اخر الروايات

رواية ضمير ميت الفصل الخامس 5 بقلم دنيا آل شملول

رواية ضمير ميت الفصل الخامس 5 بقلم دنيا آل شملول

ضمير ميت
الحلقة الخامسة :

كان يقطع مكتبه في ڤيلته ذهاباً وإياباً يكاد القلق يقتلع قلبه .. انتفض بسرعة حينما أتاه صوت هاتفه يعلن عن اتصال انتظره منذ وقت طويل .

رأفت :
يارب تكون عرفت دلوقتي إني مبيتلويش دراعي ياماجد .. ودي حاجه بسيطة جداً قصاد اللي لسه هعمله .. وده حق إبني اللي خدته زمان .

ماجد بسرعة :
رأفت أنا للمرة الألف بقولك أنا إيدي بريئه من دم إبنك .. دالين بره حساباتنا .. خرجها بره اللعب ده .

أتته ضحكات رأفت الرنانه تنذره بما يمكن أن يكون قد حدث ..

ماجد بصوت ضعيف :
بـ بنتي فين ؟

رأفت بتشفي قبل أن يغلق الخط في وجهه :
قول عليها يارحمن يارحيم .

لم يستطع ماجد أن يتفوه بكلمة أخري .. فسقط إلى مقعده خائر القوى مغمض العينين بضعف .

دلفت إليه حياه والتي من الواضح أنها كانت تسترق السمع منذ مدة .. وقد تبينت لها رؤية ما حدث لابنتها بوضوح ..
دلفت وعينيها تضخ شر الكون .. عينيها منتفخة ومتورمة أثر البكاء .. عروقها بارزة نتيجة قبضتها التي تكاد تهشم بها أحدهم الآن .. أجل فهي امرأة مذبوحة .. مسلوبة الإرادة .. انتُشِلت ابنتها من بين أحضانها عنوه .. وفي النهاية تكتشف أن ذلك بسبب أعمال زوجها ..
زوجها !! أي زوج هذا ؟!.. لقد اعتزلته منذ سنوات ..
منذ أن اكتشفت دناءة قلبه وأعماله .. لم تُرد إفشاء الأمر فقط حِفاظاً على ابنتها ومشاعرها فهي تحب والدها كثيراً .. بل أنها درست الهندسة كي تكون إلى جانبه في عمله .

لكن أين هي الآن .. أين هي لتُبعدها عن حياة والدها تماماً .. ظنت أنها تحميها بقربها منه .. لم تكن تدري بأنها كانت تُجهزها للموت .. موت !! .. موت من ؟!!

حينما وصل بها التفكير إلى هذه النقطة لم تدري بنفسها إلا وهي تهجم عليه كقطة جريحه وأخذت تصرخ به بهستريا :
بنتي فييييين ؟.. بنتي فين ياماجد ؟.. أقسم بالله هقتلك .. هقتلك لو بنتي مرجعتش لحضني .. هقتلك وأشرب من دمك يا ماااجد .

كانت تصرخ بكلماتها وهي تجذبه من ياقة قميصه بعنف .. بينما هو مستسلم لها تماماً .. لن يلومها أبدًا وإن قتلته الآن ..

تراخت قبضتها وبَحَّ صوتها وبدأت تغيب الرؤية عن ناظريها حتى سقطت بين يديه فاقده للوعي .. وربما الحياة .. فهي أضعف بكثير من أن تتحمل كل ذلك الألم .

هرع بها حاملاً إياها بين ذراعيه متجهاً بها لأقرب مستشفي ..

🌸 افتكر مهما حصلك .. إن كله بيبقى خير 🌸

أعلن هاتفها عن اتصال .. نهضت بصعوبة فقدمها لا تزال تؤلمها .. أجابت بخفوت ليأتيها صوته :
بدور .. عامله إيه ؟.. رجلك كويسه ؟

بدور :
آه تمام .. وصلتوا لحاجه ؟

حازم بأسف :
للأسف لأ .. حتى العربيه خدناها بالشبه لكن لسه متصرحش بأي حاجة تخص الموضوع .. شدا وعاصم في القسم دلوقتي مع الظابط اللي ماسك القضيه وربنا يسهل ويوصلوا لحاجه .

تنهدت بتعب وهي تتمتم :
ربنا يستر .

حازم بهدوء :
يارب .. لو احتجتي حاجه كلميني في أي وقت .

أماءت بدور وكأنه يراها ثم أغلقت الهاتف وتمددت إلى فراشها مجدداً بتعب .

بينما جلس هو يمسد جبينه بإرهاق حتي دلفت شدا وألقت بحقيبتها إلى المكتب بعنف وجلست وكأن شياطين الدنيا أمامها .

وقف بسرعة واتجه إليها :
شدا في إيه ؟؟ .. إي اللي حصل ؟

شدا بغضب وصوت عالٍ جذب الأنظار إليهما :
المتخلف اللي ماسك قضية حادثة امبارح .. أقسم بالله متخلف .. متخلف .. متخلف .

كان ليضحك عليها إن كان الوضع مختلف ولو قليلا .. لكنه جلس لجانبها بهدوء وطلب من أحدهم أن يُحضر لها كوباً من الليمون ..

حازم بهدوء :
اهدي ياشدا .. قوليلي إيه اللي حصل ؟.. ماله الظابط ؟

قصت له شدا ماحدث وهي تكز على أسنانها بضيق .

تنهد حازم ثم عاد بظهره للخلف واضعًا يده على ذقنه كعلامة التفكير :
شدا .. أنا بس اللي اتعرفت على العربيه .. جايز مش هي .

شدا بضيق :
أنا بتمنى ياحازم .. بتمنى من كل قلبي متكونش هي .. وواقفه على رجلي لحد دلوقتي على أمل إنها متكونش هي .. وحتى لو هي فالظابط ده قالي إن اللي كان فيها راجل واحد بس ومكنش في حد تاني .. وده معناه إنه ..

ابتلعت باقي حروفها وهي تنظر لحازم الذي عقد حاجبيه بعدم فهم :
إنه إيه ؟

شدا :
تعالى معايا بسرعة .

حازم وهو يحمل متعلقاته ويلحق بها :
استنيني .. اهدي شوية ... رايحة فين ؟

شدا :
هتعرف بعدين .

🌸 ربنا قادر .. وفي طرفة عين الحال بإرادته بيتبدل🌸

كانت ترتدي ذاك البنطال الأبيض الذي يتخطى ركبتيها بقليل .. به جيوب من الجانبين .. ترتكز على فخذيها بحبال طويلة تصدر نهايتهما النحاسية صوتاً حينما تتحرك .. ويعلوه تيشرت من اللون البرتقالي يصل حتى كمر بنطالها الذي يزينه حزام متداخل مع البنطال من اللون الأسود .. وكذلك تلك الكلمة الإنجليزية التي كتبت على التيشرت باللون الأسود .. وترفع خصلاتها السوداء المائلة للإحمرار عند تعرضها للشمس بشكل عشوائي بإحدي فرشاة التلوين خاصتها .. وفي يدها فرشاة أخري تضع نهايتها بين صفي أسنانها اللؤلؤية وهي تنظر لتلك اللوحة أمامها لترى ما آلت إليه رسمتها بعد أن وضعت لمساتها الأخيرة عليها .

ابتسمت بسعادة وهي تنظر لملامحه الرجوليه النادرة بالنسبة إليها .. كم هو جميل ..
بالطبع جميل .. بل إنه آية في الجمال .. بعينيه العسلية التي تشبه خاصتها .. وأنفه المدبب الصغير والذي يندر كثيراً في الرجال .. وفمه المرسوم بدقه .. وشعره الذي يرفعه للأعلي بتسريحة لا يُغيرها منذ أن كان صغيراً .. تلك الابتسامة التي لا تخرج بصفائها سوى لها .. ولها فقط ..

شهقت حينما شعرت بمن يحاوط خصرها ولكن سرعان ما استندت برأسها على كتفه .. وهو لا يزال محاوطاً إياها .. لتقول بهدوء :
خضتني ياعموري .

عمرو مقبلاً رأسها من الخلف :
سوري ياقلب عمورك بس شفتك مندمجة .. حتى محستيش بيا وأنا جاي .

غرام بابتسامة ومرح :
هاا .. قولي إيه رأيك في اللوحة ؟ .. هتعجب فراس مش كده ؟

عمرو وهو يزيح خصلاتها المتمردة عن عينيها بعدما استدارت لتواجهه :
طبعاً هتعجبه .. مش انتي اللي رسماها .

قبلت وجنته قبلة سريعة ثم تحركت لتلملم أشيائها وتغطي اللوحة كي تقدمها لفراس في عيد ميلادهما السادس والعشرين والذي سيكون بعد أسبوعين من هذا اليوم .

جلس إلى الأرجوحة وهو يراقب خفتها وتحركها بحرية ومرح .. ابتسم رغماً عنه فهي بريئة .. بريئة لدرجة تكاد تفقده صوابه .. يعشقها بكل تفاصيلها .. يكاد يجزم بأن لا حياة لمن لا تكون هي في حياته .. فهي الماء والهواء بالنسبة إليه .. هما غير مقربين بالدرجة الكافية لكنها تحتله بالكامل .. ترى إلى متي سيصبر حتى تكون ملك له .

قاطع شروده جلوسها إلى جانبه وهي تقدم له كوباً من النسكافيه ليشاركها خاصتها .. أخذ يحرك الأرجوحة بهما بهدوء وهو ينظر إليها بهيام مما أخجلها وجعل الحمرة تتسرب إلى وجنتيها سريعاً .

عمرو بحب :
تعرفي إنك أجمل لوحه ممكن تترسم في الدنيا !

غرام :
عموري .. متبدأش وصلة الغزل لحسن فراس يطب علينا وانت عارف هيعمل فيك إيه .

ضحك بقوه وهو يقول :
والله عندك حق .. أنا خايف أصلا يوم الفرح يمشيني من غيرك .

ضحكت بهدوء ثم أخذت تتمتم ببعض التوتر :
عمرو .. مش عيزاك تزعل من فراس .. أنا عارفة إن تحكماته تعصب أي حد بس هو والله بيحبك .. هو بس خايف من فكرة إني مكنش موجودة جنبه أو إني انشغل عنه .. كمان انت عارف اللي مرينا بيه وهو بالذات .. لما فارس اتخبط قدامه بالعربية وكان سايح في دمه .. الموضوع مكنش سهل عليه ابداً .

وضع عمرو كوب النسكافيه إلى جانبه وأخذ ينظر لها بحب قبل أن يمسك بيدها ليطبع قبلة رقيقه عليها وهو يتمتم بهدوء :
وأنا عمري ما هفرق بينكم أبدًا .. وبعدين بالعكس أنا فرحان جداً لقربكم من بعض بالشكل ده .. وده شئ بيطمني عليكي أكتر .

ابتسمت بحب وهي تضع يدها على وجنته وتتمتم :
ربنا يخليك ليا وميحرمنيش من وجودك في حياتي أبدًا .

قبل راحة يدها الموضوعه على وجنته برقه وهو يجيب بهدوء :
ولا يحرمني أبدًا من نورك في حياتي .

ابتسمت بحب ثم مالت إلى كتفه واضعه رأسها عليه ليبدأ هو بلف ذراعه حول رأسها تاركاً الحريه لأصابعه كي تعبث داخل خصلاتها الحريرية .. بينما تنهدت هي بارتياح متمنيه من الله أن يديم عليهم تلك السعادة والراحة .

🌸 اكيد الصعب في يوم هيهون 🌸

كان ثلاثتهم يتناولون الطعام في صمت حتى انتهى فراس وتحرك إلى دورة المياه ليغتسل ثم خرج من غرفة الطعام إلى حديقة الڤيلا .. وجلس إلى احد٥ المقاعد مستنداً بظهره إليه ناظراً للسماء بشرود .

انتهت دالين كذلك ثم نظرت تجاه السيدة ابتهال التي حثتها على الذهاب خلفه إن أرادت ذلك .

تحركت بتردد .. ولكنها حسمت أمرها .. يجب أن تعلم سبب مجيئها إلى هنا ولما لم يبلغ الشرطة حينما تم اختطافها وماذا حدث بمن اختطفوها .. يجب أن تجد إجابات لجميع أسئلتها التي تدور في رأسها ..

جلست مقابله وهي تفرك يديها بتوتر .. بينما لم يتحرك ساكناً وظل ينظر للسماء بشرود ..

قاطع هذا الصمت صوته العميق ببحته المميزه :
عايزة تعرفي إيه ؟

دالين بتوتر :
اا .. كـ كل حاجه ؟.. أنا هنا ليه؟ ومين عايز يخطفني؟ وانت .. اا .. اقصد حضرتك يعني أنقذتني إزاي ؟ وهما فين دلوقتي ؟.. وليه مبلَّغتش ؟

نظر لها فراس لبعض الوقت فارتبكت أكثر وهي تراه يسلط أنظاره عليها بهذا الشكل .. بينما ذهب هو إلي عالم آخر داخل زرقاوتيها التي يبدو أنها منطفئة كثيراً .. ملامحها الهادئة .. شعرها الأشقر أو الأبيض .. أو ما لونه هذا ؟!!.. إنه يكاد يكون أشقراً .. ويكاد يميل للبياض .. وتتداخل به تلك الخصلات السوداء .. ما هذا؟ .. حسناً هل هذه طبيعته .. أم أنها قامت بصبغه بإحدى الصبغات التي تفعلها الفتيات هذه الأيام؟.. لما ترفعه بتلك العشوائية الساحرة؟.. ذكَّرته بغرامه حينما تندمج في الرسم .. فهي ترفعه هكذا أيضًا وتشبكه من نهايته بإحدى فرش التلوين خاصتها ..

انتقلت عيناه لتلك الملابس التي أخذها من غرفة غرام دون أن تنتبه له .. كأنها فُصلت خصيصاً لأجلها هي .. أنفها الصغير .. شفتيها الــ ..

إلى هنا وهز رأسه بعنف تطايرت على أثرها خصلاته .. أخذ يعنف نفسه داخليًا .. ماهذا الحجم من الغباء الذي سيطر عليه فجأه .. تحمحم بخشونه ثم أردف بهدوء ببحته التي سلبت شئ ما من داخلها لا تعرف ما هو .. لكنها سلبته :
إنتِ كنتي في المستشفي عندي امبارح وأنا كنت خارج ولمحت واحده كممتك وواحد جه بعدها ساعدها وحطوكي في عربيه ومشيوا .. وقتها مشيت وراهم وكلمت ناس من الأمن عندي وقابلوني ع الطريق وحاوطنا العربية وقدرت اخرجك واجيبك على هنا .. وبالنسبة للبلاغ فـ أنا استنيت لما تفوقي إنتِ بنفسك وتقرري .

نظرت له بعدم تصديق :
بعد ما أفوق اقرر إيه حضرتك ؟.. أروح أقولهم معلش اتخطفت امبارح وربنا بعتلي واحد ابن حلال شهم انقذني وخدني على ڤيلته قضيت فيها الليل بطوله ونهار تاني يوم وجيت دلوقتي عشان أبلغ عن اللي خطفوني ؟!

تحولت نظراته للقتامة والغضب وهو ينظر لسخريتها منه .. مال من على كرسيه للأمام ناظراً لعمق عينيها مما أعادها لارتباكها من جديد .. لكنها نظرت له في ذهول حينما سمعت قوله :
عربيتك لقيوها على طريق مصر إسكندرية الصحراوي .. وفيها جثه متفحمه نتيجة الانفجار اللي حصل للعربية .

دالين بذهول :
اا .. انت بتقول إيه ؟؟ يـ يعني إيه ؟؟

فراس :
يعني اللي سمعتيه .. اللي خطفك مش خطفك مساومة عشان فلوس ولا حاجه .. اللي خطفك خطفك عشان ياخد حياتك .. القضيه دلوقتي شغاله وبمجرد ما يعرفوا الجثه لمين والعربيه لمين هيبدأ البحث عنك .. وعن أي شئ يخص الجثه .. وطول ما انتي هنا محدش هيقدر يوصلك .

وقفت دالين بغضب وهي تقول بحده :
ومين قالك إني هفضل هنا .. أنا همشي دلوقتي حالاً .

وقف هو الأخر وأمسك بمعصمها بغضب وقوه جعلتها تئن بألم :
المره الجايه اللي هيعلي صوتك فيها مضمنش إنك تطلعي من هنا على رجليكي .. سامعه .

قال آخر كلماته وهو يلقي يدها من يده بعنف .

نظرت له بعيون تتلألأ بها الدموع .. فـ لان قلبه ولكنه عاد لجموده سريعاً وهو يقول :
خروجك من هنا فيه خطر على حياتك .. على الأقل دلوقتي .. لازم تخافي على نفسك .

دالين :
وانت .. انت ليه بتساعدني ؟

نظر لها مطولاً .. ماذا سيقول لها ؟ .. لما يشعر بأن هناك دافعٌ لحمايتها أكبر من الدافع الرئيسي ؟..
نفض رأسه من تلك الأفكار السخيفة .. فـ أي دافع هذا وهو لم يرها سوى بالأمس فقط ؟

تقدم خطوتين قبل أن يقول بهدوء :
اسمي فِراس؟

بعدها ذهب من المكان بأكمله مستقلاً سيارته وخرج أمام عينيها التي تنظر في أثره بشئ من التيه .

أفاقتها يد السيدة ابتهال التي وُضعت علي كتفها بهدوء :
تعالي يابنتي .. ادخلي ارتاحي جوه .

دلفت معها باستسلام .. وهي تجهل تماماً ماذا ينتظرها فيما بعد !!

🌸 كل اللي عدى دروس عشان تكون أقوى 🌸

حاول عاصم مراراً أن يهاتف شدا لكنها أغلقت هاتفها منذ أن خرجت من مكتب ذاك العميد .. اتصل بحازم فبالتأكيد ستكون معه الآن ولكن أتاه نفس الجواب :
الهاتف الذي طلبته غير متاح الآن .. من فضلك حاول الاتصال في وقت لاحق .

ألقى بالهاتف إلى المقعد المجاور وهو يزفر بضيق .. ماذا سيفعل الآن ؟

وجد نفسه يقف أمام منزل فاتن .. ترجل بهدوء ودلف إليها لتقابله ضحكة رنانة في الحديقة .. عقد على أثرها حاجبيه حينما رأى سمر والدة فاتن أمامه توليه ظهرها وتتحدث بدلال غريب إلى أحدهم وكأنها مراهقة تتحدث لحبيبها وتمسك بطرف خصلاتها وتلفها حول إصبعها .

تحمحم لتنتفض هي على صوت حمحمته حتى كاد الهاتف يسقط من يدها .. نظر لردة فعلها المبالغ بها وزاد تعجبه وهو يرى توترها وهي تتحدث :
عـ عـ عاصم ؟! .. انت .. انت هنا من بدري؟

عقد عاصم حاجبيه قبل أن يجيب :
لا أبدا .. لسه واصل .. فاتن فوق ؟

أجابت بسرعة :
أيوه فوق في أوضتها .

أماء بصمت واستأذنها في الدلوف ودلف بهدوء .. بينما أعادت هي الهاتف لأذنها وهي تقول بضيق :
كنا هنروح بلاش يامراد .. عاصم إبنك جه فجأه وخضني .

صمتت قليلًا تستمع للطرف الآخر ثم تابعت :
انت اتجننت يامراد .. نسافر فين دلوقتي .. انت مش شايف الدنيا مقلوبة على دالين ازاي ! .. أجلها شويه .. بس ده ميمنعش إننا نقضي ليله يعني .

صمتت قليلًا ثم ودعته بضحكة وهي تتمتم :
سلام يا قلب سمورة .

أغلقت الهاتف ثم خرجت من الڤيلا إلى حيث لا يعلم عاصم الذي كان يقف خلف شجرة الورد الضخمة والتي تآكلته خلفها فلم يظهر أمامها .. وقد استمع لكل ما قالت .. كان يقف في صدمة وذهول .. والدة فاتن ووالده معاً ..
أتخون عمه مع والده؟ ووالده يخون أخاه!!!

كان يقف كمن سُكب فوق رأسه دلواً من الماء البارد .. ألجمته الصدمه وشلَّت حركته تماماً .

لم يفق من دوامته سوى على صوت فاتن التي تناديه من البلكون الخاص بغرفتها والذي يطل على الحديقة .. حاول التماسك .. فتحمحم وتحرك للداخل .. قابلته هي على الباب وهي تأتي إليه ركضاً :
ها .. عملتوا إيه انت وشدا ؟؟ .. وصلتوا لحاجه ؟.. لقيتوا دالين ؟

كانت تتحدث ودموعها تنزل على وجنتيها بقلق .. أخذها بين أحضانه وأخذ يربت على ظهرها بحنو وهو يقول بهدوء :
هنلاقيها .. متخافيش هنلاقيها .

🌸 اعمل اللي عليك وجرب 🌸

كانت تقود السياره بسرعة وبجانبها حازم الذي ينظر لها بعدم فهم :
إحنا رايحين فين؟

شدا :
هنروح القسم تاني .. لازمنا مساعدة الظابط .

حازم :
هو مش كان متخلف من شوية ؟

شدا بضيق :
ومغيرتش رأيي فيه .. بس كله يهون لحد ما نوصل لدالين .. مضطره أتعامل معاه .. المهم احكيلي تاني اللي حصل من وقت ما بدور وقعت .

أخذ حازم شهيقاً طويلًا أخرجه بهدوء مع حروفه :
بدور وقعت من على السلم ودالين جت ندهتلي قلتلها تجيب عربيتي وتجيلي على الباب الخلفي بحيث منلفتش الأنظار .. بس هي جابت عربيتها هي لإن أصلا مفاتيح عربيتي معايا .. وخدناها ورحنا المستشفي .. بعدها قالت هعمل تليفون وأجي .. غابت أكتر من نص ساعة ووقتها أنا نزلت عملت خروج لبدور وكلمتها .. بس صوت اللي ردت عليا كان غريب .. قالت أنا روحت وقفلت على طول .. فاتصلت تاني لقيت التليفون مقفول .. وحاولت كتير بعدها لحد ما كلمتك وقلتلك .

أماءت شدا ثم سألته :
كنتوا في مستشفي إيه ؟

حازم :
الصاوي الخاصه .

أماءت شدا مجدداً قبل أن تنزل من السيارة يتبعها حازم بعدما وصلا لوجهتهما ..

دلفت وأخبرت العسكري أنها تريد مقابلة لؤي فأخبرها انه قد ذهب .. زفرت بضيق ثم هاتفت عاصم وطلبت منه أن يحاول الوصول لرقم هاتف ذاك المتعجرف كما أسمته وبالفعل استطاع الوصول إليه وأرسله لها في رسالة .

أخذت شهيقاً طويلا قبل أن تضغط زر الإتصال .. أتاها صوته ببحته التي جعلتها تلين بغباء ثم تمتمت :
عايزة أشوفك .

لؤي بتعجب :
نعم ؟؟

شدا بانتباه وقد عادت حدتها إليها :
إيه مبتسمعش ؟.. قلت عايزه أشوفك .

لؤي وقد أزاح الهاتف عن أذنه ونظر في الرقم الغير مسجل أمامه ثم أعاده إلى أذنه وهو يقول بضيق :
انتي مين ياغبيه انتي ؟

شدا بضيق مماثل :
ياريت تحفظ لسانك عشان أنا لساني متبرِّي مني .. فمتوصلنيش لمرحلة فقدان السيطرة عليه .

استطاع فوراً تحديد هوية المتصله أو فلنقل استطاع معرفة من يهاتفه شكلياً على الأقل .. فهو حتى الآن لم يعرف اسمها ولم ينتبه حتى لعاصم حينما ناداها باسمها أمامه بسبب غضبه .. فتمتم :
عايزه إيه ؟

شدا :
إسمع .. انت ظابط شرطه وأنا لازم استغل ده عشان أوصل لصحبتي .

لؤي :
نعم يختي؟

شدا :
لو سمحت .. خلينا نتعامل زي الناس المتحضرة .. ممكن تقولي مكانك فين واجيلك ونتفاهم ؟!

زفر بابتسامة خرجت منه لا إرادياً .. يا إلهِ كم هي رقيقة ولطيفة عندما تتحدث بهدوء واحترام .. لم تدم ابتسامته حينما ارتفع صوتها بحدتها التي اعتادها عليها :
ما تخلص يا بني آدم ... انت فين ؟

يا إلهِ لقد كاد ينسى كونها سليطة لسان وغليظه منذ قليل تلك المتبجحة والمتعجرفة .

لؤي صاراً على أسنانه بغيظ :
في مشرحة الـ ( ... ) .

شدا :
مسافة السكة وأكون عندك .

استقلت سيارتها وبجانبها حازم الذي يخفي ضحكته احتراماً للموقف الذي هم فيه .. لكنه لا يعلم إن كان سيتحكم في نفسه إن رآهما يتعاركان هكذا أمامه مجددا أم لا .

🌸 طول ما انت بتسعى .. كل الأحلام هتحققها 🌸

جلس في ممرات المستشفى واضعاً رأسه بين يديه .. رغم كل السوء الذي يحاوطه إلا أنه لا يستطيع تحمل فكرة ترك ابنته أو زوجته له في يوم من الأيام .. رغم كون زوجته هجرته منذ زمن إلا أنه لا يمكنه تخيل المنزل دونها .. فهي الهواء الذي يتنفسه بمجرد دلوفه إليه حتى وإن كانت بعيده عنه .

أما ابنته فهي كل ما يملك من الدنيا .. أرسلها للدراسة في الخارج ليس إلا حماية لها وخوفاً عليها من عواقب عمله الوخيمه .. أبقاها بعيدة كل البعد عنه حتى لا يصيبها ما أصابها الآن .. لكن ترى ماذا أصابها ؟.. لقد هاتفوه ظهيرة اليوم وأخبروه بأن السيارة التي وُجدت على طريق مصر اسكندرية الصحراوي ما هي إلا سيارة ابنته بالفعل كما أخبرته شدا صباحاً .. لكن لا أثر لابنته فيها أو في أي مكان قريب .. ليس هناك سوى طريقة واحدة وهي التوسُّل .. أجل سيتوسَّل لرأفت الصاوي من أجل عودة ابنته ..

خرح الطبيب في هذه اللحظة فوقف ماجد سريعاً وأخذ ينظر له بقلق وتوتر ..

الطبيب بهدوء :
متقلقش حضرتك ... دي أزمه عصبيه اتعرضتلها بسبب ضغط نفسي شديد .. إن شاء الله هتتحسن مع الوقت والعلاج .. بس لازم تبعد عن أي ضغوطات .. حمد الله على سلامتها .

غادر الطبيب .. فتنهد ماجد بعمق ثم دلف لزوجته ليطمئن عليها .

🌸 هتبقى أحسن من الأول .. بس انت قول يارب 🌸

كان ينظر لها ببرود أغضبها ..

شدا بضيق :
انت بتبصلي كده ليه ؟ .. ما تنجز .

لؤي ولا يزال على وضعيته :
عارفه إيه مشكلتك ؟.. إنك مفكرة نفسك الذكية الوحيدة هنا .. هو انتي فاكرة إننا مفرغناش الكاميرات وشفناها بس موصلناش لحاجه منها؟ خصوصًا إنهم لعبوها بخباثه لإنهم خدوها في عربيتها هي مش عربيه تبعهم !!

مالت شدا في جلستها موجهه زيتونيتيها مباشرة لخضراوتيه وهي تقول بصوت أشبه بمن يكتم غيظاً وسينفجر في آية لحظة :
أنا عارفه إن سعادتك عميد في مباحث الجنايات وأول حاجه هتخطر على بالك في التحقيق إنك تفرغ الكاميرات من بداية ما قلنالك عن هوية صاحبة العربيه ومكان وجودها قبل الخطف .. فده مبيتصنفش من بنود الذكاء لإن ده وارد في تحقيقات سعادتك .. لكن أنا عايزه أشوف حاجه تانيه وياريت من سكات تساعدني عشان أنا هنا مش صحفيه .. أنا هنا بدور على صحبتي .. فياريت متضطرنيش أتعامل كصحفيه وسعاتها الوضع مش هيعجبك أبداً .

لؤي وقد فارت خضراوتيه غضباً .. لكنه قرر مواجهتها ببرود كما تتعامل معه .. فمال للأمام هو الآخر مسندًا ذراعيه على فخذيه وقام بتشبيك أصابعه أمامه ثم تحدث ببرود :
ده تهديد؟!

ابتسامة جانبية اعتلت ثغرها قبل أن تضيف :
زي ما تشوف يا لؤي بيه .. أنا طالبه مساعدتك لا أكتر ولا أقل .

لؤي :
وهتستغلي شغلك وتكتبي في سمعتي إذا ما ساعدتكيش .. مش ده قصدك !!

أدرك حازم بأن الوضع سيتأزم لو لم يتدخل الآن .. فهما يبدوان كعدوان لدودان ومنذ زمن ..

قرر مقاطعة الحوار فقال بهدوء :
لؤي بيه .. حضرتك غني عن التعريف بسبب سمعة حضرتك الحسنه والمعروفه في المباحث .. أنا وشدا هنا عشماً في حضرتك تساعدنا .. دالين صحبتنا واختفت .. شدا اعصابها تعبانه وزعلها على دالين هو اللي بيتحكم في كلامها حالياً .. فـ أرجوك لازم تساعدنا .. إحنا مش هنعطل التحقيقات ومبنشكش أبداً في كفاءة سعادتك .. بس وجودنا هيفيد حضرتك .. فـ ليه منساعدش بعض عشان نوصلها أسرع !

كانت شدا ستجيب وتعنف حازم لكن قول لؤي جعلها تصمت :
وأنا موافق .. بس بشرط .

شدا بتهكم :
إحنا هنلعب ؟ .. هو إيه اللي بشرط !

أمسك حازم يدها وضغط عليها لتصمت وهذا اغضب لؤي ولا يعلم السبب .. فتحدث كازًا على أسنانه :
ده اللي عندي إذا كان عاجبك .

حازم بسرعة :
إيه هو .. اتفضل .

أخذ لؤي شهيقاً طويلاً أخرجه ببطء مع كلماته :
أعرف كل حاجة في خطواتكم واللي بتفكروا فيه .. باختصار يعني .. هنعمل زي فريق .. بس ده بينا إحنا التلاته وواحد صحبي وبس .

ابتسمت شدا بتهكم ..

حازم بسرعة :
موافقين ... صح ياشدا ؟

ضغط على يدها أكثر بعد جملته الأخيرة فوافقت بإماءة .. فسحب حازم يده بعدما لاحظ نظرة لؤي الغاضبة ليده .. فعقد حاجبيه بعدم فهم لكنه لم يتحدث .

شدا :
هنمشي امته؟

لؤي :
هشوف الدكتور خلص تقارير الطب الشرعي ولا لسه .. ولو لسه هنروح وابقي أرجع تاني .

تحرك في نهاية كلماته متجهاً لمكتب رامي الذي بمجرد أن فتحه لؤي قال رامي سريعاً :
لسه حالاً كنت جايلك .

لؤي بسرعة :
التقرير طلع ؟

أماء رامي ليدلف لؤي بسرعة فتحدث لؤي وهو يفتح التقارير أمامه .. ثم نظر للؤي نظرة لم يفهم معناها .. ليتحدث لؤي بنفاذ صبر :
فيه إيه ؟

رامي :
صاحب الجثه ميت قبل الانفجار بتاع العربيه بوقت مش أقل من ساعة .

لؤي بعدم فهم :
نعم ؟!! .. اللي هو إزاي يعني؟

رامي هازًا كتفيه بعدم معرفه :
معرفش ده اللي في التقرير .. ضيف كمان كمان إن الجثه جايه والحرق في النص اللي فوق بس والوش .. يعني ده بيأكد إن الجثه مكنتش في العربيه قبل الإنفجار وكمان داخله العربيه وهي جثه .. ضيف كمان إن الحرق مش حرق نار .. ده .. حرق مية نار .

°°يتبع °°


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close