اخر الروايات

رواية جمر الجليد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شروق مصطفي

رواية جمر الجليد الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شروق مصطفي


عندما عاد عاصم من شروده على صوت إغلاق باب السيارة بعنف، أدرك أنهم قد وصلوا أخيرًا إلى المنزل الذي تقطن فيه العائلة المنكوبة. نزل من السيارة بتثاقل، يتبعه معتز الذي رمقه بنظرة ساخرة قائلاً:
"صحي النوم، لسه بدري!"

رد عاصم بنبرة تنم عن إرهاق شديد:
"مش فايقلك... يلا بينا نطلع نشوفهم."

تنهد معتز بحزن واضح، وهز رأسه قائلاً:
"يلا بينا."

صعدا معًا إلى الطابق الذي يقطن فيه أهل الفاجعة. كانت الأجواء ثقيلة والكآبة تخيم على المكان. الباب مفتوح، وصوت القرآن الكريم يصدح بهدوء عميق، يبعث شعورًا مزيجًا بين الرهبة والتعزية. طرق عاصم الباب عدة مرات بخفة، حتى أطلت مي من الداخل وفتحت لهم الباب. بدت شاحبة، لكنها قالت بهدوء يشوبه التعب:
"اتفضلوا، ادخلوا."

دخلا إلى الصالة الخارجية وجلسا بصمت لبعض الوقت، قبل أن يسأل عاصم بسرعة، وقد بدا القلق على وجهه:
"وليد فين؟"

أشارت مي بيدها نحو الداخل وقالت:
"دخل يغسل وشه في التواليت."

نظر معتز إليها، وسألها بنبرة قلقة:
"إنتوا عاملين إيه دلوقتي؟"

تنهدت مي تنهيدة طويلة تحمل في طياتها كل الألم وقالت:
"زي ما إحنا... سيلا نايمة، أو بتحاول تهرب من اللي حصل بالنوم."

ثم صمتت لوهلة، قبل أن تتابع بصوت مرتجف بالكاد يُسمع:
"وهمسة... مش بتتكلم، ولا حتى بتعيط. خايفة عليها أوي."

تبادل عاصم ومعتز نظرات مليئة بالأسى والقلق، صمت ثقيل حل بينهما وكأن الكلمات باتت عاجزة عن وصف ما يجول في خاطريهما.

قطع عاصم الصمت فجأة ووجّه سؤاله لمي بنبرة حادة:
"أنا مش شايف حد من أهلهم جا. محدش بلغهم باللي حصل ولا إيه؟"

أجابت مي بأسف وحزن بالغين:
"للأسف... مالهمش حد غير ربنا دلوقتي."

نظر كلاهما إليها بذهول. أراد عاصم أن يقول شيئًا، لكن صوته انقطع فجأة مع دخول بعض الجيران الذين جاؤوا لتأدية واجب العزاء بعد أن علموا بالخبر الفاجع.

ابتسمت مي بمرارة وهي ترحب بهم قائلة:
"اتفضلوا هنا."

ثم أشارت لهم إلى غرفة مجاورة قائلة:
"استريحوا هنا، هجيبلكم حاجة تشربوها."

دخل الجيران الغرفة، وجلسوا بصمت، بينما انشغلت مي بتقديم الضيافة. الجو العام كان ثقيلًا ومفعمًا بالحزن، وكأن الجميع قد شعر بثقل الكارثة التي حلّت بهذه العائلة الصغيرة.

جلس وليد بجانب عاصم ومعتز، مستفسرًا بصوت مثقل بالقلق:
"عملتوا إيه؟"

أجابه معتز وهو يشيح بنظره بعيدًا وكأنه يحاول كتم حزنه:
"خلصنا... أخذنا تصريح الدفن ودفناهم على صلاة الظهر."

كان في صوت معتز نبرة تعب وألم. عاصم بدوره لم يستطع كتمان قلقه، فوجه نظره إلى ابن عمه وسأله بصوت خافت يعكس الإرهاق الذي يثقل كاهله:
"حصل معاك إيه هناك؟ رحتوا المستشفى ليه؟"

تنهد وليد بعمق، وكأنه يحاول ترتيب أفكاره قبل أن يتحدث. أخذ نفسًا طويلاً ثم أخرجه ببطء، وبدأ في سرد ما حدث. قال بصوت يحمل مزيجًا من الحزن والاضطراب:
"الدكتور قال إنها فاقدة للنطق بسبب صدمة نفسية شديدة. جايز تكون فاهمة اللي بيحصل حواليها، لكن مش قادرة تواجهه. فاختارت عدم الكلام كطريقة للهروب أو لإنكار الموقف كله."

ساد الصمت للحظات، وكأن الكلمات أثقلت المكان بحزنها. حاول عاصم أن يخفف من وطأة المشهد، لكنه لم يجد كلمات كافية، فاكتفى بالنظر إلى وليد، يتأمل عمق الألم في عينيه، وكأن الحديث الذي دار للتو جعل المشاعر أعمق من أن تُقال.

عادت والدة مي، نبيلة، مساءً من السفر بعد اتصال مستعجل من ابنتها فور وصولهم إلى المنزل، تُخبرها بضرورة حضورها لتكون إلى جانبها، فقد أصبحت بحاجة ماسّة إليها.

عندما دخلت نبيلة إلى المنزل، هرعت مي إليها دون تردد. أغلقت ذراعيها حول والدتها وانهارت في حضنها، تاركة دموعها تسيل بلا توقف، كأنها وجدت أخيرًا ملاذًا يخفف من ثقل ما رأته وعاشته. شهقت مي وسط بكائها، تشكو بحزن عميق:
"ما تسبنيش لوحدي تاني... خليكي جنبي... أنا خايفة... خايفة أوي..."

ربّتت والدتها على رأسها بحنان، وعانقتها بقوة كأنها تحاول بث الطمأنينة داخلها. قالت لها بصوت يحمل كل دفء الأمومة:
"مالك يا ضنايا؟ إيه اللي تعبك؟ قوليلي يا بنتي، حقك عليا، أنا هنا، مش هسيبك تاني أبدًا."

لكن مي لم تستطع الرد، وظلت تتمسك بوالدتها بقوة، كأنها تخشى أن تبتعد عنها ولو للحظة.

حاولت نبيلة التخفيف عنها وهي تقول:
"أنا جنبك، مش هسيبك. اهدي يا حبيبتي، خليني أفهم منك الأول."

بعد فترة من البكاء والاحتضان، خرجت مي من أحضان والدتها، وعيناها تلمعان بدموع غزيرة. نظرت إلى والدتها وقالت بصوت مكسور:
"وحشتيني أوي يا ماما."

ابتسمت نبيلة بحزن وهي تمسك وجنتي ابنتها وتقبلها:
"وإنتِ كمان يا عين ماما... كل ده عشان كده؟ بطلي دراما بقى وقوليلي، مين دول؟" وأشارت إلى الثلاثة رجال الجالسين في الغرفة.

مسحت مي دموعها بكفها كالطفلة وقالت بخجل:
"ده واحد منهم خطيب همسة... نسيتِ ولا إيه؟ والباقي ولاد عمه، منهم واحد ظابط اللي..."

قاطعتها والدتها سريعًا وهي تلوّح بيدها:
"آه، صح افتكرت. طيب، أنا هروح أشوف البنات، وإنتِ قومي حضّري لهم حاجة يشربوها."

ردّت مي بصوت تعب وإرهاق:
"حاضر... تعالي أوصلك الأول."

لم يلاحظا أن حديثهما هذا كان يُراقب بصمت من معتز، الذي كان ينظر إلى مي بنظرات تحمل ألمًا وحسرة. كان قلبه يعتصر لرؤيتها خائفة هكذا، متمنّيًا لو كان هو الملاذ الذي تجد فيه أمانها بدلاً من الخوف الذي سبّبه لها سابقًا.

أخذت نبيلة ابنتها إلى غرفة همسة، على أمل أن تكون أقرب لها فتساعدها على كسر صمتها والخروج من حالتها.

في الخارج، تحدث عاصم بصوت متعب:
"هنعمل إيه دلوقتي؟ الوقت اتأخر."

أيده وليد وهو ينظر إلى ساعته:
"فعلاً، يلا بينا. أكيد هما محتاجين يرتاحوا بعد اليوم الطويل ده."

وقف عاصم مؤيدًا كلامه، لكن معتز ظل جالسًا مكانه، وكأنه في عالم آخر، غير منتبه لما يحدث حوله. اضطر عاصم إلى التدخل، فهزّه قائلاً بحدة ممزوجة بالمرح:
"يا بني، قوم بقى! يلا نمشي، إيه التناحة دي؟"

نهض معتز أخيرًا على مضض، وتحرك الثلاثة نحو باب المنزل، تاركين خلفهم ذكريات يوم مليء بالألم والإنهاك.

أفاق معتز من شروده على صوت أخيه عاصم، الذي كان ينظر إليه بنفاد صبر وقال:
"ها، بتقولوا إيه؟"

نظر عاصم إلى معتز وواصل بحدة:
"يلا يا عم، إنت جاي تحب وتسرح هنا؟ وقتك ده أصله!"

تردد وليد قليلاً، وكأنه يبحث عن ذريعة للبقاء، ثم قال:
"طيب نستنى شوية، نسألهم الأول لو محتاجين حاجة!"

تنهد عاصم، ثم جلس مرة أخرى على الكرسي وقال:
"ماشي، هنستنى مي تخرج ونسألها، وبعدها نمشي. تمام؟"

انفرجت أسارير معتز قليلاً، فقد كان يريد فرصة أخيرة للاطمئنان عليها قبل الرحيل.

في هذه الأثناء، تقدمت نحوهم مي وقالت بلطف:
"تشربوا قهوة؟"

رد معتز بسرعة وكأنه تايه في ملامحها الحزينة التي زادت عينيها بريقاً:
"ياريت..."

لكنه لم يكن يريد القهوة بقدر ما كان يريد البقاء لدقائق أخرى لرؤيتها.

نهض عاصم فجأة، وسحب معتز من يده قائلاً:
"لا، تسلم إيديك. إحنا هنمشي. كفاية كده. نسيبكم ترتاحوا، وبكرة نعدي عليكم. محتاجين حاجة؟"

هزت مي رأسها بالنفي مع ابتسامة ضعيفة بالكاد وصلت إلى شفتيها وقالت:
"لا شكراً، تعبناكم معانا طول اليوم. تنورونا أي وقت."

توقف وليد قبل المغادرة وسأل بقلق:
"همسة... لسه مفيش جديد؟"

تنهدت مي وقالت بأسى:
"للأسف، لسه مش بتتكلم. وكمان سيلا نايمة ومفقتش من الصبح. يمكن بتهرب بالنوم. أنا خايفة عليهم أوي."

حاول وليد أن يطمئنها قائلاً:
"النهارده كان يوم صعب عليهم. خليكي جنبهم، وبكرة إن شاء الله نكون موجودين. مش هنسيبهم غير لما الأزمة دي تعدي على خير."

هزت مي رأسها بحزن وهمست:
"خير إن شاء الله... يارب."

غادروا وهم يلقون السلام عليها، فردت بابتسامة باهتة، ثم أغلقت الباب خلفهم بهدوء.

عادت إلى الداخل، تاركة والدتها مع همسة، ثم دخلت إلى غرفة سيلا. تسطحت بجانبها، واحتضنتها بحنان. نظرت إلى وجهها الشاحب الذي اكتسى بالحزن، ثم أغمضت عينيها وغطت في النوم بجانبها، منهكة من أحداث اليوم الطويل.
---

في الخارج، كان عاصم يوبخ معتز قائلاً:
"والله ما عندك ذرة دم واحدة! قلنا هنستنى شوية ونسألها، وانت قاعد مبلم! كمان تقول ياريت قهوة؟ مش شايفها مش قادرة توقف؟!"

رد معتز بنبرة هادئة كأنه غير مهتم بالتوبيخ:
"بصراحة، كنت عاوز فنجان قهوة تاني من إيديها. أول واحد شربته دخل مزاجي، وكنت عاوز أختم بيه يومي. فيها إيه يعني؟"
بقلم شروق مصطفى جمر الجليد
اغتاظ عاصم وزفر بغضب:
"البعيد مش بيحس! مش شايفها مش قادرة تفتح عنيها أصلاً؟ وإنت تقول عاوز تختم بيه كمان؟! إحنا في إيه ولا في إيه يا بني آدم!"

تدخل وليد ليفصل بينهما وقال بابتسامة صغيرة:
"خلاص يا عاصم، سيبك منه. عارف أخوك تافه، مش هتخلص منه. بقولكم إيه، أنا همشي أسبقكم. يلا سلام، أشوفكم هناك."

ركب وليد سيارته وانطلق، تاركاً عاصم ومعتز يتشاجران.

نظر عاصم إلى معتز بسخرية وقال:
"يلا يا بتاع المزاج، سوق خلينا نروح نرتاح شوية."

قاد معتز السيارة، ولحقا بوليد حتى وصلوا جميعاً إلى المنزل. توجه كل منهم إلى غرفته الخاصة، وخلدوا إلى النوم، لكن الحزن ظل جاثماً

كانت سيلا تتوسط بساتين غنّاء، محاطة بزهور تفوح بأروع العطور وأشجار مثقلة بفواكه غريبة ذات مذاق لا يُقاوَم. الأطفال كانوا يمرحون بجانب مياه عذبة تتلألأ تحت أشعة الشمس، بينما يلهو شاب يشع وجهه نورًا مع فتاة ذات جمال ملائكي ترتدي فستانًا أبيض واسعًا كأنها إحدى حوريات الجنة. كانا يضحكان ويلعبان مع الأطفال، يملأ المكان فرحًا وسعادة.

لكن فجأة توقفا عن اللعب والتفتا للخلف، كأنهما ينتظران أحدًا. ابتسم الشاب ابتسامة صافية ومد يده قائلاً بحنان:
"سيلا، تعالي... وحشتيني."

كانت سيلا تقف على مسافة، غير مصدقة ما تراه. اقتربت ببطء، عيناها متسعتان من الدهشة، ولمست وجنتيه بخوف كأنها تخشى أن يختفي. قالت باندهاش وهي تتفحص ملامحه:
"بابا؟... إنت بجد؟"

ابتسم لها الشاب، ثم ردت الفتاة بجانبه بصوت دافئ وابتسامة هادئة:
"سيلا، حبيبة ماما، تعالي في حضني."

احتضنها الاثنان بحب ودفء، وبدأت الأم تهمس لها بحنان وهي تلمس وجنتيها بلطف:
"خلي بالك من نفسك يا قلبي... إحنا هنفضل حواليكي في كل مكان. خلي بالك من أختك همسة، وماتزعلنيش منك تاني، يا روحي."

لكن بعد لحظات، بدأ الاثنان يبتعدان عنها ببطء، محاولين أن يفلتوا من عناقها، بينما هي تتمسك بهما بقوة. صرخت بصوت مفعم بالرجاء:
"لا، لا... ماتسبونيش لوحدي! خليكوا معايا شوية، محتجاكم أوي... ملحقتش أشبع منكم!"

ابتسم الوالدان بحب وحنان وهما يبتعدان، والأب يكرر بصوت مطمئن:
"خلي بالك من همسة، همسة يا سيلا... خلي بالك منها."

بكت سيلا بحرقة، تركض للأمام في محاولة للحاق بهما، لكن كلما اقتربت منهما ابتعدا أكثر، كأنهما يتلاشيان تدريجيًا. استمرت في الصراخ:
"ماما! بابا! لا... ماتمشوش! خدوني معاكم... عايزة أعيش معاكم هنا!"

لكن الوالدين لم يتوقفا، وظلا ينسحبان للخلف، يداً بيد، حتى اختفيا تمامًا بين بساتين الجنة، تاركين سيلا وحيدة.

توقفت سيلا في مكانها، تنظر حولها بيأس، تبحث عن أي أثر لهما، لكن لم تجد أحدًا. سقطت على ركبتيها ودموعها تنهمر بغزارة، تردد بصوت مخنوق:
"ماما... بابا... ماتسبونيش..."

وظلت تناديهما، صوتها يملأ الفراغ من حولها، لكن دون جدوى.
بقلم شروق مصطفى
استفاقت سيلا من حلمها المثقل بالذكريات، وقلبها يعتصر ألماً. فتحت عينيها المنتفختين من أثر البكاء الذي أثقل جفونها منذ الأمس. جلست ببطء، وضمت ركبتيها إلى صدرها، ودفنت رأسها بين قدميها وهي تعانق نفسها بحزن شديد. أخذت تحدث نفسها بصوت متهدج، كأنها لا تزال تحاول تصديق ما حدث:
"كده تسبوني لوحدي؟! أعمل إيه دلوقتي؟ أقضي حياتي وحيدة من غيركم إزاي؟"

توالت الأفكار داخل رأسها، ذكرياتهم، أصواتهم، لمساتهم، كل شيء بدا بعيداً وكأنه لم يكن سوى حلم. شعرت بمرارة الفقدان تعتصر قلبها، ولم تستطع أن تمنع نفسها من الانهيار مرة أخرى.
انفجرت بالبكاء، صوتها مكتوم داخل الغرفة التي غلفها الصمت.

فجأة، شعرت بيد دافئة تربت على كتفها. رفعت رأسها ببطء، وقد غيمت دموعها على الرؤية، محاولة تبين من يواسيها. كانت مي، رفيقة دربها وصديقتها الأقرب، التي دخلت الغرفة دون أن تشعر بها سيلا، وجلست بجانبها. احتضنتها مي بقوة، وكأنها تحاول أن تطوقها بكل الحنان الذي افتقدته، وقالت بحزن وعيناها تلمعان بالدموع:
"قلبي معاكي يا حبيبتي."

انهارت سيلا داخل أحضانها أكثر، كأن مي كانت طوق النجاة الوحيد في بحر أحزانها. تشبثت بها بشدة، كأنها تخشى أن تفقدها أيضاً.

بعد لحظات، أبعدتها مي قليلاً عن حضنها، لكنها أمسكت يديها بقوة تبث لها الثقة والأمان. نظرت في عينيها الرماديتين التي أطفأ الحزن بريقهما، وقالت بحزم ممزوج بحنان:
"سيلا، إنتي أقوى من كده... فوقي يا حبيبتي!"

كانت سيلا تستمع، لكنها بدت وكأنها في عالم آخر، غارقة في ألمها وغير قادرة على النهوض. أخذت تهز رأسها بالنفي ببطء، غير مصدقة أن لديها القوة للاستمرار.

شدت مي يديها أكثر وقالت بجدية أكبر:
"مفيش حاجة اسمها لا! أنا مش بس صديقتك، إحنا أكتر من إخوات، فاهمة؟ لازم تكوني قوية عشانك، طيب... حتى لو مش عشانك، عشان همسة! همسة يا سيلا محتجاكي أوي. فقدت النطق، وانتي العلاج الوحيد ليها. لو انتي وقعتي، هي كمان هتقع. انتو لازم تقووا بعض."

تنهدت مي وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تكمل:
"حبيبتي، أنا مش بقولك متزعليش، أكيد إحنا كلنا زعلانين ومقهورين، مفيش أغلى منهم. بس الحزن لوحده مش هيغير حاجة. دي إرادة ربنا، وسنة الحياة. ناس بتموت وناس بتتولد، الحياة بتكمل، واللي بيفضل هو اللي في قلوبنا. بس همسة محتجاكي يا سيلا. لو انتي وقعت، هي كمان مش هتقدر تكمل."

توقفت سيلا عن البكاء فجأة، وكأن كلمات مي اخترقت جدار حزنها السميك. بدأت تعيد كلمات مي في رأسها مراراً:
"همسة محتجاكي... فاقدة النطق... لو وقعتي، هي كمان هتقع... خلي بالك من همسة..."

ربطت بين كلمات مي والحلم الذي رأته. ظلت تردد داخلياً:
"خلي بالك من همسة... همسة يا سيلا... همسة محتاجاني..."

فجأة، تركت يدي مي، ورفعت رأسها بسرعة. نطقت بصوت متهدج، كأن الكلمة خرجت رغماً عنها:
"همسة!"


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close