رواية مذكرات حائر الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم هالة الشاعر
الحلقه الرابعه والعشرون
" الحقيــــــــــــــــــقة "
_لم يكن هناك الكثير ليقال بين امل وحسام لذلك عرض عليها عمل اتفاقية فهذا هو الحل للوضع القائم بينهم .
انسحبت من امامه واخذت تبكي بمرارة علي سريرها ألهذه الدرجة من الصعب عليه ان يعتبرها زوجه عاديه ؟ الطفل فقط هو كل ما يريده مني ! , يا الهي ما الذي عساي ان افعله هل اقبل ام ارفض ؟ لقد صرت مشوشة لدرجه انني لم اعد اعلم اين ذهب الحب الذي كنت اكنه له , لقد بت اكرهه والي متي سوف اتحمل هذا الوضع المقيت المهين .
نبض قلبي بحسرة وغصة رهيبة لقد كان هو اقصي حلم تمنيته في حياتي ونلته ولم انله في نفس الوقت " ليس كل ما يتمناه المرء يتحقق " حسنا سوف احقق جزء من الحلم اذا , عل وجود طفل في حياتي ابث له حبي وحناني يهدأ من نار قلبي , وعلي أي حال انا لا املك أي حل اخر .... .
خرجت بعد ان لملمت اشلاء روحها المبعثرة وادعت الجمود والقوة مرة اخري ونزلت عده سلالم وهي تمسك بالحافة وقالت بصوت هادئ " حسام " نظر لها وقد بدي علي وجهه القلق والتوتر " انا موافقة " وصعدت مرة اخري الي غرفتها ... .
انتقل حسام من غرفته واصبحوا الآن معا زوج وزوجه ولكن اسم وجسد فقط , فلا يوجد بينهم روح او حياة او .... حب .
_ اما عن محمد الذي عرف طوال عمرة بإصراره الرهيب , فلم يفعل أي شيء حاول عده مرات بإقناع ايه ان الصور حقيقية ولكنها منذ ايام عبثه ولكنها لا تثق به البته .
بلغ التوتر من سارا مبلغة وانتقل الي الاحلام لتصبح كوابيس تضج نومها وبدأ احمد يقلق عليها كثيرا ....
_ وفي يوم دلفت ل اداء صلاه الظهر بالاستراحة الموجودة بالشركة وبعد ان انهت صلاتها جلست علي كرسي وثير عابثة تفكر بالذنب الذي يؤرقها ليل نهار , دخل حينها محمد والقي عليها التحية وصلي الظهر وفي الركعة الثانية تقريبا تأملته سارا بحسد فهو يبدوا عليه ارتياح شديد وبعد ان انهي صلاته مسح وجهه بكفيه وقد كان يبدو بأفضل حال وشعرت بخزي شديد فهي تشعر بالذنب تجاه صلاتها منذ مدة , تشعر وكأنها انسان آلي لا تشعر بالآيات وانما تؤدي الحركات فقط .
جلس محمد لارتداء حذاءه " محمد " " ايوه يا سارا " " انت بتعمل كده ازاي ؟ " نظر لها ببلاهة " بعمل ايه ! " " يعني وانت بتصلي كنت مرتاح جدا وشكلك بعد الصلاة احسن بكتير " ونظرت للأرض بآسي , " بصراحة انا بقالي فترة حاسة اني مش مركزة ونفسي صلاتي تبقي احسن من كده " ابتسم وقال بهدوء " انتي مش مركزة معني كده ان في حاجه شغلاكي احكي لربنا هو الوحيد اللي هيسمعك وهو الوحيد اللي هيبعتلك الحل فقلبك هيرتاح وتركزي لما تصلي " واشار بيده الي السماء " ارمي حمولك عليه , جربي تاني كده " وابتسم وذهب .
وقفت سارا لأداء الصلاة مره اخري وعندما سجدت بكت وحكت ما بداخلها للمولي عز وجل وافضت كل ما في قلبها من قلق وخوف وعندما اكملت الصلاة كانت افضل حالا بالفعل لأنها اخرجت ما بداخلها وما يشغلها عن التركيز , وعندما انتهت من اداء الصلاة كانت اهدأ وابتسمت لنفسها منذ اكثر من عامين اخذت هي بيد محمد حينما ذهب لها واخبرها بأنه بعيد عن الله ويريد ان يتقرب منه واستمع الي كل نصائحها , واليوم هو من يأخذ بيدها الي الله واحتارت ايضا لما لا يبدو علي ايه السعادة معه ؟ ..... .
وبعد ساعة من التفكير وصفاء الذهن الذي اصبحت فيه قررت ان لا شيء في الوجود يستحق الشعور بتأنيب الضمير , سوف تخبر احمد بفعلتها ولكن ما احزنها حقا هي انها سوف تورط عبد الرحمن معها مرة اخري .... .
دلفت الي مكتب عبد الرحمن وقالت بوجوم " ابيه ممكن عشر دقايق " " اتفضلي يا سارا " جلست امامة وهي تنظر للأرض , ترك ما بيده وجلس امامها برهة وقال بنفاذ صبر " اتمني يكون حاجه تانيه غير اللي في بالي عشان انا مش عاوز افتح الموضوع ده تاني يا سارا " " يا ابيه من فضلك انا بتعذب بجد , انا هخلي مسؤوليه حضرتك وهقول له اني انا اللي طلبت منك تعمل كده " .
" سارا انتي ب تدمري علاقة بينا احنا الاتنين ده مش قرارك لوحدك , ثم تعالي هنا الوقتي ضميرك مش هيأنبك عشان بتكدبي عليه ؟ " غطت وجهها بيدها وبكت " انا عمري ما خبيت عليه حاجه بس انا بجد كنت خايفة ومرعوبة ولما حضرتك جيت كنت عامل زي طوق النجاة اللي بيشدني من الغرق , وقتها مفكرتش ان الموضوع هيبقي صعب كده , يا ابيه ارجوك انا معتش بعرف أنام خلاص بخاف اقول حاجه وانا نايمه يسمعها " شعر بآسي رهيب نحو سارا فهو يعلم تمام العلم شعورها , فالذنب الذي تشعر به نحو احمد يشعر هو به نحوهما معا .... .
اخذ نفس عميق وامسك راسه بكلتا يديه " طيب متقدريش تصبري خمس ست شهور كمان يكون احمد عمل العملية " " اولا مقدرش اصبر المدة دي انا اعصابي مدمرة , وثانيا كل ما أتأخرنا كل ما هو هيضايق انا حاسة لو صارحته الوقتي هيبقي احسن بكتير " لم ترد ان تبوح له بأنها متوجسة خيفة من العملية نفسها فهي لا تعلم كيف ستكون ردة فعلة حيالها وتشعر بالرعب من ان يتركها .
نظرت الي عبد الرحمن وقالت بكل آسي واسف " انا اسفه اوي يا ابيه انا اللي حطيتك في الموقف ده لو مكنتش جبانة وضعيفة مكنش ده حصل " وبكت بشدة , وحدث هو نفسه " لا يا سارا احمد هو اللي عاوز يحملك كل حاجة وانتي مقدرتيش مش ذنبك , ده ذنبه هو " ازدرد لعابه " عاوزة تقولي له امتي ؟ " " بكرة اجازة وهكلمه ان شاء الله " " ماشي يا سارا " " انا اسفه يا ابيه سامحني ارجوك " " ربنا يستر يا سارا " .
_ شعرت ببعض الهدوء لأنها اخيرا سوف تخبر احمد ولكن في نفس الوقت كانت تعد نفسها لعقاب قاسي من قبله ولكنها قررت تقبله بصدر رحب فهي اخطأت وتستحق ذلك .... .
وجاء الغد كان عطلة رسمية وقررت الشركة إعطاء اجازة للعاملين , كانت الساعة الثانية عشرة ظهرا والجميع جالسون يستمتعون بالطعام ودفء الشمس , امسكت بيده وقالت بوهن " احمد في موضوع عاوزاك فيه ممكن نتمشي شويا " " ماشي تعالي " حالما تحركوا علم عبد الرحمن بأنها سوف تخبره , ذهبت سارا من امام الجميع الي مكان هادئ نسبيا , لا يوجد أي شيء لتدميره او تكسيره كي لا يؤذي نفسه اما سارا نفسها فليتولها الله برحمته .
" احمد انا من .... " وسردت ما حدث بصوت واهن وهي تراقب تعبيرات وجهه تتحول الي الغيظ والاشمئزاز وكلما تكلمت كلما غاص قلبها بصدرها .
قال بنفاذ صبر غاضب " يعني التوكيل مش باسمك ؟ " ردت برعب وكل جسدها يرتعش " باسمي بس ابيه هو اللي بيعمل كل حاجه وانا بمضي علي طول " وامسك بذراعيها ساحقا اياهم وصاح بغضب " يعني انتو الاتنين كنتو بتستعموني ؟! " كان عبد الرحمن يقف في مكان قريب لأنه اكيد من رده فعل اخية فذهب سريعا نحوه " اهدي يا احمد سارا ملهاش ذنب انا اللي عرضت عليها الفكرة دي " " اهلا اهلا بالأستاذ عبد الرحمن ده انتو عصابة بقي انتي معرفاه انك هتقولي ليا مش كده ؟ " كان يصيح ويهزها ويعنفها بشكل قاسي لم تستطع الرد عليه , فصاح بها بشدة " انطقي يا خاينة يا غشاشة " .....
" حرام يا احمد ابوس ايدك اسمعني بس " تعالي صوت صراخ سارا وبكاؤها واحمد يعنفها ويسحق كل من ذراعيها بعنف شديد وصاح بغضب بالغ " مش عارف انخدعت فيكي ازاي المدة دي كلها , انتي واحده خاينه متسويش أي حاجه انا هطلعك من حياتي كلها فكراني مغفل يا هانم بتستعميني " واخذ يهزها بشدة اكبر " انا وحدة زيك انتي تستعماني كده فكرة نفسك مين فوقي ... " " كفاية يا احمد هي ملهاش ذنب " " انت تخرس خالص , انت اخر واحد في الدنيا دي كلها كنت اتصور انو يستعماني " وصاح بغضب هادر " انت مش اخويا ولا اعرفك انت فاهم مليش أي علاقة بيك من النهارده " كان عبد الرحمن ملجم ولم يعرف ما العمل ما الذي يستطيع فعله كي يخلص تلك المسكينة من يديه ويشعر بأن كل شيء انتهي وتهاوي الي الابد .
" من انهارده معتش ليكي اعده في البيت ده انتي فاهمه غوري من هنا " ولطمها لطمه علي وجهها اسقطتها ارضا وجعلت الدماء تسيل من فمها , دفنت سارا راسها بالتراب واخذت تبكي بحرقه شديدة , لقد تدمر كل شيء وانتهي في لحظه ضعف منها .
حاول عبد الرحمن ان يجعلها تقف الا انها رفضت مساعدته وسط صياح احمد " لما اكتر اتنين كنت بثق فيهم خانوني , امال الدنيا اللي بره دي اعمل فيها ايه ؟؟ اعيش فيها ازاااااي ؟؟ " كان يصيح بهستيرية غير عاديه وعبد الرحمن كاد ان يبكي لحال تلك المسكينة الباكية ولم يهتم ابدا لنفسه لأنه يعلم انه السبب وليس بيدها أي شيء .
جاءت كل من امل وايه وانتزعتاها من براثن احمد الغاضب وشهقت كل منهم لما حدث لوجهها بكت الفتاتان بشدة لحال اختهم وتدمر مستقبلها بعد ان طردها احمد من المنزل , صعدوا بها وهي واهنه وخلفهم حسام ومحمد وبعدهم عبد الرحمن وتركوا احمد يصيح بالأسفل, همت سارا بالدخول الي شقتها كي تأتي بأغراضها ." استني هنا معتش ليكي دخول الشقة دي " التفتت سارا للسيدة نور الغاضبة وسط شهقات ايه وامل , نظرت سارا الي الاسفل لقد تدمرت نهائيا لم تشعر من قبل بالمهانة في حياتها مثلما تشعر الان , جذبتها من ذراعها بعنف وادخلتها شقتها وصاحت بأمل " خوشي هاتي هدومها من جوا وحاجتها " تسمرت امل مكانها تنظر برعب نحو حسام , فصاحت اكثر من السابق " بقولك خوشي الوقتي " نظر لها حسام وبعدها فتحت الباب ودخلت لجلب اغراض اختها .
اجلست السيدة نور سارا علي الأريكة وجاءت امل بحقيبة بها اغراض سارا ووضعتها وعندما همت بالدخول لسارا منعتها السيدة نور وصاحت بأولادها " كل واحد ياخد مراتو وعلي شقتوا يالا مش عاوزة اشوف وش حد هنا " لم يري كل من حسام او محمد والدتهم بهذه العصبية من قبل وامام بكاء ايه جازف محمد " بس يا ماما من فضلك ..." " مش عاوزة اسمع نفس كلب هنا قولت اطلعوا فوق " جذب حسام امل ومحمد ايه وركبوا المصعد معا واجهشت الفتيات بالبكاء وكل من محمد وحسام ضم زوجته اليه في صمت فهم لا يستطيعون وعدهم بأي شيء يهدئ بالهم القلق علي اختهم .
دخل عبد الرحمن وهو ينظر لسارا بآسي شديد لما حدث معها الا ان والدته صاحت به " اطلع علي اوضتك حالا " ولم يستطع السيد شهاب أن يهدئها .... .
جلبت السيدة نور كيس مثلج من البراد ووضعته علي خد سارا المتورم وسارا تبكي بشدة غير منتبه الي ما تفعله السيدة نور التي تنظف وجهها من الدماء التي نزلت من فمها مكان الصفعة التي صفعها لها احمد والخدوش بجبهتها جراء سقوطها علي الارض .
صعد احمد وهو يصيح بعبد الرحمن ويصيح بها وعندما سمع صوت بكاؤها عند والدته صاح بغضب هادر " هي بتعمل لسه ايه هنا , اخرجي بره حالا انتي ... " " أأأأخرس " صاح به السيد شهاب لو نطقتها والله اتبري منك يا احمد " وصاحت السيدة نور به " مش عاوزة اشوف وشك هنا غور علي شقتك دي اخره دلعنا فيك انا السبب انا اللي دلعتك كده لحد ما وصل بيك الحال تبهدل في مراتك كده , سارا هتفضل هنا وابقي قابلني لو دخلت شقتك تاني ... " لم يدعها تكمل " دي خاينه بتستعماني متستهلش تفضل هنا لحظه واحده " .
كانت سارا تود لو تخرج من المنزل إلا انها كانت واهنة للغاية وتشعر بألآم رهيبة في ظهرها من جراء السقطة وبعد صياح السيد شهاب والسيدة نور بأحمد دخل الي شقته وهو يكرر ذهابه من المنزل لأنه لن يجلس تحت سقف واحد معه او معها بأي حال .
_ ارجعت السيدة نور راس سارا علي الوسادة واخذت تمسح وجهها وتضمد جروحها , وادعت سارا النوم كي تذهب عنها السيدة نور وبالفعل صعدت السيدة نور مع السيد شهاب كي يتباحثوا في حل تلك المشكلة ومعرفه ما حدث بالضبط , وحالما تأكدت من انهم ذهبوا لملمت نفسها واخذت حقيبتها وحاولت تجميع شتات نفسها الملوعة وجسدها المعذب ونزلت بوهن شديد الي الاسفل ولكنها لم تستطع تجاوز , أي مكان بعد السلم حاولت الاستناد علي جدار العمارة بوهن وهي تجر الحقيبة ولكنها لم تسر سوي متر ونصف وتركت الحقيبة لتخطو خطوتان وبعدها تملك منها الام شديدة فاستندت الي الجدار وشعرت برعب شديد " لا يعقل , مستحيل " اخذت تحدث نفسها وهي تهز راسها بوهن شديد وهي غير مصدقة .
في تلك اللحظة اقتحم عبد الرحمن غرفة والدته وقال بسرعة " سارا فين ؟ " " تحت نايمه علي الكنبة " " مفيش حد تحت " , خرجت السيدة نور بسرعة ونظرت للأريكة ومكان الحقيبة " دي خادت شنطتها " قالت السيدة نور هاتفة , هرع عبد الرحمن الي غرفته واخذ المفاتيح وركض الي الاسفل فهو يشعر ان خطب ما حدث لها .
ركض للأسفل ووصل الي وسط الحديقة والسيدة نور والسيد شهاب يتابعوه من الشرفة " ابيه " بالكاد سمع صوتها الواهن والتفت لها ولكن الرعب دب في عينه حالما وقع نظرة عليها واحمرت عيناه بسرعة وهتف بلوعة " سارا " عندما رات الرعب في عينيه تأكدت شكوكها التي ظلت تكذبها بشدة , لمست ملابسها بيدها ونظرت ليدها وحالما رات الدماء اخذت تهز راسها بوهن شديد غير مصدقه ما يحدث معها وفقدت كل تماسك يربطها بهذا العالم لتسقط ولكن ليس علي الارض بل بين ذراعي عبد الرحمن نظرت له والعذاب يملئ عيناها وتمتمت بوهن شديد " خلاص راح " ونزلت دمعه من عينها لتغيب بعدها عن ذلك العالم البأس .
" سارا , سارا " اخذ يحسها علي الاستيقاظ ويهزها ولكن لا شيء ابدا ,
" حســــــــــــــام " " حساااااااااام " كان يصرخ بشدة بالغة ولوعه حتي ان حنجرته التهبت بشدة وذهب صوته بعدها لعده ايام " حساااااااام " لينزل حسام والمنزل كله الي الاسفل حالما راي حسام سارا الممدد نصفها علي الارض والنصف الاخر بين ذراعي عبد الرحمن هتف بحدة " ايه دة !! ايه الدم دة ؟! " صاح به اخيه " طلع العربية بسرعة " هرع حسام برعب نحو السيارة كي يخرجها ونزلت امل وايه ومحمد وحالما رات ايه الدماء رفعت يدها الي وجهها وصرخت صرخة مدوية واخذت هي وامل يحدثوها ويهزوها ولكن هيهات لم تفق ابدا .
لم يعلم احد ابدا حتي السيدة نور ما الذي يحدث معها سوي عبد الرحمن الذي حملها بين ذراعيه وركض بها الي السيارة ومعه امل وايه ولحق به محمد ومعه السيدة نور والسيد شهاب الذين صعقوا من منظر الدماء .
كانت سارا بالكرسي الخلفي تجلس بالوسط بين امل وعبد الرحمن , ضمتها امل بشدة وهي تبكي وتحاول التربيت علي وجهها كي تفيق وعبد الرحمن اخذ يصيح بحسام كي يسرع اكثر وحالما وصلوا الي المشفى حملها ودلفوا سريعا وراءه , كان عبد الرحمن من الهلع بحيث لم ينتبه الي أي شيء او لأي احد وصاح بالطبيب " معانا حاله إجهاض أرجوك بسرعة أتصرف " .
دلفت سارا الي غرفة الكشف وبعدها العمليات والعائلة بالخارج تدعو الله كي تنجو من ذلك النزيف الذي اصابها بينما هوي عبد الرحمن علي احد الكراسي وهو ينظر ليده التي تغمرها الدماء ولملابسة ثم وفجاءة دون أي مقدمات , اخذ يصرخ ويصيح وهو ينظر الي الدماء " ايه ده ! ايه ده !! " كانت حالته هستيرية فمنظر الدماء حقيقة هكذا لم يسبق له ان راءه , اخذ الجميع يهدئه واصر عليه السيد شاكر بان يذهب للاغتسال من هذه الدماء .
بكت السيدة وفاء بشدة لمنظر الدماء علي ملابس عبد الرحمن لا بد وان ابنتها فقدت الكثير , ضم حسام امل وكذلك فعل محمد مع ايه والسيدة نور كانت تحاول تهدئه السيدة وفاء ولكنها لم تستطع منع دموعها ايضا .
خرجت سارا اخيرا واخبرهم الطبيب انها فقدت جنين عمرة حوالي الشهرين وانها يجب ان تظل بالمشفى تحت المراقبة لأنها فقدت الكثير من الدماء ويجب نقل ثلاثة اكياس دم لها علي الاقل , دخلوا الي غرفتها بعد ان ثبتت احدي الممرضات لها المحاليل وكيس دم وسارا تمتم بوهن شديد " احمد .. سامحني .. احمد .. " وتسقط دموع علي وجهها تحرق قلب عبد الرحمن الذي لم يعد يستطع تحمل أي اذي لها . سال السيد شاكر وكانه فاق اخيرا " صحيح احمد فين ؟ " رد حسام بتلعثم " احنا اتلبخنا وجرينا كلنا مرة واحده وهو كان فوق " " معقول يا حسام تسيبوة لوحده زمانه هيجنن ويجي ومش عارف روح هاتو يا بني حرام " " اه. اه . حاضر !! " .
" هي سارا متعورة وخدها وارم كده ليه يا ولاد ؟ مالها ! " " أ . أصلها وقعت يا ماما " قالت امل بتلعثم هي الأخرى لتنظر لها السيدة نور نظرة امتنان حقيقي .
ذهب السيد شهاب خلف حسام بعد ان ادعي انه سوف يخبره بأن يجلب ملابس لعبد الرحمن , ركض الي ان لحق به وقال لحسام من بين اسنانه " تجيبة من شعره لحد هنا ولو مرضاش تقوله ملوش اب فاهم ولا لاء يا حسام , خليه يجي يشوف المصيبة اللي عملها ويتحمل نتيجة اخطاءه معتش هغطي عليه تاني خلاص " .
بعد لحظات أفاقت سارا وارتمت السيدة وفاء بحضنها وهي تحمد الله وبدأت سارا بالبكاء وهي واهنه للغاية , حاول الجميع تهدئتها ولكن هيهات لقد حزنت كثيرا علي هذا الجنين التي لم تكن تعلم بوجوده فأمورها الشهرية مضطربة ويبدوا انها من فرط توترها الفترة الماضية لم تأخذ حذرها جيدا فلم تعلم بحملها ولم تأخذ حيطه او حذر ولكن هل كان ليفرق هذا في حياة هذا الجنين الذي لم يكتب له النجاة ! , اخذت تدعوا الله بلوعة ان يرزقها الصبر وبعدها ازداد بكاؤها وهي تهتف باسم احمد ثم امر الطبيب بإخلاء الغرفة وحقنها ببعض المهدئات كي تنام .
بعد ساعة عاد حسام ومعه احمد الذي كان متجهم كثيرا وصامت جلس بالخارج دون ان يطلب حتي رؤية سارا او يسال عنها , ذهب السيد شاكر وربت علي ظهره " معلش يا بني اجمد شويا كدة عشان سارا , ربنا يعوض عليك وان شاء الله انتو لسه صغيرين والعمر قدامكوا " هز احمد راسه ولكن وجهه ظل جامد .
اخذ السيد شهاب احمد الي غرفة فارغة وتبعته السيدة نور وحسام ومحمد وكذلك عبد الرحمن الذي كان حانق للغاية منه , عنفه السيد شهاب " ايه البرودة اللي انت فيها دي مراتك بين الحيا والموت وانت مش هاين عليك تروح تشوفها " " انا جيت عشان حضرتك بس يا بابا " يا الهي ! لما صرت قاسي هكذا ؟ لم يستطع عبد الرحمن التحمل امسك احمد من مقدمة ملابسة والصقه بعنف في الحائط وقال من بين أسنانه وهو يجاهد كي لا يخرج صوته المبحوح من صراخة علي حسام خارج الغرفة " مراتك كانت بتموت يا حيوان ايه القسوة اللي في قلبك دي ؟ هي عملت ايه يعني عشان كل ده ! " نفضة احمد عنه " طبعا ما انت لازم توقف ليها " الصقه عبد الرحمن مرة اخري بالحائط وغضب اكثر من الاول " انت جبلا يالااا , اللي نزل ده ابنك مش زعلان حتي علية ؟؟ " " دي مسؤوليتها لوحدها انا منبه عليها اني مش عاوز خلفة الوقتي , بس الواضح انها كانت بتستعماني في كل حاجه واهو ربنا عاقبها " شهقت السيدة نور بحده وهزت راسها نافية " ده مش ابني , انت مش ابني القسوة دي جبتها منين ! ليه كده يا احمد ؟ " , تركة عبد الرحمن بقرف " انت خسارة معاك الكلام انت طلعت ندل وجبان " وتركه وهو متقزز منه وخرج , امسكه حسام من ذراعة بعنف ونهرة " مش زعلان علي ابنك وغيرك بيتمني ضفرة " وتركه بقرف هو الاخر وخرج ومحمد لم يصدق ابدا ان هذا اخوة اوان القسوة هذه تخرج منه .
قال السيد شهاب الذي كان يشعر بآسي حقيقي ولوعه تدب في قلبه " يا خسارة تربيتي فيك يا احمد يا خسارة , انت حتي مش حاسس بالذنب لأنها مرميه جوا بسببك وبسبب اللي عملته فيها " خبط علي فخديه بعنف اشارة علي خسارته الفادحة وخيبه امله في ابنه وتركة وكذلك فعلت السيدة نور , بينما تهاوي هو علي اقرب كرسي وقد خارت كل قواه , لا احد يشعر بالرعب مثله لا احد يستطيع الشعور بما يعتلي داخله , كيف له ان يتحمل مسؤوليه طفل وهو لا يستطيع تحمل مسؤولية نفسه حتي ..... .
استطاعت كل من امل وايه اقناع والدتهم بالذهاب واخذ قسط من الراحة وانهم سوف يظلوا هم معها وتحايلت عليها ايه " عشان تعملي ليها اكل يا ماما انتي عارفه انها مش هتاكل غير من ايدك " وكذلك الح عليها كل من حسام ومحمد وفي النهاية استسلمت و قبلت سارا وتركتها وهي مكرهه وحالما ذهبت والدتها ووالدها وفارس نظرت ايه شزرا نحو احمد وقالت من بين اسنانها " انا مش هعد معاك في مكان واحد انت فاهم ؟ " " اطمني انا اصلا مش قاعد " هزت امل راسها ودمعت عيناها غير مصدقة " هي عملتلك ايه عشان تعمل فيها كدة ؟ انت معندكش احساس بالذنب حتي ! " اغتاظت ايه كثيرا امام برودته وكادت ان تهجم علية لولا ان امل امسكتها ، فصرخت ايه " اختي كانت هتموت بسببك يا حيواااان " , جرة السيد شهاب بعنف امامه وهو يزم شفتيه منه " انجر قدامي وحسابك معايا لما نروح " وذهب مع السيدة نور والسيد شهاب واخذت ايه تبكي بحرقة وحاول كل من امل ومحمد تهدئتها ....
فجاءه وبدون أي مقدمات صرخت ايه بمحمد وازاحت يده عنها " دخولنا البيت ده كان لعنه علينا احنا التلاته " ودلفت بعدها الي غرفه سارا وامل خلفها وهي تشعر بأن اختها اكثر من محقة وتركت محمد وحسام في خزيهم .
دخل محمد الي ايه وضمها له رغما عنها واخذ يضمها ويشدها اليه اكثر واكثر بينما هي كورت يدها واخذت تضربه بشده وبعد ذلك وهنت ضرباتها وفي النهاية انهارت في البكاء وضمته بشدة هي الأخرى , وكذلك حسام الذي احاط امل بذراعيه وقال لها والاسف يقطر منه " انا اسف يا امل سامحيني " .
اخذ عبد الرحمن ينظر لهم وهو لا يعي أي شيء هو لم يكن بعلاقة من قبل , لم يفهم كيف يمكن ل ايه ان تصرخ هكذا بمحمد وفي نفس الوقت محمد يعلم تمام العلم انها ضعيفة وتحتاجه ! , ثم وبعد برهه من التفكير ربما هو شيء خاص يجعلنا نشعر بمن نحب ونعلم ما خطبهم وما يشعرون به وما الذي يحتاجون اليه ؟ مثلما حدث معي اليوم عندما علمت ان سارا بها خطب ما .
يا الهي أيعني هذا ان عذابي لن ينتهي ؟ واني لازلت احبها ! أيعقل هذا !! يا الهي انر طريقي .....
قال عبد الرحمن لأخوته " خدوا البنات وانزلوا اشربوا حاجه انا عاوز اعد مع سارا شويا زمنها هتفوق الوقتي " قالت ايه " بس ..." قاطعها , " متخفيش يا ايه انا هعرف اخد بالي منها كويس , يالا انتو كلوا حاجه وارتاحوا شويا وبعدين تعالوا " .
نزل الاربعة الي الاسفل وظل هو معها وبالفعل بعد عشرة دقائق استيقظت سارا وحاول هو تهدئتها واقناعها بالعدول عن الكلام وحاول ان يطيب خاطرها عن ما فقدته بقدر ما يستطيع فهو يعلم ان زوجها السابق تركها تعاني وكذلك فعل احمد لم يفكر حتي بالدخول لها وما ذنب تلك المسكينة وسط كل هذا.
في اليوم التالي قرر عبد الرحمن كشف كل الاوراق كي يريح سارا من عذابها ....
نهاية الفصل
لما لا يمكننا العيش وحدنا , لما لا نستطيع الصمود ؟
هل هو شيء ضروري ؟ اعني ان نكون الي جوار احدهم .
حسنا لقد عشت عمرا كاملا وحدي لما الان حضنها اصبح بمثابة الامان لي ؟
لما لا استطيع التخلي عنها ؟ لما اشعر ان الحياة انتهت بعد ذهابها , رغم اني عشت عمرا كاملا قبلها .
هل هذا امر معقول حتي ؟ ام انه عقلي الذي يتوهم هذه الاشياء ؟
يمكنني العيش , يمكنني لقد فعلت من قبل ولن تفرق معي الان .
هل هذا ممكن ؟! , لا اعلم فانا .....