اخر الروايات

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم دفنا عمر

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم دفنا عمر



                                          
رواية حصنك الغائب 
بقلم دفنا عمر 
الفصل الواحد والثلاثون
____________

+


كل شيء نكهته تغيرت بعد عودتها لوطنها، كأنها كانت كيان ناقص قبل أن تتلمس بقدميها ثراه، عائلتها الكبيرة نبع لا ينضب من الدعم الذي كانت تحتاجة بنطاق أوسع بكثير مما كانت عليه، تكتشف بينهم أحاسيس دافئة لم تتذوقها بهذا الثراء، حتي طفلها تتمنى أن يحظي بالكثير هنا، تنهدت وهي تتأمل مجسم صغير صنع لها ابن العم هدية، حين كانو يحضروا لمراسم استقبال رمضان، وهي المرة الأولي التي تعاصر "زمزم" تلك الأجواء هنا. تنتابها حالة انبهار بتلك الطقوس الروحانية، فرحتها تشبه فرحة طفلها الصغير بفانوسه الملون، فرحة أذابت الكثير من شجونها، روحها تتغير وتتأقلم مع كل ما تراه هنا، وتتأمل أن تمضي الامور للافضل دوما لها ولصغيرها.
.................
ضمت مصحفها بعد الانتهاء وردها اليومي..وذهبت لتتفقد والدتها ومهند في الحديقة..فوجدته يحمل مهند مُقدمًا عليها بعد ان لمحها:

+


_ صباح الخير يا بنت عمي!
اجابت مبتسمة لرؤيته: صباح الخير يا عابد..انت صاحى بدرى يعنى! توقعت هتكون نايم بعد سهرنا في الجنينة امبارح بعد السحور. 
غمغم وهو يسير جوارها بخطى هادئة: وده صيام برضو؟ بالعكس انا بحس بنشاط كبير وانا صايم "واستطرد" وبعدين حبيب على صاحبي الصغير!

+


برقت عيناها بحنان وهى تطالع الصغير المتعلق في عنقه بمحبة، وقالت: تعرف انه فرحان جدًا بالفانوس بتاعك عشان عليه صورته.. بيلعب بيه طول الليل! 
وواصلت بنبرة تحوي الإعجاب: 
_وبصراحة عجبنى انا شخصيًا اكتر من مهند، تصميمه الجذاب وصورته عليه والاغنية الجميلة بتاعته، حقيقي تحفة..ومش عارفة هشكرك على ايه ولا ايه يا ابن عمى!
همس عاتبًا: مش قلنا مافيش بنا شكر؟

+


-طيب بما انك علمتنى اعمل حاجات حلوة من زينة رمضان..فانا عملتلك حاجة بسيطة كده امبارح! 

+


واستأذنت لتُحضرها وعادت وقدمتها له..فنزع مغلفها بفضول ليجد حصالة نقود مزينة بقماش الخيامية وعليها صورة صغيرة له مع مهند من صور عيد ميلاده الماضى..فتمتم بسعادة: الله يا زمزم..روعة واحلى حاجة صورتى مع حبيب قلبي..!
ابتسمت: دي هدية مهند ليك عشان تحط فيها كل يوم ورقة صغيرة مكتوب فيها دعوة من دعواتك في رمضان مع الصدقة اللي ناوي عليها..وبإذن الله ربنا يتقبل منك ويحقق أمانيك..!

+


ومض من عيناه بدفء استشعرته بنظرته إليها ك، فتوترت وهمست منسحبة: هستأذنك اروح افطر مهند..! 
راقب ابتعادها مع الصغير ثم تحسس هديتها بين انامله بحب وغادر لمنزله وصعد لغرفته جالبًا ورقة صغيرة ودَوَن بها أولى دعواته وأسقطها بفتحة الصندوق المزين ..!
ودعى الله ان تستجاب في هذا الشهر المبارك! 
وأخيرًا خبأ هديتها بين أغلى أشيائه! 
_______________

+


تفقد رسائل الواتس آب على هاتفه صباحًا فوجدها أرسلت إليه منذ ساعات دعاء "اللهم بحجم سمائك أكتب له سعادة الدنيا وراحة قلب تنسيه الشقاء!"
ابتسم وشعر أن الدعاء لمس شيء في نفسه..هو حقًا يحتاج سعادة الدنيا وراحة القلب..!

+




                
فأرسل لها ردًا على ذات التطبيق فحواه:
"حلو أوي الدعاء الي بعتيه الصبح.. أنا محتاجه!"

+


بينما تتصفح حسابها أتت رسالته وما أن قرأتها حتى ابتسمت.. فكتب لها : صباح الخير يا باشمهندسة.. صاحية بدري ليه؟

+


أرسلت له: عادي قلقت لوحدي.. شوية وهنام تاني! 
وبخصوص الدعاء فربنا يستجيب إن شاء الله! 

+


ساد بعض الصمت برهة رغم مشاهدته رسالتها، ثم بدأ يكتب ثانيًا: تعرفي إني مفتقدك من وقت ما رجعتي المنصورة! ومنتظر تيجي القاهرة تاني في الأجازة اللي جاية! 

+


أدهشها قوله وأسعدها بنفس القدر..! 
"بوحه" بافتقادها جعل قلبها المُغرم ينبض بسعادة.. ومع هذا لن تُغالي بفرحتها وتخدع نفسها.. هو حتمًا يفتقدها مثلما يفتقد شقيقته.. إن تأملت بأكثر من هذا الافتراض هي وحدها من ستخسر! 
فكتبت له: 
_ ده معناه انى كنت موظفة لا بأس بيها
_انتى صاحبة مكان مش مجرد موظفة!
_بصرف النظر المهم انى كنت عند حسن ظنك فيا من ناحية الشغل..!
_دايما عند حسن ظنى ياعطر..ومصمم انك مشروع مهندسة ممتازة وهيكون ليكى بصمة مستقبلًا!
كتبت لتُثني عليه بصدق: اكيد مش انت استاذى!
_والتلميذة هتتفوق على استاذها..!
بعثت إيموشن خجول.. فضحك ثم أرسل لها: 
_صحيح ممكن اعرف رأى الباشمهندسة في الفانوس؟
_حلو جدًا شكرا..! 
_بس كده؟
_اما اقول ايه تانى!
صمت برهة وواصل: تقولى مثلا ليه كنتى زعلانة وقتها؟
_ابدا ماكنتش زعلانة! 
_طب بلاش زعلانة، ليه كنتى عصبية؟
_انت مصمم انى زعلان او عصبية..انا كويسة يا يزيد!
صمتت لحظات ثم كتبت لها:
ماشى هصدق إنك كنتي طبيعية..وعموما انا كنت حابب اعرف رأيك في هديتى واستنيت منك تعرفيني رأيك بس انتى ما اتكلمتيش!
_معلش انشغلت وكان لازم فعلا اقولك شكرا، بعتذر..!
كتب لها عاتبا: في بنا بردو اعتذار وشكر، انا بس كنت عايز اعرف رأيك واتأكد انك مش زعلانة!
_عجبنى جدا والله..وبعد رمضان هحتفظ بيه مع حاجاتى المهمة!
ابتسم وأرسل لها: لا مادام هينضم لأشيائك الثمينة يبقى اطمنت انه عجبك..!
وتابع برسالة أخرى: هستأذنك بقى عشان نازل الشركة.. وماتنسيش تدعيلي وقت الفطار..! 

+


وعدته أن تفعل وأنتهى حديثهما القصير الذى ترك أثرًا من الراحة بنفسه.!

+


هو يشعر ان صورتها بعينه تتشكل من جديد كلوحة انمحت معالمها الأولى لتتشابك فيها خطوط أكثر عمقا ..خطوط مليئة بتفاصيل لا تشبه طفولتهما في شيء..خلفيتها تُتطلى بألوان انوثتها التى أصبح يبصرها ولم يعد يتجاهلها او يطمسها تحت مسمى طفلة..معها يتذوق أشياء لم يتذوقها من قبل..كان يغار وقت اقترانه ببلقيس لكن لم يجرب ابدا ان يغار احدًا عليه..ا..! الغيرة شيء من التملك..وشعور انك تريد الاستحواذ على شخص تهتم لأمره..وهى تفعل هذا..عطر تهتم به حتى إن حاولت ألا تطهر اهتمامها هو يستشعره بقوة.. واشتعال غيرتها يزيدها فتنة ويجعل رجولته تتلذذ بهذا الإحساس للمرة الأولى!

+



        

          

                
لكن رغم كل هذا لن يتعجل أمره..سيخطو تجاهها خطى هادئة..متزنة ..حتى يفهم ما بداخله بشكل أكثر عمقًا..! التروى سيكون لأجلها قبل أن يكون ولأجله..!

+


أما هى فطامتها الكبرى اعتقادها الخاطيء انه لم ينسى عشقه للأولى..وتحويل بوصلته إليها بالنسبة لها المستحيل بعينه..مهما فعل..مهما قال..مهما اظهر لها اهتمام..أو لمح بغيرة.. سيظل "وهم" عشقه بلقيس هو "الحقيقة" الوحيدة الراسخة داخلها..! 

+


"وهم" سيفسد اى فرصة لتلاقيهما في نقطة واحدة..! 
------------------------

+


أنقضت العشر الأوائل من رمضان وآن آوان عودتهم للقاهرة.. ورغم تشبعها طيلة الأيام الماضية بدفء عائلتها وبناء علاقتها معهم بشكل أكثر ودًا وقرب..فضلا عن وعدها للطبيب أن تواصل حياتها وتُسقط من ذاكرتها كل ما مضى وتُخمد نيران انتقامها باللجوء لخالقها..ظلت أفكارها تُحرضها على الذهاب للأفعي لمواجهتها قبل أن تغادر المنصورة وهي تضع احتمال كبير أنها لم تعد تقطن نفس البلدة.. لكنها محاولة ربما وجدتها.. وفعلت!..وصلت للبناية وحين تسائلت كان جواب الحارس العجوز.. "مافيش حد ساكن هنا بالأسم ده"
نفي الرجل بعد أن أعطته كل معلومة تعرفها عنها.. وتأكدت أنها تبحث عن سراب..! كل شيء كانت تظن معرفته عنها وجدته سراب.. كذب.. خدعتها حتى بعنوان حقيقي لمسكنها، ضللتها بكل شيء تحت مظلة الصداقة..!
وقفت وعيناها الشاردة تمشط كل البنايات المجاورة وعقلها يفكر.. لأيهم تلج؟ أي الأبواب تطرق وتسأل عن تيماء؟! كم تمنت رؤيتها لتحطم أضلعها وتبعثر معالم وجهها وتقتنص منها إجابات لأسئلتها الكثيرة..ثم تُزهق أنفاسها القذرة بقبضتيها.. لكن لم تجد لها أثرًا..!

+


صدوح أتصاله قطع شرودها وعاد لحدقتاها الشاخصة ضوء الشمس وهي تستقبل نبرته التي تعزف على أوتار قلبها: 

+


_ صباح الخير يابلقيس.. ايه اتحركتوا من المنصورة؟
_ لسه ياظافر..! 
_وامتي ماشين؟
_ اما ارجع البيت! 
تسائل: ليه هو انتي مش في البيت؟ امال انتي فين؟
حتمًا لن تخبره سوى بما يجب أن يعرف.. فغمغمت: 
_ أنا حبيت اعمل زيارة لشخص عزيز عليا ونفسي اشوفه من زمان.. ومش هينفع اسيب المنصورة قبل ما اطمن عليه!
عقد حاجبيه ولفحته رياح غيرة "واراها" بفضوله وهو يتسائل: 
_للدرجادي الشخص ده مهم عندك؟ طب اقدر اعرف هو مين؟

+


ابتسمت وهي تستشعر لأول مرة غيرته..فتَلَبستها روح المكر هاتفة برقة: ده واحد مهم عندى فوق ماتتصور ولو كنت مشيت من غير ما اشوفه كنت هرجع المنصورة تانى!

+


نجحت بإشعال جذوة غيرته أكثر..فقال بشىء من الحدة: وبعدين معاكى..اتكلمى وقولي تقصدى مين بدون غير ألغاز..! 

+


أشفقت عليه حين تجلت حدته فعاتبت نفسها بصوت مسموع ومشاغب: عيب بقى يابلقيس زودتيها خطيبك هيزعل!
نفذ صبره فتهكم: شكل الصيام أثر على عقلك! 
ضحكت اخيرا وقالت: أيوة واتلبستنى روح شريرة كمان، بس حرام مقدرش على زعلك..
وواصلت: ده ياسيدى عمو راغب! ده كان السواق اللي كان بيودينى اى مكان ويلازمنى طول منا برة البيت بأمر من بابا!..ثم كسى صوتها لمحة حزن: عرفت من ماما انه بقى مريض وقلت لازم أشوفه قبل ما امشي! 

+



        
          

                
هتف ليجذبها بعيدا عن مسحة الحزن البادية بصوتها: لو قولتي وانا لسه في المنصورة كنت زورته معاكي..!
_بجد؟ ياريت كنت هتشوف أطيب قلب في الدنيا..! 
تمتم: تتعوض مرة تانية.. وابقي عرفيني حالته ولو اقدر اساعده مش هتأخر..! 
همست ممتنة: شكرا ياظافر مافيش داعى..ماما قالتلي إن بابا وعمو ادهم عملوا الواجب معاه..أصله غالي على الكل!
أوما مجيبا: ربنا يشفيه..عموما ابقي كلميني اما توصلي البيت وخدي بالك علي نفسك! 
ابتسمت: هاخد بالي متخافش.. أنا أصلا اتمشيت شوية وحشتني بلدنا وحسيت اني عايزة امشي فيها بهدوء..تعرف حسيت بإيه وانا ماشية لوحدي؟
_ بايه؟
_حسيت اني حرة..مافيش قيود.. مافيش خوف.! 
كنت الفترة اللي فاتت بمشي وسط الناس وأنا قلقانة شايفاهم وحوش! 
_ودلوقتي شايفاهم ايه؟
_شايفاهم من عيونهم اللي بتعكس حقيقتهم..عيون بتبصلي باستغراب.. والتانية بلامبالاة والتالتة بلمحة غيرة قادرة استوعبها..أما اللي غلبتهم كانت عيون سكنتها الإعجاب! بس إعجاب بريء! 

+


ودون تخطيط أثارت غيرته عليها ثانيًا فغمغم محاولا السيطرة على صوته: وعرفتي منين انه إعجاب بريء؟
ابتسمت بثقة: لأنه من غير أذى! مجرد نظرة عابرة مقدرش امنعها.. لكن لو تعدت الحدود أقدر أواجهها.! 
وصمتت برهة ثم همست: مش هو ده اللي كنت بتقوله ليا دايما؟! الناس أصناف كتير فيهم الطيب وفيهم الخبيث واني لازم اعرف اتعامل مع كل صنف من غير خوف؟
وصلتها تنهيدته.. فطرحت عليه سؤال مباغت: ظافر.. هو انت بتغير عليا؟

+


أربكه سؤالها وعجز عن الإجابة والتزم الصمت.. فعادت تهمس: حسيت من شوية انك غيرت عليا..! 

+


لا يعرف لما خدعها ونفى كذبًا: لا طبعا وهغير ليه؟!

+


"وهغير ليه؟"

+


أعادت كلمته بصوت عقلها وألمها إنكاره..!
هناك حاجز بينهما لا تراه سوى أحداق القلوب..وهي تراه جيدًا..حاجز يمنع قربه بالصورة التي تتمناها..كانت تظنه سيصارحها أنه غار عليها..فلو كانت مكانه لاحترقت غيرة.. لكن هو ليس مثلها..كل تصرفاته يزنها العقل.. بينما مكيالها الوحيد عاطفتها القوية نحوه..تصارحه حين تشتاق وتعترف حين تغار وهو گبئر عميق ظلامه غطيس وغامض!

+


نفضت أفكارها البائسة وأجلت صوتها هاتفة دون حماس: أنا تقريبا وصلت لبيت عمو راغب.. هكلمك لما اخرج من عنده.. سلام! 

+


اغلق معها ولم يغب عنه خيبة أملها به..فزفر بضيق شديد من نفسه ولم يفهم لما أحبطها بهذا الشكل.. لما كذب عليها.. لما أنكر غيرته وتعامل بفظاظة وكسر خاطرها؟!.كل ما يدركه أن هناك شيء يحجم انجراف مشاعره تجاهها رغم قوتها..!
شيء يجعله يتقدم تجاهها بحذر شديد!
____________

+


وصلت لباب شقته وطرقته منتظرة بلهفة ان يطل عليها بوجهه الطيب وعيناه الحنونة..وانفرج الباب لتظهر ابنته بوجه هاديء سرعان ما تغير لذهول هاتفة: بلقيس هانم؟! مش معقول!
ابتسمت لها هاتفة بود: ازيك يامى..عاملة ايه
_الحمد لله بخير خصوصا لما شوفتك
ثم استطردت باحراج: أسفة سايباكى واقفة على الباب..اتفضلى ولو ان البيت مش قد المقام بس
قاطعتها بعتاب: هزعل منك يا مى..
ثم تسائلت وعيناها تبحث عنه: فين عمو راغب؟
تغبرت ملامح الاولى ببعض الحزن..فتوجست بلقيس:
ساكتة ليه يا مى؟ و فين عايزة اشوفه! 

+



        
          

                
توجهت بها مى حيث يتواجد..وما ان شاهدته بلقيس حتى اغرورقت عيناها وملأتها الدموع وهى تراه قعيد كرسي متحرك..وبيديه مصحف يرتل آياته بصوت خافت..فوقفت تطالعه بحزن ..وما أن شعر بها ورآها حتى ارتعشت كفيه الممسكة بالمصحف..فذهبت والتقطته هامسه بصوت باكى: وحشتنى ياعمو راغب..ألف سلامة عليك!

+


غمغم بصوت متهدج غير مصدق انها أمامه: بلقيس هانم؟ انتى بخير؟ بقيتى تتكلمى خلاص؟ 
ضحكت وهى تجفف دموعها: ايوة امال مين اللي بتكلمك دلوقت يا راجل ياطيب..ثم هبطت عيناها فوق قدمه هامسه بحزن: من امتى وانت كده؟
تمتم بابتسامة رضا: 
_من فترة طويلة والحمد لله على كل حال..اتأقلمت على حالى وعايش..ومى مش مقصرة معايا ربنا يبارك فيها..ثم قال بصوت غافته البهجة بعض الشيء: مش مى بنتي اتخطبت؟
_بجد؟ ألف مبروك يا مي ربنا يسعدك
ابتسمت الأخيرة بود: الله يبارك فيكى..ومبروك ليكى انتى كمان..سمعت انك مخطوبة لواحد من عيلة معروفة في المنصورة!
_الله يبارك فيكى حبيبتى!
العم راغب: ماصدقتش لما مى جابتلى صورة من خطوبتك..وقتها دعيتلك من قلبى بالسعادة وتمام الشفا

+


همست بامتنان: وربنا استجابلك يا عمو راغب..وادينى جيت اشوفك قبل مانرجع القاهرة
_انتى خلاص يابنتى مش هتعيشى هنا تانى؟
_تقدر تقول هبقى بين هنا وهناك لأنى ناوية اشتغل مع بابا وكمان خطيبى مستقر في القاهرة!
تمتم بمحبة: ربنا يوفقك ويسعدك فين ماتكونى..واوعدينى منين ماتزوري المنصورة تطلى على عمك العجوز..انا خلاص مبقتش اقدر اتحرك زي زمان!
_أكيد كل اما اجي هزورك..وبكره تخف وتبقى كويس..ربنا قادر يشفيك وترجع زي ما كنت واحسن!
ابتسم لها:الحمد لله يابنتى انا شاكر ربنا على فضله..وكفاية انى شوفتك تانى بخير..
ربنا يبعد عن ولاد وبنات الحرام!

+


رددت دعوته بعقلها متعجبة من دقتها..وكأنه يعلم من نالها الآذى على يداهم! ابتسمت وقالت: ماتتصورش دعوتك دي ازاى لمستنى ياعمو..اللى آذونى كانوا ولاد شياطين مش بس ولاد حرام!

+


_ماهو الآذية مابتجيش غير منهم..شياطين الإنس..ربنا يحميكى منهم يابنتى..!

+


_اللهم امين!
واستطردت: انا مضطرة اسيبك دلوقت لان راجعة مع بابا وماما القاهرة..وأكيد هزورك تاني!
_ وانا منتظرك!
_عشان خاطرى لو احتاجت حاجة عرفنى!
_والله يابنتى والدك وعمك ما قصروا معايا..ولا ناسينى..ومش عارف اودى افضالهم فين!
_اوعى تقول كده ده حقك..انت غالى علينا اوى!
_تعيشى ياست البنات!
______________________

+


بعد اسبوعان!

+


" رمضان جري بسرعة ..بس تفتكرى يا دُره الليلة ليلة القدر؟ معرفش ليه حاسس بكده!"

+


_ مش بعيد..اى ليلة فردية ممكن تكون ليلة القدر..ربنا يبلغنا اياها ويتقبل دعواتنا ..وكل سنة وانت طيب ياعاصم!

+


_وانتى بالصحة والسلامة..! هما الجماعة راحوا فين؟
_ بيشتروا حاجات للعيد....وكريمة وعبير معاهم عشان بعدها هيروحوا السيدة زينب!
_ليه هيروحوا السيدة؟
_ زمزم نفسها تروح هناك بابنها وتشوف أجواء السيدة اللي كانت بتسمع عنها..وقالت فرصة قبل ما رمضان يخلص ومعاها محمود وعبير..وكريمة راحت عشان تكون معاهم لما انا قولتلهم مش هقدر اخرج معاكم 
_وانتى ماروحتيش ليه؟
_ انا ورايا حاجات عايزة اعملها وهما مش هيتأخروا
وواصلت: هو يوم سبعة وعشرين الفطار في مطعم ظافر؟
_ايوة هو عزم الكل..بصراحة والدته اتصلت بكل اخواتى ومهتمة جدا كلنا نتجمع..!

+



        
          

                
_ طب و استاذ ناجى وفدوة وولادهم؟ مش هيقضوا العيد معانا هنا؟ فدوة كده هتكون لوحدها من غير اختها..!

+


_الحقيقة الولد ذوق جدا.. أتصل بناجي وعزمه بنفسه هو وأسرته كلها 
صاحت بفخر: ماشاء الله عليه مايفوتوش الواجب ابدا.. تعرف ياعاصم.. ظافر ده هو دعوتي لبنتي.. فاكر لما كنت بقولك سيب الدنيا تمشى لوحدها؟ معذور ومش تحيز والله..بس هو يلاقى زي بنتى؟مال وجمال وتعليم وذكاء و كل حاجة حلوة..كلامي صح ولا أنا غلطانة؟!

+


ٱومأ لها شاردًا وهو بوادٍ أخر..تراوده خواطر كثيرة لا يريد مشاركتها مع زوجته التي تبني قصورًا علي رمال أحلامها بارتباط بلقيس وظافر.. أما هو فالأمر معه يأخذ شكل مختلف تمامًا.. وهناك قرار ما ينوي تنفيذه حين تواتيه الحظة مناسبة..والصبر لحينها ملاذه الوحيد..! 
____________________

+


"والله لسه بدري والله ياشهر الصيام"

+


تنبعث كلمات اغنية وداع رمضان من كل صوب في حي السيدة زينب، ملقية بظلال من الحزن لقرب فراق ايام الرحمة والمغفرة..ولكن ما يثلج الصدور هو حلول عيد الفطر بفرحته وطقوسه المميزة بين الشعوب كافة..والشعب المصرى خاصة!

+


تمتمت عبير بضيق وهى تتجول في الحى المزدحم: الأغنية دي منكدة عليا يا كريمة!
_ هنعمل ايه..رمضان كده ضيف خفيف وبيمشي بسرعة!
_ عندك حق..ومهما قعد مش هنشبع منه..
واستطردت وهى تتأمل معالم حولها:
بس ياسلام على جو السيدة زينب..يجنن والله
كريمة: امال ايه..السيدة زينب من اكتر الأحياء المصرية اللي فيها جو خاص خصوصا رمضان..كويس ان لحقنا في الأخر الزيارة دي..كل سنة وانتى طيبين!
_وانتى طيبة، اوعى نبعد عن العيال لنتوه في الزحمة
ضحكت:متخافيش انا عارفة الطريق وياما جيت هنا انا وادهم والعيال..تعالي اما افرجك على حاجات هتبهرك في الشارع ده!
وذهبت ليتجولا بخبايا السيدة زينب !
__________________

+


زمزم: مهند فرحان اوي وكل اما يشوف حاجة عايز يمسكها وياخدها..اللئيم فضحنى..وأن بتفرج على اشكال العاب حلوة واشتريت اللي عجبنى ومشيت لقيته واخد منهم لعبة في ايده..قام البياع نادى وهو بيضحك ويشاور على اللي في ايد مهند..اتكسفت ورجعتها واعتذرت بس هو طلع راجل ذوق ولاعب مهند وصمم يسيبله اللعبة. بس طبعا صممت ادفع تمنها..! 

+


عابد بجبين مقطوب: وانا كنت فين وكل ده بيحصل؟ 

+


_ كنت واقف بتشتري حاجة لجورى الناحية التانية!
_بس انا سبتك مع ماما وطنط عبير ماسبتكيش لوحدك
_عادي منا سبتهم بعدها عشان اتفرج على حاجات تانية..ايه المشكلة ياعابد ..ليه متعصب؟
زفر ليتحكم بضيقه وغيرته لمزاح البائع مع الصغير وهى بمفردها..وتمتم: مش متعصب ولا حاجة بس كنتي ادفعي تمن اللعبة اللي مسكها مهند وامشي من غير كلام زيادة!
_وهو كل حاجة الولد يمسكها لازم اجيبها؟ ده سلوك غلط وانا جبتله ألعاب كتير ومع كده دفعت تمنها ومشيت.. ايه حصل بقى للعصبية ده كلها كأنى غلطت في حاجة؟!
_وبعدين يازمزم قلت مش متعصب انتى هتعصبينى بالعافية؟!
رمقته برهة ثم غمغمت بنبرة فاترة: طب عن اذنك هروح لماما وطنط كريمة! ..وذهبت عابسة دون انتظار رده..فمسح على وجهه ليهديء غضبه الذي فشل في مواراته عنها..فقد فارت دمائه لما قالته لكن لم يقصد ان يُغضبها..زفر ثانيا ولحقها ليلطف الأجواء معها مرة أخرى!..لكنها أفشلت اى فرصة تجمعهما وتتيح له الحديث معها!
__________________

+



        
          

                
عامر بفرحة طاغية: يعنى هشوف جوري بكره يا ظافر؟
_طبعا العيلة كلها جاية هيفطروا عندنا..انا عازمهم من اول الشهر على يوم 27..خليهم يجربوا اجواء سهرات مطعمنا في رمضان قبل مايخلص..وشد حيلك واعمل برنامج حلو..! 
_بإذن الله..ويارب جوري تكون هديت شوية وتقبل اعتذارى المرة دي!
_بإذن الله ربنا يهدي الحال! 
_صحيح أنت هتقول لبلقيس موضوعك امتى؟
همس بقلق: بفكر اقولها انهاردة بس خايف رد فعلها
_ اكيد هتزعل..بس هي لازم تعرف مافيش معاك وقت
_فعلا..هنتهز فرصة وجودها واقولها وربنا يستر..!
___________________
في الشركة! 

+


وزعت أطباق مخبوزاتها التى صنعتها للعيد على زملائها في الشركة..كما فعلت مع أحمد وتركت ليزيد نصيبه بغرفته لحين حضوره ثم توجهت لمكتبها لتنجز سريعا باقى عملها قبل ان تبدأ اجازة العيد التى ستمتد عدة ايام بعده..دلفت حجرتها لتشهق مذهولة مما رآت بها!

+


مجموعة كبيرة من البالونات الملونة معقوصة بخيط مثبت طرفه على حرف مكتبها..متطايرة ببهجة فى فضاء الغرفة تتراقص على ضوء الشمس ويتوسط المجموعة بالونة كبيرة بشكل قلب أحمر مكتوب عليها "عيد سعيد"..
اقتربت ومازالت تحت تأثير الدهشة ليتضح فوق سطح المكتب علبة مغلفة بشكل أنيق وملصق عليها ظرف صغير..فالتقطته وعيناها تقرأ من خط عليه ( ودى عديتك) فتحت المغلف فوجدت بضعة ورقات نقدية ومعها كارت صغير..فقرأته بصوت خافت ( كل سنة وانتى طيبة يا أمونة..يارب اكون قدرت افرحك بهدية العيد)..وبعد قراءة كلماته فتحت العلبة لتجد تشكيلة كاملة من مخبوزات العيد ورائحتها الشهية تزكم انفها وتحرضها على التذوق..لكنها تذكرت أنها صائمة..!

+


ابتسمت حادت بنظرها للنقود الجديدة وعيناها مغرورقة تأثرا بما فعل أحمد واهتمامه بتهنئته المميزة بعيد الفطر..!

+


أن يتذكرها احد ويخصها بشىء في مناسبة كتلك هو أمر له صداه العميق في نفسها ..استطاع بلفتته الرقيقة ان ينثر حولها رائحة سعادة حقيقية..فتركت كل شىء وتوجهت إليه ودلفت بعد طرقتين على بابه وسماحه بالدخول..وما أن رآها حتى رمقها برهة بترقب وكأنه يحاول قراءة أثر مفاجأته عليها..فتحير بصمتها..وهتف مازحا: انا عارف ان العيدية الضخمة ابهرتك..يلا قلت لو عليكى ديون تسديها.

+


ابتسمت وجارته في مزاحه لتوارى تأثرها: ده انا هسدد ديونى واشيل الباقى لمستقبلى..دول خمسين جنيه بحالهم..يعنى ثروة!

+


ضحك وهو يترك مكتبه مقتربا منها: عشان تعرفى انى راجل ايدى فرطة وسخى! وعلى فكرة مخبوازات العيد بالسمنة البلدى يا باشا..يعنى حاجة نضيفة!
ثم همس برقة وهو يشير لصحن صغير يعلو مكتبه: بس اكيد مش هتكون أحلى من مخبوزاتك اللى جبتيلى منها انهاردة وريحتها هتفطرنى...!
_يارب يعجبك العك بتاعى ده..هنتظر رأيك لما تفطر
_اكيد مش عك طبعا ومتأكد انها هتعجبنى ..تسلم ايدك مقدما.!

+


ابتسمت وهى تطالعه بامتنان ينضح من مقلتيها..فهمس بعد ان ترك نبرة المزاح: كل سنة وانتى طيبة يا أمونة..وعيد فطر سعيد عليكى!
_وانت طيب يا احمد..بجد شكرا على لفتتك دي..حقيقى خليتنى مبسوطة ومنظر البالونات على مكتبى تفصيلة حسستنى انى رجعت صغيرة تانى!
_طب الحمد لله ان ده كان إحساسك
وواصل بنبرة خاصة: كان لازم اردلك فرحة اجواء رمضان اللى عيشتينى فيها هنا فى مكتبى بتهنئة عيد مميزة..وانا عارف من ايام الجامعة انك بتعشقى البالونات!

+



        
          

                
_يااااه لسه فاكر؟
_طبعا..وفاكر لما يزيد كان يوزع علينا احنا وزمايلنا كل واحد ورقة بعشرة جنيه جديدة مكتوب عليها تهنئته مع شيكولاتات..!
ضحكت برقة: وانا كنت بغلس عليك واخطف الشيكولاتة بتاعتك واقولك دي للبنات بس!
ضحك مثلها: منا كنت برجع ابلطج واخد غيرها من يزيد وهو يتغاظ مني! 
هدأت ابتسامتها: كانت ايام جميلة اوى مش بنساها..!
وواصلت وهى تنظر إليه: ولا هنسى هديتك دي أبدا يا احمد..بجد شكرا..!
_شكر ايه بقى هو فى بينا شكر؟
ثم عاد ليجلس خلف مكتبه مستطردا بمرح: المهم خلصى كل شغلك عشان تروحى بدرى..واوعى البالونات تفرقع منك..انا نفسى اتقطع وانا بنفخها كلها..!
تذكرت عدد البالونات الذى ربما يقترب من خمسين بالونة كبيرة..هل قام بهذا المجهود لأجلها؟! ابتسمت لتُضاف تفصيلة أهتمام أخري لها قيمتها في نفسها ولن تنساها..! 

+


دلف بتلك اللحظة يزيد..وحين رآها تبادل معها التهنئة وشكرها على ما احضرته له..ثم شاغبها وهو يعطيها عيدية رمزية عليها تهنئة مكتوبة كما كان يفعل أيام الجامعة.. وبعد مزاحهم تركتهما لتذهب لغرفتها..!
__________________

+


جاءت ليلة القدر لتشحذ أرواح المسلمين بطاقة ايمانية عالية والجميع ويبتهل ويدعوا بحاجته علها تكون ساعة إجابة..طالبين العفو والمغفرة والعتق من النار والفوز بجنات النعيم..! وانقضت الليلة المباركة مخلفة ورائها مُقل باكية بتضرح..وقلوب خاشعة.. وايادى ممدودة بالدعاء..استعد عاصم وأشقائه بالنهار التالى لتلبية دعوة ظافر بإفطار شهى في مطعمه كما اتفق منذ بداية الشهر الكريم!
.............
حول مائدة إفطار كبيرة التفت عائلة عاصم مع أسرة ظافر مظهرين اعجابهم بما قدمه بأجواء رمضانية مميزة...وبينما الجميع منهمك بطعامه كان يراقبها بضيق وهي تتجنبه منذ غضبه الغير مقصود معها..اقترب بحجة مهند وقال: زمزم مهند عايز يعمل حمام تعالى شوفيه
نهضت وأخذت الصغير متوجهة به للحمام، فتبعها وبأول فرصة حادثها برقة: انتى زعلانة منى؟
اجابت: لا ابدا مش زعلانة..مجهدة بس من قلة النوم
_وليه مانمتيش؟
_ما انت عارف اما بغير مكان نومى مش بنام..
صمت برهة يتأمل شحوبها الطفيف، فهمس بحنان: باين على وشك..بس اكيد انهاردة هتنامى..وممكن تسيبيلى مهند انيمه معايا ونامى انتى!

+


لانت قليلا لاهتمامه و همست بابتسامة صغيرة: ماتقلقش ياعابد هنام ومهند كمان هينام..شكرا..!

+


انتقلت ابتسامتها لشفتيه وعاد يهمس: طب ماتزعليش انى اتعصبت شوية بالنهار..خوفت البياع يكون استظرف معاكى وانا مش موجود!
_ولو استظرف..انا اقدر اوقفه عند حده..بس ده محصلش..هو كان ذوق وتفهم حركة الولد العفوية وحب يسيبها لما مهند فضل ماسكها..وانا عادي حاسبته عليها ومشيت..محصلش حاجة كانت تضايقك كده!.

+


طالعها بتأمل شارد وداخله يشكوا داء الغيرة ولكن كيف يوضح لها شعوره؟.تنهد وتخطى الامر متمتمًا:
_خلاص أهو موقف وعدى..المهم انبسطى انهاردة في الفطار؟
عاد الحماس لنبرتها: جدااا.. وفي كام صنف تحفة بصراحة عايزة اخد طريقتهم من ظافر..ولا تفتكر هيطلع ناصح ومش هيرضى يقولى أسرارهم؟ بس انا مش هسكت إلا اما اعرف منه و ........
قاطعها: حيلك حيلك.. تكلمي مين ومش هتسكتى على ايه..انتى ماتسأليهوش على حاجة أساسًا..قولى عايزة طريقة ايه وانا هجيبهالك منه!
غمغمت ببساطة: خلاص ماشي!

+



        
          

                
"لو سمحت ممكن تساعدنى وتقولى فين الحمام؟"

+


التفت للفتاة التي عبرت جواره وهتف بتهذيب: 
يمين في في شمال حضرتك..

+


شكرته بصوت رقيق وهى ترمقه بنظرة اعجاب واضحة ثم
تقدمت خطوتين ليلتوى كاحلها بغتة وتكاد ان تسقط لولا أن لحقها عابد ومد لها ذراعه هاتفا بقلق: حاسبى يا أنسة..انتى كويسة؟

+


بدا على ملامحها الألم وهتفت: رجلى شكلها اتلوت..مش قادرة اقف!
نظر لزمزم يناشدها الدعم: ساعدينى عشان نقعدها في مكان شكل رجلها اتلوت..
هتفت ببرود: طب وسع انت وخد مهند عند ماما وانا هتصرف ياباشمهندس!
غادر عابد متعجبا من إصرار زمزم ان يذهب بالصغير.. أما هي فأجلست الفتاة على اقرب مقعد وقالت: ارتاحى شوية وهتبقى كويسة يا أنسة..(وواصلت ببعض التهكم) اكيد رجلك مافيهاش حاجة لانك ماوقعتيش اصلا!
الفتاة بإحباط: بس اتلوت ووجعتنى
زمزم بسخرية: يااااه ده كده الموضوع خطير ونطلبلك الإسعاف يلحقك!! 
_لالا مش للدرجادي..اتفضلى انتى وانا هتصل بصاحبتى تجيلى..شكرًا للمساعدة! 
زمزم ببرود: العفو..!

+


وتركتها وبطريق عودتها وجدت عابد مقدما عليها هاتفا: عملتى ايه؟ البنت بقيت كويسة؟
_كويسة ومافيهاش حاجة، قعدت على كرسي واتصلت بصاحبتها تجيلها
_يعنى اكيد البنت مش محتاحة مساعدة؟
قالت بحدة: مساعدة ايه دى بتمثل وانت صدقت تمثيلها..! 
صاح بدهشة: بتمثل؟!!
_اه والله هي اتعمدت توهمك انها هتقع ورجلها اتلوت
_ايش عرفك بقى؟
_لأنى شوفت نظراتها الوقحة ليك وهي على ترابيزتها اللي جمبنا..عمالة تبصلك من غير حيا..واكيد مش صدفة انها تقوم تدخل الحمام اول ما سيادتك قمت..!
_غريبة وانتى ركزتى معاها ليه كده؟ وبعدين هتبصلى ليه؟
هتفت بعصبية:
_أنا مش قصدي أركز مع حد كل الحكاية ان مكانها كان مكشوف ليا فلاحظتها بدون قصد..وليه بتبصلك تقدر حضرتك تروح تسألها وتطمن عليها بالمرة...ووسعلي بقى خليني ارجع أشوف ابني.....!

+


وتركته محدقًا بأثرها مآخوذا ونفحة أمل أخيرًا تشرق على قلبه..فهل ما رآه الآن يدخل في طيات الغيرة؟!
______________________

+


أتت متحفزة ان يحاول الحديث معها مرة أخرى..هذه المرة ستخبر يزيد..لكن الغريب انه لم يظهر على الإطلاق والمفروض تواجده كصاحب مكان مثل ظافر..زفرت وهاتفت نفسها ( احسن..يارب ما يورينى وشه لحد مانمشى)..وبعد قولها تفاجأت بطفل صغير يقذف فوق ركبتها مغلفا ثم هرول بعيدا..فغمغمت بدهشة ( ايه لعب العيال ده؟)..نظرت للمغلف بحيرة..ممن؟ وجدت ان فتحه الآن ربما يلاحظها احدا..فاستأذنت لتذهب للمرحاض..وبزاوية محتجبة فتحت المغلف لتجد ورقة مطوية يرافقها ورقة نقدية تفوح منها رائحة ذكية جذبتها وبتلقائية تشممتها متمتمة ( الله البرفان ده ريحته تجنن) ثم فردت الورقة المطوية وراحت تقرأ من خط بها

+


( كل سنة وانتى طيبة يا ملاكى..حبيت أكون أول واحد يديكى العيدية..وجبتلك برفان هدية وكنت عايز اعرف رأيك فيه..فرشيت منه على عديتك..واتمنى يعجبك..وعشان خوفت ترفضيه خليته معايا لحد ما في يوم تاخديه منى وانتى بتكافأينى بابتسامة حلوة من شفايفك..اما ال 200جنية دي عيدية متواضعة منى)

+



        
          

                
زفرت بعد أن انهت قراءة رسالته المعطرة والتفتت حولها ولا تعرف لما شعرت انه يراقبها..وصدق حدسها وهو يتجلى عليها من خلف إحدى الجدران مبتسما..فكتفت ساعديها وهتفت ساخرة: طب وبعدين؟ الموال بتاعك ده هيخلص امتى؟

+


همس وهو يقترب: هيخلص لما تحنى عليا وتسامحينى
_مش هسامح حد وبطل حركاتك دي احسلك عيب انت كبير ومش صغير للتصرفات دي!

+


وهمت بتركه وهى تقذفه عليه مغلفه بما يحويه فاوقفها بعد أن تلقفه سريعا: انتى ناسية انى مديون ليكى بفلوس اول مرة..ال 200 جنية دول منهم..يعنى سداد دين!

+


التفتت إليه فواصل: الفلوس دي حقك ولا هتسيبى نصاب زيي ياخد فلوسك!
استفزها بحديثه..فتقدمت الخطوات التى ابتعدتها والتقطت منه المغلف بغضب وذهبت..
فناداها ثانيا
_جورى دعتيلى امبارح في ليلة القدر؟
استدارت له متهكمة: ودى حاجة تفوتنى بردو؟؟
ابتسم ببلاهة فاستطردت: دعيت تبعد عنى وماشوفش وشك تانى!
عبس واقترب منها خطوتين حتى صار جوارها وهمس بأذنيها: ان شاء الله ربنا مش هيستجيب منك..وهيستجبلى انا دعوتى بيكى!
داست على قدميه بغته فتألم صائحا: كل مرة تعملى فيا كده؟
سخرت منه: وده إن دل على شيء فيدل على غبائك لأنك مش بتتوقع منى نفس الحركة يا ذكى!

+


وتركته فهتف قبل ان تبتعد: مسيرى اخلص تارى منك لما يبقى ليا كلمة عليكى..ووقتها هعلقك من لسانك في العربية!
صاحت دون تستدير او تتوقف: ده في أحلامك ياخفيف!

+


ابتسم بأثرها وهو يراقبها وقلبه يرقص لاغتنامه تلك الدقائق القصيرة معها..!
..................

+


عادت لطاولة العائلة واحتلت مقعدها بذهن شارد..لا تدري لما أخذت عديته وخطابه! وتصنعت اقتناع زائف أنها نقودها..لكن داخلها يكذبها..مشاعرها منقسمة بين سعادتها بما فعل..ورغبة اخرى بتعذيبه وعقابه..حالتها غريبة ولا تدري ما سيؤل إليه الأمر معه..لكنه بكل الأحوال هو يستحق عقابها..!
نفضت شرودها وعادت تندمج مع الجميع وهى على يقين انه يشاهدها ويراقبها خلسة من بعيد..!
___________________
ألقى عليها تحية بوجه مبتسم ولم يحاول مضايقتها بعد ان استاءت منه المرة السابقة..يكفى ان الحظ يجود عليه بسخاء وهاهو يراها للمرة الثالثة ويتوقع المزيد بفضل صلة النسب بين عمه وأخيها ظافر.. ورغم تظاهره بعدم الاهتمام بوجودها يسترق النظر خلسة لعيناها وكأنه يريد اختراق رقائق اللينسز المزيفة لينفذ لعيناها الحقيقية..ويحتار داخله لما تخبئها عن الجميع؟ 

+


أما هى فتعجبت لتغيره بعد أن ألقى تحية عليها فور قدومه كما فعل مع البقية وتجنبها تماما..يبدو أن توبيخها له سابقا أوقفه عند حده..وهذا افضل ولن يشغلها الأمر اكثر من ذلك ولتهتم بإفطارها الشهى وفرحتها بهذا التجمع..هى أصبحت تعشق تجمع هذه العائلة بعد ما لمست دفء علاقتهم..هم عائلة جميلة بحق..كم صارت علاقتها ببلقيس اكثر قربا وسعيدة بنيا أخيها تلك الفتاة المنيزة في كل شيء..تنهدت وداخلها يدعوا: اللهم ديم نعمتك عليهم وأسعد اخى بينهم!
______________

+



        
          

                
انتهى الإفطار وانشغل الجميع بالثرثرة وهم يتناولون مشروبات متنوعة.. اما هو فتنحى بها في مكان اخر من المطعم!..وبحذر راح يسرد لها ما عنده! 

+


_من فترة قدمت في مسابقة توب شيف اللى بتتعمل على مستوى الدول العربية ومقرها لبنان..ومن حظي اتقبلت وصلنى استدعاء انى اسافر عشان اشارك في التصفيات الأولى!
طغت على ملامحها الصدمة وهى تغمغم:
_هتسافر وتسيبنى؟

+


حدثها بهدوء عازمًا اقناعها: بلقيس.. المسابقة دي خطوة مهمة جدا في حياتي ولو ربنا وقفني وفوزت بأسم بلدي هتنقل لمكان تانى خالص في شغلي وهلاقي دعم أكتر وشهرة أسرع..!
غمغمت بحزن جعلها لا تستوعب حديثه: بس انت ماجبتش سيرتها معايا ولا مرة.. هو لازم تشارك فيها؟ ما انت ماشاء الله مطعمك والكافية ماشين ممتاز وراقيين جدا وبقيت مشهور بدرجة كبيرة عايز ايه تانى؟

+


تنهد ثم ابتسم وقال برفق: بلقيس انا طموحى في مهنتى مش مجرد كافية ولا مطعم مشهور في القاهرة، لأ..أنا بحلم اوصل للعالمية واخد أسم يكون بصمة بعد كده..والمسابقة دي خطوة في تحقيق حلمى.. فهماني؟!

+


لم تجد شيئا تقول بعد سرد أماله التى يشيدها على تلك الخطوة..فهمست مطرقة الرأس رغما عنها: فهمت، ربنا يوفقك ياظافر وترجع واخد المركز الأول وترفع أسم بلدنا هناك!

+


ألم قلبه رؤية حزنها ورأسها المطرق وسحابة عبراتها التي تتراقص مع الضوء الخافت..فهمس برقة: طيب هتدعيلى وانا هناك؟
رفعت رأسها وحدقتاها تحتضنه بحنان لمس شغاف قلبه: أكيد هدعيلك في كل وقت! 
ثم برق بذهنها فكرة فهتفت بحماس: طب ايه رأيك اجى معاك لبنان؟
زوى بين حاحبيه وقال: تيجى معايا؟ ازاي؟
_عادي في نفس الفندق بتاعك هاخد غرفة ونتقابل لما تكون خلصت شغلك ونخرج ونتفسح براحتنا ونقضي و......

+


قاطعها بحدة: ده على اساس باباكى هيوافق بالبساطة دي؟؟ هو في بنا أي صفة شرعية تخليكي تكوني معايا في سفر زي ده؟ وبعدين انا مش رايح اتفسح ولا هبقى فاضى لخروج.. وانتى معايا ولا هركز او انجز أي حاجة.!

+


تجرعت صدمتها من حدته القاسية وسخطه الواضح علي اقتراحها وهمست بهدوء بقدر ما استطاعت: عندك حق كلامي فعلا مش منطقي، خلاص انسى ياظافر كانت مجرد فكرة جت في بالى وقولتها بدون تفكير..!

+


وخذه ضميره لجفائه وحدته عليها بهذا الشكل فهَم بقول شيء ما يصلح ما أفسده ليراضيها..فقاطعه حضور زمزم مناديا:
بلقيس احنا خلاص ماشيين هترجعى معانا ولا...

+


وكأنها أتت لها طوق نجاة فتشبثت بها ونهضت هاتفة قبل أن يتحدث ظافر الذي بدا أنه سيحاول إبقائها معه وهذا ما لا تريده الآن.. يجب أن ترحل لتهدأ..! 

+


_ راجعة معاكم يازمزم اصلا كنت جايالكم!
والتفتت له هامسة: تصبح على خير ياظافر بكرة هتصل ان شاء الله!

+


وذهبت دون انتظار لحظة أخرى متجاهلة نداء عيناه الصامت ان تظل ليسترضيها..لكنها لا تريد سوى الخلوة وغير مؤهلة لحديث أخر..!

+



        
          

                
فزفر ولطم قبضته فوق الجدار بقوة ولهيب انفاسه يكاد يحرق صدره وتأنيب ضميره ونغزة قلبه تزداد آلمًا لرحيلها غاضبة منه..لم يقصد حدته ولا يعرف لما حدثها بتلك الطريقة..أحيانًا لا يفهم هو نفسه..ليتها ظلت ليخبرها انه سيشتاقها أكثر مما تتخيل وانه عصبيته ما انبثقت إلا من ضيقه لفراقها وأنه كان سيطير فرحا لصحبتها لكن لن يليق أن تذهب معه.. كما أنه أراد لها الأهم من مصاحبته..لكن ماتتاح الفرصة ليوضح شيئًا..!

+


ذهب لتوديعهم ربما يراها مرة أخير قبل ان تغادر ويحدثها.. فلم يجدها بينهم وگأنها توارت عنه عمدًا..!
ولن يلومها.. وعليه أصلاح ما أفسد..! 
______________________

+


غادر الجميع ولم يبقى سوى عائلة ناجي ماكثين في انتظار عودة عطر من المرحاض! 
......... 
_رايح فين يا ياسين؟
_ يزيد؟ افتكرتك مشيت.. عموماً أنا داخل اشوف عطر اتأخرت ليه عايزين نمشي! 
_ طب ارجع أنت وأنا هشوفها أنا أصلا رجعت عشان أوصي عامر علي حاجة! 
_ خلاص تومام يا كبير..!
............
دلف ومشط بعينه جميع الزوايا بحثًا عنها فلم يجدها.. فتوجه تجاه المرحاض ربما وجدها هناك.. وما أن اقترب حتى لمحها تقف ناكسة الرأس ويبدو على ملامحها الٱلم.. فدنى سريعا مناديًا: عطر..!

+


رفعت رٱسها إليه تهتف باستنجاد: يزيد! 
جزع وهو يري دموعها فتسائل بقلق شديد: مالك ياعطر حصل ايه؟
_ دخلت الحمام اظبط حجابي وخرجت بسرعة عشان ألحقكم طرفه شبك في مقبض الباب من غير ما اخد بالي فوقعت وتليفوني اتكسر، شايف؟!

+


أنهت شكوتها بصوت باكي وهي تنظر لهاتفها الذي تهشمت شاشته ولم يعد يصلح للعمل.. فابتسم بحنان والتقطه منها هامسا برفق: طب اهدي وماتزعليش كده فداكي ميت تليفون المهم انك بخير! 
_ ماهو مش ده بس اللي حصل..!
وواصلت وهي تشير لحذائها: كعب جزمتي اليمين اتكسر هو كمان ورجلي اتلويت ووجعاني وأنا افتكرتكم هتمشوا وتسيبوني من غير ما تاخدوا بالكم اني مش موجودة.. وخوفت لما لقيت المكان بقى فاضي حواليا ومافيش حد استنجد بيه..! 

+


سرد مشاعر خوفها وبكائها هز قلبه.. فهمس ليطمئنها: متخافيش أنا كنت هلاحظ غيابك وكنت هدور عليكي! وواصل: يلا تعالي اسندي عليا لحد ما نطلع برة وبطلي عياط مش مستاهلة! 
همهمت باعتراض: أنا قلت ماليش في الجزم اللي بكعب.. بس جوري فضلت تزن عليا عشان البسها وادي النتيجة! 
ضحك ضحكة قصيرة لعبوسها الطفولي وقال متهكمًا: انتي ولا الجزم نافعة ولا الكوتشات بتستر معاكي.. في الحالتين بتقعي وتعملي كوارث! 
هتف بحنق: بتتريق عليا وانا في الموقف ده؟
قاوم ابتسامته حتى لا يزيد حنقها: لا طبعا وأنا اقدر اتريق.. يلا بقى حطي إيدك على دراعي خلينا نخرج عشان هيقلقوا عليكي! 
نظرت لساعده المبسوط أمامها وشعرت بالحرج فهمست: لأ نادي اخويا ياسين يجي يسندني! 

+


رغم إدراكه لخجلها أصر: مش مستاهلة أنادي حد.. أمسكي فيا وكلها خطوتين وهنطلع برة.. !
ظلت على ترددها.. فاستطرد بإلحاح: يلا ياعطر كنا زمانا طلعنا برة.. يلا..! 

+



        
          

                
مدت كفها بتردد وهو يراقب ترددها بصمت حتى تشبثت به.. فابتسم وخطى على خطاها الحَذر ثم تسائل: هي رجلك وجعاكي أوي؟
_ لما بدوس عليها بحس بألم..بس تيتة عندها مرهم حلو إن شاء الله يريحني"
تمتم برقة: ألف سلامة عليكي.. لو بكرة مافيش تحسن هحجزلك عن دكتور كويس و... ..
قاطعته: لا مافيش داعي.. ده مجرد جزع وهيخف بالمرهم إن شاء الله! 
ابتسم وشاكسها: طول عمرك بتكرهي زيارة الدكاترة! 
واستطرد: عمومًا هنشوف بكرة.. لو محتاجة طبيب ساعتها هنتصرف!
أومأت له وهي تسير بحرص محاولة إخفاء ألمها حتى وصلا معًا للخارج، واستقبلهما والديها وياسين بفزع فطمأنهم يزيد أنها بخير..ورحلت معهم واستقل بعدها سيارته عائدًا لمنزله المستقل!
------------------------------
أطلت من شرفتها بعد نوم مهند فلمحتها تجلس شاردة بزاوية ما بالحديقة، استشفت بها حزنًا وتأكد ظنها أن هناك ما حدث بينها هي وظافر.. فعزمت على الهبوط لها ربما تهون عليها الأمر..! 
......... 
_الجميل قاعد لوحده ليه؟
ابتسمت بلقيس: معرفتش انام فقلت اتمشى هنا شوية، وانتي؟
_ أنا نيمت مهند وبعدها لمحتك واقفة لوحدك فقلت اجي اغلس عليكي! 
_ماتقوليش كده بالعكس مبسوطة انك نزلتي! 
تمعنت بوجهها ورغم هدوئها نبرتها تحوي حزنًا فتسائلت: 
_في حاجة مضايقاكى يابلقيس؟
نفت بإيماءة: ابدا يازمزم مافيش!
همست الأخيرة: هو احنا اصحاب ولا بنات عم وبس؟..
_وايه الفرق؟
_الفرق كبير..بنات عم يعنى يبقي في بنا حدود وأسرار..لكن لو أصحاب هنحكى لبعض اللي جوانا بحرية وسرنا هيكون واحد..!
شردت حدقتي بلقيس وهي تفكر في منطق زمزم.. لما لا تعتبرها رفيقة حقيقية وتشاركها كل شيء؟ هي تحتاج من يملأ هذا الفراغ داخلها..! قررت أن تعطي زمزم تلك المكانة.. هي بالأساس ترتاح إليها بشكلٍ خاص.. التفتت تحدثها: يعني ممكن يكون في بنا أسرار محدش غيرنا يعرفها؟

+


أومأت بتأكيد: طبعا..يعنى انا ممكن اقولك حاجات حتى ماما مش هتعرفها وواثقة انك هتصونى سري..وواصلت ببعض الغموض: حاجات كتير اوى جوايا يابلقيس نفسي احكيها..بس مش عارفة لمين..عايزة اتكلم كأنى بتكلم مع نفسى.. وأنا وانتي اكيد هنفهم بعض أكتر من اي حد تاني!

+


حدجتها بلقيس بنظرة متمعنة مستشعرة الكثير من خباياها..مازالت تذكر ما سردته لها في الزيارة الأولى عن معاناتها بعد وفاة زوجها..هى أيضا عانت تجربة أليمة..وربما هما متشابهان من زاوية ما..لما لا تجرب هذا الإحساس وتشاركها كل شيء.. زمزم رفيقة لن تخونها او تحقد عليها..!

+


همست بعد قصير: موافقة يازمزم اننا نكون أصحاب مش بس بنات عم.. أوعدك اني مش هخبي عنك اي حاجة..!
انشرح وجه الأخيرة مهللة: بجد؟ يعنى انا انتى مش هنخبى حاجة عن بعض ابدا؟
_لأ..انا كمان جوايا حاجات كتير نفسي اقولها..بس ماينفعش بابا وماما أو ظافر يعرفوها..!
أمسكت الأخرى كفها وقالت بحنان: انا اهو معاكى فضفضي ومتخافيش كأنك بتكلمى نفسك..ويلا نبتدى من اخر حاجة! 
_بلقيس بتسائل: اخر حاجة اللي هي ايه؟
_لما جيت اخدك عشان نمشي حسيت كان في توتر بينك وبين ظافر، وانك هربتي منه..وهو كمان مكانش عايزك تمشى بس اتحرج يكلمك قدامى..حسيته عايز يشدك ويرجعك تانى جمبه..بس انتي ما سبتيش اى فرصة!

+



        
          

                
تنهدت بحزن ثم همست: مش عارفة اقولك ايه.. ده مش مجرد زعل يازمزم! 
_بصي احكيلي حصل ايه وبعدها نحدد طبيعة الموضوع! 

+


أومأت لها وهي تمتم: ظافر قالي انه هيسافر لبنان بعد العيد بكام يوم عشان يشارك في مسابقة هيمثل فيها مصر.. وانا لما قالي كده حسيت اني اتخنقت لأنه هيبعد عنى..واما اقترحت عليه اسافر معاه رده عليا كان جاف وقاسي، حسيته مش عايزنى معاه..كأنه ماهيصدق يرتاح منى يازمزم!

+


وعند تلك النقطة لم تستطع إيقاف دموعها وبكت، فتلقفتها زمزم بين ذراعيها رابتة على ظهرها ملتزمة الصمت تاركة اياها تفرغ ما بها حتى تهدأ.. وبعد لخطات من البكاء رفعت بلقيس وجهها الذي ابتل بالعبرات هامسة بوجع: أنا خايفة اكون عبء تقيل عليه وانه يكون خطبنى شفقة.. ده أصلا إحساسي وزاد الظن ده جوايا بعد رده عليا..!

+


زمزم بدهشة حقيقية: شفقة؟ ازاي؟ وليه هيعمل كده؟

+


_لأن أما اتخطبنا انا كنت لسه تعبانة نفسيا و متعلقة بيه جدًا لدرجة ان استجابتى لاي حاجة كانت معاه هو بس..وأكيد خطبنى من باب الشفقة او الشهامة عشان يساعدنى أتعافى وارجع طبيعية تانى!

+


هزت برأسها تنفى بالقطع: لا مستحيل..كل اللي حواليكم شاهد على اهتمامه بيكى ونظراته اللي فيها حب مش شفقة زي ما بتقولي! 

+


بلقيس بنبرة مغموسة بالبكاء: ده ظنكم انتم.. انا بكلمك عن احساسي..اهتمامه بيا مش دليل كافي انه بيخبني..ظافر شهم يا زمزم انا متأكدة انه بطبيعته عطوف على اي حد..مابالك لو حد تعبان ومحتاج مساعدته؟!

+


وصمتت وعيناها تعصف بحزن أكثر عمقا كنبرتها وهى تغمغم بكسرة: ظافر لحد دلوقت ماقاليش كلمة "بحبك"..ولا مرة قالها.. حتى كلمة وحشتينى بلهفة ماسمعتهاش منه..بيعاملنى بحدود وتحفظ غريب..في حاجة ناقصة بنا..في حدود من ناحيته مش فاهماها.. أنا بظهر مشاعري أكتر منه بكتير..! 

+


_انا مش مقتنعة ابدا بالكلام ده..مافيش حد بيخطب واحدة شفقة يا بلقيس..وبعدين معلش يعنى ده انتى يتمناكى شباب البلد كلها..انتى بتخطفى نظر اي حد حواليكي من جمالك..ده غير عيلتك الكبيرة وأصلك الطيب وتعليمك واخلاقك..قوليلى ازاي ظافر مش هيحبك؟
_جمالي ممكن يجذبه فترة لكن عمره مايكون سبب انه يحبني بجد..!
واستدارت عنها تطالع الأفق بنظرة مبهمة وهي تغمغم: 
_ بالظبط زي ما انا ماحبتش يزيد يا زمزم رغم انه كان فيه كل الصفات الأساسية اللي تخليني احبه!

+


هتفت الأخيرة بذهول: يزيد؟!

+


_أيوة يزيد..!
يزيد اللي حبنى من قلبه وانا مقدرتش احس بيه أو اديله أي حاجة..غصب عنى وبحماقة استهانت بمشاعره وجرحته حتى لو دون قصد بس في النهاية جرحته وسببتله ألم كبير..وحاسة انه بيتردلى دلوقت نفس الألم ده مع ظافر اللي بحبه بجنون وهو مش قادرة احس انه بيحبني.. الأدوار اتبدلت.. وعرفت ازاي يزيد كان بيتعذب.. بالظبط زي حالي دلوقت! 
والتفتت إليها ثانيًا مواصلة: ده ذنب يزيد يا زمزم..ربنا بيعاقبني عشانه..!

+



        
          

                
آلمها تعذيبها لروحها بهذا الشكل الخاطيء.. فدنت منها وأمسكت ذراعيها لتواجها بقوة هاتفة بحزم: 

+


_ انتى تفكيرك كله غلط وقاسية جدًا على نفسك يابلقيس.. ازاي تحاسبى قلبك انه ماحبش يزيد وحب غيروا؟ القلب ده بوصلة محدش يقدر يحدد وجهتها..ااقلب مافيش عليه سلطان.. ومش معنى انم مش حبيتي يزيد انك ظلمتيه.. بالعكس.. انتي خدمتيه.. لأنه معاكي كان هيتحرم من حب حقيقي هيحتاجه ومش هيلاقيه عندك..لكن دلوقت مسير ربنا يرزقه بواحده تعوضه زي نا ربنا عوضك بظافر.. خليكى رحيمة بنفسك انتى تعبتى واتعذبتى كتير وعيشتي تجربة صعبة ومع كده كنتي قوية وعديتي منها..! وكل اللي في دماغك ده وساوس شيطان رچيم عايز ينكد عليكى ويضيع سعادتك.. اوعى تديه فرصة.. وظافر أنا متأكدة انه بيحبك.. لو كنتي شوفت حزن عيونه وانتي ماشية معايا كنتي فهمتي.. ولو تعصب عليكي ده عادي يحصل ممكن يكون مضغوط من أمور تانية وجت فيكي أنتي وأكيد هو هيصالحك ووقتها هتحسي بكلامي ده! 

+


عانقتها بلقيس بقوة مغمغمة: احسن حاجة عملتها اني اتكلمت معاكي.. كلامنا ريحنى جدا وشال الهم من قلبي..شكرا يا زوما
ربتت علي ظهرها وقالت مبتسمة: 
_مافيش شكر بين الاخوات يابلقيس واي وقت محتاحة تتكلمى انا موجودة! 
أومأت وهي تعود لتطالعها متسائلة: 
_طب وانتى؟ مش هتقولى اللي في قلبك؟
_طبعا..بس خلينا بكره لأن دلوقت خلاص هنام منك في الجونينة على رأي عابد.

+


بلقيس بمكر: اممم وعلى ذكر عابد..اللى حابة تتكلمى فيه يخصه مش كده؟
تلحلجت وقالت: عابد؟؟ 
ابتسمت هامسة: مش اتفقنا مش هنخبى حاجة عن بعض؟
خيم بعض الهدوء بينهما وبلقيس تنتظرها.. فهتفت الأولى بحيرة: والله ماعارفة اقولك ايه..انا نفسي مش قادرة افهم حاجة..حاسة بلخبطة وخوف وتأنيب ضمير
_طب نبتدي من الأخر..ليه حاسة بتأنيب ضمير؟
_كل اما تفكيرى ياخدنى ناحية عابد وغصب عنى انبهر بيه وانجذبله..افتكر زوجى وعهدى بينى وبين نفسي انى محدش يشغلنى بعده!
_بس ده ظلم يازمزم..انتى لسه في عز شبابك ومالحقتيش تعيشى مع جوزك الله يرحمه..من حقك تخوضى تجربة تانية..وزياد هيفضل ابو ابنك واسمه مش هينمحى..لكن انتى انسانة ليها قلب ومشاعر ورغبات ليه تكبتيها..وكمان لما يكون الطرف التانى واحد زي عابد تبقى غلطانة لو اترددتى لحظة ناحيته أو فكرتي تمنعي قلبك يحس بيه! 

+


_ الموضوع مش البساطة دي يابلقيس.. أنا خاسة بصراع جوايا كأني مقسومة نصين.. نص بيقاومه.. والتاني بيشتاقله.. بحاول اتجاهله بس بفشل..جاذبني بشكل مخوفني ومش قادرة اصده! 
_الصراع ده طبيعي لأن قلبك ماكانش خالي..بس أنا واثقة ان عابد اجمل تعويض ليكي..أوعي تضيعيه..!
هتفت باستنكار: 
_اضيع ايه يا بنتى محسسانى ان خلاص الأمور بقيت واضحة وعابد مثلا يعني خطبني..ده انا بقولك مجرد افكار وأحاسيس كده عمالة تحاوطني..لكن انا مش عايزة حد يشغلنى عن ابنى يابلقيس..مهند هو كل حياتى ومش هقدر اتخيل انه يتأذي من حد عشان انا اعيش حياتى!
_لو اى حد غير عابد اقولك ماشي..لكن ابن عمى ده ملاك وجدع ومافيش زيه في حنيته.. وانا شايفة ازاي بيموت في مهند وبيحبه.. تنكري حبه الواضح لمهند؟
_لأ.. مقدرش انكر..! 
_ يبقي خايفة من ايه.. سيلي كل حاجة تمشي بهدوء واتأكدي من نفسك مع الوقت ولو جت اللحظة اللي يقدملك فيها مشاعره اوعي تهدريها.. في خاجلت مش هتتكرر في حياتنا مرهين يا زمزم.. وانتي من حقك تعيشي وتفرحي..!
وواصلت: أنا لسه فاكرة كلامك عن حوزك الله يرحمه في أول زيارة منك..لسه فاكرة صوتك الحزين.. انتي كمان اتعذبتي وربنا بيقدملك فرصة تانية.. وعابد ده أجمل هدية ممكن تكون من نصيبك! 

+


رفعت حاجبيها بدهشة: ياه.. للدرجة دي متحمسة لعابد؟ طب ويزيد؟
ابتسمت وقالت: حتى يزيد يازمزم.. إنسان رائع والله.. وجوري بنت عمنا المجنونة بردو طيوبة جدا..كنت بحس بيها اما كنت تعبانة وهى بتزورنى وتقعد معايا وتكلمنى ووصلنى حزنها وزعلها عليا..رغم ان علاقتنا الأول كانت مش قوية ومقدرش الومها.. طبيعي كانت تاخد منى موقف عشان اخوها.. لكن وقت الجد بانت..!
واستطردت بعد تنهيدة: صدق اللي قال.. "أهلك لتهلك"..الأهل دول هما السند بعد ربنا يا زمزم.. واحلي حصلت بعد محنتي اني قربت منهم وفهمتهم اكتر.. ومتأكدة مافيش واحدة فينا ممكن تتأذي طول ما احنا في ضهر بعض! 

+


زمزم بمزاح: سيدي ياسيدي بقيتي تقولي حكم يا بنت.. اللي يشوفك دلوقت مايشوفش دموعك من شوية! 
ضحكت الأولى: بركات الفضفضة يا زوما..!

+


تثائبت وقالت: طب الحمد لله ان مزاجك اتحسن وكفاية رغى بقى احسن والله فصلت وهقع منك وهنام في الجنينة ..وبعدين بكرة يومنا طويل وشاق ولازم نرتاح ساعتين! 
_اشمعنى..همعمل ايه يعنى؟
_هو أنا ماقولتلكيش؟
_أبدًا يا روحي! 
هتفت بحماس وزال أثر النعاس: شوفي ياستي.. بكرة بأمر اللن همعمل مسابقة لمخبوزات العيد من تنظيمى المرة دي هتكون مسابقة حريمي..ما هو مش عابد بس اللي بيعرف يعملكم مفاجأت واحتفالات بنت عمك مش قليلم! 

+


انتقل الحماس لبلقيس فهتفت: بجد؟ شكلك داخلة بتقلك..طب بالنسبة لواحدة زي اخرها بسكوت هتعمل ايه وسطيكم؟
_ماتقلقيش انا مجهزة مقادير بسيطة جدا ومش متعبة..انا وانتى وجوري وعطر هناخد نفس المقادير ونشتغل..وماما وطنط كريمة ومامتك وطنط فدوة هيعملوا بطريقتهم دول أساتذة..والشباب وبابا عمو ادهم وعمو ناجى وباباكى..هيدوقو ويحكموا..!
_الله انا اتحمست من دلوقت..عشان ظافر ياخد معاه من اللي هعمله وهو .....
وتذكرت قصة سفره فهمست بحزن: وهو مسافر..!
نكزت وجنتها برفق: هنرجع نزعل تانى ولا ايه..انسى حكاية السفر دلوقت وركزى بكرة وإلا خطيبك هيعرف انك فاشلة..وده شيف يعنى شكلك هيبقى وحش اوي قدامه!
_ لا طبعا هتشوفى هعمل ايه.. هبهره!
_هنشوف..يلا بقى تصبحى على خير واحلام سعيدة يا جميلة المنصورة على رأي بابا
ابتسمت بلقيس هاتفة: لتانى مرة بقولك شكرا لانك هونتى عليا ضيقتى وغيرتى مودى بجد يا زوما
شاكستها: اي خدمة وعدى الجمايل بقى..يلا في رعاية الله ياقلبى!
________________

+


صعدت غرفتها بإنهاك شديد تريد ان تستلقى على فراشها قبل ان تسقط من كثرة النعاس..وتفقدت هاتفها المتروك جوار فراشها فوجدت بطاريته فارغة تمامًا..فوضعته ليتم شحنه وابدلت ملابسها واستلقت على منتظرة دقائق لتعيد تشغيله لعل ظافر يحدثها..لكن سلطان النوم ارخى أستاره عليها فأسدلت عيناها وغطت في نوم عميق حتى الصباح!
غافلة عن ذاك الذي يتقلى على جمر انتظار تشغيل هاتفها..! 

+

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close