اخر الروايات

رواية جمر الجليد الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم شروق مصطفي

رواية جمر الجليد الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم شروق مصطفي


بعد انتهاء موعدها عند الطبيب، تلقت سيلا خبرًا سعيدًا جعل قلبها يخفق فرحًا. لقد أُبلغت بأن موعد السفر قد اقترب جدًا، ولم تكن هذه المفاجأة الوحيدة، فقد أخبرها عاصم أن معتز منذ لحظات عبر الهاتف أنه أخيرًا عاد إلى مي بعد فترة من البُعد، وتصالحا، وهما الآن في انتظار عودتهما ليحتفلا بزواجهما معًا.

سيلا بسعادة:
بجد ده أحلى خبرين! ياااه، أخيرًا! أنا مش مصدقة بجد، ومبسوطة أوي لمي ومعتز. هو اتغير فعلًا الفترة اللي كان قاعد فيها هنا، كنت حاسة بيه أوي، كان تايه، مشتت، مهزوم... الحمد لله، ربنا يسعدهم يا رب.

عاصم، بنظرة محبة:
ويسعدنا أنا وإنتي يا أجمل عروسة.

سيلا، بخجل، وهي تلامس وجنته بحنان:
إنت جميل أوي على فكرة، وبحبك أوي كمان.

جذبها إليه بحنان، يطبع قبلة دافئة على شفتيها، لكنه سرعان ما ابتعد فجأة عندما سمع طرقًا خفيفًا على الباب، ثم صوت الخادمة وهي تستأذن بالدخول. تمتم بامتعاض:

هو ده وقتك؟

ابتسمت سيلا عندما لاحظت ضيقه، ثم همس لها بمكر:
اضحكي، فلتي من تحت إيدي.. اتفضلي يا دادا.

أذن لها بالدخول، فدخلت تحمل طعام الغداء، فاستلمه منها وجلس بجانب سيلا مجددًا. ضحكت الأخيرة بصوت مكتوم وهي تقول:

ياااه! جات فوقتها، جعانة جدًا.
رفع حاجبه متسائلًا:
والله وقتها؟! ماشي يا سيلا، اهربي!
---

مرّ شهر كامل، وأعلن قائد الطائرة عن ربط أحزمة الأمان استعدادًا للهبوط في مطار القاهرة. شدّت سيلا حزامها جيدًا، لكنها أغمضت عينيها بإحكام، ممسكةً بذراع عاصم، فيما كان صدرها يعلو ويهبط بسرعة. لاحظ ارتباكها، فحاول تهدئتها:

هشش... اهدى، أنا جنبك.

أخذت سيلا تتنفس بصعوبة، ثم تمتمت بصوت متقطع:

مش قادرة أخد... نفسي...!
بقلم شروق مصطفى
استمرت في أخذ أنفاس عميقة متسارعة، فطمأنها عاصم بصوت هادئ:

كلها دقايق والطَيّارة ترسى، وإنتي مش أول مرة تركبيها على فكرة.

نظرت إليه سريعًا، ثم ردّت:
كنت بكون نايمة، مش بحس بكل ده...

بعد مرور وقت، هبطت الطائرة بسلام. قالها عاصم بارتياح:
الحمد لله، وصلنا!

وقف ليستعد للنزول، ثم التفت إلى سيلا التي حاولت الوقوف، لكنها فقدت توازنها فجأة. أسرع بحملها بين ذراعيه، وهبط بها.
حتى وصلا الى ساحة الاستقبال أنزلها برفق، كان وليد ومعتز ينتظرانهما بفارغ الصبر، وما إن اقتربا حتى ارتسمت على وجهيهما ابتسامة واسعة، ليبادرا معًا بقول واحد:
"حمد لله على سلامتكم!"

لم يتردد عاصم في احتضانهما بحرارة، وكأن الفراق كان دهورًا، ثم قال بسعادة خالصة:
وحشتوني أوي، وحشتني مصر اوي!

لم يطل الوقت حتى استقل الجميع السيارة، حيث جلست سيلا في الخلف بجوار عاصم، الذي لاحظ إرهاقها، فأسند رأسها على كتفيه برفق، بينما جلس معتز في المقعد الأمامي بجانب وليد، الذي تولّى القيادة بثقة.

مرّت لحظات صمت قصيرة، قطعها عاصم حين التفت إلى وليد وسأله باهتمام:

أخبار الشغل إيه؟

لم يتأخر وليد في الإجابة، فابتسم مطمئنًا:

كويس، متقلقش، كل الفروع تحت السيطرة، أنا وعامر متابعينها، هو في الغردقة وأنا ماسك الفروع اللي هنا.

ثم أشار برأسه إلى معتز مازحًا، وأضاف بمرح:

والأخ ده... لسه نايم في الخط، يفوق ويمسك معايا شوية، يساعدني، أنا سايبه بمزاجي.

ابتسم الأخير بمكر هاتفا:
لا، سيبه يعيش له يومين كده قبل ما تطحنه في الشغل.

معتز، وهو يهمس داخليًا، لم يعجبه الحديث عنه:

قال يعيش يومين قال! والله ما أنتوا فاهمين حاجة خالص...

ثم وجه عاصم حديثه إلى وليد مازحًا:
وإنت عامل إيه يا وليد، ولا نقول بابا وليد؟!

انتبه للحظة إلى سيلا، التي كانت تتقلب في نومها بجانبه، فشرد في ملامحها الهادئة.

ضحك وليد بطريقة كوميدية وهو يرد:
ده أنا متبهدل قبل ما يشرف ولا تشرف! هما بيتحولوا ليه؟ نفسي أعرف! أمال بعد ما يشرف ولا تشرف هيعملوا فينا إيه؟!

نظر معتز إليه بعدم فهم:
يعني إيه بيتحولوا؟!

قهقه وليد وهو يرد:

لا، دي مش بتتقال، دي لازم تجربها بنفسك! لما تعرف إنك هتبقى أب، ساعتها هتفهم قصدي!

أما عاصم، فكان في عالم آخر، لم يستمع إلى حديثهما، بل كان ينظر إلى سيلا وهي نائمة، يعدّل حجابها بحنان، ويبتسم بحب وهو يتذكر اليوم الذي أخبرها الطبيب فيه بأن نتائج تحاليلها سليمة، ولا أثر للورم. تذكر جيدًا كيف سجدت لله شكرًا، ثم توسّدت بين ذراعيه تُبلغه امتنانها لوقوفه بجانبها وتحمله فترة مرضها، قبل أن تخبره بقرارها ارتداء الحجاب والالتزام به دائمًا.


انتبه على صوت معتز وهو يشير إليه:
عاصم هاي انت فين

و ابتسم وغمز له: اللي واخد عقلك بقى.

عاصم تفاجأ لوصولهم: ايه ده احنا وصلنا بسرعة.

رد معتز عليه برخامه:
لا لسه يلا يا عم.

هتف وليد لهم قبل المغادرة:
طيب انا خالع و هنيجي نسلم عليكم بكرة تكونوا ارتاحتوا.


صباح اليوم التالي فتحت عيناها بكسل و ابتسمت عندما شعرت ب أنفاس قريبه:
صباح الخير يا حبيبي بتبص لي ليه كده؟

وليد و ما زال ينظر لها بمشاعر مختلفة حب، عشق تحدث وابتسامة جذابة:
الله بلاش أصبح علي بنوتي شكلك حلو اوي و انتي نايمه.

همسه فجأه اعتدلت وجهت نظرها له و بتكشيره مصطنعه: ايه ده و انا نايمة بس اللي حلوة!.

اعتدل في نومته يتمتم "امممم هنبدأ التحويل"
ثم هتف: لا يا حبيبتي انتي طول الوقت جميلة في عيوني.

ظل يهمس لحالة "اه انا اللي جبت ده كله لنفسي و غلطان واضرب نفسي باللي"

همسة بابتسامة رقيقة:
-طيب يلا بينا نفطر ونروح لسيلا عشان وحشتني اوي.

على الجانب الآخر، هتف معتز بنفاد صبر عبر الهاتف:

— ملكيش حجة يا مي، صاحبتك ورجعت.

ثم تنهد بعمق، محاولًا تهدئة التوتر الذي يملأ صوته، وأضاف بنبرة رجاء:

— يا مي، بتمنى اليوم اللي تنوري فيه بيتك. مفضلش غير إننا ننزل أنا وإنتي وماما ونختار العفش، كله جاهز... شوفوا يوم وقوليلي.

توقفت مي للحظات، تفكر في الأمر، ثم تمتمت بتردد:

— أممم... بسرعة كده؟ أنا بقول إن إحنا...

لكن معتز لم يمنحها الفرصة لإكمال جملتها، فقطع حديثها بنبرة تحمل في طياتها مزيجًا من العتاب والرجاء:

— يا بنتي، كفاية اللي بتعمليه فيا! كل ده عقاب؟!

في داخلها، ابتسمت مي بخبث، تحدث نفسها بمرح انتقامي:

— آه، لسه بدري! لازم أذوقك الست شهور اللي سيبتني فيهم. بص... أممم، عدي شهر، بس لسه فاضل خمسة!

قهقه معتز بصوت عالٍ، ثم قال بمزاح مشوب بالتهديد اللطيف:

— آه يا مفتريه! عاوزة خمس شهور كمان؟ مش كفاية حرماني من إنّي أشوفك أو حتى أقابلك؟ وبنتكلم في التليفون بس! والله يا مي، لو ما تعدلتي... عارفة لو وقعت تحت إيدي؟!

ابتسمت مي في صمت، مستمتعة بمزاحه، لكنها أخفت ضحكتها، تاركة إياه يغلي في انتظاره الطويل هتفت:

هتعمل ايه بقى.

تحدث الآخر بعد لحظة تفكير، ثم قال بنبرة جادة:

اممم... هعمل حاجات كتير، وانتي وحظك! بس كفاية يا مي، بجد... إحنا مش صغيرين.

تأملت مي كلماته للحظة، ثم ردت بذكاء:

وبعدين، أنت اللي قلتلي عاقبيني وشاوري، ولو حتى طلبت منك ترمي نفسك في البحر، صح؟

هز معتز رأسه بتنهيدة، ثم قال مستسلِمًا:

صح... بس يا مي، انتي عاقبتيني بما فيه الكفاية.

صمت لثوانٍ، ثم استطرد متسائلًا:

هعدي عليكي عشان تزوري سيلا امتى؟

نظرت إليه مي بمراوغة، ثم أجابت ببرود مقصود:

لا، هيثم هيوصلني.

ضيّق معتز عينيه وهو ينظر إليها، ثم قال بإصرار:

مصممة برضه؟ ماشي... هتروحي مني فين!

قهقهت بخفة، محاولة إغاظته قائلة:
"باي بقا... عشان هيثم يستعجلني. باااي!"

---
بعد ساعتين – غرفة عاصم وسيلا

كانت سيلا واقفة أمام المرآة تتأمل انعكاسها، حين ولج عاصم إلى الغرفة. التفتت إليه وسألته بابتسامة خفيفة:

حلو عليا الحجاب؟

تطلع إليها كذئب جائع يحدق في فريسته، يحاول السيطرة على مشاعره المتأججة، ثم قال بصوت عميق:

أي حاجة جميلة عليكي، حبيبتي.

ترددت قليلًا، ثم عادت تسأله بنبرة خافتة:
يعني مش مضايق من شكلي وأنا بيني وبينك وأنا كدةء!

نفد صبره من إلحاحها، فردّ بجدية:
ليه كل شوية تجيبي سيرة الشعر؟ ماله شعرك؟! كأنك قصّيته وهيمر وقت وهيطلع تاني! سيبيه يطلع على مهله... أنا عاجبني كده، انتي ريحي بالك بقى.

نظرت إليه بقلق، وسألته بصوت خافت:

يعني مش هتنفر مني؟

تأمل ملامحها للحظة، ثم زفر بضيق وهو يقول:

هزعل بجد منك يا سيلا! بلاش تتكلمي كده تاني... معقول لسه مفهمتيش؟

حاولت تبرير مشاعرها، فقالت بإلحاح:

فاهمك... بس أنا نفسي أعوّضك عن كل حاجة، ونبدأ صفحة جديدة... وأملأ البيت بأطفال كتير أوي.

تنهد عاصم بحرارة، ثم ردّ بصوت هادئ:

كله بأوانه... وبعدين انتي بنتي ولا إيه؟ عاوزاني انشغل بالبيبي وأهملك؟

ابتسمت بخبث واقتربت منه، وقفت على أطراف أصابعها وهمست:

اعملها كده... وانشغل.

ضحك عاصم بخفوت، ثم طوّق خصرها بين ذراعيه قائلًا:

مقدرش... هيبقى عندي بنتين، أو بنت وولد... وهتكوني أجمل أم ليهم.

ردّت سيلا بحنان:

وأنت أحنّ أب، بجد.

تأمل ملامحها بعشق، رفع يده يلامس وجنتيها بأنامله برفق، والتقت نظراتهما الملتهبة بشوق جارف. اقترب منها أكثر حتى التهم شفتيها بشغف، فأحاطت عنقه بذراعيها، ولم يتوقف عن تقبيلها حتى اضطرا لالتقاط أنفاسهما.

ظلت سيلا مبتسمة وهي تستند إلى صدره، فرفع ذقنها برفق حتى تنظر إليه، وهمس بحب:

بحبك... بحب كل حاجة فيكي، من أول نظرة عينيكي اللي خطفت قلبي، لحد...

توقّف حديثهم فجأة حين دوّى صوت طرق على الباب، ودخلت الخادمة لتخبرهم بوصول أستاذ وليد وزوجته، قبل أن تخرج بهدوء.

نظر عاصم إلى سيلا وعيناه تركزان على شفتيها المتورمتين، فقال بابتسامة مرحة:

يلا بينا، نكمل كلامنا بعدين. شكلي هأمشي... الست دي هادمة اللحظات الحلوة!

قهقهت سيلا بصوت عالٍ، ثم خرجت من الغرفة، وفي الممر جذبتها همسة محتضنة إياها وقبلتها بشوق أخوي جميل:

حمد لله على السلامة... وحشتيني أوي!

أجابتها سيلا وهي مبتسمة:

وانتي يا قلبي... وحشتيني أوي! عاملة إيه في حملك؟ مكبرش شوية الولد ده؟

قهقهت همسة بصوت عالٍ، ثم قالت بفكاهة:

هو لحق، أنا حامل لسه في ثلاث شهور، ده نقطة صغيرة قد كده! مشوفتش أي ملامح، حتى الدكتورة تقول لي رأسه وجسمه إزاي وتحدد بأيديها... ووليد يقولها: آه آه، وأنا في طراوة، أقوله شفت رأسه؟! دانا شفت دائرة سوداء صغيرة أوي.

ابتسمت سيلا، ثم شرحت لها بعض الأمور:

ما هو بيكون نقطة، وبعد كده يكبر وينمو. دي فترة تكوينه، المهم إنك ما تعمليش مجهود في الفترة دي... وما تشيلي حاجات تقيلة، وريحى.

ثم وجهت نظرها إلى وليد الذي كان يستمع إلى حديثهن بابتسامة، وقالت له:
خلي بالك عليها!

ابتسم وليد وهو يرد:
وصيها هي... هي اللي تخلي بالها عليا، بس تهدا شويه عليا عشان بقت عصبية أوي وبتقلب فجأة.

أجابت سيلا بدهشة: همسة!
دي نسمة العيلة دي، محدش يسمع لها صوت!

ضحك وليد ثم قال بتريقة بطريقة كوميدية:

كانت...

لكن حين نظر له وليد نظرة جانبية، تراجع في كلامه وأكمل بابتسامة:

آه... قصدي طبعا دي نسمة.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close