رواية ضمير ميت كامله وحصريه بقلم دنيا آل شملول
الحلقة الأولى :
كانت تجلس فوق أرجوحتها المرفقة بداخل حديقة الڨيلا .. تقرأ كتاب "إمرأة من طراز خاص" .
رغم كونها قد قرأته مرارًا وتكرارًا .. إلا أنها تُعاود قراءته في كل مرة وكأنها المرة الأولي .
وبينما هي على حالها حاملة في يدها كوب النسكافيه الذي تفضل ارتشافه اثناء قراءة الكتب .. فإذا به يحاوطها من الخلف طابعاً قبلة رقيقة فوق رأسها مستنشقًا عبير خصلاتها .
ابتسمت بهدوء وهي تغلق الكتاب وتضع كوب النسكافيه أمامها .. واستدارت إليه لتتقابل عسليتيهما .
غرام :
- أحلى صباح في الدنيا على أحلى فروس في الكون .
ضحك فراس بقوة رافعًا رأسه للأعلي ثم انخفضت تدريجياً مع انخفاض ضحكته .. ثم نظر لها بحب وهو يقرص وجنتها برفق متمتمًا :
- صباح الجمال على آية الجمال .. وبطلي فروس دي بقا .
غرام بنظرة جانبية ماكرة :
- الغزالة رايقة يعني .. خير اللهم اجعله خير .. قولي إنك لقيتها .. ها .. لقيتها ؟؟
فِراس بجانب عينه :
- أنا لسه طالع من عند ماما دلوقتي وقافل معاها نفس الحوار .. مش ناقص تستلميني إنتي التانية .
غرام بضحكة خفيفة :
- ياحبيبي ماما عايزه تفرح بيك وتشيل ولادك .. وبعدين أنا عايزه مرات أخ عشان أصاحبها وأحكيلها وتحكيلي وناخد ونِدِّي بشكل وِدِّي .
فراس عاقدًا حاجبيه :
- نعم !
ضحكت بشدة وهي ترفع رأسها للأعلى وتخفضها تدريجيًا مع انخفاض ضحكتها .
قرصت وجنته بأناملها وهي تتابع :
- يلا اتجدعن وجيبلي صاحبة يا فِراس .
فِراس زافرًا وهو يستدير حول الأرجوحة ليستقر بجانب توأمه :
- أعمل إيه بس ياغرام .. مفيش بنت قدرت تخطف قلبي لحد دلوقتي .. مش لاقي .. وهو يعني انا هلاقي وأقول للـ ( غمز بعينه لها وهو يتابع ) لأ .
غرام وهي تضع يدها على فمها شاهقة :
- اه يامهزأ .. بقا ده كل اللي في دماغك .. وأنا اللي قلت عليك مؤدب .
ضحك بهدوء وهو ينظر لها بحب :
- سيبك انتي .. قوليلي الواد عمرو عامل إيه معاكي ؟
ضربته على كتفه بخفة وهي تتمتم بضيق مصطنع :
- متقولش واد .. ده راجل وسيد الرجاله .
ضحك بهدوء وهو يتابع بمزاح :
- ومين يشهد للعروسة .
نظرت له بطرف عينها ثم أمسكت بذراعه وهي تقول برجاء :
- عشان خاطري يافِراس متتأخرش على العشا النهاردة .. هو جاي يتعشى معانا .
فِراس بهدوء :
- حاضر ياغرام هحاول .. وبعدين أنا مش عارف ايه عاجبك في عمرو ده .. ده شبه ال ..
قاطعته وهي تضع يدها علي فمه بغيظ :
- بطل تقول عليه قرد احسنلك ...
تنهدت بحب وهي تتابع :
- ده قمر ..
تنهدت من جديد ثم تابعت بهيام :
- عيونه ولونها الأسود اللي بيلمع .. ولا شعره اللي ليه زلحة م الجنبين .. ولا صوته .. صوته فيه كمية حنيه مشفتهاش في صوت حد قبله .. هييييح .
نظر لها فِراس بصدمة .. ثم وضع يده على جبينها كأنه يقيس درجة حرارتها وهو يقول :
- بت انتي في وعيك !!
غرام بابتسامة :
- بحبه أوي يا فِراس .
كان سيضربها على رأسها بسبب وقاحتها لكنه ابتسم بهدوء وهو يقول بحنان :
- ربنا يخليكم لبعض ياحبيبة قلبي .. يلا هروح أنا المستشفي وأسيبك مع كتابك اللي مبتمليش منه ده .. يابنتي ده الكتاب اشتكى منك .
غرام وهي تضم شفتيها للأمام بعدم رضا :
- بحبه .
فِراس بمزاح :
- مين ده ؟
غرام ببلاهة :
- الكتاب !
ضحك عليها بشدة وهو يقول من بين ضحكاته :
- فكرت عمرو .
ضربته على كتفه بغيظ .. فوقف وهو يقبل جبينها بحب :
- عاملك مفاجأة الليلة .. يارب تعجبك .
غرام وهي تصفق بمرح طفولي :
- بجد !!
فِراس بضحكة خفيفة :
- يابت اكبري بقا ده انتي داخلة على ٢٦ سنه .. اكبري .
غرام بابتسامة هادئة ودلال :
- ايه هي الهدية يافرُّوس ؟
نظر لها بجانب عينه وتحرك من جانبها وهو يتمتم :
- فرُّوس ؟!! أنا اللي جبته لنفسي والله .. غوري بقا مفيش هدايا .
ضحكت عليه بشدة وهي تقول :
- هتجبلي هتجبلي .. أنا مستنية .
أرسل لها قبلة في الهواء وغادر الڨيلا متجها إلى المستشفى الخاص به وبوالده ..


اخذت قدميها تتحرك بتوتر واضح وهي تُمسك بهاتفها وتنظر به بين الحين والآخر ..
دالين بضيق :
- يووه بقا يا فاتن .. ما تبطلي تحركي رجلك كده .. بتوتريني .
فاتن بضيق مماثل :
- أعمل إيه بس .. مــ انا معرفش عاصم عمل إيه مع بابا .. بقاله فوق التلت ساعات قافل معايا .. يعني المفروض كلمه وخلص وطمني .
دالين :
- ما تكلميه انتي .
فاتن :
- بكلمه مبيردش .. أنا بدأت أقلق .. خايفة أوي يكون بابا زعله ولا حاجة .
دالين بهدوء :
- متقلقيش كده يا تونا .. مستحيل أونكل مراد يزعل عاصم .. ده بيعامله زي ابنه .. وبعدين ده ابن أخوه الوحيد .
فاتن :
- اوووف بقا ... مش عارفة .. انا مش عارفة .. طب ما يتصل يطمني .. لازم يحرق أعصابي كده .
قاطعها صوته الضاحك من الخلف :
- مين مزعل تونايتي بقا .
فاتن بضيق :
- إيه ياعاصم كل ده ؟.. وبعدين ليه مبتردش على تليفونك ؟.. إيه حصل مع بابا ؟
عاصم بضحكة وهو يجلس بجوارها :
- براحة عليا طيب .. كل دي أسئلة ؟!
فاتن بنفاذ صبر :
- عاااصم بطل تلعب بأعصابي .
عاصم بهدوء :
- طب بس اقعدي ياحبيبتي وانا أحكيلك كل حاجة .
جلست بتوتر تنتظر حديثه .
نظر لهما بهدوء وهو يقول بابتسامته الساحرة لقلبها الذي ينطق باسمه عشقًا :
- هنعمل خطوبتنا آخر الأسبوع .
فاتن بعدم استيعاب :
- خطوبة مين؟
ضحك كل من عاصم ودالين عليها .. لتقول دالين من بين ضحكاتها :
- وهو الحزين ده لابس في حد غيرك ؟! .. البت مصدومة ياعاصم اعذرها .
عاصم ناظرا إليها وهو يغمز بعينه :
- خطوبتي أنا وانتي ياتونايتي .
وضعت فاتن يديها علي فمها بعدم تصديق :
- عاصم بتتكلم جد !!
صاحت بسعادة :
- بجد مش مصدقة نفسي .
عاصم بابتسامة حنونة :
- لا صدقي ياقلبي .. آخر الأسبوع هاجي أطلبك من عمي رسمي وتبقي خطيبتي الأمورة .
فاتن :
- لا لا لا .. اضربيني يادالين .. اضربيني عشان أصدق .
ضحكت دالين وهي تنظر لعاصم الذي نظر لفاتن بغيظ :
- إي يا بنت الدايخة هو أنا كنت ماشي معاكي! .. ما إحنا أخرنا هنتخطب ونتجوز .. هو أنا شاقطك !!
فاتن بسعادة :
- فرحانة يا عصومي .. فرحانة أوي .
عاصم بحب :
- ربنا يقدرني وأسعدك أكتر وأكتر .
فاتن بهيام :
- ربنا يخليك لقلبي ياكل قلبي .
دالين بحمحمة :
- إيه يا جدعان .. أنا مرزيه هنا .. راعوا سنجلتي شويه .
ضحك كلاهما .. وقام عاصم بطلب الغداء لثلاثتهم .
دالين بهدوء :
- ناويين تعملوا الخطوبه فين ؟
عاصم :
- مكان ما تونا تحب .
فاتن بسعادة :
- في الڨيلا عندنا .. إيه رأيك ؟
عاصم :
- اشمعنا الڨيلا ؟!
فاتن :
- عشان أنا والبنات نظبطها على كيفنا .. ولا إيه يا دالين ؟
دالين بتأكيد :
- أيوه ياعاصم ... إحنا هنظبط جو في الڨيلا .
عاصم :
- ماشي معنديش مانع .
هاتفت دالين صديقتهم شدا ..
شدا :
- نعم ؟
دالين بغيظ :
- يابنتي الناس بترد تقول ألو أو تقدم السلام .. إيه نعم دي ؟
شدا بضحكة :
- معلش يادالي قلبك كبير .
دالين بهدوء :
- طب يلا هاتي زوما وبدور وتعالوا ع النادي عشان نتفق ونظبط جو في الڨيلا عشان خطوبة فاتن وعاصم .
شدا :
- ياااس .. وأخيرًا .. مسافة السكة ونكون عندكوا .
دالين :
- أوك .. سلامات يابرنسيس .


حلَّ الليل سريعًا ..
ألقت نظرة على نفسها بالمرآه لآخر مرة قبل أن تخرج من غرفتها متجهة لحديقة الڤيلا تنتظر قدوم عمرو أو فِراس أيهما أولاً ..
تنهدت بحزن فمن المفترض أن تكون بانتظار والدها الآن .. على الأقل الآن .. فهو لا يحضر معهم أي مناسبة عائلية ولا يُعطي لحضور عمرو أهمية .
لن تنسى أبدًا أنه بعد أن تم كتب كتابها على عمرو ترك الحفل وغادر بحجة العمل .
أغمضت عينيها بحزن .. وما إن فتحتها حتى ابتسمت بسعادة حينما لمحت سيارة فِراس تدلف لجراچ الڤيلا .
وقفت لتستقبله بسعادة وهي تهتف :
- كنت عارفه إنك هتيجي بدري عشاني .
ابتسم لها بحنان واردف :
- وأنا عندي كام غرام يعني ؟!
حاوطته بحب ثم ابتعدت وهي تمد يدها له .
نظر فِراس ليدها الممدودة أمامه وضحك بهدوء وهو يقول :
- مبتنسيش أبدًا ؟!! .. متقلقيش ياستي .. هديتك في الحفظ والصون .
فركت يديها معا بحماس بينما تحرك هو وفتح باب السيارة الخلفي وأخرج منه علبة هدايا ملفوفة بعناية بورق ملون بألوان الطيف التي تعشقها للغاية ومعقود من الأعلي بربطة على شكل وردة .
مدت يدها له وحملتها وهي تبتسم بحماس .. ثم قبلت وجنته بسرعه وركضت لأرجوحتها ووضعتها أمامها وبدأت في فك عقدة العلبة بهدوء .
فاجأها كثيرا حينما وجدت أن العلبة مليئة بالروايات الخاصه بــ " أجاثا كريستي" وكذلك رواية الجريمة والعقاب ل " فيودور دوستويفسكي " .. والعديد من الكتب والروايات المختلفة .. بالإضافة لوجود قطعة اسفنجية سوداء وموضوع فوقها سلسال بسيط على شكل كتاب مفتوح ومطرز على صفحات الكتاب المتقابلة اسم " غرام " .
نظرت لمحتويات العلبة بدموع لم تستطع السيطرة عليها فوقفت واحتضنته بحب .. مما جعله يبتسم بهدوء وهو يربت على ظهرها بحنان بالغ متمتمًا :
- طب بتعيطي ليه ؟ .. هي هديتي معجبتكيش؟
غرام بسرعة :
- لا لا أبدا .. بالعكس .. دي جميلة أوي وعجبتني أوي اوي .
فِراس بغيظ :
- ولما هي جميلة أوي وعجبتك أوي أوي بتعيطي ليه !
صفع وجنتها بخفة وهو يتابع :
- ولا انتوا جنس النكد .. تفرحوا تعيطوا، تزعلوا تعيطوا !
قاطعهما صوت من خلف فِراس يقول بمزاح :
- سيب مراتي في حالها .. ملكش دعوة بيها .
غرام بفرحة :
- عموووري .
قفزت إليه محتضنه إياه بسعادة وهي تتابع :
- وحشتني أوووي .. مهماتك اللي بتقعد بالاسبوع دي بتخليك توحشني كتير .
فِراس :
- طب أنا واقف حتى ..
جذبها من يد عمرو لخلفه وهو يتابع :
- حيلك ياعم .. انتوا حيالله كاتبين كتاب .. متسوقش فيها أوي كده .
عمرو بضحكة :
- انت بردو مش هتبطل غيرة على البت .. ياجدع دي مراااتي .
فِراس بغيظ :
- وتوأمي .. لما تبقى في بيتك ابقي احضن براحتك .. ويلا اتفضل ادخل .. بدل ما أخليك تلف من ع الباب .
استدار ليواجه غرام وهو يدحجها بنظرات حانقة :
- اتفضلي انتي كمان .. ويارب أشوفك قريبة منه حتى .. هنفخك .
غرام وهي تكتم ضحكتها :
- حاضر حاضر .. هو بس كان واحشني .
فِراس بغيظ :
- ادخلي ياغرام ادخلي بدل ما أعمل منك كفته .
ضحك عمرو وغرام ودلفوا جميعا لتستقبلهم والدة فِراس بترحاب وجلسوا جميعا إلى سفرة العشاء .
فِراس بضيق :
- الوالد الكريم فين ؟
السيدة جومانة بتبرير :
- مشغول ياحبيبي .. هو اتصل واعتذر .
فِراس بضحكة جانبية :
- اه ما أنا عارف .
عمرو بحرج وقد أراد أن يهون من حدة الموقف :
- عادي .. ربنا يعينه .. بردو شغله مش هين .. وأنا بعتبر نفسي في بيتي على فكرة .
فِراس بهدوء :
- ده فعلا بيتك ياعمرو .
ابتسم له عمرو بود .. بينما تنهد فِراس بضيق من تصرفات والده .
أمسكت غرام بيده التي يضعها فوق فخذه وضغطت عليها بهدوء وهي تتمتم بصوت خافت حتى لا يسمعه غيره :
- انت أهم عندي .. وجودك أهم .. متشغلش بالك بيه يا حبيبي .
ابتسم لها بهدوء وبدأوا جميعًا بتناول الطعام في جو من المرح الذي تضفيه غرام كعادتها على أجواء المنزل .. فهي تنشر الحيوية والبهجة أينما كانت .


كانوا يجلسون جميعًا في جو ملئ بالضحك والسعادة .. فهم أصدقاء أقل ما يُقال عنهم عصبة واحدة .. يفرحون معًا، ويحزنون معًا .. دوما ما يُشكلون مجموعة رائعة .
شدا من بين ضحكاتها :
- فاكرين لما فاتن جت على الفصل بتاعي أنا وحازم أيام الثانوية العامة وجت تقولي والنبي ياشدا عايزة أخرج من المدرسة .. عاصم في المستشفي تعبان ولو مرحتش دلوقتي هموت ؟
حازم متابعًا :
- أيوه أيوه ويومها شبكتلها بإيدي وقامت نطت من على السور رجليها اتلوت .
فاتن متابعة بضحكة :
- أيوه ويومها عملولي جبيرة على رجلي وشدا فضلت تقول كنتي عايزه تيجي عشان تفضلي جنبه .. أهو جتيله مجبسه وهو هيطلع بعد شوية ويكون هو اللي جنبك .
ازدادت أصوات ضحكاتهم على ذكرياتهم معًا .
بدور :
- عايزة ألعب سله .. تيجوا نلعب كلنا ؟
رحَّب الجميع بالفكرة .. وتقاسموا بحيث تكون دالين وشدا وبدور بفريق بينما عاصم وحازم وفاتن بالفريق الآخر .
بدأوا جميعا في اللعب بحماس .. ويسود الأجواء جو من البهجة والسعادة .
كان حازم يحاول قدر المستطاع أن يُبقي على الكرة معه حتى تتقدم منه بدور .. كان يحب كثيرا لحظات اقترابها منه .. وأحيانًا كان يستسلم تاركًا الكرة لها وكأنها استطاعت أخذها بمجهودها الشخصي .. فقط ليرى لمعة عينيها السعيدة باستحواذها على الكرة .
يينما عاصم وفاتن .. فكانا يتغازلان أكثر بكثير من تركيزهما في اللعبة .. فكونهما في فريق واحد يجعلهما مقربين من بعضهما .. تاركين حِمل الفريق بأكمله على حازم الذي نظر لهما بحنق حينما استشعر عدم تركيزهما في اللعب ..
حازم بتهكم :
- إيه يا عم الحنين انت وهي .. كلها أسبوع وابقوا سبِّلوا براحتكوا .. إنما دلوقتي فيه لعب المفروض تركزوا شويه .. ولا أنا هغلب التلت بنات لوحدي هنا .
ضحك عاصم غامزا له وهو يتمتم في أذنه بصوت منخفض :
- الحق عليا إني بسيبلك فرصة تخطف فيها قرب بدور .
حازم بصدمة :
- هو أنا مكشوف أوي كده ؟
عاصم بضحكة :
- لا أنا بس اللي كاشفك متخافش .
بدور من الخلف :
- بتتودودوا على إيه ها ؟
عاصم رافعًا يديه باستسلام :
- كل خير يابدوره .. أنا عن نفسي ماشي .
حازم فاركًا رأسه من الخلف :
- تيجي نعمل حاجة غير اللعب .
جلست بدور أرضًا وهي تنظر له بتساؤل :
- حاجة زي إيه ؟
حازم بمزاح :
- نسبِّل مثلا زي عاصم وفاتن .
ضحكت بدور وهي تقول :
- لا ياعم دول حبهم من الطفولة .. يعني كل ما بيكبروا بيكبر معاهم .. حاجة كده جميلة ملهاش وصف ..
تنهدت وهي تتابع :
- أوقات بحسدها عليه بجد .
حازم بضيق :
- وتحسديها عليه ليه إن شاء الله ؟!
بدور باستغراب من لهجته :
- أنا مش قصدي كشخص .. أنا بتكلم بمجمل الحب اللي بينهم .. مش قصدي على عاصم نفسه .
أماء حازم بضيق فابتسمت بدور بهدوء .. إنها تستشعر الغيرة في نبرته .. حتى لو لم تكن متأكدة من ذلك .. هذا كافٍ جدًا ليرضي قلبها النابض لأجله .


- مسا مسا على أحلي جنات في الدنيا .
قالها لؤي وهو يقترب من والدته التي تجلس في الشرفة ناظرة للسماء بشرود قاطعه صوته الذي يملأ حياتها دفئًا وسعادة .
السيدة جنات بحب :
- حمد الله على سلامتك ياحبيبي .. عما تغير هدومك هكون جهزتلك العشا .
لؤي مقبلًا يدها بهدوء :
- ماشي ياقلب حبيبك .
ذهبت السيدة جنات للمطبخ في محاولة يائسة لأن تكف عن التفكير في نفس الأمر الذي يجعلها تخشى فقدان لؤي .. فهو كل شئ لها في هذه الحياة .. ولن تتحمل أبدًا مرارة فقدانه إن علم بالحقيقة التي أخفتها عنه لسنوات طويلة .
قاطع شرودها محاوطته لها بحب :
- سرحانة في إيه بقا لدرجة إن البيض يتحرق كده ؟
شهقت بخفة حينما وجدت أن البيض حقا قد احترق .
أغلقت الموقد ثم استدارت ناظرة إليه بحزن استطاع قراءته .. فحاوط وجهها بيديه وهو يسألها بحنان :
- مالك يا أمي ؟.. لي الحزن اللي شايفه في عينك ده ؟
السيدة جنات :
- مفيش حاجة ياحبيبي .. أنا بس ببقي قلقانة عليك في كل مرة تخرج فيها وتتأخر بره .
قبل جبينها بعمق وحب وهو يتمتم :
- متخافيش عليا ياحبيبتي .
ابتسمت بهدوء .. ثم استدارت لتنهي ما كانت تفعله بصمت .. بينما خرج لؤي إلى غرفة الجلوس وبدأ يتابع أحد البرامج المعروضة على التلفاز حتى عادت والدته بالطعام وبدآ في تناوله بهدوء قاطعته والدته بسؤالها :
- حبيبي مش ناوي تشوف حياتك بقا ؟
لؤي وقد فهم ما ترمي إليه :
- انتي زهقتي مني ولا إيه؟
ابتسمت له بحنان وهي تقول بصدق :
- عمري يا لؤي .. عمري .. بس حبيبي لازم تكوِّن بيتك وعيلتك .. ولا انت مش عايزني أفرح بيك قبل ما اموت ؟
لؤي وقد زحف الضيق لوجهه :
- إيه بس يا أمي اللي بتقوليه ده ؟.. ليه كده طيب ؟.. بعد الشر عنك ياست الكل .. وبعدين هو أنا لقيت واحدة شبهك وقلت لأ ؟!
ابتسمت بحنان وهي تنظر لعمق عينيه بحزن التمع في عينيها وكأنها تودعه .. فمهما طال الوقت .. سيأتي اليوم الذي يعرف فيه الحقيقة .. لكن ما يقلقها حقاً .. هل سيسامحها ؟ ....


كان يسير في رواق المستشفي متجهًا لغرفته .. يلقي عليه السلام كل من يقابله بينما يكتفي هو بإماءة خفيفة دون التحدث لأحد .. مما يجعل البعض يظنه مغرورًا والبعض الآخر يظنه مريض .. فهو لا يتحدث مع أحد وإن حدث فيكون بعصبية بسبب خطأ ارتكبه أحدهم أو ما شابه ..
حتى الأصدقاء لا يملكهم .. جميع الأطباء أصدقاء مع بعضهم البعض عداه هو .. حتى خارج نطاق العمل لا يملك أصدقاء .. صديقه الوحيد هي غرام .
دلف لغرفة مكتبه وجلس على مقعده وهو يمسد جبهته بضيق .. ثم طلب قهوته الصباحية وبدأ بفحص التقارير المتروكة على مكتبه منذ أمس .
دلف الساعي إليه ووضع له القهوة بهدوء ثم خرج دون أن يتفوه بكلمة .
قاطع تركيزه صوت هاتفه الذي أعلن عن اتصال ..
نظر لشاشة هاتفه ثم ابتسم بحنان وهو يرفعه إلى أذنه .. وقبل أن يتحدث وصل لمسامعه صوت صراخها :
- فِراااس الحقني يافِراس .. ماما الحقني .
تحرك فِراس بسرعة ملتقطًا مفاتيحه وخرج من الغرفة راكضًا وهو يتحدث بلهفة :
- إهدي إهدي ياغرام .. إهدي .. فيه إيه ؟.. قوليلي إي حصل ؟.. مالها ماما ؟؟
غرام من بين شهقاتها :
- معرفش أنا جيت أشوفها في أوضتها عشان مخرجتش زي عادتها بدري لقيتها نايمة مبتتنفسش .. أرجوك بسرعة يافِراس .
فِراس محاولاً تهدئة زعرها :
- طب اهدي خلاص أنا جاي أهو على الطريق .. افتحي الاوضة وخلي الهوا يتجدد وأنا على طول أهو جاي .
تركت غرام الهاتف وركضت تجاه الشرفات الخاصة بالغرفة وقامت بإبعاد جميع الستائر وبدأ الهواء يتسرب للغرفة منعشاً إياها .
بقيت تدور وتدور حتى سمعت صوت اصطكاك إطارات سيارة فِراس بالأرضية .. فتنفست الصعداء .
دلف بسرعة إلى الغرفه وبدأ بفحص والدته التي وجد نبضها ضعيفًا للغاية .. قام بعمل الإسعافات الأولية ثم حملها بين ذراعيه ونزل بها بسرعة .
لحقت به غرام واستقلوا السيارة بسرعة واتجه بهما إلى المستشفي .
أخذت تسير في الممر بقلق يتفاقم كلما مر الوقت .
انتشلها صوته من دوامة زعرها :
- غرام .. حبيبتي في إيه ؟؟
ألقت بنفسها بين أحضانه وبدأت في البكاء بقوة .. أخذ يربت على ظهرها بحنان .. ثم أجلسها على أحد المقاعد وجلس جوارها ولا تزال متعلقة بأحضانه .. اخذت يداه تمسد شعرها بحنان حتى بدأت تهدأ شيئا فشيئا .
عمرو بحنان :
- متقلقيش ياحبيبتي .. هتبقى بخير .
أماءت بصمت .. تزامنًا مع خروج فراس من الغرفة وهو يمسد جبهته بتعب .
انتفضت غرام وركضت تجاهه وأمسكت بيده وهي تتحدث بلهفة :
- هي كويسة مش كده ؟.. قولي إنها كويسة .
أخذ فراس يربت على خصلاتها بحنان وهو يقول بهدوء :
- حبيبتي متقلقيش .. هي كويسة فعلا .. حتى هتخرج بليل كمان .
غرام :
- طب إيه حصلها ؟
فراس بهدوء :
- هبوط في الدورة الدموية .. وكمان واضح إنها مخدتش علاج القلب من فترة .
غرام بحزن :
- أنا السبب .. أنا اللي مباخدش بالي منها .
اقترب منها عمرو محاوطا كتفيها بحنان :
- لا ياحبيبتي انتي مش السبب .. احمدي ربنا إنها كويسة دلوقتي .. واعتبريها إشارة عشان تكوني جنبها أكتر وتراعيها .
أكد فِراس على حديثه وهو يقبل جبينها بهدوء .
أتاه صوت أحد الأطباء الذي جاء إليه مسرعًا :
- دكتور فراس .. جاتلنا حاله طارئة محتاجين تدخل جراحي بسرعة .
ذهب فراس مسرعًا وهو يقول لعمرو :
- خلي بالك منها .
ذهب فراس ليتمم العملية الخاصة بأحد السياسيين المهمين في البلدة ..
بينما بقي عمرو وغرام أمام غرفة والدة غرام ينتظران الإذن بالدلوف ليطمئنوا عليها .


دالين بمرح :
- صباح الحلاوة ياحلويات .
ابتسم كل من والدها ووالدتها لها .. بينما اقتربت منهما وطبعت قبلة رقيقة على وجنتيهما ثم جلست بهدوء وهي تقول بسعادة :
- خطوبة عاصم وفاتن بعد يومين .. هخرج أنا والشلة عشان نظبط للحفلة .
ثم وجهت حديثها لوالدتها :
- ما تيجي معانا يامامي انتي ذوقك حلو جدًا .. وهتساعدينا كتيير .
وافقت والدتها بهدوء وسعادة لسعادة ابنتها وهي تتمني داخلها أن تراها عروس قريبا .
ابتسم والدها بهدوء وهو يقول :
- لو احتجتوا حاجه كلموني .. أنا هقوم بقا أروح الشغل عشان الشركة محتاجاني اليومين دول .
تركهما وغادر بابتسامة رضا .. بينما ذهبت كلتاهما لتبدلا ملابسهما .
انتهيتا وذهبتا للمول التجاري .. وهناك تقابلوا مع شدا وبدور ووالدتهما السيدة داليا .. وفاتن التي برغم سعادتها إلا أنها تشعر بالنقص حقًا .. فوالدات صديقاتها أتوا جميعا ليشاركنها فرحتها .. وينتقوا معها ما يلزمها .. بينما والدتها فقد تشاجرت معها صباحًا حينما طلبت منها أن ترافقها وتحججت بأنها على موعد مع رفيقاتها بإحدي النوادي التي تقضي بها يومها .
أفاقها من شرودها صوت دالين التي شعرت بها وأرادت ان تلطف الأجواء وتخرجها مما هي فيه :
- تونااا .. هنبدأ بإيه ؟ بصوا ياجماعة .. مبدأيا كده .. إيه رأيكوا لو احنا الاربعة لبسنا زي بعض باختلاف الألوان .. كل واحده تلبس اللون اللي تحبه ؟
نظرت لها شدا بجانب عينها وهي تقول بعدم رضا :
- وطبعا اللبس اللي هيكون موحد ده هيبقي فساتين .. اللي أنا أصلا مبلبسهاش .. انسي الفكره يا دالين .. عشان مش هلبس فستان أنا .
دالين برجاء :
- بليز يادودي .. دي خطوبة ياشدا .. يعني لازم فساتين .
زفرت شدا بسخط وهي تدحجها بنظرات غيظ .. بينما ضحكت دالين .. ودلفوا جميعا للمول .
بدأوا في البحث عن فستان مناسب من أجل فاتن أولا .. وقد توصلوا جميعًا لمبتغاهم .. فستان موڨ مكون من طبقتين .. السفلي ستان ويعلوها طبقة من التول .. مزخرفه من الصدر وحتي الخصر بزهور بنفس لون الفستان .. ويتخصر بحزام ستان من الموف أيضا بفيونكه من الجانب .. بأكتاف شفافه تحددها نفس زهور الصدر .. وينزل من الخصر للأسفل باتساع محبب .
نال استحسانهم جميعًا ..
بينما انتقت دالين فستانا من لون الكشمير الفاتح والذي تنسدل حمالتيه العريضتين علي ذراعيها ومطرز من الصدر وحتي الخصر بزهور من الكشمير والأبيض .. وينسدل من الخصر الي الأسفل باتساع محبب .. وهو عباره عن عدة طبقات شفافه تعلوها طبقة من قماش التول الكشمير الرقيقه ..
بينما أعجبت بدور بفستان من اللون الوردي الهادئ والذي يصل الي ركبتيها بدوران من شريط الستان الوردي اللامع وكذلك الرقبه والخصر يحاوطهما نفس الشريط .. مطرز من الصدر باوراق زهور ورديه يتداخل معها زهور بيضاء .. وبدون اكمام .. وينزل من الخصر الي الركبه بكشكشه بسيطه اعطت للفستان رونقًا خاصا من الاتساع والجمال ..
اما شدا فقد يئست الفتيات من محاولة جعلها تنتقي فستانا .. فلقد أصرت علي أحد البناطيل المتسعه قليلا من اللون الأسود ويعلوه شميز من اللون العنابي باكمام تنتهي بإسوره .. تتزين رقبتها بفيونكه طويله من نفس نوع ولون الشميز .. بينما تأتي نهاية الشميز بداخل البنطال الذي يتخصر بأحد الأحزمه السوداء اللامعة والتي يزينها توكة من اللون الذهبي .. وقد ابتاعت احدي الحقائب السوداء التي تتزين اطرافها بالذهبي من نفس درجك لون توكة الحزام .. وقد شعرت بالرضا تماما عما انتقته لنفسها علي عكس الفتيات اللاتي كدن يقتلنها بسبب اختلافها دوما عنهم جميعا في كل شئ حتي الملابس .
انتهوا جميعًا من جلب كل مستحضراتهم وما يحتاجون اليه .. ثم تناولوا الغداء معاً وعاد كل منهم لمنزله علي وعد بأن يتقابلوا في المساء في منزل فاتن ليروا ماذا يمكن ان يفعلوا لأجل تزيين المكان وتجهيزه للخطبه .


استقل فِراس سيارته وبجانبه يستقر عمرو وفي الخلف تجلس غرام ممسكة بيد والدتها الجالسه في هدوء .
بينما يعلُ وجه فِراس الضيق .. فوالده لم يكلف نفسه عناء الاطمئنان علي زوجته حتي .. رغم ان فراس ارسل له احد الاطباء واخبره بوجودها في المستشفي .. الا انه لم يذهب اليها .. زفر بضيق فتساءل عمرو بهدوء :
- انت كويس يا فراس؟
اماء فراس بصمت فصمت عمرو هو الآخر .. فمهما حاول التقرب من فراس لا يجد لذلك سبيلا .. فراس من وجهة نظره شخص منفصل عن العالم الخارجي .. لا يمزح .. لا يضحك .. لا يتفاعل مع أحد .. لا يختلط بأحد .
لو لم يراه عدة مرات وهو يداعب غرام ويضاحكها لأجزم انه لا يضحك أبدا ولأجزم أيضا بأنه مريض نفسي .
قرر ان يتقرب منه عن طريق غرام فهي الوحيدة القادرة علي اخراجه عن صمته .


دلف لؤي لمكتب اللواء أمجد السويدي ..
اللواء أمجد :
- أهلا يا لؤي .. تعالى أقعد .
لؤي باحترام :
- ازي حضرتك يافندم ؟
امجد بهدوء :
- بخير يا سيادة العميد .
ابتسم لؤي بفهم .. فاللواء أمجد حينما يناديه بالعميد فهذا يعني مهمه بحث عن مجرم مجهول .. وكالعادة ستستغرق منه ايامًا وليالي كي ينجزها .. ولكن خابت ظنونه حينما أخبره اللواء بــ :
- المرة دي مش مهمة بحث جنائي زي ما انت فاكر .. المره دي حراسة أمنية.
عقد لؤي حاجبيه بعدم فهم .. ليبتسم أمجد بهدوء وبدأ بشرح التفاصيل للؤي الذي زادت عقدة حاجبيه بعدم فهم :
- طب انا مالي بكل ده يافندم ؟.. انا مباحث جنايات حتي .
أمجد بجدية :
- اعتبرها خدمه شخصية يا لؤي .
ارتخت ملامح لؤي وتنهد بهدوء :
- حاضر يافندم .. اتفضل حضرتك كمل .
أمجد بابتسامة :
- شوف يا لؤي .. انا مش هكدب عليك وهكون صريح لأبعد حد .. انا كان معايا العميد رأفت سويلم .. وهو كان اكفأ مَن يَقُوم بمهمة زي دي .. وللأسف لولا ظروفه المرضية الطارئة كان هيكمل فيها .. بس الظروف اقوي منه ومني .. وطبعا مفكرتش غير فيك اول حاجة من بعده .
لؤي بهدوء :
- وده شرف ليا الشغل مع سعادتك اولا .. وبتمني من ربنا يجعلني تحت حسن ظن حضرتك ثانيا .
امجد بابتسامة :
- تمام .. الموضوع ده غاية في السرية .. يعني مش هيعرف بيه غيرك .. فلازم تختار اللي هيكونوا معاك بدقة .. الغلطة بفورة يالؤي .
لؤي :
- تمام يافندم .. تقدر حضرتك تعتمد عليا .
أمجد بتفهم :
- انا قلتلك اللي عندي .. الباقي عليك انت يالؤي .. متخيبش ثقتي فيك .
لؤي بهدوء :
- بأمر الله مش هيحصل ياباشا .
ذهب لؤي لمكتبه وقام بمهاتفة عمرو وطلب منه الحضور لأجل أمر طارئ .
°°° يتبع °°