اخر الروايات

رواية خارج اسوار القلب الفصل الحادي والثلاثون 31 والاخير بقلم صابرين الديب

رواية خارج اسوار القلب الفصل الحادي والثلاثون 31 والاخير بقلم صابرين الديب 

الفصل الحادي والثلاثون (الأخير)
_______________________

ساد الصمت لثوان ثم تطلع (أدهم) لأخيه لحظة في عدم فهم, بعدها سأله :
- في مين يابني, مش قلت لك قبل كده ملك لسه صغيرة وهتكمل تعليمها الأول ! وبعدين أنا مش مستريح لجو شكله بتاع بنات وزير نساء, لا ياعم ماعندناش بنات للجواز .

شعر (آدم) بالغيظ فقال :
- تصدق الرصاصة غلطت فيك كان المفروض تيجي في لسانك .

ضحك (أدهم) لثوان ثم تأوه فتغيرت تعابير (آدم) للقلق وهتف :
- ايه مالك ؟

تماسك (أدهم) وابتسم وهو يجيب :
- مفيش واحد رخم بيضحكني وفي جرح ورصاصة ودم بقى وكده .

اغتاظ (آدم) وقال :
- ايه ياعم مفيش غير الجملة دي ؟ غيرها .

تظاهر (أدهم) بالتفكير لثوان ثم عاد يقول :
- طيب خد دي, في دم وجرح ورصاصة حلو التغيير ده .

داعبه (آدم) :
- حلو أوي .

ثم ظهرت الجدية على وجهه مرة أخرى وقال :
- باكلمك جد .

عقد (أدهم) حاجبيه في عدم فهم وسأله :
- مني في مين مش فاهم ؟؟ هو أنا عندي غير ملك ؟

شعر (آدم) بالغيظ مرة أخرى وهتف فيه :
- يابني ما تركز, مش إنت جوز جمانة برده ولا ايه ؟

ابتسم و رد :
- ولا ايه ؟

قال (آدم) في حنق :
- يا بارد يا تلاجة .

عاد يضحك مرة أخرى أعقبها بتأوه لكنه تماسك وقال في جدية :
- خلاص خلاص, نتكلم جد, ها هات اللي عندك .

جلس (آدم) إلى جواره وقال :
- أنا طالب إيد لميا .

ظهرت الدهشة على وجه (أدهم) وصمت لثوان ثم عاد يقول :
- بس إنت فاجأتني .

كاد (آدم) يلقي في وجهه بوسادة لولا أن هتف وهو يرفع ذراعيه أمام وجهه هاتفا :
- خلاص خلاص .

نظر إليه أخيه في غيظ, فصمت قليلا يفكر, ثم قال :
- طيب عاوز مني ايه ؟ أكلمها ؟

تنهد (آدم) وهتف :
- يارب صبرني, يابني خلي مراتك تلمح لها كده وشوف .

رد (أدهم) :
- امممممم مش عارف, يعني ليه اخدمك يعني لما ممكن أغلس عليك وأضايقك .

رد (آدم) بغضب مصطنع وهو يتحرك متجها للخارج :
- تصدق أنا غلطان إني عملتك راجل العيلة وجاي اتكلم معاك بجد .

أمسكه (أدهم) بسرعة من يده وقال :
- خلاص ياحِمئي, تعالى هنتكلم جد .

التفت إليه (آدم) ولم ينطق, فقال له :
- طيب سؤال, إنت مش شايف إن الموضوع جه فجأة ؟ يعني بقى لي كم شهر متجوز جمانة إنت ماتعرفش حاجة عن لميا غير يادوب الكم يوم اللي فاتوا وتدخل على جواز كده ؟ لاحظ كمان إنها لسه خارجة من تجربة صعبة من شهور بسيطة, يعني مش سهل نفاتحها في موضوع زي ده .

جلس (آدم) إلى جواره مرة أخرى و قال :
- شوف يا أدهم إنت عارف إني واحد دوغري, لا بتاع لف ودوران ولا تسبيل والكلام الفاضي ده, مادام حطيت هدف يبقى اوصل له صح وبالطريق المستقيم, لا طرق ملتوية ولا شبابيك, ها قلت ايه ؟

سأله بجدية مرة أخرى :
- يعني إنت معجب بيها ؟ مش هأقول بتحبها ماشي .

رد بسرعة :
- جدا جدا, حاسس فيها بحاجات غريبة مش متعود عليها في الست الشرقية, انسانة صلبة وقوية, حنونة بشكل غير عادي, أحيانا تلاقيها طفلة وأحيان تانية تلاقيها عاملة زي أم لأختها, تشكيلة صفات عجيبة طلعت منها حاجة لازم تتحب .

تنهد (أدهم) وقال في لهجة حالمة :
- ها , وايه كمان ؟

نظر إليه في غيظ مرة أخرى وهتف :
- يا بارد إنت جاي من سيبيريا يابني ؟

ضحك مرة أخرى بخفوت وقال :
- والله يا أدوم الرصاصة بتاعتي دي عملت شغل, أمي حبت جمانة وإنت أعجبت بلميا, والدنيا آخر روقان, لو كنت أعرف كده كنت قلت لأبوكمال يطخني طخ من زمان .

ابتسم (آدم) ثم سأله :
- ها قلت ايه ؟

فكر (أدهم) لثوان أخرى ثم قال :
- يابني مش عارف أقولك ايه ؟ بس أصل في ناس متكلمين عليها وسبقوك .

كاد يضربه بالفعل لولا أن هتف :
- باتكلم جد يامجنون هتعمل ايه ؟

تراجع في دهشة وسأله :
- جد ؟ يا سلام ؟

أومأ برأسه إيجابا وقال :
- أيوة, قبلك حالا .

تطلع إليه (آدم) في شك ثم قال فجأة :
- المقدم حمزة ؟؟

شعر (أدهم) بالدهشة هو الآخر وسأله :
- عرفت منين ؟

شعر بالغيظ والغيرة وهو يجيب :
- باين عليه ياسيدي أصلا .

ضحك (أدهم) مرة أخرى وقال :
- بس إنت أخويا يا أدوم يعني لو فاتحناها في الموضوع هنجيب سيرتك بس يعني .

ابتسم (آدم) وسأله بلهفة :
- بجد ؟

رد يشاغبه :
- لا طبعا, من حقها تعرف وتختار .

مط شفتيه في حنق, حتى وإن تمنى ألا يخبرها أخيه عن الرجل الآخر فمن حقها أن تختار, لكن ماذا لو اختارته ؟ شعر بغضب يعتريه, هل يمكنها فعل ذلك ؟ قاطع (أدهم) أفكاره قائلا برفق :
- أدوم ماتقلقش, إن شاء الله خير, وبعدين إنت أخويا يابني يعني بونط زيادة .

سأله بتعجب :
- ليه يعني ؟

غمزه وهو يضحك :
- يعني جرح ورصاصة ودم وكده هههههههه .

ابتسم فجأة وهتف :
- إنت عارف إن دمها بيجري في عروقك ؟

اندهش (أدهم) وسأل بجدية :
- ايه ده بجد ؟

أومأ برأسه إيجابا وقال :
- أيوة, جمانة كانت عاوزة تديك بس كانت يومها تعبانة جدا وانا رفضت, كانت ممكن يجرى لها حاجة, ساعتها لميا قالت انها ممكن تتبرع لك لو نفس الفصيلة وفعلا اتبرعت لك بلتر كامل يا مفتري .

عقد (أدهم) حاجبيه لحظة ثم قال في غيرة :
- وإنت مهتم أوي جمانة تعبانة وأنا رفضت, ايه ياعم ما تخليك في حالك .

شعر بالغيظ للمرة المائة وقال :
- تصدق, كان المفروض أسيبها وتفوق إنت تلاقيها هي في غيبوبة .

ابتسم وقال :
- لا يا أدوم ده إنت حبيبي غيبوبة ايه بس, كفاية الرصاصة ....

قاطعه (آدم) بضحكة مرحة :
- أيوة والجرح والدم وكده, حفظتها .

ضحك هو الآخر ليختمها بتأوه مرة أخرى أثار قلق (آدم) فسأله :
- إنت الضحك بيتعبك للدرجة دي ؟

ابتسم (أدهم) وأجاب :
- يعني مش أوي, ماتضحكنيش بقى .

قال في حنان :
- ماشي بلاش ضحك .

اتسعت ابتسامة (أدهم) وهو يقول :
- ياحونين, كل ده بتجر ناعم عشان اللي بالي بالك ؟

ابتسم هو الآخر وقال :
- مشكلتك إنك فاهمني , ها, هاتخلي جمانة تكلمها ؟

فكر (أدهم) لثوان ثم هتف :
- طيب ماتكلمها إنت ؟ فاجأها وهوب قولها تتجوزيني ؟

ضحك (آدم) و غمغم :
- مجنون, هو أنا زيك ؟

(أدهم) متصنعا الحزن :
- بقى كده ؟

ربت (آدم) على كفه وقال :
- لا لا خلاص ماتزعلش, المهم تشوفني, ده أنا آدوم حبيبك .

تظاهر بالطيبة وهو يقول :
- طيب طيب عفونا عنك, هنشوف ونشاور البنت ونرد عليك .

ابتسم (آدم) ابتسامة واسعة وقال :
- متشكر اوي ياعمي, وإن شاء الله أبقى عند حسن ظن حضرتك .

أومأ (أدهم) برأسه في وقار وغمغم :
- أتعشم يا ابني, أتعشم .

ثم ضحكا سويا عندما دخلت (جمانة) للغرفة بصحبة شقيقتها والصغير (يوسف) وهي تقول :
- المقدم حمزة ده بجد إنسان ممتاز, ربنا يكرمه .

نظر (أدهم) و (آدم) لبعضهما البعض في غيظ وهتف (أدهم) في غيرة :
- ممتاز ليه يعني ؟

كان الرد من (لمياء) :
- يعني كان بيتكلم معانا ودي الأول قبل التحقيقات وخلافه وبيحاول يستنى لحد ماصحتك تتحسن للنهاية, غيره طبعا مش بيعملوا كده .

عادا ينظران لبعضهما البعض مرة أخرى والغيرة واضحة على وجه (أدهم) في مقابل الغيظ على وجه (آدم), مطت (جمانة) شفتيها في عدم فهم وصمتت .
جلسوا قليلا وجاء والديه وشقيقته لزيارته , كان سعيدا للغاية بالمودة الواضحة بين زوجته ووالدته, ويتطلع إليهما في حنان بابتسامة آسرة, بعد رحيلهم أتت إحدى الممرضات لتعطي (أدهم) أدويته في موعدها اليومي, خرجت (جمانة) لتتحدث في الهاتف وتطمئن على صغيرتها وعندما عادت وجدته يضحك في مرح والممرضة تكشف ذراعه لتحقنه بدواء ما, عقدت حاجبيها في غضب وهي تسمع الممرضة تقول في لهجة لم تعجبها :
- ها وجعتك ؟ انا ايدي خفيفة جدا على فكرة .

قالت (جمانة) في سرها " وجع في قلبك, ايه السهوكة دي ؟ ", لمحها تنظر إليه في غيظ فقال بمرح :
- لا خالص, فعلا ماحسيتش بحاجة, تسلم ايدك .

بدت السعادة على وجه الممرضة وهي تتطلع إلى وجهه الوسيم وكتفيه العريضين ثم قالت بدلال :
- تحب أحلق لك دقنك ؟ شكلك ماحلقتش من كم يوم, لو مش قادر تحرك ايدك ؟

نظر نظرة جانبية أخرى لزوجته التي احمرت وجنتاها وبدى أنها ستهجم على رقبتها وتقتلع رأسها عن جسدها ثم قال بابتسامته الآسرة :
- لا لا, أنا مش باحلقها أصلا باسيبها كده .

ابتسمت وقالت :
- فعلا كده أحلى .

أعطته قرصا من الدواء في فمه وتعمدت لمس شفتيه فعقد حاجبيه في ضيق لم تلحظه هي, ثم تراجع للخلف وهي تناوله كوبا من الماء قائلة :
- اتفضل, تحب أشربك ؟

وقبل أن ينطق كانت (جمانة) قد اكتفت فتدخلت قائلة في غضب :
- على فكرة هو ايده سليمة وبيعرف يمسك القرص ويمسك الكوباية .

انتفضت الممرضة في وجل وبدا على (أدهم) وكأنه يتسلى وينظر إليهما باستمتاع, التفتت بسرعة قائلة في توتر :
- أيوة يافندم عارفة بس أحيانا ممكن يكون الجرح بيتعبه ولا حاجة .

ردت (جمانة) في سخرية :
- والله فعلا, ممكن, معاكي حق .

ثم اقتربت منه وهو يتطلع إليها في صمت وخبث, وجلست إلى جواره وأمسكت بذراعه ثم حركته قائلة :
- أهو الحمد لله كويس مش بيوجعه .

التفتت بعدها إليه قائلة بصوت هامس :
- ايه ياحبيبي بيوجعك ؟

ابتسم لها ابتسامة واسعة وقال بهدوء :
- لا أبدا .

عادت تهمس :
- طيب ارفعه كده ؟ حاول تحطه على كتفي بس لوحدك شوف هتقدر ولا لا .

كان مستمتعا باللعبة للغاية فرفع ذراعه ببطء ووضعه على كتفها, اقتربت منه أكثر وقالت وهي تنظر إليها :
- الحمد لله طلع سليم .

توترت الممرضة وقالت بسرعة :
- الحمد لله, بعد إذنكم كده العلاج تمام .

ثم خرجت بسرعة من الغرفة, بعدها أبعدت (جمانة) ذراع زوجها والتفتت تتطلع إليه في حنق أما هو فانطلق يقهقه في مرح شديد زاد من غيظها, فهتفت :
- إنت بتهرج مش كده ؟ ماشي يا أدهم .

ضحك ثانية ثم أمسك يدها وقال في حب :
- أموت فيك وإنت غيران كده .

ابتعدت عنه وقالت في حنق :
- مش غيرانة على فكرة, بس إنت أوفر .

عاد يمسك كفها ويجذبها لتجلس إلى جواره هامسا :
- لا غيرانة وهتتجنني كمان, اعترفي .

التفتت إليه لحظة تتطلع إلى وجهه, ثم مدت يدها تتحس ذقنه فقبل أصابعها, وشعر بقلبه ينبض بقوة, قالت فجأة :
- دقنك دي هنحلقها خالص .

تراجع فجأة في دهشة, ثم قال :
- لا طبعا, أنا باحبها كده .

عاندته :
- لا هنشيلها من الصفر .

أصر :
- مستحيل .

سألته :
- ليه مستحيل بقى ؟

رد في خبث :
- أصل دي مغناطيس .

تطلعت إليه في دهشة وقالت :
- بقى كده ؟ ماشي استني عليا .

ضحك بشدة وضمها إليه هامسا في أذنها :
- بأموت فيكي يا مجنونة .

في تلك الليلة بعد رحيل الجميع كانت (جمانة) جالسة إلى جوار زوجها تطعمه بيدها في حنان, وهو يتطلع إليها في حب وابتسامة تعلو شفتيه, أنهت المهمة التي تصر على القيام بها على الرغم من استطاعته فعلها بنفسه لكنه يتركها من باب ( حد يلاقي دلع وما يدلعش ) , جلست أمامه قليلا تنظر إليه عندما سألها فجأة :
- هي لميا مش بتفكر في الجواز تاني ؟

اندهشت (جمانة) من سؤاله فصمتت لحظة ثم قالت :
- ليه بتسأل ؟

هز كتفيه وابتسم قائلا :
- جاي لها عريس .

علت الصدمة ملامحها هذه المرة, هتفت مشدوهة :
- عريس ؟

حافظ على ابتسامته وهي يجيب :
- الحقيقة عريسين .

ظلت تتطلع إليه في ذهول, ثم قفزت فجاة من فراشها لتجلس إلى جواره متطلعة إليه باهتمام وهي تسأل بسرعة :
- طيب احكيلي مين وامتى وازاي بسرعة ؟

ضحك في خفوت وهتف :
- ايه يامجنونة إنت بالراحة .

هتفت مرة أخرى :
- طيب طيب معلش احكي لي بقى بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .

عاندها قائلا :
- لا .

تراجعت وهي تمط شفتيها كالأطفال وتهمس في حزن :
- كده ؟ ماشي .

ابتسم وقال :
- لا لا مااقدرش على كده, خلاص تعالي هاحكي لك بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .

ابتسمت وأصغت إليه وهو يحدثها بجدية عن تقدم المقدم (حمزة) وأخيه (آدم) لخطبة شقيقتها, أنهى حديثه فابتسمت في سعادة وقالت :
- يعني دكتور آدم عاوز يتجوز لميا ؟

عقد حاجبيه في شك وأجاب :
- أمال أنا كنت بأقول ايه ؟

ابتسمت في صمت فسألها وهو يشعر بالغيرة :
- إنت مالك مبتسمة كده ليه ؟

أجابته :
- أبدا, دكتور آدم إنسان ممتاز وهيعوض لميا الألم اللي عاشته .

هتف في وجهها :
- نعم يا حلوة ؟ ممتاز وابتسامة وحونية, ايه ياحبيبتي لاحظي إنك قاعدة بتتكلمي مع جوزك .

تطلعت إليه في دهشة للحظات ثم ابتسمت وقال تشاغبه :
- آآآآه, معلش, نسيت إنك بتغير ع الحريم بتوعك .

عقد حاجبيه وقال :
- أيوة كويس إنك فاكرة, لو عملت كده تاني إنت حرة هيبقى لي تصرف تاني .

ضحكت وربتت على خده وهي تقول :
- لا لا, مش هاعمل كده تاني .

هز كتفيه وهو يقول :
- أيوة كده, المهم, ايه رأيك تلمحي لها ؟

فكرت للحظات, ثم قالت في شرود :
- اممممممم

زوى مابين حاجبيه وقال :
- ايه امممممم هو التلميح طعمه حلو ولا ايه ؟

ضحكت, ثم غمغمت :
- هاشوف, ولو اني مااضمنش رد فعلها, بس ربنا يسعدها, ويبقى خير إن شاء الله .

قال في حزم :
- قولي لها ع الاتنين, مش بس آدم .

ردت :
- أكيد .

تطلع إليها في صمت للحظات فشعرت بالخجل مما جعله يبتسم ويقول في مرح :
- هو احنا هنروح أمتى ؟

ضحكت في سعادة وقلبها ينبض بحبه ويقفز فرحا بعودته .
_______________________________

في اليوم التالي وفي مكتب المحامية (لمياء أبو الفتوح) جلس ذلك الشاب وهو يشعر بالارتباك, كان يرى أنه يقدم على خطوة حمقاء ليست من شيمه أبدا, لكنه وجد نفسه مدفوعا لاتخاذها خوفا من التأخر والانتظار, اتجه لسكرتيرتها في هدوء ووقف أمامها, لم تلتفت إليه فشعر بالضيق, تنحنح في ارتباك فرفعت عينين باردتين تجاهه في صمت منتظرة, قال في خفوت :
- ممكن أقابل أستاذة لميا ؟

سألت بعملية :
- حضرتك في ميعاد سابق ؟

أجاب في توتر :
- لا للأسف .

عادت تخفض عينيها منهية بذلك الحديث :
- لازم ميعاد سابق يافندم, أستاذة لميا مشغولة جدا, تقدر حضرتك تقابل حد من الأساتذة المحامين هنا وتعرض عليهم قضيتك .

شعر بالغضب, فقال في حزم :
- الموضوع شخصي .

رفعت عينيها إليه قائلة في برود :
- طيب يبقى مكانه مش المكتب يافندم .

قال بنفس اللهجة :
- طيب ممكن تبلغيها بالاسم لو سمحتي .

عقدت حاجبيها في ضيق وبدا عليها التأفف وهي تسأل رافعة سماعة الهاتف الداخلي للمكتب :
- طيب اسم حضرتك ايه ؟

أجاب بهدوء :
- آدم الحسيني .

حادثت مديرتها لتخبرها بالاسم والذي ما إن سمعته حتى سمحت بدخوله فورا, ابتسم هو في نوع من التشفي واتجه للمكتب, طرق الباب ثم فتحه ودخل تحمل شفتيه ابتسامة كبيرة تقابلها أخرى على شفتي (لمياء) وهي تقف مرحبة :
- اهلا دكتور آدم اتفضل.

وأشارت للمقعد أمام مكتبها فجلس عليه بهدوء وابتسامته لازالت تملأ وجهه, سألته بهدوء :
- ها تشرب ايه ؟

هز رأسه نفيا وقال :
- لا لا مالوش لزوم, أنا جاي في موضوع سريع وهامشي على طول .

أصرت :
- لا طبعا لازم تشرب حاجة .

عاد يبتسم وأجاب :
- اوك, نسكافيه .. بلاك .

ردت :
- تمام .

ثم طلبت قهوته ومشروبا باردا لنفسها, وتطلعت إليه في اهتمام ممتزج بالتساؤل جعله يتنحنح ويقول في ارتباك :
- مدام لميا الحقيقة مش عارف ابتدي منين, يمكن تصرفي دلوقتي مخالف تماما لفكري ومعتقداتي او حتى شخصيتي, بس أحيانا بتلاقي نفسك مضطر تعمل حاجة مخالفة لطباعك لمجرد الخوف من إن الحاجة اللي عاوزها تضيع منك .

عقدت حاجبيها ولم تفهم كما لم تتكلم, استطرد هو :
- امممم , هاكون سعيد جدا لو قبلتي تتجوزيني !

تراجعت في مقعدها فجأة شاعرة بالصدمة, ظلت تحدق فيه بصمت والحروف مجتمعة أعلى حلقها لا تستطيع الخروج , شعر هو بالخجل فأطرق برأسه أرضا وصمت, سمعها تقول :
- دكتور آدم, مش عارفة أقول لحضرتك ايه ؟

رفع عينيه إليها في لهفة وكاد يهتف " قولي موافقة " لكنه انتظر أن تتم حديثها فأكملت هي :
- الحقيقة حضرتك فاجأتني بطلبك, وطلبك .... حاجة مش بافكر فيها في الوقت الحالي أبدا .

شعر بالصدمة هو الآخر فاندفع يقول :
- مدام لميا من فضلك, خدي وقت وفكري, بلاش تردي بسرعة عادي تاخدي مهلة تفكري فيها وتستخيري وتستشيري .

أطرقت هي الأخرى برأسها أرضا وقبل أن تجيب طُرِق الباب ودخل منه عامل البوفيه يحمل صينية عليها قهوته السوداء ومشروبها البارد وضعها على المكتب أمامهما ثم انصرف, تطلع إليها في صمت يخالطه بعض الأمل, تنهدت ثم قالت في خفوت :
- دكتور آدم هأكون صريحة معاك, أنا لسه خارجة من تجرية بالنسبة لي كانت قاسية جدا, حرمان من غريزة اتولدت بيها بعدها حرمان من الشخص اللي تساهلت في حرماني من أمومتي عشانه, بطعنة غدر, حاجات كتير انكسرت جوايا وسببت لي آلام مالهاش عدد, حاجات تخليني ما عنديش أدنى استعداد للارتباط بأي حد, ع الأقل في الوقت الحالي, يمكن الحاجات دي تتغير بعدين ويمكن تفضل موجودة معايا للأبد, للأسف انا باحترم حضرتك جدا وطلبك أكيد بأقدره, لكن مش هاقدر أقبله .

أنهت كلامها ثم صمتت, لم يدر ما يقول, كان يريد مجابهتها والإصرار على مطلبه, لكن جرحها الذي رآه ينزف أمامه منعه, وألزمه رداء الصمت احتراما لوجع تعانيه, بالفعل زاد تقديره لها وشعر أنها هي, هي المناسبة له وربما عوضها ابنه قطعة من الحرمان الذي عاشته ولا زالت تعيشه, فكر لدقيقة أو أكثر ثم كان صوته حازما حنونا في مزيج مدهش وهو يقول :
- على فكرة, أنا مش ملول, وصبري لأبعد حد, خدي وقتك في التفكير وأنا مش مستعجل, شهر اتنين سنة او اتنين, أنا منتظر, مش سهل تلاقي حد تكون عارف ومتأكد إن هو ده اللي بيكملك, ولما تلاقيه مستحيل تقدر أو تجرؤ إنك تسيبه يضيع من إيدك أيا كان السبب, أنا اتعودت دايما إني احط هدف قدامي وأكون عارف إني هأقدر أحققه, دايما أهدافي بأكون عارف إني هاوصلها حتى لو اتأخرت شوية .... وإنت هدفي الجديد, أنا هافضل منتظر موافقتك وخدي كل الوقت اللي تحتاجيه, لأني مش هاتنازل عن هدفي اللي هو إنتِ أبدا .

كانت تتطلع إليه في دهشة, لم تستطع الرد, أما هو فأنهى حديثه ومنحها ابتسامة حنون, تاركا بصمة على جدار ألمها وانصرف , انصرف على وعد بلقاء جديد, وعد لم ينطقه بلسانه, إنما عبرت عنه كلماته التي ظلت تحلق في سماء عقلها حتى بعد أن رحل من أمام ناظريها .
_____________________________

مر شهرين استعاد فيهما (أدهم) كامل طاقته وعاد لممارسة حياته بشكل طبيعي, عاد لعمله مع أخيه الذي كان يحاول باستمرار هدم سور الانكسار وجدران الألم المحيطة بالمرأة التي يراها تسد نقاط ضعفه وتكمل نقصانه, ظل دوما يحاول معها وشقيقتها تحاول ومازال هو على وعد بالصبر والانتظار على أمل مهما طال الوقت .

وفي يوم كانت (جمانة) واقفة في مطبخها تفكر في زوجها وهي تطهو له الطعام وتضع لمساتها المميزة وكأنه صغيرها لتسعده, أما (أدهم) فقد كان جالسا يتابع أحد أفلام الكرتون ويضحك مع (ملك) و تبدو سعيدة للغاية وهي تحتضن دميتها عندما سمع صوت (جمانة) تناديه فذهب إليها, وجدها تستند إلى حوض المطبخ ويبدو عليها الإعياء, فاندفع نحوها هاتفا في لهفة :
- ايه مالك يا جمانة ؟

تنحنحت وقالت في إعياء :
- مش عارفة دخت فجأة وأنا باطبخ وبعدين حسيت بقرف فظيع ووجع في معدتي, مش قادرة أكمل يا أدهم .

أسندها وهو يخرجها من المطبخ وقال :
- طيب يا ستي خلاص ما حبكش طبيخ, تعالي استريحي ونبقى نجيب أي حاجة من برا.

أومأت برأسها وهي تسير معه ثم سألته :
- هتجيب ايه ؟ عشان ملك ؟

فكر لثوان ثم قال في خبث :
- امممم ايه رأيك نجيب بيتزا .. سي فوود ؟

توقفت تنظر إليه ثم ضحكت وهي تقول :
- برده سي فوود ؟ ايه مش بتزهق ؟

اقترب منها وقال يداعبها :
- لا طبعا أزهق إزاي يعني ؟

لكنها تراجعت للخلف وردت :
- لا بلاش سي فوود بطني بتوجعني .

رفع حاجبيه وتساءل :
- الله وايه علاقة بطنك بالموضوع ؟

قالت بمشاغبة :
- سي فوود لا .

جذبها من يدها واتجه نحو (ملك) ثم سألها :
- ملوكة تاكلي بيتزا ؟ بالجمبري امممممممم ؟

ابتسمت الصغيرة في فرح وقالت :
- بيتزا أيوة باحبها .

التفت لزوجته وهتف :
- شفتي حتى ملك بتحبها, ده إدمان يابنتي, إدمان .

تنهدت في استسلام وقالت :
- خلاص سي فوود سي فوود وأمري لله .

ضمها إليه وهو يضحك ثم قال :
- أيوة كده أحبك وانت مؤدب وبتسمع الكلام .

بادلته ضحكته وانتظروا سويا حتى وصل الطعام فجلسوا يأكلون, وبعد أن أكلت (جمانة) بضع لقيمات شعرت بمعدتها تؤلمها للغاية وبرغبة شديدة في القيء فألقت الطعام من يدها وقامت مسرعة تجاه الحمام فقام يتبعها بقلق, رآها تفرغ معدتها فعقد حاجبيه وانتظر حتى انتهت فسألها :
- خير مالك يا جوجو ؟

ردت في إعياء وهي تستند للحوض :
- مش عارفة يا أدهم معدتي فجأة وجعتني وماقدرتش استحمل الأكل.

اقترب منها قائلا :
- طيب تعالي اقعدي, وكمان شوية نروح للدكتورة نشوف معدتك مالها.

قالت بسرعة :
- لا لا مالوش داعي أنا شكلي بس أخدت برد فيها ومحتاجة أنام شوية .

جاءها رده حاسما :
- خلاص استريحي دلوقتي وبعدين هننزل للدكتورة ضروري .

عادت تمانع :
- يا أدهم مالوش ...

لكنه قاطعها :
- شششششش هنروح كمان شوية, روحي استريحي .

عادت تتنهد في استسلام عندما رن هاتفه الجوال فاتجه إليه ونظر ليجد أخيه (آدم), ابتسم والتقط الهاتف ورد :
- آدوم, السلام عليكم .. عامل ايه ؟ لا تاني ؟ يابني مش هينفع النهاردة ... طيب خلصهم إنت ... لا مش هاقدر ... ايوة جمانة تعبانة شوية وهنروح للدكتور .

لاحظ إشارتها له من بعيد فنظر إليها في صرامة وأشار لها بالصمت ثم عاد يقول :
- صدقني مش هينفع ... طيب يعني هتروح لوحدها ؟ ... اممممم خلاص خلاص هاشوف وارد عليك ... تمام .. ماشي ماشي خلاص بقى ... بيتزا سي فوود تاكل ؟ .... ههههههههههههه خليك في حالك يابني .. ماشي سلام بقى .

سألته :
- خير ؟

رد :
- آدم عاوزني أرجع الشركة عشان في ورق مهم لازم نراجعه النهاردة ونخلصه ضروري وهيتسلم الصبح .

قالت :
- طيب خلاص روح .

عقد حاجبيه وقال :
- والدكتورة .

هزت رأسها وهي تهتف :
-انا كويسة صدقني بس هادفي بطني وانام شوية .

أصر على رأيه قائلا :
- لا هتروحي يعني هتروحي, كلمي لميا خليها تيجي معاكي يا إما هاكبر دماغي وآجي معاكي أنا .

قالت بسرعة :
- خلاص خلاص هاكلمها وأمري لله.

وعاد (أدهم) للشركة وذهبت هي للطبيبة مع شقيقتها, تأخر هو في العمل حتى شعر بالإرهاق فأغلق الملف أمامه وقال لأخيه :
- آدم كفاية بقى أنا تعبت بجد وبعدين عاوز أطمن على جمانة, يلا نروح.

داعبه أخيه قائلا في خبث :
- أيوة ياعم عندك اللي تطمن عليهم ويطمنوا عليك, مش زينا غلبانين مقهورين .

هتف يغيظه :
- إيه ياعم وصلة القر دي, وانا اقول البنت تعبت ليه اتاري ! روح اتجوز يابني وخلينا في حالنا.

هتف :
- هو أنا قلت لا, كلموهالي خلوها توافق وانا اتجوز من بكرة .

ضحك (أدهم) وقال بمرح :
- ياعيني ع الحلو لما تبهدله الأيام !

رد بغيظ :
- أيوة دلوقتي شمتان في عشان متبهدل كده ؟ ماشي ماشي الله يرحم أيام زمان .

استمر (أدهم) في الضحك فقذفه (آدم) بقلم كان في يده جعله يهتف :
- ايه ده ؟ بالقلم كمان يا آدم, بقى كده ؟

ضحك وقال :
- أيوة كده عشان تبقى تشمت فيا.

قبل أن يرد ارتفع رنين هاتفه يعلن عن وصول رسالة قصيرة, عقد حاجبيه في استغراب ثم التقطه ليجد رسالة زوجته المختصرة " أدهم أنا تعبانة اوي, إنت اتأخرت ليه ؟", نهض بسرعة من مقعده وهو يكاد يجن وهتف في أخيه :
- آدم انا هامشي, جمانة الظاهر تعبت بزيادة .

شعر (آدم) هو الآخر بالقلق فقال :
- ياخبر, طيب ابقى طمني .

اومأ برأسه وهو يلتقط مفاتيح سيارته ويخرج بسرعة للحاق بحبيبته, وصل المنزل ليجد الصمت والهدوء في مقابله, كان طوال الطريق يحاول الاتصال بها لكن هاتفها كان مغلقا وكان هذا يعتصره قلقا, اتجه من فوره لغرفة النوم فوجدها نائمة في عمق, ذهب إليها وجلس إلى جوارها, ربت على كتفها برفق هامسا :
- جمانة حبيبتي, طمنيني ؟ عملتي ايه ومالك ؟ ايه الرسالة اللي بعتيهالي دي ؟

التفتت إليه بهدوء وقالت :
- أبدا مفيش ياحبيبي .

هتف :
- إنت صاحية ؟ طيب طمنيني الدكتورة قالت لك ايه ؟

ردت بأسى :
- الدكتورة قالت لي عندي حاجة غريبة علاجها هياخد مش أقل من 8 شهور .

سقط قلبه بين قدميه وهتف في لوعة :
- حاجة ايه ؟

مطت شفتيها في حزن :
- حاجة فظيعة عادة عند الستات بتيجي صغننة خالص وبعدين تفضل تكبر تكبر تكبر لحد ماتتضخم, تخلي الواحدة مش عارفة تتحرك أو تتنفس كويس أو تاكل وتشرب, لحد ما ربنا يريد .

عقد حاجبيه في عدم فهم وهو ينظر إليها في قلق, فضحكت فجأة وهي تهتف :
- ياربي يا أدهم ! للدرجة دي الموضوع صعب ومش قادر تخمن ؟

تراجع في دهشة وهي لاتزال تضحك وهو على صمته وعدم فهمه, حتى هزت رأسها وأخذت كفه ووضعته على بطنها برفق :
- سلم على ابنك, أنا حامل .

بدلا من تخف دهشته ازدادت حتى باتت للذهول أقرب وهي تنظر إليه في تعجب, ثم وكأنما أفاق فجاة من الصدمة هتف :
- حاااامل ؟

ابتسمت وهي تومئ برأسها في صمت, في اللحظة التالية كان وجهه لوحة ممتازة لمشاعر غريبة متخلطة, فرح, دهشة, ذهول, ابتسامة رائعة علت شفتيه ثم ضمها لصدره فجأة وهو يهمس :
- حامل ؟

استغربت ترديده للكلمة فهمست عند قلبه :
- أيوة .

عاد يبعدها عنه ويقول في غيظ :
- وتجيبيني مخضوض وسايق زي المجنون وتقوليلي حاجة وبتكبر, أعمل فيكي ايه دلوقتي ؟

ابتسمت وردت :
- حبني اكتر .

تطلع إليها في حب ولهفة وقال :
- أكتر من كده, أموت .

هتفت :
- بعد الشر ماتقولش كده .

اقترب منها وقال بلهجة ذات مغزى :
- طيب ما انا باموت اهو, مفيش تنفس صناعي .

ابتعدت عنه في دلال وقالت :
- لا مفيش, ممنوع .

اتسعت عيناه وتساءل في صدمة :
- ممنوع ؟ هو ايه اللي ممنوع ؟ يعني ايه ممنوع ؟ ممنوع إزاي يعني ؟ إنت بتهزري ؟ ولا بتستهبلي ؟

أوقفته ضاحكة :
- ايه ايه, لا باهزر ولا حاجة, بجد ممنوع, بأمر الدكتورة .

هتف :
- نعم, ده جاي عليَّ بخسارة بقى .

أومأت برأسها إيجابا وقالت :
- أيوة, وبعدين ماهو إنت السبب, يعني هو جه لوحده ؟

زم شفتيه في غضب طفولي أضحكها ثم قال :
- يعني هنبطل السي فوود ؟

ضحكت مرة أخرى فهتف بها :
- بطلي ضحك بقى, مش فهمتك قبل كده ضحكتك بتعمل فيا ايه ؟

ردت بابتسامة مشاغبة :
- أيوة, بتخليك مجنون, وانا عاوزاك دايما مجنون .

اقترب منها أكثر وقال بهدوء :
- بس جنوني خطر .

همست :
- مش باخاف من الخطر طول ما أنا معاك .

ضمها لصدره بحنان, وفي خياله رسم مستقبل أسرته الصغيرة وحلم بطفله الذي ينمو بالقرب من قلب خليلة روحه ويشاركها نبضه .

تمت بحمد الله

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close