اخر الروايات

رواية سارية في البلاط الملكي الفصل التاسع عشر 19 بقلم هدير مجدي

رواية سارية في البلاط الملكي الفصل التاسع عشر 19 بقلم هدير مجدي 

الفصل التاسع عشر


تُبدي الغرام وأهل العشق تكتمُه

وتدّعيه جِدالًا من يُسلِّمه

ما هكذا الحب يا من ليس يفهمه

خلِّ الغرام لصب دمعُه دمُه

حيران توجدُه الذكرى وتعدمُه

دعْ قلبَه في اشتغالٍ من تقلبُّه

ولبَّه في اشتعالٍ من تلهبُّه

"منقول"


أتى الغروب، وبدأت الشمس في الغوص خلف الجبال بخجل معلنة عن نهاية النهار، تلونت السماء بخطوط الشفق الأحمر التي تخبرنا بكم الشوق الذي تحمله الشمس!

شوق لا يقل عن الذي يملأ قلبه لها!

كالشمس هي.. تجذبه ببريقها وناريتها في لحظات إشراقها، تسحره في غروبها في صورة صاغتها يد الرحمن في إبداع!

أخذت خيوط الظلام في التسلل إلى الأرض وانسدل الستار الأسود.. فالليل آية الله التي تحمل بين طيّاتها بلسم الشفاء للقلوب المجروحة بلوعة البعد عنه.

حاول بقدر الإمكان أن يعجل من الانتهاء من الاجتماع الذي طال مع وزراءه يخبروه بكافة ما حدث في المملكة وأحوال الرعية في غيابه.

جسده في المجلس لكن عقله مع النارية القابعة في جناحها والتي لم يستطع الانفراد بها طوال أيام الاحتفال.

حاول التركيز مع حديثهم كالسابق لكنه لم يستطع المكوث أكثر فاستقام آمرًا :

-"لنكمل في وقت لاحق ، فأنا إلى حد ما اطمأن قلبي على أحوال المملكة"

ثم التفت إلى أمين خزينته قائلًا :

-"أريد جميع المدونات لما تم إنفاقه طوال هذه المدة وفيما أُنفق"

أومأ الرجل بطاعة وابتسامة على محياه قبل أن ينصرف.

مر أولًا على جناحه يبدل ثيابه بأخرى أكثر راحة ، تخلى عن عمامته الملكية ليخرج بعدها قاصدًا إياها.

دلف وأغلق الباب خلفه يتطلع حوله باحثًا عنها ، دار بعينيه في الأرجاء بحاجبين معقودين يفكر أين ذهبت؟!

أيمكن أن تكون مع وسام تتفقد القصر؟!

أصابه الجذع واليأس وكاد أن يعود أدراجه للخارج ، ألا أن صوت خطوات رقيقة تكاد تسمع أثارت حفيظته ، ليراها تظهر من خلف الستار المخملي ، برداء قطني أبيض يصل لأسفل ركبتيها ، ذو أكمام قصيرة بالكاد تصل لمرفقيها ، ممسكة بمنشفة صغيرة تجفف خصلاتها المبللة بسخاء.

لم تلحظْ وجوده يتأمل هيئتها المغرية بجسد متصلب، أنفاس ثقيلة وأعين ازداد سواد حدقتيها من فرط المشاعر التي تقطر منها.

حاول الإلمام بشتات نفسه حتى لا تضطرب من هوج مشاعره الشبيهة بالموج، اقترب يحتضنها بغتةً من الخلف ، فانتفض جسدها من المفاجأة تضغط على المنشفة بقوة وأنفاسها تثقل، ليطمئنها بصوته الرخيم ضاغطًا على عضديها برفق :

-"اهدأي حبيبتي ، هذا أنا"

زفرت باطمئنان ، ثم رفعت عينيها تنظر له في المرآة.. رأسه مستكين على كتفها ، أنفاسه الحارة تضرب عنقها جعلتها تبتلع ريقها ببطء وترقب ، لم يهمها هيئته بحجم اهتمامها بنظرته السوداء التي تلوح في عينيه ، نظرة جعلت القابع بين طيات أضلعها يدوي بصخب عندما التقطت ما ينوي من حدقتيه.

اسدلت عينيها بخدر و يداه تسبح على طول ذراعها ببطء مميت ، شفتاه بدأت تقبل كتفها ، أنفاسه الهوجاء تصل مسامع أذنها ، احتضانه لها زادها حرارة ، توجست الخطر فحاولت التملص منه بخجل تهمس بصوت متحشرج متقطع :

-"إلياس.. إلياس أنا.. لا....."

لم تكمل كلماتها وهي تجده يجذبها من خصرها بذراعه اليسرى ، ترتطم بجسدها في صدره ، فتأوهت بدهشة ، لا تستطيع المجابهة ضد مشاعره.

نظر للمرآة يراها بأحضانه تتنفس بهوجاء، تنتفض كل حين مقشعرة.

انخفض يقبل كتفها و حدثها بهمس :

-"افتحي عيناكِ سارية وانظري إليّ.. أريد أن أراهما!

أريد الشعور بما يعتمر خلجاتك فيهما!"

فتحتهما رويدًا ، فوجدت صورتهما أمامها ، كيف تبدو بأحضانه؟!


وجهه ، شعره المتناثر ، أنفاسه و صوته.. كل شيء كان كأول مرة لها.

أخبرها بصوته المختلج بعشقه لها والذي ما عاد بإمكانه إخفائه أكثر :

-"ليس هناك شيء أحب على قلبي من رؤيتك هكذا بين يدي.. عاشقة"

تنفس بقوة يزفر أنفاسه بتأوه عاشق وأكمل :

-"أرى العشق في عينيكِ سارية.. أما آن الأوان لينطق بها لسانك؟"

ظلّت تنظر إليه تبتلع لعابها بروية ، معه كل الحق فهي قابعة في حبه.. لا تدرى متى وكيف؟!

ما عادت قادرة على تعذيب نفسها وتعذيبه بإخفاء حبها خاصةً بعد ما فعله أمام شعبه وتصريحه أنها من ملكت قلبه ، ووعده أنها ستكون زوجته الأولى والأخيرة.

أغمضت عينيها للحظات قبل أن تتحرك شفتيها بهمس خجول :

-"لا أعلم كيف ومتى حدث؟

لكن كل ما أود قوله أنني لا أريد لهذا الزواج أن ينتهي ، أريده أن يكتمل للأبد.. شعور الأمان الذي أشعر به معك هو ما أشعره مع أبي ، تخطيت مراحل الثقة والراحة"

صمتت تستجمع شجاعتها فشعرت به يقبض على خصرها يحثها وحركته بها نوع من اللهفة لتنظر لانعكاسه في المرآة ترمش عدة مرات وقالت :

-"القلب القابع خلف الأضلع يخفق لك فقط إلياس.

نعم أنا.. أنا أحبك"

أغمضت عينيها بخجل تشهق بقوة عندما شعرت به كيف هاجمها على الفور بهدير أنفاسه الملتهبة يهمس بشغف :

-"أنا أحبك سارية ، لقد تمكنتِ من القلب فأصبح تائهًا في محراب عشقك.. جعلتِ الخافق ينبض من جديد بالحب بعد أن ظننت أنه منبوذ من العشق"

كانت قد أغلقت عينيها بخجل، و ما أن صرح برغبته حتى استفاقت بخشية مما يريده :

-"أحبك و أريدك الآن زوجة فما عاد للانتظار من مكان بيننا"

ورآها ، رأى خوفها يقطر من عينيها المتباينة ، وأنفاسها اضطربت ، فأدارها تواجهه يمسك بوجهها بين كفيه يخبرها بابتسامة ونظرات مشبعة بالاطمئنان والثقة :

-"لا تخشِ شيئًا طالما أنتِ معي سارية.. أنا أحبك ، كوني متأكدة أنني لن أسمح لشيء أن يؤذيكِ"

هزت رأسها بموافقة خجلة تعض على شفتها السفلى فتناثرت خصلات شعرها تقطر ماءً ، اقترب ببطء مميت يمحي المسافة بينهما وهي تتأمل هذا الاقتراب بتوتر ، يمسك برقبتها بيمينه ، و بالأخرى يزيح خصلاتها خلف أذنها ، يقربها ليلتصق جسدها به فيشعر بكل شيء بها.

رفع وجهه ببسمة سعيدة ، و همس لها بحرارة :

-"مبارك لنا سارية ، مبارك عليّ أنتِ"

ثم اختطفها في موج بحاره الثائرة.. أقبل عليها يُقْبلها بنهم ، جائع هو لها.

حملها بين ذراعيه وعينيه تغوص في عينيها يسير تجاه الفراش، فتناثرت ضحكاتها بصخب عندما تعثر في طرف السجاد ليسقطا فوق الفراش وهو فوقها لتشهق وضحكاتها تزداد فتركت يداه و تمسكت بمقدمة ثوبها بعفوية يناظرها بشراسة.

قهقهت بضحك حين نظر للسجاد بغيظ طفولي ثم رمقها بمكر يخبرها بهمس وقح :

-"تضحكين أليس كذلك!"

طالعته بشقاوة لترفع يدها تتلمس لحيته بشعيراتها الصغيرة تغلغل أناملها بينها ، فتنفس بعمق وحرارته تشتعل من حركتها ثم انحنى يقبل عنقها مرة أخرى بنهم أكبر.

يحتضنها بشوق و لهفة حتى أيقن أنه لن يستطيع أن يتخيل حياته بدونها.

أغلقا أعينهم و سبحا في عناق ملحمي يلفه العشق والشغف أشبع كلاهما.. واستكانا.

مر الوقت وكان يحرك أنامله على كتفها بحنان فترفع وجهها تقبله قبلة صغيرة أسفل فكه ، فضم جسدها إليه باعتصار، مواجه وجهها يتحسسه بكفه فيسألها بهمس يغلفه الحنان :

-"أنتِ بخير؟!"

أومأت بزمجرة هريرة صغيرة تغوص في أحضانه مغمضة العين غير قادرة على النطق ، فأعاد خصلاتها المتناثرة على وجهها إلى خلف أذنها يشاكسها قائلًا وابتسامة رضا على محياه :

-"لماذا لا أسمعك الآن وطوال الفترة الماضية كاد يصيبني الصمم من شجارك"

عضت على شفتيها بخجل ولم ترفع رأسها له تجيبه بصوتها المتقطع :

-"أنا بخير عزيزي"

قهقه يحتضنها بين يديه يهمس لها بكلمات اشتعلت لها وجنتيها ، فضربته بقبضتها على صدره ليتأوه بزيف يقول :

-"حسنًا سأصمت"

صمت يعقد بين حاجبيه فانتبهت إلى سكوته لترفع عينها له بتساؤل فأعاد نظره إليها يخبرها بجدية مزيفة فقط لإثارة غيرتها :

-"أفكر فيما أقحمت نفسي والجواري في قصري حرمتهن على نفسي؟!"

شهقت بقوة وعينيها تجحظ بصدمة من وقاحته التي تكتشفها لأول مرة هذه الليلة وقد تخلى عن وقاره وجديته ، لكمته في بطنه ثلاث لكمات ليترك أحضانها متألمًا بزيف ضاحك :

-"على رسلك قليلًا؟!"

صرخت به وقد استحال وجهها للون الأحمر من فرط خجلها و كانت حرجة حد الغضب :

-"اقترب من إحداهن وسأقتلك بدم بارد..

ثم منذ متى وأنت بهذه الوقاحة؟"

تعالت ضحكاته وعاد يسكن أحضانها مرة أخرى بدفء ، يقول بصوت حمل كل معاني الحب :

-"كل ما بي أنني أحبك ، و صرتِ زوجتي قولًا و فعلًا ، فهل تبخلين عليّ بفرح بعد كل هذا الجفاء؟!"

رفعت نظراتها لتجده يحدق بها بخبث فضيقت عينيها بتفكير في مغزى هذا السؤال وقالت بهمس مهددة إياه بمرح :

-"لا ، ابعد نظرتك هذه عن عينيك إلياس وإلا قتلتك"

دفن وجهه في عنقها ضاحكًا بسعادة لا حد لها قبل أن يرفع رأسه مقبلًا جبينها ويضمها بحنان.

قلبه ينطق قبل لسانه بشكر الله على إهدائه مثل هذه الفتاة في حياته.





الغيرة كالخمر تشوش العقل ويترنح الجسد بغير تعقل فوق مسار العشق!

الغيرة لحظة

دقة قلب

غضب مشتعل على ما هو لك

نظرة حارقة

تصرف جنوني غير مألوف

كلمات تملكية

وعتاب مبطن


هي هنا منذ ثلاثة أسابيع، جعلها جاد المسئولة الأولى عما يخص سارية وإلياس بناءً على أمر ملكه.

شعرت بالألفة والدفء في هذا القصر على الرغم من المدة القصيرة لها هنا، شعرت كأنه مكانها ولا تدري هل بسبب النفوس السليمة والراحة الموجودة هنا أم لوجوده هو؟


كانت تسير بجوار إحدى الجواري ممسكتان ببعض الأقمشة الحريرية لكنها تسمرت وهي تراه يتحدث مع إحدى الفتيات وضحكاتهما تصدح في الأرجاء.

رفعت حاجبها بدهشة من سلاسته في الحديث معها، وانتابها الغيظ من دلال هذه اللزج فاشتعلت عيناها بالغضب وقذفت القماش بعنف للفتاة بجانبها تتقدم منهما وبريق الغيرة يلوح في نظراتها.

انتبه الاثنان لها فأمرت الفتاة بالذهاب بنبرة حادة أثارت الدهشة وكادت أن تجيبها لكن جاد أشار لها بالصمت والاستجابة لها ثم التفت إلى الواقفة مكتفة ذراعيها أمام صدرها تطالعه بصمت وحاجبها الأيسر مرفوع ، ليهز رأسه لأعلى بتساؤل وقال :

-"ماذا هناك؟"

رفعت كتفيها بلامبالاة ومطت شفتها السفلى لتجيب :

-"لا شيء.. فقط أتأمل الشخص الذي كاد يضربني شارحًا حبه لي ، والآن يقف وسط القصر يضاحك الفتيات"

نظر لها بغموض واضعًا ذراعيه خلف ظهره ، يحاول ألا يبتسم عندما استشعر غيرتها فاقترب منها بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها مباشرة وانحنى يهمس بأذنها :

-"تغارين!"

نظرت له بجانب وجهها مغتاظة ثم استدارت تنوي الذهاب فضربت خصلاتها صفحة وجهه ليغلق عينيه تأثرًا من حركتها.

شعر بالفراغ حوله فرآها تبتعد باتجاه الحرمليك وخطواتها السريعة تنم عن غضبها ، فابتسم وما لبس أن تعالت ضحكاته على نبرتها وانطلق خلفها.. سيكون ملعونًا إن لم يقتنص الفرصة!

دلفت إلى جناحها تدور بثورة وانفعال، تسبه وتسب اليوم الذي رأته به..

الأحمق يناجي بحبها ويطلب غفرانها، يطرق رأسها بأنها ملكه، ومن الجانب الآخر يضاحك هذه ويلاطف أخرى!

زمجرت بغيظ متوعدة.. فلتراه!

فقط تراه حتى تلقيه بأقرب ما تطاله يديها.

دلف إلى الغرفة بخطوات لا تكاد تُسمع ، ابتسامة لعوب ارتسمت على شفتيه وعيناه تلمع بالتسلية عندما جدها على وشك الانفجار وسيكون هو الضحية.

يعلم أنها غاضبة منه ولهذا لم يصبر وجاء إلى هنا يراضيها.

ولكن صبرًا.. قريبًا فستقع الغزالة بين مخالب الفهد!

أغلق الباب خلفه فلا يريد لأحد من الخدم أن يراهما فتلوكهما الألسنة ، ثم اقترب منها بخفة يقف خلفها يكاد يلتصق بها ومال يهمس في أذنها بخفة والتسلية تنضج من بين كلماته :

-"ما زلتِ غاضبة؟"

استدارت تنوي أن تهبط بضربة على رأسه مطلقة زمجرة عنيفة ؛ فتدارك الأمر وأمسك ذراعها عاليًا في الهواء بدهشة وضحكة مذهولة تجاهد للخروج ، ليقول بتفكه بينما يضغط على يدها بقليل من القوة :

-"حسنًا أتوقع هذا غزالتي.. لكنني أتفهمك"

ليشاكسها بمرح هامسًا :

-"أعتقد أن قبلة على الوجنتين ستفي بالغرض"

حاولت التحرر منه بعنف تصرخ قائلة :

-"تستحق عاهة أيها المستبد الأحمق.. أنا أكرهك"

منع حركتها تاركًا يدها وأحكم إمساك خصرها مقربًا إياها منه حتى التصقت بصدره ، ثم همس بخفوت وعيناه تحدق في عينيها :

-"تكرهيني وسام!

انظري في عيني وأنتِ تقوليها بصدق ، وسأتركك وأرحل"

نظرت له بتيه وحاولت جاهدة إخراج الكلمة من بين شفتيها ولكنها لم تستطع :

-"أنا.. أنا.."

فقاطعها بشغف وحب رافعًا كتفيه أن ليس لديه حيلة :

-"أنا أحبك يا حمقاء.. الله وحده يعلم مقداره في قلبي ، لأنني بصدق لا أدري متى أصبحت عيناي تتابع كل خطوة تخطيها وقلبي يهفو عندما يراكِ؟!

لا أعلم متى ارتبطت سعادتي بوجودكِ؟"

ثم اقترب منها هامسًا :

-"إن كان إصراري واندفاعي لتكوني بجواري يغضبك.. فأنا لا أعتذر.. فلا يُلام المرء على التمسك بروحه"

تنهدت زافرة بيأس وهي تتراجع للخلف، تحك جبهتها بتفكير عسى أن تقنعه يتفهم مخاوفها ، فالتمعت عيناها بشرارة الوصول لحل سليم من وجهة نظرها فهتفت :

-"ما رأيك جاد أن نبقى أخوة ، أنا وحيدة عائلتي وأمنيتي أن يكون لي أخ كبير"


لم يتحرك قيد أنملة ، يناظرها بأعين ضيقة يحك ذقنه بتفكير مصطنع ، فابتلعت لعابها بحذر واتسعت حدقتيها بتوتر عندما بدأ بالاقتراب منها بتريث حتى وقف أمامها على بعد خطوة واحدة يميل برأسه نحو أذنها هامسًا بصوت أجش يبدو حادًا في ظاهره لكن يخفي مكر الذئاب وخبثهم في معناه :

-"أخوة!!

لو أخبرتك بما أريد فعله يا أختاه سيكون لنا حجرة خاصة في الدرك الأسفل من الجحيم"

شهقت بقوة من كلماته عندما تدفق مغزاها إلى عقلها وانتشر اللون الأحمر في وجهها.

أصبحت رأسها فارغة بالكامل تبحث عن أي كلمة تجيب بها على كلماته وجسدها ذائب على صدره لتهمس بخفوت ورقة اسمه :

-"جاد.. أنا..!!"

أجابها بصوت مشتعل بالعواطف يحيط وجنتيها بكفيه يلامسهما بظاهر أنامله برقة :

-"انطقي اسمي مرة أخرى بتلك النبرة وعندها لن أكون مسئولًا عما سيحدث"

فتخرج تلك المرة متوسلة حتي يرحمها من المشاعر التي يهاجمها بها بلا رحمة :

-"جاد"

فيقاطعها بطريقة أخرستها تمامًا وشفتيه توشم شفتيها بعشقه يعزف تراتيل عشقه لها ، إحدى يديه تمر بين خصلات شعرها بينما الأخرى تمر على ظهرها.. لتتوه في متاهة حبه!

ابتعد بعد فترة يستند بجبهته على جبهتها وأنفاسهما تتسارع يخبرها بصوت أجش :

-"أنتِ لي

مكانك بين ذراعي ولن تفلتي مني ما حييت"

★★★★★







لا تأمن الأبواب المغلقة

خلفها يُحاك الكثير من الخطط لإيذاء أحدهم

فقد قيل ذات يوم

"أعلمه الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي.. فلما قال قافيةً هاجاني

أعلمه الفتوة كل وقت.. فلما طر شاربه جافاني"

فغالبًا تأتي الطعنات ممن كان يومًا يحمي ظهرك ويحرسه!


مر شهران على عودة إلياس إلى الجنوب ، ليلحق به أخوه برفقة زوجته بعد أن نظم أمور القصر والمملكة.. قام بتغيير كافة مستشاريه ووزراءه بآخرين موثوق بهم بعد استشارة أخيه ، برفقة أمه التي أصرت على السفر معه فوافق على مضض.

كان استقبال إلياس له حافل بسعادة كبيرة ، كما أن لقاء سارية بليان مليء بالفرح والاشتياق.

جاء الليل وساد الصمت إلا من كائنات الليل وحفيف أوراق الأشجار تتشابك مع بعضها بسبب النسيم ، اسدل ستائره بألوانها السوداء المخملية ، حينها أقبل القمر مختالًا كملك ترفرف خلفه عباءته الفضية على عرش السماء..

آوت الطيور إلى أعشاشها تحتضن صغارها برفق ليزحف الصمت بخطاه الواثقة يسود الهدوء القصر نامت أعين ساكنيه مطمئنة.


كانت رقية في طريقها إلى جناحها ، لكن جذب انتباهها ظل يتحرك في الظلام متخفيًا يلتفت حوله في حذر ، عقدت حاجبيها بدهشة من خاصةً أنه يرتدي قلنسوة فوق رأسه فلم تظهر ماهيته ، ظلت تراقبه من مكانها حتى وجدته يقف متحدثًا مع رجل يبدو أنه أحد الجنود ، لكن ملابسه لا تنتمي للقصر فعقدت عزمها على الهبوط ترى ماذا يحدث؟

أما عند هذين الاثنين مد الشخص المتخفي يده بلفافة ورقية تبدو أنها رسالة وصدر منه صوت أنثوي :

-"هذه الرسالة أوصلها إلى الملك كهرمان ، وأخبره أنني هذه الفترة لا أستطيع أن آتي إليه بسبب الأحوال هنا"

أومأ الجندي بدون صوت وأخذ منها الرسالة ، وكاد أن يصعد على خيله ويذهب لكنه فوجئ بالحراس أحاطوا به وصوت رقية صدح من خلفها :

-"أشم رائحة خيانة تحوم هنا!

لكن يا تُرى من تكونين يا فتاة!؟

اكشفي عن نفسك"

التفتت ببطء تزيح القلنسوة من فوق رأسها تكشف عن وجهها ، فشهقت رقية بدهشة تعود خطوة للخلف ، ثم ما لبست أن تصاعدت ضحكاتها بقوة تقترب منها هامسة :

-"يا الله!

لقد خالفتِ جميع توقعاتي.. من يظن أن يكون مرسال كهرمان هنا في القصر هي أنتِ.. أروى!!"

وضعت كفيها فوق بعضهما ترمق رقية بجمود وعدم خوف ولم تجبها بشيء ، فنظرت الملكة إلى الجندي خلفها تمد يدها تأخذ منه الرسالة لتقرأها :

-"من أروى إلى الملك العظيم كهرمان..

لقد اشتقت إليك كثيرًا ، إلى رؤيتك ، حديثك ، و لمساتك!"

نظرت إليها بحاجب مرتفع وقالت بنبرة ماكرة خبيثة :

-"يبدو أن الأمر ليس فقط مجرد اطلاعه على أخبار القصر!"

لم تتحرك الأخرى قيد أنملة وظلت على برودها فأكملت قراءة :

-"وصلت مع الملك نيار وزوجته إلى الجنوب بعد أن قام بتغيير كافة وزراءه ومستشاريه.. سأقوم بزيارتك في أقرب فرصة أستطيع إيجادها"

أنهت قراءة الرسالة ورفعت نظرها إليها ترمقها بصمت ، ثم نظرت إلى الجنود خلفها وأمرتهم قائلة :

-"خذوا هذا الجندي حتى أنظر في أمره"

ثم أعادت نظرها إليها قائلة بغموض وأعين ضيقة :

-"تعالي معي.. بيننا حديث طويل"

وصلا إلى الجناح فجلست على الأريكة الكبيرة وأروى واقفة أمامها يرمقان بعضهما بصمت ، كادت أن تتحدث تثير غضبها لكن تحدثت أروى ببرود تجلس أمامها على الأريكة المقابلة :

-"هاتي ما عندك أيتها الملكة ، حتمًا لم تأتِ بي إلى هنا لنتسامر ، فأنتِ لن تضيعي هذه الفرصة دون استغلالها لصالحك"

قهقهت رقية مليء شدقيها وأعادت رأسها للخلف ، ثم قالت :

-"لم أتخيل يومًا أن تكوني هكذا!

ويا تُرى ماذا ستكون رد فعل ليان عندما تعلم؟!"

ضحكت مرة أخرى وهي تقف من مجلسها :

-"هذان الاثنان حظهما عسر في أصدقائهما.. مأمون كان خائنًا والآن وصيفة زوجته خائنة هي الأخرى!"

زفرت أروى ببرود وفركت جبهتها تذم شفتيها بسخط ثم رفعت رأسها إليها قائلة :

-"اتركي هذا الحديث فلا ابنك ولا زوجته يهمك أمرهما بهذه الطريقة التي تتحدثين بها ، ها أنا ذا أستمع.. ماذا سيكون عرضك؟!"

رفعت حاجبها بدهشة لأول مرة يثير أحد إعجابها بهذه الطريقة وتقدمت تجلس بجانبها تمد أناملها تلمس خصلاتها :

-"معكِ حق ، فأنا لست بالغبية لأضيع هذه الفرصة من يدي.. استمعي إليّ أروى"

انتبهت لها الأخرى مستمعة فقالت :

-"أريدك أن تذهبي بنفسك إلى مملكة القمر.. سأبعثك برسالة إلى كهرمان تعطيها إليه وتعودين إليّ مرة أخرى بما سيبعثه معكِ"

رفعت حاجبها من طلبها وتساءلت بملامح متعجبة :

-"ما هذا الطلب العجيب؟!

حتى لو وافقت كيف سأخرج من القصر دون علم ليان!؟"

ابتسامة جانبية ارتسمت على جانب شفتي رقية واقتربت منها هامسة :

-"لا علاقة لكِ بطلبي ، كل ما عليكِ أن تسلميه رسالتي فقط..

أما كيفية خروجك من القصر فستكون ذاتها عندما كنتِ تخرجين من القصر الشمالي"

صمتت مفكرة ثم أومأت برأسها قبل أن تنهض من جانبها قائلة تتجه نحو الشرفة تنظر منها :

-"لكِ هذا ، فماذا ستكون مكافأتي!؟"

أجابتها رقية ببرود لكن نظراتها لم تخلُ من الدهشة والاستنكار :

-"ألا يكفيكِ أنني لن أخبر أحد بخيانتك؟"

ضحكت بمكر والتفتت لها برأسها فقط ترفع حاجبها بخبث قائلة :

-"هذه ليست مكافئة أيتها الملكة.. حتى لو أخبرتِ الجميع فلن يصدقك أحد ، ليس هناك أي دليل على حديثك"

عقدت رقية حاجبيها بدهشة وهزت رأسها بعدم فهم :

-"كيف ليس هناك دليل!؟

هذه الرسالة وهذا الجندي أكبر دليل"

ضحكت واستدارت بكامل جسدها تستند بكتفها على الحائط بجانبها مكتفة ذراعيها أمام صدرها ورفعت كتفها الآخر بلامبالاة :

-"الحراس على باب غرفتي سيقولون أنني لم أخرج ، كما أنني سأخبرهم أنكِ من قمتِ بإجباري على كتابة هذه الرسالة حتى أخضع لأوامرك ، وهذا الجندي سيخبرهم أنها المرة الأولى التي يراني فيها.. في كل الأحوال لن يصدقك أحد"

ضغطت على فكيها بقوة وغيظ ، هذه الفتاة على قدر عالِ من الذكاء والمكر يجعلها تحسب لها ألف حساب ، فرفعت نظراتها لها قائلة :

-"ماذا تريدين؟"

رفعت أنفها لأعلى ملقية برغبتها :

-"أريد الزواج من جاد"

اتسعت عيني الأخرى بتعجب ونهضت من مكانها بانفعال مستنكرة طلبها العجيب هاتفة :

-"الزواج من مَن!؟

جاد!

هل جننتِ يا فتاة كيف سأحقق لكِ هذا بحق الله!؟"

رفعت كتفيها بلا مبالاة تقترب منها حتى وقفت أمامها هامسة :

-"كل ما عليكِ هو التفكير في طريقة للتقرب منه إلى حين عودتي من الغرب"

ألقت جملتها وتقدمت تخرج من الجناح تاركة إياها تفكر في طلبها وفيما تنوي عليه.


انتهـــى الفصــل




العشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close