري , لن يراها مع أحد أخر هذا هو قرارة النهائي .
وسوس له مرة أخري " أهلا أهلا وحشتني أوي " " وأنت موحشتنيش خــــالص " " مــــــاشي يعني أنت خلاص معتش بتحبها ؟ " أزدرد لعابه " أنا مش عاوزها " " ههههه ماشي أنا مصدقك " " ميهمنيش تصدق ولا متصدقش " " أكيد بس أنت ضحيت بشكلك قدام عيلتك كلها " قال من بين أسنانه " مش هسمح لحد يأذيها تاني أنت فاهم " " أنا فاهم لكن هما مش فاهمين أنك بتحبها من سنين أنت خاطرت بكل حاجه ممكن حبك ليها يتعرف " " مبقاش في حاجه تفرق خلاص " " وسارا ؟ " هز رأسه " مالها ؟ " " تفتكر هتحبك ؟! " رد بآسي" مين جاب سيرة الحب , ده جواز صوري عشان محدش يقرب ليها " " برافوا صحيح هي دي الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليها توافق ده أنت بتكتك من زمان بقي " ضغط فكية " من هنا ورايح لما أحب حاجه هخدها معتش هضحي عشان حد أبدا , أنا من حقي أعيش " " جميل بقالي كتير بقولك كده أخيرا عقلت , وهي هتخليها تحبك أزاي ؟! " " مش مهم المهم أنها هتبقي معايا وأنا حر بقي بعد كده " وأبتسم ابتسامه الشيطان الذي يوسوس له .....
أنه حائر , المشاعر بداخله متضاربة للغاية هو يشعر بحنق نحوها حنق ليس لها أي ذنب فيه لأنه يحبها , ورغبه في الابتعاد عنها لأنه يري شبح أحمد حولها دائما , ولكنه في نفس الوقت لن يسمح لأحد بالاقتراب منها .
_كان يجلس خلف مكتبة وفي الساعة العاشرة دخلت هي ولأول مرة تغلق الباب خلفها عن عمد , كانت غاضبة , أبتسم برقة ووقف " أهلا يا سارا إيه النور ده " لم تجلس بل ذهبت أمامه لتواجهه " حضرتك تعمل كده ! " كانت مصدومة من فعلته بينما هو حنق كثيرا وأراد أن يأتي بقاموس اللغة العربية وشق كلمة أبيه وحضرتك من هذا القاموس كي لا يسمعهم مرة أخري , أراد معاقبتها أبتسم ابتسامه باردة رأتها سارا ابتسامة شيطانية ؟ , " مفيش واحد تقول للراجل اللي هتتجوزة بعد أسبوع حضرتك " أتسعت عيناها خوفا ودهشة وقالت برعب حقيقي والدموع تسقط من عيناها " أبيه أنا سارا مرات أحمد " كانت تشير الي نفسها و كأنه لا يعلم من هي .
حاول أن يكون هادئ لكن الغضب تصاعد من عينيه " أحمد الله يرحمه يا سارا " " حضرتك دون الناس كلها تعمل كده ! وأنت عارف كويس قد إيه انا بحب أحمد ومش ناسياه " أمسك معصمها بغضب فأخذت تتراجع في خوف منه وعندما رأي الأريكة خلفها أجلسها بالقوة ودموع الرعب تسقط من عيناها وزمجر " مفيش حضرتك أو أبيه من هنا ورايح مش عاوز لسانك ينطقهم تاني ابدا , وعاوز أعرف كل واحد أتقدملك روحتي عتبتيه ؟ " هزت رأسها نافية كانت مرتعبة منه ونفسها أخذ يعلو ويهبط بشدة .
أنحني أكثر نحوها وأقترب منها وقال من بين أسنانه " أشمعني أنا ؟! " " حضرتك أخويا الكبير سندي أماني , فاكر ولا خلاص من ساعة ما انسحبت من حياتي معتش قادر تفتكر ؟ " , حاول تمالك نفسه فالعصبية ليست في صالحة فترك يدها والتقت أنفاسه وجلس الي جوارها " سارا عشان كده لازم نتجوز عشان أبقي أمانك زي ما كنت " التوت شفتيها من شدة الآسي وبكت بصمت وهي تهز رأسها غير مصدقة " أسمعيني ده الحل اللي هيريحك من عذابك والألاعيب اللي بتتعمل حواليكي وانتي مش حاسة لما تبقي معايا محدش هيتجرأ انو يجي جنبك " " مش فاهمة ! " "سارا طوب الأرض عاوز يتجوزك عشان الورث " " أنا مش عاوزة الورث ومش عاوزة أتجوز أنا هتنازل ليك عن كل حاجه , الفلوس دي أصلا من حقك أنت لأنك أنت اللي عملتها لأحمد " " صدقيني ده مش حل , محدش هيسيبك في حالك محدش هيصدق أنك أتنازلتي عن الورث " شهقت من البكاء " بس أنا بتكلم بجد ومستعدة أعمل كده حالا " " وعم شاكر يا سارا وطنط وأنتي مش مضطرة تفكري هتعيشي أزاي بعد كده أو هتقبلي مين , هترجعي البيت اللي بتحبيه ولخواتك وهتفضلي معاهم علي طول " كان يحاول تخديرها بكلامه ثم جعلها تنظر له وتكلم برقة وود " سارا أنا أمانك وفي ضهرك فاكره يا سارا , حتى لو عاوزة الجواز ده يبقي صوري أنا معنديش أي مشكلة " همست " صوري " " أها ومحدش هيزعجك ولا يضيقك لأنك متجوزة , كتب الكتاب الأسبوع الجاي ماشي يا سارا " " إيه ! كتب كتاب أزاي ؟ لا لا حضرتك أخويا الكبير أزاااي ؟! " .
كتم غيظه " منا قولت ليكي الجواز ده صوري بس " " وحضرتك ذنبك إيه في ده كله ؟ وبعد كده هنعمل إيه ؟ أنا مش شايفة ده حل أبدا ده مش كلام عقلين " حنق كثيرا بداخله فسارا استعادت الكثير من وعيها وأفاقت من صدمتها , كان عليه الإقدام علي تلك الخطوة حين كانت ضعيفة .
" هنسيب الباقي للزمن يا سارا تكوني هديتي وعرفتي انتي عاوزة إيه والناس نسيت , وعم شاكر أطمن عليكي ولا انتي عاوزاه يفضل قلقان عليكي كده علي طول " ونظر الي داخل عيناها " وجايز بعد كده ناخد علي بعض " ثم أزدرد لعابه وقال بوهن " للدرجة دي شايفني وًحش وبتخافي مني يا سارا " " أنا عاوزة أروح " قالتها وهي غير مصدقه " سارا أنا عاوز مصلحتك أنا حاميتك قبل كده واقدر أحميكي تاني بس لازم تسمحي ليا بكده " همست " وأحمد " تنفس بصعوبة وفرك وجهه لما يعامله الجميع علي أنه أحمق ما يخفي حقيقة وجود أخيه , رفع رأسها اليه برقة " سارا احمد الله يرحمه أكيد عاوز يطمن عليكي , أنتي أكتر واحده عارفاه كويس لازم تريحيه وتخليه يطمن عليكي " .
لمعت عيناها بالدموع وهي تنظر للأعلى للرجل فارع الطول الذي يقف أمامها " بعد أذنك "



الرابع والثلاثون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close