رواية خارج اسوار القلب الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم صابرين الديب
الفصل الرابع والعشرون
__________________
جلس (كمال) يتطلع إلى أخيه (عبد الرحمن ) وهو يتحدث في الهاتف باهتمام وتابعه يقول :
- أيوة يا فهمي عملت ايه ؟ ... آه ... وابنه ده هو اللي ماسك الشركات دلوقتي ؟ يعني هو ماعادش بينزل شغله خلاص ؟ ... آه آه ..معاه اخوه الكبير اللي كان برا البلد ؟ .. آه ... ايه ؟ إنت بتقول ايه ؟؟ وعرفت الكلام ده إزاي ؟ ... كمان شهر عقاري ؟ .. يعني رسمي ؟ ... نهارها زي وشها بنت ***** دي .. اقفل يافهمي اقفل .
ثم وضع سماعة الهاتف في عنف وهو يصرخ :
- يابنت الـ ****** يا ******* .
هب (كمال) واقفا في عصبية وهو يسأله :
- خير ياحاج ؟ عملت ايه تاني الفاجرة دي ؟
رد الحاج وهو يشعر بالذهول :
- باعت الأرض لجوزها .
انتفض (كمال) في عنف وهي يصرخ :
- ايه ؟ باعتها لجوزها ؟ دي مقصودة بقى !
نظر إليه الرجل في تساؤل فأكمل في غضب :
- يعني تتجوز فجأة وتبيع له الأرض في أسبوع ؟ أكيد قاصداها عشان تخلص من المشاكل وتحطه هو في وش المدفع .
عقد أخيه حاجبيه في غضب رهيب وهو يقول :
- تفتكر كدِه ؟
عاد (كمال) يصيح في عصبية :
- أمال ايه يا حاج, لكن وعزة جلال الله لأعرفها إنها حطته في وش مدفع ما بيرحمش بنت الـ ****** دي .
انتبه الرجل لكلمات شقيقه فهتف فيه بصرامة :
- كمال انت ما تعملش حاجة نهائي فاهم ولا لا ؟ أني اللي هاتصرف, عيال الحسيني ما ينفعش نلعب معاهم خصوصا اللي هي اتجوزته دِه هو اللي ماسك السوق دلوقتي وتلت تربع شغلنا غير الزراعة في ايده, أني هاحل المشكلة من غير ما تدخل فاهم ولا لأ ؟
عقد (كمال) حاجبيه في غضب شديد وبدا للحظة أنه سينفجر في وجه أخيه لكنه تراجع وزم شفتيه مجبرا لسانه على الصمت وأطلق العنان لعقله في خطة شيطانية صفق الشيطان له فيها .
_______________________________
في اليوم التالي تلقى (أدهم) اتصال من الحاج (عبد الرحمن) استغربه في البداية لكن الرجل أبلغه أن والدة (جمانة) هي من أعطته الرقم بديلا عن رقم زوجته, وعندما سمع هذه الجملة استشاط غضبا, هل كنت تريد محادثتها هي ؟ لكنه كتم انفعاله مخاطبا الرجل بهدوء ومرحبا به ليقابله هو (جمانة) للحديث بشكل ودي بخصوص الأرض, عاد يومها (أدهم) من عمله ليجد (ملك) في انتظاره مع زوجته وما إن رآها حتى ابتسم لها بحنان وهتف مادا ذراعيه إليها :
- ملوكة حبيبتي تعالي.
بادلته ابتسامته واتجهت إليه بخجل فاتكأ على ركبتيه على الأرض ليصل لمستواها ثم طبع قبلة حانية على رأسها وهو ينظر لوالدتها قائلا في لهجة ملتوية :
- وحشتيني أوي .
كانت نبرة صوته عميقة ونظرته لها صريحة فشعرت بالخجل وأطرقت برأسها أرضا, إنه يلعب بأوراق مكشوفة منذ حديثهما الأخير ولعبة القط والفأر بينهما اتخذت منحىً آخر, أما هو فابتسم في مرح وقال مخاطبا الصغيرة :
- تعالي, النهاردة جبت لك حاجة جديدة اول ما شفتها افتكرتك إنت و ماما على طول .
بادلته ابتسامته وهي تهتف في براءة :
- لعبة جديدة ؟
أومأ برأسه إيجابا في حنان وأجاب :
- أيوووة, بس مش عاوزك تتخانقي مع ماما عليها ماشي, العبوا مع بعض .
عقدت (جمانة) حاجبيها في تساؤل في حين أخرج هو من كيس هدايا كبير كان يحمله علبة كبيرة نوعا وجلس أمام (ملك) على الأرض وجلس يفضانها سويا في مرح, أخرجت (ملك) من العلبة دمية متوسطة الحجم تكاد تماثلها هي حجما لأحد الشخصيات الكرتونية الشهيرة, وعندما رأتها هتفت في سعادة :
- كرتي البعبع .
في حين ابتسمت (جمانة) في سعادة وعندما رفع عينيه إليها تحولت ابتسامتها للخجل فقال لها :
- تلعبوا مع بعض من غير خناق ماشي, كنت هاجيب لكل واحدة واحدة بس للأسف مالقيتش غيرها .
ضحكت في رقة أذابته فقام واقفا واتجه إليها وهي تنظر إليه مسلسلة بأصفاد عينيه, وقف أمامها تماما ثم تلفت حوله كأن هناك مايريبه مما أضحكها مرة أخرى فعاد ينظر إليها وهتف فيها همسا :
- إنت مش خايفة على نفسك ؟
تلاشت ابتسامتها وتساءلت في عدم فهم :
- خايفة ؟ من ايه ؟
عاد يتلفت حوله ثم انحنى نحوها غامزا بعينه وقال في مرح :
- مني طبعا.
زمت شفتيها في غيظ ثم جابهته قائلة :
- لا هاخاف منك ليه ؟
نظر إليها بسخرية وهو يرفع حاجبه وألقى نظرة على الصغيرة المشغولة بدميتها, ثم عاد يلتفت إليها ورد وهو يعض شفته السفلى ناظرا إليها بشغف مما أثار خجلها :
- عشان ضحكتك دي بتخليني مجنون .
نظرت لأسفل ووضعت كفها على شفتيها وقالت من خلفه :
- خلاص مش هاضحك .
سخر منها قائلا :
- احسن, ليا وليكي .
ثم عاد يلاعب الصغيرة عندما تذكر اتصال الحاج (عبد الرحمن) به فعاد ينظر إليها قائلا بجدية :
- عم ملك اتصل بيا النهاردة ؟
شعرت بالدهشة وتساءلت :
- الحاج عبد الرحمن ؟
أجاب :
- أيوة, عاوز يجي يقابلنا, حاولت اقنعه اقابله أنا بس هو مصمم يتكلم معاكي, بصراحة الفكرة مش عاجباني ولا مريحاني بس اضطريت أوافق عشان ننهي الموضوع ده بقى .
نظرت إليه في صمت فشعر بقلق من مجرد سوء فهم لكلامه, فأكمل بلهجة ذات مغزى :
- ورانا حاجات أهم .
ها هي تخجل, إذن فلم تفهمني خطأا, هكذا حدث نفسه ثم عاد يقول لها :
- حددت له ميعاد كمان يومين نكون قررنا هنتصرف إزاي وتشوفي هتعملي ايه ؟ هتبيعيها ولا تحتفظي بيها وكده, ابقي اقعدي مع لميا واتفقوا وبلغوني رأيكم النهائي.
أومأت برأسها إيجابا في صمت حينما علا رنين هاتفها فالتقطته لتلقي نظرة على اسم المتصل وقالت :
- ده دكتور حسام, إنت فاكره ؟ اللي بيدير الصيدلية .
شعر بالغيظ وقال في نفسه, وكيف يمكنني نسيانه أو نسيان نظراته إليكِ ؟ لكنه سألها بسرعة :
- وجاب نمرتك إزاي وعاوز إيه ؟
هزت كتفيها وأجابت :
- هي معاه من زمان من ساعة ما مسك الصيدلية, وأكيد بيكلمني عشان ميعاد الحساب الشهري والمتابعة وكده .
مد يده إليها وقال في حزم :
- طيب هاتي الموبايل .
تطلعت إليه بدهشة وإلى يده الممدودة ورنين الهاتف يتصاعد فعقد حاجبيه ونظر إليها في صرامة فألقته في يده, التقطته وهو يهز رأسه ويجيب :
- السلام عليكم !
أتاه صوت (حسام) يقول في ارتباك :
- وعليكم السلام , ممكن أكلم مدام جمانة ؟ ده تليفونها مش كده ؟
رد بهدوء :
- أيوة, وانا جوزها يادكتور حسام .
شعر بصوته يتوتر وهو يقول :
- هي مدام جمانة اتجوزت ؟ أأأأ .. ألف مبروك يافندم .
رد بنوع من الشماتة :
- الله يبارك فيك يا دكتور, خير محتاج حاجة ؟
جاءه الرد بنفس الارتباك :
- لا لا أبدا, بس ميعاد المراجعة الشهري وكده فكنت باتصل بمدام جمانة أتفق معاها ع الميعاد اللي يناسبها.
رد (أدهم) بحزم :
- لا خلاص يا دكتور بعد كده أنا هاتابع الصيدلية واي تعاملات تخصها هتكون عن طريقي شوف الميعاد اللي يناسبك وأنا هاجيلك .
شعر بارتباك (حسام) يزداد لكنه تجاهله بل وأسعده ذلك, واتفق معه على موعد مناسب لكليهما ثم أنهى المكالمة.
التفت إليها وقال في حزم :
- الشريحة دي هنغيرها بقى ونمرتك الجديدة ماتديهاش لأي حد اتفقنا ؟
نظرت إليه بطريقة غريبة لكنها خضعت لرغبته في صمت, عاد يقول :
- وحاجة تانية, بالنسبة لموضوع الشغل, اعملي حسابك خلاص, هتقعدي في البيت .
هتفت بدهشة واستنكار :
- ايه ؟ لا لا طبعا , احنا مااتفقناش على كده, لازم اشتغل.
نظر إليها في ثبات وقال :
- جمانة مفيش نقاش في الموضوع, مااحبش مراتي تشتغل وتحتك بأي حد, انا واحد بأغير جدا.
شعرت بالغضب فزمت شفتيها وأدارت وجهها بعيدا عنه وإن أسعدتها عبارته للغاية, فاتجه إليها وأمسك بذقنها وأدار وجهها إليه فأسبلت جفنيها لا تريد النظر إليه, تحداها قائلا :
- بصي لي أحسن لك .
سحبت وجهها من يده وتراجعت وهي تقول في عناد :
- هتعمل ايه يعني ؟
رد بلهجة خاصة :
- من ناحية هاعمل فاللي يتعمل كتير, بلاش بس تستفزيني.
أصرت على عنادها وقالت :
- أنا مش باستفزك إنت بتستفزني أكتر .
عقد حاجبيه وقال :
- بقى كدة ؟
ردت :
- آها .
عاد يلتفت للصغيرة ليجدها مشغولة بالتلفاز وهي تحتضن دميتها فاستدار إليها مرة أخرى وهي جالسة أمامه وبسرعة طبع قبلة صغيرة على شفتيها جعلتها تشهق في صدمة ثم قال بابتسامة منتصرة :
- دي عينة بس, وكل ما استفزيتيني اكتر العقاب هيبقى اكبر , ها تحبي تكملي استفزاز ؟
عقدت حاجبيها في غضب رفع له هو حاجبه في سخرية ثم قامت من أمامه بسرعة متجهة لغرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنف, ظل يتطلع للباب لثوان وقلبه يخفق في جنون لتلك القبلة الخاطفة ثم شعر بالحنق وقال لنفسه " ايه ده هي زعلت ولا ايه ؟ أنا عكيت ؟ يادي المصيبة , طيب يعني أعمل ايه بس ياعالم, أنا اللي جبته لنفسي لازم اوعدها بوعد غبي زي ده حتى لو مؤقت, ماكنتش في وعيي ساعتها ؟ " .
لم يدري ماذا يفعل هل يتبعها أم يبقى في مكانه حتى تهدأ, لم يستطع أن يبقى ساكنا فقام واتجه للصغيرة ابتسم لها ثم ربت على رأسها وتركها متجها للغرفة, كاد يطرق الباب لكنه تراجع, "لا لن أتركها تعتقد أنني أشعر بالذنب, فما فعلته هو نداء قلبي ونتيجة لعنادها ", فتح الباب بهدوء ثم دخل وأغلقه خلفه, وجدها جالسة على الفراش والغضب يطل من ملامحها فبدت أكثر جمالا, قال يغيظها :
- إنت قاعدة كده ليه ؟
أدارت وجهها للجهة المقابلة ولم ترد فعاد يقول في مرح :
- إنت اللي استفزيتيني الله وأنا مالي .
قالت في استياء وهي تلتفت إليه :
- أدهم هو ده اتفاقنا ؟
أمال أذنه تجاهها وتساءل في خبث :
- ايه ؟ مش سامع, سمعيني تاني كده ؟
ازداد حنقها وصمتت فعاد يقول :
- سمعيني تاني, أول كلمة نطقتيها كانت ايه ؟
كانت غاضبة فلم تشعر بالخجل او تهمها دعابته فهتفت :
- قلت أدهم, ايه غريبة يعني ؟
ضحك ثم قال بلهجة حالمة :
- لا مفيش بس مبسوط إني باسمعك بتناديني كده ببساطة, لو ده هيخليكي تبقي كده هاعمله كل يوم, أو يمكن بعد الوجبات.
زمت شفتيها في غضب وصمتت تماما, إقترب منها وحاول أن يجلس إلى جوارها فهبت واقفة لتبتعد عنه لكنه أمسك يدها ووقف قُبالتها وابتسم هامسا :
- شكلك إنت نسيتي اتفاقنا .
لم ترد مرة أخرى فمد يده يرفع وجهها لتنظر إليه لكنها دفعت يده في غضب وهي تهتف :
- برده تاني ؟
اتسعت ابتسامته وقال :
- خلاص بصي لي وأنا مش هاعمل حاجة.
ابتعدت عنه ونظرت إليه والغضب مرسوم على محياها فزادها بهاءا خفق له قلبه, تطلع إليها بحب أخجلها فخفضت عينيها مرة أخرى فقال :
- المهم إحنا مش عملنا اتفاق جديد ؟
رفعت عينيها إليه في تساؤل فأكمل :
- هتسيبيني أهدم السور ؟ لحد ما أوصل جواه واشيل البوابة اللي قفلها مصدي دي.
فهمت ما يقصده فابتسمت وقالت وهي حانقة :
- احنا قلنا هتهدمه مش تنط من فوقه, دي حمرأة .
ضحك بمرح وعاد يسلط عينيه عليها حتى كاد يذيبها أمامه لكنه قال في تخابث :
- هي دي نطة ؟ إنت اللي بتحمرأي, ده مشروع فاشل.
ثم اتجه نحوها فتطلعت إليه في قلق وفي عينيها نظرة منذرة بالويل لكنه لم يهتم وهو يهمس :
- أنا ممكن اوريكي يعني ايه نطة من فوق السور, زي أيام المدرسة زمان .
تراجعت للخلف لكنه اقترب أكثر وهي لا تدري لما تشعر بخدر في جسدها حتى قلبها وعقلها, اصطدمت بالدولاب فكادت تغوص فيه وهو مازال على عناده حتى وقف أمامها تماما, رفع وجهها إليه بأصابعه فكادت تحترق من لمسته, لكنه تراجع فجأة عندما سمع الصغيرة (ملك) تنادي والدتها وهي تبكي, اتجه مسرعا نحو باب الغرفة وفتحه ليجدها واقفة أمامه تبكي والنعاس يداعب عينيها, ابتسم في حنان ثم حملها برفق وقال لها :
- ايه يا ملوكة عاوزة تنامي ؟
أومأت برأسها إيجابا فاتجه بها لغرفتها تتبعه (جمانة) وقلبها ينبض بقوة وعيناها تتابعانه وتختلجان لرؤية حنانه مع طفلتها, نعم كادت تستسلم ولو تأخرت (ملك) لدقائق لكانت الآن .... شعرت بالخجل يكسوها عندما وصلت بتفكيرها لهذه النقطة ونفضت رأسها بعنف, وصلت لغرفة (ملك) فوجدته قد وضعها في السرير ووضع فوقها غطاءها المفضل وجلس بجانبها يربت على شعرها وهو يمسك بقصة مصورة صغيرة ويحكي لها منها, رآها فأشار لها بالصمت, فابتسمت ثم انسحبت بهدوء, بعدها بدقائق خرج من الغرفة وأغلق بابها بهدوء شديد, اتجه لغرفة المعيشة ليجد (جمانة) تحتضن الدمية وتتابع التلفاز بلا اهتمام, اقترب منها وجلس إلى جوارها, فشعرت بالارتباك, سألها في خبث :
- هو إحنا كنا بنقول ايه ؟
ردت بسرعة :
- ماكناش بنقول حاجة, يلا ادخل نام عندك شغل بدري.
رفع حاجبيه وعلت شفتيه ابتسامة سخرية ثم سألها :
- طيب وإنت مش هتنامي ؟
ردت وصوتها به لمحة غضب :
- لا كمان شوية ماانا مش باشتغل بقى أسهر براحتي.
علم أنها غاضبة بسبب قراره لكنه أبدا لن يتراجع فيه وإن اضطر لسلسلتها في المنزل, قال بعد فترة صمت :
- طيب على رأيك, انام أحسن وخليكي براحتك.
ازداد غضبها لكنها لم تعلق فدغدغ رقبتها مما جعلها تنتفض من مكانها بسرعة أضحكته وهتف :
- ايه ياجميل بتغير ولا ايه ؟
قذفته بوسادة صغيرة هاتفة :
- روح نام يلا .
ضحك مرة أخرى ثم أرسل لها قبلة على أصابعه في الهواء أشعلت وجنتيها خجلا خاصة عندما قال بعدها :
- ماتمسكيهاش, هي عارفة طريقها .
أدارت وجهها بعيدا فعاد يقول :
- ماتحاوليش, تلفي يمين تلفي شمال هتروح بيتها يعني هتروح .
شعرت به يقترب فهبت واقفة ليضحك مرة أخرى وهو يقول :
- تصبحي على خير .
ردت بسرعة كأنها تدفعه دفعا للذهاب :
- وإنت من أهله.
غمزها بعينه ثم اتجه لغرفتهما ببطء وكأنه يتعمد إثارة أعصابها أكثر ثم دخل وأغلق الباب خلفه في هدوء, وتركها لخيالها بعدما ترك بصمته هناك .
__________________________
كانت (دينا) جالسة مع والدتها وهي تكاد تجن, تقضم أظافرها وتنقر بأصابعها وتهز قدميها, مثالا مجسدا للعصبية في أقوى صورها, قالت لها والدتها وهي تشعر بالخيبة :
- وبعدين يا دينا ؟ هتفضلي كده كتير ؟ اتجوز خلاص وماعملناش حاجة, بقى عرفت تاخده منك وأنا باقول عليكي هتجيبيه لحد هنا.
هتفت في عصبية زائدة :
- يووووووه يا مام, خلاص بقى يعني أعمل ايه أكتر من اللي عملته, أقتلها مثلا, الموضوع خلاص انتهى .
اندهشت والدتها وصاحت فيها :
- إنت أكيد مش في وعيك, يعني ايه انتهى ؟
صاحت (دينا) هي الأخرى :
- مام كفاية بقى, أنا زهقت .
ثم فكرت لثانية أكملت بعدها :
- أنا هاكلم طارق أخليه يتصرف لو حتى هيلبسها مصيبة وتغور من وشي .
ضحكت والدتها في سخرية وثالت :
- طارق عمره ما هيتدخل بشكل واضح يا دينا, دايما بيساعدك في الضل مادام مش محروم من حاجة معاكي .
كادت تصيح في عصبية مرة أخرى عندما قاطعها رنين هاتفها, التقطته لتجد (هشام) في اسم المتصل, عقدت حاجبيها وألقته ثانية وهي تهتف بقرف :
- وده عاوز إيه هو كمان, مش ناقصة قرف بقى .
سألتها والدتها :
- مين بيتصل ؟
أجابت :
- اللي اسمه هشام ده, خلاص الموضوع باظ عاوز ايه تاني.
شجعتها والدتها :
- طيب ماتردي يمكن عنده فكرة ولا خطة جديدة تنفع .
عاد رنين الهاتف يتصاعد من جديد فأمسكت به وفتحت الخط وهي تضفي على صوتها أكبر قدر من النعومة وتقول :
- إتش إزيك ؟ فينك من زمان ؟ آسفة جدا على آخر موقف كان بيننا فعلا كنت هاتجنن يومها وماعرفتش باعمل ايه ... ايه بتتكلم جد ؟ .. احكي لي ... امممممم مش هينفع متأكد ؟ ... طيب لمحة سريعة .... إزاي ؟ أوك هاقابلك في النادي ... ليه لا ؟ ياسلام ؟ ... طيب أوك اديني العنوان ... أيوة تمام كتبته خلاص ... آجيلك إمتى ؟ ... اوك سي يو ذين See you then يابيبي .
وأغلقت الخط فسألتها والدته في لهفة :
- ها قالك ايه ؟
عادت لها حيويتها وهي تقفز من مكانها متجهة لدولابها لتنتقي منه شيئا مناسبا وهتفت :
- بيقول عنده خطة جديد هتمحي جمانة من حياة أدهم بأستيكة وتدمر حياتها نفسها .
ابتسمت الأم وبرقت عينيها في جذل وسألت مجددا :
- ماقالكيش ايه هي ؟
ردت :
- لا بيقول مش هتنفع في التليفون, عاوزني اروح له البيت .
قلقت الأم وقالت في تردد :
- البيت ؟ اشمعنى ليه مش أي مكان تاني ؟
هزت كتفيها وهي تجيب :
- بيقول اللي هتساعدنا في الخطة هتيجي على بيته وما ينفعش يقابلها في مكان عام .
ازداد قلق والدتها وهي تغمغم :
- طيب خلي بالك على نفسك, الولد ده مش مطمنة له, ماتنسيش إنه خاين .
ابتسمت (دينا) في غرور وهي تقول :
- ماتقلقيش مام, ده هيتجنن عليا ومايقدرش يعمل حاجة .
صمتت الأم على مضض, وتركت ابنتها تنتقي ملابسها وهي تتطلع إليها في قلق لم تدري له سببا .
_______________________________
وأتى موعد زيارة الحاج (عبد الرحمن) عم (ملك), كان موعده بعد صلاة المغرب وعند العصر وجد (أدهم) هاتفه يرن وأخيه (آدم) يتصل به فأجاب بمرح :
- آدوم .
جاءه صوت أخيه يقول :
- أيوة يا أدهم, عم ملك جه ولا لسه .
(أدهم) في عدم فهم :
- لا لسه ماجاش, ليه ؟
(آدم) في هدوء :
- امسك نفسك معاه يا أدهم, أنا عارفك عصبي واحنا عاوزين نحل الموضوع بهدوء .
ابتسم (أدهم) وقال :
- يابني ماتقلقش, يعني هاتعصب وجمانة وملك معايا ؟
(آدم) بسرعة :
- بمناسبة ملك, هاتها تقعد مع يوسف شوية على ماتخلصوا موضوعكم, عشان البنت ماتخافش من أي حاجة تحصل .
(أدهم) بتعجب :
- يا سيدي ماتقلقش , إن شاء الموضوع هيتحل بسرعة وبهدوء.
(آدم) بإصرار :
- يابني ابعتها وخلاص, ولو حصل أي حاجة تبقى رحمت البنت من الخناق والخوف, مش هتخسر حاجة .
(أدهم) بعد تفكير :
- خلاص هاجيبهالك وارجع بسرعة عشان ميعاده قرب .
قال (آدم) بسرعة :
- لا ماتتعبش نفسك, أنا تحت البيت هاتها وانزل .
بدهشة تساءل (أدهم) :
- تحت البيت !! تحت البيت بتعمل ايه ؟
أجاب :
- مفيش كنت معدي قريب منكم وافتكرت الموضوع ركنت تحت وكلمتك .
وافق (أدهم) سريعا وقال :
- خلاص ماشي, طيب ماتطلع تاخدها بقى .
رفض (آدم) فاستسلم لرغبته قائلا :
- هاشوف جمانة وملك وانزلك .
طرح الفكرة على (جمانة) فوافقته, كانت تتذكر نظرات صغيرتها لعمها في المرة الماضية وكلامه الجارح وهي تعلم جيداً أن كلمة منه بهذا الطريقة ستشعل أعصاب (أدهم) وقد يحدث مالا تحمد عقباه فالأفضل أن تذهب بعيدا قليلا حتى ينتهي الأمر, جهزت بعض الأشياء للصغيرة وقبلتها وتركتها تذهب معه, سلمها هو لأخيه وقال :
- آدم خلي بالك عليها, ملوكة رقيقة وجبانة شوية .
ضحك (آدم) وهتف :
- ايه ياعم هو انا هاعمل ايه وبعدين يوسف هيخلي باله عليها .
تطلع (أدهم) للصغير الجالس خلف والده ولعينيه الزرقاوين, ابتسم له (يوسف) فبادله ابتسامته, عاد يلتفت لوالده قائلا :
- بأقولك ايه, أنا رجعت في كلامي هات ملك .
ضحك (آدم) وسأله بدهشة :
- في ايه يامجنون انت .
قال يداعبه :
- ماانت بتقولي يوسف هيخلي باله عليها ومااعرفش ايه, ياعم أنا باغير وابنك زي العسل كده وملون, ماينفعش, هات البنت .
دفعه (آدم) من أمام نافذة السيارة وهو يضحك وقال :
- روح يابني شوف اللي وراك ربنا يهديك, وبعدين المفروض تدعيلي هو الحاج ده هييجي إمتى, مش المغرب تقريبا, يلا عندك نص ساعة انفراد .
تنبه (أدهم) لكلامه ثم هتف :
- ايه ده تصدق, نبيه يابني والله.
ثم التفت للصغيرة في المقعد الخلفي وهي تجلس بجوار (يوسف) في خجل وعندما رآها خجلى هكذا و(يوسف) ينظر إليها بابتسامة عاد يهتف بـ (آدم) :
- يابني ماتشوف ابنك, بيعاكس من دلوقتي وأبوها واقف .
ضحك (آدم) بشدة وداعبه :
- يابني روح بقى .
عاد يبتسم ويخاطب الصغيرة قائلا :
- باي يا ملك .
ابتسمت له وأشارت مودعة ثم انطلق (آدم) بسيارته, تطلع هو لأعلى حيث منزله وارتسمت في عينيه نظرة خبيثه وهتف بداخله " بعض المشاكسة لن تضر " , صعد إليها, وعندما رأته ابتسمت وسألته :
- عملت ايه ؟ ماكانتش زعلانة ولا حاجة ؟
هز كتفيه ونفى :
- لا تزعل ليه, هتلعب مع جو الحسيني, واد كده قمر ايه اللي يزعلها .
ضحكت في حنان وغمغمت :
- ماشاء الله ربنا يخليه لباباه.
اقترب منها قليلا وجلس إلى جوارها وقال متصنعا الجدية :
- بس أقولك الحق, أنا كنت غيران وأنا سايبها معاهم .
ضحكت مرة أخرى وسألته :
- ليه ؟
اجاب بنفس الجدية :
- يعني ينفع كده اتنين شبان وواد زي القمر عيونه زرقا وباين عليه معجب كمان .
لم تستطع كبح ضحكتها فانطلقت عبر شفتيها, في ثانية كان قد اقترب أكثر فارتبكت وصمتت, وجدته يقول في هيام أضحكها ثانية :
- أخيرا بقينا لوحدنا.
لما وجدها تضحك أراد استفزازها فاستطرد بلهجة ملتوية :
- هو احنا كنا بنقول ايه مبارح لما ملك عيطت وكانت عاوزة تنام ؟
علت الحمرة وجنتيها فابتسم وأمسك بيدها وهو يكمل في همس :
- أيوة افتكرت, احم احم كنت باقول ....
قاطعه رنين هاتفه الجوال فعقد حاجبيه في ضيق وحمدت هي الله فقلبها كان قد بدأ يخرق أذنيها بدقاته, التقط الهاتف ليجد رقما غريبا, تذكره إنه عم (ملك), مط شفتيه في غيظ ثم أجاب :
- السلام عليكم, أيوة ياحاج ... حمدالله على السلامة ... أيوة هو ده العنوان أول برج ع اليمين .. تمام ياحاج في انتظارك .
أنهى المكالمة ثم التفت إليها قائلا :
- ده عم ملك, وصل , قومي البسي بقى وادعي ربنا يسهل الموضوع.
شعرت بالقلق وبدا ذلك واضحا على ملامحها, فشد على يدها وابتسم ابتسامة مطمئنة وقال :
- قلقانة ليه ؟ مش أنا معاكي ؟ خلاص مفيش قلق ولا خوف.
نظرت إليه بامتنان شديد فهمس :
- لا كده غلط, النظرة دي صعبة والراجل طالع .
ضحكت مرة أخرى في خفوت فعاد يقول :
- لا إنت مش ناوية تجيبيها لبر بقى, انا هاكلمه اقوله تعالى كمان شوية .
تراجعت بعيدا عنه وقالت في خجل :
- لا لا خلاص, انا هاروح ألبس .
رد وهو ينظر إليها بخبث :
- اوك يلا بسرعة .
ثم ابتسم وتابعها وهي تتجه للغرفة في صمت وقلباهما يتشاركان النبض, في قوته و تسارعه و في شوقه للآخر, قال في نفسه وهو يأخذ نفسا عميقا " الآن حان وقت المواجهة, وسنرى من سيفوز فيها " .